منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69424
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام  Empty
مُساهمةموضوع: ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام    ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام  Emptyالسبت 31 أكتوبر 2015 - 10:39

ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام  252
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69424
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام  Empty
مُساهمةموضوع: رد: ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام    ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام  Emptyالأحد 1 نوفمبر 2015 - 8:20

ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام 


قامت في المناطق العربية القديمة قبل الإسلام ممالك عربية عديدة. وكان لها دورها الكبير في تلك العصور. وسنتحدث في هذا
الفصل عن هذه الممالك٬ واحدة بعد الاخرى. وقد سبق ان تكلمنا في مقال مستقل عن تدمر المدينة – المملكة تحت فصل مدن
تجارية .


1 ­ مملكة الانباط 


شعب الانباط من أقدم الشعوب التي استقرت في جنوبي بلاد الشام . كانوا قبائل عربية بدوية نزحت من شبه الجزيرة العربية منذ
سيناء وجنوبي فلسطين٬ ثم أنشأوا لهم دولة امتدت من نهر الفرات شرقاً الى البحر الأحمر غرباً. يحدها غرباً وادي عربة وجنوباً القرن السادس قبل الميلاد
وانتشرت في بادية شرقي الأردن وشمالي الحجاز وتوسعت على حساب الأدوميين في شبه جزيرة
الحجاز وشرقاً بادية الشام وشمالاً فلسطين. وعندما قويت شوكة الانباط وسعوا مملكتهم فشملت دمشق وسهل البقاع وجبل عامل
وحوران ومدين وديدان (العلا الحالية) .

بنى الانباط مدناً وأنشأوا قرى واتخذوا البتراء عاصمة لهم. تقع البتراء في جنوبي غربي وادي موسى في شرقي الأردن على
الخط التجاري الذي يصل جنوبي الجزيرة العربية بشمالها. تحيط بها الجبال ولا يسهل الدخول اليها الا من الممر الضيق
المعروف بالسيق. ويعتقد المؤرخ لانكستر في كتابه "آثار الاردن" ان السيق لفظ نبطي محرف من كلمة الشق في السبئية القديمة.
كانت بلاد الانباط جبلية قفراء تكثر فيها المرتفعات الصخرية الوعرة٬ قليلة المياه. وربما انعكست هذه الطبيعة القاسية على
الانباط انفسهم فعرفوا بشدة المراس. ساعدتهم هذه البيئة الصخرية في صد هجمات الاعداء٬ لذلك سمى اليونانيون بلاد الانياط
ببلاد العرب الصخرية وسميت عاصمتهم بالبتراء٬ وهو أسم يوناني معرب٬ أي الصخرة لأنها منحوتة في الصخور. كذلك
عرفت البتراء في المصادر العربية باسم الرقيم٬ أي النقش القديم .

سمحت هذه الطبيعة للانباط ان يحتكروا العمل التجاري في منطقتهم الوعرة والصعبة فنقلوا البضائع والسلع بين مختلف الأقاليم
وسيطروا على طريق القوافل الموازي للبحر الأحمر الذي كان يربط اليمن والقسم الجنوبي في شبه الجزيرة ببلاد الشام ومصر
عن طريق غزة والمدن الفينيقية الشاطئية. وعندما تفككت امبراطورية الاسكندر بعد وفاته وسع الانباط حدود مملكتهم من غزة
الى ايلة (العـقـبـة) وأحكموا قبضتهم على الطريق التجاري البري مما أغضب الملك السلوقي انتيغوناس فهاجم بلاد الانباط سنة
312 ق. م لقطع التجارة عن خصومه البطالسة. لكن حملته فشلت وقام بحملة ثانية انتهت بعقد صلح مع الانباط .

أدرك البطالسة٬ من جهتهم٬ أهمية بلاد الانباط وأثرها في التجارة المصرية٬ كما أدركوا استحالة الاستيلاء على تلك البلاد الجبلية
الصخرية المحصنة٬ لذلك عمدوا الى تنشيط تجارة البحر الأحمر بهدف تجاوز الطريق البري٬ فأنشأوا الطرق والموانئ
والمحطات على سواحله المصرية٬ كما مدوا نفوذهم الى فلسطين والموانئ الفينيقية التي كانت تتعامل آنذاك مع قوافل الانباط.
وقاموا٬ من جهة ثانية٬ باحتلال اراضي اللحيانيين الواقعة على الطرق الشمالية من الحجاز وأقاموا مستعمرات لهم عند أطراف
بلاد الانباط. وبذلك أحاطوا بالبلاد وسدوا منافذ الطرق التجارية٬ مما إنعكس سلباً على التجارة البرية المارة ببلاد الانباط. وكان
جواب الانباط أن هاجموا سفن البطالسة في البحر الاحمر ورد بطليموس الثاني الذي حكم في القرن الثالث ق. م بأن عزز قواته
البحرية لحراسة سفنه التجارية وهاجم الطرق الشمالية واحتل خليج ايلة .

إستفاد الانباط من الحروب التي جرت في القرن الثاني قبل الميلاد بين البطالسة والسلوقيين فنشطوا تجارتهم مع سورية ووصل
تجارهم الى صور وجبيل وربما الى غيرهما. وعندما ضعف السلوقيون في القرن الاول قبل الميلاد اضطربت أوضاع المنطقة
بفعل الصراع بين البارثيين الفرس والرومان٬ حيث تمكن البارثيون من احتلال العراق واستقلت امارات متعددة في جنوبي بلاد
الشام مما عرقل التجارة المارة بالعراق وأدى بالتالي الى ان تستعيد طرق التجارة في غربي شبه الجزيرة العربية زخمها فازدهرت البتراء.

بدأ الانباط في سك عملتهم الخاصة منذ عهد ملكهم الحارث الثالث ( 62 – 87 ق.م. ) في الجرهاء مقلدين الدرخما الآثينية او
الدرخما التي كانت تسكها صيدون (صيدا). وفي وقت لاحق أخذت العملة النبطية الطابع العربي في رسومها ونقوشها. وفي زمن
الامبراطورية الرومانية ضرب الانباط نقوداً تتبع في وزنها الدينار الروماني.
حضارة الانباط مركبة. فهي عربية في لغتها٬ آرامية في كتابتها٬ سامية في ديانتها٬ يونانية– رومانية في فنها وهندستها. إستعمل
الانباط الخط الآرامي – الفينيقي واللغة الآرامية في الكتابة والمعاملات وفي "لغتهم الخاصة" في التخاطب. 
حوروا الآرامي حتى أضحى أصل الخط العربي الكوفي .


دور البتراء التجاري 


لعبت البتراء٬ عاصمة الانباط ٬ دوراً بارزاً في تاريخ العرب القديم. أنشئت كمحطة على طريق القوافل التجارية وازدهرت في
القرن الرابع قبل الميلاد وظلت ما يقرب من اربعمئة سنة تشغل مكاناً مهما على طريق القوافل ما بين اليمن والشام ومصر.
 فقدت مكانتها التجارية بعد ان احتلها الرومان واتخذوا٬ بدلاً عنها٬ مدينة بصرى عاصمة للمقاطعة العربية.

تمحورت حياة المدينة الاقتصادية حول مركزها كمحطة تجارية لعدد من صناعات العطور والاواني٬ وسوقاً تجارية نشطة تبيع
ما ينتجه حرفيوها من نساجين ونجارين وحدادين وزراع. كانت تتدفق عليها السلع والبضائع من المدن المجاورة والجهات
الاخرى٬ وتجري فيها الصفقات التجارية وتعطى القروض وتتبادل النقود. كانت ملتقى القوافل العابرة لبادية الشام ما بين غزة
وبصرى٬ وما بين دمشق وايلة٬ وما بين اليمن وبلاد الشام والعراق والخليج العربي. وصلت تجارتها الى موانئ سورية الشمالية
والى الإسكندرية في مصر والى رودس وملتوس وديلوس وسلوقته والى ايطاليا والى الصين ايضاً. وشملت مستورداتها العطور
و الطيوب اليمنية والمنسوجات الحريرية من دمشق وغزة والصين والارجوان من صور وصيدا والحناء
 من عسقلان واللآليء من الخليج العربي والخزف من روما. حملت تجارها الطيوب والمر والبخور والتوابل من اليمن الى مصر 
وبعض دول شواطئ البحر الأبيض المتوسط . كما حملوا القار الى مصر للتحنيط.

بلغت البتراء قمة ازدهارها التجاري في القرن الاول للميلاد. وقد ظلت مركزاً تجارياً بين الشرق والغرب وبين الجنوب والشمال
الى ان أعاد الرومان فتح الطريق البري من القصر على البحر الاحمر حتى قفط على النيل.
في عام 106 جرد الامبراطور الروماني حملة عسكرية على البتراء وقضى على استقلالها واستقلال الانباط. ومنذ ذلك الوقت
تراجعت البتراء وفقدت دورها التجاري حتى تخلت عنه نهائياً الى مدينتي تدمر وبصرى.
بصرى عودة إلى: الفهرست
كانتُبصرى الواقعة في منطقة حوران جنوبي سوريا محطة تجارية مهمة٬ لا بل من أهم مدن الانباط في الفترة المتأخرة من
تاريخهم. كانت تقع على ملتقى الطرق البرية القادمة من شبه الجزيرة العربية عبر وادي السرحان وسوقاً تجارياً كان يبيع فيه
تجار الحجاز ما يحملونه من بضائع٬ كما كانت آخر محطة لتجار قريش في العهد البيزنطي٬ ومركزاً صناعياً لعدد من
الصناعات بينها صناعة الخمور .


لوكي كوما عودة 


كانت مدينة لوكي كوما (القرية البيضاء) الواقعة على الساحل الشرقي من البحر الأحمر٬ ميناء الدولة النبطية الرئيس. وصفها
الجغرافي سترابو في كتابه "جغرافية سترابو" بأنها ميناء وسوق تجاري٬ ترسو فيه السفن التجارية وتنطلق منه القوافل التجارية
البرية الى البتراء. ويصف صاحب " الدليل الأثري" المدينة بأنها سوق تجاري وميناء ترسو فيه السفن٬ وفيها قلعة محصنة تقيم
فيها حامية عسكرية مهمتها جمع الضرائب التي كانت تفرض على التجار. قامت المدينة فوق واحة العينونة التي اعتبرتصالحة
للعيش ولانشاء المدن. وهي ارض واسعة قادرة على استيعاب جيش كبير كجيش الرومان الذي رابط فيها لأشهر عديدة. تتصل
لوكي كوما بالبتراء بطريق بري يمر في وادي عفال .

الحجر 


أشار سترابو الى ميناء يقع الى الجنوب من لوكي كوما. ويبدو ان هذا الميناء كان تابعاً لمنطقة او مدينة إجراء٬ وهي مدينة
الحجر (مدائن صالح) المعروفة والتي كانت جزءاً من دولة الانباط. وقد اشتهر مرفأ المدينة في عهد الدولة اللحيانية لأن الحجر
كانت من مدنهم الرئيسة .


2 – الدولة المعينية 


قامت الدولة المعينية في الجوف شرقي صنعاء بين نجران وحضرموت . أرضها كانت خصبة ومياهها كثيرة. إشتغل أهلها
بالزراعة والتجارة. عاصمتها قرنا٬ وهي معين .
هي من أقدم الممالك العربية في اليمن. جاءتنا أخبارها بأكثرها عبر الكتب الكلاسيكية اليونانية والرومانية ولم يرد لها ذكر في
المصادر العربية القديمة. ظلت حضارة المعينيين مجهولة حتى كشف أحد علماء الآثار عنها٬ وهو جوزف هالفي. أما النقوش
التي وجدت بين آثارها فحوت أسماء ملوك وأفراد وما يتعلق بهم من أحداث شخصية او خاصة. من هنا يصعب على الباحثين
تحديد ناريخ بداية هذه الدولة وتاريخ انتهائها. على ان البعض يضع هذه التواريخ بين القرن الخامس عشر قبل الميلاد والقرن
الاول الميلادي٬ بينما قال بعضهم ان تاريخها كان بين 1300 و 650 قبل الميلاد.

نفوذ المعينيين التجاري


سيطرت الدولة المعينية على الطرق التجارية بين شمالي وجنوبي اليمن٬ ونما نفوذ المعينيين حتى امتد الى شمالي الحجاز
ودخلتُمعان وديدان (العلا الحديثة) تحت سيطرتهم. وقال في هذا الصدد المؤرخ ألويس موسل في كتابه "شمال الحجاز"
المترجم الى العربية انه "خلال الألف الاول قبل الميلاد كان الجزء الأعظم من التجارة العالمية في بلاد العرب واقعاً في يد
السبئيين والمعينيين". ويضيف انه في كل واحة من الواحات الرئيسة التي تقع على الطريق التجاري كانت تقيم جالية من عرب
الجنوب بينهم مقيم جنوبي مهمته الاشراف على ملوك الاقليم ورؤسائه ومراقبتهم لكي لا يقوموا بأي عمل يضر بمصالح أسياده
السبئيين او المعينيين.
امتد نفوذ المعينيين حتى شمل الطريق التجاري البري الذي ربط اليمن ببلاد الشام ومصر وأنشأوا في كل واحة من الواحات
الواقعة على هذا الطريق محطة لهم تقيم فيها طائفة من المعين وجاليات جنوبية من الاوساط التجارية تحميها حاميات عسكرية.
وأقامت معهم٬ في هذه المراكز٬ جالية من الافريقيين الكوشيين الذين كانوا يمارسون التجارة مع المعينيين. ويبدو ان القوافل
المعينية كانت تسلك الطريق الغربي في شبه الجزيرة العربية أكثر مما تسلك الطريق الشرقي. فكانت تنطلق قوافلهم٬ في أكثر
الاحيان٬ من اليمن مارة بمكة ويثرب ومدائن صالح (مدينة الحجر) حتى البتراء. ومن هناك كانت تتوزع بين جنوبي سوريا
والعراق ومصر. ويعتقد بعض المؤرخين ان مكة كانت تحت نفوذ معين وأن معان كانت مدينة تابعة لها مزودة بحامية عسكرية
للدفاع عن مصالح الدولة المعينية. كذلك كانت تيماء الواقعة على الخط التجاري البري الغربي الذي ربط اليمن بالشام ومصر
تحت سيطرة المعينيين .
إقتبس المعينيون أبجديتهم وعلومهم في المحاسبة من الفينيقيين٬ وذلك لتدوين حساباتهم التجارية. وقد عثر في اور والوركاء
بالعراق وفي الجيزة بمصر على كتابات معينية ترجع الى القرن الثاني قبل الميلاد وكلها تشير الى الصلات التي ربطت العراق
ومصر بالدولة المعينية.
أدى توسع المعينيين شمالاً الى الاحتكاك بفينيقيا وآشور. وكان حكام أشور في سورية يتعاملون مع المعينيين المقيمين في
الواحات .
فينيقيوا شبه الجزيرة العربية!. هذا هو الاسم الذي أطلقه بعض الؤرخين المحدثين على المعينيين٬ لما كان بين الفينيقيين
والمعينيين من تشابه في اعمال التجارة. فالاثنان تجار التاريخ القديم في منطقتنا بامتياز.
قضى السبئيون على الدولة المعينية. إلا انهم سمحوا للمعينيين ان يتابعوا نشاطهم التجاري وان يتمتعوا بحكم ذاتي داخلي.


3 – مملكة سبأ 


أسس عبد شمس بن يشجب مملكة سبأ. نسبه يرتقي الى قحطان. لقب بسبأ لكثرة غزواته وحروبه وغلب هذا اللقب على المملكة
وشعبها. كان إنطلاق سبأ في الجوف٬ في الشمال. وكان الآشوريون يطلقون اسم "يلاد عريبي" على هذه المنطقة التي كانت
أصلاً وطناً لكثير من الممالك في العهد الاشوري .
ورد اسم سبأ في أكثر من مصدر٬ بينها نقش معني يشير الى ان قبيلة بدوية كانت تسطو على الطريق التجاري الممتد بين جنوبي
شبه الجزيرة العربية ومعان في شمالها. وذكر العهد القديم ان لصوصاً سبئيين كلنوا يسطون على رعاة أيوب ويقتلونهم. وذكرت
النقوش الاشورية التي تعود الى ثلاثة من ملوك آشور هم تغلت فلاسر وسنحاريب واسرحدون ان هؤلاء فرضوا جزية على سبأ
خلال حكم مليكهم يثعمر وكرب إيلو.
من المرجح ان السبئيين كانوا شعباً بدوياً يتنقل داخل شبه الجزيرة العربية قبل ان يستقر في اليمن حوالى سنة 800 ق.م. وعندما
تمكنوا من الدولة المعينية أقاموا دولتهم على انقاضها وورثوا لغتها وديانتها وتقاليد شعبها وتجارتها وصاروا يشتغلون بنقل
التجارة بين الهند والحبشة ومصر وبلاد الشام والعراق٬ حتى أضحوا في القرن الاول قبل الميلاد أقوى وسطاء التجارة في العالم
القديم. وقد أثرى شعب سبأ ونما وازدهر نتيجة احترافه الزراعة من جهة٬ وسيطرته على الطرق التجارية البرية التي ربطت
آنذاك بين الجنوب والشمال٬ من جهة ثانية .

نفوذ السبئيين التجاري


سلك السبئييون إجمالاً طريقين رئيسين: الاول كان الطريق الذي طالما سلكته القبائل البدوية والذي يمتد داخل الاراضي الزراعية
على طول الشاطئ الغربي لشبه الجزيرة العربية من الشمال الى الجنوب؛ والثاني الطريق الذي يمتد على طول الساحل الغربي
للخليج العربي حتىُعمان وحضرموت. ولم تكتف سبأ بهذين الخطين٬ بل إفتتحت خطاً برياً جديداً بين اليمن وبلاد الشام على طول
ساحل شبه الجزيرة العربية الغربي كان يؤدي الى مكة والبتراء ومن ثم يتشعب الى مصر والشام وما بين النهرين. وكان الفرع
الشامي ينتهي عند غزة على البحر الأبيض المتوسط . ومن حضرموت٬ الغنية باللبان٬ كان يمتد طريق آخر تسلكه القوافل التجارية
حتى مأرب٬ عاصمة سبأ ويتصل هناك بخط تجاري آخر لهم.
لم تسلم قوافل السبئيون من تعديات البدو في اثناء سيرها على الطرقات البرية٬ رغم إتساع نفوذ السبئيين وقوتهم. كما ان نفقات
السفر البري أرهقهم فحولوا أنظارهم شطر البحر وراحوا يسافرون عن طريق البحر حيث المسافات أقصر والبحر أسلم. وكانت
تأتيهم منتوجات الهند وأفريقيا وتخزن في مرافئهم٬ كموزا وعدن٬ او تنقل بحراً الى مرفأ أيلة (العـقـبـة حالياً) ومنه براً الى
فلسطين والشام ومصر٬ او تنقل الى مرفأ القصير على البحر الأحمر ومنه الى قفط على النيل. وكان رعمسيس الثالث٬ حسب ما
ذكر المؤرخ جرجي زيدان في كتابه العرب قبل الإسلام قد بنى اسطولاً وأنزله الى البحر الاحمر وسافر فيه وصولاً الى الحبشة
والصومال والارض المقدسة (بلاد العرب) وكان غرضه الرئيس تسهيل التجارة البحرية المصرية بين مصر وأقصى الشرق٬ ثم
أنشأ طريقاً تجارياً برياً بين القصير والقفط وطريقاً بحرياً بين المحيط الهندي والنيل عن طريق بلاد العرب. وفي وقت لاحق
إحتفر الحاكم المصري سيني الاول قناة وصلت الى نهر النيل بالبحر الأحمر.

سيطرة الحكام السبئين على طرق التجارة


مرت مملكة سبأ بمرحلتين متتاليتين:
 الاولى مرحلة المكربين٬ وهي مرحلة تلقب فيها حكامها بلقب مكرب سبأ٬ أي المقرب من الآلهة والناس والذي يقوم بدور الكاهن والملك في آن٬
 والمرحلة الثانية المسماة مرحلة الملوك تلقب فيها حكامها بلقب ملك سبأ واتخذوا مأرب عاصمة لهم.

توالى على حكم سبأ عدد من المكربين٬ قيل انهم سبعة عشر مكرباً وقاموا بأعمال عمرانية٬ أبرزها بناء السدود. فقد بنى "سمه
علي بن ينف بن ذمر" سد رخاب٬ وهو جزء من سد مأرب ٬ فتوسعت الزراعة في مأرب وزادت ثروة أهلها. وسع ابنه "يثعمر"
سد حبابض. وأضحت مأرب نتيجة لذلك مقراً للفئات الغنية والمتنفذة وكبار الملاكين٬ ما هيأ لنقل العاصمة من صروح الى مأرب.

كان كرب إيل آخر الحكام المكربين. كان طموحاً وشاء التوسع فحارب ممالك وامارات في القسم الجنوبي من شبه الجزيرة
واخضعها لحكم سبأ. وكانت سياسته هذه مخالفة لسياسة أسلافه الى قامت على البناء والزراعة واتبع سياسة عسكرية للتوسع
على حساب جيرانه والسيطرة على طرق التجارة الدولية. وتحقيقاً لطموحاته هذه تحالف كرب ايل مع ملكي حضرموت وقتبان
ضد المعينيين والأوسانيين وهاجم دولة معين وغزا المناطق المجاورة لها والمتحالفة معها في الشمال وقضى عليهم جميعاً. ثم
توجه الى أوسان في جنوبي اليمن٬ التي كانت تسيطر على الطرق النجارية في المنطقة وهاجمها وانتصر عليها. غير ان هذا
الانتصار قابلته أضرار فادحة في اقتصاد المناطق التي أخضعها بعد ان تدمرت بكاملها وقتل أكثر أهلها٬ ومن نجا منهم أخذ
أسيراً٬ وصودرت أملاك الناس وسجلت باسم الاسرة الحاكمة او الحكومة او المقربين.

حقق هذا الانتصار للملك السبئي السيطرة على طرق تجارة البخور والتوابل القادمة من الشرق والشمال. وظهرت سبأ بين
القرنين السابع والرابع قبل الميلاد كأكبر قوة تجارية في العالم القديم٬ وأصبح اسطولها التجاري الكبير يزود ٬ بين من يزود٬
معابد مصر بالبخور والطيوب المستوردة من اليمن والحرير والتوابل من الهند. واتخذ كروب ايل لقب ملك سبأ وأقتدى به من
بعده بقية الحكام .

كان هدف سبأ في المرحلة الثانية السيطرة على ما يهمها من طرق التجارة الدولية. وعرفت هذه المرحلة بمرحلة الملوك. فقد
اتخذ ملوك سبأ٬ في خلال هذه المرحلة ٬ مدينة مأرب عاصمة لهم وجعلوا من سلحين وقصرها مقراً يديرون منه شؤون البلاد.
ونمت الحرف الصناعية وأصبح لسبأ اسطولاً تحارياً كبيراً. وترجمت سبأ هذا التطور والازدهار توسعاً على حساب جيرانها٬
فوحدوا الممالك العربية الجنوبية وضموا الامارات المستقلة.
صادر السبئيون أراضي القبائل المعارضة وفرقوها على أسرهم ومناصريهم. وكان ذلك ايذاناً بانتقال الحكم بصورة تدريجية الى
أيدي الأسر الغنية والنافذة والاوسع املاكاً والأكثر قوة٬ وأضحى المال وسيلة رئيسة للوصول الى السلطة. وبالمقابل أصبحت
السلطة تخدم الأثرياء وتفتح امامهم كل النوافذ لزيادة ثرواتهم. وأدت هذه المعادلة٬ المال والسلطة ٬ الى ظهور أسر قوية لعبت
دوراً بارزاً في سياسة البلاد. ومن بين هذه الأسر: بنو مرثد ٬ بغ بثع من همدان ٬ بنو فيشان .
بدأ مركز سبأ التجاري يواجه صعوبات كبيرة منذ القرن الرابع قبل الميلاد بفعل اثنين: الاول خارجي٬ إذ ظهرت في مصر قوة
البطالسة التي احتكرت التجارة الشرقية وأفقدت سبأ مركزها ومكانتها التجارية في البحرين الاحمر والابيض المتوسط لصالح
اليونان والرومان. اما العامل الثاني فكان عاملاً داخلياً عندما واجهت سبأ ثورات عائلية بسبب ضمها للامارات المستقلة وتوحيد
القبائل تحت سيطرتها٬ فكان ان اصطدمت بمصالح الزعامات المحلية وظهرت اضطرابات وثورات داخلية أثرت سلباً على
الوضعين السياسي والاقتصادي للدولة وأتاحت للدول الاجنبية التدخل في شؤون سبأ الداخلية.
واجهت سبأ نتيجة لهذا الوضع المتأزم مواجهات مع الحبشة التي حاولت السيطرة بالقوة على السواحل اليمنية٬ كما واجهت
محاولات من قبل جضرموت وحّمير ومملكة كندة لاستعادة استقلالها. وشهدت الايام الاخيرة من حياة الدولة السبئية قيام نزاع
داخلي حول العرش أدى الى خراب ودمار٬ وتحولت الاراضي الزراعية الى اراضي جرداء قاحلة غير منتجة. وفي عام 30
ق.م تمكن أخصام سبأ من الزيدانيين٬ وهم قبائل عربية سكنت الى الشمال من حضرموت٬ ومن الحميريين وهم قبائل عربية
سكنت الى الغرب من حضرموت٬ من انتزاع العرش السبئي وأسسوا سلالة جديدة تلقب ملوكها "بملوك سبأ وذي ريدان" .

المراجع


. 2002 بيروت ٬ والتوزيع للنشر الاهلية ٬ الكاملة المجموعة ٬ زيادة نقولا ترجمة The Periplus of the Erythean Sea , chaper 10 ­1
2 ­ عباس ٬ احسان : تاريخ دولة الانباط ٬ دار الشروق ٬ بيروت 1979 .
3 – لطفي عبد الوهاب ٬ يحي : العرب في العصور القديمة ٬ دار النهضة العربية ٬ بيروت 1979 .
4 – عرفان محمد ٬ حمور : أسواق العرب ٬ دار الشورى ٬ بيروت 1979 .
5 – فروخ ٬ عمر : تاريخ الجاهبية ٬ بيروت 1964 .
6 – موسل ٬ ألويس : شمال الحجاز ٬ تعريب عبد المحسن الحسيني ٬ الاسكندرية 1902 .
7 ­ فخري ٬ أحمد : اليمن ماضيها وحاضرها ٬ القاهرة 1957 ٬ .
8 – سوسة ٬ أحمد : حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور ٬ بغداد ٬ لا تاريخ .
9 – وهب بن منبه : كتاب التيجان في ملوك حمير ٬ حيدر أباد 1247 ٬ ه .
10 – العهد القديم ٬ سر ايوب
11 – هومل ٬ فرتز : التاريخ العام لبلاد العرب الجنوبية ٬ تعريب فؤاد خسنين علي ٬ مكتبة النهضة المصرية ٬ القاهرة 1993 ٬
12 – حتي ٬ فيليب : تاريخ العرب ٬ دار غندور ٬ بيروت 1974 ٬ .
13 – زيدان ٬ جرجي : العرب قبل الاسلام ٬ دار الهلال ٬ القاهرة ٬ لا تاريخ .
14 – الشريف ٬ احمد ابراهيم : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول ٬ دار الفكر العربي 1965 ٬ ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69424
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام  Empty
مُساهمةموضوع: رد: ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام    ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام  Emptyالأحد 1 نوفمبر 2015 - 8:29

4 – المملكة السبئية – الحميرية 
(ملوك سبأ وذي ريدان) 


أشرنا في المقال أعلاه (مملكة سبأ) ان سبأ المملكة انتهت سنة 30 ق. م. والواقع ان ملوك سبأ تخلوا عن لقبهم القديم واتخذوا لقباً
آخر هو "ملك سبأ وذي ريدان" بعد ان إنضمت ريدان الى مملكة سبأ. وكان اليشرح يحضب هو مؤسس هذه الدولة الجديدة وأول
من حمل هذا اللقب.
تزامن قيام المملكة السبئية – الحميرية مع مرحلة مليئة بالاضطراب بعد ان تنازعت قبائل عديدة على السلطة وتدخل الرومان
والاحباش في شؤون المملكة القديمة. وكانت شبه الجزيرة العربية تتعرض في هذا الوقت لحملة رومانية بهدف السيطرة على
طرق التجارة الشرقية وانتزاع بعض الموانئ العربية الجنوبية. وكان الامبراطور الروماني آنذاك اوغسطس قيصر هو الذي
شجع السيطرة على الطرق التجارية. فقرر سنة 25 ق.م. ان يرسل حملة عسكرية الى داخل شبه الجزيرة بهدف الاستيلاء على
التجارة البرية والموانئ اليمنية٬ ونَصب عامله إيليوس غالوس قائداً لهذه الحملة التي تألفت من الف جندي.
إنطلقت الحملة من ميناء لوكي كوما (القرية البيضاء) الواقعة في أقصى شمال الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر وهب الملك النبطي
عباده الثاني لمؤازرتها ومساعدتها فأوفد وزيره صالح ليكون دليل الرومان في أرض العرب. سلكت الحملة طريق القوافل البري
عبر الحجاز باتجاه وادي جريد٬ حيث المياه متوفرة٬ ومن هناك تقدمت نحو الجنوب واحتلت بعض المدن ونهبت بعض القرى
ومن بينها نجران ونشق ويثيل ووصلت الى مأرب بعد ستة أشهر من إنطلاقها٬ ولم تلق الا مقاومة ضعيفة.
فشلت مغامرة أوغسطس قيصر هذه٬ لأن الجنود الرومان تعرضوا لمتاعب كبيرة تمثلت بوعورة الطريق وقلة المياه وشدة
الى اهلاك الجنود الرومان. ويبدو ان سياسة روما قد تبدلت بعد هذا الفشل٬ إنما طموح القيصر لم تتغير اوتتبدل.
 فهو كان جاداً الحرارة٬ مما أهلك أكثرهم وعاد من تبقى منهم أدراجه٬ واتهم اوغسطس حليفه صالح النبطي
 بالخيانة وسوء المشورة والسعي ببلوغ المحيط الهندي٬ فعمد الى تقوية اسطوله في البحر الاحمر والى إقامة علاقات جيدة مع القبائل العربية وأسيادها.
 فقد عقد تحالفاً مع ملك ظفار واتففاقات صداقة مع مملكة أكسوم الحبشية بهدف زعزعة كيان مملكة سبأ التي كانت تسعى الى إبقاء
التجارة البرية في يدها وأيدي حلفائها. وكانت نجران٬ وكان الحميريون ايضاً ٬ يشاركون الرومان الرغبة في القضاء على كيان
مملكة سبأ المستقل .

الحميريون والأحباش 


ينتسب الحميريون الى حمير بن عبد شمس. ويقول النسابون انه كان ملكاً بعد موت ابيه سبأ بن يشجب. وهو اول من وضع على
رأسه تاجاً من ذهب ٬ وحكم خمسين عاماً وترك ستة اولاد تفرعت منهم قبائل حّمير. وكان الحميريون٬ وهم من القبائل العربية
المشهورة٬ بالاصل اتباعاً للقتبانيين ولم يبرز اسمهم الا بعد ان تحالفوا مع قبائل اخرى وأصبحوا قوة قادرة على التوسع على
حساب ضعف حكومة سبأ وسيطروا على القسم الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية٬ لا سيما ظفار وذي ريدان وهاجموا
حضرموت ونازعوا تجارها على طريق شبوة – قنا المؤدي الى المدن الجنوبية والساحل الجنوبي واستطاعوا الاستيلاء على
مأرب. وتلقب ملوكهم بلقب "ملك سبأ وذي ريدان". وأشارت مراجع تاريخية يونانية ورومانية ان الحميريين سكنوا في المنطقة
الواقعة حول لحج بناحية ظفار ورداع وناحية الشرق في سرو حمير ونجد حمير وفي المرتفعات والمناطق الساحلية للبحر
الاحمر والمحيط الهندي واتخذوا ظفار عاصمة لهم. وكان المقر الملكي فيها يدعى ريدان٬ ولذا لقبوا ببني ريدان ولم يعرفوا ببني
حمير الا في وقت لاحق.
أسس الملك شمر بن ناشر النعم الدولة الحميرية٬ وضم اليها مملكة حضرموت وتهامة ويمنات والجبال المحيطة. بلغ النفوذ
عليها. ولم يغب عن ذهن الملك شمر أمر شعبه واتباعه فحاول تحسين اوضاعهم الاجتماعية بأن سن لاهل سبأ ومأرب تشريعاً
كما ان اسطول الحميريين التجاري البحري كان يتنقل بين موانئ العالم القديم منافساً اساطيل الرومان واليونان والاحباش
ومتفوقاً التجاري في عهده حداً كبيراً بحيث وصلت قوافله التجارية الى أعالي الرافدين شمالاً والى حدود الصين شرقاً٬ وغرباً الى مصر.
حدد فيه نظام بيع المواشي والرقيق٬ كأن حدد مدة التراجع بين البائع والمشتري بعشرة ايام وعشرين يوماً وأكد ان مدة الضمان
للحيوان المباع سبعة ايام٬ فاذا هلك بعدها وجب على المشتري دفع ثمنه كاملاً .

ألحق الاتفاق التجاري الذي توصلت اليه القوات الرومانية مع الاحباش ضرراً باقتصاد اليمن وتجارتها. فقد كان على القوافل
المتوجهة من شبه الجزيرة العربية الى بلاد الشام ان تنزل في المراكز التي حددتها الدولة الرومانية٬ وذلك لكي تحصل منها
مكوس التجارة وتراقب تحركات الرجال الذين يرافقون القافلة. وكانت ايلة (العـقـبـة) اول محطة في بلاد الشام تحط فيها القوافل
ومنها تتوجه الى غزة قبل ان تتابع طريقها الى بصرى. وكانت تتولى بعض القبائل العربية المقيمة على طريق التجارة حماية
هذه القوافل مقابل جعل تتقاضاه. واذا ما تعرضت القوافل الى اعتداء فكان على القبائل الحامية ان تعيد الجعل الى أصحابه
حملت هذه القوافل٬ بشكل عام٬ منتوجات بلادها كالبخور واللـبـان والعطور والطيوب٬ كما كانت تحمل السلع والبضائع المستوردة
من شرقي افريقيا كالتبر والعاج وريش النعام والقرود والاخشاب والعبيد٬ او ما جلبته من الهند كالأفوايه والأنسجة والسيوف٬
اومن الصين كالحرير٬ اومن الخليج كاللؤلؤ .
إحتل الاحباش٬ الذين ازدهرت مملكتهم في القرن الثالث الميلادي٬ اليمن وريدان في القرن الرابع ميلادي في عهد النجاشي العلي
اسكندي (او العلي عميدة) بفعل دافعين: الدافع الاقتصادي والدافع التأديبي. فقد نهضت الحبشة للدفاع عن مصالحها الاقتصادية
في وجه الوثبة الحميرية للسيطرة على طرق التجارة الشرقية٬ وكذلك لمنع الحميريين من الاستمرار في مهاجمة التجارة
الحبشية. وكان قد سبق للحميريين ان سيطروا في القرن الاول للميلاد على ساحل أزانيا.
ساعد البيزنطيون الاحباش في حملتهم هذه على اليمن بحجة نشر الدين المسيحي في بلاد العرب. وكانت العلاقات البيزنطية –
الحبشية حسنة آنذاك من الناحيتين السياسية والتجارية. وتم للاحباش احتلال اليمن الذي استمر حوالى اربعين سنة. وكان ان
تمكن الملك الحميري "ملكي كرب بهأمن" من طرد الاحباش وتحرير اليمن سنة 378 م.
خلف الملك ملكي كرب بعد وفاته ابنه ابو كرب أسعد ويسمى كذلك تبان أسعد فأضاف الى لقبه ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت
وبمنات إضافة جديدة هي "واغرابها في الجبال وفي التهائم" ٬ بعد ان تصدى لاعراب الهضاب واعراب جنوبي نجد من قبائل
نجد وتهامة الذين كانوا يتعرضون للقوافل التجارية التي تسلك طريق اليمن ونجد وأخضعهم وبنى حصناً في وادي مأسل ووضع
فيه حاميات عسكرية لحماية الطريق. واستطاع تبان اسعد٬ من جهة ثانية٬ ان يوسع رقعة اراضيه فبلغ البحر الأحمر والمحيط
الهندي والاقسام الجنوبية من نجد واستولى على قسم من الحجاز ووصل الى الانبار حيث أسكن قومه فيها وفي الحيرة وعاد الى
اليمن.
جلب تبان أسعد معه من يثرب الديانة اليهودية وانتشرت هذه الديانة في اليمن في عهده. ولم يطل به الزمن حتى وافته المنية
وخلفه اخوه حسان الذي مات مقتولاً على يد أخيه عمر٬ ومن بعده جاء شرحبيل يعفر بن تبان أسعد اخو حسان. وفي عهده
تصدع سد مأرب مرتين في عامي 449 و 451 فرممه وأضاف اليه بضع أقسام جديدة ٬ مستعيناً بزهاء عشرين الف عامل٬
أكثرهم من قبائل حّمير وحضرموت. غير ان هذا السد الشهير عاد الى التصدع بشكل متكرر فرحل الناس من مأرب الى أماكن
أكثر استقراراً٬ مثل صنعاء٬ وهجر المزارعون قراهم وأراضيهم التي أصابها التلف والجفاف ولجأوا الى الهضاب والجبال.
لا بد هنا من توضيح سلسلة الحكام والملوك الذين تعاقيوا على الحكم وصولاً الى فهم لب الصراع الذي ألحق أضراراً كبيرة
بالمملكة. فقد انتقل الحكم بعد شرحبيل الى عبد كلال بن مثقوب . ويبدو انه كان كاهنا نصرانياً وسيد قبيلة. غير ان حكمه لم يطل
وخلفه شرحبيل ينف. وكان هذا الجديد نصرانياً ايضاً٬ ةخلفه ولداه لهيمة ينف ثم معد يكرب٬ ومن بعدهما عاد الملك الى ابناء
حسان تبع الذي ولى ابن اخته الحارث بن عمرو بن حجر الكندي على بلاد معد وملكه الحيرة مكان نصر بن ربيعة. وكرت
مسبحة الملوك والحكام على عرش اليمن ولم تكن انجازاتهم تذكر. وتزامن وجود هؤلاء الملوك مع احتلال الاحباش للبلاد
وتنصيبهم ذي جدن بن ذي نواس ٬ وكان آخر ملوك حمير . ويبدو انه كان يهودياً واتخذ لنفسه اسماً جديداً هو يوسف أسأر.
وكان أهم " انجاز" حققه تعرضه لنصارى نجران٬ تعذيباً وحرقاً٬ وحثه ملك الحيرة على اضطهاد النصارى في مملكته. ولعله
فكر في اقامة تحالف مع هذا الملك لاقامة حلف سياسي بمباركة الفرس بهدف محاربة الاحباش الذين نزلوا على ساحل اليمن
واقاموا فيه قواعد لهم .
إتخذ الدين في هذا الصراع على اليمن غطاء لمطامع سياسية وتجارية . فقد كان هناك صراع مستمر بين البيزنطيين والفرس
للسيطرة على القسم الجنوبي من شبه الجزيرة العربية٬ ودخلت الحبشة طرفاً في هذا الصراع مساندة البيزنطيين. وكانت اليمن
في بداية القرن السادس الميلادي مسرحاً لنزاع سياسي بين بيزنطية المتحالفة مع الحبشة٬ وبين الفرس الذين دعموا اليهود
والمذاهب المسيحية المناهضة للبيزنطيين٬ مثل النسطورية. وكان اليهود قد استطاعوا في القرن الخامس ميلادي السيطرة على
اليمن وحكمها وتوغلوا في اجهزة الدولة الحميرية٬ بخاصة ما اختص بالشؤون المالية. غير ان هذا النفوذ انحصر بعد تعاظم
النفوذ المسيحي المدعوم من الاحباش حتى أضحى النصارى هم الحكام الحقيقيون في عهد الملك معد ينعم وانتشرت الكنائس في
نجران ومأرب وحضرموت وظفار وهجر.
وقف وراء هذا الصراع الديني صراع من نوع آخر هو الصراع التجاري٬ خصوصاً وانه تزامن مع نشوب الحرب بين بيزنطية
وفارس٬ مما عطل الطريق التجاري المار عبر بلاد النهرين والخليج العربي٬ فاشتدت حاجة بيزنطية الى طريق البحر الأحمر
وطرق القوافل البرية عبر الحجاز تأميناً لتجارتها. وقامت٬ في هذا الوقت بالذات٬ الحبشة بحملتين عسكريتين على اليمن٬ إنتهت
الاولى باحتلال البلاد بسهولة بعد ان تظاهر حاكم اليمن ذو نواس بالاستسلام وارتد الى الجبال٬ حيث أعاد تنظيم جيشه٬ ثم نزل
ليهاجم نجران وليرتكب مجزرة مروعة عرفت تاريخياً بوقعة الاخدود. إلا ان الحرب لم تتوقف فعلياً٬ بل كل ما حدث كان هدنة
استعدت في خلالها الاطراف لاستئناف القتال. وهذا ما وقع بالفعل. فقد تحالف البيزنطيون والاحباش وأسهما بارسال جيش كبير
الى اليمن منطلقاً بحراً من زيلع وناصع في ساحل الحبشة ونزل على ساحل زبيد من أرض اليمن. وانتهت الحملة بان احتل
الاحباش اليمن وبان انتهت دولة حمير 


5 – مملكة ميسان 


شملت مملكة ميسان المنطقة الشمالية من شبه الجزيرة العربية بدءاً من شط العرب جنوباً حتى الجزيرة الفراتية شمالاً وضمت
شط العرب والاراضي الواقعة بين نهري دجلة والفرات وما جاورهما٬ كما الجزيرة الفراتية نفسها. سكنتها قبائل عربية جاءت من
شبه الجزيرة العربية. وصفها المؤرخون بالكورة الواسعة ذات القرى العديدة بين البصرة وواسط. حمل ملوكها الاوائل اسماء
عربية واتخذ المتأخرون منهم اسماء والقاباً سريانية او فارسية او يونانية. عاشت دولة ميسان حوالى ثلاثة قرون٬ بدءاً من أواخر
القرن الثاني قبل الميلاد٬ وهيمنت على التجارة المحلية والخارجية. أطلقت عليه بعض المصادر اسم دولة الكرخ لأنها اتخذت من
كرخ ميسان في الاطراف الجنوبية الشرقية من القرنة الحالية عاصمة لها. وكان موقعها على رأس الخليج العربي٬ حيث يمر
نهر دجلة. وقد أسهم موقعها هذا على دجلة وفي شط العرب في ان يمارس أهلها حياة التجارة والملاحة البحرية وفي اقامة
علاقات تجارية ناشطة مع مراكز الخليج الآهلة بالسكان ومع بلاد شرقي افريقيا والهند والصين وبلدان الشرق الاقصى.
نهري دجلة والفرات. ومن هناك كان تجار ميسان ينطلقون عبر العراق الى آسيا الصغرى او بلاد الشام فأوروبا.
وتسهيلاً فقد كانت السفن تصل الى شط العرب ومنه الى نهر دجلة٬ الذي كان صالحاً لسير السفن٬ وصولاً الى المدائن ومنها الى أعالي
لتجارتها هذه ولسلامة قوافلها اهتمت ميسان بتحسين الطرق البرية وتشببد المنارات لارشاد القوافل. كما أقامت حاميات في كثير
من المناطق تأميناً لسلامة التجارة والمسافرين.
تاجر أهل ميسان بالعطور والتوابل والاحجار الكريمة والعاج والاخشاب الصلبة والحرير. وكانت لهم علاقات تجارية مزدهرة
مع الجرهاء في البحرين وتدمر في الشام والموانئ السورية المطلة على البحر الأبيض المتوسط . وكان لتجار ميسان علاقات
تجارية مع الحيرة التي كانت تقع بالقرب من بابل. وكان ملوك المناذرة قد اتخذوا الحيرة عاصمة لهم في النصف الثاني من القرن
الثالث الميلادي٬ أي في عهد عمرو بن عدي ٬ ابن اخت الملك جذيمة الأبرش الذي قتل غيلة على يد ملكة عربية تدعى الزباء.
ويقول بعض المؤرخين٬ مثل المسعودي في كتابه "مروج الذهب" ان الزباء كانت ملكة تدمر المشهورة . وكان الأبرش هذا قد
عاش في أواخر عهد الدولة الفرثية وشهد سقوطها. وكان للحيرة أهمية عسكرية وتجارية لأنها تحكمت بالطريق التجاري بين
الصحراء وطيسفون٬ وفي الطريق النهري المار عبر نهر الفرات. وكان ملكها الشهير النعمان بن المنذر يبعث بقوافله الى
أسواق شبه الجزيرة العربية٬ خاصة الى سوق عكاظ٬ حيث تبيع القوافل ما كانت تحمله وتشتري العصب والبرود والأدم وعطور اليمن .

توسعت مملكة ميسان في أوج قوتها حتى وصلت شرقاً الى حدود الهضبة الايرانية الفاصلة بينها وبين جبال زغروس. وامتدت
جنوباً حتى الخليج العربي ووصلت الى مدينة بابل. أما عاصمتها كرخ ميسان فعرفت في المصادر الاوروبية باسم خاراكس.
وكان الاسكندر المقدوني قد أسسها على تقاطع نهري كارون ودجلة وأطلق عليها اسمه بهدف اتخاذها مركزاً تجارياً ينافس
الجرهاء التي اشتهرت آنذاك بكونها المركز الرئيس لتجارة العرب مع الهند وتحولت مع الوقت الى مركز تجاري مهم للبضائع
الشرقية القادمة من ايران والصين ومصر وتدمر.باسمه.
 وبعد موته ضعفت الدولة السلوقية واهملت كرخ ميسان حتى اعاد بناءها احد ملوك ميسان المدعو سباسينوس
 وبنى سوراً تعرضت مدينة كرخ ميسان للدمار بفعل الفياضانات٬ وظلت مهملة حتى أعاد إعمارها انطيوخوس الرابع السلوقي
 ودعاها حولها لحمايتها من الفياضانات وأعطاها اسمه فاصبحت تعرف باسم خاراكس سباسينو.
 سنحت لهذا الملك فرصة تعرض سلوقية لغزو الفرس الذين زحفوا نحو العراق عن طريق همزان
وتغلبوا على السلوقيين٬ فهاجم عيلام واخذها وغزا بابل ودخلها سنة 129 ق. م.
 واتخذ لنفسه لقب ملك العرب وسك النقود باسمه .

تابع خلفاء سباسينوس نهجه فسكوا النقود ووطدوا حكم ميسان وسيطروا على طرق التجارة البرية والبحرية وأقاموا علاقات
تجارية مع الانباط في شمال غرب جزيرة العرب ومع التدمريين في بلاد الشام واستقرت في خاراكس جالية تجارية تدمرية.
واهتم ملوك ميسان الذين خلفوا سباسينوس باقامة مشاريع عمرانية فبنواعدداً من المدن مثل مدينة الفرات ومدينة الايلة التي
أضحت ميناء تجارياً لمملكة ميسان٬ كما اعتنوا باصلاح الطرق البرية وشجعوا التجارة وسهلوا سبلها٬ فوضعوا المنارات على
طرق القوافل لارشادها وحموها باقامة حاميات عسكرية دائمة.

تأثر الميسانيون بالنظم الاغريقية فسكوا النقود على الطراز اليوناني القديم٬ بحيث ظهرت على احد وجهيها صور رؤوس ملوك
ميسان بازيائهم البلدية وعلى الوجه الآخر صور ترمز الى آلهة الاغريق. وظلت كتاباتهم تدون بالمسمارية حتى القرن الاول
الميلادي٬ حيث حل الخط الآرامي مكانها.
غزا الملك اردشير الثاني الساساني مملكة ميسان واستولى عليها وقتل ملكها٬ منهياً بذلك حكم الدولة الميسانية. غير ان موانئ
هذه الدولة البائدة٬ مثل الفرات والايلة٬ ظلت مراكز تجارية للسلع الهندية.

6 ­ مملكة الحضر 


إشتق اسم مملكة الحضر من اسم الحاضرة. وهي الحضر التي تقع اليوم بين نهري دجلة والفرات قرب وادي الثرثار٬ على
الجانب الغربي منه٬ وتبعد حوالى 70 كيلومتراً من الموصل. سميت بالهترا قديماً. كانت حصناً في ايام الاشوريين سكنه ملوك
الضيازن. قام الحصن وقريته الصغيرة على ارض غنية بالمياه الجوفية والابار والينابيع التي كانت مياه الانهار تتجمع فيها من
مياه الامطار المتساقطة من جبال سنجار.
تدل النقوش المكتشفة حديثاً ان الحضر التي أنشئت في زمن قديم أسست دولة لها ازدهرت وتطورت منذ القرن الاول الميلادي
واتخذ ملوكها ألقاباً من بينها "ملك العرب" وسميت بلادهم "باعر بابا" أي دار العرب. اشتهرت بهذا الاسم بعد سقوط نينوى
بنحوي قرن. ورد ذكرها بهذا الاسم في نقش بهستون الذي يعود الى القرن السادس قبل الميلاد. كانت من الاقاليم التابعة
للامبراطور الأخميني دارا الكبير.
إتسعت الحضر مع الوقت بفضل اشتغال أهلها بالتجارة ونقل البضائع بين المراكز الحضرية٬ خاصة نقل منتوجات الهند وجنوبي
آسيا الى بلدان البحر الأبيض المتوسط واوروبا. سلك تجار الحضر الطريق الشرقي المار بالعراق والذي يمتد الى أواسطه قبل ان
يتفرع الى فرعين٬ احدهما يسير موازياً لنهر الفرات حتى أعاليه او ينحرف غرباً الى تدمر فبلاد الشام. ويمر الفرع الثاني في
وادي دجلة او يتجه الى سنجار ومنها الى نصيبين. وكان هذا الفرع ينقل السلع الى المناطق الشمالية في العراق وشرقي آسيا
الصغرى حيث دولة ارمينيا التي اهتمت آنذاك بمستوردات محاصيل المناطق الاستوائية وبلاد الهند والشرق الاقصى٬ من توابل
وافاويه واخشاب وحرير واحجار كريمة. وكانت تصدر بالمقابل النحاس والمنسوجات الصوفية والمحاصيل النباتية.
إستغل سكان الحضر تراجع قوة الفرس آنذاك بسبب حروبهم مع الرومان٬ فوطدوا سلطتهم وحصنوا مدينتهم وبنوا البيوت
وأقاموا فيها ستين برجاً كبيراً٬ بين البرج والآخر تسعة ابراج صغيرة٬ وبقرب كل برج قصر والى جانبه حمام. حموا القوافل
التجارية المارة في اراضيهم وتمكنوا في سنة 117 م. من التصدي لحملة الامبراطور الروماني تراجان على بلاد ما بين النهرين العليا .

أدى انهماك الدول الكبرى آنذاك بالحروب الى بروز الحضر كمركز تجاري مهم. ووجد رئيسها المدعو فيطرون الاول
(الساطرون) فرصته لتعزيز مكانة مملكته فنمى تجارتها وشيد سور المدينة الشمالي والاروقة المجاورة وبنى المعبد الرابع وأقام
التماثيل للآلهة ونقش على كل منها لقبه "ملك العرب"٬ وسك نقوداً نقش على احد وجهيها صورة النسر وعلى الوجه الآخر إله الشمس (شمش) .

إمتدت مملكة الحضر الى الخابور وعبر الفرات فشملت كل الجزيرة الفراتية وبعض اجزاء من بلاد الشام واتخذ ملكها في ذلك
الحين عبد سميا او برسيما لقب المظفر ملك البلاد العربية. إنتهز برسيما النزاع الذي قام بين الامراء البارثيين الفرس
والساسانيين فسمح للرومان باقامة حامية عسكرية في شمالي بلاد الرافدين وقاتل الساسانيين الفرس الى جانب الرومان فاغار
على السواد (جنوب ما بين النهرين) وبلاد فارس وأسر اخت الامبراطور الفارسي سابور الاول٬ فسار هذا الاخير بجيشه نحو
العراق واجتاح بلاد الرافدين وحاصر مدينة الحضر مدة اربع سنوات. ولما تمكن منها قتل رئيسها الساطرون واتباعه وضم
مملكة الحضر الى مملكة الساسانيين ودمر المدينة .
أصول اهل الحضر عربية٬ إنما تأثروا بالبيئة التي عاشوا فيها فتثقفوا بالثقافة الآرامية. وكانت لهجتهم واحدة من اللهجات
الآرامية الشرقية التي شملت السريانية والرهاوية ولغة التلمود البابلي. خص الحضر الشمس بالاولوية في العبادة٬ وهي شمش
في لغتهم. وكانت شمش في اعتقاداتهم تبعث الحياة في الاشياء وتخلق الكائنات. وتبنوا عقيدة التثليث.
(لا تزال كلمة "الحضر" تطلق حتى اليوم على مناطق قريبة من الموصل).


7­ مملكة الرها


قامت مملكة الرها بين القسم الشمالي لبلاد ما بين النهرين العليا والقسم الاعلى من الجزيرة الفراتية. جاورها نهر دجلة من
الشرق ونهر الفرات من الغرب واخترق أطرافها الغربية نهرا الخابور والبليخ. كانت أرضها خصبت لكثرة الامطار الغزيرة في
فصلي الشتاء والربيع. كثرت فيها المرتفعات والتلال والوديان.
تبرز مدينة الرها٬ عاصمة المملكة٬ بين شقيقاتها من مدن الجزيرة الفراتية بسبب موقعها ونشاط أهلها. كانت تقع عند تقاطع
الطريق التجاري الممتد من سميساط حتى حران. مرت فبها طرق التجارة الكبيرة التي امتدت احداها من الفرات عند زوكا بلقيس
وبيرتابيرة مروراً بماردين ونصيبين وصولاً الى دجلة حيث كانت تمر قوافل التجارة المتجهة غرباً الى أسيا الصغرى واوروبا.
تعددت اسماء الرها في العصور القديمة. فالسريان دعوها اورهاي واطلق عليها اليونانيون اسم أديسا. وعندما أعاد بناءها
سلوقس الاول سماها خليفته انطونيوس الرابع أبيقان٬ نسبة لوفرة مياهها. وهي الآن أورفة .
هاجر العرب الى منطقة الرها منذ ما قبل الفتح العربي بزمن ليس بقصير. وكانت طيئ٬ اليمنية الأصل٬ أبرز قبيلة ارتادت
بواديها. وشاعت آنذاك الاسماء العربية بين أهلها٬ مثل معن٬ وائل٬ عبدو٬ بكر٬ مذعور٬ أبجر وصخرة. أسكن فيها سلوقس
الاول جالية اغريقية٬ مما سهل نشر الثقافة الهلنستية بين السكان وسكت النقود على الطراز الاغريقي وكتب عليه بالاغريقية.
أعلن الرهاويون استقلال دولتهم في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد وأطلقوا عليها اسم "دولة الاباجرة" التي بسطت نفوذها
على الاراضي المجاورة ووصلت الى نهر الفرات غرباً ونهر دجلة شرقاً. وارتبط الرهاويون في اواخر القرن الاول الميلادي
برباط المصاهرة مع الاسرة الأديابية الحاكمة في نصيبين. غير ان هذا الاستقلال تعرض لاكثر من خطر من جيرانهم وسواهم:
من الأرمن والفرس البارثيين والرومان . الا ان علاقتهم مع المستعمر الروماني كانت الافضل والاسهل . فقد حرص ملوك
الرها على اقامة علاقات جيدة معهم حفاظاً على تجارتهم٬ وقد نجحوا في ذلك. غير ان هذا الوضع أغضب الفرس فهاجموا
مملكة الرها وانتصروا على ملكها في معركة كاراهاي (وهي شروان الواقعة قرب بحر الخزر) وازالوها سنة 242 م. بدوره لم
يطل الاحتلال الفارسي. فقد استعاد الرومان الرها وحولوا المدينة الى قاعدة عسكرية. ورد الفرس بشن هجمات متواصلة على
الرها مما أضر كثيراً بتجارتها٬ خاصة ان تجارة الحرير كانت قد تناقصت بسبب تحول طرق التجارة غرباً الى البحر الاحمر٬
وقيام الرومان بتربية دود القز وانتاج الحرير وانشاء المصانع في القسطنطينية لحياكته. ونتيجة لذلك تحول الكثير من تجار الرها
الى اعمال اخرى٬ فالتحقوا بادارة الدولة او بالجيش.
شكلت الزراعة المصدر الاول للاقتصاد في الرها. ومن أهم مزروعاتها آنذاك: الكروم والخضار واشجار الفاكهة والحبوب.
وكانت الضرائب تجبى من المزارعين اما نقداً او عيناً. والى جانب الزراعة شغل الصناع مكانة متميزة في الرها. وأدت التجارة
دوراً مهماً في تعزيز مكانة الرها وإنماء ثروتها. وكان معظم التجار من المحليين. وكان الحرير أهم سلعة يتاجر بها هؤلاء
التجار .

8­ مملكة المناذرة 
( مملكة اللخميين – المناذرة) 


إستقر المناذرة على الحدود الغربية لنهر الفرات٬ بينما إستقر الغساسنة كما سنرى لاحقاً على الحدود الشمالية.
 وهما في الاساس تجمعات قبلية تحولت مع الوقت الى دول او امارات.
وبينما دخل المناذرة في دائرة نفوذ الفرس٬ دخل الغساسنة في دائرة النفوذ البيزنطي٬ وحمت كل منهما حدود القوة الكبرى. 
وفي هذا الوقت كانت المناطق المجاورة للفرات في جنوبه هدفاً لهجرة قبائل تنوخ العربية في عصر ملوك الطوائف.
 وسمي هذا العصر بهذا الاسم عندما شكلت الطوائف بعد انهيار امبراطورية الاسكندر المقدوني دولاً لها حكامها المستقلين
 وظلت في نزاع شبه مستمر مع بعضها البعض. 

إختلفت المصادر في أصل التنوخيين. فمن قائل انهم ينتسبون الى تنوخ بن قحطان بن عوف٬ وآخر يقول 
انهم قبائل من نصارى العرب هي تنوخ وبهراء وتغلب٬ إجتمعوا في البحرين فسموا المكان الذي اجتمعوا فيه تنوخاً. 
وكلمة تنوخ تعني في الاصل الاقامة.

أقام التنوخيون في الحيرة في ظل النفوذ الفارسي. ثم جاءهم تَبع اسعد ابو كرب وترك بينهم جماعة من جنوده٬
 وأمها البدو لشراء حاجاتهم وما لبثوا ان استقروا فيها. كذلك وفدت على التنوخيين اقوام من العراق والجزيرة الفراتية فراراً من ضيق العيش.

وهكذا أصبحت الحيرة مقراً للتنوخيين والعباد والاحلاف الذين حالفوا المناذرة واعترفوا بسيادتهم. وأقامت في الحيرة كذلك
جماعات من النبط وبقايا البابليين والآراميين والكلدانيين وعملوا بالفلاحة. كما أقامت بينهم جالية يهودية.

تقول المصادر القديمة ان مالك بن فهم الازدي كان اول من ملك من تنوخ الذين قدموا اساساً من اليمن.
 وتشير المصادر الى ان عمرو بن عدي بن نصر٬ ابن اخت جذيمة الابرش٬ أحد أبرز ملوك التنوخيين٬
 هو مؤسس امارة المناذرة في الحيرة (امارة اللخميين المناذرة).
 وكان قد ورث ارض مملكة الحضر بعد سقوطها وأضحى احد أعظم امراء العرب في الفرات. ويرجع اليه
الفضل في تمصير الكوفة بعدما كانت قد خربت واقفرت. خلفه بعد موته ابنه امرؤ القيس٬
 وهو اول من تنصر من ملوك آل نصر بن ربيعة٬ ومن بعده جاء النعمان الذي اهتم بالعمران. 
وكرت مسبحة الحكام وصولاً الى المنذر بن امرىء القيس بن ماء السماء الذي اعتبر أشهر ملوك اللخميين المناذرة.
 تحالف مع الفرس ضد البيزنطيين وخاض حروباً الى جانب الفرس٬ بينما كان على الجانب الآخر٬ أي جانب البيزنطيين٬ الحارث بن جبلة.

طال امد الحروب المتواصلة التي طبعت النصف الاول من القرن السادس ميلادي بين الفرس والبيزنطيين وأصيب النشاط
التجاري بتراجع كبير. وانتهى دور حكام العرب اللخميين المناذرة عندما عَين الامبراطور الفارسيُيعين اياس بن قبيضة
الطائي٬ من خارج اسرة المناذرة٬ مقيماً فارسياً يمسك بمقاليد الحكم. وانقطع بذلك حكم اسرة المناذرة٬ 
ومن ثم الحكم العربي في الحيرة٬ وظل الامر على هذا الشكل حتى الفتح العربي.

عمل أهل الحيرة بالزراعة والرعي٬ كما اشتغلوا بالتجارة. مدينة الحيرة نشأت أصلاً كمحطة للطرق التجارية٬ وأضحت في
القرن الاول قبل الميلاد المدينة الرئيس للقوافل وسوقاً كبيراً٬ وسيطرت على طرق غزة وبصرى ودمشق والايلة. وكان أهل
الحيرة القريبة من نهر الفرات يركبون السفن النهرية حتى الايلة ومن هناك يركبون السفن الكبيرة ويبحرون الى الهند والصين
شرقاً٬ والى البحرين وعـدن غرباً وجنوباً. وكانت تتوارد على الحيرة المتاجر العظام لأنها "كانت من ظهر البرية على مرفأ سفن
البحر من الصين والهند وغيرها" كما ذكر البكري ابو عبيد عبد الله بن عبد العزيز في "معجم ما استعجم" 

كانت القوافل تخرج من الحيرة محملة ببضائع الهند والصين وُعمان والبحرين الى تدمر وحوران. وأصاب الحيريون من الحركة
التجارية ثروة كبيرة. وتجلى هذا المظهر بالترف الذي ساد البيوت٬ واللباس الفاخر. كذلك بلغت الصناعة في الحيرة درجة عالية
من الاتقان. وأهم هذه الصناعات: صناعة النسيج٬ خاصة الحرير والكتان والصوف٬ وصناعة الاسلحة من سيوف ونصال
ورماح٬ وصناعة التحف المعدنية والحلى. وتفنن الصاغة في صناعة ادوات الزينة من ذهب وفضة ورصعوها بالياقوت
والجواهر. اشتهر كذلك خزف الحيرة ومثله صناعة الجلود والدباغة والتحف المصنوعة من العاج.

ساد الاستقرار امارة اومملكة اللخميين المناذرة وانعكس هذا الاستقرار نشاطاً معمارياً متقدماً٬ تجلى في قصري الخورنق
والسدبر٬ وكذلك في الدير الذي بنته هند ام عمر بن هند. وشهد البلاط حياة بذخ لم تتعود عليها امارات اخرى. كذلك بنى المناذرة
الكنائس والاديرة على شاكلة معابد آشور وبابل .


9­ مملكة الغساسنة 

يرجع أصل الغساسنة الى ازد اليمن. هاجروا الى بلاد الشام بعد تصدع سد مأرب وما تبعه من تدهور نظم الزراعة والري
وانخفاض الانتاج. سارت قبيلة غسان الى تهامة ونزلت على ماء يقال له غسان فنسبت اليه٬ ثم انتقلت الى بلاد الشام ونزلت في
حوران والجولان وغوطة دمشق .
إمتدت سلطة الغساسنة على اكثر القبائل البدوية في فلسطين وشرقي الاردن واطراف الشام٬ وكانت الجابية في مرتفعات الجولان
قادة ملكهم٬ وعرفت بجابية الملوك٬ او كما سماها السريان "معسكر الغساسنة" . إتخذوا جَلق عاصمة لهم لبعض الوقت.
إهتم الغساسنة بالزراعة التي أضحت عمل غالبية السكان٬ فاستغلوا موارد مياه الجولان وحوران وأنشأوا الاقنية والقناطر٬
فعمرت القرى. كذلك اهتموا بتنشيط التجارة وغدت مدينة بصرى مركزاً تجارياً ومحطة رئيسة للقوافل وسوقاً مزدهراً للبيع
والشراء. وكان النشاط التجاري٬ بنوع عام ٬ قد انتقل الى هذه المدينة بعد سقوط دولة الانباط على ايدي الرومان سنة 106 م.
وهكذا تمكنت بصرى من ان ترث البتراء اقتصادياً والى حد ما سياسياً .

المراجع


. 2002 بيروت ٬ والتوزيع للنشر الاهلية ٬ الكاملة المجموعة ٬ زيادة نقولا ترجمة The Periplus of the Erythean Sea , chaper 10 ­1
2 ­ عباس ٬ احسان : تاريخ دولة الانباط ٬ دار الشروق ٬ بيروت 1979 .
3 – لطفي عبد الوهاب ٬ يحي : العرب في العصور القديمة ٬ دار النهضة العربية ٬ بيروت 1979 .
4 – عرفان محمد ٬ حمور : أسواق العرب ٬ دار الشورى ٬ بيروت 1979 .
5 – فروخ ٬ عمر : تاريخ الجاهلية ٬ بيروت 1964 .
6 – موسل ٬ ألويس : شمال الحجاز ٬ تعريب عبد المحسن الحسيني ٬ الاسكندرية 1902 .
7 ­ فخري ٬ أحمد : اليمن ماضيها وحاضرها ٬ القاهرة 1957 ٬ .
8 – سوسة ٬ أحمد : حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور ٬ بغداد ٬ لا تاريخ .
9 – وهب بن منبه : كتاب التيجان في ملوك حمير ٬ حيدر أباد 1247 ٬ ه .
10 – العهد القديم ٬ سفر ايوب
11 – هومل ٬ فرتز : التاريخ العام لبلاد العرب الجنوبية ٬ تعريب فؤاد حسنين علي ٬ مكتبة النهضة المصرية ٬ القاهرة 1993 ٬
12 – حتي ٬ فيليب : تاريخ العرب ٬ دار غندور ٬ بيروت 1974 ٬ .
13 – زيدان ٬ جرجي : العرب قبل الاسلام ٬ دار الهلال ٬ القاهرة ٬ لا تاريخ .
14 – الشريف ٬ احمد ابراهيم : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول ٬ دار الفكر العربي 1965 ٬ .
15 – المرزوقي ٬ احمد بن محمد بن الحسن الاصفهاني : الازمنة والامكنة ٬ حيدر اباد 1332 ه .
16 – المقريزي ٬ تقي الدين احمد : امتاع الاسماع ٬ القاهرة 1941 ٬ .
17 – ابن المجاور ٬ ابو الفتح جمال الدين : احسن التقاسيم ٬ دار احياء التراث العربي ٬ بيروت 1987 .
18 – اولبري ٬ دى لاسي : جزيرة العرب قبل البعثة ٬ تعريب موسى الغول ٬ عمان 1990 ٬ .
19 – ديسو ٬ رينه : العرب في سوريا قبل الاسلام ٬ تعريب الدواخلي ٬ القاهرة 1959 ٬ .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
ممالك عربية تجارية المنشأ قبل الاسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كيف تخسر حرباً تجارية
» مدن التجارة قبل الاسلام
» بدء أعمال تدشين منطقة تجارية حرة بين الأردن و"إسرائيل"
» معلومات عن شخصيات عربية حديثة.شخصيات عربية قديمة
» الاسلام في اليابان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث اقتصادية :: التجارة في المنطقة العربية خلال العصور-
انتقل الى: