صاحب غصن الزيتون والبندقية
نستذكر شخصية الرجل المحورية في الصراع العربي الصهيوني، لاسيما وأنه كان عنصراً فاعلاً في الساحة السياسية ومحركاً رئيسياً في كثيرٍ من أحداثها. عرف الرجل بطموحة اللا محدود وبدهائه العسكري والسياسي، فكان يحمل دائما غصن الزيتون بالمحافل الدولية ليحرج كل من يتآمر على القضية من العرب ومن الغرب، وفي نفس الوقت كانت للبندقية حكاية أخرى يرويها بصمت وفي عتمة الليل وفي هدير البحر سفينة محملة بأحدث العتاد العسكري على بعد500 كيلومتر من ميناء إيلات، تقلع من إيران إلى فلسطين. «كارين إيه» او سفينة نوح كما تناولتها الصحف العبرية، كانت السفينة التي قصمت ظهر البعير لتتخذ دولة الكيان وحليفتها أمريكا القرار بتصفية ياسر عرفات جسدياً وسياسياً، بعد أن أعلنت دولة الكيان أنها ضبطتها في عرض البحر الأحمر عام 2002؟ ربما اسمها لا يلفت انتباه الكثيرين لا سيما أن تفاصيلها تاهت على وقع دويّ مدافع عدوان «السور الواقي» الذي جاء بعد أقل من شهرين على ضبط السفينة، فكانت السبب الرئيسي لعدوان آذار وقتل الشهيد ياسر عرفات2002. هذا الرجل البراغماتي إلى أقصى الحدود هو بالأساس قائد ثورة مسلحة، اتهم انه يقف خلف سفينة نوح المحملة بخمسين طناً من الأسلحة، بينها صواريخ وقاذفات وراجمات وقنابل وألغام مختلفة، وصواريخ مضادة للدروع ومواد متفجرة متطورة من نوع C4. رضي بتحمّل المسؤولية المعنوية، بناءً على طلب أميركي بعد الكشف عن ضلوع مسؤول مالية رئاسة السلطة العميد فؤاد الشوبكي بتمويل العملية، ورفض تسليمه إلى أجهزة الأمن الصهيونية، بل حرص على إبقائه إلى جانبه، مع الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، في مقر المقاطعة أثناء «السور الواقي»، قبل أن يتوصل إلى تسوية بعد العدوان باحتجازهما في سجن أريحا تحت حراسة أميركية وبريطانيّة. لكن الأمر لم يدم طويلاً، فبعد مقتل أبو عمار عمدت قوات الاحتلال في آذار 2006 إلى اقتحام السجن وأخذ الشوبكي وسعدات إلى معتقلات «الشاباك»، التي بدأت تخرج منها اعترافات المسؤول المالي، والتي تشير إلى دور أبو عمار المباشر في التواصل مع إيران لاستقدام أسلحة ودعم عمليات المقاومة في الأراضي الفلسطينية. استطاع ياسر عرفات في أكثر من مناسبة إخفاء الطابع العسكري للعمل الفلسطيني لخدمة أجندات تفاوضية مرحلية، لكنه لم يعمد يوماً إلى قتل العمل العسكري كما يحاول السلف أن يصور ذلك لكي يستمد إصراره على المفاوضات على اعتبار أنه يكمّل نهج ابوعمار، الذي أبقي على العمل العسكري حتى اللحظة الأخيرة ورقة مساومة بيده.
|