عودة الحمار
محمود الزيودي
كاد الحمار العربي أن يختفي في احدي زوايا التاريخ ... لأنه ينتمي إلى طبقة دنيا من فصيلته فلم يهتم به أحد كما حدث للخيول العربيّة والجِمال ... أقاموا لها حظائر ووظفوا أطباء بيطريين ومدربين وعمال لخدمتها ... هي تجلب لهم الثروة والجاه في السباقات الموسميّة . وتتيح لمالكيها التبدّي معها في الصحراء بعيداً عن صخب المدن وضجيجها ... حتى الثعالب وجدت من يعتني بها في مزارع خاصة ... الحمار وحده أبعد عن الساحة ... كان قد تكاثر في بلد عربي وأصبح لطخة في وجه الشوارع الحديثة والسيارات الفارهة والبنايات الزجاجية العالية والشواطئ الجميلة ... قررت الحكومة التخلص من الحمير فالتقط الفكرة تاجر من شطّار رجال الأعمال ... قال لهم انا اخلصكم من نفايات ... جمعوا له الحمير على نفقتهم حتى رصيف الباخرة ... شحنها إلى أفغانستان وباعها إلى شركات ووكالات مزوّدي الحرب والجهاد ضد الملحدين السوفييت ... فهي تحمل الأثقال من رجال وأسلحة وتصعد بهم الجبال الوعرة ... لا ننسى أنها كانت رديفاً لبغال قبرص لذات الفائدة ... لم تزل الحمير عاملة في بلد يوصف انه سقف العالم وقعر العالم الفقير للامن والاستقرار ... من أطرف الأمثال في وجدان الأردنيين ... قالوا للحمار أنت معزوم عالعرس ... قال يا للحطب يا للميّه ... وصلت المياه بالأنابيب للمنازل ولم يعد الحطب مطلوبا إلا في المواسم ... لماذا دعوة الحمار الى العرس إذاً ؟؟؟ ... تسبّب في الطوشات والهوشات بنعت الرجال لبعضهم باسمه دلالة على الغباء وهو اذكى من بعضهم ... كاد أن يختفي من الأدبيات العربية مع اختفاء كتب ومقالات توفيق الحكيم ... شارك في الفساد الغذائي رغم انفه ودمه .. فذات زمن من أزمان الانحطاط ذبحوه وخلطوا لحمه مع لحوم الأبقار والأغنام وباعوه للناس طعاماً ... تطوّح المسكين عبر طبقة الحيوانات العربيّة حتى وصل إلى الطبقة السفلى مع الكلاب الضالة والقطط التي تتوالد بكثرة ولا تجد معيلاً لها ... الجيل المعمّر افتقد نهيقه الذي يسمع من مسافة كيلو مترات ... ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد فقد عاد الاهتمام بالحمار العربي من جديد وبقدرة قادر ... ولسوء حظه ظهر في الأحياء العربية الفقيرة التي ابتليت بالحروب والنزاعات الأهليّة ... أصبح وسيلة لجر العربات التي تحمل البضائع من سوق إلى آخر ... بعضها شكّل سوقاً متنقلاً يعرض الخضار والفواكه ويبيعها بأقل من سعر متاجر الخضار والمولات ثم انه لا يكلف من الوقود إلا الرخيص من العلف ... أفضنا في الحديث عن الحمار بصفته أفرازا لظواهر غريبة في حياتنا العربيّة زمن الحروب والكوارث الاهلية العربية .... ولعلها أثبتت أن الحمير أعقل من الكثير من رجال صنعوا تلك الحروب والكوارث.