رواية الكابوس الفلسطيني في بلاد الحواجز
عزمي بشارة في حب في منطقة الظل... الجهر بالحقيقة
بقلم الكاتب: د. فيصل دراج
يعود تميّز إميل حبيبي ربما إلى أمرين: فهو أول من صاغ رواية عن وضع الإنسان الفلسطيني في شرط الاحتلال, الذي يجعل صاحب الأرض غريباً ويؤكد المحتل الغريب سيداً على الأرض وأصحابها. ويعود الأمر الثاني إلى الشكل الفني الذي ترجم مفارقة المصير الفلسطيني, متوسّلاً السخرية السوداء, أعطى حبيبي نموذجه الكتابي وانصرف, تاركاً لغيره الأخذ بالنموذج أو الانصراف عنه, لأن الاحتلال أوغل في احتلاله, دافعاً بالسخرية إلى آفاق جديدة.
قبل حوالي عامين أعطى عزمي بشارة كتاباً عنوانه: "الحاجز" أضاءه بعنوان ثانوي هو: شظايا رواية عن مكان, وإذا كان في الشظايا ما يحيل على وجود كان متماسكاً ودمّرته ضربة مستقيمة ثقيلة, سدّدتها اليد الإسرائيلية, فإن في تعبير شظايا رواية ما يفصح عن كتابة مجتهدة لا تلتفت إلى التحديد, كما لو كان المؤلف لا يقتصد في البوح ويقتصد في تحديد ماهية الكلام الذي يبوح به.
وواقع الأمر أنه كان في كتاب الحاجز ما يدرجه في حقل الكتابة الروائية اعتماداً على عنصرين: السرد الذي حدّث عن نماذج بشرية مختلفة مقيّدة بأوضاع مختلفة يمليها الحاجز, الذي هو قهر جامع رغم صيغة المفرد, فالحاجز الإسرائيلي مادي ومعنوي ورمزي وإشاري, يوزّع أبعاده المختلفة ناقلاً الفلسطيني من عفوية المعيش إلى جحيم الوجود, تمثّل العنصر الثاني, الذي صاغ دلالة الحاجز في أبعاده المختلفة, بالمركز اللغوي, الذي يوكل إلى لغة خاصة به توصيف أحوال الفلسطيني المغترب وتحليلها. حاذر عزمي بشارة الذي كتب رواية دون أن يدري الحديث عن الرواية مكتفياً بـ "شظاياها" كان في "الحاجز" ما يؤرق الكاتب الذي ينحّي صورة الأديب, وما يثير فضول جمهور عربي عرف المثقف والمناضل ولم ينتظر "الروائي".
يبد أن عزمي لم يرد أن ينتظره طويلاً الجمهور الذي وضع لـه صورة معينة, فكتب عملاً جديداً في أربع مئة صفحة, دعاه بوضوح يُجهر على كل التباس: "رواية شظايا مكان", والتحديد الأخير عنوان ثانوي لا أكثر, لأن العنوان الأساسي هو: "حب في منطقة الظل", كان عنوان الكتاب الأول: "الحاجز" يتلوه عنوان ثانوي "شظايا رواية عن مكان",وعنوان الكتاب الجديد هو: "حب في منطقة الظل" يعقبه عنوان ثانوي: "رواية شظايا مكان" بدّل عزمي في أمرين: فما كان شظايا رواية أصبح رواية, وما كان مكاناً صار شظايا مكان, وقد لا يكون في الأمر الأول ما يوقظ القول, لأن من يقف على تخوم الرواية في لحظة يتوغل في أرجائها لاحقاً, غير أن الفضول يذهب إلى ذلك الانتقال من مكان فلسطيني إلى شظايا مكان, أو إلى مكان رحل وأبقى نزراً منه يدل عليه, والواقع أن بشارة لم يغيّر في الكتابين ولم يتغيّر بينهما, بل شاء التصريح بصوت عالٍ غاضب عن وقائع مستمرة لامسها سابقاً بهدوء مكبوت, والسؤال المتوقع هو التالي: ما الذي دفع السياسي المحترف الذي شاء أن يكون روائياً إلى هذا الانتقال؟
أسباب أربعة ربما تقف على رأس الكلام: أولها الجهر بالحقيقة, بلغة إدوارد سعيد, الذي يتسلّح بمسؤولية الوضوح بعيداً عن لغة الأماني وثقافة الأدعية, ذلك أن بشارة السياسي الوطني يوجّه كلامه إلى الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي الفلسطيني, كاشفاً العيوب مندداً بالتخلّف زاجراً أكثر من مرض, مصرّحاً بجلاء لا نقصان فيه: إن الوعي الفلسطيني الراهن في المناطق المحتلة, أضيق بكثير من التحدي الملقى عليه, يحيل السبب الثاني إلى عنف الحاجز الإسرائيلي, الذي يبدّد أوصال الأرض, والروح الفلسطينية ربما, بأسرع مما يظن أصحاب الأرض, كما لو كان عنف الحياة اليومية يمنع الفلسطينيين عن الانتباه إلى الكارثة التي تسقط عليهم, بلا توقف, يقوم السبب الثالث في اغتراب المثقف, الذي يشتق الظاهر من الجوهري, منتقلاً من أفعال البشر إلى عقولهم ومن لغتهم إلى مصالحهم الضيقة, ومنتقلاً أيضاً من الموجود إلى واجب الوجود ومن اليوم إلى الغد الذي يليه ومن الشظايا إلى وَهْن الغبار, لم يشأ عزمي أن يكتفي بـ "الوعي الشقي", الذي ينسب أحياناً إلى المثقفين الحقيقيين, بل آثر أن يضع أمام الآخرين شقاءهم, لأن المصير الفلسطيني كان ولا يزال, شأناً جماعياً لا يحلّه الأفراد, إلا إذا أرادوا أن يذبحوا حله لا أكثر, يأتي السبب الرابع من خصوصية الجنس الروائي الذي يتيح للمثقف الذي درس الفلسفة, أن ينتقل من المفاهيم النظرية, التي تتسم بالتجريد والشمول, إلى تفاصيل الوقائع اليومية, حيث في الحكايات ما يجلو المفاهيم وفي الشخصيات ما يعيد شرح اللغة النظرية, إضافة إلى ذلك فإن في الحيّز الروائي ما يسمح للمثقف المغترب أن ينتقل من التنظير إلى البوح, حين يتحوّل إلى شخصية بين الشخصيات الأخرى, أو إلى شخصية مرجعية تضع ما تشاء من الكلام على لسان شخص تحنو عليه, أو على لسان آخر بينه وبين الكرم الإنساني مسافة صاعقة.
لا تعني الأسباب السابقة على الإطلاق أن بشارة التمس ذريعة روائية يقول فيها بالحكاية ما لا يقدر على قوله باللغة النظرية, فقد كتب رواية, عن وضع لا تستوعبه الحكايات التقليدية, لأن فيه ما يختلف عن "التقليدي" وينقضه. ولعل تلك اللغة الذاتية الرهيفة المحتشدة بجدل داخلي, المنثورة في صفحات الرواية, شهادة على وعي الروائي, الذي قصد هدفاً يعرفه وتعرّف على الأدوات التي تفضي إليه, كيف يوحّد الكاتب فضاءً فلسطينياً متشظياً مسكوناً بمصائر فلسطينية مختلفة؟ هذا هو السؤال الذي تمليه الرواية وهذا هو السؤال الذي يفضي إليه أيضاً, يأتي الجواب من الكتابة التي توحّد, تخييلاً, ما يمنع الواقع عن توحيده, أو يأتي من المجتمعات المتخيلة, التي تخلقها الكتابة وهي تخلق زمناً وطنياً موحداً, لا سبيل إلى توحيده في الواقع المعيش, يوحد الفضاء المتخيّل بين فلسطيني "الحاجز" وفلسطيني "الشتات" ويضعهم جميعاً أمام مأساة تسيطر عليهم ولا يسيطرون عليها, اتكاء على الفضاء المتخيّل يقيم المؤلف علاقة حب على "الإنترنت" بين فلسطيني من بلاد الحواجز وفلسطينية في الشتات تختلف إلى أكثر من مكان, ومع أن في هذه العلاقة دلالات كثيرة, ليس آخرها الحب والحرمان والوطن والمنفى, فإن فيها ما يؤسس لـ "الفعل الروائي" ويؤثّثه لأن الحديث بين الطرفين, الذين يكتسحهما الاغتراب, مناسبة لبوح محسوب, قوامه صور متواترة عن البلد الذي يعرف ظلال الأشياء, وصور شخصيات يعرفها الطرفان, أو عرفا بعضهما في زمن سبق.
هل تنبثق السخرية من الأديب وتضاف إلى الأشياء, أم أنها قائمة في الأشياء المعيشة تدعو الأديب إلى صياغتها؟ أنجز أميل حبيبي في "المتشائل" نصاً تلفّه السخرية من الألف إلى الياء, مستغرقة الراوي وشخصياته وحاضره وماضيه,, نصاً ساخراً إبداعياً يرى إلى وطن كان يتأهب للرحيل, ومع أن السخرية, من حيث هي, فعل هجائي مقاتل, فقد آثر عزمي بشارة, الذي يرتكن عمله إلى شكل معين من السخرية, أن يفصل بين الراوي ومواضيع كلامه, وأن يقيم مسافة بين القول الساخر وموضوع السخرية. فهذا الراوي يتمتع بوظيفتين: يأخذ أولاً موقع الناقد الشامل, الذي ينقد الآخرين بعنف, مميزاً بين القول الساخر وصاحب القول, فلا مجال للتخليط بين السخرية الواعية لأغراضها والسخرية من أجل السخرية, وهو ثانياً ينأى بالسخرية عن العدمية باحثاً عن أفق, أي إنه يرفض ما يرفض باحثاً عن بديل, فقد خلق إميل حبيبي راوياً يسخر من ذاته ويثير السخرية مكتفياً باحتجاج على وضع مأساوي لا سبيل إلى الخروج منه إلا بالتساذج الدفاعي, حيث إيجابية المقهور المتاحة تكمن في لا إيجابيّته الظاهرية, شيء يعادل جدل الوجه والقناع, حيث على الأخير أن ينطق بما لا ينطق الوجه به, من أجل البقاء في الوطن, غير أن في هذا الجدل, الذي يراوغ العدو ويخادعه في ذاته خطراً واضحاً محدداً هو: التباس الوجه بالقناع إلى درجة تلغي الوجه وتجعل من القناع المؤقت وجهاً دائماً.
لم ينجرف عزمي بشارة إلى سخرية لا حسبان فيها, تلغي المسافة بين الوجه والقناع, بل ذهب إلى سخرية محسوبة ثنائية البعد: اشتق السخرية من القهر الإسرائيلي الذي يمحو إرهاب الفلسطينيين بـ "ديمقراطية" الذين يحتلون بلادهم, غير أنه أضاف إلى هذه السخرية, التي اكتفى إميل حبيبي بها, سخرية أخرى موضوعها الفلسطينيون أنفسهم. تأمل الكاتب في الحالين, "فائض القهر", إذ في الحاجز ما يحجز الأرض والإنسان والعشق واللغة, وإذا في "المحجوز" ما يعبث بالأرض والعقل والحسبان المفترض, اتكأ الروائي في الشكل الأول من السخرية, على "الحاجز" كموضوع وإشارة في آن فالحاجز من حيث هو موضوع, يختلس من الطريق إلى طرق مفضياً, في النهاية, إلى مآسي يومية متناسلة.
والحاجز من حيث هو إشارة فصل بين زمنين وهويتين ولونين من البشر, إن لم يكن إعلاناً عن خالق ومخلوق جديدين, الحاكم الوحيد بينهما هو القوة التي تنشىء الطرق الالتفافية, حينما تشاء, وتغدق عليها ما شاءت من السماء, ولهذا يبدو الحاجز هو الموقع الشاهد على ثنائية الخالق والمخلوق التي تضع الأخلاق والحس السليم
جانباً مسترشدة بالقوة وبتفاوت جواهر البشر, موقع مسكون بالمفارقة, تصفه اللغة وتتهمه وترد عليه بالهجاء المسترسل المحدّث عن: ظل الحاجز, اللغة الحاجزية, دولة الحاجز, سكان بلاد الحواجز, العميل الحاجزي, الحاجزيون, الديمقراطية الحاجزية... إنه اللامعقول في شكله الاغترابي الأعلى الذي يجعل الحاجز, وهو فعل مصطنع قهري طارىء, يمتزج بالحياة اليومية ويكتسب وجوداً لـه شكل البداهة, حين يتبادل "العاشق" الحديث مع المرأة الفلسطينية التي تعيش في المنفى يقول: ليس للحب المحجوز وطن, وفي هذه البلاد لا يوجد حتى وطن يحجز الحب, ولولاك لكان وطن مفقود وحب مفقود, ولا يقبل الحب الحرمان وطناً لـه.
إذا كان في الحاجز الذي يعيد المقهورين, ما يثير السخرية, فإن الأخيرة تمتزج بالرثاء حين يرتضي المحجوزون بلغة الحاجز ويتكيّفون مع إشاراته, ينتقل الروائي من الحاجز, وهو العنصر الروائي الذي يحيل إلى العسف الإسرائيلي, إلى الظل, أو ظل الحاجز, الذي يحيل إلى فلسطينيين جاؤوا من رحم الحاجز واطمأنوا إليه. تنطوي الرواية, بهذا المعنى, على مستويين: الحاجز الذي يشوّه الأمكنة والأزمنة والبشر, والظل الذي تحتشد فيه مخلوقات مشوّهة, فقدت قوامها واستبقت ظلالاً لا تدل عليه, حالها كحال الوطن القديم الذي ضاع وجهه واحتفظ بوشم فوق وجه لا وجود لـه: لم يُبقِ من الصالح العام على الكثير من الأرض, تقول الرواية, ولم يبق من صاحب الأرض إلا ظله, ليس للظلال وزن عادة, بل إن بعض الفلسطينيين قصُر ظله, أو قصَّر ظله, أملاً أن يشبه سكان "دولة الحاجز" وما الظل إلا الانقسام, الذي يمحو الجوهري ويحتفظ بما لا وزن له, منهياً إلى مأساة تثير الضحك, نقرأ: وفي بلاد الحواجز التي تحتلها دولتكم وحيث يقيم أبناء جلدتنا يحسبوننا على دولة الحاجز التي تحجزهم, وأنتم تحسبوننا على المحجوزين وراء الحاجز... تتكاثر سطوة الحاجز ويتكاثر العجز في الرد عليه: لو كانت النفوس منقسمة لكانت جذابة وممتعة ومركبة, لا, أنا لا أتحدث عن نفوس منقسمة, بل أنصاف نفوس.... بل أنصاف نفوس تلعب دورين, أو نصفي دورين متنافرين, نصفي صراع, أي بلغة ظل الحاجز صراع نصفي...
استولد بشارة السلطة الإسرائيلية من "الحاجز" الذي يجهز على كل منطق سليم, واستولد "الوزن الفلسطيني" من ظل "الحاجز" الذي يحتشد بلا معقولية تتاخم الكابوس, يتكشف معنى الحاجز, ظاهرياً, في الطرق التي يلغيها ويتكشف, جوهرياً, في ظله أي في انقسام الفلسطينيين إلى شظايا متناثرة فوق شظايا مكان, وإذا كان في اشتقاق الدلالات المتنوعة من جدل الحاجز والظل ما يضيء فنية الرواية, فإن في تحليل وجوه الظل ما يفصح عن تميزها, أي عن تلك الكتابة المشدودة إلى الهُنا والآن في شرط فلسطيني لا يشبه غيره. ولعل هذا التميز, الذي يتجلّى في بنية الرواية ومنظورها, هو الذي وضع في الطبقات الحكائية طبقات من الوثائق الاجتماعية, ذلك أن كابوسية الوضع الفلسطيني, التي تفيض على السخرية
السوداء, تستلزم معاينة الحالة الفلسطينية واختبارها, لا غرابة والحال هذه أن تحتقب كل حكاية صورة اجتماعية, وأن تكون جملة الصور المأساوية هي جملة الحكايات الساخرة, توحّد الكتابة الأدبية بين الحكاية والوثيقة الاجتماعية متسولة سخرية, تحوّل الوثيقة, بصيغة الجمع, إلى عناصر حكائية متكاملة, الأمر يجعل من "الوثائق" كلها مادة أدبية, لذا تكون الحكايات صوراً عن البلديات, الانتخابات, الصحافة, التحالفات العائلية, السياسية التي هي ظل السياسة, الحزب الذي هو ظل الحزب, والقرية التي هي ظل القرية, والبلاد التي هي قرية تزور قرية أخرى, والهوية التي لا زمن لها... نقرأ ما يلي: يتبنى الناس في شظايا المكان شظايا هويات, وتتألف القرية من بيوت طمست معالم ما قبلها, وتنقسم الحمائل في اللعبة الأخيرة لكاس العالم كما تنقسم حول انتخابات البلدية.... أخذ عزمي بشارة بتنقية حكائية, تنفتح فيها كل حكاية على أخرى, وكل حكاية ـ صورة على حكاية ـ صورة لاحقة. بحث السياسي الفلسطيني عن شكل كتابي, يقول به ما يجب أن يقال, وقاده بحثه إلى رواية مغايرة, ولعل هذه المغايرة هي ما يعطي رواية حب في منطقة الظل جديّتها وجديدها معاً بعيداً عن رؤى قاصرة جاهزة تقيس الرواية بمقياس جاهز, لا وجود لـه على أية حال, وربما تكون حكاية رينوار في بلاد الأغوار, على سبيل المثال, آية على التمازج المبدع بين الواقع والمتخيّل في كتابة بشارة, حيث الواقعي, أو "الوثائقي" موجود وغير موجود في آن, لأن الكتابة تستدعيه وتصرفه في آن.
وضع عزمي في روايته سبعة عشر فصلاً, من عناوينها: حب في زمن الحب, بلدة, عموم الناس في الحيّز العام بلدية, صحافة, حوار عمر مع دنيا حول الجمهور.... تتوزّع الحكايات على "الأرشيف" وعلى ما هو غير أرشيفي أيضاً.
غير أن هذا التوزيع لا معنى لـه, لأن المواضيع جميعاً موحدة في سرد مفتوح, يمليه الحوار بين طرفين مغتربين, يردّان على الغربة بالمحبة ويواجهان آماد الكابوس بدفء والحب والبحث عن المعنى, وفي الحالات جميعاً, فإن رواية بشارة لا تختزل إلى السياسة أو علم الاجتماع أو الفلسفة, كما يتوههم البعض ولا إلى شظايا الفلسطينيين في شظايا المكان, إنما تأتي من مفرد مغترب, يعيّن اغترابه الذاتي مرجعاً لحكايات مأساوية متواترة.
قليلة هي الأعمال الروائية الفلسطينية التي حملت رؤية, أو حملتها الرؤية, منذ أن رأى الراحل جبرا إبراهيم جبرا في الثقافة, أو في المعرفة بشكل أدق, دليلاً إلى استرجاع الوطن, ربما يكون في عمل عزمي بشارة أشياء من هذا الدليل البصير, مع فرق جوهري بين الطرفين, هو أن دليل بشارة ينير طريق فلسطيني لم يعرف الهجرة والمنافي, وانتظر طويلاً وسيطاً عاقلاً يوحد بين الماضي والمستقبل, نقرأ في الرواية الجملة التالية: ربما كانت إقامة الدولة الوطنية هي أقصر الطرق للهجرة..... شيء قريب من ذلك الإنسان العطِش الذي رأى بئراً وسقط فيه غريقاً قبل أن يبلل شفتيه بقطرة ماء.