منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 صلاح الدين الأيوبي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: صلاح الدين الأيوبي   صلاح الدين الأيوبي Emptyالأربعاء 01 يونيو 2016, 8:40 pm

صلاح الدين الأيوبي

قصة الإسلام


صلاح الدين الأيوبي Images_17
قلعة صلاح الدين الأيوبي بمصر

صنع الرجال أعظم صنعة، وبناء الإنسان أشد من بناء ناطحات السحاب، وهناك رجال الواحد منهم بألف، كما أن هناك ألوفًا لا يساوون رجلاً واحدًا.
وفي وسط الظلام الدامس، والأيام الحالكة، والليالي المفعمة بالسواد، يتراءى للناس شعاع من نور الله، فيبعث الله لهم من يجدِّد لهم أمر دينهم، وشئون حياتهم، فيقيض الله لهذه الأمة رجالاً يحملون همَّ هذا الدين، فيتركون الدنيا وزينتها، ويجعلون زخرفها وراءهم ظهريًّا.
وصلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- كان من هذا الطراز، رجلٌ أُمَّة. وهو إحدى معجزات الإسلام الباهرة، وإحدى آياته الظاهرة.. ولكن لماذا الحديث عن صلاح الدين؟ أهو تغنٍّ بالماضي أم بكاء على الأطلال؟ أم أنه تحسر على الواقع المرير؟
والحق إن الحديث عن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- أمر مطلوب، أو قُلْ: هو ضرورة إسلامية وفريضة شرعية؛ لأمور منها:
أولاً: لأن القدس في محنةٍ أشبه بما كانت عليه قبل مجيء صلاح الدين الأيوبي.
ثانيًا: لأن الأمة اليوم ضلت طريق الهدى، وتنكبت طرق الصلاح، ودع عنك طريق السلام المزعوم.
ثالثًا: لأن أمتنا في حاجة إلى من تقتدي به في عصرٍ قَلَّت فيه القدوات، وانعدمت فيه الرجال.
رابعًا: لأن أمتنا تنتظر مثيلاً لصلاح الدين الأيوبي؛ ليعيد لها عزتها وكرامتها.
خامسًا: لأن استقراء التاريخ أمر ضروري لتعرف الأمة كيف انتصر السلف؛ ليسير على الطريق الخلف، ولتعليم كيف أعيدت القدس أولاً؛ لتعمل بنفس الطريقة على إعادتها ثانيًا.
سادسًا: لأن التفاؤل بالنصر أمر مطلوب، ومهما علت دولة الباطل فإنها ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة؛ فلا داعي لليأس، ولا حاجة إلى القنوط، بل العمل العمل، فنحن بحاجة إلى عطاء الأغنياء، وبذل العلماء، وجهاد الأتقياء، ومثابرة الدعاة، وعزائم الرجال. نعم، بحاجة إلى لمِّ الشمل، وشحذ الهمم، وتكاتف القوى، ونبذ الخلاف، وتوحيد الصف، وحسن التوكل على الله صلاح الدين الأيوبي U1_20.

صلاح الدين الأيوبي .. الأصل والنشأة

لم يكن صلاح الدين -رحمه الله- من الأصل العربي الذي يتغنى به كثير من أدعيائه، والحق إن صلاح الدين -رحمه الله- كان من عائلة كردية، كريمة الأصل، عظيمة الشرف، ولد في تكريت، وهي بلدة قديمة تقع بين بغداد والموصل، وكان أبوه حاكمًا لقلعة تكريت. والحق إن عراقة النسب لا تشفع لسوء الخلق، ورفعة الحسب لا تغني عن ضعف الدين، وهل كان أكثر عظماء هذه الأمة وبُناة هذه الحضارة إلا من مسلمي غير العرب؟! وسَلْ عن ذلك التاريخ يخبرك بأسماء لامعة مثل البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من أهل العلم وقادة الجيوش.
ومن غريب ما وقع، أن ولادة صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب بن شادي، صادفت إجبار أبيه على الخروج من تكريت، فتشاءم أبوه منه، فقال له أحد الحضور: فما يدريك أن يكون لهذا المولود ملكٌ عظيم له صيت؟!
ولما هاجر نجم الدين أيوب من تكريت، كان نزوله إلى الموصل عند عماد الدين زنكي، فأكرمه، ونشأ الطفل صلاح الدين نشأة مباركة، درج فيها على العز، وتربى فيها على الفروسية، وتدرب فيها على السلاح، ونما فيها على حب الجهاد، فقرأ القرآن الكريم وحفظ الحديث الشريف، وتعلم من اللغة ما تعلم.

صلاح الدين الأيوبي وزيرا في مصر

كانت مصر قبل قدوم صلاح الدين مقر الدولة الفاطمية، ولم يكن للخليفة الفاطمي سوى الدعاء على المنابر، وكانت الأمور كلها بيد الوزراء، وكان وزير الدولة هو صاحب الأمر والنهي، ومن ثَم فقد كانت مصر نهبًا للثورات الداخلية بين الطوائف المختلفة، من مماليك أتراك وسودانيين ومغاربة. ولما رأى القائد نور الدين محمود هذه الخلافات، وبدا له طمع ملك بيت المقدس أموري الصليبي في دخول مصر، أرسل نور الدين محمود من دمشق إلى مصر جيشًا بقيادة أسد الدين شيركوه، يساعده ابن أخيه صلاح الدين، فلما علم الصليبيون بقدوم أسد الدين شيركوه، تركوا مصر، ودخلها أسد الدين، وقربه الخليفة الفاطمي، ثم لم يلبث أن عُيِّن وزيرًا بعد ذلك، ولم تستمر له الوزارة سوى شهرين، فاختار الخليفة ابن أخيه صلاح الدين وزيرًا خلفًا له.
حيكت المؤامرات من أرباب المصالح، وأصحاب المطامع، ولكن صلاح الدين الأيوبي تغلب عليها كما تغلب على الفتن الخارجية، وبدا لصلاح الدين ظهور التشيع في مصر، فأسس مدرستين كبيرتين هما المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية حتى يحوِّل الناس إلى مذهب أهل السنة؛ تمهيدًا للتغيير الذي يريده. وكان نور الدين محمود في دمشق يكثر من إلحاحه على صلاح الدين الأيوبي لتغيير خطبة يوم الجمعة وجعلها باسم الخليفة العباسي "المستضيء"، بدلاً من الخلفية الفاطمي "العاضد". وما كان ذلك طلب "نور الدين" وحده، بل كان طلب الأمة كلها، لكن صلاحًا -رحمه الله- كان يتريث ويتحين الوقت المناسب، فلما مرض الخليفة الفاطمي خطب الجمعة باسم الخليفة العباسي، وأصبح صلاح الدين الأيوبي سيد مصر، ليس لأحدٍ فيها كلمة سواه.

صلاح الدين الأيوبي وبيت المقدس

كان صلاح الدين -رحمه الله- مفعمًا قلبه بحب الجهاد شغوفًا به، قد استولى على جوانحه. وقد هجر -رحمه الله- من أجل ذلك أهله وولده وبلده، ولم يكن له ميل إلا إليه، ولا حب إلا لرجاله. يقول القاضي بهاء الدين بن شداد: "وكان الرجل إذا أراد أن يتقرب إليه يحثه على الجهاد، ولو حلف حالف أنه ما أتفق بعد خروجه إلى الجهاد دينارًا ولا درهمًا إلا في الجهاد أو في الأرفاد، لصدق وبرّ يمينه".
إن لكل رجل همَّه، وهمُّ الرجل على قدر ما أهمه، وكأني بابن القيم -رحمه الله- يصف صلاح الدين الأيوبي حين قال: "النعيم لا يدرك بالنعيم، وبحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له".
وإذا النفوس كن كبارًا *** تعبت في مرادها الأجسام
وهكذا كان صلاح الدين -رحمه الله- كانت حياته كلها جهاد، وكان يعود من غزو إلى غزو، ومن معركة إلى معركة، وكانت معركة حطين من معاركه التي كتبت له بأقلام من نور على صفحات من ذهب، وسطرت على جبين التاريخ شاهدة له بكل معاني الجهاد والتضحية. وكان من كلامه -رحمه الله-: "كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام وبيت المقدس بأيدي الصليبيين؟!!".
يقول بهاء الدين بن شداد واصفًا صلاح الدين: "كان -رحمه الله- عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله إلا الجبال". وقال أيضًا: "وهو كالوالدة الثكلى، يجول بفرسه من طلب إلى طلب، ويحث الناس على الجهاد، ويطوف بين الأطلاب بنفسه وينادي: يا للإسلام، وعيناه تذرفان بالدموع، وكلما نظر إلى عكا، وما حلَّ بها من البلاء، اشتد في الزحف والقتال، ولم يطعم طعامًا ألبتة، وإنما شرب أقداح دواء كان يشير بها الطبيب، ولقد أخبرني بعض أطبائه أنه بقي من يوم الجمعة إلى يوم الأحد لم يتناول من الغذاء إلا شيئًا يسيرًا لفرط اهتمامه".
أرأيت أخي القارئ همته وهمه، إنه لم يطعم الطعام من الجمعة إلى الأحد، إنه كما قال القائل:
همم تفادت الخطوب بها *** فهُرِعن من بلد إلى بلد
إن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- كانت له غاية، وهو في غايته لا يرضى بدونها، إنه يتمثل قول القائل:
ونحن أناس لا توسط عندنا *** لنـا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا *** ومن خطب الحسناء لم يغله المهر
ولقد أراد صلاح الدين الجنة ورضي بها مقرًّا بدلاً عن الدنيا، وقدم لها المهر غاليًا رحمه الله.
وما أن أكرم الله "صلاح الدين" في حطين، حتى جاءته رسالة على لسان المسجد الأقصى جاء فيها:
يا أيها الملك الـذي *** لمعـالم الصلبـان نكس
جاءت إليك ظـلامة *** تسعى من البيت المُقَدَّس
كل المساجد طهرت *** وإنا على شرفي أُدنـس
وأكرم الله بيت المقدس بصلاح الدين كما أكرم صلاح الدين ببيت المقدس ففتحه في 27 رجب عام 583هـ، وقام القاضي محيي الدين بن زكي الدين ليخطب أول جمعة بعد قرابة مائة عام، وكان مما قال مخاطبًا صلاح الدين وجيشه: "فطوبى لكم من جيش! ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية، والوقعات البدرية، والعزمات الصديقية، والفتوحات العمرية، والجيوش العثمانية، والفتكات العلوية. جددتم للإسلام أيام القادسية، والوقعات اليرموكية، والمنازلات الخيبرية، والهجمات الخالدية، فجزاكم الله عن نبيكم صلاح الدين الأيوبي R_20 أفضل الجزاء".

لماذا انتصر صلاح الدين الأيوبي ؟

لم يكن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- ممن يبحث عن ألقاب زائفة، أو دنيا زائلة، لكنه كان داعية حق، ورجل معركة، وصاحب عقيدة، ومن ثَم فلم يكن انتصاره -رحمه الله- صدفة واتته، أو حظًّا أدركه، وإنما كان قدر الله بعد الأخذ بالأسباب، ومن هذه الأسباب:

1- تقوى الله والاحتراس من المعاصي:

يقول واصفوه: إنه -رحمه الله- كان خاشع القلب، غزير الدمعة، إذا سمع القرآن الكريم خشع قلبه ودمعت عينه، ناصرًا للتوحيد، قامعًا لأهل البدع، لا يؤخر صلاة ساعة عن ساعة، وكان إذا سمع أن العدو داهم المسلمين خرَّ ساجدًا لله قائلاً: "إلهي! قد انقطعت أسبابي الأرضية في دينك ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل". ومن جميل ما ذكر عنه أنه كان يواظب على سماع الحديث، حتى سمع جزءًا من الحديث وهو واقف بين الصفين، وقال في ذلك -رحمه الله-: "هذا موقف لم يسمع أحد في مثله حديثًا".

2- الإعداد الكامل والاهتمام البالغ بقضية التحرير:

وقد بلغ من اهتمامه ألا يجعل لنفسه سكنًا، بل خيمة تضرب بها الرياح يمنة ويسرة، وقيل في وصفه: "كان رحمه الله عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله إلا الجبال". كما ظهر اهتمامه بصناعة الأسلحة، وبناء السفن، وعمل المفرقعات، وتركيب الألغام والمجانيق، وغيرها من أدوات القتال.

3- توحيد البلاد:

وهذا ما صنعه صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- من يوم أن ولي وزارة مصر، وأسندت إليه سلطنتها، حيث رفض المذهب الشيعي، وأبطل الدعاء للخليفة الفاطمي وجعله للخليفة العباسي.

4- هدفه من القتال:

لم يكن هدفه -رحمه الله- إعلاء صيته، أو تصيد الثناء من الناس، وإنما كان إعلاء كلمة الله. واسمع إليه حين يقول: "في نفسي أنه متى ما يسَّر الله تعالى فتح بقية الساحل، قسَّمتُ البلاد، وأوصيتُ، وودعت، وركبتُ هذا البحر إلى جزائره، أتبعهم فيها حتى لا أُبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت!!!".

وفاة صلاح الدين الأيوبي

مات صلاح الدين -رحمه الله- كما مات من سبقه من البشر من الأنبياء والمرسلين والدعاة والمصلحين، إذ مرض -رحمه الله- في 16 صفر 589هـ، ووافته المنية في 27 صفر 589هـ. ولئن كانت روحه قد فارقت جسده، وانتقل بجسده وروحه عن دنيا الناس، إلا أن أعماله الخالدة حيّة يذكره الناس بها في كل آنٍ، ويتطلع الناس إلى مثلها في كل مكان.
والآن.. أليس الوضع هو الوضع والحال هو الحال؟!
تالله ما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه اليوم بالأمس! أمة ممزقة إلى أجزاء، ومجزأة إلى أوصال، ومتقطعة إلى دويلات، في كل دولة ودويلة حاكم وسلطان، وفي كل محلة راية وأعلام، وفي كل زاوية رأي وفقيه، مع اعتزاز كل ذي موقف بمكانه، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.. كل ذلك مع ضياع القدس وانتهاب فلسطين، وانتهاك الحرمات وهتك الأعراض، وقتل الأطفال، ودك البيوت. فهل للمسلمين من صلاحٍ جديد يصلح الدنيا بالدين، ويجدِّد للناس دينهم؟! نسأل الله ذلك.

المصادر:

1- "صلاح الدين الأيوبي بطل حطين" د. عبد الله ناصح علوان.
2- "أيعيد التاريخ نفسه؟" د. محمد العبدة.
3- "صلاح الدين الأيوبي" بسام العسيلي.
4- "صلاح الدين الأيوبي" أبو الحسن الندوي.

المصدر: موقع إسلام ويب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي   صلاح الدين الأيوبي Emptyالجمعة 12 مايو 2017, 11:07 pm

لماذا يكرهون صلاح الدين الأيوبي؟!

منذ الصغر وقضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى ارتبطت في أذهاننا بذلك البطل الهُمام والقائد المقدام، الذي قدر الله له أن يأتي في فترة من أشد فترات الأمة ضعفاً وتمزقاً ليقلب موازين القوى ويغيِّر خريطة العالم ويضع حداً للضعف والهوان الذي استمرأته الأمة عقوداً وسنوات ويعيد بيت المقدس إلى أحضان المسلمين بعد قرابة قرن من الاحتلال الصليبي، حتى أصبح اسمه مقروناً بدحر الصليبيين وتحرير المسجد الأقصى قِبلة المسلمين الأولى، وبدلاً من أن نربي الأجيال القادمة على أن يقتفوا أثره لنعيد للأمة عزتها وكرامتها، خرج علينا من يسبونه ويتطاولون عليه ويحاولون أن يطمسوا تاريخه المشرف.
وقبل أن نجيب على السؤال: لماذا هذه الكراهية لصلاح الدين؟! دعونا نغوص معكم في أغوار ذلك البطل ونعرف نشأته وتربيته وجهاده بشيء من الإيجاز.
نشأته وتربيته
صلاح الدين، يوسف بن نجم الدين أيوب، كردي الأصل، وُلد في مدينة تكريت سنة 532هـ، وتربى تربية إسلامية جهادية صحيحة، والتحق بجيش نور الدين محمود الذي أرسله إلى مصر مع عمه أسد الدين شيركوه لمواجهة خيانة وزراء الدولة الفاطمية وإعادة مصر للحاضنة السنية، وبالفعل أصبح وزيراً لمصر بعد وفاة عمه.

جهاده وبطولاته:
ما قدمه صلاح الدين للإسلام لا ينكره إلا جاهل أو حاقد، ويكفيه أنه نجح في القضاء على أعظم خطرين تعرضت لهما الأمة:
1- القضاء على الدولة العبيدية الشيعية:
الدولة العبيدية الشيعية المسماة كذباً الفاطمية التي سيطرت على مصر والحجاز والشام في منتصف القرن الثالث الهجري وبدأوا في نشر مذهبهم الخبيث بالقوة؛ فبعد أن تولى صلاح الدين وزارة مصر شرع في القضاء عليها فحذف من الأذان العبارة الشيعية "حي على خير العمل"، وأغلق مساجد الشيعة، وأمر بالدعاء للخلفاء الراشدين على المنابر، وأعاد مصر وبلاد الشام إلي الحاضنة السنية بعد 209 سنة من محاولات الشيعة فرض مذهبهم على أهل السُّنة في مصر والشام والحجاز.
ولذا يقول العالم الشيعي محمد جواد مغنية: "لولا صلاح الدين لأصبحت مصر والشام والحجاز بلاداً شيعية الآن".
2- القضاء على الخطر الصليبي:
بعدما توفي نور الدين محمود رحمه الله، أصبح صلاح الدين أمام مهمة جليلة ومسؤولية عظيمة؛ وهي تحرير العالم الإسلامي من خطر الصليبيين الذين احتلوا بلاد الإسلام وقتلوا المسلمين وحرقوا مقدساتهم وانتهكوا أعراضهم.

فجهز جيشه واستعد لمواجهة حاسمة مع جيوش النصارى الصليبيين، وقد كانت معركة حطين 583 هجرياً والتي كانت من أعظم ملاحم الإسلام، حيث اجتمعت جحافل الكفر والصليب لمواجهة المسلمين في حطين. وعلى الرغم من تفاوت العدد الكبير بين جيش المسلمين وجيش الصليب لصالح الصليبيين استطاع البطل المجاهد صلاح الدين، بفضل الله وإخلاص جنوده وهمتهم العالية، أن يسحق جيوش النصارى ويكسر شوكتهم وينتصر عليهم ويدخل بيت المقدس بعدها منتصراً شامخاً.
هذه كانت أهم أعماله، فضلاً عن مآثره التي لا يتسع المجال لذكرها، ويبقى السؤال الآن: لماذا الهجوم على صلاح الدين؟!
يقول الدكتور محمد رجب بيومي في كتابه "صلاح الدين قاهر الصليبيين": ''كان صلاح الدين حاجب الرجّة الهائلة التي أوقفت المعتدين على شفا جُرف يُنذرهم بالهوة التي انفجرت من تحت أقدامهم، كما كان -رحمه الله- بمثابة كابوس جاثم على صدور أعدائه ومحطماً لآمالهم وأطماعهم، وقد اجتمع على عدائه الصليبيون والشيعة والعلمانيون.

أما الصليبيون، فقد تحطمت مشروعاتهم التوسعية وتبددت أحلام إمبراطورياتهم على صخرة صلاح الدين؛ لذلك فهم يحملون من الحقد والغل لصلاح الدين ما لا يحملونه لغيره،
وقد ظهر ذلك بعد دخول الفرنسيين سوريا بعد معركة ميسلون عام 1920، حيث ذهب قائدهم (هنري غوروا) إلى قبر صلاح الدين ورفسه بقدمه قائلاً: (ها نحن قد عُدنا يا صلاح الدين).

وكذلك الشيعة، فقد قضى صلاح الدين على آمالهم في إقامة خلافتهم الشيعية على أنقاض الخلافة العباسية السنية".
أما عن كراهية العلمانيين له
فكراهيتهم ليست لصلاح الدين في حد ذاته، إنما هي كراهية للتاريخ الإسلامي ورموزه العظام. وما صرح به يوسف زيدان مؤخراً ليس جديداً؛ فالرجل له تصريحات سابقة اتهم فيه التراث الإسلامي بأنه تراث عفن، وأن قادة المسلمين أمثال قطز وبيبرس وصلاح الدين وغيرهم ما هم إلا سافكو دماء، واتهاماته الأخيرة ليست سوى استمرار للتضليل والكذب.

فقد ذكر أن ما ورد من بطولات لصلاح الدين هي روايات مكذوبة دُست إلى كتب التاريخ بعد الخمسينات، وهذا كذب صريح فكبار المؤرخين -أمثال ابن كثير وابن الأثير وابن خلكان وغيرهم- وثّقوا هذه البطولات منذ قرون، فهي ليست روايات مدسوسة كما ادعى كذباً.

أما اتهامه لصلاح الدين بالقضاء على المذهب الشيعي في مصر وقطع دابر العبيديين، فهذا الكلام قد ذكره من قبله المؤرخ الشيعي حسن الأمين، وهذا اتهام لا يشين صلاح الدين؛ بل يزيده فخراً؛ فالرجل أنقذ الأمة من خطر عظيم، خطر الشيعة الذين جثوا على صدور أهل مصر والحجاز والشام قرنين من الزمان، تحالفوا فيهما مع الصليبيين وأذاقوا أهل السنة خلالهما الويلات، وأجبروا الكثيريين على اعتناق المذهب الشيعي وسب أم المؤمنين عائشة وكذلك كبار الصحابة، وقتلوا الآلاف من علماء أهل السنة، على رأسهم الإمام أبوبكر النابلسي الذي سلخوه حياً.
وليس معنى أن صلاح الدين قضى على المذهب الشيعي أنه أعمل فيهم القتل وأسال دماءهم أنهاراً أو عزل الرجال عن النساء كما ادعى زيدان؛ بل تركهم ولم يقاتل غير الخونة والمتمردين وسمح للباقين بالخروج من مصر، كما ذكر المقريزي، وتعامل مع الخليفة الفاطمي العاضد بالرحمة والشفقة وتركه حراً حتى مات.

أما ما يتعلق بقضية حرقه مكتبة القصر، فهذا أيضاً كذب متعمد؛ فالمكتبة تم تدميرها حين وقع الخلاف بين الجنود السودانيين والأتراك في عام 1068م، وهو العام الذي شهدت فيه مصر مجاعة كبيرة "الشدة المستنصرية" وتوابعها التي ظلت من 1036 و1094م ولم يستطع الخليفة آنذاك دفع رواتب الجند؛ ما دعاهم للهجوم على المكتبة والعبث بمحتوياتها، فأتلفوا كتبها.
وعمد العبيد إلى الكتب المجلدة تجليداً فاخراً فنزعوا أوراقها واتخذوا من جلودها نعالاً وأحذية لهم.

وأختم معكم بهذه الشهادة للفيلسوف والمؤرخ الأميركي وول ديورانت في كتابه الموسوعي "قصة الحضارة"ن حيث يقول ديورانت:

"إن صلاح الدين كان في العادة شفيقاً على الضعفاء، رحيماً بالمغلوبين، يسمو على أعدائه في وفائه بوعده سمواً جعل المؤرخين المسيحيين يَعجبون كيف يخلق الدين الإسلامي -الخاطئ في ظنهم- رجلاً يصل في العظمة إلى هذا الحد، وكان يعامل خدمه أرق معاملة، ويستمع بنفسه إلى مطالب الشعب جميعها، وكانت قيمة المال عنده لا تزيد على قيمة التراب، ولم يترك في خزانته الخاصة بعد موته إلا ديناراً واحداً؛ وقد ترك لابنه قبل موته بزمن قليل وصية لا تسمو فوقها أية فلسفة مسيحية".
- يرجى الإطلاع على كتاب المختار من الكامل فى التاريخ قصة صلاح الدين الأيوبى

صلاح الدين الأيوبي 16870

http://www.alarabimag.com/download/?book=16870
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي   صلاح الدين الأيوبي Emptyالجمعة 12 مايو 2017, 11:16 pm

آخر فلول جرجي زيدان..معذرةً صلاح الدين

صلاح الدّين الأيوبي القائد الكردي المسلم أشهر و أكبر من أن يتمّ تعريفه , فهو رمزٌ إسلامي وعالميٌّ وتاريخي ,أشاد الأعداء قبل الأصدقاء بسجاياه الطيّبة المتسامحة مع غرمائه , وحّد مصر والشّام وتهامة والحجاز واليمن , وخاض عدة حروب ضد الفرنجة , إلى أن هزمهم هزيمة منكرة في حطين , وعلى رأسهم ريتشارد قلب الأسد الذي وقع في أسرِ الجّيش المسلم أنذاك ...لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح , لمَ يعمدُ بعض المثقفين العرب لزعزعة تاريخنا المشرق / المشرّف ولا يكتفون بذلك بل و يعمدون على إنكاره وتزويره فبعضهم يهاجم صلاح الدّين وينكر تحريره للقدس ويصفه بالحقير مغفلاً الروايات الغربية و التّاريخ الأوروبّي الذي يطيب له أن يستشهد به , و غورو الذي ركل قبر الأيوبي بقدمه في دمشق وقال له قولته المشهورة (ها قد عدنا يا صلاح الدين ) وهي تعتبر من أشهر فلتات اللسان التي وقع فيها زعيمٌ غربي في العصر الحديث .
وآخر أنكر تاريخنا الجاهلي وشعره و بطولاته ومعلقاته و قصصه و ......الخ واعتبره منقولاً
وآخر كان يدخل السّم بالدّسم ويفتري على هارون الرّشيد القائد العربي المسلم الذي كان يحج عاماً ويغزو آخر .
فما الذي يدفعهم لهذا ؟؟ وهم لا يكفون عن كيل المدح والثناء للرّموز والحضارة والثقافة الغربية , أليس حريّاً بهم أن يتعلموا من رفقائهم الغربيين الذين يرفعون قيمة من لا قيمة له , و يعلون أدب من لا أدب له , وشعر من لا شعر له من أبناء قارّتهم ؟!
غريبٌ حال ذاك المثقف العربي الذي يتقصد العيش في برجه العاجي و يصلُ لمرحلةٍ من تضخّم الأنا تسمح له بشطب بعض السّطور المضيئة من التّاريخ ؟
لكن لمَ يعمد هذا المدعو بالمثقف التنويري وغيره على تشويه الوجه الحسن من الذّاكرة العربية وتثبيت الوجه القبيح ؟
إن كنتَ تنكر الحقائق الجميلة فالأولى بك إنكار الحقائق البشعة مادمت تمتهن الإنكار
وإن كنت من هواة الشّطب والتّحرير فبإمكانك شطب المثالب لا المناقب
والأولى بك أن تتكلم عن المجازر التي قام بها الغرب المتحضر كإبادة ملايين الهنود الحمر في أمريكا أو الرّئيس الأمريكي البطل في عين شعبه هاري ترومان الذي أمر بالقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما في السادس من أيلول ونكازاكي في التاسع من أيلول 1945. أو عساك تتكلم عن حقارة مجازر غولدمائير و باراك و شارون بحق أبناء جلدتك .
أرجو سن قوانين نافذة تحاسب هؤلاء حتى يكفّوا عنّا أذاهم و ثقافتهم المزوّرة .
الأعجب والأنكى أنهم يهاجمون الفرد العربي ويتّهمونه بضعف الثقافة وقلة الإحاطة و ضيق الأفق وهم يعانون من الإنكار المرَضي ويسوّقون للغرب وثقافته , ويصفون تاريخ أجدادهم بالكساد ,..ورحم الله ابن التعاويذي إذ قال :
إن كان رب البيت بالدف ضارباً ...فشيمة أهل البيت كلهم الرّقص .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي   صلاح الدين الأيوبي Emptyالخميس 18 مايو 2017, 8:20 pm

هذا صلاح الدين.. فمن أنتم؟

الحديث عن العظماء في التاريخ حديث يشحذ الهمم ويشعر المرء بالفخر واليقين، ومن هؤلاء الأعلام وقادتها من وضع بصماته في التاريخ، فكان له الدور الكبير بعد الله عز وجل في رفعة الإسلام والمسلمين وعودة الأمة إلى عزها ومجدها سواء من الناحية السياسية أو من الناحية الشرعية، أوقف زحف الصليبيين وهزمهم ورد بلاد المسلمين، لا سيما بيت المقدس، إلى حوزة المسلمين، وفي نفس الوقت قضى على الدولة الباطنية في مصر وهي الدولة الفاطمية العبيدية الرافضية، وتلك من أجلّ الأعمال في حياته، إنه الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان، مؤسِّس الدولة الأيوبية في مصر والشام، فارس نبيل، وبطل شجاع، وقائد من أفضل مَنْ عَرَفتهم البشرية، وشهد بأخلاقه أعداؤُه من الصليبيين قبل أصدقائه وكاتِبي سيرته، إنه نموذج فذٌّ لشخصية عملاقة،
أن تكتب عن صلاح الدين الأيوبي فهذا أمر شاق رغم كونها تجربة رائعة في موضوعها، فربما لم يطلع قارئ عربي أو مسلم على سيرة أحد من الناس كما اطلع على سيرة الناصر صلاح الدين أيقونة الجهاد الإسلامى.. فهذه الشخصية لم تتكرر حتى الآن على الرغم من مرور مئات السنين على توقف نبضات قلب صاحبها.
لقد قرأت للشيخ الطنطاوي رحمه الله، كيف أن السلطان عبد الحميد الثاني حينما زار قبر صلاح الدين، أخذ إكليلاً من الزهور وقال: "هذا لك.. يا سيد أبطال العالم!".
مُبهر بطريقه ليس لها مثيل، كريم حتى مع ألد الأعداء، يحمل معنى الرجولة والإخلاص كما لم يحمله أحد، قائد عظيم وشخصية تميزت برصيد أخلاقي كبير من الشجاعة والكرم والوفاء والتسامح والحلم والعفو والعدل والمروءة، لم ولن يعلم التاريخ مثله، ومن الطبيعي أن يهتم المؤرخون بالقامات الكبيرة في أممهم، ومن ثم يسعون إلى الكتابة عنها، إشادة بإنجازاتها وحرصاً على تخليد ذكراها..
يقول أمين معلوف، صاحب كتاب "الحروب الصليبية كما رآها العرب": "وإذا كان صلاح الدين قد فتح القدس فما ذاك لأجل المال ولا حتى الانتقام. لقد سعى على الأخص إلى القيام بما يفرضه عليه ربه ودينه. وانتصاره أنه حرر المدينة المقدسة من نير الغزاة من غير حمام دم ولا تدمير ولا حقد، وسعادته هي أن يستطيع السجود في هذه الأمكنة التي لولاها لما استطاع مسلم أن يصلي فيها، فقد كانت حروب صلاح الدين ذات أهداف سامية وغايات رفيعة.
وعلى الرغم من كونه خصماً عنيداً للغرب المسيحي في زمن الحروب الصليبية، إلا أن اسطورته في الوعي الجمعي الأوروبي تعد مثالاً نادراً واستثنائياً، فانبهار أوروبا بصلاح الدين الأيوبي عميق الجذور، ظل نموذجاً للفارس الشهم الذي تتجسد فيه أخلاق الفروسية بالمفهوم الأوروبي، والمؤكد أن نمو أسطورة صلاح الدين قد حدثت في الغرب وليس في الشرق، وأياً كان السبب وراء شهرة صلاح الدين فمن الحق القول إنه لم يحدث أن تعلقت مخيلة الأوروبيين بشخص مسلم قدر تعلقها بصلاح الدين الأيوبي، إن تفوقه على معاصريه أقر به أعداؤه الصليبيون حتى في فترة العصور الوسطى في أوروبا.
ولكن... ما الذي جعل من صلاح الدين أكثر الزعماء المسلمين تكريماً في عيون الغرب؟
من الواضح أن صلاح الدين كان يمتلك أصدقاء حقيقيين بين الفرسان الصليبيين، وحظي باحترام كبير من قبل ريتشارد قلب الأسد وريموند صاحب طرابلس، وأن الكرم الذي أظهره عقب انتصاره في حطين قد نال من إعجاب الصليبيين، من الممكن أن كل هذه الحقائق قد تسرب إلى الصورة الأسطورية لصلاح الدين، ولكن هذا لا يفسر ما الذي جعل من صلاح الدين أسطورة في عيون الغرب، ربما لأن صلاح الدين هو من استولى على القدس، المدينة التي تشوق الغرب المسيحي لاستعادة السيطرة عليها بعد خمسة قرون من الزمن، والآن بعد انتزعوها من أيدي المسلمين بفضل جهد فوق طاقة البشر، وسيطروا عليها فترة وجيزة من الزمن عادت إلى أيدي المسلمين مرة أخرى، من المؤكد أن سقوط القدس بأيدي المسلمين أمر لم يتحمله الغرب المسيحي، وكان من الدفاع الطبيعي بالنسبة لهم التأكيد بأن الرجل الذي هزمهم لم يكن رجلاً عادياً، لقد خسروها أمام خصم استثنائي، وغالباً خارق للمألوف لا بد أن يكون وسيلة أخف وطأة لاحتمال ذل الهزيمة....
قال عنه المؤرخ الإنكليزي أميروتو: "بعد الحروب الصليبية الثانية مرت فترة لم تقم أوروبا خلالها بأي نشاط عسكري ضد المسلمين، وفي هذه الأثناء حدث أكبر حادث في تاريخ الحروب الصليبية وهو ظهور صلاح الدين الأيوبي، وبينما كان المعسكر الإسلامي يقوَى بهذا البطل كان معسكر الصليبيين ينهار، فقد كانت الإمارات اللاتينية في سوريا وفلسطين تعيش في أتعس الظروف التي يخلقها النظام الإقطاعي، ومال المحتلون إلى الدعة يوماً بعد يوم، ونسوا ما تتطلبه حياتهم كغاصبين من مهام ومسؤوليات، أما المعسكر الإسلامي فقد حصل في هذه الأثناء على مكانةٍ حققها له القائد الجديد الذي كان أعظم شخصية سياسية وعسكرية عرفها عصر الحروب الصليبية، ليس فقط في بطولته الحربية، بل في صفاته الشخصية التي تضعه في القمة بين العظماء والمصلحين في تاريخ العالم.. لقد كان صلاح الدين يعرف أهدافه الحربية، ويجيد التخطيط لها، وكان من رُعاة العلوم والمعارف، وكان مثالاً طيباً في الوفاء بالوعد والشهامة والكرم، وعلى النقيض من كفاءته ومن صفاته كان يتسم معاصروه من الحكام الصليبيين للولايات اللاتينية، الذين كانوا همجاً وبرابرة".
من ريتشارد قلب الأسد إلى صلاح الدين
من ريكاردوس قلب الأسد ملك الإنكليز "هو ريتشارد قلب الأسد"، إلى صلاح الدين الأيوبي ملك العرب، أيها المولى: حامل خطابي هذا، بطل صنديد، لاقى أبطالكم في ميادين الوغى، وأبلى في القتال البلاء الحسن. وقد وقعت أخته أسيرة، فساقها رجالكم إلى قصركم وغيروا اسمها. فقد كان اسمها ماري فأطلق عليها اسم ثريا. وإن لملك الإنكليز رجاء يتقدم به إلى ملك العرب، وهو إما أن تعيدوا إلى الأخ أخته، وإما أن تحتفظوا به أسيراً معها، لا تفرقوا بينهما، ولا تحكموا على عصفور أن يعيش بعيداً عن أليفه. وفيما أنا بانتظار قراركم بهذا الشأن، أذكركم بقول الخليفة عمر بن الخطاب، وقد سمعته من صديقي الأمير حارث اللبناني وهو "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، فكان جواب السلطان الناصر صلاح الدين: من سلطان المسلمين صلاح الدين إلى ريكاردوس ملك الإنكليز أيها المولى: صافحت البطل الباسل الذي أوفدتموه رسولاً إلي، فليحمل إليكم المصافحة ممن عرف قدركم في ميادين القتال. وإني لأحب أن تعلموا، بأنني لن أحتفظ بالأخ أسيراً مع أخته، لأننا لا نبقى في بيوتنا إلا أسلاب المعارك. لقد أعدنا للأخ أخته. وإذا عمل صلاح الدين بقول عمر بن الخطاب، فلكي يعمل ريكاردوس بقول عيسى: فرد أيها المولى الأرض التي اغتصبتها إلى أصحابها، عملاً بوصية السيد المسيح عليه السلام..
كانت العلاقة بين صلاح الدين الأيوبي وريتشارد مثالاً للفروسية والاحترام المتبادلين؛ رغم الخصومة العسكرية، فحين مرض ريتشارد بالحمى أرسل إليه صلاح الدين طبيبه الخاص، كما أرسل إليه فاكهة طازجة وثلجاً لتبريد الشراب، وعندما فقد ريتشارد جواده في أرسوف أرسل إليه صلاح الدين اثنين، ومن المعروف أن صلاح الدين وريتشارد لم يلتقيا أبداً وجهاً لوجه، وكان التواصل بينهما بالكتابة أو بالرسل...
يقول المؤرخ الإنكليزي مالكم كاميرون بأن "صلاح الدين هو بحق نابليون كردي وكان قائداً لا يقل عن نابليون في الجدارة والطموح لقيادة العالم الشرقي"
خلال الحقبةٍ التاريخيّةٍ الممتدة من ( 1096- 1291م) كان العنف الدموي يسيطر على مشهدها العام وهي ماعرفت فيما بعد بفترة "الحروب الصليبية" التي امتدت مائتي عامٍ، كان الصدام بين الغرب الغازي والعالم الإسلامي في أوجه، وفيه أُبيد سكانُ مدنٍ بأسرها وارتُكبت فظاعاتٌ بحق المدنيّين، حيث وصل الأمر إلى درجة أكل لحم الوثنيّين "المسلمين" من قبل بعض الغزاة المتعصبين وهو ما ذكره المؤرخ الفرنسي "راول دي كين" المرافق للحملات الصليبية، مما أنتج ردّة فعلٍ عنيفة من المسلمين عندما كانت ترجح كفتهم بعد معركةٍ ما، في هذا الجو المشحون بالكره والحقد والتفنّن بالقتل من قِبَل الطرفين، وإن كان بمستوياتٍ متفاوتة بينهما، تظهر شخصية سمحة تدعى صلاح الدّين الأيّوبي، وتتفوّق على كلّ القادة الذين كانوا يحكمون المنطقة آنذاك، بمعاملته الحسنة للمغلوب، فهو الذي سمح للفرنجة بالخروج من القدس سالمين بأموالهم وأرزاقهم ضامناً حقّهم بالعودة للحجّ فيها وقتما شاءوا، وبإمكانكم أن تتصوّروا مشهد بطريرك القدس وهو يخرج من المدينة جارّاً خلفه قافلة من الذهب دون أن يتعرض له أحد...
إن استقراء التاريخ أمر ضروري، نعم، لقد كان صلاح الدين عبقرية فذة، وصاحب مشروع حضاري ويمكننا الاستدلال على ذلك من خلال ما يلي:
1- عدم حصر جوهر الصراع بين الشرق الإسلامي والغرب الصليبي وفق النظرة الدينية فحسب، لذلك نرى اشتراك غير المسلمين أيضاً في حروبه ضد الصليبيين، وذلك يدل على كون الصراع حضارياً. وإن صلاح الدين قد اعتمد مبدأ التوازن الاستراتيجي مع الغرب فسخر كل الإمكانيات في سبيل ذلك وحشد كل الجهود لإحراز النصر.
2- براغماتية صلاح الدين وتغليبه مبدأ المصلحة العليا، وابتعاده عن الأنانية والسطوة، وحب الاستحواذ كما كان معروفاً عنه عدم لجوئه إلى القتل والدموية وسفك الدماء حتى إن أحد الكتاب الأوربيين المشهورين "ألبير شاندور" ألف كتاباً سماه "صلاح الدين الأيوبي - البطل الأنقى في الإسلام".
3- ولعه واهتمامه بإنجاز نهضة علمية وعمرانية واسعة، فقد بنى المدارس والبيمارستانات ودور العلم الديني والدنيوي.

إن محاولات التشكيك وعدم الاعتزاز والنيل من قائد مثل صلاح الدين الأيوبي ما هو إلا نيل من عقيدته لا من شخصه، ويبدو أن صاحب "عزازيل" و"النبطي" قد أصيب بـ"جنون العظمة" وما تفوه به عن شخص صلاح الدين ليس له محل من الإعراب؛ إذ يحسب على آراء العوام من الناس وللعوام فيما يقولون مذاهب، ولكن ليس له الحق في أن استعمال كلمات بذيئة بحق شخصية عظيمة وما بذاءاته وإساءاته تلك إلا لكي يلحق بغبار أحذية جند صلاح الدين... ويبدو بالفعل أن صلاح الدين الأيوبي لا يستحق أن يكتب فيه إلا الكبار، أما الصغار فلينشغلوا بما يناسب مستواهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي   صلاح الدين الأيوبي Emptyالإثنين 24 يونيو 2019, 2:05 am

نقطة التحول في مسيرة صلاح الدين

هناك محطات في حياة المرء تجعله يقف مع نفسه وقفةً للمراجعة والمحاسبة، فقد ذكر ابن الجَوْزِيِّ في "سِيرة عمر بن عبدالعزيز" أنه عندما وَلِيَ إمرة المدينة المنورة في شهر ربيع الأول من سنة 87 من الهجرة في خلافة ابن عمِّه الوليد بن عبدالملك - كان من أخيل الناس في مِشْيته، ثم إن الوليد بعث إليه يأمره بجلد خُبَيْب بن عبدالله بن الزُّبير مائة سوط، ويحبسه؛ لأنه قد حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلًا، اتخذوا عِباد الله خَوَلًا، ومال الله دُوَلًا))، واعتراضه على ضمِّ حجرات النبي صل الله عليه وسلم إلى مسجده، فجلده عمرُ، وبرَّد له ماءً في جَرَّة، ثم صبَّها عليه في غَداةٍ باردة، فتيبَّسَتْ أعضاؤه، وتشنَّج جسمُه (أصابه داء الكُزاز)، فأخرجه عمرُ من السجن، وندم على ما صنعه به، وعندما بلغه خبر موته، سقط إلى الأرض فزعًا، ثم رفع رأسه مسترجعًا، ولم يزلْ هذا الحادث يحزُّ في نفسه حتى مات، واستعفى من إمرة المدينة، وامتنع من الولاية، وكان إذا قِيَل له: إنك قد صنعتَ كذا فأبشر، فيقول: "كيف بخُبَيْبٍ على الطريق؟!"، ثم في خلافته خصَّ آل عبدالله بن الزبير بقسمٍ من الغنائم، فقال الناس: "دِية خُبَيْبٍ"؛ فهذا الموقف العارض، جعل من عمر بن عبدالعزيز ذاك الخليفة الأُموي العادل الزاهد[1].

وفي سِيرة صلاح الدين الأيوبي ما يُشبه هذا الموقف؛ ففي سنة 581هـ سعى صلاح الدين جاهدًا لضمِّ إمارة الموصل - دولة بقايا الزَّنْكيين - إلى مملكته، فضرب عليها حصارًا شديدًا في شهر شعبان؛ لكنه لم يظفرْ بطائل، وقد خرجن إليه أتابكيات البيت الزَّنكي طالبات الشفاعة، وهو مقيم على نهر دجلة بكَفْر زَمَّار قرب الموصل، وكان قد عزم على أن يُشتِّي في ذلك المكان، فلم يقبلْ شفاعتهن، وردَّهُنَّ خائبات، ثم مرض في شهر رمضان مرضًا شديدًا كاد يقضي عليه، وكان الحر شديدًا، وطال مرضه، وندم على رد الشوافع الزنكيات، فسيَّر إلى عماد الدين الزنكي (الثاني)، صاحب سِنْجَار وأخي عز الدين مسعود صاحب الموصل، طالبًا منه أن يرسل إليه رُسله؛ للتوسُّط مع المواصلة لعقد الصلح، ورحل قبل عيد الفطر بيومٍ، وهو مريض، وخيَّم على نَصِيبين في شوال، ثم نزل بحرَّان، فوصل إليه أخوه العادل من حلب ومعه الأطباء[2].

وفي أثناء إقامته بحران وصل إليه الفقيه بهاء الدين بن شَدَّاد، رسول صاحب الموصل، فجلس صلاح الدين - وكان هذا أول جلوسه بعد مرضه - وحلف في يوم عرفة على نسخة العقد، وأهدى هدايا عظيمة، تزيد على عشرة آلاف دينار، غير الخيل والطِّيب والتحف البديعة والنفيسة، لصاحب الموصل وأمه وزوجه، وابنة سيده نور الدين محمود[3]؛ فهو بذلك يتدارك ما صنعه مع نسوة البيت الزنكي من قبلُ.

إن هذا المرض جعل صلاح الدين يُراجع نفسَه، ويهتمُّ بمصالح رعيَّتِه، ويكتفي بما حقَّقه من توحيد للبلاد، ويتفرَّغ لتحرير بيت المقدس - بُغية أستاذه نور الدين - فقد ذكر العماد الكاتب أن صلاح الدين في أثناء مرضه هذا أمره بتفريق ما اجتمع في خزائنه من الأموال، حتى قال العماد: "واستمر مدة استمرار مرضه على بذل جوهر ماله وعَرَضه"، وأمر بمكاتبة ولاته ونُوَّابه بمصر والشام؛ ليتصدَّقُوا على الفقراء والمساكين من بيت المال[4].

وقد كان من ثمار وقفة صلاح الدين هذه مع نفسه أنه نذر إنْ شُفِيَ من هذا المرض أن يشتغل بفتح بيت المقدس، ولو ببذل نفائس الأموال والأنفس، وألَّا يصرف بقية عمره إلَّا في قتال أعداء الله والجهاد في سبيله، وإنجاد أهل الإسلام والإقبال عليهم، ولا يترك شيمة الجود، والسماحة بالموجود، والوفاء بالعقود، والمحافظة على العهود، وإنجاز الموعود[5].

بل كان من وصاياه - إنْ مات في مرضه هذا - أن يخلفه في تدبير أمور دولته في الشام ومصر أخوه أبو بكر العادل، وابن أخيه تقي الدين عمر، وابناه الأفضل علي والعزيز عثمان؛ لأنه يراهم على مراده في جهاد الفرنج[6].

وعلى إثر هذا المرض، لم يتعرَّضْ صلاح الدين طوال العام الذي سبق معركة حطين لأحد من المسلمين، فبعد شفائه رحل من حرَّان مع أخيه العادل، فوصل حلب في منتصف المحرم سنة 582هـ، ففرِح به أهلها، وفي طريقه إلى دمشق مرَّ على حمص، وقرَّر أمورها، وكتب منشورًا بإسقاط المكوس بالرَّحبة، واقتصر منها على الخَراج والأجور والزَّرْع، وهي الرسوم التي يُبيحها الشرع، وعندما دخل دمشق التي كانت قد تزيَّنَتْ لمقدمه، جلس في دار العدل التي بناها أستاذه نور الدين؛ لكشف المظالم، ثم أخذ في ترتيب البيت الأيوبي من الداخل، فجعل مصر لابنه العزيز عثمان، وسير معه أخاه العادل بعد أن أقطعه الشرقية، وجعله أتابكًا لابنه، وجعل حلب لابنه الظاهر غازي، وطلب من ابنه الأفضل نور الدين أن يُقيم معه في دمشق[7].

وفي دمشق أوائل سنة 582هـ، بعد وصول صلاح الدين إليها مباشرةً، وهو لم يُشْفَ تمامًا من مرضه، قال له القاضي الفاضل: "قد أيقظك الله، وما يعيذك من هذا السوء سواه، فانذرْ أنك إذا أبللت (شُفيت) من هذا المرض، تقوم بكلِّ ما لله من الْمُفتَرض، وأنك لا تُقاتل من المسلمين أحدًا أبدًا، وتكون في جهاد أعداء الله مجتهدًا، وأنك إذا نصرك الله في المعترك، وظفرت بالقومص (ريموند الثالث صاحب طرابلس) وإبرنس الكَرَك (أَرْناط)، تتقرَّب إلى الله بإراقة دمهما، فما يتم وجود النصر إلا بعدمهما"، فأعطاه صلاح الدين يده على هذا النذر، ولما انتصر في حطين سنة 583هـ قتل أرناط؛ وفاءً بنذره، بينما هرب قومص طرابلس من المعركة وقد أُصيب بجراحات ثلاث، فمات فور عودته إلى طرابلس[8].

فمنذ سنة 571هـ وحتى مرضه في سنة 581هـ، كان صلاح الدين يتعرَّض للفرنج لمامًا، فبعد كسْرة الرملة سنة 573هـ، حقَّق نصرًا مؤزرًا عليهم في مرج عيون سنة 575هـ؛ لكن بعد حادثة مرضه عقد نيَّته على فتح بيت المقدس، ومما يُدلِّل على ذلك أن ابن أخيه المظفر تقي الدين عمر - وقد كان نائبه بمصر وقتئذٍ - لما علم أن عمَّه صلاح الدين جعل مصرَ لابنه العزيز عثمان مدعومًا بالعادل أبي بكر، سمَتْ هِمَّتُه إلى إقامة مملكة له في بلاد المغرب بعد أن مالت إليه عساكر مصر، وكان خادمه قَراقوش التقوي قد مهَّد له الأمور هناك، فلما انتهى إلى صلاح الدين ذلك، قال: "لعمري، إنَّ فتح المغرب مهمٌّ؛ لكنَّ فتح البيت المقدس أهمُّ، والفائدة به أتمُّ، والمصلحة منه أخصُّ وأعمُّ، وإذا توجَّه تقي الدين، واستصحب معه رجالنا المعروفة، ذهب العمر في اقتناء الرجال، وإذا فتحنا القدس والساحل، طوينا إلى تلك الممالك المراحل"، وكتب إليه يأمره بالقدوم عليه، فانصاع تقي الدين لأمر عمِّه، وأقطعه صلاح الدين حماة ومنبج والمعرة وميافارقين، ثم كتب إلى مصر باستدعاء رجاله، وإعلامهم بإبطال فتح المغرب، فامتثلوا الأمر[9].

وكان القاضي الفاضل قد كتَب لتقي الدين عمر يُشجِّعه على ترك أمر المغرب قائلًا: "يا مولانا، ما هذا الواقع الذي وقع ... وكيف نَعْدِل إلى حرب الإسلام المنهي عنها (يقصد بلاد المغرب الواقعة تحت إمرة الموحِّدين)، ونحن في المدعو إليها (يقصد بلاد الشام) من حزب أهل الحرب؟!"[10].

وفي سنة 582هـ - خاصة في رمضانها - أكثر صلاح الدين من العطاء والإنعام على العلماء والوعَّاظ والحُفَّاظ؛ فقد قال العماد: "وكان من كرم شيم السلطان إذا عرف في خزائنه موجودًا، أنه لا يستطيب تلك الليلة حتى يُفرِّقه جُودًا"[11].

وأخذ صلاح الدين أيضًا بعد مرضته الشهيرة تلك، يقضي أوقاته في أثناء إقامته بدمشق – ولأول مرة منذ سنة 571هـ - في الصيد والقنص بشاهينه البحري في تل راهط، وكان صيده من نصيب العماد الكاتب على اتفاق بينهما إلى أن مات هذا الشاهين[12].

فحقًّا، إنَّ هذا المرض كان نقطة التحوُّل في مسيرة صلاح الدين، فجعل تحرير بيت المقدس شغله الشاغل، وصدق القاضي الفاضل حين قال بعد بُرْء صلاح الدين من مرضه:

نعيٌّ زاد فيه الدَّهرُ ميمًا ♦♦♦ فأصبح به بُؤساه نعيمَا[13]


[1] ابن الجوزي؛ سيرة عمر بن عبدالعزيز، تحقيق: محب الدين الخطيب، مطبعة مجلة المؤيد، القاهرة، ص32-35؛ ابن واصل، التاريخ الصالحي، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمري، المكتبة العصرية، بيروت، 2010م، جـ(1)، ص304.

[2] أبو شامة؛ الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، تحقيق: عمر الزِّيبق، مؤسسة الرسالة، بيروت، الجزء الثالث، ص235، 237.

[3] ابن شَدَّاد؛ النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، تحقيق: جمال الدين الشيال، مكتبة الخانجي، القاهرة، ص120.

[4] الفتح البنداري؛ سنا البرق الشامي، تحقيق: فتحية النبراوي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ص268.

[5] سنا البرق، المصدر السابق.

[6] سنا البرق، ص269.

[7] ابن واصل؛ مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، تحقيق: جمال الدين الشيال، دار الكتب المصرية، الجزء الثاني، ص174-177.

[8] الروضتين، الجزء الثاني، ص291-292.

[9] سنا البرق، ص280-281.

[10] الروضتين، ص258.

[11] سنا البرق، ص287.

[12] الروضتين، ص268.

[13] الروضتين، ص242.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي   صلاح الدين الأيوبي Emptyالإثنين 24 يونيو 2019, 2:06 am

معركة حطين بقيادة صلاح الدين
25 ربيع الآخر سنة 583هـ

قائد المعركة من المسلمين:

صلاح الدين الأيوبي، ومعه عدد من قادة الولايات والأبناء في جيش نظامي يزيد على اثني عشر ألفًا، ومثلهم من المتطوعة.

قائد الإفرنج:

ملك بيت المقدس بردويل، ومعه عدد من قادة الأقاليم؛ أمثال أرناط حاكم الكرك، وحاكم طبرية وطرابلس وعكا والناصرة وصور.

سببها: أن صلاح الدين قد أعدَّ جيشًا قويًّا وقصد ممالك الصليبيين ليُحرِّرها من نيرهم، فكان قصده مدينة طبرية، وعلِم الإفرنج بذلك فجمعوا كل ما أمكنهم جمعه لخوض هذه المعركة الفاصلة، فبلغت جموعهم ما بين خمسين ألفًا إلى ثلاثة وستين ألفًا، ونزل الإفرنج في صفورية، أما صلاح الدين، فنزل على طبرية وحاصرها بجزء من جيشه، وتقدَّم بالجزء الآخر باتجاه الفرنج، لكن الإفرنج لم يبرحوا مكانهم رهبة وخوفًا، أما مدينة طبرية فسقطت بأيدي المسلمين، وبقيت قلعتها تقاوم، فلما علِم الإفرنج بذلك دبَّ الخلاف بينهم، فمن قائل بمهاجمة المسلمين لاستنقاذ طبرية، وملكهم يطلب منهم التريث في المواقع، ثم اتفقوا على التحرك لمواجهة المسلمين، وكان المسلمون قد سيطروا على موارد المياه، والفرنج قد نفد عندهم الماء، والجو حر في آب - أغسطس - وتلاقى الفريقان في حِطِّين، ورمى الرماة دفعات من السهام نحو الصليبيين فكانت كالجراد، فقتل عدد من خيولهم ورجالهم، والصليبيون مندفعون في قتالهم ليصلوا إلى الماء في طبرية، فصدهم صلاح الدين عن مرادهم ووقف بالعسكر في وجوههم وحرَّض المسلمين على الثبات، فتقدم غلام فحمل على الإفرنج وقاتل قتالًا عجِب منه الجميع، ثم تكاثَر عليه الإفرنج وقتلوه، فأثر ذلك في نفوس المسلمين، وثارت ثائرتهم وانقضُّوا على الإفرنج وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وحمل الإفرنج لشقِّ صفِّ المسلمين، فرأى القائد تقي الدين عمر حملة الإفرنج حملة مكروب، فأمر بفتح الطريق لهم فخرج القمص وأصحابه ثم التأم الصف، ثم أشعل المسلمون النار في الزرع اليَبَس فاحترق، وكانت الريح على الإفرنج فزادهم عطشًا على عطشهم، وبدأ الإفرنج يحملون على المسلمين حملات شديدة ويتصدى لهم المسلمون، فلا يرجعون إلا وقد نقص منهم عدد كبير، حتى أحاط بهم المسلمون وأخذتهم السيوف، ثم التجأ عدد منهم إلى تل حِطِّين، ونصبوا للملك خيمة وتَبِعهم المسلمون والأمر ما بين كرٍّ وفرٍّ، ولم تتوقَّف عليهم الحملات إلى أن رمَوا سلاحهم وأرهقهم التعب والعطش واستسلَموا، فكبَّر صلاح الدين وخرَّ ساجدًا لله، وكان من ينظر إلى القتلى، يقول: ليس هناك أسرى، ومَن ينظر إلى الأسرى يقول: ليس هناك قتلى.

وكان من جملة الأسرى ملك بيت المقدس قائد الحملة، وأرناط حاكم الكرك، وأما صاحب طرابلس، فلما نجا من المعركة اغتمَّ فمات، كما قُتِل أرناط؛ لأنه غادِرٌ تَعرَّض لقوافل الحجاج، كما أراد التعرُّض لمكة والمدينة، وتُعَد هذه المعركة من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام؛ حيث انهارت بعدها كثير من قلاع الصليبيين وحصونهم، وتقلَّص نفوذُ الصليبيين وقل عددُهم، وطلبوا مددًا من أوروبا.





هل انفرد صلاح الدين بتحرير فلسطين؟

مراحل كثيرة مرت على الأمة ليست هذه أولها، وبطبيعة الحال لن تكون الأخيرة... مِحَنٌ ومِنَح.. بروز وأُفول... سُنة تسري حتى على الأمة الإسلامية ما تلبّست بأسبابها سلباً أو إيجاباً... سقطت القدس بأيدي الصليبيين (1099م)، سقطت بغداد بأيدي المغول (1258)، سقطت غرناطة في الأندلس (1492)، هُزم العثمانيون في معركة فيينا (1683)، احتُلت فلسطين (1948).

فساد الحكام واستبدادهم، غياب قيمتَيْ العدل والحرية، تفرق المسلمين واقتتالهم وتحالفاتهم مع الأعداء ضد بعضهم، تبَعية الشعوب وتخاذلها، خيانة الكثير من العلماء للأمانة، دخول الدنيا على المسلمين وانغماس حكامهم في ملذاتها، تشوّه مفهوم الإيمان واختلال التوازن بين بُعدي المادة والروح في حياة المسلمين... عوامل مشتركة كانت وما تزال السبب في السقوط المدوّي للأمة عبر التاريخ.


لتصبح المعادلة أكثر وضوحاً:

• عودة إلى الدين مصحوبة بالبناء الفكري والعقائدي والسلوكي والحضاري يتبعها نصرٌ فتمكين...

• رِدّة عن الدين (وليس المقصود هنا بالضرورة خروج من الملّة) في الفكر والسلوك يتبعها انحدارٌ فانكسار فهزائم متوالية...

وهكذا كان، فبسببٍ من افتتان الحكّام بالدنيا.. بدأت الحروب الصليبية... وفي إطار عودة القادة إلى المنهج الرباني المتوازن اختُتمت هذه الحروب بانتصار المسلمين على الصليبيين.

وبين البدء والانتهاء كَـرٌّ وفَرّ، انتصارات وهزائم، دروس وعبر...

وإثر كل هزيمة يقف العقلاء لينظروا في أسبابها وليُلَمْلموا جراحاتهم ليعيدوا البناء من جديد على ضوء تلك النتائج.. وهذا ما فعله عدد من قادة المسلمين عبر التاريخ منذ انتصار القائد ألب أرسلان في معركة ملاذ كرد على الصليبيين (463هـ)، مروراً بانتصار القاضي أبي بكر ابن الخشاب الذي قاد المقاومة الشعبية عندما حوصرت حلب (518هـ) بالتعاون مع أمير الموصل أقسنقر البرسقي، الذي اعتبره المؤرخون نقطة البداية الحقيقية لتحرير فلسطين لأنها شكلت نواة الوحدة بين العراق وبلاد الشام، وهكذا... استمر جهاد المسلمين ضد الصليبيين الذين تمكنوا من تأسيس أربع إمارات لاتينية في قلب العالم الإسلامي هي: الرُّها، أنطاكية، بيت المقدس، وطرابلس... إلى أن استلم عماد الدين زنكي القيادة (522هـ) وكان ذا دهاء وقوة وتديُّن، وكانت له رؤيته الاستراتيجية في توحيد المسلمين في بلاد الشام ومصر ضمن خطته لتحرير فلسطين؛ حيث وحّد الجهود ووظف الطاقات لتحقيق هذا الهدف، فاستطاع أن يُسقط إمارة الرُّها (539هـ)، التي شكّلت ضربة قوية لوجودهم. وبعد عماد الدين استلم الراية ابنه نور الدين عمود (541هـ) الذي اعتبره بعض المؤرخين على أنه الخليفة السادس بسبب قدرته على الجمع بين تحكيم مبادئ الشريعة ومعطيات واقعه المعاصر مع ذكاء وتقوى وتجرد عن المصالح الشخصية وحرص على بناء الحياة وفق الرؤية الإسلامية... وفي كنف نور الدين نشأ صلاح الدين الأيوبي الذي استلم الراية من بعده (569هـ)، مكملاً مسيرة البناء الفكري والعقائدي والروحي والعسكري والسياسي والاجتماعي... مستثمراً كل الإنجازات المتراكمة منذ عام 463هـ إلى أن حرر بيت المقدس في رجب 583هـ.

إذاً، لم يكن الانتصار المدوّي الذي حققه الله على يد صلاح الدين وجُنْدِه بمعزِلٍ عن تلك العوامل التي صنعته... ومن الإجحاف قصر تحقيق الانتصار على صلاح الدين وحده؛ وإنما اعتاد الناس على فكرة القائد الملهَم - فريد عصره وزمانه - الذي تُختصر كل الإنجازات والانتصارات بشخصه الكريم! بحيث ينسَوْن أن النتائج إنما تُبنى على مقدِّمات ممهِّدة لها، وهي مجموعة عوامل تتداخل لتشكّل المشهد بأكمله...

ولعل هذا المفهوم قد عطّل طاقات وجهود الكثيرين على مستوى الأفراد والجماعات؛ فكلٌّ لا يرى لنفسه دوراً يُذكر ما دام القائد لم يأتِ بعد، والجميع ينتظر قدومه الميمون، وقد نسي أنّ تضافر الجهود وتراكم الخبرات في مختلف مجالات الحياة يسبقها فهمٌ عميق للسنن الربانية في قوانين النصر والهزيمة.. إنما هو إعدادٌ يصنع ذلك الصعود المنتظَر.. بعدها؛ فإن وجود القائد تحصيل حاصل لبيئة أفرزته وهيأته ليستكمل جهودها ويرفع لواءها ويقودها نحو أهدافها.

وبعد، فقد آن لعقولنا أن توسّع نطاق الرؤية لتشمل جميع جزئيات وأبعاد الصورة، وتتحرر من نطاق الشخصنة وتضخيم الأفراد واختزال الأمة بهم.. وهذا بالطبع لا يطعن بالقادة أنفسهم ولا يغمطهم حقَّهم ولا ينازعهم مكانتهم اللائقة بهم، وإنما يعيد تعريف المفاهيم التي درجنا عليها ثم اكتشفنا أن الكثير منها يحتاج إلى إعادة نظر.





صلاح الدين وفتح بيت المقدس

فتح بيت المقدس في هذه السنة، واستنقاذه من أيدي النصارى، بعد أن استحوذوا عليه مدة ثنتين وتسعين سنة.

فتح بيت المقدس:

لما افتتح السلطانُ تلك الأماكن - المذكورة فيما تقدَّم - أمر العساكر فاجتمعتْ، ثم سار نحو بيت المقدس، فنزل غربيَّ المقدس في الخامس عشر من رجب من هذه السنة - سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة - فوجد البلد قد حصِّنت غاية التحصين، وكانوا ستين ألف مقاتل - دون بيت المقدس - أو يزيدون، وكان صاحب القدس يومئذٍ رجلاً يقال له بالبان بن بازران، ومعه مَن سَلِم من وقعة حطِّين يوم التقى الجمعان من الداوية والإسبتارية أتباع الشيطان وعَبَدة الصلبان، فأقام السلطان بمنزلِه المذكور خمسة أيام، وسلم إلى كل طائفة من الجيش ناحية من السور وأبراجه، ثم تحول السلطان إلى ناحية الشام؛ لأنه رآها أوسع للمجال والجلاد والنزال، وقاتل الفرنج دون البلد قتالاً هائلاً، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في نصرة دينهم وقمامتهم.

واستشهد في الحصار بعض أمراء المسلمين، فحنق عند ذلك كثير من الأمراء والصالحين، واجتهدوا في القتال، ونصب المجانيق والعرادات على البلد، وغنَّت السيوف وَعُمِلت السمهريات، والعيون تنظر إلى الصلبان منصوبة فوق الجدران، وفوق قبة الصخرة صليب كبير، فزاد ذلك أهل الإيمان الحنق الكثير وشدة التشمير، وكان ذلك يومًا عسيرًا، على الكافرين غير يسير، فبادر السلطان بأصحابه إلى الزاوية الشرقية الشمالية من السور، فنقبها، وعلقها، وحشاها بالنيران وأحرقها، فسقط ذلك الجانب وخرَّ البرج برمَّته فإذا هو واجب، فلما شاهد الفرنج ذلك الحادث الفظيعَ، والخطب المؤلم الوجيع، قصد أكابرُهم السلطانَ صلاح الدين، وتشفعوا إليه أن يعطيهم الأمان، فامتنع من ذلك، وقال: لا أفتحها إلا عَنوة كما افتتحتموها أنتم عَنوة، ولا أترك بها أحدًا من النصارى إلا قتلته كما قتلتم أنتم مَن كان بها من المسلمين، فطلب صاحبها بالبان بن بازران الأمان ليحضر عنده فأمَّنه، فلما حضر ترقَّق للسلطان، وذل ذلاًّ عظيمًا، وتشفَّع إليه بكل ما أمكنه، فلم يُجِبه إلى الأمان لهم، فقالوا: إن لم تعطنا الأمان رجعنا فقتلنا كل أسير بأيدينا، وكانوا قريبًا من أربعة آلاف، وقتلنا ذرارينا وأولادنا ونساءنا، وخربنا الدُّور والأماكن الحسنة، وأحرقنا المتاع، وأتلفنا ما بأيدينا من الأموال، وهدمنا قبة الصخرة، وحرقنا ما نقدر عليه، ولا نبقي ممكنًا في إتلاف ما نقدر عليه، وبعد ذلك نخرج فنقاتل قتال الموت، ولا خير في حياتنا بعد ذلك، فلا يقتل واحد منا حتى يقتل أعدادًا منكم، فماذا ترتجي بعد هذا من الخير؟!
 

شروط الصلح:

لما سمع السلطان ما قاله بالبان بن بازران حاكم القدس، وافق على الصلح وأناب، على أن يبذل كل رجل منهم عن نفسه عشرة دنانير، وعن المرأة خمسة دنانير، وعن كل صغير وصغيرة دينارين، ومَن عجز عن ذلك كان أسيرًا للمسلمين، وأن تكون الغلات والأسلحة والدُّور للمسلمين، وأنهم يتحوَّلون منها إلى مأمنهم، وهي مدينة صور، فكتب الصلح بذلك، وأن مَن لم يبذل ما شرط عليه إلى أربعين يومًا، فهو أسير، فكان جملة مَن أسر بهذا الشرط ستة عشر ألف أسير من رجال ونساء وولدان.

ودخل السلطان والمسلمون البلد يوم الجمعة قبل وقت الصلاة بقليل، وذلك يوم السابع والعشرين من رجب، ولم يتَّفق للمسلمين صلاة الجمعة يومئذٍ؛ خلافًا لمن زعم أنها أقيمت يومئذٍ، وأن السلطان خطب بنفسه بالسواد، والصحيح أن الجمعة لم يتمكنوا من إقامتها يومئذٍ؛ لضيق الوقت، وإنما أُقِيمت في الجمعة المقبلة، وكان الخطيب محيي الدين بن محمد بن علي القرشي بن الزكي، ولكن نظفوا المسجد الأقصى مما كان فيه من الصلبان والرهبان والخنازير، وخربت دُور الداوية، وكانوا قد بنوها غربيَّ المحراب الكبير، واتخذوا المحراب حشًّا - لعنهم الله - فنظِّف من ذلك كله، وأُعِيد إلى ما كان عليه في الأيام الإسلامية، وغُسِلت الصخرة بالماء الطاهر، وأعيد غسلها بماء الورد والمسك الفاخر، وأبرزت للناظرين وقد كانت مستورة مخبوءة عن الزائرين، ووُضِع الصليب عن قبَّتها، وعادت إلى حرمتها، وقد كان الفرنج قلعوا منها قطعًا فباعوها من أهل البحور الجوانية بزنتِها ذهبًا، فتعذَّر استعادة ما قطع منها، ثم قبض من الفرنج ما كانوا بذلوه عن أنفسهم من الأموال.

وأطلق السلطان صلاح الدين خلقًا، منهم بنات الملوك، بمَن معهن من النساء والصبيان والرجال، ووقعت المسامحة في كثير منهم، وشفع في أناس كثير فعفا عنهم، وفرق السلطان جميع ما قبض منهم من الذهب في العسكر، ولم يأخذ منه شيئًا مما يقتني ويدخر، وكان - رحمه الله - حليمًا، كريمًا، مقدامًا، شجاعًا، رحيمًا.

وكان أول جمعة أُقِيمت في اليوم الرابع من شعبان، بعد يوم الفتح بثمان، فنصب المنبر إلى جانب المحراب، وبسطت البسط، وعلقت القناديل، وتلي التنزيل، وجاء الحق، وبطلت الأباطيل، وصُفَّت السجادات، وكثرت السجدات، وتنوعت العبادات، وارتفعت الدعوات، ونزلت البركات، وانجلت الكربات، وأقيمت الصلوات، وأذَّن المؤذنون، وخرس القسيسون، وزال البوس، وطابت النفوس، وأقبلت السعود، وأدبرت النحوس، وعُبِد اللهُ الأحد الصمد، الذي لم يَلِد ولم يُولَد، ولم يكن له كفوًا أحد، وكبَّره الراكع والساجد، والقائم والقاعد، وامتلأ الجامع، وسالت لرقة القلوب المدامع، ولما أذَّن المؤذنون للصلاة قبل الزوال، كادت القلوب تطير من الفرح في ذلك الحال، ولم يكن عيَّن السلطان خطيبًا، فبرز من السلطان المرسوم الصلاحي - وهو في قبَّة الصخرة - أن يكون القاضي محيي الدين بن الزكي اليوم خطيبًا، فلبس الخلعة السوداء، وخطب للناس خطبة سنية، فصيحة بليغة، ذكر فيها شرف البيت المقدس، وما ورد فيه من الفضائل والترغيبات، وما فيه من الدلائل والأمارات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صلاح الدين الأيوبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي   صلاح الدين الأيوبي Emptyالسبت 24 يوليو 2021, 7:16 pm

ما هي مآثر السلطان الناصر صلاح الدين؟

مآثر السلطان الناصر صلاح الدين و الدنيا يوسف بن أيوب كما جمعتها من أقوال المؤرخين و العلماء و بعضهم ممن عاصره شخصياً!
مآثر السلطان الناصر صلاح الدين و الدنيا يوسف بن أيوب كما جمعتها من أقوال المؤرخين و العلماء و بعضهم ممن عاصره شخصياً ..

أجمل ما يمكن أن يعبر عن سيرة السلطان الناصر صلاح الدين كشخص .. هو البيتين المنسوبين للمنصور بن أبي عامر :
آثاره تنبيك عن أخباره ... حتى كأنك بالعيان تراه
تالله لا يأتي الزمان بمثله ... أبداً ولا يحمي الثغور سواه

دعونا نرى مآثر هذا السلطان من أفواه أهل العلم .. و بالذات ( بالنسبة لي ) من رأي ابن جبير الأندلسي و هو رجل أندلسي ليس من حاشية السلطان و لا غاية له يرتجيها من مدح السلطان أو التزلف له أو التدليس و التزوير .. إذ أنه زار مصر و الشام في رحلته الشهيرة من الأندلس و سجل مشاهداته و صادف أن كانت رحلته معاصرة لعهد السلطان الناصر صلاح الدين ...
نبدأ أولاً مع الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء فيقول في السلطان الناصر :
( السلطان الكبير ، الملك الناصر صلاح الدين ، أبو المظفر ، يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب ، الدويني ثم التكريتي المولد ... ودوين : بليدة بطرف أذربيجان من جهة أران والكرج ، أهلها أكراد هذبانية ..
كان خليقاً للإمارة ، مهيباً ، شجاعاً حازماً ، مجاهداً كثير الغزو ، عالي الهمة ، كانت دولته نيفاً وعشرين سنة ..
و محاسن صلاح الدين جمة ، لا سيما الجهاد ، فله فيه اليد البيضاء ببذل الأموال والخيل المثمنة لجنده . وله عقل جيد ، وفهم ، وحزم ، وعزم )

قال الموفق عبد اللطيف : ( أتيت ، وصلاح الدين بالقدس ، فرأيت ملكاً يملأ العيون روعة ، والقلوب محبة ، قريباً بعيداً ، سهلاً محبباً ، وأصحابه يتشبهون به ، يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى : (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً ) .. وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حفلاً بأهل العلم يتذاكرون ، وهو يحسن الاستماع والمشاركة ، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار ، وحفر الخنادق ، ويأتي بكل معنى بديع ، وكان مهتماً في بناء سور بيت المقدس وحفر خندقه ، ويتولى ذلك بنفسه ، وينقل الحجارة على عاتقه ، ويتأسى به الخلق حتى القاضي الفاضل .. )

يقول العماد : ( ما حضر (صلاح الدين ) اللقاء ( الحرب ) إلا استعار فرساً ، ولا يلبس إلا ما يحل لبسه كالكتان والقطن ، نزه المجالس من الهزل ، ومحافله آهلة بالفضلاء ، ويؤثر سماع الحديث بالأسانيد ، حليما ، مقيلا للعثرة ، تقيا نقيا ، وفيا صفيا ، يغضي ولا يغضب ، ما رد سائلا ، ولا خجل قائلا ، كثير البر والصدقات ، وما رأيته صلى إلا في جماعة .
و مات ، فوجد الناس عليه شبيها بما يجدونه على الأنبياء ، وما رأيت ملكا حزن الناس لموته سواه ، لأنه كان محبباً ، يحبه البر والفاجر ، والمسلم والكافر .. )

يقول القاضي ابن شداد الذي لازم السلطان الناصر في مسيرته :
( كان الجهاد و حبه و الشغف به قد استولى على قلبه و سائر جوانحه استيلاءً عظيماً ... بحيث ما كان له حديث إلا فيه و لا نظرٌ إلا في آلته .. و لا اهتمام إلا برجاله .. و لا ميل إلا إلى من يذكره و يحثّ عليه .. و لقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله و أولاده و وطنه و سكنه و سائر ملاذه ... و قنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح يمنةً و يسرة ... )

يقول الرحالة ابن جبير الأندلسي واصفاً محاسن السلطان الناصر صلاح الدين :
( ومما شاهدناه أيضاً من مفاخر هذا السلطان المارستان الذي بمدينة القاهرة. وهو قصر من القصور الرائقة حسناً واتساعاً أبرزه لهذه الفضيلة تأجراً واحتساباً وعين قيماً من أهل المعرفة وضع لديه خزائن العقاقير ومكنه من استعمال الأشربة واقامتها على اختلاف أنواعها. ووضعت في مقاصير ذلك القصر أسرة يتخذها المرضى مضاجع كاملة الكسى. وبين يدي ذلك القيم خدمة يتكفلون بتفقد أحوال المرضى بكرة وعشية، فيقابلون من الأغذية والاشربة بما يليق بهم. وبازاء هذا الموضع موضع مقتطع للنساء المرضى. ولهن أيضاً من يكفلهن. ويتصل بالموضعين المذكورين موضع آخر متسع الفناء فيه مقاصير عليها شبابيك الحديد اتخذت محابس للمجانين. ولهم أيضاً من يتفقد في كل يوم أحوالهم ويقابلها بما يصلح لها. والسلطان يتطلع هذه الأحوال كلها بالبحث والسؤال ويؤكد في الاعناء بها والثابرة عليها غاية التأكيد. وبمصر مارستان آخر على مثل ذلك الرسم بعينه. )
و يقول واصفاً رعايته لأحوال مصر :
( وما منها جامع من الجوامع ولا مسجد من المساجد ولا روضة من الروضات المبنية على القبور ولا محرس من المحارس ولا مدرسة من المدارس إلا وفضل السلطان يعم جميع من يأوي إليها ويلزم السكنى فيها، تهون عليه في ذلك نفقات بيوت الاسوال.

ومن مآثره الكريمة المعربة عن اعتنائه بأمور المسلمين كافة أنه أمر بعمارة محاضر ألزمها معلمين لكتاب الله، عز وجل، يعلمون أبناء الفقراء والأيتام خاصة وتجرى عليهم الجراية الكافية لهم. )
و يقول واصفاً أعمال صلاح الدين في الإسكندرية :
( ومن مفاخر هذا السلطان وآثاره الباقية المنفعة للمسلمين القناطر التي شرع في بنائها بغربي مصر، وعلى مقدار سبعة أميال منها، بعد رصيف أبتدئ به من حيز النيل بازاء مصر كأنه جبل ممدود على الأرض، تسير فيه مقدار ستة أميال حتى يتصل بالقنطرة المذكورة، وهي نحو الأربعين قوساً من أكبر ما يكون من قسي القناطر. والقنطرة متصلة بالصحراء التي يفضي منها الإسكندرية، له في ذلك تدبير عجيب من تدابير الملوك الحزمة اعداداً لحادثة تطرأ من عدو يدهم جهة ثغر الإسكندرية عند فيض النيل وانغمار الأرض به وامتناع سلوك العساكر بسببه. فأعد ذلك مسلكاً في كل وقت إن احتيج ذلك. والله يدفع عن حوزة المسلمين كل متوقع ومحذور بمنه. )
و يتحدث هنا عن رفع صلاح الدين لجور العبيديين ( الفاطميين ) عن الناس و بسطه للأمان و العدل :
( ومن مفاخر هذا السلطان المزلفة من الله تع وآثاره التي أبقاها ذكراً جميلاً للدين والدنيا: إزالته رسم المكس المضروب وظيفة على الحجاج مدة دولة العبيديين. فكان الحجاج يلاقون من الضغط في استيدائها عنتاً مجحفاً ويسامون فيها خطة خسف باهظة. وربما ورد منها من لافضل لديه على نفقته ولا نفقة عنده فيلزم أداء الضريبة المعلومة، وكانت سبعة دنانير ونصف دينار من الدنانير المصرية التي هي خمسة عشر ديناراً مؤمنية على كل رأس، ويعجز عن ذلك، فيتناول بأليم العذاب بعيذاب. كاسمها مفتوحة العين.
وربما اخترع له من أنواع العذاب التعليق من الأنثيين أو غير ذلك من الأمور الشنيعة، نعوذ بالله من سوء قدره. وكان بجدة أمثال هذا التنكيل وأضعافه لمن لم يؤد مكسه بعيذاب ووصل اسمه غير معلم عليه علامة الأداء فمحا هذا السلطان هذا الرسم اللعين ودفع عوضاً منه مايقوم مقامه من أطعمة وسواها،وعين مجبى موضع معين بأسره لذلك، وتكفل بتوصيل جميع ذلك الحجاز لأن الرمس المذكور كان باسم ميرة مكة والمدينة، غمرهما الله، فعوض من ذلك أجمل عوض، وسهل السبيل للحجاج، وكانت في حيز الانقطاع وعدم الاستطلاع،
وكفى الله المؤمنين على يدي هذا السلطان العادل حادثاً عظيماً وخطباً أليماً. فترتب الشكر له على كل من الناس أن حج البيت الحرام إحدى القواعد الخمس من الإسلام، حتى يعم جميع الآفاق ويوجب الدعاء له في كل صقع من الأصقاع وبقمة من البقاع، والله من وراء مجازاة المحسنين، وهو، جلت قدرته،لا يضيع أجر من أحسن عملاً . مكوس كانت في البلاد المصرية وسواها ضرائب على كل ما يباع ويشترى مما دق أوجل، حتى كان يؤدى على شرب ماء النيل المكس فضلاً عما سواه. فمحا هذا السلطان هذه البدع اللعينة كلها وبسط العدل ونشر الأمن.
و من عدل هذا السلطان وتأمينه للسبل أن الناس في بلاده لا يخلعون لباس الليل تصرفاً فيما يعنيهم، ولا يستشعرون لسواده هيبة تثنيهم. على مثل ذلك شاهدنا أحوالهم بمصر والإسكندرية حسبما تقدم ذكره .. )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
صلاح الدين الأيوبي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صلاح الدين الأيوبي .
» صلاح الدين الأيوبي
» قصيدة في فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي
» قلعة صلاح الدين الأيوبي في القاهرة..
» غـزوات و معارك وقفة لصلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: شخصيات :: شخصيات تاريخيه-
انتقل الى: