الثروة القومية للفرد بدلا من الدخل القومي للفرد
يدعو نفر غير قليل من علماء الاقتصاد إلى اعتماد مفهوم "الثروة القومية للفرد" بدلاً من "الدخل القومي للفرد"، للتعبير عن الواقع والنمو الاقتصادي؛ لأن المفهوم الثاني لم يعد قادراً على إجلاء الصورة الصحيحة للواقع والنمو، أو لقياس قيمة رؤوس الأموال وآثارها الاقتصادية على الفرد والدولة، وهي ثلاثة:
"1. رأس المال البشري: ويتكون بالتعليم ومن التعليم ومهارات الناس المتوافرة لديهم؛
2. رأس المال الفيزيقي: ويتكون من الأبنية والمصانع والبنية التحتية الواسعة؛
3. رأس المال الطبيعي: ويتكون من الأراضي الزراعية والغابات، ومصائد الأسماك، والوقود الأحفوري، والمعادن".
في دراسة لأغنى فرد في العالم، حسب مقياس الثروة، تبين أن الياباني هو الأغنى، يليه الأميركي، فالكندي، فالنرويجي، فالاسترالي، فالألماني، فالبريطاني، فالفرنسي. وأعتقد أنه لو تتم دراسة الاقتصاد الأردني على هذا الأساس، لتبين أن الفرد الأردني هو الأغنى ثروة في البلدان العربية، وبخاصة عندما يتعلق الأمر برأس المال الأول والثاني. ولهذا المقياس -طبعاً- آثار نفسية أفضل للفرد والمجتمع، وربما تخلصهما من الشعور بالحرمان المقارن الناتج عن المقياس الأول.
***
عندما أصدر مكتب إحصاءات العمالة في أميركا تقريره عن السنة التي انتهت في آب (أغسطس) 2012، كان يوجد 142 مليون عامل، و12.5 مليون شخص يبحثون عن عمل نتيجة البطالة التي بلغت 8.1 % آنذاك. كما كان يوجد 5 ملايين بين هؤلاء، أي ما نسبته 40 %، عاطلين عن العمل لمدة تزيد على سبعة وعشرين أسبوعاً.
ومما زاد في حدة الوضع، العدد الكبير للعاطلين المنسيين؛ أي الذين لم يجدوا أعمالاً لأكثر من سنة. و844 ألفا منهم كانوا يوصفون بالمثبطين، أي الذين لا يبحثون عن عمل لشعورهم أنه لم تعد في البلاد وظائف بحاجة إليهم. وكان يوجد بالإضافة إلى ذلك 8 ملايين عامل يعملون جزئياً لأسباب اقتصادية. وعندما نجمع هؤلاء، يصبح العدد 23.1 مليون من الناس، بينما كان يوجد 3 ملايين وظيفة أو فرصة عمل لم يوجد من يشغلها.
ومع أن للبطالة الكلية والجزئية أسبابا هيكلية واقتصادية، إلا أن الأستاذ المتميز في "الإدارة المبدعة" (Innovation Management)، في كلية الدراسات العليا في جامعة كورنيل جيمس م.هيغنز، يرى أن البطالة القُطرية والعالمية ستزداد بصورة هائلة في المستقبل، بسبب حلول الإنسان الآلي وأنظمة الكمبيوتر المفذلكة بعد عشر أو خمس عشرة سنة مَحلَّهم في التصنيع، والطباعة الثلاثية الأبعاد، وفي متعلقات الصحة، والصيانة، والتعليم الجامعي والمدرسي، أي حين يحل الإنسان الآلي وأنظمة الكومبيوتر المفذلكة محل العامل والأستاذ، والمعلم والجرّاح، والأعمال المنزلية، وقيادة السيارات والشاحنات، والمكتبات.. حقاً إنه الزلزال القادم كما يقول هيغنز؛ إذ سيأكل الإنسان الآلي أو الكومبيوتر المفذلك غذاءك، أي سيحل محلك، وكل شيء سيتغير: من التصنيع إلى التسويق، ومن المنتجات إلى العمليات (Processes). وسوف لن تكون معظم الأعمال الجديدة للناس، بل للإنسان الآلي وأنظمة الكمبيوتر المفذلكة. ولن يصنع البشر هذا "الإنسان" والأنظمة، بل ستقوم هي بصنع نفسها. إنها ثورة تكنولوجية لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
يقول رئيس شركة "فوكس كولم" التايوانية، التي تجمِّع هاتف "أبل" و"آي بود" و"آي باد" في الصين، إنها تخطط لاستخدام مليون إنسان آلي خلال ثلاث سنوات، مقارنة مع عشرة آلاف لديها العام 2011، وثلاثمائة ألف العام 2012، نتيجة ارتفاع الأجور في الصين. والإنسان الآلي مفضل على الإنسان البشري لأنه لا يطالب بإجازة أو براتب أو بعلاوة أو امتياز أو تأمين صحي أو ضمان.
إذا استمرت هذه الطفرات التكنولوجية وصحّت توقعات المستقبليين، فإنه بحلول العام 2050 سيعمل اثنان في المائة فقط من الناس -أي نحو 200 مليون– ويوفرون لباقي العشرة آلاف مليون من البشر كل ما يحتاجون إليه. وعندئذ سيكون البشر في حيرة: ماذا يتعلّمون، وبماذا يتخصصون، وأين يعملون؟