حق اليتيم.
أولاً: من هو اليتم؟
ثانياً: ولتكن البداية مع اليتم الذى كان يتمه تشريفا لكل يتيم...
ثالثاً: مكانة اليتيم فى القرآن والسنه...
رابعاً: وهل ننسى يتامى فلسطين.
خامساً: يتم رغم وجود الوالدين.
سادساً وأخيراً: كيف تؤمن مستقبل ولدك بعد موتك.
فأعرنى قلبك وسمعك فإن الموضوع من الأهمية بمكان، والله أسأل أن يجعلنا جميعا ممن : {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر
أولاً: من هو اليتيم؟: قال ابن منظور فى لسان العرب: اليتيم فى الناس: من فقد أباه، واليتم فى الحيوانات والطيور من فقد أمه، وهذه لطيفة لغوية مغزى قل من يتنبه إليها فأصل اليتم فى اللغة الغفلة، وبه سمى اليتيم يتيماً، لأنه يتغافل عن بره بعد موت أبيه، وأصل اليتيم فى اللغة أيضاً: الانفراد فكل شئ مفرد لا نظير له ولا مثيل له يقال له: يتيم، تقول: درة يتيمة أى: درة مفردة لا نظير لها ولا مثيل.
ثانياً: بإيجاز: ولتكن البداية بعد هذا التأصيل اللغوى السريع مع اليتيم الذى كان يتمه تشريفا لكل يتيم، وهذا هو عنصرنا الثانى فلقد شاء الله جل وعلا ولا راد لمشئيته أن ينشأ المصطفى يتيماً مات أبوه وأمه تحمله جنينا فى أحشائها على الراجح من أقوال المؤرخين، ومنهم من قال: بل مات أبوه عبد الله بعد مولد المصطفى بشهرين، فكفله جده عبد المطلب، الذى تعلق بالمصطفى تعلقا شديداً، وكان عبد المطلب صاحب مكانة كبيرة فى قومه فكان أولاده يفرشون له فراشه إلى جوار الكعبة ولا يجرؤ أحدهم أن يجلس على هذا الفراش إلا إذا خرج عبد المطلب فكان إذا جلس عبد المطلب على فراشه جاء المصطفى وهو طفل صغير ليجرى على هذا الفراش ليجلس إلى جوار جده فيحاول أولاد عبد المطلب أن يمنعوه فيأبى عليهم عبد المطلب ويقربه ويجلسه فى حجره .
ثم مات جده عبد المطلب وهو فى الثامنة من عمره بعدما فارق أمه وهو فى السادسة من عمره فكفلة عمه أبو طالب فخصه بمزيد من التقدير والرعاية والعناية، وأحاطه بالحماية حتى مات أبو طالب قبل هجرة المصطفى بثلاث سنوات على الراجح من أقوال أهل التاريخ والسير، شاء الله سبحانه أن ينشأ المصطفى يتيما فقد أباه ثم فقد أمه ثم فقد جده، وليس هذا من قبيل المصادفة العمياء ، فلا يوجد شئ فى كون الله إلا بقدر {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (49) سورة القمر شاء الله أن ينشأ المصطفى يتيماً ليتولاه الله وحده بالعناية والرعاية حتى لا ينشأ المصطفى يقول: أبى أبى وإنما
يقول: ربى ربى.
نشأ المصطفى يتيما ليتولاه ربه وحده بالرعاية- إنتبه- ومن تولاه الله برعايته أحسن الله بدايته وأكرم الله نهايته، وزاد الله بين البداية والنهاية كرامته فما ظنك إن كان المتولى بالرعاية هو الحبيب المصطفى ، فوالله ثم والله ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا هى أكرم عليه من نفس محمد وإنه لمكتوب عند الله خاتم النبيين، وإن آدم لمجندل فى طينته- وآدم فى طينته- ورسول الله مكتوب عند الله خاتم النبيين، فكيف إذا كان المتولى بالعناية والرعاية من الله المدبر لأمر الكون كله هو حبيب الله المصطفى ، فوالله ما أحب الله مخلوقا كما أحب رسولنا وحبيبنا فلقد خلق الله الخلق واصطفى من الخلق الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل.
واصطفى من الرسل أولى العزم الخمسة: نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً، واصطفى من أولى العزم الخمسة: الخليلين الحبيبين إبراهيم ، ومحمداً، ثم اصطفى محمداً فكرمه على جميع خلقه فرفع ذكره، وشرح صدره، وأعلى قدره، ووضع وزره وزكاه فى كل شئ:
زكاه فى عقله فقال سبحانه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (2) سورة النجم
وزكاه فى بصره فقال سبحانه: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} (17) سورة النجم
وزكاه فى صدره فقال سبحانه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (1) سورة الشرح
وزكاه فى ذكره فقال سبحانه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (4) سورة الشرح
وزكاه فى طهره فقال سبحانه: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} (2) سورة الشرح
وزكاه فى علمه فقال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (3، 5) سورة النجم
وزكاه فى حلمه فقال سبحانه وتعالى: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) سورة التوبة
وزكاه كله فقال سبحانه وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم
أغر عليه للنبوة خاتما
وضم الأله إسم النبى إلى اسمه
وشق له من اسمه ليجله
من نور يلوح ويشهد
إذا قال فى الخمس المؤذن أشهد
فذو العرش محمود وهذا محمد
ما خاطب الله المصطفى وناداه بإسمه قط تدبروا مكانه الرسول عند الله وتعرفوا على محبة الله لحبيبنا وسيدنا رسول الله ما نادى الله على نبى إلا باسمه المجرد إلا المصطفى : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } (35) سورة البقرة {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا } (48) سورة هود {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (104، 105) سورة الصافات { يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (30) سورة القصص {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } (55) سورة آل عمران {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ } (26) سورة ص {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ } (7) سورة مريم {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (12) سورة مريم {قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ } (81) سورة هود أما المصطفى عليه الصلاة والسلام فنادى عليه بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} (45، 46) سورة الأحزاب وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ } (41) سورة المائدة وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}(1، 2) سورة المزمل وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ* وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (1،7) سورة المدثر.
ثم من عليه جل وعلا وأقسم بالضحى والليل إذا سجى أنه ما ودع حبيبه المصطفى وما هجره وما قلى، فتدبر معى قول ربنا جل فى علاه: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}(1، 5) سورة الضحى تدبر معى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ* وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (6،11) سورة الضحى لقد ولدت يتيماً فأواك الله جل وعلا وأحاطك بعنايته ورعايته {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ* وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ووجدك تائها تبحث عن الحق والحقيقة فى بيئة جاحدة بين نفوس شاردة فى هاجرة محرق قاحلة فهدى الله قلبك للإيمان {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا } (52) سورة الشورى {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} كنت فقيرا فأغنى الله نفسك بالقناعة والرضا ثم من عليك بالرزق الحلال الطيب الواسع، وبعد هذا التكريم يأتى هذا التوجيه الربانى إلى الحبيب النبى
: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ* وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} من هذا المنطلق تتضح لنا مكانة اليتيم فى القرآن وفى سنة النبى الذى ولد يتمياً فكان يتمه
تشريفاً لكل يتيم.