منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 ليـالٍ بـلا دفء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ليـالٍ بـلا دفء Empty
مُساهمةموضوع: ليـالٍ بـلا دفء   ليـالٍ بـلا دفء Emptyالخميس 16 مارس 2017, 7:57 pm

ليـالٍ بـلا دفء
• نايف النوايسة
كلما نظرتُ إليه مستعطفة، ازدادَ وجهه صمتاً ووحشة وامتقع حتى يخالط سمرته كثيراً من السواد، فأتوقع منه شيئاً ما، ولا يلبث أن ينفجر: مولود جديد! ألا تكفّين عن هذا الكار القاتل!؟ أفٍّ من هذا البيت ومن فيه، ثم يؤشر بأصبعه نحوي حتى يكاد يغرزه في عيني: أفٍّ لك مليون أفّ!
   كالعادة، ألتزمُ الصمت وأرخي بنظري لينفرش على وجه الطفل.. وجهه جميل، وفمه الصغير يبحث في الفضاء عن صدري.. زوجي العجوز منهكٌ وضائع بيني وبين الطفل.. يحكّ أرنبة انفه ثم يهرش وجهه المتغضن ويجلس متهالكاً على وسادة مهترئة وكأنه جبلٌ هدّته صاعقة..
   الأيام تجلدني بسياطها المؤلمة وقد تكوّم بيني وبين زوجي ولدان وبنتان وفجوة من العمر تربو على الثلاثين، وليس هناك من شِقّ نرى منه شمس الغد.
   نوبات السعال الناشف تعاود زوجي بين حين وآخر، ويزداد نحولاً، وبدأت أقرأ في عينيه الذابلتين رسائل النهاية.. أنا حزينة عليه.
   لم تمضِ شهور حتى يُقعدِ المرض زوجي في الفراش.. كان يتلاشى وفي ليلة باردة يلفظ أنفاسه الأخيرة.. يصرخ الأطفال الذين يتحلقون من حوله ويولولون..   عيناي الدامعتان بوابتان مفتوحتان على الموج الذي تُلامس حدته أقدامي.. وهم يحملونه إلى المقبرة بدأت دوامة الحياة تؤرجحني وأطفالي بعنف.. ليس هناك مظلة تحميني من عاصفة الآتي.
   البحر لا يرحم.. وأشرعتي الهشة عليها أن تقاوم التيارات المتعاقبة.. كوم من اللحم بين يدي والليالي تزداد برودة وتنهشني بصمتها الثقيل..
يكبرون..
   مثل الورد الذي يبصبص من ثقوب العتمة ينتظرون الشمس.. ندى الحياة يحثّ عيونهم على إلقاء أستار الوسن.. وتستيقظ رغباتهم من أكمام البراءة..
   يكبرون.. وتتشابك أمامي الطرقات..
   وعلى كف الحياة تتطاول أعناقهم.. الصمت والخوف والانتظار أصدقائي في الليل والنهار.. والرجاء حلمٌ لذيذ يقفز من وسادتي كل مساء.
   تحصل الأولى على معدل عالٍ في الثانوية العامة مكّنها من منافسة أبناء الذوات على بعثة في كلية الطب، وصرتُ أضحك من هذه المنافسة العجيبة، ولسان حالي يقول: ومن أنا حتى تنافس بنتي هؤلاء؟ غرفة لا تصلح للدواب، وبالكاد نجد رغيف الخبز الحاف.. الزوج مات ولنفترض أنه حي فما الذي يمكن أن يفعله مع الحيتان.. لا، لا منافسة غير معقولة.. قلت لها ناصحة: يا بنتي هذه الحياة ليست لنا! نحن خُلقنا للشقاء والتعاسة، يا بنتي لا تبتعدي كثيراً فالبحر يحتاج إلى مجاديف قوية، تريثي حتى لا تزلّ قدمٌ بعد ثباتها.
   أعرف عناد ابنتي، وأتوقع منها أي شيء، فلا عجب أن تقول: لن أدرس إلاّ الطب.. الحياة يا أمي للجميع.. لا تخافي..
   فُرض علي خيار الزحام مع الكبار.. احتلّت ابنتي المركز الأول في المنافسة، وحاول كثيرون اغتيال الموقف وسرقة الحلم، فأدركتُ أن لي حقاً فتنمّرتُ، ودافعت عنه بضراوة.. تدخل ابنتي كلية الطب.. انقلاب كبير في حياتنا.. الشمس حين تُشرق تحمل معها معاني بهيجة.. سنوات وتصبح ابنتي طبيبة..
   وكذلك ابني الثاني والثالث، أدخلاني في حلبات لم يدرْ في خلدي أن اقتحمها! وكل ما كنتُ أفكر به هو لقيمات أتدبرها لهم، وإحساس بالأمان.. كنت أظن بأننا من فضلات الحياة ولا نملك وثائق شرعية تُجيز لنا استمرار العيش فيها.. خارطة الخوف لعينة، وكأني بها تُولد مع الخلاص ولا تفارق النفس.. خلاصة الأمر: حياتنا هي انتظار النهاية.. هي عبء؛ هكذا رسخ في الذهن حينما أُكرهتُ على الزواج من الختيار من قِبل أخي غير الشقيق وزوجته اللعينة.. رضيتُ به حتى أخلص من ظلم الولاية القاسي.. وكان ما كان..
   ابنتي الصغرى في عينيها بريق غريب.. تمرّد لا أفهم معناه.. تحب ألعاب الأولاد، ذات مرة طلبتْ مني أن اشتري لها طائرة ورقية ولم ينفع معها رجائي وبكائي: يا بنتي أنتِ لك ألعابك، ليس معنا ما يكفي للعيش.. لكن أختها الطبيبة اشترت لها ثلاث طائرات.. هذا البريق شدّها إلى الفضاء فاحترت في فهمه.. كبرت وصارت تفلسف كل شيء، ولا ترضى بالسائد من المُسلّمات، وتعتقد أنها تمتلك وجهة نظر أكثر منطقية.. كانت تقرأ بنهمٍ، وتكتب على دفتر خاص بها ولا أدري ما تكتب.. وكثيراً ما أجدها تحدّث نفسها.. خفت أن يكون جنيٌّ خبيث لامس روحها، فاقتربت منها أكثر وكانت تبتسم لي وتطبطب على ظهري وتُقبلني على وجنتي وتهمس: لا تخشي شيئا.. إذاً، هي مُطلّة على معين مخاوفي..
   قلت لها ذات مرة: ستصبحين شاعرة كبيرة، فتضحك.. أو معلمة، فتضحك ولا تنبس في كل مرة ببنت شفة وتكتفي بتقبيلي وهي تغادر إلى المدرسة.. أربكتني بنتي كثيراً وأشغلتْ ذهني.. وفي إحدى المرات وقع دفترها الخاص بين يدي، ولا أدري ما المكتوب في الصفحة الأخيرة، ولكنه مُذيلٌ بتوقيع غريب شبيه بجناحي طائرة.. ما الذي تريده؟؟
   ذات مساء، بعد أن أُعلنت نتائج الثانوية العامة، عاود البريق الغريب عيني ابنتي هذه.. كانت تحملني ببسمتها إلى سقوف القلق.. أعرف أنها تُضمر شيئاً.. وأحس بالرعب.. كل نهار تظهر به النتائج الثانوية تزداد دقات قلبي..
   قالت فجأة وهي تبحلق في السماء: هدفي أن أكون قائدة طيّارة.. يعني كابتن تشردقت، وجحظت عيناي، وانتصب ظهري وكأني بنت اربعطعش وتصلبت رقبتي، وقلت: هكذا طيرتيها مرة واحدة يا بنتي، الله يخليك الأرض أحسن، وأنت عارفة بالحال.. واصلت ابنتي: نعم، كابتن.. وأشارت إلى السماء وأطلقت صوتاً من بين شفتيها، يعني أنها ستطير في السماء.. فقلت راجية: يا بنتي، الله يرضى عليك، خلينا على الأرض.. قالت: الفضاء ملك للجميع يا أمي.
   الصمت والدموع والخوف، وابتسامة ابنتي سادت الموقف.
   وطارت ابنتي الصغرى.. وطار من في العش كله، وها أنا في مضجعي البارد أمضغ الوقت وأتوسد مخدة الانتظار.. مضى زوجي العجوز وتركني في عين العاصفة.. أنا في العاصفة ذاتها منذ وُلدت، واستطعت أن أصل إلى مرفأ الأمان مع أولادي وأحفادي.
   أحن إلى غرفتي الكئيبة وشجرة الخروب العتيقة المنحنية فوقها.. مللت ضجيج المدينة.. وتعبت من سواقي الذكريات التي تتفلت فيّ من كل حدب وصوب، وفي كل مرة يلتقون عندي استعطفهم: احملوني إلى الغرفة..
   واقف عند الباب المهترئ والعتبة المُشرّخة والمزراب وأسرح بعيداً مع زمان يطلّ من الجدران.. ليالٍ تجردت من الدفء.. صمت ثقيل..
   وببطء شديد، مثل كل مرة، أركب أقرب سيارة من سياراتهم.. وأغمض عيني.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
ليـالٍ بـلا دفء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: روايات-
انتقل الى: