منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 جيش الإنقاذ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69987
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

جيش الإنقاذ Empty
مُساهمةموضوع: جيش الإنقاذ   جيش الإنقاذ Emptyالأحد 11 يونيو 2017, 2:28 am

هو جيش المتطوعين العرب الذين هبوا لمساعدة عرب فلسطين في صراعهم ضد الاستعمار والصهيونية الذين عملا على إقامة دولة يهودية في فلسطين.
وكانت الصهيونية* قد استطاعت أن تتصدر من الحكومة البريطانية وعد بلفور* الذي رفضه الشعب العربي الفلسطيني. ومضت بريطانيا في تنفيذ مؤامراتها مع الصهيونية من أجل إقامة “الوطن القومي اليهودي” في فلسطين، فعملت طوال مدة انتدابها على فلسطين مع الصهيونيين على التصدي للمقاومة الفلسطينية تحت ستار المحافظة على الأمن، فسجنت زعماء الشعب الفلسطيني وشردتهم وأبعدت بعضهم إلى خارج البلاد، وكبتت كل مظهر من مظاهر المقاومة، وأنزلت بالمناضلين أشد العقوبات، مما أضعف النضال العربي الفلسطيني، على حين كانت تسهل هجرة اليهود القادمين من أوروبا تمهيداً لتنفيذ الوعد الذي قطعته.
لم تكن الدول العربية آنذاك مالكة مصيرها، لذلك جاء دعمها للشعب الفلسطيني في نضاله قاصراً على المظاهر المعنوية والمشاركة الفردية. وعند نهاية الحرب العالمية الثانية استقلت كل من سورية ولبنان، وبدأت تعد العدة لمتابعة الكفاح المسلح، فأرسلت إليها منذ أواخر عام 1946 مجموعات من الشبان الفلسطينيين لاتباع دورات تدريبية عسكرية، كما سعت إلى شراء الأسلحة وتخزينها في مستودعات سرية.
وعندما شعرت بريطانيا أن الصهيونية أصبحت قادرة على شق طريقها دون مساعدتها، وبات تنفيذ وعد بلفور وشيكاً، أرادت إلقاء تبعة قيام دولة صهيونية في فلسطين على غيرها، فقامت في 2/4/1947 بإحالة قضية فلسطين على الأمم المتحدة للبت فيها في ضوء النطورات الجديدة، أي بعد أن أعلن الشعب العربي الفلسطيني رفضه للوجود الصهيوني الاستيطاني.
ولما اتضح للعرب ميل اللجان التي شكلتها الأمم المتحدة إلى التقسيم (رَ: تقسيم فلسطين) دعي مجلس جامعة الدول العربية إلى اجتماع في عاليه (لبنان) ما بين 7 و9/10/1947 (رَ: عاليه، اجتماع) لدراسة التدابير الواجب اتخاذها للوقوف في وجه المؤامرة على عروبة فلسطين. وكان من أهم القرارات المتحدة خلال ذلك المؤتمر تأليف لجنة عسكرية من ممثلين عن مختلف الدول العربية مهمتها دراسة الموقف من الناحية العسكرية (رَ: اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية)، ومعاونة أهل فلسطين في الدفاع عن أنفسهم وكيانهم. وقد تألفت تلك اللجنة من اللواء الركن اسماعيل صفوت (العراق) رئيساً، وعضوية كل من العقيد محمود الهندي (سورية)، والمقدم الركن شوكت شقير (لبنان)، وصبحي الخضرا* (فلسطين). ولم ترسل مصر والأردن والسعودية واليمن أحداً يمثلها فيها. وكان من بين توصيات اللجنة فتح باب التطوع أمام الشبان العرب للمشاركة في الكفاح المسلح في فلسطين.
وكانت الحماسة شديدة لدى الشيان العرب للمساهمة في النضال، وخاصة في الأوساط العسكرية. ففي سورية قدم عدد كبير من الضباط طلبات الالتحاق بقوات المجاهدين، وقدم آخرون استقالتهم من الجيش ليمكنوا من التطوع في تلك القوات. وقد أفرزت رئاسة الأركان السورية 46 ضابطاً وعدداً كبيراً من صف الضباط والجنود. وأما في العراق فقد تزعم كبار الضباط فكرة مماثلة، وانضم إليهم الكثير من الضباط الشبان الذين أحيلوا على التقاعد إثر ثورة رشيد عالي الكيلاني. وفي مصر اتصل الضباط الأحرار بالحاج أمين الحسيني* رئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين* وطلبوا منه التوسط لدى الحكومة المصرية للسماح لهم بالتطوع. وفي الأردن التحق عدد كبير من رجال الشرطة بالمجاهدين. وهكذا بدأ تكوين “جيش التحرير” الذي سمي فيما بعد “جيش الانقاذ” وأسندت قيادته إلى المجاهد فوزي القاوقجي* اعتباراً من مطلع شهر كانون الأول 1947.
أ- تشكيل جيش الانقاذ: شكل جيش الانقاذ من متطوعين سوريين ولبنانيين وعراقيين وأردنيين ومصريين وسعوديين ويمنيين وعدد قليل من جنسيات غير عربية (من تركيا، ويوغسلافيا، وألمانيا، وانكلترا)، فجاء تركيبه غير متجانس من حيث الأفراد أو التسليح أو التدريب أو أسلوب العمل.
وقد بلغ عدد الذين تقدموا للتطوع في جيش الانقاذ حوالي عشرة آلاف شخص، إلا أن من سار منهم فعلاً إلى فلسطين لم يرد على 4.630 متطوعاً. وكانوا بقيادة ضباط من مختلف الدول العربية تعاونهم مجموعة من صف الضباط والأفراد الذين تركوا وظائفهم في الجيوش العربية. وقد وزع المتطوعين على ثمانية أفواج، دعي الأول والثاني والثالث منها باسم “اليرموك”، والرابع باسم “القادسية”، والخامس باسم “حطين”، والسادس باسم “أجنادين”، والسابع باسم “العراق”، والثامن باسم “جبل العرب”. وقد دخلت هذه الأفواج، الواحد بعد الآخر، إلى فلسطين بعد أن تم تدريب أفرادها لفترة وجيزة في معسكرات قطنا قرب دمشق بإشراف عسكريين سوريين.
ب- مهمته: لم تحدد في الواقع مهمة واضحة لجيش الإنقاذ، وربما كان ذلك نابعاً من العمومية التي اتصفت بها المهمة الموكلة إلى اللجنة العسكرية من قبل مجلس الجامعة العربية، إذ كلفت هذه اللجنة العسكرية من قبل مجلس الجامعة العربية، إذ كلفت هذه اللجنة وضع الخطط والمقترحات العسكرية “الرامية إلى الحيلولة دون تشكيل حكومة يهودية في فلسطين، وإرغام اليهود على القبول بالمطالب العربية”. وكان جيش الانقاذ، كما هو مفروض، أداة اللجنة العسكرية لتحقيق ذلك، فهل كان المطلوب منه الاحتفاظ بالقسم الذي خصصته الأمم المتحدة للعرب أو طرد المهاجرين اليهود الذين أتوا مستعمرين إلى فلسطين؟ ثم ما المطالب العربية التي يتوجب على جيش الإنقاذ إرغام الصهيونيين على القبول بها وقد كان لكل حكومة عربية مفهومها الخاص للقضية الفلسطينية؟ بل كان هناك تفاوت في مفهوم القادة الميدانيين لمهمتهم. وقدد حدد فوزي القاوقجي الغاية من دخول جيش الإنقاذ إلى فلسطين في خطبة له في جبع، فقال: “هدفنا واحد، وهو إلغاء قرار هيئة الأمم المتحدة بالتقسيم. ودك معالم الصهيونية وتصفيتها نهائياً، وتنفيذ قرارات الجامعة العربية، وتثبيت عروبة فلسطين”. فهل كانت هذه فعلاً مهمة جيش الإنقاذ، وهل كان قادراً على تحقيقها؟ الواقع أن قائد قطعات الإنقاذ في منطقة الجليل، المقدم أديب الشيشكلي، كان يحمل مفهوماً آخر، فمهام قواته “تقوية معنويات الأهلين في فلسطين، ومعرفة مقدرة القوات الصهيونية المسلحة في فلسطين، واختبار موقف سلطات الانتداب البريطاني بالنسبة إلى الأعمال العسكرية التي تحدث بين العرب واليهود”. أي كان جيش الإنقاذ في نظر الشيشكلي مجرد طليعة للجيوش العربية، ومهمته لا تتعدى الاستطلاع بالقتال لاختبار قوة العدو ومساعدة الصديق على الصمود حتى تحين الساعة المناسبة. وربما كان هذا اللبس السبب الرئيس الذي جعل هذا الجيش يقصر أعماله على معارك محلية تفتقر إلى الهدف الاستراتيجي، ويكتفي بأهداف تكتيكية محدودة لم تستطع أن تؤثر على الوضع العام حتى عند نجاحها.
ج- دخوله إلى فلسطين: بدأ القتال في فلسطين يزداد حدة خلال شهر كانون الأول 1947. وكانت المعارك بين العرب والصهيونيين، رغم موضعيتها وتفرقها، تتميز بطابع الاستمرارية. وقد تولدت بعض الرهبة لدى العرب نتيجة استخدام الصهيونيين مدافع الهاون والمتفجرات بكثرة في حين افتقر إليها العرب، ولم يكن لديهم مقابلها سوى الشجاعة. والاستعداد للموت دفاعاً عن الوطن، والأمل في مساعدة الأشقاء من الدول العربية. وتعالت أصوات الجماهير العربية في كل مكان تدعو اللجنة العسكرية للتدخل. ومع تزايد صرخات الاستنجاد من عرب فلسطين وتزايد حماسة الجماهير العربية، اختصرت مناهج التدريب في معسكرات قطنا، واعتبر فوج اليرموك الثاني بقيادة المقدم أديب الشيشكلي جاهزاً للحركة يوم 8/12/1947، رغم كل ما كان يشكو من نواقص. وفي مساء ذلك اليوم تحرك الفوج من معسكر قطنا باتجاه بنت جبيل في لبنان الجنوبي، ثم دخل الأراضي الفلسطينية يوم 9 كانون الأول، أي في الوقت الذي كانت تدور فيه، في ناحيتي الزوية والقنيطرة ضد بعض مستعمرات الحولة، رحى معركة رتبت خصيصاً لجلب انتباه الصهيونيين إليها وتحويل أنظارهم عن الفوج.
وكان لدخول فوج اليرموك إلى فلسطين أثر كبير في ارتفاع معنويات العرب فيها. ثم توالى دخول الأفواج على الشكل التالي:
1) فوج اليرموك الأول بقيادة المقدم محمد صفا (سوري) وقد دخل فلسطين يوم 22/1/1948 واتخذ مواقع له في منطقة جنين* – بيسان*.
2) فوج القادسية بقيادة المقدم مهدي صالح العاني (عراقي) وقد دخل فلسطين في شباط 1948 وكان تحت تصرف قيادة جيش الانقاذ في قرية جبع*.
3) فوج حطين بقيادة النقيب مدلول عباس (عراقي) وقد دخل فلسطين في آذار 1948 وتمركز في منطقة طوباس*.
4) فوج اليرموك الثالث بقيادة الرائد عبد الحميد الراوي (عراقي) وقد دخل فلسطين في نيسان 1948 وتمركز في منطقة القدس* ورام الله*.
5) فوج أجنادين بقيادة النقيب ميشيل عيسى (فلسطيني) وقد تولى الدفاع عن يافا* وباب الواد.
6) فوج العراق بقيادة المقدم عادل نجم الدين (عراقي) وقد دخل يافا وتولى قائده قيادة حاميتها بالإضافة إلى وحداته في 16/2/1948.
7) فوج جبل العرب بقيادة الرائد شكيب وهاب (سوري) وقد تمركز في منطقة شفاعمرو* قرب الناصرة*.
وكانت هذه الأفواج (باستثناء فوج جبل العرب) تشكل مجموعة المنطقة الوسطى التي يقودها القائد فوزي القاوقجي بنفسه. وقد رابط في هذه المنطقة، بالإضافة إلى هذه الأفواج، سرايا مستقلة منها السرية اللبنانية بقيادة النقيب حكمت علي، وسرية الفراتين بقيادة النقيب خالد مطرجي.
أما مجموعة المنطقة الشمالية فكانت بقيادة المقدم أديب الشيشكلي الذي كان يقود أيضاً فوج اليرموك الثاني وفوج جبل العرب. وقد ألحق بقيادة المجموعة الشمالية أيضاً عدة مفارز، منها المفارز العراقية والحمرية والشركسية والادلبية والأردنية والسورية النظامية واالبنانية والبدوية وحامية عكا ومفرزة مجدل شمس والمفرزة اليوغسلافية.
أعيد تنظيم جيش الانقاذ في شهر آذار 1948 على أساس ألوية فأصبح مؤلفا من: لواء اليرموك الأول بقيادة المقدم محمد صفا، ولواء اليرموك الثاني بقيادة المقدم أديب الشيشكلي، ولواء اليرموك الثالث بقيادة المقدم مهدي صالح العاني، والفوج العلوي بقيادة غسان جديد.
د- التسليح والتدريب: كانت مشكلة التسليح من أصعب المشكلات التي عناها جيش الانقاذ. فقد كان هذا الجيش مزوداً بخليط من أنواع البنادق الإنكليزية والفرنسية والبلجيكية، وبعدد قليل من دافع الهاون المختلفة العيارات، وببعض الرشاشات.
كما أن سلاح الفوج الواحد لم يكن متجانساً، مما خلق صعوبات جمة في التمرين بالذخائر التي كانت أصلاً قليلة جداً. فقد صعب أو استحال الحصول عليها إذ فرضت الدول العربية حظراً على بيع الأعتدة الحربية لدول منطقة الشرق الأوسط، وإن كانت لم تبخل على القوات الصهيونية بالأسلحة والذخيرة، خاصة عن طريق قوات الانتداب البريطانية.
ولم يتوفر لعناصر جيش الانقاذ الوقت الكافي للتدريب، فكان القسم الأعظم من المتطوعين مدنيين يفتقرون إلى التدريب العسكري الجيد والروح الانضباطية والعمل الجماعي ضمن وحداتهم، رغم تمتعهم بروح عالية من الحماسة والاندفاع. وفي الوقت نفسه كان جيش الانقاذ يفتقر إلى العدد الكافي من الأجهزة القيادية والتنظيمية والإدارية، إذ لم يكن لديه في أحسن الحالات سوى نصف العدد المطلوب من الضباط.
أما الشؤون الإدارية والتموين فقد أشرف عليها شبان غير عسكريين، معظمهم من الذين عملوا في الميدان الوطني في سورية. وقد زود الجيش السوري هذا المرفق بالكثير من الرتباء ووضع تحت تصرقهم المستودعات والمخازن.
أما من الناحية الصحية فقد كلفت اللجنة العسكرية الدكتور أمين رويحة الإشراف عليها فأسس مشفى نابلس الذي ضم 200 سرير. وقد بقي هذا المشفى يستقبل الجرحى حتى انسحاب جيش الإنقاذ إلى الشمال فسلم إلى الجيش العراقي. وأسس الدكتور رويحة أيضاً مشفى ميدان في الرامة، ثم نقله فيما بعد إلى ترشيحا*.
هـ- المعارك: كانت معركة جدين* أولى المعارك التي خاضها جيش الإنقاذ في فلسطين.ففي ليلة 21-22/1/1948، وبغية ستر عملية عبور فوج اليرموك الأول إلى فلسطين، شن فوج اليرموك الثاني بقيادة المقدم أديب الشيشكلي هجوماً مفاجئاً على مستعمرة صهيونية في جدين قرب ترشيحا في المنطقة الشمالية.
وكان من نتائجها، للإضافة إلى جذب انتباه الصهيونيين والبريطانيين نحوها، تمكين قوات الإنقاذ من الحصول على أولى المعلومات المؤكدة عن المستعمرات الصهيونية وأساليب الدفاع عنها. وقد رفعت المعركة معنويات عرب فلسطين. وتبين لقوات الانقاذ أن الصهيونيين في دفاعهم عن مستعمراتهم يقاتلون بضراوة، معتمدين على تحصيناتهم القوية، خلافاً لقتالهم في الأراضي المكشوفة. إذ إن النجدات التي جاءت لمساعدة القوات الصهيونية في جدين واشتبكت مع القوات العربية الأقل منها عدداً وعدة لم تظهر ثباتاً في القتال، فهزمها العرب بعد أن كبدوها عدداً من القتلى والجرحى، وحطموا لها بعض العربات المدرعة. في حين أن القوات الصهيونية المدافعة عن المستعمرة، رغم خسارتها المواقع الأمامية واشتعال النيران في بعض مبانيها، التجأت إلى القلعة، واستمرت في القتال حتى وصلت قوة بريطانية أتقذتها، مما اضطر قوات الشيشكلي إلى التراجع طبقاً للتعليمات التي لديها بعدم الاشتباك مع البريطانيين. وسقط في تلك المعركة أوائل شهداء جيش الإنقاذ.
انتقل الصهيونيين بعد تلك المعركة إلى العمل داخل المستعمرات وما بينها، وركزوا نشاطهم في مناطق محددة مما بدا معه في الظاهر أن الموقف يتطور لصالح العرب، في حين كانت القوات الصهيونية تسعى إلى السيطرة على المدن، الواحدة تلو الأخرى، وإلى تأمين طرق المواصلات بينها وبين المستعمرات تمهيداً للانتقال إلى هجوم واسع النطاق على الجبهات.
وكانت معركة الزراعة* هي التالية في سلسلة معارك الجيش الإنقاذ، وقد خاضها فوج اليرموك الأول ليلة 16-17/2/1948 رغم صعوبة الأحوال الجوية والقيود التي تفرضها الأراضي الزراعية المغطاة بمياه الأمطار على التحركات.
وقد تمكنت قوات الفوج من المرور عبر الأسلاك الشائكة المحيطة بالمستعمرة تحت نيران غزيرة صبتها القوات الصهيونية. وتوغلت قوات الإنقاذ داخل مستعمرة، وخاضت مع المدافعين عنها قتال شوارع عنيفاً. وقد أمكن لوحدات عربية تمركزت على مشارف المستعمرة أن تقطع الطريق على النجدات المرسلة لدعم حاميتها. وقد ظهر بوضوح خلال تلك المعركة سوء أنواع الأسلحة التي يحملها المناضلون العرب، إذ تعطل نصفها على الأقل، مما أضعف القدرة النارية للهجوم، وأدى إلى وقوع خسائر كبيرة نسبياً (37 شهيداً، وأكثر منهم جرحى) في القوات العربية المهاجمة.
وتبين أن الأسلحة الثقيلة المتوفرة غير كافية لتدمير التحصينات المعادية القوية،مما يتطلب زيادة كبيرة في مدفعية الميدان لدى الجيش الإنقاذ.
ثم توالت المعارك، ومنها في المنطقتين الشمالية والوسطى معارك مثمار هاعيميك*، ونيفي يعقوب، وباب الود*، والقسطل*، والقدس، حيفا*، ويافا*، والمطلة، والمنارة، والهراوي، والنبي يوشع*، والشجرة*، ورامات يوحانان، وطبرية*، وصفد*، وعكا*، والمالكية*، وكان جيش الانقاذ يتبع في قتاله تكتيكاً هو مزيج من القتال النظامي وحرب العصابات تبعاً للموقف، وقد لوحظ خلال المعارك كلها اتصاف المقاتلين العرب برباطة الجاش والجرأة والحماسة، رغم ضعف الأسلحة وقلة التدريب.
و- موقف قوات الانتداب البريطاني: كانت بريطانيا ترى أن جيش الإنقاذ غير قادر على حسم المعركة بمفرده. وقد اعتبرته تنظيماً عسكرياً سيمتص القسم الأكبر من المعونات العسكرية العربية، ولا سيما أن المقاومة الفلسطينية الداخلية كانت قد انتشرت واتسع نطاق عملها حتى بلغ كل مكان في فلسطين، وأنه لو أمكن تسليح هذه المقاومة تسليحاً جيداً، ونظمت بشكل محكم، ووضعت لها الخطط ونسقت عملياتها، لكانت أشد خطراً على القوات الصهيونية، وأكثر تأثيراً في مصير الصراع من قوات جيش الإنقاذ التي أصبح حجمها وتسلحيها وأماكن تمركزها معروفة. ثم إن بريطانيا استطاعت، بمناوارتها السياسية والضغوط التي استعملها، الإبقاء على جميع قوات جيش الإنقاذ في القسم العربي من التقسيم.
لذلك وفي 10/2/1948 اعتبرت القيادة البريطانية جيش الإنقاذ مسؤولاً عن الأمن ضمن منطقته، وفوضت ذلك إليه رسمياً، وبدأت تنسحب قواتها. وكان هدفها من ذلك واضحاً، وهو جعل هذا الجيش الذي قدم للقتال، على ما فيه من ضعف عددي وتسليح هزيل، مشغولاً بالمشكلات الإدارية، كالإشراف على الشرطة المحلية وتشكيلات الدوائر الحكومية في المنطقة. وقد احتفظت حكومة الانتداب في المنطقة، على الرغم من ذلك، بقوات آلية كبيرة وضعتها في مناطق بيسان والعفولة وحيفا لحماية المستعمرات الصهيونية. وصرح القادة البريطانيون في مناسبات عدة أنهم مستعدون للتدخل عسكرياً في أية معركة تنشب بين العرب والصهيونيون لمقاتلة من يعتبرونه معدنياً. وقد ثبت ذلك عملياً في مختلف المعارك الناجحة التي كان يخوضها جيش الإنقاذ، إذ ما أن يبدو احتمال سقوط مستعمرة صهيونية، أو خسارة اليهود لمعركة ما، حتى تتدخل القوات البريطانية المدرعة والجوية لإنقاذ الموقف، ومساعدة الصهيونيين بدعوى أنهم معتدى عليهم.
ز- جيش الانقاذ بعد 15/5/1948: يذكر قائد جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي أنه استعلم من اللواء نور الدين محمود المفتش العام لجيش الإنقاذ عن مهمة هذا الجيش بعد يوم 15/5/1948 المحدد لدخول الجيوش العربية النظامية إلى فلسطين، فأجابه: “إن هذا الجيش مرتبط بجامعة الدول العربية، ويحسن بقائده أن يسأل الأمين العام للجامعة”، وأضاف: “إذا كنت تريد البقاء بجيشك حيث هو فلا بأس، ولكن مهمتكم تنتهي بعد دخول الجيوش النظامية”.
ومع دخول الجيوش العربية النظامية وردت برقيات إلى قيادة جيش الإنقاذ من دمشق وعمان تلح على سرعة انسحاب الجيش، في الوقت الذي شعر قائده من تصريحات الملك عبد الله أن هذا الجيش سيحل قريباً. فوضع فوزي القاوقجي خطة للانسحاب تبدأ يوم 17 أيار وتنتهي خلال ثلاثة أيام، وأطلع عليها الجنرال غلوب رئيس أركان الجيش الأردني الذي أوعز إلى جيشه باحتلال موقع جيش الإنقاذ في الجبهة. ولكن طوال الجبهة وقلة القوات الأردنية لم يسمجا للجيش الأردني إلا باحتلال بعض المواقع الرئيسة، فأهملت مواقع أخرى لا تقل أهمية. وسارت عملية الانسحاب وفق الخطة الموضوعة لها. غير أن ذلك لم يمنع هذا الجيش من تقديم العون للجيش الأردني فالعراقي في معاركتهما عندما طلب منه ذلك، كما حصل في معارك القدس وباب الواد. ثم خاض الجيش بعد انسحابه نحو الشمال وتمركزه على الحدود اللبنانية، خاض يوم 6/6/1948 معركة المالكية*، وكانت من أنجح معاركه.
أصبح جيش الانقاذ بعد تحشده في جنوبي لبنان في حالة سيئة جداً وبحاجة ماسة لإعادة التنظيم. وقد استدعي القاوقجي إلى القاهرة لمقابلة الأمين العام لجامعة الدول العربية يون 22/10/1948 فأبلغه هذا أن مهمة جيشه قد انتهت. وكلف على أثر ذلك العقيد أنور بنود من الجيش السوري بقيادة وحدات الإنقاذ بانتظار حلها، فأعاد تشكيلها بثلاثة أفواج حملت اسم اليرموك، ثم نقلت في أواخر آذار 1949 إلى سورية. وفي 15/5/1949 صدرت الأوامر من المفتشية العامة لقوات الإنقاذ بتوجيه من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بإنهاء مهمة هذه القوات وتسريح أفرادها. وقد تم ذلك رسمياً اعتباراً من التاريخ المذكور.
المراجع:
 
–         خيرية قاسمية: مذكرات فوزي القاوقجي، بيروت 1975.
–         اللواء حسن البدري: الحرب في أرض السلام، القاهرة 1976.
–         محمد فائز القصري: حرب فلسطين، دمشق 1962.
–         عارف العارف: النكبة، بيروت 1952.
–         هاني الهندي: جيش الانقاذ، بيروت 1974.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69987
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

جيش الإنقاذ Empty
مُساهمةموضوع: رد: جيش الإنقاذ   جيش الإنقاذ Emptyالأحد 25 يونيو 2017, 4:31 am

جيش الإنقاذ 2Q==

فوزي القاوقجي ضابط في الجيش السوري وقائد جيش الإنقاذ خلال حرب 1948 ولد في مدينة طرابلس بالدولة العثمانية. درس في المدرسة الحربية في الأستانة، وتخرج ضابطاً في سلاح الخيالة العثماني عام 1912.


الميلاد: ١٩ يناير، ١٨٩٠، طرابلس، لبنان
الوفاة: ٥ يونيو، ١٩٧٧، بيروت، لبنان



فوزي القاوقجي (1890 – 1977)

قائد عسكري ومناضل عربي ولد في مدينة طرابلس (لبنان) وخرج منها إلى الآستانة للدراسة طفلاً. وظل يتدرج في المدارس التركية إلى أن وصل إلى المدرسة الحربية حيث بدأت بواكير وعيه السياسي العربي تتفتح.
تخرج سنة 1912 ضابطاً في سلاح الخيالة العثماني. وقد عمل أولاً في الموصل حيث ظهرت قدراته فغدا بعد وقت قصير معلم الفروسية في الكتيبة كلها.
أخذت مشاعر العروبة تقوى في نفس القاوقجي مع انكشاف ضعف الاتراك العثمانيين. ولما نشبت الحرب العالمية الأولى اتصل به بعض الساسة العرب ليقوم بالدعاية للثورة بين قبائل البدو التي يعرفها حق المعرفة وتكن له الحب والتقدير.
اشترك في الحرب ضد الانكليز الذين احتلوا البصرة. وأصيب سنة 1914 في معركة القرنة وأدخل المستشفى للعلاج، ثم غادره سيراً بتكليف من بعض رجال الأحزاب العربية ليتصل بعدد من زعماء الحركة العربية في سورية ولابنان فوجهم قد سبقوا السجون والمشانق.
عين في شهر أيار 1916 في فرقة الخيالة العثمانية الثالثة المرابطة على خط بئر السبع – غزة الدفاعي في وجه القوات البريطانية. وقد أكسبته أيامه في بئر السبع* خبرة واسعة في أصول الاستطلاع ونصب الكمائن، ونال شهرة واسعة لجرأته، وحصل على عدد من الاوسمة، وقربت صلته بالقادة الألمان، وأصبح مرافقاً لهم.
آثر القاوقجي الولاء للجيش العثماني حتى نهاية الحرب العالمية، وظل يقاتل في صفوف الأتراك رغم مضايقتهم له وكرهه لتسلطتهم وتيقنه من خسارتهم. ويعلل ذلك بشكه في نوايا البريطانيين والافرنسيين الذين اعتمدت عليهم الثورة العربية.
عاد فور انتهاء الحرب إلى مسقط رأسه طرابلس في 16/10/1918 وأقام هناك إلى أن زارها الملك فيصل بن الحسين ودعاه إلى العمل في خدمة الدولة العربية الجديدة فقبل الدعوة. وقد عين في الشعبة الثالثة في ديوان الشورى الحربي، وهناك تكشف له غدر الحلفاء فطلب نقله إلى إحدى الوحدات العاملة فعين آمر السرية الأولى من لواء الخيالة الهاشمي. وقد أثبت حزماً وقوة فيما أسند إليه من مهمات. وآلمته هزيمة ميسلون سنة 1920 وحز في نفسه وهو يتولى حراسة قصر الملك فيصل وقلعة دمشق، أن يرى دخول الفرنسسن دمشق، فترك ذلك فيه حرجاً ظل يدفعه إلى الثأر من المستعمرين.
أصبح القاوقجي أيام الانتداب الفرنسي آمراً لسرية الخيالة في حماة، ومعاوياً للمستشار الفرنسي، فسعى جهده لاكتساب ثقة الفرنسيين والعمل على تخفيف مطالبهم. وقد أثرت أحداث ثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي وثورة أتاتورك في الأناضول في نفسه وشجعته على التفكير بثورة مماثلة.
بدأ يعد للثورة ويدعو لها وينظم الخلايا. ثم أطلق الشرارة في 5/10/1925 مغتنماً فرصة ثورات صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان الأطرش. وكاد يستولي مع من معه على مدينة حماة لولا قصف الطائرات. فخرج إلى البادية حيث استثار القبائل ضد الافرنسيين. وكان أبرز آثار حركته تخفيف الضغط عن الثوار في جنوبي سورية.
انتقل القاوقجي مع نفير من المجاهدين إلى منطقة القلمون وغوطة ودمشق وجبل العرب. وأسند إليه مجلس الثورة الوطني قيادة الثورة في منطقة الغوظة مع سلطات واسعة. واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة على الجيش الفرنسي ولكن نقص العتاد واستشهاد الكثيرين من رجاله اضطراره إلى الانسحاب باتجاه جبل العرب.
كان القاوقجي ومن معه آخر من ترك ميادين الثورة السورية. وقد استدعته اللجنة الثورية إلى عمان والقدس في صيف سنة 1927 وكلف السفر إلى تركية لإقناعها بمساعدة الثورة السورية. ولكنه عاد إلى القاهرة حيث كانت الخلافات قد اشتدت بين الزعماء السياسيين للثورة فلم يمكث فيها طويلاً وذهب إلى السعودية سنة 1928. وهناك آلة الدور الذي كان يلعبه البريطاني عبد الله فيليبي في المملكة. ولكنه استطاع، بمساعدة الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيصل فيما بعد)، إقناع الملك عبد العزيز بن سعود بتكوين جيش نظامي مدرب. وحاول تنظيم بعض الأمور ولكن العراقيل الكثيرة التي وضعت في طريقه والدسائس التي تعرض لها أجبرته على الاستقالة. ويعد وساطة عين مستشاراً للأمير فيصل.
غادر القاوقجي الحجاز سراً إلى مصر عقب اندلاع أحداث فلسطين سنة 1929 (رَ: ثورة 1929) والتقى أعضاء الوفد الفلسطيني المسافر إلى لندن (رَ: الوفود العربية الفلسطينية إلى لندن) لمفاوضة الانكليز محاولاً إقناعهم بعدم جدوى المفاوضة، وأن لا بد من العمل والاعداد العسكري كما يفعل الصهيونيون، ولكنه أخفق في سعيه وعاد إلى الحجاز.
ترك القاوقجي السعودية بعد سنتين ونصف والتحق بخدمة الملك فيصل بن الحسين في بغداد أواخر سنة 1932. وعين معلما للفروسية وأستناداً للطبوغرافيا في المدرسة الحربية الملكية برتبة رئيس (نقيب). وحاول أن يستثيرهمة الملك فيصل لاشعال نار ثورة الافرنسيين في سورية بعد أن ثبت تأييدهم لحركة الأشوريين سنة 1934. ولكن وفاة الملك فيصل حالت دون ذلك.
ومع تزايد أحداث سورية هب القاوقجي للعمل بصورة فردية فاتصل بزعماء البادية الشامية، ورجالات سورية في عمان وبغداد ودمشق، وأعد معهم خطة للثورة في سورية. وكان في الوقت نفسه مشغولاً بأحداث فلسطين التي زارها في سنوات 1934 و1935 و1936 ومع خطته لتشمل ثورتين في سورية وفلسطين. ولكن انتهاء أحداث سورية بعد 54 يوما من الاعراب وتفاقم أحداث فلسطين مع الاضراب الكبير واشتعال نار الثورة فيها جعلاه يلتفت إلى فلسطين، وكان على ثقة ببسالة شعبها وخبرة برجالها حين كان على رأس سرية خيالة منهم إبان الحرب العالمية الأولى.
كلف القاوقجي من قبل زعماء الثورة الفلسطينية تجهيز قوة من المتطوعين لنجدة فلسطين فبدأ الاتصال بألأردن وسورية ولبنان لاختيار الشبان العرب المجاهدين وتزويدهم بالسلاح وإرسالهم إلى جهة الثورة في فلسطين. وبعد سلسلة من المخاطر لاجتياز حدود فلسطين سراً بعيداً عن رقابة البريطانيين والفرنسيين وقوة الحدود الفلسطينية بدأت المفارز تصل تباعاً إلى مواقع الثورة.
وفي 25/8/1936 وصل القاوقجي على رأس حملة من البراق واتخذ من مثلث نابلس ومنطقة جنين خاصة ساحة لنشاط حملته. ووزع بوصفه القائد العام للثورة منشوراً ثورياً يدعو فيه الثوار إلى الالتفاف حوله والانضمام إليه ويقرر ميثاقاً له “الاستمرار في النضال إلى أن تتحرر فلسطين وتستقل وتلتحق بقافلة البلاد العربية المجزرة”.
وكان لقدوم حملة القاوقجي أثر كبير في الثوار في فلسطين فأزدادت حماسهم وانتعشت آمالهم بعد أن اتسمت الثورة بطابع الشمول العربي والنظام العسكري الفني. وقد أدرك القاوقجي منذ وصوله ما تعاني منه الثورة الفلسطينية، فالثوار لم يكونوا على الرغم بسالتهم يملكون الخبرة العسكرية المدربة على مواجهة جيش نظامي حديث، وكان همهم مناوشة القوات البريطانية ونصب الكمائن لها. وكان الموقف السياسي يميل إلى الضعف بسبب الاضراب الطويل وما ألحق باقتصاد فلسطين من خسائر، وبسبب وساطة زعماء العرب الذين أوفدوا نوري السعيد إلى فلسطين يقدم الوعود ويمني زعماء الحركة الوطنية الفلسطينية حل القضية اعتماداً على شرف بريطانيا.
وبعد أيام من التنظيم والاعداد خاضت قوات الثورة بقيادة القاوقجي معركة بلعا في أيلول سنة 1936 فهزم فيها الانكليز ولحقت بهم خسائر كبيرة لم يعهدوها من قبل فعزلوا القائد العام. وقد بعث هذا روحاً جديدة في نفوس الثوار والشعب بكامله وقوى مركز اللجنة العربية العليا* وتوقفت مهمة نوري السعيد.
ثم انتصر الثوار في معركتهم الثانية في جميع (أيلول 1936) وأنزلوا بالقوات البريطانية ضربة فادحة. وأخفقت محاولة الانكليز تطويق قوات الثورة في بيت إمرين يوم 29 أيلول، وانتصر الثوار في هذه المعركة أيضاً، وترك الانكليز الأول مرة قتلاهم وجرحاهم على أرض المعركة. وكان لذلك كله أكبر الأثر في النفوس العربية فتماطر المتطوعين من كل جهة. ولكن الثورة كانت تواجه مشكلة نقص العتاد والخدمات الطبية (رَ: ثورة 1936- 1939).
وعندما أعلنت الهدنة وفك الاضراب بقرار سياسي من اللجنة العربية العليا بعد وساطة ملوك العرب ورؤسائهم (رَ: نداء الملوك والرؤساء العرب للشعب الفلسطيني)، ظل القاوقجي حذراً وطلب من قواته الاحتفاظ بالسلاح والبقاء على أهبة الاستعداد ريثما تتبين نتائج المفاوضات السياسية. ثم أوعزت إليه القيادة السياسية بسحب قواته من فلسطين فنفذ الأمر بدقة رغم شعوره بخطئه.
وكان حذراً في الانسحاب عبر نهر الأردن* عند غور بيسان في 26/10/1936 وأفلت من عدة كمائن نصبتها له القوات البريطانية. وفي الأردن سرح معظم القوات وعاد مع المفرزة العراقية إلى العراق حيث استقبل استقبالاً حكومياً وشعبياً حاراً.
أقام القاوقجي في بغداد مدة. ثم نفته حكومة بكر صدقي في العراق إلى كركوك لتقييد حركته استجابة لطلب الانكليز، ولاحتجاج السفير التركي على موقف القاوقجي من قضية لواء الاسكندرون. وتوضحت له في كركوك خديعة الانكليز للحركة الوطنية الفلسطينية. فقد أخذوا يعززون قواتهم في مناطق الثورة الفلسطينية ويحمون حدود فلسطين ويجردون القبائل على ضفتي الأردن من السلاح. ولذلك طفق يتصل من منفاه بعدد من الشخصيات السورية والأردنية والفلسطينية لتجهيز حملة تعيد تفجير الثورة، ولا سيما بعد إعلان مشروع التقسيم الذي أوصت به اللجنة الملكية سنة 1937 (رَ: بيل، لجنة).
أفرج عن القاوقجي بعد مقتل بكر صدقي وتولى جميل المدفعي رئاسة الوزارة العراقية فعاد إلى بغداد واتصل به زعماء فلسطين للإعداد للثورة بمساعدة ألمانيا. ولكن العمل تعثر بسبب مصادرة أسلحة كانت مرسلة من الألمان في نيسان سنة 1928، وبسبب بدء المفاوضات بين بريطانيا والزعماء الفلسطينيين.
واتجه هم القاوقجي إلى سورية وقضية لواء الاسكندرون بخاصة فاشترك مع عدد من رفاق نضاله في وضع خطة ثورة تشتعل في سورية وتسري إلى بلاد الشام كلها ويتم معها “إعلان حكومة وطنية تدير الثورة القائمة في أنحاء سورية كلها، واعتبار قضية فلسطين وشرقي الأردن وسورية ولبنان قضية واحدة وثورة واحدة تحت زعامة زعيم واحد”. وبدأ الاعداد والتنظيم للثورة وتم الاتصال بالسفير الألماني، ولكن توقف ذلك كله مع نشوب الحرب العالمية الثانية في 1/9/1939.
أتيحت فرصة العمل للقاوقجي ثانية حين نشبت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق سنة 1941. فقد قاد فريقاً من المتطوعين السوريين والفلسطينيين والعراقيين وتصدى لقوافل الانكليز العسكرية القادمة من الأردن عند الرطبة وخاض عددا من المعارك الناجحة. ثم أصيب بجراح خطيرة حين سارع إلى صد هجوم انكليزي على تدمر، فنقل إلى مستشفى دير الزور ثم مستشفى حلب حيث تم تدبير نقله إلى برلين. وقد أجريت له عدة عمليات جراحية استخرجت بنتيجتهما 19 رصاصة وشظية من جده، وظلت رصاصة تسكن رأسه حتى أواخر حياته.
وعندما دعاه الألمان إلى العمل أصر على أخذ اعتراف رسمي منهم بحقوق العرب واستقلالهم قبل الالتزام بالعمل. وشعر أنهم يحاولون استغلال واستغلال غيرة من الزعماء العرب الموجدين هناك. وآمن أن الألمان والايطاليين لا يسعون إلى صالح العرب، فهم يرفضون تشكيل جيش عربي نظامي، وكل همهم تجنيد قوات عربية فردية صغيرة تقوم بالتجسس والتخريب خلف خطوط الحلفاء. وقد اتهم القاوقجي الألمان النازيين بتسميم ابنه مجدي (وكانت أسرته قد لحقت به) لأنه، أي الأب، لم يتعاون معهم، ورفض الاشتراك في الجنازة العسكرية التي أقيمت له.
أخذت آمال القاوقجي وبقية العرب تخبو مع تراجع ألمانيا على مختلف الجهات.وشهد انهزام الرابع الثالث ودخول السوفييت إلى برلين. وقد اعتقل مع زوجته ومرافقه في 29/5/1946 ثم أطلق سراحه بعد شهر عندما ثبت للسوفيات أن تعاونه مع النازيين كان كرها بالانكليز. وظل هناك تحت الرقابة، ولكنه استطاع أن يفلت منها ويصل الى القطاع الفرنسي من برلين ومنه إلى باريس بعيداً عن أعين الانكليز الذين كانوا يلاحقونه لتنفيذ حكم الإعدام فيه. ثم طار إلى القاهرة فوصلها في شباط 1947. وهناك وجد قضية فلسطين قد بلغت مرحلة خطيرة، وبدأ الإعداد لحلها بالقوة وبالفعل العسكري بمساندة جامعة الدول العربية للشعب الفلسطيني ممثلاً بالهيئة العربية العليا* ورئيسها محمد أمين الحسيني*، فاجتمع به القاوقجي عدة مرات وأبدى له استعداده للعمل والنضال.
سافر القاوقجي من القاهرة إلى مدينته طرابلس حيث استقبل استقبالاً شعبياً حاراً. ثم انتقل إلى دمشق في 12/3/1947 وقابل رئيس الجمهورية السورية معلناً له رغبته في العمل، وتقدم باقتراح إلى مجلس جامعة الدول العربية المنعقد في عاليه في 6/10/1947 لتأليف قوة متطوعين عرب مدربين تسلحهم الدول العربية ويدخلون فلسطين للوقوف في وجه الصهيونيين، ولتدريب الشباب الفلسطيني في حين تقف الجيوش النظامية العربية على الحدود مستعدة لتلبية نداء الاستعانة بها عند الحاجة (رَ: عاليه، اجتماع).
وافقت الجامعة العربية على الاقتراح وأسندت إلى العميد العراقي طه الهاشمي مسؤولية التجهيز والتسليح وإلى محمد عزة دروزة مسؤولية الإعانات، وكلف القاوقجي تولي قيادة قوات المتطوعين أو ما سمي جيش الانقاذ*. وبدأ التدريب العسكري في معسكر قطنا القريب من دمشق. وتشكلت لجنة عسكرية تمثل الجامعة العربية مقرها دمشق (رَ: اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية).
تسلم القاوقجي القيادة رسميا في 7/12/1947 في ظل ظروف شديدة الصعوبة منها عدم التكافؤ بين قوات الشعب الفلسطيني والمتطوعين من جهة والقوات الصهيونية من جهة أخرى من حيث الإعداد والتدريب والتسليح، إضافة إلى تحفظات الهيئة العربية العليا على قيادته، وتشكيل قيادة جيش الجهاد المقدس* التي بدأت العمل في منطقتي القدس والخليل وتنظيم المقاتلين في مناطق أخرى.
أرسل القاوقجي الفوج الأول من جيش الانقاذ بقيادة الضابط السوري المقدم أديب الشيشكلي إلى منطقة الجليل الغربي عن طريق لبنان، ثم اتبعه بالفوج الثاني بقيادة المقدم السوري محمد صفا عن طريق الأردن إلى منطقة سمخ والحولة. ثم نقل القاوقجي مقر قيادته من دمشق الى فلسظطين في 6/3/1948 واتخذ قرية جبع* في قضاء جنين مقراً لقيادته. وأقام فيها محطة إذاعة خاصة وأصدر بعد وصوله بيانا إلى الشعب.
تسلم جيش الانقاذ المسؤولية في مناطق محددة له، ووضع القاوقجي منهجاً للعمل أساسه تأمين الأمن المطلق واستطلاع العدو ومستعمراته واستدراج القوات الصهيونية خارج المستعمرات. وخاض منذ بداية نيسان عدة معارك ظافرة ضد الصهيونيين الذين تساندهم القوات البريطانية. ومن أبرزها معارك مشمار هاعيميك* الأولى والثانية، وزرعين، وعارة، وقاقون*، وطيرة قلقيلية. كما قدمت قوات جيش الانقاذ المساعدة إلى المجاهدين في معركة باب الواد*- اللطرون في 13/5/1948. وكان في بعض الأحيان يخالف أوامر القيادة العامة.
شعر القاوقجي بما يعانيه جيش الانقاذ من نقص العتاد والمؤن وتقصير القيادة في دمشق في إمداده رغم استنجاد الجهات المخنلفة فقرر السفر إلى دمشق، وهناك حمل الساسة مسؤولية التهاون ونقص الإمداد.
زار القاوقجي عمان قبيل دخول الجيوش العربية إلى فلسطين ليبحث دور جيش الانقاذ بعد دخول الجيوش النظامية (رَ: حرب 1948). ولكن القيادة في دمشق طلبت منه الانسحاب مع قواته وتسليم مواقفه إلى الجيش الأردني فانسحب في 16/5/1948. ولكنه عاد إلى القدس لنجدة الأحياء العربية المهددة بالسقوط.
سافر القاوقجي إلى دمشق في 24/5/1948 واجتمع بالمسؤولين وشكا إليهم سوء وضع جيش الانقاذ ونقص العتاد واللباس والمؤن وهدد بتقديم استقالته، ولكن الرئيس القوتلي اقنعه بالانتقال مع قواته إلى الجبهة اللبنانية حيث خاض مع الجيشين السوري واللبناني معركة المالكية* في 6/6/1948 وانتصر فيها. وبذلك ضمن البقاء لجبل عامل بأسره في يد العرب.
ولما أعلنت الهدنة الأولى (رَ: الهدنة الأولى والهدنة الثانية بين الدول العربية وإسرائيل) أحس القاوقجي بخطتها الفادح وخطرها على جيش الانقاذ لأن الجبهة التي كان هذا الجيش يحمل مسؤولية حمايتها واسعة لا تتناسب وامكانياته وضع رجاله ونقص عتاده وعدم استجابة المسؤولين لمطالبه. وبعد سقوط رقعة واسعة من الجليل (لوبية* وصفورية* وشفاعمرو* والناصرة* والشجرة*) وسلسلة من الاجتماعات مع المسؤولين قدم استقالته إلى الأمين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام مبينا أسابها … وقد عمل كل من عرفه هذا وقدموا إليه بعض حاجات الجيش فعاد إلى الجبهة واستطاع أن يحقق بعض النجاح في جبهة صفد والمنارة. ولكن تعقد الموقف بعد الهدنة الثانية وتوقف الجيوش النظامية عن العمل جعلا جيش الانقاذ الجيش العامل الوحيد. وإزاء تحفز الصهيونيين الكبير لضرب قواته بعد أن نفردوا بها قرر القاوقجي الانسحاب.
هاجمت القوات الصهيونية في 28/10/1948 جميع جهات جيش الانقاذ بقوات متفوقة تملك الطائرات والدبابات والمدفعية الثقيلة. وظلت المعارك مستمرة، ولا سيما على جبهة ترشيحا، حتى 30/10/1948 حين تمكن القاوقجي من سحب قوات جيش الانقاذ إلى جنوب لبنان. ثم اضطر مرغماً للاستجابة إلى طلب اللجنة العسكرية تسريح نصف الجيش بحجة عدم وجود المال اللازم، رغم إحساسه بالخطر الصهيوني الذي يهدد جنوب لبنان.
وقد شعر بمرارة الهزيمة حين وقعت الدول العربية اتفاقيات الهدنة الدائمة في رودس (رَ: الهدنة الدائمة بين الأردن وسورية ولبنان ومصر وبين إسرائيل، اتفاقيات) فانتقل إلى دمشق ليعيش فيها فيما يشبه العزلة، ثم غادرها إلى بيروت تحت وطأة ظروف مادية ونفسية أليمة وبقي فيها حتى وفاته.
كان حصاد حياة القاوقجي عدداً ضخماً من الوثائق غنمها في الميدان الحربي، ومجموعة ملاحظات التقطها واستخلصها نتيجة اختيارات طويلة وتجارب عميقة فدونها في مذكراته فيها إيمانه بالشعب العربي والوطن العربي، وأحساسه بالألم من مواقف بعض الزعماء السياسيين لأنهم لم يكونوا – برأيه – على مستوى المعركة.
المراجع:
 

  • خيرية قاسمية (إعداد) – مذكرات القاوقجي، بيروت 1975.
  • منير الريس: الكتاب الشعبي للثورات الوطنية في المشرق العربي، بيروت 1976.
  • محمد عزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، صيدا 1956 و1959.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69987
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

جيش الإنقاذ Empty
مُساهمةموضوع: رد: جيش الإنقاذ   جيش الإنقاذ Emptyالأحد 25 يونيو 2017, 4:35 am

قصة فوزي القاوقجي في الوثائق البريطانية .
 لماذا لم تعتقله حكومة الانتداب في مطار اللد ؟

كان قد مضى على "تقاعد" فوزي القاوقجي من أي عمل عسكري - سياسي ربع قرن بالتمام، حين اندلعت فجأة نيران حرب تشرين الأول اكتوبر 1973. كانت الحرب في يومها الثالث. وكفّتها الراجحة كانت لصالح الجيشين المصري والسوري. ولما كنت أعمل في قسم التحقيقات والمقابلات في مجلة سياسية بيروتية، طرحت اسم القاوقجي موضوعاً لمقابلة تتمحور أسئلتها حول حرب تشرين والحروب التي سبقتها في فلسطين. ولم أفاجأ حين وافق رئيس التحرير بسرعة وحماسة. ذلك ان اسم القاوقجي مقرون باسم فلسطين بعد الدور البارز الذي لعبه في حربي 1936 و1948. ولم تبهت سنوات "التقاعد" الطويلة من لمعان الاسم أو تخرس صداه. لذلك، ندر أن خلا كتاب أو بحث حول المسألة الفلسطينية باللغة العربية أو باللغات الأجنبية، وبخاصة الانكليزية، إلا وللقاوقجي في عرسه قرص.
وعلى رغم يقيني من أن معظم الباحثين والصحافيين الأجانب لم يكونوا يوماً موضوعيين حيال أي قائد سياسي أو عسكري من العالم العربي قاوم الاستيطان اليهودي في فلسطين، ومن أن معظم الصحافيين والباحثين العرب يستقون معلوماتهم من مراجع أجنبية فضلاً عن استعدادهم المسبق لتخوين قادتهم، فقد توجهت الى منزل فوزي القاوقجي بصورة عنه هي أقرب الى المغامر العسكري العاشق للمال والنساء، الذي ينعم في أرجاء فيلا تعجّ بالخدم ولا تخلو من صبية جميلة، منه الى القائد الوطني النظيف الكف والخبير بحروب التحرير، وكانت خيبة "الأمل" كبيرة، فالشقة صغيرة، والأثاث مهترئ. والحي شعبي فقير ولا يوجد في المنزل سوى مجموعة كلاب وقطط، وإمرأة أجنبية كهلة تلبس ثياباً من التي تباع في "البالة"، وهي زوجته الالمانية الأصل. لم يشأ التكلم حول الحرب وفلسطين في حوار طويل. واكتفى بالقول ان الفوز سيكون لصالح مصر وسورية إذا تواصل الهجوم والقصف لأيام وأسابيع، لأن اسرائيل لا تتحمل الضربات المفاجئة والقوية والمتواصلة. أما إذا أوقفت القاهرة أو دمشق أو الاثنين معاً، القتال بسرعة، فإن كفّة الميزان تميل لصالح العدو.
وعدت من الزيارة بصورة مشرقة للقاوقجي بعد أن وجدته يعيش في منزل متواضع، فيما معظم الذين أطلقوا الاشاعات عليه يعيشون في القصور. ومن المؤكد أن الرجل وزوجته كانا سيموتا جوعاً لولا الألف ليرة لبنانية التي قررها قائد الجيش اللبناني آنذاك فؤاد شهاب كراتب شهري تقاعدي. وازدادت اشراقه صورته، حين أوقف المصريون القتال فجأة. وكانت النتيجة تماماً كما توقعها فوزي القاوقجي.
نترك القاوقجي و"الشياح" ونعود بعد 25 سنة الى كيو غاردن في لندن بمناسبة مرور نصف قرن على ولادة دولة اسرائيل. فما هو جديد مركز محفوظات الخارجية البريطانية حيال فلسطين؟ يذكر ان وزارة الخارجية تفرج في مطلع كل عام عن مراسلات ديبلوماسية مضى عليها 30 عاماً. ولكنها، في هذا العام، أفرجت عن ملف خاص بالقاوقجي كان من المفترض الافراج عنه عام 1967، لكنها احتفظت به 20 سنة اضافية نظراً لدقة مضمونه وحساسيته. والطريف ان الملف الذي يحتضن عشرة تقارير يتمحور على موضوع واحد، هو عودة القاوقجي عام 1947 من المانيا الى لبنان عبر باريس.
وقبل أن يظن القراء، وبخاصة الذين لم يعاصروا القاوقجي ولم يقرأوا مذكراته، ان الانكليز يعملون أحياناً من "الحبة قبة" أسارع الى تلخيص حياته العسكرية - السياسية على النحو الآتي: تخرج ابن طرابلس - لبنان فوز الدين القاوقجي من المدرسة الحربية في اسطنبول برتبة ملازم خيّال عام 1912. وخلال الحرب العالمية الأولى، خاض أولى المعارك في "كوم العمارة" وجرح. ثم اشترك في معارك الدردنيل، ومنها انتقل الى معركة بئر السبع في فلسطين وجرح أيضاً. ونال عدة أوسمة من تركيا والمانيا والنمسا بسبب بلائه في القتال. بعد الحرب عاد الى منزله في طرابلس، حيث صادف وجود الأمير فيصل الأول الذي طلب منه الالتحاق بالجيش العربي الفتيّ. ولبى الطلب، واشترك في معركة ميسلون ضد الجيش الفرنسي التي استشهد فيها وزير الحربية في دمشق يوسف العظمة.
عام 1925، انطلقت شرارة الثورة في جبل العرب، بقيادة سلطان باشا الأطرش، فاشترك القاوقجي بالثورة، وقاد معركة حماه التي استهدفت ضرب الثكنة العسكرية الفرنسية واحتلال المدينة. اثر انطفاء جذوة الثورة التي دامت بضعة أعوام، التجأ القاوقجي الى المملكة السعودية وبقي حتى العام 1932. وفي العام 1933، انتقل القاوقجي الى العراق، والتحق في الكلية العسكرية، قسم الخيالة. كانت الحالة على أشدها في فلسطين عام 1936، فترك القاوقجي العراق ليقود الثورة المسلحة في فلسطين ضد الاستيطان اليهودي، طوال ثلاثة أعوام. وحين خمدت نيران الثورة، عاد قائدها الى بغداد، ليشترك عام 1941 في حرب رشيد عالي الكيلاني التي شنها ضد الانكليز. وقاد القاوقجي معركة "الرطبة" على الحدود الأردنية، وقد جرح فيها قائد الجيش الأردني غلوب باشا الملقب بـ "أبو حنيك".
معركة "تدمر" سببت للقاوقجي ما يزيد على الأربعين اصابة مما استدعى نقله الى المانيا واستمر فاقد الوعي لمدة سنتين. وبقي القاوقجي في المانيا خلال الحرب وبعدها، فتزوج من مواطنة المانية، وعاش معها في القطاع الذي احتله الروس، في حالة فقر مدقع.
ما زلنا مع ملف القاوقجي في محفوظات الخارجية البريطانية، بادئين بالتقرير الأول المؤرخ في 24 شباط فبراير 1947 والمتوج بكلمة "سري".
يفيد السفير البريطاني في بيروت وزير خارجيته ان الصحافة المحلية البيروتية نشرت خبر وصول القاوقجي الى باريس وتوقّع عودته السريعة الى لبنان. وقد صرح للمراسلين الصحافيين من العاصمة الفرنسية انه سوف "يكمل جهاده في سبيل القضية العربية من غير تمييز بين حزب وبلد".
وفي البند الثاني من التقرير ان سعادته لفت نظر وزير الخارجية اللبنانية الى ضرورة عرقلة "ظهور القاوقجي في الشرق الأوسط". ولكن معاليه أعلمه ان الحكومة اللبنانية لا تستطيع منعه من العودة الى لبنان لأنه مواطن لبناني. هنا اقترح الوزير اللبناني حلاً وسطاً وهو أخذ تعهد من القاوقجي بعدم التعاطي بالسياسة.
ويعبّر السفير في البند الثالث والأخير من تقريره عن عدم تعويله على اقتراح الوزير. وباعتبار ان الكحل أحسن من العمى، فإنه سيلحّ على السلطات اللبنانية للحصول على ضمان "التصرف الجيد" للقاوقجي.
وفي تقرير آخر مؤرخ في 26 شباط 1947، ومصدره الخارجية البريطانية، يناقش المستر ج. بيث Beith مسألة القاوقجي الذي غادر باريس وأصبح في القاهرة. بالنسبة لما اقترحته حكومة فلسطين البريطانية حول ضرورة مساءلة بريطانيا لفرنسا عن سماحها بدخول القاوقجي أراضيها يعترف المسؤول البريطاني بعدم وجود حجة وجيهة للطلب من الحكومة الفرنسية توقيفه أو اتخاذ أي تدبير بحقه، خصوصاً وانه مر عبر فرنسا بصورة شرعية.
وختم تقريره بالقول ان بريطانيا لا تستطيع منع فوزي من السفر الى الشرق الأوسط، لكنها تعمل على عرقلة سفره. ومع ذلك، يقتضي الحصول على تقرير يتضمن "كيفية حصول القاوقجي على أوراق السفر الرسمية التي خوّلته مغادرة المانيا ودخول فرنسا".
ولكن الطائرة التي أقلت القاوقجي من باريس الى القاهرة توقفت لمدة نصف ساعة في مطار اللد الفلسطيني. فما هو سر توقف الطائرة في فلسطين وعدم توجهها مباشرة الى مصر؟ ولماذا لم تعتقل السلطة البريطانية القاوقجي أو تعرقل عملية سفره على الأقل بأية طريقة ممكنة؟
لم يرد جواب على السؤال الأول في ملف القاوقجي الذي لم يفرج عنه إلا بعد رحيل صاحبه. ويمكن الاستنتاج بأن الحكومة البريطانية قد تكون رتبت عملية توقف الطائرة في اللد لاعتقال القاوقجي. وهذا الاستنتاج يأخذ مشروعيته، حين نقرأ بعد قليل ما قاله القاوقجي لصحيفة "الحياة" عام 1947 حول الموضوع، مما يكشف، ليس فقط سر توقف الطائرة في مطار اللد، بل أيضاً سر عدم اعتقاله من قبل أمن المطار.
في 4 آذار مارس 1947، توّجت "الحياة" صفحتها الأولى بالمانشيت الآتية: "حديث خاص "بالحياة" من المجاهد العربي الكبير... القاوقجي يستعرض جهاده ويمضي فيه الى النهاية". في سياق المقابلة سأله مندوب "الحياة" عن السبب في هبوط "طائرته في مطار اللد، فأجاب: "كان موعد سفرنا من باريس في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل في طائرة انكليزية. ولكن أخبرنا في اخر لحظة ان السفر تأخّر الى صباح غد عند الساعة الحادية عشرة وفي طائرة نروجية. وفي اليوم التالي، ركبنا تلك الطائرة في الموعد المعين، وكانت وجهة الطائرة باريس - القاهرة. وعندما أصبحنا فوق صقلية، سألت قائد الطائرة عن موعد الوصول، فأجاب انه تلقى في هذه اللحظة برقية من اللد تطلب منه متابعة السير اليها. وهنا راودني الشك، ولكني لم أحب أن أجادل القائد في السبب كيلا ألفت الأنظار إليّ". أضاف: "وبقينا زهاء أربع ساعات ونحن نفكر في السبب، وكنا تارة نقول ان هناك خطة مدبرة للايقاع بنا، وتارة نعزو السبب الى ظروف استثنائية. وأخيراً هبطنا مطار اللد، فنزل من الطائرة خمسة أشخاص، أربعة رجال وامرأة. فقيل لنا ان هؤلاء من الوكالة اليهودية. فزاد الريب عندنا. فجاء شرطي عربي وتقدم من رفيقي السيد حميد الصافي وسأله الى أين هو ذاهب، فقال له الى القاهرة. فنزل هذا الشرطي، وجاء بعده ضابط انكليزي ومعه شرطي عبري. وسأل هذا حميد عن وجهته، فقال الى القاهرة. وسأل عمن أكون وعن المرأة التي ترافقني، وكنت في تلك الأثناء أتحدث بالألمانية مع قرينتي، فقال له حميد: لا أعرف. فسأل الضابط، وكان يتكلم العربية، هل هما يهوديان؟ فأجاب حميد: نعم. وسأل: أين فوزي القاوقجي؟ فأجابه حميد: لا أعرف. وفي هذه الأثناء، جاء الطيارون النروجيون وأداروا المحركات، وأقلعت بنا الطائرة، فنجونا. وكانت نجاتنا باعجوبة".
وكانت "الحياة" أعادت نشر مقابلة أجرتها "الأهرام" مع القاوقجي في اليوم التالي لوصوله الى القاهرة.
وفي سياق المقابلة، سأله مندوب الأهرام "عن أسوأ ساعة قضاها في حياته، فقال مبتسماً: هي نصف ساعة لا ساعة قضيتها أمس ليلاً في مطار اللدّ حيث هبطت الطائرة على غير عادتها، فتوهمت ان هناك شركاً نصب لي، وإني وقعت في هذا الشرك بلا ثمن، وسأقضي بقية حياتي بلا فائدة".
ولكن الشرك كان حقيقة لا وهماً. والدليل ما ورد في مناقشات مجلس العموم البريطاني حول عدم اعتقال القاوقجي في مطار اللد.
النائب ج. لويس سأل وزير المستعمرات عن سبب عدم اعتقال فوزي القاوقجي في مطار اللد وهو في طريقه الى القاهرة يوم السبت في 22 شباط مع انه في "لائحة المطلوبين لدى حكومة فلسطين"؟ وتساءل النائب هوي HOY عما اذا كانت حكومة فلسطين قد أصدرت مذكرة "باعتقال فوز الدين القاوقجي أو أي أمر يمنع دخوله فلسطين"؟
وسأل النائب جانّر Janner وزير المستعمرات اذا كان ينوي استرداد فوزي الدين القاوقجي من مصر.
وأجاب الوزير كريتش جونز Creech Jones: "ان فوزي القاوقجي هو لبناني الجنسية. وليس هناك أمر باعتقاله من قبل السلطات الفلسطينية، فقد كان اسمه في لائحة إعاقة دخولهم الى فلسطين لأن حضوره يشكل خطراً بالغاً على الأمن. لقد وصل الى القاهرة في 23 شباط وهو يحمل فيزا - ترانزيت - من القنصلية المصرية في باريس. وعلمت انه الآن في لبنان. وليس وارداً طلب استرداده".
ولم تتوقف المناقشة أو قل الاستجواب. فالنائب ستانلي سأل الوزير عما اذا كان عدم اعتقال القاوقجي ناجم عن أنه سوري ولا يوجد اسمه في لائحة المطلوبين، أم لأن المسؤولين الأمنيين في المطار لم يعرفوه؟
وأجاب الوزير: "لو ان مسؤولي الأمن عرفوه، لكان حدث شيء ما. ولكنه بقي في مطار اللد لساعة واحدة ، وكان حاملاً جواز سفر مزوراً، فيما حقائبه مسجلة باسم مختلف".
لم تقتصر "مواكبة" الانكليز للقاوقجي في رحلته التاريخية على الجانب الرسمي الديبلوماسي. ولا هي حافظت على سريتها بنسبة مئة في المئة. وعلى سبيل المثال، فإن قلم تحرير صحيفة Palestine Post تضايق جداً من عدم وقوع القاوقجي في فخ السلطة الأمنية لمطار اللد، فتساءل أثر ذلك عن سرّ معاملة الفرنسيين له وكأنه لم يتعاون مع "المانيا العدوة" مع ان السلطات السوفياتية في برلين رفضت "طلب الجامعة العربية بإطلاق سراحه". ولم يبخل تعليق الصحيفة من غمز من قناة سلطات مطار اللد التي "دققت كل التدقيق بأوراق غيره بمن فيهم المستر ستون مراسل جريدة ب.م. النيويوركية" في حين مرّ "القاوقجي وزوجته الألمانية في اللد دون أيما إزعاج".
وعلى الصعيد الرسمي، فإن مساءلة الحكومة البريطانية للحكومة الفرنسية حول ظروف دخول القاوقجي فرنسا وخروجه منها، لم تبق ضمن الأقنية الديبلوماسية السرية. فقد "صرح ناطق بلسان الحكومة الفرنسية على أثر مذكرة أرسلتها الحكومة البريطانية مستفهمة عن الاحوال التي سمح فيها للقائد فوزي القاوقجي بمغادرة باريس، بأنه سافر الى فرنسا وهو يحمل تأشيرة من مجلس المراقبة الحليف في برلين الذي يمثل بريطانيا فيه مندوب". وأضافت "الحياة" التي نشرت الخبر في 27 شباط 1947 تحت عنوان "الانكليز يأسفون لإفلات القاوقجي" ان الوكالة الفرنسية من القدس عممت بلاغاً لناطق باسم حكومة فلسطين جاء فيه "ان السيد فوزي القاوقجي قد سافر بالطائرة باسم مستعار من فرنسا الى مصر، وان ادارة مطار اللد لم تستطع، مع الأسف، معرفة هويته".
يبقى ان قيامة الانكليز لم تقم فقط بسبب ما قام به القاوقجي من أعمال عسكرية ضدهم وضد حلفاهم في سورية وفلسطين والعراق والأردن خلال الحقبة الزمنية التي تبدأ في نهاية الحرب العالمية الأولى، وتنتهي في نهاية الحرب العالمية الثانية، بل ايضاً، وربما أولاً، بما سيقوم به كقائد في مقاومة الاستيطان اليهودي خلال الحرب المتوقعة في فلسطين نتيجة اعلان نهاية الانتداب وولادة الدولة العبرية على جزء كبير من الأراضي الفلسطينية. واذا كانت المخابرات البريطانية كشفت عملية انتقال القاوقجي من برلين الى باريس، مقدمة لعودته الى وطنه الصغير لبنان، فإن "الحياة" فتحت أعين الانكليز على ما يمكن ان يقوم به في فلسطين من تكرار المقاومة المسلحة التي قادها للمرة الأولى في العام 1936. وهو ما ستتضمنه الحلقة الثانية والأخيرة التي تلقي المزيد من الاضواء على وثائق الخارجية البريطانية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69987
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

جيش الإنقاذ Empty
مُساهمةموضوع: رد: جيش الإنقاذ   جيش الإنقاذ Emptyالأحد 25 يونيو 2017, 4:52 am

مذكرات فوزي القاوقجي 1912 -1932  






مذكرات فوزي القاوقجي 1912 -1932 - Philadelphia University ...



www.philadelphia.edu.jo/newlibrary/2014-11-24-13-12-11/.../74972-48122


فوزي القاوقجي في طرابلس

http://www.tourathtripoli.org/phocadownload/dirasset_fi_tarikh/alkawkji.pdf




حكاية فوزي القاوقجي والصراع من أجل الاستقلال العربي

ليلى بارسونز في «القائد»:

إبراهيم درويش



Jun 24, 2017

جيش الإنقاذ 24qpt972

في سرد الرواية العربية وتشكل الوعي العروبي في المرحلة الأخيرة من الدولة العثمانية وكرد على صعود الفكر الطوراني، بدأ المثقفون والضباط العرب في اسطنبول والولايات العربية بتشكيل رؤية مضادة للتتريك الذي ازداد قسوة مع وصول الطورانيين إلى الحكم وانقلابهم وإطاحتهم بالسلطان عبد الحميد الثاني. وكان هؤلاء الضباط الأتراك مثاليين قوميين حالمين بإعادة مجد الدولة فانتهوا بدق آخر أسفين في نعشها لكي تنتهي الدولة التي تسيدت العالم لقرون وارتفعت أعلامها على جبال أوروبا وآسيا وأفريقيا، وشكلت السياسة العالمية في أطوار قوتها وضعفها وحتى عندما أصبحت «رجل أوروبا المريض». لكن المثقفين والجنود الذين ولدوا وترعرعوا في العالم العثماني ولم يعرفوا غيره ظلوا أوفياء للفكرة العثمانية الجامعة وقاتلوا في صفوف الدولة ودافعوا عنها حتى النهاية.
ابن طرابلس
ولعل قصة فوزي القاوقجي (1890 ـ 1976) ابن مدينة طرابلس في شمال لبنان تلخص لنا حياة الدولة العثمانية أو الطورانية في مرحلتها الأخيرة. فقد قاتل هو والجنود العرب في صفوف الجيش العثماني رغم التمييز والنظرة المتشككة من قادتهم لهم لأنهم عرب. ودافعوا عن الفكرة العثمانية الجامعة التي ربطت الولايات العربية التي قاتل الطورانيون من اجل إبقائها في حضن ما تبقى من دولة تهالكت بفعل مغامراتهم وتهورهم. فهذا السوري الذي ظل مع العثمانيين حتى الرمق الأخير وراقب انسحاب القوات التركية من الولايات العربية وأنقذ في مرحلة من الحرب مجموعة من الضباط الأتراك حاصرهم الإنكلير بعد انسحابهم من فلسطين وكان منهم مصطفى كمال اتاتورك الذي انقذته شجاعة وعزة القاوقجي من موت محقق. وشكره أتاتورك على ما قام به. وعاد القاوقجي والتقى مع أتاتورك الذي سيصبح له شأن كبير في الحياة التركية في سوريا حيث كان الجيش التركي يكمل انسحابه من المناطق العربية مع تقدم القوات البريطانية والفرنسية في سوريا وتحدثا ضابطا لضابط حيث قال له أتاتورك أن الأناضول مفتوحة له إن فشلت السياسة العربية أو احتاج لمساعدة. ومن مفارقات الزمن أن القاوقجي ذهب إلى تركيا مع عدد من قادة الثورة السورية عام 1927 للبحث في سبل التعاون مع الأتراك لمواجهة الفرنسيين. وكان موجودا في اسطنبول عندما زار أتاتورك المدينة ووقف الناس يرحبون بيخته «أرطغرول». وعلق القاوقجي في مذكراته عن هذا المشهد عندما قال إنه تأثر به ولم يجد بدا من مقارنته بين الفرص التي وفرها اتاتورك للأتراك والأوضاع التي يعيشها العرب. وكان القاوقجي يشهد في تلك الفترة التشكلات الإستعمارية الجديدة التي ظهرت بعد انهيار العثمانيين ودفاعه في هذه الفترة عن سوريا الطبيعية التي تضم الكيانات التي نشأت فيما بعد.
ما بعد الإمبراطورية
وفي رحلته بين سقوط الدولة العثمانية وحتى الكارثة الفلسطينية التي تحمل وزرها عندما قاد جيش الإنقاذ الذي أعده على عجل ودربه ونقله إلى فلسطين ليخوض المعركة الأخيرة والتي انتهت بالهزيمة، ومن ثم تقاعده عن القتال تحول إلى رمز قديم، أيقونة باهتة من زمن لم يعد فيه لخريجي الأكاديمية العسكرية في اسطنبول مكان ولا للضباط الذين عملوا مع الألمان في الحرب العالمية الأولى ونالوا احترامهم. ونعرف في ثنايا الحكاية مشاعر الضابط القاوقجي تجاه عنصرية الجيش التركي الذي دافع عنه وقاتل من أجله عندما قابل الضباط الألمان في طريقه إلى جبهة غزة- بئر السبع التي ظل العثمانيون يحاولون الدفاع عنها لأنها كانت الطريق إلى القدس وبالتالي النهاية. ففي القدس عامله الألمان كزميل ورفيق سلاح وهو ما يكشف عن ارتباطه طوال حياته العسكرية بالمدرسة الألمانية وعلاقاته الجيدة مع الضباط الألمان الذين قادوا العمليات العسكرية للجيش العثماني الرابع. بل وعندما حاول جمال باشا (السفاح) محاكمته بتهمة الخيانة لأنه جمع عددا من الضباط العرب في وحدته ببئر السبع واستدعي للقدس على عجل للمحاكمة وقف القائد الألماني معه ضد متهميه. كان العالم الذي تحرك فيه القاوقجي مفتوحا لم تكن حدود سايكس- بيكو قد قسمته، ففي رحلته لاستلام مهمته العسكرية في الموصل قرر السفر إليها عبر جبال تركيا وكردستان كمحاولة منه لمعرفة عالم الدولة وثقافتها ولم يسر في الطريق الذي يجتازه المسافرون عادة في ربوع الدولة من حلب ودير الزور للعراق. ويكشف قرار القاوقجي عن حس للمغامرة وعن وعي مبكر بهويته العروبية التي تشكلت في أروقة الأكاديمية العسكرية حيث شاهد عيانا التمييز والشك الذي يعامل به جنود وضباط الولايات العربية.
دولي
ظل القاوقجي جنديا ومغامرا وفي مفهوم اليوم جنديا دوليا يغير الجبهات ويخوض المعارك مع الجهة التي يرى فيها تحقيقا لحلمه. فهو وإن لم ينضم للثورة العربية التي أعلن عنها شريف مكة، الحسين بن علي ضد الأتراك إلا أنه التحق لاحقا بقوات الملك فيصل الأول وعمل في بغداد، كما قاتل مع الفرنسيين قبل أن يتمرد عليهم وينضم للثوار ويلعب دورا مهما في الثورة السورية. وخاض معارك في الغوطة والقلمون وجبل الزاوية. وظل يحلم بإشعال الثورة من جديد ضد الفرنسيين ولهذا ذهب إلى بغداد للحصول على دعم زملائه السابقين في الجيش العثماني.
مع ابن سعود
فهو في الحجاز مع ابن سعود الذي رشحه البعض ليكون خليفة العرب وحامل أمالهم. وعمل في السعودية على تنظيم الجيش السعودي الناشئ قبل أن يتهم بالجاسوسية ويحقق معه بسبب نكايات من كانوا حول ابن سعود والذي لم يعجبهم تدفق «السوريين» على الحجاز ونجد لمساعدة الدولة الجديدة والحلم ببناء الدولة العربية الواحدة. وكما كتب في مذكراته فقد شعر عندما وصلت السفينة إلى جدة على البحر الأحمر بإمكانيات لا حدود لها من أن حلمه سيتحقق ويهزم الإستعمار البريطاني والفرنسي ولكن الحلم تبدد. ونرى أن النبرة تغيرت عندما ترك القاوقجي السعودية قاصدا بغداد وليضع آماله في الملك فيصل الذي حاول أن يقنعه بدعم خططه لإنعاش الثورة في سوريا. مع أنه رفاقه لم ينضموا لجيش فيصل عندما دخل دمشق وظلوا أوفياء لسلاح الدولة المتهاوية وها هو في بغداد يضع آماله في فيصل الذي مات بسكتة قلبية في سويسرا عام 1933. وكانت وفاة الملك فيصل لحظة فاصلة في آمال القاوقجي والحركة العربية، خاصة أن الملك فيصل الأول لم يتخل عن حلم والده بدولة عربية واحدة. كما وأدت وفاته إلى فراغ في السلطة واقتتال بين الساسة في بغداد. ومن هنا بحث القاوقجي عن جبهة قتالية جديدة، ومنحته فلسطين إياها. فقد سافر إليها أثناء الثورة السورية من أجل تأمين الدعم للثوار وزارها أكثر من مرة عندما كان يعمل في بغداد. وبعد اندلاع الثورة الكبرى عام 1936 جهز مجموعة من المتطوعين العراقيين والسوريين والأردنيين ودخل فلسطين حيث عمل لدعم الثورة من جبال نابلس ومنطقة جنين. واستطاع توحيد فصائل الثورة تحت قيادة موحدة. وكانت تجربته في الثورة كافية لتحويله لنجم ومحل إعجاب للفلسطينيين. ورغم ذلك لم يفر القاوقجي العسكري من تعقيدات الوضع، وربما فشل في فهم السياسة الفلسطينية التي أخذت تتجه بعد نهاية الدولة العثمانية ودخولها تحت الانتداب ووعد بلفور باتجاه الاستقلال ومواجهة المشاريع اليهودية للاستيطان. وهذا يفسر علاقته المتوترة مع الحاج أمين الحسيني الذي دعاه بالمقام الأول للمساعدة في تنظيم الثورة.
خيارات العربي
تظل قصة القاوقجي كما تقدمها الأكاديمية ليلى بارسونس، المحاضرة في جامعة ماكجيل صورة عن خيارات العربي في ظل انهيار الدولة العثمانية وبدايات المرحلة الإستعمارية وإعادة رسم المنطقة. وهي وإن كانت قصة حياة جندي ظل يلاحق حلما ويغامر ويعاند الموت إلا أنها تجادلت مع أحداث المنطقة العربية مما يجعلها معقدة في الوقت نفسه. وتحاول بارسونس في كتابها «القائد: فوزي القاوقجي والكفاح من أجل الإستقلال العربي» موضعة القصة في سياق تجربته العثمانية ومشاركته في الثورات السورية والفلسطينية وأخيرا قيادته جيش الإنقاذ الذي أثر على صورة البطل وجعله في عداد المسؤولين عن الكارثة. وترى أن القاوقجي وإن لم يعترف بأخطاء في مذكراته إلا انه أخطأ أولا عندما قبل قيادة جيش هو في الحقيقة ليس جيشا. مع انها تقول إن حقيقة خلق قوة عسكرية من لا شيء في ظل غياب تعاون من المسؤولين العرب وعدم توفر الإمدادات يعتبر إنجازا. ومشكلة القاوقجي الثانية أنه أساء تقدير القوى اليهودية وأخطأ عندما هاجم المستوطنات اليهودية ولم يكن قادرا على ضبط قواته التي انخرطت في عمليات نهب بشكل أثر على سمعة الجيش وحولته في النهاية لكبش فداء. ولو رفض القاوقجي قيادة الجيش أو الفكرة من أساسها لما تشوهت سمعته بين الفلسطينيين ألذين ادخلوه قبل عام 1948 في ذاكرتهم الشعبية. وتعتقد بارسونس أن قرار القاوقجي القيادة نابع من التزامه بالدفاع عن فلسطين وظل يقاتل كما فعل مع الدولة العثمانية حتى النهاية. ولم يتوقف إلا عندما وقعت الدول العربية الهدنة عام 1948 و 1949. وتقول إن القاوقجي في ظل الكارثة التي حلت بالفلسطينيين والعرب كان هدفا سهلا. وفي لعبة التلاوم جرت شيطنته. فعلى خلاف القادة الذين ساهموا في الكارثة لم يمارس السياسة بل عاش على هامش الأحداث وراقب حروبا ثلاثة بين العرب وإسرائيل 1956، 1967 و 1973 وباستثناء بعض الأدوار السياسية التي قام بها في السياسة اللبنانبة وزيارته للارجنتين حيث كرمه خوان وإيفا بيرون إلا أنه انعزل وعاش في فيلا صغيرة في سان ميشال في بيروت مع زوجته الألمانية أناليس وأبنائه وظل رغم الجو المرفه حوله يشكو من قلة ذات اليد، فلم تكن الأموال التي يحصل عليها كافية لنفقات الحياة. وتشير بارسونس لرسالة كتبها إلى شكري القوتلي يشكو فيها من ضيق الحال. ومع أنه فكر بترشيح نفسه للبرلمان اللبناني عن مدينة طرابلس ووجد دعما للفكرة إلا أنه لم يمض بها. ولأن القاوقجي لم يقاتل من أجل دولة بعينها وحتى عندما قاتل في الثورة السورية عام 1925 كان مثل المقاتل الدولي فلم يجد مكانا في الرواية التاريخية الوطنية لهذه الدولة أو تلك. وهذا يفسر قائمة الاتهامات التي وجهت إليه في مرحلة ما بعد النكبة: جاسوس بريطاني وإسرائيلي وفرنسي وتعامله مع الملك عبدالله وأنه لم يكن يهتم إلا بسوريا. ووصف بالجبان وأنه رفض التعاون مع الجامعة العربية أو الفلسطينيين وأنه قاد جيشا من النهابين. في النهاية تنبع أهمية كتاب ليلى بارسونس من محاولة فهم صورة القائد في التباساتها التاريخية وطبيعة الخيارات التي فرضت على الشخصية ورؤيتها للأحداث وتجادلها مع مرحلة هامة في التشكل الحديث للدولة القطرية وصعود جيل من الساسة والعسكريين تجاوز ذكريات الدولة العلية. تقول زوجته أناليس أنها سمعته قبل وفاته يتحدث التركية وكأنه ينادي رفاقه ويقول لهم إنه فقد الطريق بعدهم، وبعد عام 1948 لم يعثر على وطنه أو نفسه.
Laila Parsons: The Commander: Fawzi Al-Qawuqji And The Fight For Arab Independence
Saqi, London 2016
295 pp.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
جيش الإنقاذ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: احداث ما بعد النكبة :: حركات التحرر والمنظمات والفرق العسكريه-
انتقل الى: