فيما بين تيمور لنك ودونالد ترامب من اتصال أحمد الدغرني

فيما بين تيمور لنك ودونالد ترامب من اتصال
أحمد الدغرني

قبل عدة قرون بعث تيمورلنك رسالة للسلطان برقوق بن أنس بن عبد الله الشركسي (سمي ببرقوق بسبب نتوء في عينيه كما جاء في كتاب " شذرات الذهب" للفقيه والمؤرخ ابن العماد الحنبلي) والتي يقول فيها {{ اعلموا أنى جند الله مخلوقون من سخطه ومسلطون على من حل به غضبه، لن نَرِقَّ لشاكٍ ولن نرحم باكٍ، قد نزع الله الرحمة من قلوبنا فالويل ثم الويل لمن لم يكن من حزبنا ومن جهتنا، قد خربنا البلاد ويتمنا الأولاد وأظهرنا في الأرض فساد وذلت لها أعزتنا، فخيولنا سوابق ورماحنا خوارق وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال وجيوشنا كالرمال}}.
وفي أواخر ثمانينيات القرن الماضي يصرح الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في برنامج شهير تقدمه أوپرا وينفري: {{في الخليج يعيشون كالملوك وأفقر فرد خليجي قطري أو إماراتي أو كويتي أو سعودي يعيش مثل ملك، ومع ذلك فهم لا يدفعون لنا ونحن نساهم في استخراج وبيع وتوزيع نفطهم ونجعله أمرا ممكنا بالنسبة لهم، عليهم أن يدفعوا ٪ 25 من دخلهم. لقد تعبت من رؤية جعل الآخرين يعيشون كملوك أما نحن، فلا. لا أعرف إن كنت سأترشح للانتخابات الرئاسية، أظن سوف أفوز، في حياتي لا أدخل غمار شيء لأخسره، وإذا قررت القيام بذلك أعتقد أن فرصتي في الفوز كبيرة جدا. أعتقد أن المواطن الأمريكي قد مل من السرقة التي يتعرض لها وطنه، لن أعدكم بكل شيء لكني يمكن أن أخبركم شيئا واحدا: سوف يحصل هذا الوطن على الكثير من الأموال من هؤلاء الناس الذين استغلوا النفط لمدة 60 سنة. لن يكون الحال كما كان عليه من قبل، صدقيني}}.
لكن توماس فريدمان الصحفي الشهير بجريدة نيويورك تايمز قد توفق في وصف دونالد ترامب في مقاله المنشور في أوائل يونيو بالقول: {{نحن لم نعد الولايات المتحدة الأمريكية بل نحن الإمارة الأمريكية المتحدة، لدينا أمير اسمه دونالد ولدينا ولي عهد اسمه جاريد (يَقْصِدُ به صهر دونالد ترامب) وولية عهد اسمها إيڨان ومجلس شورى (شبهه بالكونغرس) يصادق على ما يريده الأمير، ومثل أي نظام ملكي لا ترى الأسرة أو العائلة الحاكمة أي تضارب في المصالح بين أعمالها الشخصية وأعمال الدولة}}.
قبل سنوات وفي مقابلة مع قائد أركان الجيش الأمريكي الجنرال دمبسي مارتين على قناة إحدى الشبكات التلفزيونية تحدث فيه وبوضوح عن السياسة الأميركية في منطقة الخليج والمعتمدة على سياسة الدائرة المنشطرة لقسمين نصف دائرة سني في مواجهة نصف دائرة شيعي، ونصف الدائرة الأول منه من تحقق بإسقاط العراق ومنه من ينتظر التحقق بإسقاط سوريا ولبنان ثم مصر، ويكون محور الخطة المتعمدة هو عدم استقرار المنطقة ككل لصالح أمن إسرائيل وضمان أمان وسلامة آبار البترول والغاز الطبيعي.
أمريكا انتخبت رجلا يعرف كيف يرفع الأسوار بينما احتاجت لمن يبني الجسور، نعم هكذا نجح ترامب، يقول مفكر أمريكي، رئيسا ثقيلا على صدر نصف الولايات المتحدة الأمريكية وثلاثة أرباع العالم. الرجل يمثل النزعة الأولى والميل الأساس حمائي بامتياز ومؤمن ورع بنظريات التفوق، أصبح زعيما لعالم الشمال وامتزج بسرعة قياسية في المؤسسة العميقة (البترول وبورصة المالية "الدولار عملة دولية لأنه يسيطر على المعاملات التجارية العالمية" وصناعة الأسلحة والمخابرات وصناعة الأدوية وصناعة السينما وتكنولوجيات مواقع التواصل الاجتماعي ...الخ.) حتى أضحى صوتا خالصا ومخلصا لرغباتها الدفينة.
دونالد ترامب يرى منطقة الخليج والشرق أرضا قد حان قطافها وأن على العم سام أن يضرب الشجر حتى تسقط الثمرة، يهدم بخطواته الثقيلة مع فريق من العسكر، الحانقين والغاضبين والكارهين، ما أمكن من جسور صنعت واقع الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجي. فلا الحليف الألماني والفرنسي ومعهما الأوربي سلم من دبلوماسيته الفظة ولا الخصوم من إعادة خلطة للقواعد والأصول والحدود والانخراط.
دونالد ترامب هو أول رئيس أمريكي اشتغل بالمال واستغل الإعلام، رئيس ليست لديه تجربة بالحكم لا يملك عمق الحكمة ليس فقط بالنسبة للسياسة الداخلية بل وحتى السياسة الخارجية، لم يكتب في حياته مقالا ولا كتابا، هو اشتهر بنجاحه كرجل أعمال مما يدفع لطرح العديد من الأسئلة حول مفهوم النجاح في هذه الحالة بالذات، دونالد ترامب هو أول رئيس يطبق نظرية العائلة والأسرة الحاكمة في قلب مكتب البيت الأبيض، فهو رئيس بابنة وصهر وزوجة وابن والكل ينشط في المال والأعمال والسياسة.
دونالد ترامب زعيم الحلف الأطلسي (حلف لم يعد من سبب لوجوده أصلا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي إلى دويلات) هشم جسد التحالف العتيق وأعاد إنتاج سياسة الاستعمار والاستعلاء، فأثار ألمانيا وأغضب إيطاليا وحرف أنظار الرئيس الفرنسي الجديد مانويل ماكرون نحو المستشارة أنجيلا ميركل، وبين هذا وذاك فاجأ الرئيس الأمريكي العالم بأسره بسياسته الروسية فسحب البساط من تحت أرجل التقارب وأعلنها خصومة.
أخيرا، التاريخ ليس حربا أو معاهدة اقتصادية أو مجرد نظام سلالي ملكي أو عائلة حاكمة تتبدد وأخرى تتمدد كما يقول المؤرخ الفرنسي مارك بلوش، بل إنه قبل كل شيء هوية ثقافية وحضارة إنسانية، وللذكرى التي قد تنفع الحكام والمحكومين فإن العملة الخالدة للساسة الأمريكيين تقول: أمريكا ليس لها صديق دائم وليس لها عدو دائم لكن لها مصلحة دائمة.
الإنسانية هي الحل