Nov 25, 2017لم يفاجئ ولي العهد الأمير السعودي محمد بن سلمان الإيرانيين حين وصف المرشد الأعلى الإيراني بأنه هتلر جديد في منطقة الشرق الأوسط، لأنهم يدركون جيداً كما يظهر في وسائل إعلامهم منذ إقصاء ولي العهد الأسبق مقرن بن عبد العزيز وتعيين محمد بن سلمان ولياً لولي العهد، أن عليهم أن يتحضروا للتعامل مع «صدام» جديد في المنطقة أسموه «صدامك» أي «صديِّم» وهو تصغير لاسم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. ولهذا جاء الرد من وزارة الخارجية على تصريحات ولي العهد السعودي قائلة: «لا أحد في العالم بات يعير أهمية لتصريحات الأمير محمد بن سلمان» وأضافت: «العالم لا يهتم لتصريحات محمد بن سلمان لأنها غير ناضجة وغير مدروسة وسخيفة».
لكنْ ما يمكن قوله في ضوء استمرار لهجة التصعيد من جانب السعودية، هو أن الأمير الذي يعمل كما هو واضح على إخراج العلاقات السعودية الإسرائيلية من السر إلى العلن، لم تكن تصريحاته لـ «نيويورك تايمز» وقوله إن خامنئي «هتلر جديد»،
إلا رسالة علنية هذه المرة عن طبيعة توجهاته فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل إذا اعتلى العرش والإقرار علانية بالتحالف الاستراتيجي الكامل بين بلاده وإسرائيل.
وإضافة إلى ما سبق وعودة رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري إلى لبنان، هل يمكن القول إن زمن الحرب بالوكالة بين إيران والسعودية قد انتهى، وأن هذه الحرب الكلامية التي يشنها بن سلمان على أعلى رمز في نظام الجمهورية الإسلامية هي بداية لحرب حقيقية لا تنتهي إلا بتغييرات جذرية تشهدها المنطقة؟
وإذا كان إتهام الحريري في خطاب استقالته الذي جاء من الرياض، طهران بالتدخل في شؤون لبنان واستغلال ذراعها العسكري «حزب الله» في زرع الفتنة في الشرق الأوسط، فشل في تحقيق الجزء الأساسي من الهدف من وراء تلك الاستقالة أي تفجير لبنان من الداخل وجر إيران إلى حرب مباشرة مع السعودية، تتطور بلا شك إلى حرب إقليمية واسعة، فهل نحن اليوم مقبلون على سيناريو جديد لهذه الحرب بين إيران والمملكة؟ خصوصاً وأن إيران وإن كانت «استسخفت» تصريحات بن سلمان، فإنها أطلقت من جانبها تصريحات غير مسبوقة عن اليمن عبر قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري أعرب فيها عن استعداد إيران تقديم الدعم لأنصار الله في حربه الدفاعية ضد السعودية قائلاً «في حال طلب الشعب اليمني الدعم والمساندة منا، فنحن في الحرس الثوري جاهزون».
وكان لافتاً أيضاً أن جعفري، حذر بشكل مباشر السعودية من مغبة التورط في أي حرب عدائية ضد ما سماه محور المقاومة قائلاً في إشارة واضحة إلى سوريا وحزب الله واليمن «إننا نتجنب الدخول في حرب مباشرة مع السعودية لأننا نفهم أن حربنا هي مع أمريكا وإسرائيل وليست مع عملائهما في المنطقة. لكنني أوصي السعوديين أن يوقفوا التعاون مع الاستكبار وينخرطوا مع شعوب المنطقة وإلا فإن شظايا جبهة المقاومة ستصيبهم».
جعفري كان حريصاً هذه المرة على ربط الصراع الإيراني السعودي، بكل الأزمة الراهنة بين إيران والولايات المتحدة التي يشكل البرنامج النووي الجزء الظاهر من جبل الجليد فيها، مشدداً على رفض أي تفاوض حول صواريخ إيران الباليستية ومشيراً أيضاً إلى أن سلاح حزب الله هو أيضاً غير قابل للتفاوض، بما يمكن النظر إليه كخطوة هجومية مقابل تراجع السعودية أو هزيمـتــها في لبنان حين اضطرت للإفراج عن الحريري الذي أعلن أنه «يتريث» في استقالته.
وقال جعفري وهو يعرب عن استعداد إيران رفع مستوى تدخلها في اليمن، وهو الأسلوب الذي اتبعته في سوريا عندما أعلن الحرس الثوري على لسان جعفري نفسه عن تواجده العسكري هناك بشكل تدريجي بدأ بالمعنوي ثم بالاستشاري ومن ثم تطور إلى إرسال متطوعين يقاتلون على الأرض، وهي رسالة إلى السعودية مفادها، إن «دعم إيران لمحور المقاومة يأتي بناء على طلب رسمي من شعوب وحكومات تلك الدول (بالطريقة السعودية نفسها حين شنت الحرب على اليمن لدعم شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي)»، موضحاً أن : «السيادة اليوم في اليمن بيد أنصار الله، والدعم الإيراني إذا طلب منها سيكون استشارياً ومعنوياً لا غير واليمن بحاجة إلى أكثر من ذلك، وأن الجمهورية الإسلامية لن تدخر جهداً في هذا الشأن».
انتحار أم رسائل متضاربة؟
في شباط/فبراير العام الماضي هاجم اللواء محمد علي جعفري، المملكة العربية السعودية، بعد إعلانها نية إرسال قوات برية ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «الدولة» الإسلامية في سوريا. وقال جعفري حينها إن إرسال السعودية لقوات برية إلى سوريا هو بمثابة «انتحار»، معتبراً أن المملكة ليست لديها الشجاعة للإقدام على مثل هذه الخطوة. واصفاً ذلك أنه سيكون بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على الرياض.
قبل ذلك بأيام كان المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، وجه رسالة إيجابية إلى السعودية في خطاب قال فيه إن ما حدث في السفارة السعودية كان «سيئا جدا» تسبب في «أضرار لإيران وللإسلام» في وقت برز فيه موقف مغاير تماماً من قائد الحرس الثوري الذي وجه للسعودية اتهامات لاذعة، بينها حماية إسرائيل.
فبالرغم من موقف خامنئي المرن جداً آنذاك من السعودية بعد حرق ممثلياتها في طهران ومشهد، وما تبعه من سحب عدة دول سفرائها وتخفيض دول أخرى تمثيلها الدبلوماسي، برز اتهام اللواء جعفري، للسعودية أنها أصبحت «درعا لحماية كيان الاحتلال الصهيوني» على حد قوله معتبرا أن المملكة «باتت العدو الأول» للجمهورية الإسلامية وأنها تحيك المؤامرات ضد النظام من داخل إيران. وصرح في تشرين الأول/أكتوبر من العام الفائت ان طهران لديها معلومات كاملة عن مؤامرة تدبرها السعودية حاليا للتنفيذ داخل إيران بالتعاون مع الكيان الصهيوني. وقال في كلمة ألقاها في مدينة بجنورد في مؤتمر الاحتفاء بشهداء محافظة خراسان الشمالية العام الماضي «إن آل سعود الخونة يحلمون بتدبير مؤامرة في الدول الشيعية ونحن لدينا معلومات كاملة ان آل سعود يسعون لتدبير مؤامرة في بلادنا بالتعاون مع الكيان الصهيوني» مضيفاً «أن الأعداء يتوهمون أنهم يستطيعون زعزعة الأمن في محافظاتنا الشرقية مثل سيستان وبلوشستان».
ودائماً ما يذكر الإيرانيون بما يسمونها حرب السعودية عليهم وهي (الحرب العراقية الإيرانية) التي يقولون شنتها السعودية مع دول عدة على إيران (بواسطة النظام العراقي السابق).
لكنْ قائد فيلق القدس للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني كان أكثر وضوحاً حين قال: «ننتظر ان تشن السعودية حربا علينا لكي نبني قبباً من الذهب للأئمة في البقيع»، ترجمه الرئيس الإيراني المحسوب على خط الاعتدال حسن روحاني بقوله وبشكل مباشر للسعوديين: «أنتم تعلمون قوة ومكانة إيران، ومن هم أكبر منكم لم يتمكنوا من فعل شيء ضد الشعب الإيراني»، مضيفاً: «واشنطن وعملاؤها سخّروا كل إمكاناتهم وقوتهم ولم يتمكنوا من فعل شيء ضد إيران».
التهديد مقابل التهديد
وكما هو واضح في تصريحات الإيرانيين الأخيرة، اختفاء لغة «الاحتواء» التي سادت بُعيد استقالة الحريري، حلت محلها لغة «التصعيد»، وقيل في هذا السياق إن المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يترأسه الرئيس روحاني ويضم قائد الحرس الثوري، اتفق على انتهاج هذه السياسة الجديدة مع السعودية وان لا تمر أي خطوة تصعيدية من جانب الرياض دون الرد عليها في طهران.
وبرز في هذا السياق أيضاً أن خامنئي قال وبعد ساعات فقط من تصريح اللواء جعفري بشأن الاستعداد لتقديم المزيد من الدعم الاستشاري والمعنوي للحوثيين في اليمن، إن إيران ستقدم الدعم إلى كل مكان في العالم يكون بحاجتها لمواجهة ما سماه بـ»الاستكبار»، مضيفاً أن «إيران وقفت وستقف في وجه مؤامرة الاستكبار الصهيونية الرامية لإثارة الحروب والنزاع بين المسلمين، وستنتصر في هذه المواجهة».
وشدد خامنئي الذي كان يرفض التدخل المباشر في البحرين والسعودية لدعم المعارضة في البلدين على القول هذه المرة: «رغم الضغوط الأمريكية، فإن جمهورية إيران الإسلامية حققت تقدماً وتطوراً مذهلاً ووقفت في وجه جبهة الاستكبار بقوة، ونعلنها بصراحة أن إيران ستقوم بدعم أي مكان بحاجتها لمواجهة الاستكبار».
ويرى عارفون أن هذا الموقف يأتي ردّاً متأخراً على تهديد من السعودية سابق كانت إيران قدمت بشأنه شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة رغم أنها كانت رأت في حينه أنه جاء في إطار الصراع الداخلي بين الأمير محمد بن سلمان وابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي أقيل من ولاية العهد لاحقاً.
فقد صرّح الأمير محمد بن سلمان في أيار/مايو أنه سيعمل على نقل المعركة إلى إيران.
أخيراً، فإن كل ما تقوم به السعودية من تصعيد ضد إيران إذا استمر فإنه يصب بالتأكيد لصالح الإيرانيين الذين يستنزفونها في اليمن. ويبقى التصعيد السعودي ضد إيران زوبعة في فنجان، إذا استمر فالخاسر الأكبر هو بن سلمان!