قراءة وإضاءة حول المعيار الشرعي رقم 26 بشأن التأمين الإسلامي (1)
د. عبد الباري مشعلد. عبد الباري مشعل
1. يتناول هذا المقال المعيار الشرعي للتأمين الإسلامي قراءة وإضاءة، ويتضمن المعيار أربعة عشر بندًا عدا تاريخ الإصدار والنبذة التاريخية ومستند الأحكام الشرعية والتعريفات، وهي حسب نطاق المعيار: تعريفه، وتكييفه، وخصائصه، ومبادئه، وأركانه، وأنواعه، وتمييزه عن التأمين التقليدي، ووضع الضوابط. وسيهتم هذا المقال بالقضايا النقاشية فقط.
2. التعريف: التأمين الإسلامي هو اتفاق أشخاص يتعرضون لأخطار معينة على تلافي الأضرار الناشئة عن هذه الأخطار، وذلك بدفع اشتراكات على أساس الالتزام بالتبرع، ويتكون من ذلك صندوق تأمين له حكم الشخصية الاعتبارية، وله ذمة مالية مستقلة، (صندوق) يتم منه التعويض عن الأضرار التي تلحق أحد المشتركين من جراء وقوع الأخطار المؤمن منها، وذلك ﹰطبقا للوائح والوثائق. ويتولى إدارة هذا الصندوق هيئة مختارة من حملة الوثائق، أو تديره شركة مساهمة بأجر تقوم بإدارة أعمال التأمين واستثمار موجودات الصندوق. وأما التأمين التقليدي فهو عقد معاوضة مالية يستهدف الربح من التأمين نفسه، وتطبق عليه أحكام المعاوضات المالية التي يؤثر فيها الغرر، وحكم التأمين التقليدي أنه محرم ﹰشرعا.
3. الإضاءة: نتحدث هنا عن صندوق تأمين يفترض أن يدار من المشتركين أنفسهم أو ما يسمى بهيئة المشتركين، أو من قبل شركة مساهمة استثمارية يكون في مقدمة أغراضها الرئيسة إدارة التأمين فضلاً عن استثمار رأس مالها واستثمار أرصدة الصندوق، وهو القائم حالياً في أغلب التطبيقات حول العالم. والمعروف بنموذج شركة الإدارة. وقد حدد المعيار خصائص للتأمين الإسلامي هي: دفع القسط على أساس الالتزام بالتبرع، الصندوق له شخصية اعتبارية، وذمة مالية مستقلة، ويكون صندوق التأمين مستقلاً عن حساب المساهمين في الشركة المديرة، التعويض يتم من الصندوق وليس من الشركة المديرة للصندوق، إدارة الصندوق تتم من خلال هيئة من المشتركين أو شركة كما ذكرت في مقدمة الإضاءة.
4. ويلاحظ أن الإشارة إلى إمكانية إدارة الصندوق من هيئة مكونة من المشتركين حملة الوثائق هو خيار نظري في الغالب، ولكن من الملائم ذكره لأنه هو الأصل، وهو مفهوم التأمين التبادلي أو التعاوني الوارد في قرار مجمع الرابطة الذي فصل هذا النوع من التأمين على أنه يؤسس لشرائح مختلفة من الناس وليس لكل الشرائح بحيث يكون هناك صندوق تأمين تعاوني على مستوى الأطباء، أو المهندسين، أو الموظفين في قطاع معين، وهكذا. أما النموذج القائم والأكثر انتشارًا فهو نموذج شركة لإدارة كما سبق ذكره.
5. ولكن أين يكمن التبرع بالمقارنة بالمعاوضة في التأمين التقليدي؟ الإجابة هي أن مآل رصيد صندوق التأمين عند التصفية يكون للأعمال الخيرية، ولا يكون للشركة المديرة أو للمشتركين القائمين عند التصفية، خلافًا للتأمين التقليدي حيث تؤول الأقساط دائمًا إلى المساهمين في الشركة، والملتزم بالتعويض دائمًا هو الشركة وليس الصندوق كما في التأمين الإسلامي. في التطبيق لا يمكن الحديث عن شخصية اعتبارية إذا لم يدعم قانون التأمين ذلك، ولذا نجد في البلدان التي تواجه إشكالاً في ذلك لجأت إلى تأسيس صندوق التأمين على أساس الوقف الإسلامي فتكون له شخصية مستقلة ابتداءً.
6. وتثار شبهة حول مفهوم التبرع هنا ما دام أن المشترك يدفع الاشتراك على سبيل الالتزام بالتبرع في مقابل التزام من الصندوق بالتعويض عند حدوثه. هذه هي التي دفعت مجمع الفقه الإسلامية في قرار المفصل عن التأمين الذي صدر في دورة الرياض إلى استعمال مصطلح التعاون، فهو أعم من التبرع.
7. العلاقة بين الشركة المديرة والصندوق: العلاقة بين الشــركة وبين صندوق حملة الوثائق هي علاقة الوكالة من حيث الإدارة، أما من حيث الاســتثمار فهي علاقــة مضاربة، أو وكالة بالاستثمار.
8. الإضاءة: هناك علاقتان الأولى تتعلق بإدارة أعمال التأمين؛ وهنا تكون الشركة المديرة وكيلاً بأجر عن الصندوق الذي يتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة، ويبدو لي أنها علاقة إجارة على أعمال محددة تتعلق بالتأمين، لأن الشركة المديرة إنما تدير الصندوق كما يقوم أي مجلس إدارة بإدارة الشركة المساهمة، وبالتالي يمثل الشركة المساهمة أمام الغير كمدير أجير في هذه الشركة. وربما يصح القول بالوكالة بأجر إذا كان الشركة المديرة وكيلة عن المشتركين في الصندوق والأمر ليس كذلك لاستقلال الشخصية الاعتبارية للصندوق عن المشتركين. ولقد شاع تكييف القيام بأعمال الإدارة على أساس الوكالة وهنا ألف النظر إلى أن التكييف بالإجارة أكثر دقة. والله أعلم.
9. وأما العلاقة الثانية، فتتعلق باستثمار أموال الصندوق، وتتم طبقًا لعقد الوكالة باجر، أو عقد المضاربة، والفرق بينهما، أن الوكيل يأخذ أجره بصرف النظر عن نتائج الاستثمار بينما تكون أتعاب المضارب بحصة من الربح الناتج.
10. ويجب التأكيد في العلاقتين المذكورتين؛ علاقة الإدارة، وعلاقة الاستثمار على ضوابط الحوكمة الشرعية والفنية، بحيث لا تخضع تصرفات الشركة المديرة لضوابط التعدي والتقصير، كما يجب أن تكون أجورها وعوائدها من هذه العمليات في حدود أجر المثل، وربح المثل، وعلى الجهات الرقابية والإشرافية أن تتنبه لوضع تعليمات خاصة ومباشرة تضبط هذه المنطقة التي تمارس فيها الشركة المديرة في الجملة طرفي العقد. وقد يشار في بعض التطبيقات إلى دورة لهيئة الرقابة الشرعية في هذا الجانب، ولكنه في نظري غير كاف، ولا يغني عن دور مباشر للسلطات الإشرافية