منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  د.حسان ابوعرقوب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالأربعاء 11 يوليو 2018, 5:59 am

من قصص العاشقين 

قصص العاشقين لا تنتهي، فمن بدء الخليقة وهذا الإنسان يحب ويبغض، وقد حفِظت الأمم المختلفة قصص حبها وحربها؛ لتكون عظة للأجيال اللاحقة؛ لأن الحب والكره لا نهاية لهما؛ لأنهما جزء من الإنسان.
ومن غرائب قصص العاشقين نتعلم كم هو ضعيف وفقير هذا الإنسان، وأنه مهما علت رتبته، أو زاد ماله، لا يليق به أن يتكبر أو يتجبّر؛ لأن قلبه الذي في صدره قد يُسبّب له آلامًا لا يعرف حجمها إلا الله تعالى؛ لأن قلب الإنسان إذا عشق وهوى، ففي نار الحب اكتوى.
وقد سمعنا من التاريخ قصصا عجيبة في العشق والغرام، ومن ذلك قصة عنترة بن شداد العبسي وابنة عمه عبلة بنت مالك. ومع أن عنترة كان من الفرسان الأبطال، إلا أنه كان ابن جارية، وكان أسود اللون، ونظرا للتمييز الطبقي الذي كان عند العرب، كان من العسير أن يتمّ جمع شمل هذين العاشقين، ومما قاله عنترة في حب عبلة:
يا عَبلَ إِنَّ هَواكِ قَد جازَ المَدى
وَأَنا المُعَنّى فيكِ مِن دونِ الوَرى
يا عَبلَ حُبُّكِ في عِظامي مَع دَمي
لَمّا جَرَت روحي بِجِسمي قَد جَرى
وَلَقَد عَلِقتُ بِذَيلِ مَن فَخَرَت بِهِ
عَبسٌ وَسَيفُ أَبيهِ أَفنى حِميَرا
يا شَأسُ جِرني مِن غَرامٍ قاتِلٍ
أَبَداً أَزيدُ بِهِ غَراماً مُسعَرا
 والقصة الثانية من بطولة قيس بن الملوّح وليلى العامريّة، حيث لم يتوّج هذا العشق بينهما باللقاء والزواج؛ لأن من عادة العرب ألا تزوج من اشتهرا بالحب وذاع صيتهما به، لذلك ظل قيس حزينا على عشقه الذي فقده ورحل عنه، وصار ينشد القصائد في محبوبته هائما على وجهه، حتى لقب بالمجنون، وصارت القصة مثالا للعاشقين. وممّا روي من قصص قيس المجنون أنه في يوم من الأيام يسير مع بعض أصحابه، ورأى كلباً صغيراً فأخذه ووضعه في أحضانه وأخذ يمسح عليه بعطف وحنان، فلامه أصحابه على ما فعل فقال لهم:
رأىَ المجنون في البيداء كلباً
فمـدَّ له مِـن الإحسان ذيـلا
فلامـوه عـلى مـا كــان مـنه
وقالوا لم منحت الكلب نَـيلا
فـقال دعوا الملامة إنَّ عيني
رأتـه مــرّة فـي حـيِّ ليــلىَ
ومن الناس من سما حبهم عن البشر ليتعلقوا برب البشر وخالقهم، فدخلوا باب الحب الإلهي، وصاروا نماذج تقتدى فيه، ومن هؤلاء: رابعة بنت إسماعيل العدوي، المعروفة بـ رابعة العدوية، التي ولدت بالبصرة، ودفنت بجبل الزيتون بالقدس الشريف، ومن أشعارها:
عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك
واغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك
وكنت أناجيـــك يـــا من تــرى
خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك
أحبــك حـبـيــن حـب الهـــــوى
وحــبـا لأنـــك أهــل لـذاك
فــأما الــذي هــو حب الهــــوى
فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك
وأمــا الـــذي أنــت أهــل لـه
فكـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك
فـلا الحمد فـي ذا ولا ذاك لـي
ولـكـن لك الـحـمـد فـــي ذا وذاك
أحبــك حـبـيـن.. حــب الهـــوى
وحـبـا لأنـــك أهـــل لـــذاك
وممن اشتهروا بالحب الإلهي، عمر ابن الفارض، سلطان العاشقين، كان والده من حماة بسوريا ثم انتقل إلى مصر حيث ولد عمر، وبجبل المقطم دفن، ومن أشعاره:
قـلـبي يُـحدثُني بأنك مُـتلفِي
روحـي فِداك، عرَفت أم لم تعرفِ
لم أقضِ حق هواكَ إن كنتَ الذي
لـم أقـض فيه أسى ومثلي مَن يفي
مـا لي سوى روحي وباذلُ نفسه
فـي حب من يهواه ليس بمسرفِ
فـلئن رضـيتَ بها فقد أسعفتني
يـا خيبة المسعى إذا لم تسعفِ


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الخميس 02 أغسطس 2018, 1:06 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالأحد 15 يوليو 2018, 6:10 am

ومِن الحبِّ ما قتل  -   د.حسان ابوعرقوب


في إحدى المدن العربية أراد شاب خطبة فتاة يحبها، ولكنّ والده رفض بسبب الظروف المادية الصعبة التي تمنعه من إقامة تكاليف الخطبة والزواج، فاشترى الشاب مسدسًا ووقف على باب بيت والده يرجوه أن يستجيبَ لطلبه بخطبة البنت التي أحبها أو أنه سيطلق الرصاص على نفسه. لم يحرك الوالد ساكنا، فقام الشاب بإطلاق الرصاص على نفسه، ومات منتحرًا. غريبة هذه القصة، كيف يمكن للإنسان أن يموت من أجل الحب؟ (لستُ أروّج للفكرة  فأنا أرويها مع التأكيد على أن الانتحار حرام في الإسلام، وخطيئة في المسيحية).
إنه أمر عجيب أن نجد من يموت لأجل الحب في زماننا، حيث نجد الملايين يموتون بسبب الكره، والحقد، والتنافس، من خلال الحروب التي اشتعلت بين الشعوب والأمم. الحرب تحتاج إلى كره يعمي صاحبه عن رؤية الحق، ويصمّه عن الاستماع لصوت العقل، حتى يفيض بالغيظ والحقد، ولا يرى خلاصه وراحته إلا في قتل الآخر الذي اتخذه عدوا.
تُروى حكايات كثيرة في التاريخ عن أشخاص ماتوا من شدة الحب، ومنها ما رواه ابنُ سِيرِين أن عبد الله بن العجلان خرج في الْجَاهِلِيَّة هائمًا على وجهه لَا يدْرِي أَين يذهب فَقَالَ:
أَلا إِن هندا أَصبَحت مِنْك محرما ... وأصبحت من أدنى حموتها حما
فَأَصْبَحت كالمغمود جفن سلاحه ... يقلب بالكفين قوسا وأسهما
ثمَّ مدّ بهما صَوته فَمَاتَ قَالَ ابن سِيرِين: فَمَا سَمِعت أَن أحدا مَاتَ عشقا غير هَذَا، وعدم سماع ابن سيرين لا يعني أن هذا الحدث لم يتكرر، ولهذا قال صاحب كتاب (نهاية الأرب في فنون الأدب): « وأما من قتله العشق فكثير جدّا لا يكاد يُحصر».
ونجد الشاعر كعب بن جعيل يصف لقاء الحبيب بمحبوبته بإنسان أرهقه العطش وكاد يقتله، فلما رأى الماء ظل يشرب منه ولم يتركه حتى تشقق بطنه من شدة الامتلاء ومات، وهذا معنى قوله:
وكان وإياها كحرّان لم يفق   عن الماء إذ لاقاه حتى تقدّدا
فكما أن جفاء المحبوب يسبب الموت حزنًا، فإن وصله قد يميت فرحًا وسرورًا، بل إن بعض العشاق قد تعجب من بقاء العاشقين والمحبين، وكأنه يرى أن الأصل في المحبّ الموت لا الحياة، ويروى في هذا أن فتية  أقبلوا على ابن عباس عشية عرفة يحملون عروة بن حزام العذريّ في كساء، وهو ناحل البدن، فوضعوه بين يديه ثم قالوا: استشف لهذا يا ابن عمّ رسول الله، فقال: وما به؟ فترنم عروة بصوت ضعيف خفىّ الأنين، وهو يقول:
بنا من جوى الأحزان والحبّ لوعة ... تكاد لها نفس الشّفيق تذوب
وما عجب موت المحبّين في الهوى؛ ... ولكن بقاء العاشقين عجيب
ثم حمل فمات في أيديهم، فقال ابن عباس: هذا قتيل الحبّ، لا عقل ولا قود (أي لا دية فيه ولا قصاص).
وقد مرض أبو عبد الله الجيشاني بسبب حبه لصفراء العلاقمية، التي يصفها المؤرخون بأنها كانت جارية سوداء، فطلب بعض أهله من سيدها أن يرسل صفراء إلى أبي عبد الله لعله يشفى إن رآها، ففعل. فلما دخلت عليه قالت له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: بخير ما لم تبرحي، قالت: ما تشتهي؟ قال: قربك، قالت: ما تشتكي؟ قال: حبّك، قالت: فتوصى بشيء؟ قال: نعم، أوصى بك إن قبلوا مني، فقالت: إني أريد الانصراف، قال: فتعجلي ثواب الصلاة عليّ، فقامت فانصرفت، فلما رآها مولية تنفس الصعداء، ومات من ساعته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالأربعاء 25 يوليو 2018, 5:54 am

[size=30]من عقدنا النفسية[/size]


مما يلحظه المتابع للشأن العربي أننا نعاني من (عقدة الواحد)، فنحن نريد قائدا مميزا ينشلنا من دركات الحضارة، ليصعد بنا في درجاتها إلى القمة، ونريد اللاعب الذي يحقق النصر للفريق، والقائد الذي ينتصر في الحروب، ورئيس وزراء يحقق الرفاه الاقتصادي، ونريد المعلم الموسوعة الذي يجيب عن كل سؤال...الخ.
عقدة الواحد أو من الجائز أن نسميها عقد المخلص، حيث نحتاج دائما إلى شخص واحد مخلص تقضى به الحوائج، وتنال به الرغائب. ولا أعلم من أين جاءتنا هذه الفكرة، وكيف رسخت في عقولنا، حتى صارت هوسا ومرضا؛ فنحن دائما ننتظر المخلص الأوحد، ونعيش على أمل اللقاء به، والحظوة بحضور عصره، والتنعم بالرفاه الذي يحققه، نحلم بذلك، فترانا ننام حتى نرى تلك الأحلام الوردية الجميلة، وبطبيعة الحال من نام لا يعمل، فنحن لا نعمل لأننا ننتظر ونحلم، حتى صار الانتظار هو المهمة المقدسة للجميع؛ وكما كان يقول أجدادناSadانتظار الفرج عبادة) وكم مارسنا ونمارس هذه العبادة باحتراف شديد.
إننا نقوم بهذا السلوك بشكل يومي ومستمر، ففي إطار حديثنا عن الماضي، نتكلم مثلا عن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى، وعن بطولاته، وكأنه كان يحارب الفرنجة وحده، وكأنه دخل بيت المقدس فاتحا وحده لا ثاني له.
وكذلك عند حديثنا عن محمد الفاتح رحمه الله تعالى الذي فتح القسطنطينية، وكأنه قام بعملية الفتح وحده، مع أن الثناء من النبي صل الله عليه وسلم جاء لقائد الجيش وللجيش الفاتح (لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش). لكن من شدة غفلتنا عن المجموع في كل من المثالين السابقين؛ فإن كثرا منا، لا يعرف أسماء قادة تحرير القدس الذين صاحبوا صلاح الدين، ولا قادة الفتح الذي صاحبوا محمد الفاتح. 
ومثله يقال في فريق كرة القدم، فمحمد صلاح هو الفريق المصري، ورونالدو يُختزل فيه فريق البرتغال، وميسي وحده يعني المنتخب الأرجنتيني، وكأنّ كلّ واحد منهم يلعب وحده بغض الطرف عن عشرة لاعبين يتفانون في اللعب معهم.
إنه خلل مخيف في ثقافتنا أن تكون كل الأشياء تعتمد على شخص واحد جاء أو ننتظر مجيئه، وأن تنسب الأشياء له وحده غافلين عمن حوله، مما عزّز ثقافة أخرى أكثر بشاعة من الأولى، وهي ثقافة الاستبداد والتفرد، حيث صار كل واحد يظنّ نفسه المخلص والمنتظر، هو وحده لا أحد سواه، فانتقل من البشرية لحيّز الألوهية، فهو المستبد الآمر الناهي الذي لا يعصى أمره، ولا يعترض على رأيه، لا يُسأل عما يفعل، والاعتراض عليه كفر بالإصلاح، ومخالفته فجور، ومعارضته ردة عن النهج الصحيح. فنحن من خلال ثقافة الواح أو المخلً قد أوجنا ثقافة الاستبداد بأنفسنا والتي تزيد من مشاكلنا ولا تحلها.
 إذن ما الحل؟ الحل في أن نعزز ثقافة العمل الجماعي، والروح الجماعية كي تكون هي الثقافة السائدة، لتحل محل ثقافة الواحد، ولا بدّ لنا من مباشرة العمل في حل قضايانا ومشاكلنا دون انتظار لأحد غائب، كما علينا أن نزيد من جرعة الثقة بالنفس إذا عملنا كفريق واحد متناسق، وأننا بعملنا الجماعي سننجز أكثر مما ينجزه الفرد الواحد، وأن نعمل على تقدير الجميع والمجموع، لا قائد المجموعة أو المدير أو الرئيس؛ لأن الكلّ عمل، فالكل يستحق المكافأة والثناء.
لا أقلل من قيمة القائد وأهمية دوره في أي عمل، وأعلم أن للقيادة الموهوبة والناجحة دورًا بالغ الأهمية، ولكنْ أن نحصر الدور فيها وحدها فهذا ما لا ينبغي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالخميس 02 أغسطس 2018, 1:08 am

متلازمة ازدواجية الأخلاق



عندما يتحدث (خالد) مع زوجته قبل الخروج ينبهها: انتبهي لحجابك ينبغي أن يسترَ أسفل الذقَن، واحكمي لفّه كي لا تتسرب منه شعرات إلى نظر المتربّصين. ربما عند الوهلة الأولى نظن هذا الشخص ملتزما دينيا وغيورا على زوجته، وذلك لأنه يهتم بأدقّ التفاصيل، مما يدلُّ على ورعه وتقواه، وخوفه من الله، وما أجملَ التقوى!
يجلس (خالد) في متجره يوميَا، ولا يرى بأسا في أن يبيع السلع منتهية الصلاحية بعد العبث بتواريخها، كما لا يرى مشكلة في مضاعفة الأثمان على الناس، كما أنه يحلف يوميًا مئات الأيمان الكاذبة ليروّج سلعته، فيقول: واللهِ هذا أمريكي، وهو يعلم أنه محليّ الصنع، وأنّ العلامات الموجودة على السلعة مزوّرة.
ما الشخصية الحقيقية لهذا الإنسان، أهي التي يُظهر فيها التزمُّت والالتزام، أم التي يُظهر فيها عدم مبالاته بكل تعاليم الدين من الناحية التجارية؟ هل هو ملتزم بأحكام الدين والأخلاق أو غير ملتزم؟
تمضي (فتون) يومها مدافعة عن حقوق الإنسان، ولا تكاد تسمع منها جملة إلا ويسبقها أو يليها كلمة حقوق الإنسان، كما أنها تدرّب على العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. ولا تملُّ من انتقاد السياسات الحكومية ووصفها بأنها بعيدة عن مراعاة حقوق الإنسان التي تحفظ كرامته، ما أروعَ أن يكون للإنسان قضية ينذر حياته لأجلها! تعود فتون إلى منزلها، وتبدأ بإرسال الأوامر المتتالية إلى خادمتها غير العربية، فإذا تأخرت الخادمة في تنفيذ أمر من سلسة الأوامر المتلاحقة، انهالت (فتون) عليها بالشتائم وقبيح الكلام، ويصل الأمر إلى الضرب في بعض الأحيان، أو حرمان الخادمة من الطعام، أو حبسها في دورة المياه، أو تأخير دفع الأجرة والمماطلة في ذلك.
ما الشخصية الحقيقية لهذه الإنسانة، أهي حقا ليبرالية مدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان، أم أنها مجرد وظيفة ومصدر للرزق؟ لأنّ ما تفعله بالخادمة المسكينة يتناقض مع حقوق الحيوان.
النموذجان السابقان يتكرران في حياتنا كلّ يوم تقريبا، ويحار الإنسان في تحديد نمط الشخصية التي أمامه، ويتعجب من الأنماط السلوكية المزدوجة، التي من الصعب الجمع بينها.
يمكننا أن نفسِّر الظاهرة السابقة بمتلازمة ازدواجية الأخلاق، أو بفصام في الشخصية. فازدواجية الأخلاق تعني أن هذا الإنسان الذي يمارس الأخلاق المتناقضة لم يعد يستند إلى أصول ومبادئ، بل الذي يحدد له الخلق المتبع هو مصلحته أو هواه، أو ما يراه، بعيدًا عن المرجعية الواحدة التي يوهم الناس أنه يستند إليها. أو هو فصام في الشخصية، بحيث يعيش الإنسان في بيته بشخصية، ويعيش خارجه بشخصية أخرى لا تعرف عن الأولى شيئا، لكن بوعي وعن قصد. ويمكننا أن نصف هذا النمط من الناس بالتجار، حيث يتاجر أحدهم بالدين، بينما يتاجر الآخر بالليبرالية وحقوق الإنسان.
يذكرني ما سبق بثلاثية القاهرة لنجيب محفوظ،  ففي روايتيه (بين القصرين، وقصر الشوق) يقفز إلى الأذهان السيد أحمد عبد الجواد (سي السيّد)، التاجر ذو الشخصيتين: ففي المنزل هو الزوج الحازم، والأب الصارم، صاحب الهيبة والجبروت، والمحافظ على أداء الصلوات والعبادات. وخارج المنزل هو الصديق المرح، الذي يسهر كل ليلة مع أصدقائه الثلاثة، بين السُّكر، والرقص، والمومسات.
كثيرا ما يتكرر نموذج (سي السيد) حتى صار واقعًا مرًّا في المجتمع، التقطه قلم المبدع نجيب محفوظ، وحفره في ذاكرة القراء، ليقدم أدبًا روائيًا من الواقع الاجتماعي عن تناقضات الإنسان، وازدواجية أخلاقه.
ملاحظة: الأسماء الواردة في المقال (خالد) و(فتون) وهمية، ولكنّ الوقائع حقيقية بكل تفاصيلها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالخميس 02 أغسطس 2018, 1:11 am

عندما يتكلم الدينار

نظر (زهير) إلى دينار يتيم في يده، وصار يتأمله ويقلبه، حتى أخذته سنة من النوم، ورأى في منامه أنه لا يزال يقلب الدينار، فاتصلت اليقظة بالمنام، وفجأة تكلم (الوجه الأول) للدينار فقال:  أنا من يلهث أبناء الدنيا ورائي فيضيّعون آخرتهم من أجلي، أنا من  يتحاشاني أهل التقوى والزهد. أنا من يولّد بين الناس العداوة والبغضاء، وبسببي يحسد الجار جاره، ويترك الزوج أهله وداره. أنا فتنة حيث سرت ومشيت. أنا من يجعلك غافلا عن الله، لاهيا في الدنيا، بعيدا عن الآخرة. أنا زينة ملهية للعباد، أنا من طلقني الزهاد، أنا من يميل بالإنسان عن طريق الحق والصواب، وبسببي مال ميزان العدل بين الناس. أنا من يعبدني فريق من الناس من دون الله القهار، ألم يقل نبينا المختار: (تَعِسَ عبدُ الدرهم، تَعِسَ عبدُ الدينار).
محبتي أصل كل الشرور؛ لأجلي ترتكب الفواحش والخطايا، فأنا طريق المعصية، تشقى في جمعي لدنياك، ولا أقدر على البقاء معك، بموتك يتقاسمني زوجك وأولادك. من أجلي تتعب، وأنا أريح غيرك. تعمل من أجلي كثيرا، وأنتقل إلى غيرك سريعا، فأنا قليل الوفاء، لا أعرف الأصدقاء. إذا دخلت قلبك استوليت عليه وجعلته عبدا لي، لا يرى في الكون غيري، ألهيتك عن زوجك وأولادك، وجعلتك تتعشّقني أكثر من ذاتك. جلبت لك الحسد والحقد من الناس، فأنا سبب طمعهم فيك، واعتدائهم عليك. يدخل اللصوص دارك بحثا عني، وربما قتلوك لأجلي، فأنا سبب هلاكك وفنائك.
ثم قلب (زهير) الدينار على (وجهه الثاني) ليسمعه يقول: أنا من منحك القوة والنفوذ والسيطرة. من أجلي يحترمك الناس، ولخاطري تنحني لك  الرؤوس، ولرائحتي يتقرب إليك البشر ويمدحونك –زورا- بما ليس فيك، أنا من صنع لك قيمة بين الناس، ولولاي ما ألقى إنسيٌّ عليك التحية أو السلام.
أتنقلُ بين الأيادي والجيوب، ويقبّلني من يحملني، ولا يقرف أو ينفر مني أحد مع كثرة تقلبي بين الناس. حيثما نزلتُ وُجد الغنى والعز والفخر، فإذا حملتُ أمتعي ورحلت، حلّتِ المذلة والفقر.  إن دخلت بأي عمل أنْجِز، لا أعرف عرفا ولا شرعًا ولا قانونا، شريعتي مني وقانوني نافذ على الجميع، لا أعرف كلمة (لا)، فسحري أشدّ قوة مما صنعه سحرة فرعون، فهو يسلب الألباب والأبصار. بي تفتح الأبواب المغلقة، وتشترى السعادة المطلقة، وينام صاحبي قرير العين، مرتاح البال، فأنا الضمير وراحته، وإذا تحدثت صمت الجميع، فأنا القوة المخيفة، أنا الأهل والعشيرة.
لأجلي يتعب الإنسان، فينال شرف قبولي زيارته، وبزيارتي تتمُّ سعادته، فإن فارقت داره حلت الشقاوة به وبأسرته. أنا نصير صاحبي فلا يعرف الهزيمة بنصرتي، أنا من يشتري الذمم، والأفكار، والمواقف، والعقول.  أنا سبب رخاء النبلاء. بي تنتصر الجيوش، ويخرج الأسرى، ومن أجلي تزهق الأرواح. وفي سبيل يُعادي الولد أباه وينسى أمه ويقاطع أخاه. قدرتي لا حدّ لها، والكل يضعف أمامها، يحرص الجميع على إخفائي، كي أبقى ولا أرتحل، لأنني من يعمّر الديار، أجلب الطعام والدواء والكساء، فأنا أقوم بكلّ شيء، ولأجل الحصول عليّ يفعل الناس أيّ شيء، فأنا الاستقرار، والأمن والأمان، أنا الحاضر والمستقبل.
أنا من يمسح ذنوب الأغنياء، ويستر عيوب الأثرياء، وأحقق لهم كل مرغوب. الحق حيث وُجِدت، والعدالة حيث أقف، ولا يُرفض لي قرار، لأنني الدينار. استيقظ (زهير) من منامه، وهو يقلب الدينار بيديه ويقول: سبحان الله العزيز الجبار، يهب الملك لمن يشاء!.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالأحد 19 أغسطس 2018, 11:12 am

أقلام قتلت أصحابها
د.حسان ابوعرقوب

للقلم قيمته ورمزيته وثقله، فهو عنوان العلم، ورمز البيان، وشعار العلماء والأدباء، به أقسم أربنا، فدلّ على مكانته المرموقة عند المؤمنين.
بهذا القلم ارتفع أناس من حضيض الفقر إلى قمة الغنى، ومن أرض الجهل إلى سماء العلم، ومن غياهب الظلام إلى شعاع النور، وبه نال الكتاب المنازل العليا، والمكانة الرفيعة.
ولكن هذا القلم قد يسبب لصاحبه المتاعب والشقاء، فيدخله السجن تارة، ويعرضه لمحاولة اغتيال تارة أخرى. فكما أن القلم قادر أن يدخل صاحبه إلى القصور، هو قادر أيضا أن يجعله من أهل القبور.
ومن أدبنا القديم نعرف قصة أبي الطيب المتنبي الشاعر الذي قتله شعره، حيث هجا بأبيات لاذعة وقاسية ضبة بن يزيد العتبي، وهو قاطع طريق، غادر، بذيء اللسان، هجاه المتنبي بقصيدة كان بعض أبياتها من البذاءة بحيث سيبادر مقص أي رقيب إلى إجراءاته الجراحية معها، حذرا من خدش حياء القراء، وسأذكر ما يمكن أن يذكر منها:
ما أَنصَفَ القَومُ ضَبَّه وَأُمَّهُ الطُرطُبَّه  
رَمَوا بِرَأسِ أَبيهِ وَباكَوا الأُمَّ غُلبَه  
فَلا بِمَن ماتَ فَخرٌ وَلا بِمَن عاش رَغبَه  
وَما عَلَيكَ مِنَ القَت لِ إِنَّما هِيَ ضَربَه  
وَما عَلَيكَ مِنَ الغَد رِ إِنَّما هُوَ سُبَّه  
وَما يَشُقُّ عَلى الكَل بِ أَن يَكونَ اِبنَ كَلبَه  
فقام فاتك الأسدي (خال ضبة) بالانتقام لأخته وابنها فاعترض طريق أبي الطيب المتنبي بمجموعة كبيرة من الرجال، ولما رأى المتنبي هذا العدد عزم على الفرار، فقال له غلامه: لا يتحدث عنك الناس بالفرار وأنت القائل:
الخيل والليل والبداء تعرفني..والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فكرّ المتنبي راجعا، وقاتل حتى قتل سنة (354هـ).
وربما تغيرت الأسباب والأزمان، ولكن الموت واحد، فالأقلام كانت ولا تزال سببا في سرور بعض الناس وغضب آخرين، فيقوم الغضبان باغتيال صاحب القلم، تعبيرا عن كرهه للقلم وصاحبه.
ومن الذين اغتيلوا بسبب أقلامهم، الروائي والقاص والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني، الذي رسم القضية الفلسطينية برواياته وقصصه، فلا تزال هذه اللوحة في ذاكرة الأدب العربي، وهذا ما لا يريده المحتلون. وكان من أبرز رواياته (عائد إلى حيفا) التي نشرت عام 1969م، التي ترجمت إلى اللغات: الإنجليزية، واليابانية، والروسية، والفارسية. كما قدمت هذه الرواية على شكل فيلم سينمائي، ومسلسل تلفزيوني، ومسرحية. وفي عام 1972م، بعد أن شكّل غسان ثورة في قصة، وسلاحا في رواية تم اغتياله بيد (الموساد) بتفجير سيارته في بيروت، وكان عمره 36 عاما.
وكذلك للرسم بالقلم نصيب من هذه النهايات المأساوية، وهنا نتحدث عن رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، الذي ابتدع شخصية حنظلة في عام 1969م في الكويت، وحنظلة صبي في العاشرة يدير ظهره للناس، ويعقد يديه خلف ظهره، إشارة للفلسطيني المعذّب والقوي في نفس الوقت. رسم ناجي ما يزيد عن أربعين ألف رسم كاريكاتوري، كان يجسد بها القضية الفلسطينية، وينتقد قادة الفصائل العاملة في الساحة الثورية بكل حدة وشدة، حتى وُجّهت له رسالة مفادها: لقد تجاوزت كل الخطوط الحمراء. وكان ناجي عنيدا في الحق، فلم يلتفت لهذه الرسالة ولا لغيرها، وفي 22/7/1987م، أطلق شاب الرصاص على ناجي في أحد شوارع لندن، لتستقر تحت عينه اليمنى، ويبقى في غيبوبة حتى أسلم روحه في 29/8/ 1987م.
هذه حصائد ما سطرته الأقلام، شعرا كان أو نثرا، أو حتى رسوما كاريكاتورية، فبعض الناس لا يحتمل الحبر الذي يسيل من هذه الأقلام، فيردّ على الحبر الأسود بجواب كُتب بالدم الأحمر، والمسألة كلها ألوان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالأحد 02 سبتمبر 2018, 5:40 am

اعتراض وجواب
د.حسان ابوعرقوب

يقول أحدهم معترضا: (إن الإسلام دين يميّز بين البشر، ومثال ذلك: العبيد وأحكامهم، ثم نظام الجزية وعقد الذمة ضد أهل الكتاب، ثم الحروب الطائفية، فالإسلام سبب في كل هذه المشاكل) وللجواب عن الاعتراض السابق أقول:
انتقل الإسلام بالعرب من مبدأ القبلية وأحكامها إلى نظام الدولة التي تحترم التعددية الدينية والاختلاف العرقي ولا تقوم على أي نوع من أنواع التمييز ضد الإنسان. فالكرامة الإنسانية هي الأساس في التعامل مع الناس.
ومن هنا مُنع الثأر محافظة على الأرواح، ومُنع الربا محافظة على  الأموال، وشرعت المساواة بين الناس، فالنفس بالنفس، والعين بالعين والسن بالسن، ومُنع كل أشكال التمييز بين البشر، فالأتقى هو الأقرب إلى الله، والتقوى في القلب لا يطلع عليها سواه.
وقد جاء الإسلام ونظام العبودية سائد في العالم كله، فعمل الإسلام على احترام هذا الإنسان أولا ومنْع من امتهانه، ثم عمل من خلال تشريعاته العملية المنظمة إلى تضييق مداخل العبودية وتوسيع مخارجها، للقضاء على هذا النظام تدريجيا مع مرور الزمن، وقد حصل هذا الأمر.
كما عمل الإسلام على دمج المخالفين لعقائده ضمن إطار الدولة الإسلامية من خلال نظام (الجزية) أو (عقد الذمة) وهو نظام إداري يهدف إلى عدم قتال المخالفين في العقيدة، ويعمل على احترام حريتهم في اختياراتهم الدينية، على أن يدفعوا مساهمة مالية بسيطة مقابل الحماية والبناء. بينما نجد الدول في تلك الفترة لا تقبل المخالف في المذهب وتقتله، فكيف المخالف في الدين!  فنظام (الذمة) منع القتل، وحافظ على هوية الآخرين وحقوقهم، مع إشراكهم ماليا في الحماية والبناء والإعمار. علمًا أن تلك المساهمة المالية لا ترقى إلى نسبة الزكاة التي يدفعها المسلم، حماية لهم من الاضطهاد. كما تتسع في (الجزية) شريحة الإعفاءات، فلا يدفعها الشيخ الفاني، والزّمِن، والأعمى، والمريض الذي لا يرجى شفاؤه، ورهبان الصوامع والأديرة، مع أن من يوازي هؤلاء ويشابههم من المسلمين يدفعون الزكاة ولا يعفون منها. ونظام (الجزية) لم يبتدعه المسلمون أصلا بل كان سائدا في ذلك الزمان، ولكن المسلمين عملوا على تحسينه، فبدل أن يكون سببا في نبذ الآخر وإرهاقه ماليا، جعلوه سببا في انتماء الآخر واندماجه في المجتمع الجديد، مع محافظته على عقيدته وشعائره الدينية. حيث ينتقل المجتمع من (عقد الذمة) إلى المواطنة، فالمقصود من (عقد الذمة) اندماج غير المسلمين في المجتمع المسلم. وبمرور الأعوام رأينا اندماج المجتمع المختلط، وتساوي المواطنين على اختلاف عقائدهم.
أما الخلافات الدينية والحروب الطائفية، فتحدث في كل دين أو ملة، وسببها الصراعات السياسية التي تتخفى خلف الستائر الدينية عابثة في أمن البلاد والعباد، فيظهر للعيان أن الخلافات دينية أو مذهبية لكنها في الحقيقة سياسية بحتة، والاتفاق أو الاختلاف في الدين لا يشكل مشكلة لأحد؛ لأنه اختلاف موجود ومتقبل عند أهل الأديان، أما الخلاف السياسي ففيه يتم إقصاء الآخر ونبذه ومحاولة القضاء عليه، بدليل أننا لو أزلنا الدين من أي مظاهر اقتتال طائفي فلن يزول الاقتتال؛ لأن الخلاف سياسي في المقام الأول، واستُعمِل المذهب والطائفة كستار وشعار مقدس فقط، لتكتسب المعركة دافعيتها عند عامة الناس، الذين يشكلون الخاسر الأكبر في كل حرب أو معركة، بينما يربح السياسيون وتجار الحروب المال والمناصب العليا.
إن للإسلام قوة ناعمة، استطاع من خلالها أن يشكل حضارة إسلامية، ساهم فيها المسلمون وغيرهم، والكل يشعر بانتمائه لهذه الحضارة ، ويوضح ذلك الزعيم المصري القبطي مكرم عبيد بقوله: (نحن مسلمون وطنًا ونصارى دينًا)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالثلاثاء 04 سبتمبر 2018, 5:20 am

أنا...في بلاد العجائب

كنت في زيارة لأحد البلاد، وأقمت فيها مدة طويلة نسبيا، وكان حال هذه البلد يصدق عليه (عش رجبا ترَ عجبا)، وكأنها لا تعرف من الشهور غير رجب فالعجب في كل تفاصيلها تراه يوميا.
ومن عجيب ما أستطيع روايته أنني في يوم كنت أجلس مع أصدقائي في سوق المدينة، وإذا برجال (المخفر) يهجمون على بعض أصحاب المحلات، ليصادروا بعض البضاعة المهربة، ثم يعودوا إلى مخفرهم بسلام. ما أثار دهشتي أن المسؤول عن التهريب هي (الجمارك) أو (مكافحة التهريب) أما رجال المخفر فوظيفتهم حفظ الأمن وإنفاذ القانون، ولا شأن لهم بالبضائع المهربة. ثم إن الإجراء القانوني لا يقتصر على حجز البضاعة بل يمتد ليشمل غرامات مالية، أو إغلاق للمحل، أو السجن، أما أخذ البضاعة فقط فهذا غريب جدا، ثم البضاعة التي تؤخذ لها مكان خاص تحجز فيه، ولا توضع في (المخفر). أبديت هذه الاعتراضات أمام الأصدقاء، ولم يعلقوا عليها، واكتفوا بالابتسامة التي تحمل هما وقهرا. اتضحت الرؤية عندي لما رأيت كل واحد من شرطة المخفر يخرج ومعه كيس يحمله لمنزله. وعندما قصصت ما حدث على صديق لي، أكل عليه الدهر وشرب، وهو بمثابة الأب، قال: هؤلاء الشرطة، ليسوا لحفظ الأمن، بل هم عصابة يحميها القانون. كلمة من خبير لخصت لي المشهد، وعلمتني الكثير عن سير الحياة في تلك البلد؛ إنها حكمة الشيوخ التي تختصر لك بكلمات يسيرة آلاف الكلمات والتجارب.
وبعد أشهر من هذه الحادثة، نزل بجوار مسكني مجموعة من الشباب ينامون  النهار ويسهرون الليل في رقص وطرب وإزعاج ينم عن عدم اكتراث بحقوق الجيران. صبرت على هذه الحال ثلاثة أيام، توجهت بعدها إليهم وكلمتهم، وكانوا في غاية الأدب واعتذروا عما فعلوا، ووعدوا بأنهم لن يكونوا سببا في إزعاج أحد. ولكن بعد رجوعي لمنزلي بنصف ساعة، ترجع حليمة لعادتها القديمة، وكأن شيئا لم يكن، وترتفع وتيرة الإزعاج. وكلما توجهت إليهم تكررت الأقوال والأفعال، يرضوني بأقوالهم، ولكن أفعالهم تخالف الأقوال.
قررت أن أتوجه إلى مخفر الشرطة لتقديم شكوى بحقهم، فاستقبلني رئيس المخفر بترحاب لا يعرفه أهل البلد، ولعل السبب أنني غريب، وسائح، وللسائح احترامه. عرضت عليه المشكلة، فقال: هذه مشكلة سهلة أحلها لك اليوم لكن بشرط ألا تتدخل فيما سيحصل. فوافقته على الشرط واعدا إياه بأنني لن أتدخل مهما حصل، ولكن طلبت منه أن يبين لي ما سيحصل، فقال: إليك الخطة، اذهب إليهم وقل لهم: إن الضابط (عزيز) مدير المخفر يسلم عليكم سلاما حارا ويقول لكم، عليكم مغادرة الشقة في غضون نصف ساعة، وإلا فإنه سيكون آسفا للقبض عليكم بتهمة تجارة الحشيش. فقلت: وما دخل الحشيش، وكيف تتهمهم بهذه التهمة؟ قال: سنقتحم الشقة، ونكتشف كمية من الحشيش نضعها بأنفسنا، لا تقلق، هذا عملنا.
وبالفعل توجهت لهؤلاء الشباب ونقلت الرسالة بنصها وبكل أمانة، ولم تمر خمس دقائق حتى غادروا الشقة كأن مصيبة ستحل فوق رؤوسهم، لقد عرفوا أن هذا الضابط لا يمزح معهم، وأنه سينفذ ما توعدهم به إن لم ينفذوا أمره، فاضطروا إلى مغادرة الشقة دون تردد. ولم أر واحدا منهم حتى غادرت تلك البلد، مع أن الشقة ملك لأهل هؤلاء الشباب حيث كانوا أبناء عمومة، وكانت هذه الشقة ميراثا لأهلهم، لكنّ كلمة الضابط أخرجتهم منها بلا عودة.
هذه هي الحال حيث يتلاشى القانون، ويدهس تحت أقدام مَنْ مِنَ المفروض أنهم يطبقونه وينفذونه، فتصبح البلاد بلادا للعجائب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالأحد 30 سبتمبر 2018, 1:01 am

لعبة الكراسي

د.حسان ابوعرقوب

سمعت طبيب العظام يقول لمريضه: اجلس على الكرسي الذي يناسب حجمك، كي يرتاح ظهرك، ولا تشعر بآلام الفقرات. فتذكرت لعبة الكراسي، حيث يدور الأولاد حول الكراسي ثم يتسابقون على الجلوس، ليخرج من اللعبة من لا كرسي له، لكن ربما جلس الواحد منهم على كرسي لا يناسب حجمه، فلا يرتاح فيه، وهكذا هي الحياة.
فالإنسان لا يرتاح إلا في مكان يناسب حجمه، لذلك كانت الأرض مكانا مريحا؛ لأن الإنسان يفترشها أو ينام عليها أو يستلقي كيف يشاء، ومن هنا كانت الجلسة العربية محببة للكثيرين. والقبر أيضا مكان يسع الإنسان ويمثل حاجته الطبيعية، فهو وإن كان على قدر الحاجة الضرورية إلا أنه مناسب؛ لأن الإنسان لا يتحرك في قبره ذات اليمين وذات الشمال. لكنّ الشيء المزعج للإنسان أن يجلس على كرسي لا يلائمه، بحيث يكون واسعا كبيرا، يشعر فيه بالفراغ، أو ضيّقا جدا يَشعر أن جزءًا منه معلق بالفضاء، والجاذبية الأرضية تسحبه نحو مركزها. 
وهذه حال الطلاب مع كل الكراسي الموجودة في اللعبة، حيث يجلس البعض على كرسي أكبر منه، وأوسع من حجمه الجسدي والفكري والعقلي، فيشعر بفراغ كبير، لأنه لا يقدر، ولن يقدر على ملء فراغه، فيقوم بنفخ نفسه، نفخة كذّابة، ويتحرك كالبهلوان، ويتكلم كالأبله، ويتصرف تصرفات المختلين عقليا، أو الذين أدمنوا شمّ المخدرات كي يَظهر أنه ملء سمع الكرسي وبصره، ولكن هيهات. فكل ما يقوم به من حركات تؤكد أنه أراجوز صغير الحجم، ضئيل القدرات، لا يملأ هذا المكان، وأن الحلّ الوحيد لكل معاناته وشقاء من حوله بحركاته الصبيانية أن يتوجه إلى كرسي أصغر يمكن أن يرتاح فيه، ويريح الآخرين.
لن تنفع الطالب الأعذار بأن رياح الأقدار هي من أتت به إلى هذا الكرسي الكبير؛ لأنه أولا وآخرًا يعرف نفسه، ولكنه اغترّ بضخامة الكرسي، وظنّ أنّ جمعًا من المنافقين حوله سيرحّبون بقدومه الميمون، كما هي عادتهم يرحبون بكل وافد إليه؛ لأن المبدأ عندهم  أنّ كل مَن يجلس على كرسي كبير فهو كبير، (واللي يوخذ أمي أقول له: يا عمي) لكن الغريب أن يصدق هذا المسكين المنافقين مِن حوله، ويكذب نفسه، لقد خدعوه فانخدع، حتى حسب هذا الطالب الأبله أنه بسبب هذا الكرسي الكبير قد فتّحت له الأبواب، وتيسر المعسور، وصار المستحيل ممكنا، والصعب سهلا، وصار كلامه مسموعا، وغثاؤه أدبًا، وما يُخرجه من كلام فارغ شعرا، وما ينطق به من غباء حكمة. لذلك سيتحمل في سبيل المكوث عليه أطول فترة ممكنة كلَّ الصعاب، فهو لن يقوم عنه، وإن أصيب بانزلاق الغضاريف كلها، أو جلطة بدماغه الفارغة من أي مخ، بل لن يقوم ولو أصابه الإسهال.
كطالب الصف الأول إذا جلس على كرسي المعلم، وناداه الطلاب مستهزئين به: أيها المعلم، ظنّ نفسه أنه صار معلما بالفعل، لقد كبر هذا الطالب بسبب الكرسي، وتضخّم وانتفخ كالبالون، وارتفع، والآن صار ينتظر رأس دبوس صغير يلامسه كي ينفجر ويعود لحجمه الطبيعي.
الكبير هو من يضفي على الكرسي الكبير هيبته وجماله، بل إن الكراسي تزهوا بالجالسين الكبار؛ لأنهم يشكلون لها إضافة، ويجعلون لها قيمة تحترم. 
سنظل ندور حول تلك الكراسي، كبارا وصغارا؛ لأننا نحب اللعب، ونحب الحياة، وسنجلس حيث يقال لنا: قف، وبغض النظر عن الكرسي الذي سنجلس عليه، لأنه سيكون هبة الحياة لنا، وعلينا أن نحسن التعامل معها، ومع هذا سيظل الكبير كبيرا، والصغير صغيرا، مهما دارت الأيام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالأربعاء 17 أكتوبر 2018, 7:32 am

العبودية من جديد


كلنا يعلم مدى قبح العبودية، فالحرية الإنسانية هي من أبرز حقوق الإنسان، أما العبودية المقيتة فتهبط بالإنسان من إنسانيته ليصير كالحيوانات والبهائم، لذلك عملت الأمم على مناهضة الرق والعبودية، وصار الرق أمرا محرما في الشرعة الدولية.
لكن أصبح للعبودية شكل جديد، لم تمنعه الشرعة الدولية، وربما لا تستطيع، أو لا تريد ذلك، لأن الشعوب الفقيرة والمستهلكة هي ضحية هذه العبودية الحديثة، والدول العظمى هي السيّد والمالك والمستفيد؛ لأن من خلال العبودية الحديثة انتعش اقتصاد الدول العظمى، وتراجعت أمتنا عن المنافسة الحضارية، وصارت تابعة بحكم تبعية أفرادها.
العبودية للأجهزة الذكية، التي جعلت من الإنسان المعاصر عبدا لها، لا يفارقها، ولا يصبر على بعدها، ويقدم فروض العبودية لها، حتى عطل عقله وصار الإنسان غبيا في زمن الأجهزة الذكية. ولا شك أنني مع كل تطور، على أن يستعمل في سبيل الإنسانية ورفعتها، لا لكي يدمن الإنسان عليها فيصير عبدا مخلصا لها.
عبودية الاستهلاك، التي من خلالها يظن الإنسان أنه يتطور، ولكنه في الحقيقة يتأخر ويخسر، فمثلا، بعض الناس يحرص على شراء كلّ جديد، وما أسرع تقديم الجديد في هذا العالم، فهو ينتقل من سلعة إلى سلعة، لا شيء إلا لأن الجديد قد نزل ووصل، ويقال هذا في أجهزة الهاتف، أو السيارات أو الغسالات، أو الثلاجات، أو التلفزيونات...الخ. مع أن لهذه الأشياء أعمارا تخدم صاحبها خلالها، ولا يحسن استبدالها لمجرد نزول الجديد منها.
العبودية للعادات والتقاليد، حتى إنك تجد أكوام الطعام تلقى في مكب النفايات بسبب عرس أو عزاء، ثم لا تجد من يتحرك لينبّه على ذلك، أو ليقود حملة لتغيير هذه العادات السيئة التي تنبع من السّرف والترف، أليس القضاء على هذا النوع من العبودية أولى من وعظ الناس عن جهنم وعذاب القبر، أليس حمايتهم من الأمور الموصلة إلى العذاب أولى من الحديث عن نفس العذاب. 
العبودية  للمال، حيث صار جمع المال همًّا شاغلا عند أفراد المجتمع، ولا يهمّ مصدره، ولا طريقة إنفاقه، المهم أن يحصل الفرد على المال ليصنع لنفسه ثروة تستجلب احترام الناس له في شبابه، وتحميه في شيخوخته، وتحقق رغائبه وشهواته ونزواته بينهما.
العبودية الفكرية، حيث جعل بعض المفكرين والمثقفين كل ما نتج عن الغرب من نظريات وأفكار آلهة تعبد، ووحيا لا يقبل النقاش أو النقض، ويسير خلفه حذو النعل للنعل، معطلا فكره النقدي، فلا يقدر على التمحيص أو التدقيق أو التنخيل، فهي عبودية كاملة تجعل المثقف والمفكر أشبه ما يكون بعامة الناس أو دونهم.
وبالمقابل لهذه الأشكال من العبودية يقدَّم الإنسان الغربي بشكل متفوق خارق، لا يعرف العجز أو الكلل أو الملل، ينجز (المهمة المستحيلة)، فهو (جيمس بوند) و(سوبرمان) و(باتمان) و(رامبو) و(روكي) وغيرهم. صور وأوهام صارت بمثابة الحقائق المرعبة لكثرة تكرارها على العقول، حتى حفرت في ذهن أبناء الأمة أننا من المستحيل أن نصل لمستوى الإنسان الغربي مهما فعلنا، فعلينا أن نظلّ تحت نير العبودية والتبعية؛ كي نحافظ على السلام العالمي.
إذا أرادت هذه الأمة أن تتقدم وأن تعود لركب الحضارة، فعليها أن تشتري نفسها وتعتقها من رق العبودية الحديثة التي وضعت قيودها حول أعناقنا، وسلختنا من وعينا وفكرنا وثقافتنا، وشغلتنا عن مهمتنا الأصلية في الحياة، وهي عمارة الأرض عبودية لله تعالى، وإقامة الحق، وتحقيق العدل بين الناس، ونشر الأخلاق الحميدة بين البشرية كلها، ولا يكون هذا إلا بالتحقق بالعبودية الكاملة لله وحده
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالأربعاء 06 فبراير 2019, 8:03 am

المظاهر خداعة
د.حسان ابوعرقوب


يهتم أغلب الناس بالمظاهر، وينون عليها أحكامهم، ويتخذون بناء عليها قراراتهم، وربما كانت هذه القرارات مصيرية، كالزواج، أو المشاركة في التجارة، أو غير ذلك؛ لكن هذه الأغلبية  من الناس لا تتفطن لنقطة مهمة جدا، وهي: إن المظاهر قد تكون خدّاعة. وهذه النقطة يتفطن لها الذي يهتم بمنظره وصورته؛ لتكون الجسر الذي سيعبر عليه إلى قلوب وعقول الآخرين، فهو يستغلّ هذه النقطة أبشع استغلال، ليصل إلى  أهدافه الخسيسة.
لا يعني كلامنا السابق أن كل من يهتم بمظهره ومنظره (نصّاب) أو (دجّال)، فهذا غير صحيح، فالاهتمام بالمنظر والمظهر والنظافة والقيافة من الدين، والله تعالى يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده. ولكنّ المراد أن نحذر فقط، لأنه ما كلّ ما يلمع ذهبًا. فعلى الإنسان أن يوثّق عقوده، وأن يسأل أهل المعرفة  والخبرة عن الشخص الذي يريد أن يناسبه أو يتعامل معه، وألا يحجب عقله بسيارة فارهة أو جوال سعره مرتفع، أو بدلة من النوع الممتاز؛ لأن هذه الزينة كما يستخدمها الأغنياء، قد يستعملها بعد النصابين كعدّة للنصب والاحتيال.
وإذا تأمّل الإنسان في حياته الماضية، وقلب صفحات تاريخه الشخصي، سيتمكن من تذكر بعض الحوادث التي تعزز نظرية أن المظاهر قد تكون خدّاعة، وليست حقيقية، فكم من رجل أو امرأة كنا نحسبهم من الأخيار فإذا هم من الأشرار. وكم من صديق قربناه فبان لنا أن عدوّ غادر، وكم من قريب أمّناه فإذا هو يطعننا في ظهرنا بسكينه المسموم. وكم من شخص ظنناه تقيّا بارا، وحسبنا محبته تقربنا إلى  الله، فإذا به فاجر ضال. والعكس صحيح، فكم من إنسان كرهناه من النظرة الأولى، فوقفنا منه بعد ذلك مقاما محمودا، كم من إنسان حسبناه بعيدا عنا، فإذا هو قريب لنا كأرواحنا.
علينا ألا نحمل السذاجة في رؤوسنا، وألا نحكم على  الأشياء والأشخاص بمجرد المظهر والشكل، بل لا بد من البحث والنظر والاختبار وحسن الاختيار، والله الموفق.








الإنسان بين صورتين


إذا تأملنا ذكر الإنسان في كتاب الله تعالى، سنجد أنه يتقلب ذكره بين صورتين: الأولى تذكر خلقه، وكيف خلق من تراب، ثم من ماء مهين، وأنه يبدأ بضعف وينتهي بضعف، وأنه كلما زاد عمره زاد ضعفه، وهكذا نرى ضعف الإنسان وفقره. والصورة الثانية تحدثنا عن أنه نفخ فيه من روح الله، وأمر الله ملائكته بالسجود له، وأنه مكرم، وأن الكون كله مسخر له.
لكن ما الحكمة من بيان هاتين الصورتين؟ لعل ذلك ليذكر الإنسان بحقيقته ووظيفته، فإذا شعر الإنسان بالكبر والتمرّد على الله تعالى، والتعالي على عباد الله، جاء الخطاب ليذكره أنه الإنسان خلق من تراب، ومن ماء مهين، وأنه سيرجع بعد القوة ضعيفا. فهل من كانت هذه أوصافه يحقّ له أن يتكبّر أو يتعالى أو يتمرد؟ إنه تذكير بفقر الإنسان وضعفه، ليتذكر غنى الله تعالى وقوته وقدرته.
ثم إذا أراد أن يتحمل هذا الإنسان أمانة عمارة الكون، لم ينظر في أصل خلقه وضعفه، بل نظر إلى تكريم الله له، وتعليمه ما لم يكن يعلم، ويتأمل في تسخير الكون للإنسان، كي يقوم بالوظيفة المطلوبة منه على أتم وجه، ولا يتذرع بضعفه وعجزه.  فهو المكرّم، وهو الذي ركبت فيه الصفات التي تؤهله لوظيفة الخلافة على الأرض، وهذا كله بفضل الله تعالى ومنِّه وكرمه، وما على الإنسان إلا أن يطلق باسم الله وعلى بركة الله ليقوم بالواجب المطلوب منه.
وهكذا نرى التربية القرآنية لهذا الإنسان، إن تغطرس ذكّره القرآن بأصله وضعفه، وإن تكاسل أو تخاذل ذكّره القرآن بفضل الله عليه وتسخير الكون له، والمهمة المطلوبة منه، وفي كلا الحالين تذكره الآيات أنه عبد لله تعالى.








لكل صفحة وجهان


الناس كالكتب، لكل كتاب قصته، وفصوله، وصفحاته، لكن لكل صفحة فيه وجهان، وهكذا هو الإنسان، لا يمكن أن تحكم عليه من قراءة وجه واحد منه، بل لا بدّ أن تقرأ الوجهين لتتعرف عليه.
الإنسان كائن مركب، فيه الخير والشر، الحب والكره، الكبر والتواضع، الغضب والحلم، كلها قد تجدها في إنسان واحد، لكن لكل صفة وقتها ومكانها التي تظهر فيه.
المشكلة عندما نقابل الشخص بالوجه القبيح من صفحته، ستكوّن عندنا انطباعا مفاده أن هذا الشخص سيء وقبيح، ولا أدري كم سيمرّ من عمرنا حتى نكتشف أننا كنا على خطأ، وأننا كنا فقط أمام وجه واحد من صفحة هذا الإنسان. وكم سنسمع من الناس كلاما جميلا عن هذا الشخص، ولكننا سنقمعهم بحجة أننا شاهدنا قبح هذا الإنسان في موقف ما.
من الخطأ أن نحكم على إنسان من مجرد موقف واحد، حيث لا ندري ما هي التفاصيل والخلفيات، ومع ذلك فالإنسان خطّاء، يصيب ويخطئ، فجعله في صف الخاطئين دائما من الظلم الشديد للإنسان.
ربما تجبرنا بعض المواقف أو بعض الأشخاص أن نظهر ونبرز الوجه الذي لا نحبه من صفحتنا، فكلنا يحبّ إبراز الوجه الحسن والطيب، ولكن قدرة الإنسان على التحمّل لها حدود، ولكل مقام مقال.
حتى الأحداث التي تمرّ بالإنسان هي صفحة لها وجهان، فالحدث السيّء ليس إلا وجها من صفحة، أما الوجه الثاني للصفحة نفسها فيكون الخير فيه. وما على  الإنسان إلا أن يحمد الله تعالى ويتأمل في هذه الأحداث من حوله، ليرى الوجه الحسن فيها.
إذا تأملنا الأشخاص حولنا، والأحداث التي تحل بنا، وبحثنا عن الوجه الحسن فيه، سنظلّ سعداء ومسرورين، لا نلوم أحدا، ولا نعتب على  الزمان.






العبادة تُربّي القيم وتحفظها


لماذا أمرنا ربنا تعالى بعبادته مع أنه غني عنا، لا ينتفع بطاعة الطائع، ولا يتضرر بمعصية العاصي؟ هل المراد فقط مجرد الامتحان، ليمتاز الطائع عن العاصي؟ هذا أحد الحِكم، ولكنه ليس كل شيء.
فللعبادة بالإضافة لما سبق وظيفتان: الأولى شخصية، والثانية اجتماعية، فهي إذن ليست مجرد حركات وسكنات، بل لها غاية ومقصد وهدف ينبغي أن يتحقق.
فالصلاة –مثلا- هي عمود الدين، وهي أول ما يسأل عنه الإنسان يوم القيامة، فإن صَلُحت صلُح سائر عمله والعكس، ولها وظيفة على سلوك الإنسان، وهي: أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، أي أنها تقوم بعملية إنعاش ضمير المصلي، وإيقاظ وجدانه بعد أن أخذ غفوة واستراح. وهذا ينعكس على المجتمع إذ ضرر الفحشاء والمنكر قد يكون شخصيا، وقد يكون متعديا إلى الآخرين، وبمنعه نحافظ على الفرد والمجتمع.
والصوم كذلك له غاية وهي أنه يحمل صاحبه على ترك قول الزور والعمل به، وقول الزور هنا هو مثال على كل فعل مخالف للشريعة، ولا شك أن أي مخالفة للشريعة يترتب عليها الضرر. فإيقاف الضرر عن النفس والآخرين هي غاية من غايات الصوم. أما مجرد الامتناع عن الطعام والشراب مع إلحاق الضرر بالآخرين فليس هو النموذج المطلوب، مما يجعل العبادة خالية عن مضمونها.
وأما الحج فيعلم الإنسان البعد عن الجدال والفسوق وسيء الكلام، ويرشده لتحمّل الآخرين وحسن صحبتهم ومعاشرتهم، ويتجلى كل ذلك من خلال البيئة المزدحمة جدا، والتي تحتاج إلى أخلاق رفيعة، كي ينجح الإنسان في هذه العبادة، وتنعكس على سلوكه مستقبلا، فيتعلم ضبط النفس، واحترام الناس.
إذن العبادات ليست مجرد حركات، بل لها وظائف شخصية، حيث تنمي الأخلاق والقيم عند الأفراد، وكذلك وظائف اجتماعية، حيث تنعكس تلك الأخلاق الفردية على المجتمع كله، وهكذا تكون العبادات سببا في تربية الأخلاق والقيم وحفظها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  د.حسان ابوعرقوب Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.حسان ابوعرقوب     د.حسان ابوعرقوب Emptyالأربعاء 06 فبراير 2019, 8:04 am

العقيدة الإسلامية والفطرة الإنسانية


العقيدة الإسلامية تنسجم مع الفطرة الإنسانية والعقل الإنساني، فلا تجد بينهم نفورا، لذلك كان من السهل الاقتناع بهذه العقيدة، وإقناع الآخرين بها. 
فمن خلال هذه العقيدة نتوصّل بعقولنا إلى وجود إله خالق رازق، وهو على كل شيء قدير، هذا الإله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، واحد أحد، وبيده مقاليد كل شيء. لذلك أمرنا أن نتوجّه له وحده بالعبادة، وألا نعبد إلا إياه، وحده لا شريك له. فكان إفراد الله بالعبودية منسجما مع إفراده بالألوهية، ووحدانيته في التصرف في هذا الكون.
ونعرف من خلال عقيدتنا أن هذا الإله الواحد القادر رحمن رحيم، عفو كريم، يحب العفو والمغفرة، ويفرح بتوبة عباده، ورحمته سبقت سخطه وعذابه، وكأنه يقول للناس كل الناس: تعالوا إليّ فأنا من يقبل التائبين، ويعفو عن المسيئين، أغفر الذنوب، وأقلبها إلى حسنات، وأجعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له، لكن تعال إليّ يا عبدي، ولا تبتعد عني فتقع في الشقاء.
وتعلمنا هذه العقيدة أن ربنا لم يتركنا هكذا في هذه الدنيا، يفعل من شاء ما شاء، لأنه توعّدنا بيوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت من فزعها، وتضع كل ذات حمل حملها من شدة الخوف، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكنّ عذاب الله شديد. في هذا اليوم يقتص من كل ظالم، وجبار عنيد، إنه اليوم الذي يخوّف الله به عباده ليتقوه، ويحذر عباده منه ليستقيموا؛ لأنه في هذا اليوم لا تظلم نفس شيئا، وإن كان مثقال حبة من خردل سيأتي بها الله، ويحاسب عليها، ويكون الحساب على مثقال الذرة بالخير خيرا، وبالشر ما يستحقه الشرير.
وتأمرنا هذه العقيدة أن نعمل بكل جد واجتهاد آخذين بكل الأسباب الممكنة، متوكلين على الله، طالبين منه الهداية والرشاد. فلسنا نتواكل بقلوبنا ونترك العمل، ولسنا نعمل في غفلة عن ربنا.






صوتٌ نشاز


لا يخفى أن الأردن واحة للتسامح والعيش المشترك والاحترام المتبادل بين مختلف الأديان والمذاهب والاتجاهات، وقد عُبّر عن هذه الحالة الفريدة بعدة مبادرات أطلقها جلالة الملك حفظه الله، مثل: رسالة عمان، وكلمة سواء، وأسبوع الوئام العالمي بين الأديان الذي تبنته الأمم المتحدة. ونظرا لتلك الجهود الملكية التي انعكست في البداية على وطننا الحبيب كنموذج للوئام والعيش المشترك بين أتباع الأديان، منح جلالته جائزة تمبلتون العالمية. هذا هو الطريق الذي تسير عليه البلاد، وهذا هو النموذج الذي نعتز به، ونفاخر به الدنيا كلها، والأصل أن يعزف الجميع على هذه الأوتار ذات اللحن، كي يكون صوتنا جميلا وموحّدا ومنسجما مع صوت جلالة الملك.
وقد وصلتني تغريدة من أحد (الدعاة) في بلدنا، شكلت صوتا نشازا مخالفا لما ذكرنا، وهذا نص تغريدته: (حذار عباد الله، ينشر الكافر الردي، والمبتدع الغوي ما عندهم بذرائع يروج بريقها على العامة مسميات موهمة، ومصطلحات خادعة: وئام الأديان، وسماحة الإسلام، ووسطيته، ومحبة النبي صل الله عليه وسلم، مواسم البدع، عيد المولد النبوي، وعيد ميلاد المسيح، ومتى عاشت المجتمعات بين كفر مزوّق وهوى منمّق، فلن تقوم لها قائمة).
يعتبر (الشيخ) الوئام والوسطية ومحبة النبي صل الله عليه وسلم، مصطلحات موهمة وأن ناشرها كافر مبتدع، مؤكدا أن هذا من باب الكفر المزوّق، والهوى المنمّق. 
طبعا الكلام لا يحتاج إلى الردّ عليه، لكنني أسأل: كيف يُمكن لمثل هذا (الداعية) الذي يحمل فكرا تكفيريا واضح المعالم والقسمات أن يبث سمومه عبر وسائل التواصل الحديثة بكلّ أريحية، أليس قائل هذا الكلام التكفيري الذي يحض على الكراهية يقع تحت طائلة القانون؟
إن أصحاب هذه الأصوات النشاز ينبغي أن يُلاحقوا ويحاسبوا ضمن القوانين والأنظمة؛ لأنهم ينشرون الفتنة والكراهية والتكفير بين الناس، ولا شكّ أن مظاهر بعضهم، وفصاحة بعضهم الآخر تشكل عوامل جذب لبسطاء الناس، مما يدعوهم لتبني نفس الخطاب المقيت على أنه هو الدين الصحيح، مما سيشكل مجموعة كبيرة من حاملي هذا الفكر التكفيري الظلامي الذي سيقضي على الأمن والسلم المجتمعي ويوقع البلاد فيما لا تُحمد عقباه.






للكلمة أثرها


لا شك أن للكلمة أثرا في نفس سامعها وعقله، وربّ كلمة تخرج من القلب محملة بالحب والود فتدخل قلب السامع، فتنشأ صداقة وأخوة قلّ نظيرها، ورب كلمة تخرج من القلب محملة بالكره والحقد فتدخل قلب سامعها، فتنشأ منها عداوة وحرب لا هوادة فيها، بكلمة يدخل الإنسان حدائق الإيمان، وبكلمة يفارق حياضه، وبكلمة يتزوج بنت الحلال، وبها يفارقها.
الإنسان العاقل يزن كلّ كلمة قبل أن تخرج من فمه، بسبب أثرها الكبير على الآخرين، فكم من نفس كُسرت، وهمِّة خبا نورها بسبب كلمات التثبيط التي سمعها بعضنا من الآخرين. وكم من همة صارعت الجبال، ولم تعرف المستحيل بسبب كلمات التشجيع التي التقطها بعضنا من الآخرين. 
فإذا كان للكلمة الطيبة أثرها الطيب على حياة  الناس، فلماذا يختار بعضنا الكلمة السيئة بدلا عنها؟ ألا يسعدنا أن نرى الآخرين يعيشون سعداء؟ أم أننا لا نسعد إلا بشقاء الآخرين؟
عندما يتعامل الزوج مع زوجته في المنزل، ما الذي يمنعه من إسماعها أعذب الكلمات، مما يوحي لها أنه لا يرى في الكون سواها، وأنها سندريلا التي كان يحلم بها؟ وكذلك الزوجة ما الذي يمنعها أن تسمع زوجها كلمات الحب والغزل، ليحسب نفسه ذلك الفارس الذي أتاها على حصان أبيض، أو في سيارة فارهة؟
ما المانع أن نشجّع الآخرين ليشقوا طريق حياتهم بمعنويات عالية، ونقدّم لهم النصيحة المناسبة؟ فبدل أن نقول لأحدهم: لا تحاول ولست أهلا، وابحث عن شيء آخر، لا لشيء إلا لأننا لا نحب الخير للناس، فلنقل لهم:  حاول، وثابر، وأنت أهل لما تحلم به.
إن من يغيرون حياة الناس للأسوأ بسبب كلماتهم إنما يقومون بدور الشيطان الرجيم في ثوب إنسان رحيم، فما أشقى هؤلاء الناس!
 لو علمت مدى سعادة الإنسان عندما يكون سببا في تغيير حياة الناس للأفضل؟ إنها سعادة لا توصف، إنها تشعرك بوجودك وقيمتك، فلنحرص على أن نغيّر حياة الناس للأفضل، وما هي إلا كلمات لن تكلفنا شيئا، والكلام ببلاش








للطعام ذكريات


يقول خالد: ليست وظيفة الطعام منحصرة بتحصيل الغذاء أو الشبع أو الاستمتاع فقط، بل له وظيفة جميلة إضافة لما سبق، وهي إحياء الذكريات. فعندما كنت أسافر خارج البلاد كنت أحبّ أن أصنع الأطعمة التي اعتدت على أكلها في بلدنا الحبيب كالمقلوبة والمنسف، ومع كامل تحفظاتي الطبية عليهما، حيث يرفع المنسف السكري بسبب النشويات في الأرز، والضغط بسبب ملوحة الجميد في اللبن، والدهون الثلاثية بسبب اللحم الدسم، ومع ذلك يظل وجبة تعيد آكلها إلى جو الأردن وأهله، ويتذكر بسببه الإنسان جلساته بين أفراد أسرته.
يسأل حسن: وماذا عن الأكلات في تلك البلاد التي زرتها؟ 
خالد: عندما آكل بعض الأطعمة التي اعتدت على أكلها في غربتي أتذكر تلك الأيام الجميلة وأهلها، فالكشري يذكرني بالقاهرة وأيامها، ويأخذني بعيدا إلى ساحات سيدنا الحسين، وشوارع العتبة. وأم علي والأرز باللبن تحملني إلى شارع محمد علي. أما المكدوس وشيخ المحشي فأرحل بهما إلى دمشق، وإذا أكلت الكبة أو التبولة تذكرت بيروت وأيامها. وفي الكسكسي والبسطيلة أتذكر الرباط ومراكش وكازابلانكا. أما الهريس والثريد فيحملني إلى أبو ظبي والعين وعجمان. والكِسرة تأخذني إلى الخرطوم، والسمبوسة والبرياني إلى الهند.
تأملت هذا الحوار الماتع عن الطعام، وأيقنت أن للطعام ذكريات يحملها لمن يقدَّم إليه، تحفر رائحته الزكية في عقل وقلب آكله، لتظل ذكرى المكان والزمان والأشخاص حاضرة مهما بعُد الزمان والمكان. وتظل تلك الأطباق تحمل هوية بلاد وشعوب، حتى لو صنعت بعيدا عنهم. 
لكن المشكلة في ذلك الحوار الذي يفتح الشهية والنفس أنه كان في بيتٍ للعزاء، ولم يكن المجاورون لنا يتحدثون بشيء أفضل، حيث كانوا يناقشون أسعار البورصة والسوق المالية، ويحللون سبب الارتفاع والانخفاض، وما هي الشركات التي ينبغي أن يستثمر فيها التاجر الشاطر. كل هذا في بيت العزاء.
صحيح أن المجالس مدارس، وأن الإنسان يستفيد من مجالسة الآخرين، لكن لكل مقام مقال، ربما استرحنا إلى حدٍّ ما من التدخين في بيوت العزاء، لكن هذا الكلام وأشكاله لا يقل دخانه وسمّه في بيت العزاء عن السجائر ودخانها








معرفة الإنسان لذاته هي السبيل لحريته


يعيش الإنسان بقدرته وإرادته وعقله وعلمه، ويسخر كلّ ذلك لتحقيق مصالحه وشهواته ولذاته، بغض الطرف عن سائر الناس. وهذا ما يوضّح السلوك العدواني غير المنضبط عند فريق كبير من البشر، حيث يلتهم القوي منهم الضعيف، وتدور رحى الحروب الطاحنة بينهم، بلا شفقة أو رحمة، حيث تُهدم الدور، وتقتل النساء والأطفال، ويموت المحاربون والمدنيّون دون تمييز. إن قدرة الإنسان وعلمه وعقله توهمه أنه أصبح إلهًا لهذا الكون، قادرا عليه، مالكا له، يتصرف فيه حسب إرادته ومشيئته، مبررا كل ما سبق بحريته وقدرته على اختيار وتحديد مصيره ومصير الآخرين بنفسه. إنها العنجهية والفرعنة التي يتصف بها الإنسان عندما يغيب بسكرة العلم والقوة عن حقيقة ذاته، بحيث يظن نفسه حرا وهو عبد لشهواته في القوة والسيطرة.
ليس الإنسان في حقيقته إلا مخلوقا ضعيفا، مهما عظُمت قوته، وكبُرت سطوته، ألمٌ بسِنّه ينسيه لذة النوم، وجرح بأصبعه يجعله يتألم ويصيح ويستغيث، كم هو ضعيف هذا الإنسان المتعجرف المتفرعن! وعندما يعرف الإنسان هذه الحقيقة التي لا مفرّ منها، وهي أنه مخلوق لخالق عظيم، فما عليه إلا أن يرفع رايات العبودية والانقياد لهذا الخالق المبدع العظيم. 
ومن أبرز علامات العبودية لله تعالى أن يتحرر الإنسان من عبوديته لذاته وشهواته ولذّاته وأطماعه، وأن يسخر طاقاته وعلمه وقدرته وعقله لما فيه خير البشرية كلها؛ لأنها كلها مخلوقة مثله للخالق العظيم، وتدين مثله بالعبودية لله الواحد الأحد. فمعرفة الإنسان لحقيقته، وهي كونه عبدا لله تعالى تجعله حرا من كل شيء في هذا الكون، ومحسنا لكل شيء فيه أيضا؛ لأنه يعلم أن الحرية التي منحها الله له، وحباه إياها، إنما هي مضبوطة بالمسؤولية، مسؤولية عمارة الكون لا القضاء عليه.
إن الالتزام بالتعاليم الربانية، إنما تقيّد رغبة الشرّ في هذا الإنسان، وتمنعه من السير وراءها، لكي تكون حريته إيجابية بناءة، وليست على حساب أحد. إنّ تقييد تصرفات الإنسان ببعض التعاليم الربانية إنما هي قيود تصبّ في مصلحة الفرد والمجتمع الإنساني كله، حيث تمنع الفرد من أن ينقلب إلى وحش كاسر، ليعيش المجتمع الإنساني في سلام ووئام، فبعض القيود وجدت لتحدّ من أنانية الإنسان وأثرته وجموحه، على أساس من منع الضرر ورفعه، وتحقيق العدالة والمساواة بين الناس، فكانت هذه التعاليم سبيلا إلى الحرية الحقيقية لبني البشر جميعا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
د.حسان ابوعرقوب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» جعفر حسان
» شعر حسان بن ثابت
» حسان بن ثابت في مدح الرسول
» كتاب ألف باء السعادة الزوجية – محمد حسان PDF
» حسان بن ثابت يمدح فيها المصطفى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: اردننا الغالي :: شخصيات اردنيه-
انتقل الى: