منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 ماليزيا ... تجربة تحتذى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ماليزيا ... تجربة تحتذى Empty
مُساهمةموضوع: ماليزيا ... تجربة تحتذى   ماليزيا ... تجربة تحتذى Emptyالأحد 19 أغسطس 2018, 10:37 am

ماليزيا ... تجربة تحتذى 
رشيد حسن


لا يملك المرء الا ان يعجب بتجربة ماليزيا الرائدة، وبشجاعة صانع معجزتها العملاقة، قائدها ومنقذها من آفة الفساد، مهاتير محمد،» 92» عاما،  الذي كان ولايزال الرجل القوي القادر على تصحيح البوصلة، اذا ما انحرفت، أو تمكنت منها رياح الفساد. الصفراء..
مهاتير.. ابن الفلاح البسيط، الذي عمل في بداية حياته طبيبا في الارياف، اذ تمكن من الوقوف على احتياجات شعبه، والمشاكل التي التي تقف عائقا،وحائلا دون تقدمه، وصمم بعد ذلك على النزول الى معترك السياسة.. لتغير الواقع الفاسد والنهوض بهذا الوطن المبتلى بسرطان الفساد والفاسدين..
فأسس حزبا، وفاز في الانتخابات، وبدء على الفور باصلاح تدريجي شمل وزارات التعليم والصحة والعدل، وهكذا استطاع بصبر اسطوري أن يشيد بناء رائعا متكاملا من النهضة، وأن يتفوق على كل دول الجوار. وان يرفع دخل الفرد الماليزي الى مصافي الدول المتقدمة..
وهكذا بعد أن أوصل سفينة ماليزيا الى شاطىء الامان.. أثر ان يترك العمل السياسي مختارا، ليفسح المجال امام الشباب، ليأخذوا دورهم في قيادة سفينة الوطن، بعد أن أوصلها الى شاطىء الامن والامان، رغم الرياج الاستوائية العاصفة التي عصفت بها أكثر من مرة...
الا أن الرياح لم تهب كما تمنى واشتهى، سفينة مهاتير محمد، فعاد الفساد وتسلل الى ماليزيا، في شخص رئيس الوزراء الجديد نجيب عبدالرازق، ومن لف لفه من الفاسدين، واوشكت التجربة الماليزية على الغرق في مستنقع أسن، فعاد مهاتير محمد الى الحكم تحت الضغط الشعبي ثانية.. وهكذا عمل فورا على اتخاذ الاجراءات الحاسمة للقضاء على هذا الوباء، قبل أن يستفحل، ويدمر منجزات ماليزيا، فامر بمنع رئيس الوزراء « عبد الرزاق» والمسؤولين المتورطين من السفر، ومداهمة منازلهم، ومصادرة عشرات الصناديق من الاموال والمجوهرات..
وهكذا تمكن خلال اسبوع واحد من استعادة «500» مليار دولار من بنوك اميركا وبريطانيا وسويسرا.الى خزينة ماليزيا..كما تمكن نظام مهاتير من التحقيق مع «6» الاف موظف خلال اسبوع.. وهذا في حد ذاته يشكل رسالة للانظمة المرتبكة، ويكشف عن عدم جديتها وهي تحاول اطالة فترة التحقيق، وارجاء النظر في قضايا الفساد لمدد طويلة..
مهاتير محمد اعاد الوهج لتجربة ماليزيا في وقت قياسي، وهو ما دفع رئيس منظمة النزاهة الدولية الى الاشادة بهذا التجربة، وطالب الدول المعنية في المنطقة العربية على وجه الخصوص الاقتداء بها..
الزائر لماليزيا وانا منهم- فقد شاءت الظروف أن تتزامن زيارتي لابنتي الغالية الدكتورة ليلى.» استاذ مشارك في علوم الكمبيوتر».مع تداعيات هذه الاحداث، ما دفعني للبحث عن الحقائق،. والاستمتاع بزيارة هذا البلد المسلم «30» مليونا،ولاسعد في النهاية، بنجاح تجربته في مكافحة الفساد...والكتابة عنها..
لا يملك الزائر الا الاعجاب بهذه التجربة..، و الاشادة بعبقرية قائدها، والمخلصين من ابناء شعبه، وخاصة المرأة الماليزية، التي اعلنت النفير العام،وقامت بوضع حليها بتصرف مهاتير، عندما رفض الاذعان لشروط صندوق النقد الدولي...فكافئها بتعديل القوانين، لتصبح العصمة في يدها، وانصافها حتى أصبحت أغلب المراكز القيادية من نصيبها، وقد اثبتت انها قادرة على تحقيق المعجزة، فوضعت كتفها الى جانب كتف مهاتير، وساروا معا بماليزيا الى الذرى
في ماليزيا يستوقفك اشياء كثيرة فالى جانب احترام النظام والقانون، والامن والاستقرار، وحركة العمران والتي لا تتوقف، وملايين السياح وخاصة من الدول النفطية الشقيقة..فاننا نلاحظ ان لا وجود للصهاينة ولا الكلاب.. فماليزيا لا تعترف بالكيان الغاصب، ولا تقيم معه اية علاقات، وتمنع مواطنيها من زيارته، وجواز السفر الماليزي مذيل بعبارة « صالح لزيارة كل الدول ما عدا اسرائيل»..
اما الكلاب فيمنع اصطحابها الى الحدائق العامة، حفاظا على نظافتها..
باختصار..
نامل من رئيس الوزراء، د. الرزاز، وهو المتخصص اقتصاديا « جامعة هارفارد»..والمتابع اليقظ، ان يستفيد من تجربة ماليزيا الرائدة، في مكافحة الفساد.. وخاصة من حيث السرعة في الانجاز، والسرعة في محاسبة الفاسدين، والزج بهم في السجون، وان لا تشغله فضيحة «الدخان»، عن فتح ملفات الفساد الاخرى،وقبل كل ذلك وبعده.. عدم الاذعان للشروط، التي يفرضها صندوق النقد الدولي.. فهي السبب الرئيس فيما آلت إليه البلاد والعباد.. وهي أقصر الطرق لاستعادة الثقة المفقودة بالحكومات.


يتساءل كثيرون عن الاسباب الرئيسة، لنجاح تجربة ماليزيا في تحقيق النهضة، ومكافحة الفساد، في حين فشلت أو تراجعت في دول عديدة..
وفي تقديرنا.. فان العماد الرئيس لنجاح التجربة، هو الار ادة السياسية، التي تمثلت في اصرار «مهاتير محمد « على اجتثاث هذا الوباء، الذي حول حياة الماليزيين الى مزيد من الشقاء والتعاسة..
ومن هنا..
كرس «مهاتير محمد» حياته ليكون «النموذج والقدوة»..فكان مثالا للشجاعة والحزم والاستقامة والنزاهة والتواضع والشفافية والكبرياء الوطني..وكرس هذا النهج في حزبه، وكرسه كنموذج يقتدى في الحياة السياسية..
فحينما حاول خلفه «نجيب عبد الرازق» حرف البوصلة»، والالتفاف على عملية الاصلاح والنهوض، تصدى له الشعب الماليزي، وقد باتت التجربة تسكن مفاصله، وتشكل جيناته،، فاصر على عودة « مهاتير « ثانية الى الحكم «92» عاما، وكان أن ترك ذلك مختارا لافساح المجال للشباب..فاعطاه الثقة من جديد، ليعود أقوى مما كان، ويصحح المسار، وينجح في وقت قياسي في استرجاع الاموال المسروقة من خزينة الدولة «500» مليار من بنوك اميركا وبريطانيا وسويسرا..واصدار قرارات تمنع «عبد الرزاق»، وكل المتهمين من السفر الى الخارج، الى حين استيفاء التحقيقات معهم، وقد شملت هذه التحقيقات « 6» الاف موظف،وقت تم ذلك في غضون اسبوع..وهو وقت قياسي، يؤكد الحسم والحزم في معالجة ملفات الفساد والمفسدين والفاسدين..
التجربة الماليزية تؤكد جملة حقائق فعلاوة على توفر الارادة السياسية والقائد النموذج، فانها تؤكد ضرورة الاعتماد على الذات، ورفض املاءات صندوق النقد الدولي، والتي هي في الاساس صممت لاذلال الانظمة وابقائها في مربع التبعية لاميركا.، وافقار الشعوب وابقائها تركض لاهثة وراء رغيف الخبز..
فماليزيا «مهاتير محمد».. رفضت الاذعان لسياسة صندوق النقد الدولي،والذي هو أحد أذرع اميركا الاقتصادية لاحكام سيطرتها على مقدرات ونهب خيراتهنا، ولم يكتف بذلك بل استعان بالشعب الذي منحه فورا الثقة،وهو الذي يستحقها ووقف قلبا وقالبا مع قائده الذي يثق به ويحقق الحلم –المعجزة.
ماليزيا مثال في رفض املاءات اميركا..فكما رفضت املاءاتها الاقتصادية ممثلة بصندوق اتلنقد الدولي، رفضت املاءاتها السياسية، فرفضت وادانة العدوان الاميركي على العراق 2003.. ورفضت العدوان الصهيوني الاميركي المستمر على الشعب الفلسطيني، وتصر على تأييد ودعم نضاله المشرف وحقه في تقرير المصير واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف.
ومن هنا..
ترفض ماليزيا الاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب على ارض فلسطين، وتمنع مواطنيها من زيارة هذا الكيان الغاصب، وجواز سفرها مذيل بعبارة « هذا الجواز صالح لزيارة كل الدول ما عدا اسر ائيل» كما تمنع زيارة الاسرائليين لاراضيها.
باختصار..
نجاح تجربة ماليزيا يستحق الدراسة، ويعطينا الامل بان هذه التجربة قابلة للتكرار في كل دول العالم الثالث،وخاصة العالم العربي المبتلى بالفساد والفاسدين والمفسدين، اذا توفرت الارادة الساسية الحرة، والقائد النموذج، القادر ان يقول «لا « كبيرة لاميركا...
 و» لا» لاملاءات صندوقها النقدي..
 ونعم لاجتثاث الفساد والفاسدين بدون رحمة..



حقيقة مهمة تفرض نفسها، وكانت ولا تزال سببا من الاسباب الرئيسة، في نجاح التجربة وتجذرها، لتقوى على الارياح الصفراء، ونجد لزاما الاشارة اليها في ختام سلسلة مقالاتنا عن «تجربة ماليزيا» لاكتمال الصورة.. واكتمال المشهد الزاهي ونعني : المساءلة والمحاسبة..
ان الاصرار على مساءلة المتهمين بالفساد.. ومحاسبتهم أيا كانت صفتهم،وأيا كانت المراكز والوظائف التي يشغلونها، بدءا من رئيس الوزراء، وتطبيق القانون على الجميع بدون استثناء،، كانت المدماك الرئيس الصلب في نجاح التجربة، واجتياز الامتحان الصعب..
لقد تجسد هذا العنصر الهام في عودة «مهاتير محمد» الى الحكم تحت الضغط الشعبي، لانقاذ التجربة، ومبادرته فورا باصدار الاوامر بمنع المتهمين بالفساد ممن السفر، ومغادرة البلاد، والحجز على اموالهم، والتحقيق معهم، حيث تمكنت الاجهزة المعنية التحقيق مع «6»الاف متهم بالفساد، واسترجاع « 500» مليار دولار، من بنوك سويسرا وانجلترا واميركا.
ومصادرة كميات كبيرة من الحلي والمجوهرات وجدت في بيوت هؤلاء الفاسدين..
وبوضع النقاط على الحروف...
فغياب المساءلة والمحاسبة الجدية هي :وراء انتشار الفساد وتكاثر المفسدين، كما تتكاثر الطحالب والسرخسيات، ووراء انتشار هذا الوباء الذي اصبح كالسرطان لا شفاء منه...
لقد تمكن هؤلاء الفاسدون بفعل عدم جدية اجراءات المساءلة والمحاسبة، وبفعل الحواضن التي حضنتهم وتحتضنهم، من الافلات من الحساب والعقاب، واصبحت ايامهم كلها « قمره وربيع». يسرحون ويمرحون في طول البلاد وعرضها...!!
ولو استعرضنا تجريتنا الاردنية ومنذ عودة الديمقراطية وعودة البرلمان عام 1989، لوجدنا ان الاف الصفحات قد سودت بالحديث عن الفساد والفاسدين، وكان شعار كافة المرشحين لانتخابات البرلمان، وشعار كافة الحكومات هو: محاربة الفساد واستئصاله من الارض الاردنية،.وكل ذلك اكثر منه،  ثبت وبعد انقضاء حوالي ثلاثة عقود، انه مجرد كلام في كلام لم يرق الى درجة الفعل الحقيقي الذي يهدد هذه الطغمة التي استباحت البلاد، وسرقت لقمة الفقراء..حتى بلغ السيل الزبى، بعد ان تحول شعارا الحكومات من محاسبة الفاسدين واسترجاع اموال الدولة الى فرض المزيد من الضرائب... ما أدى الى هبة رمضان المباركة التي اسقطت حكومة الملقي، واتت بحكومة الرزاز، وهي الحكومة التي لا تزال في مربع المراوحة..
ماليزيا.. قدمت النموذج الحي الراقي، ولكنه النموذج الحازم الصارم في محاربة الفساد، واثبتت ان الحكومات قادرة اذا ما امتلكت الارادة الوطنية الحرة.. واذا ما امتلكت التصميم، والرؤية الصحيحة للنهوض ومحاربة الفساد،، وفي مقدمة كل ذلك الاعتماد على الذات ورفض مبدأ الاعتماد على الاخرين..قادرة على معانقة الحلم..
ماليزيا رفضت الاذعان لشروط صندوق النقد الدولي، وفي مقابل ذلك زرعت في الشعب الماليزي عنصر التحدي والكرامة الوطنية، وعنصر الايمان المطلق بالعمل، فهو القادر على تغيير الواقع، والقادر على بناء ماليزيا الحديثة.. وهذا ما تحقق.
صحيح ان ماليزيا تملك مقومات نهضة عملاقة..من نفط وثروات طبيعية « زيت النخيل، الورق، المطاط والسمك» ولكنها لم تكتف بذلك بل استغلت هذه الموارد لاستصلاح اراض جديدة لزراعة الشاي والفراولة والاناناس.وانتاج العسل، واصبحت في النهاية من اكبر البلدان السياحية الذي يستقبل ملايين السياح وخاصة من الدول الخليجية، ومن دول الجوار،واصبحت جامعات ماليزيا مقصدا لمئات الالاف من الطلبة وخاصة العرب، لما تتمتع به من سمعة اكاديمية راقية، وكانت سببا رئيسا في نهضة ماليزيا.
تتجول في ماليزيا من اقصى الشرق الى اقصى الغرب فلا ترى شرطيا واحدا ولا حتى شرطي سير، ولا ترى صورا لزعيم حتى ل «لماهتير محمد» باني نهضتها،فكسرت الخوف، وقالت لاميركا «لا « كبيرة.. وقالت لذراعها المهيمن.. صندوق النقد « لا»..انها نموذج حضاري يستحق ان يحتذى.
باختصار...
ماليزيا..رسالة للعرب الذين ارهقهم الفساد،حتى غدو مثالا في العالم كله للعجز والفشل، انها رسالة ليملكوا الجرأة.. ويقبضوا على هذا الوحش الضاري..الذي حول حياتهم الى كابوس لا ينتهي.
فهل يفعلون؟؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ماليزيا ... تجربة تحتذى Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماليزيا ... تجربة تحتذى   ماليزيا ... تجربة تحتذى Emptyالأحد 19 أغسطس 2018, 10:40 am

النموذج السياسي الماليزي وإدارة الاختلاف
يحاول هذا التقرير فهم النظام السياسي الماليزي وخلفيات نجاحه النسبي، لاسيما على صعيد البنية السياسية والنظام الانتخابي، والعقد الاجتماعي والدستور والمواطنة وحقوق الأقليات والطوائف وغيرها، وقد تقدم هذه التجربة حالة يمكن الاهتداء بها، خصوصًا في ضوء التغيرات التي يشهدها العالم العربي.
محسن صالح

نعمت ماليزيا نسبيًا منذ استقلالها وخلال العقود الخمسة الماضية:

بحالة من الاستقرار السياسي، حيث انتظمت الانتخابات الديموقراطية الحرة في مواعيدها، ولم تحدث أية انقلابات.

حالة من التوافق والتعايش العِرقي والديني.

تطور اقتصادي انعكست فوائده على مجمل شرائح المجتمع الماليزي.

استقرار في الأمن الداخلي.



وبالتأكيد، فإن هذه النجاحات لم تكن تخلو من المشاكل والمنغصات، ولكنها كانت على كل حال مما يمكن استيعابه وتجاوزه. وهذا ما جعل ماليزيا في مقدمة الدول الإسلامية ومن أكثر دول العالم الثالث تقدمًا، وتمكنت من تحقيق قفزات هائلة في الاقتصاد التعليم ومحاربة الفقر والبطالة، وفي توفير البنى التحتية والخدمات المتطورة. 

كيف استطاع هذا البلد، الذي كان يعاني شعبه من فقر مدقع تحت الاستعمار البريطاني، ومن ثورة شيوعية، ومن تعقيدات عرقية تهدد بتفجير الوضع بين الملايو والصينيين والهنود، أو من اختلافات دينية تهدد بتفجير الوضع بين المسلمين والبوذيين والهندوس والمسيحيين، أن يحقق تلك النجاحات؟

يحاول هذا التقرير فهم النظام السياسي الماليزي، وخلفيات نجاحه النسبي في إيجاد معادلة متناسبة مع تعقيداته ومشاكله الداخلية:

أولاً: ماليزيا.. التكوين السكاني والديني

تقع ماليزيا في جنوب شرق آسيا. وتبلغ مساحتها 330 ألف كلومترمربع، ومناخها استوائي دائم الأمطار والحرارة على مدار السنة، وتغطي الغابات والأدغال نحو 68% من مساحتها الكلية. وتتمتع بثروات طبيعية من القصدير والنفط والغاز والأخشاب والنحاس والبوكسايت.(1)

تتميز ماليزيا بتعدد أجناسها وأديانها، غير أن هناك ثلاث فئات عِرقية كبيرة، هي الملايو والصينيون والهنود. وعندما استقلت سنة 1957، كان التقسيم العرقي في شبه جزيرة الملايو يشير إلى أن الملايو حوالي 50% من السكان، بينما يشكِّل الصينيون 37%، والهنود 12% (2) وقد رفع انضمام ولايتي صباح وسرواك إلى الاتحاد الماليزي سنة 1963 إلى حدٍّ ما من نسبة الملايو، كما زادت نسبتهم مع الزمن بسبب ارتفاع نسبة التكاثر مقارنة بغيرهم.

بلغ عدد سكان ماليزيا سنة 2010 حوالي 28 مليونًا و334 ألفًا، وتشير الإحصائيات إلى أن عدد من يحملون الجنسية الماليزية قد بلغ 26 مليونًا؛ حيث بلغت نسبة ما يُعرَف بأبناء البلد Bumiputra من بينهم 67.4% (وأغلبيتهم الساحقة من الملايو)، بينما بلغت نسبة الصينيين 24.6%، والهنود 7.3%، والآخرين 0.8%؛ أما المقيمون من غير الماليزيين فيبلغ عددهم 2.321 مليونين وثلاثمائة وواحد وعشرين ألفًا أي بنسبة 8.2% من العدد الكلي للسكان(3).

الملايو هي أكبر المجموعات العِرقية وأكثرها تجانسًا، فكلهم مسلمون، وكلهم يتحدثون اللغة الملايوية أو الماليزية   (4) Bahasa Malaysia. ويشكّل الصينيون ثاني أكبر المجموعات العرقية في ماليزيا، ويتميز الصينيون بالنشاط والقدرة على التنظيم والعمل المتواصل، ويتركزون في المدن. وقد أسهمت قوة العلاقات الداخلية الاجتماعية بين الصينيين ودعمهم لبعضهم بعضًا، والجمعيات السرية الناشطة في أوساطهم، في تحسين أوضاعهم المادية وفي سيطرتهم على معظم الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة، وعلى العديد من القطاعات الاقتصادية بما في ذلك البنوك وشركات التأمين ومناجم القصدير... وغيرها(5). أما الهنود فمعظمهم من التاميل Tamil الذين قدموا من جنوب الهند(6).

ويشكِّل المسلمون، حسب آخر إحصاء رسمي تمّ سنة 2000، ما نسبته 60.4% من السكان، أما البوذيون فغالبيتهم الساحقة من الصينيين ويشكِّلون 19.2%، وتبلغ نسبة المسيحيين 9.1%، وأغلبهم من الصينيين مع عدد لا بأس به من الهنود. ومعظم الهنود في ماليزيا من أتباع الهندوسية Hindu (نحو 6.3% من مجمل السكان هندوس. وهناك من يتبع أديانًا تقليدية صينية (نحو 2.6% من مجمل السكان) كالكنفوشيوسية Confucianism، والطاوية (Taoism.(7

ثانيًا: قراءة في فلسفة النظام السياسي وعناصر نجاحه

الحكم في ماليزيا ملكي دستوري، ونظام الحكم فيدرالي يجمع 14 ولاية ماليزية، وهناك حكومة فيدرالية مركزية يرأسها رئيس الوزراء، الذي يفوز حزبه في الانتخابات على مستوى الدولة، وهو ذو صلاحيات واسعة، كما أن هناك حكومات محلية للولايات، يرأس كلاً منها رئيس الوزراء الذي يفوز حزبه في الانتخابات على مستوى الولاية. وقد وفّر نظام الحكم مجموعة من الضمانات والإجراءات التي تعطي للدولة صبغة ملايوية، كالملكية ولغة الملايو ودين الدولة الإسلام، وتضمن سيطرة الملايو على الحياة السياسية وعلى الخدمة المدنية، فضلاً عن إعطائهم بعض المزايا الاقتصادية والتعليمية(Cool.

وقد ضمن نظام الحكم أن يكون الملك Agong من بين سلاطين الملايو التسعة، والذين يحكم كلٌّ منهم، بالوراثة، إحدى الولايات الماليزية (والتي كانت سلطنة قبل الاستقلال). ويقوم مجلس السلاطين باختيار ملك مرة كل خمس سنوات. ولذلك لم يكن غريبًا أن يشهد مهاتير بن محمد، عندما كان رئيسًا للوزراء في الفترة 1981-2003، عهود خمسة ملوك لماليزيا! وسلطات الملك في ماليزيا أقرب إلى سلطات الملك في بريطانيا، فهو يملك ولا يحكم، ويقوم بسلطات رمزية، وفي معظم الأمور يتصرف بناءً على "نصيحة" الحكومة؛ وهو القائد الأعلى للجيش. وقد تمكَّن مهاتير من تقليص صلاحيات السلاطين سنة 1993، عندما تمت الموافقة على رفع الحصانة عنهم، وعلى محاكمتهم قضائيًا في محاكم خاصة في حالة اتهامهم؛ كما قُلِّلت صلاحياتهم في إعطاء العفو الملكي(9).

وفيما يلي أبرز معالم النظام السياسي الماليزي وعناصر نجاحه:



1. القيادة السياسية:

تهيأ لماليزيا عدد من القيادات السياسية المتميزة منذ الاستقلال وحتى الآن. تميزت هذه القيادات بأنها مثقفة ومتعلمة، وقادرة على العمل لتحقيق المصالح الكلية للدولة، في ضوء استيعاب عميق لتعقيدات الوضع الداخلي وحساسياته، ولمجموعة الحسابات الإقليمية والدولية. وكان من أهم مزايا القيادة الماليزية أنها تعرف ماذا تريد، وأنها لا تبالغ في تقدير الإمكانات المُتاحة، وهي مستعدة للعمل الحثيث التدريجي الهادئ، ولو اتسم أحيانًا بالبطء، فإنه كان يسير في الاتجاه الصحيح.

خلال خمسة وخمسين عامًا (1957-2012) قاد ماليزيا ستة رؤساء وزارة فقط؛ وهو ما يشير إلى حالة الاستقرار النسبي الذي عاشته ماليزيا. وعلى الأغلب فقد كان كل رئيس وزراء هو الشخص الأنسب لمرحلته. كان تنكو عبد الرحمن أول رئيس للوزراء وكان هو بطل الاستقلال. وكان هذا الرجل، الذي تعلم القانون في جامعة أكسفورد في بريطانيا، يدرك أن الاستقلال لن يتحقق إلا بتوافق جميع فئات المجتمع في ماليزيا. ونجح في بناء علاقات وثيقة وتفاهمات مع قيادات الصينيين والهنود اعترف فيها هؤلاء بعدد من المزايا للملايو، في مقابل اعتراف الملايو بحقوق المواطنة الكاملة للصينيين والهنود. ونجح تنكو عبد الرحمن في بناء التحالف من الأحزاب الكبرى الثلاث، وهو ما شكَّل أساس فكرة التوافق و"اقتسام الكعكة" بين مختلف الأعراق، وعلى أساس هذه الفكرة ما زال حكم ماليزيا قائمًا. ونجح تنكو عبد الرحمن أن يكون بطلاً للوحدة فتم ضمّ صباح وسراواك وسنغافورة. وعندما شعر أن بقاء سنغافورة سيهدد أسس التوافق الماليزي، اختار طرد سنغافورة في سبيل الحفاظ على التوافق(10).

وفي سنة 1970 صار تون عبد الرزاق بن حسين Tun Abdul Razak bin Hussein رئيسًا للوزراء(11)، في إثر اضطرابات 13/5/1969 التي هزت ماليزيا، وهي اضطرابات عرقية بين الملايو والصينيين أدت إلى مقتل143  من الصينيين و25 من الملايو، وعبّرت عن مدى خوف الملايو على مستقبلهم، في ظل سيطرة الصينيين على الاقتصاد وتزايد نفوذهم السياسي؛ فأعاد تشكيل التركيبة السياسية الماليزية، ووسّع التحالف الحاكم، وشكّل "الجبهة الوطنية"  Barisan National لتشكل قاعدة حكم ائتلافي أكثر صلابة واستقرارًا. واعتبره الكثيرون "بطل التنمية"   (12)؛ حيث وضع ماليزيا على سكة التطور الاقتصادي، فكان وراء إطلاق السياسة الاقتصادية الجديدة New Economic Policy "NEP" التي قدمت رؤية اقتصادية لعشرين سنة تالية (1990-1971)، استهدف من خلالها تحقيق تقدم اقتصادي للجميع، مع تحسين وضع الملايو الذين كانوا يعانون من الفقر مقارنة بالصينيين والهنود، وتوفير صمام أمان للجميع يمنع تكرار اضطرابات (سنة 1969)(13).

وكان قدوم حسين بن عون Hussein bin Onn (ابن أول رئيس لحزب أمنو) استمرارًا لنهج تون عبد الرزاق، ونجح عون في استيعاب مهاتير بن محمد Mahathir bin Mohamed، الذي كان قد طُرد من الحزب وقيادته، إثر أحداث 1969، وجعله نائبًا له ووزيرًا للتربية. ويُعدّ مهاتير بن محمد الذي تولى رئاسة الوزراء لأكثر من 22 عامًا (1981-2003)، "بطل الازدهار" الماليزي، حيث قفزت البلد في عهده قفزات هائلة، خصوصًا في جوانب الاقتصاد والتعليم والبنية التحتية والخدمات(14). وقدم مهاتير خدمات كبيرة لأبناء قومه من الملايو وأحدث تغييرات مهمة في بنيتهم الاقتصادية والاجتماعية؛ مع الحفاظ على حقوق الأقليات الأخرى. وقدّم مهاتيير رؤية شاملة للوصول بماليزيا إلى مصاف الدول المتقدمة بحلول سنة 2020 "Vision 2020". كما نجح في مواجهة أخطر أزمة اقتصادية مرت بها ماليزيا في تاريخها (سنة 1998)(15).

أما رئيس الوزراء عبد الله أحمد بدوي Abdullah Ahmad Badawi (2009-2003) فقد تابع سياسة سلفه مهاتير، في الوقت الذي حاول أن يؤكد على المهنية والشفافية ومحاربة الفساد، وعمل على تقديم رؤية إسلامية بعنوان "الإسلام الحضاري" ليقدم نموذجًا "للاعتدال"، في مواجهة ما يرى أنه تشدد وتعصب الحزب الإسلامي الذي ينافسه على كسب أصوات الملايو. وجاء نجيب بن تون عبد الرزاق ليكون سادس رئيس للوزراء في سنة 2009، وليتابع سياسة أسلافه.

اتسم التوريث القيادي بين رؤساء الوزراء الستة بالسلاسة، وكان المعتاد أن يُسِّلم رئيس الوزراء إلى نائبه الرئاسةَ مكانه. وانتظمت الانتخابات الديموقراطية في مواعيدها، وهو ما أكسب القيادة السياسية شرعية شعبية. واجه بعض رؤساء الوزراء مشاكل حقيقية واهتزازات كبيرة، لكنهم في كل الأحوال كانوا يتمكنون من الخروج منها وتجاوزها. غير أن السنوات 15 الماضية اتسمت بتحديات أكبر، وببروز معارضة أكثر قوة وتنظيمًا، خصوصًا بعد انضمام نائب رئيس الوزراء السابق أنور إبراهيم للمعارضة، مع تراجع لمستوى أداء آخر رئيسي وزراء مقارنة بسابقيهم.

2. التعايش والمشاركة:

كان العقد الاجتماعي الذي استطاع الماليزيون تطويره، هو أحد عناصر نجاح التجربة، وأحد ضمانات استمرارها. الاعتراف بالتنوع العرقي والديني، والاعتراف بوجود اختلالات حقيقية في مستويات الدخل والتعليم بين فئات المجتمع، والتوافق على ضرورة نزع فتائل التفجير، وعلاج الاختلالات بشكل هادئ وواقعي وتدريجي... كل ذلك كان مدخلاً لتوفير شبكة أمان واستقرار اجتماعي وسياسي. كان من الضروري وضع "شروط لعبة" يكسب فيها الجميع Win-Win Game. وقد أسهم وجود قيادات سياسية واعية ذات رؤى استراتيجية في تبني هذه "اللعبة"، وترك اللعبة التي تقتضي وجود رابح وخاسر Win-Lose Game، والتي كثيرًا ما تكون نتيجتها أن الجميع يخسر Lose-Lose Game.

وكان جَوهر فكرة علاج الاختلالات مبنيًا على تحقيق التعايش السلمي، وحفظ حقوق الجميع، والمشاركة في المسؤولية وفي برنامج التنمية. والفكرة مبنية على أساس زيادة أنصبة جميع الفئات، وإن بدرجات متفاوتة، وحل مشكلة المحرومين من خلال عملية الزيادة والتوسع، وليس من خلال مصادرة حقوق الآخرين أو التضييق عليهم. أي أن الفكرة مبنية على أساس "تكبير الكعكة"، وليس على أساس التنازع عليها(16).

كان الملايو يشعرون بقلق بالغ على مصيرهم، وبحالة من عدم الثقة بالصينيين. وكان الصينيون هم سكان المدن، وهم المسيطرون على الاقتصاد والتجارة، وكان عددهم كبيرًا (37% من السكان عند الاستقلال). وكان الملايو يعيشون في القرى والأرياف ولم يكن يزيد نصيبهم في الاقتصاد عن 2% وكانوا يعانون من الجهل والفقر(17).

وفي الوقت نفسه، كان الصينيون يشعرون بقلق بالغ على مستقبلهم، إذا لم يُعترَف بهم كمواطنين ماليزيين، فعند الاستقلال كان قد وُلِد 75% منهم في ماليزيا، وكانوا يخشون أن تؤدي سيطرة الملايو إلى الانتقاص من حقوقهم، أو مصادرة أملاكهم وثرواتهم(18).

وكان أساس التوافق أنه للوصول إلى حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي، فلابد أن تُتاح الفرصة للملايو للحصول على حصة عادلة من ثروة بلادهم، وأن تُعطى لهم ضمانات بأن قيادة النظام السياسي ستكون بأيديهم. ولأن الملايو لم يكونوا يملكون إمكانات مادية ذاتية، فقد جعل نظام الحكم من مسؤوليته إعطاء مزايا وحوافز للملايو في الاقتصاد والتعليم والعمل الحكومي؛ تتيح لهم مع الزمن السيطرة على جزء معقول من الاقتصاد. وفي الوقت نفسه، أعطى النظام ضمانات المواطنة الكاملة للصينيين والهنود، وأكد أن تحسين أوضاع الملايو لن يكون بتعويق أو إضعاف أوضاع غيرهم، وأن غير الملايو يستطيعون المحافظة على ثقافتهم وعاداتهم، وأن تكون لهم مدارسهم، التي يستخدمون فيها لغتهم المحلية إلى جانب اللغة الماليزية. ولم يكن لدى قيادات الصينيين والهنود مانع من إعطاء بعض المزايا والحوافز للملايو، لأنهم يعلمون أن انفجار الملايو، نتيجة الشعور بالظلم والاستغلال، سيدمر كل ما بنوه؛ ولأن النصيب الذي سيأخذه الملايو سيكون ناتجًا عن عملية التوسع والنمو الاقتصادي، وهو ما يعني أنه ستتاح الفرصة للصينيين والهنود أيضًا لزيادة ثرواتهم؛ فمثلاً إذا كانت الكعكة في البداية من مائة قطعة فإنه سيجري تنميتها لتصبح ألف قطعة، وسيزيد نصيب الملايو مثلاً من قطعتين (2%) إلى 300 قطعة (30%)، بينما سيزيد نصيب الآخرين من 98 قطعة (98%) إلى 700 قطعة (70%).

وفي الوقت نفسه تصرفت القيادة الماليزية بطريقة واقعية، ورأت أن مجرد إثراء الملايو بالمال سيفسدهم، وهو مال سيضيع بسوء الاستخدام أو قلة الخبرة أو عدم الشعور بالمسؤولية. ولذلك ربطت تحسين أوضاع الملايو بخطط زمنية طويلة المدى، وحرصت على الاستثمار في تعليمهم وتدريبهم، وتطوير كفاءتهم وقدرتهم التنافسية(19).

ومن جهة أخرى، فقد تم تكريس تقاليد أن الخلافات بين الأحزاب في الائتلاف الحاكم تُحلّ خلف الأبواب المغلقة، كما يتم التوصل إلى الصفقات السياسية وتوزيع الحصص أو المكاسب بالطريقة نفسها، لتحقيق أقل قدر من الإثارة أو التوتر الطائفي والعرقي. غير أنه لم يكن هناك ما يمنع من "تفريغ" بعض المشاعر، أو التعبير عن مواقف متشددة في المؤتمرات الخاصة بكل حزب من الأحزاب، وخصوصًا فروعها الشبابية(20).

وقد نجحت هذه السياسة في تحقيق قدر كبير من الاستقرار السياسي والأمني، وفي توفير بيئة أفضل للتطور الاقتصادي(21).

3. نظام ديموقراطي "تحت السيطرة:

لأن التكوين الطائفي والعرقي في ماليزيا كان شديد التعقيد والحساسية، فقد ارتأت القيادة السياسية أنها بحاجة إلى استقرار سياسي وأمني واجتماعي، وإلى توفير البيئة المناسبة للتمكن من تحقيق نمو اقتصادي تستفيد منه كافة شرائح المجتمع وإن بدرجات متفاوتة. وكانت القيادة تعلم أنها لن تحقق أهدافها إلا بشكل نسبي، ولن تحصل على الرضا التام من كل الأطراف أو من أي منها. ولذلك اعتقدت أنها لن تستطيع العمل الفعال المنتج إلا في أجواء تكون فيها واثقة من صلاحياتها، ومَحمية من المعارضين والخصوم. وقد تكرّست هذه الاتجاهات بعد أحداث 1969، حيث رأى تون عبد الرزاق الذي تولى رئاسة الوزراء سنة 1970، أنه لابد من تخفيف درجة الاحتقان العرقي، من خلال تخفيف المنافسة السياسية، فعمل على توسيع التحالف الحاكم، بحيث يضمن أغلبية ثلثين مريحة له في البرلمان. كما قوّى من صلاحيات السلطات المركزية(22)، وقد تابع مهاتير بن محمد سياسة تقوية السلطات المركزية وتركيز الصلاحيات بيد رئيس الوزراء(23).

ويتبع مكتب رئيس الوزراء وكالة مكافحة الفساد، والمدعي العام، ووحدة التخطيط الاقتصادي، وقسم التطوير الإسلامي (الشؤون الإسلامية)، ولجنة الانتخابات المركزية، وشركة البترول الوطنية (بتروناس)، ولجنة الخدمات العامة(24). ولرئيس الوزراء أن يعلن حالة الطوارئ في البلاد، وأن يحكم في أثنائها من خلال مراسيم تأخذ قوة القانون. ويُعدّ قانون الأمن الداخلي Internal Security Act (ISA) أحد أقوى الأدوات التي تدعم السلطة المركزية في مواجهة معارضيها، أو في مواجهة أي من القلاقل المحتملة. وقد أُجيز هذا القانون سنة 1960، وأعطى الشرطة صلاحية اعتقال أي شخص بتهمة تهديد الأمن الوطني لمدة شهرين دون محاكمة. ويمكن أن يُجدد الاعتقال دونما حدود قصوى، وليس للقضاء أية سلطة قانونية على هؤلاء المعتقلين(25).

وهناك قوانين تَحدّ من حرية الإعلام(26). وتمنع القوانين الماليزية كل الأنشطة التي تسبب السخط ضد الحكومة أو ضد القضاء، أو ما يمكن أن يؤدي إلى حالة من السخط الاجتماعي أو القلاقل بين أعراق المجتمع وطوائفه. وهناك قوانين أخرى تمنع طلاب الجامعات والاتحادات النقابية من النشاطات السياسية(27). على أنه يجب ملاحظة أن السلطات لا تستخدم كافة القوانين بشكل دائم متعسف، ولكنها تلجأ إليها كلما رأت مصلحة (من وجهة نظرها) في ذلك.

مكنت أغلبية الثلثين التي يحصل عليها التحالف الحاكم عادة، من وجود أغلبية جاهزة ليس فقط لإصدار القوانين وإنما لتغيير الدستور أيضًا. وفي الفترة 1957-1996 تم إجراء 42 تعديلاً دستوريًا(28).

ولم تتعرض ماليزيا إلى عدوى الانقلابات العسكرية التي انتشرت في العالم الثالث، واستطاعت السلطات المدنية أن تفرض سلطتها على القوات العسكرية، وأن تمنعها من ممارسة أي دور سياسي، وكان كل وزراء الدفاع في ماليزيا من المدنيين. وهذه من النجاحات التي تُحسب للنظام السياسي(29).

4. الاستثمار في الإنسان (التعليم والتدريب):

تعطي الحكومة الماليزية اهتمامًا كبيرًا للتعليم والتدريب، وعادة ما يغطي هذا البند نحو 20-25% من الميزانية السنوية العامة للدولة أو من نفقاتها الكلية. وتُعدّ هذه الميزانية من أعلى معدلات الميزانيات التي تُمنح للتعليم في العالم. وهي تتقدم في هذا المجال على الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا الغربية... وغيرها.

وتظهر قراءة مقارنة أن ما تنفقه ماليزيا على التعليم يبلغ عادة نحو ثلاثة أضعاف ما يُنفَق على الجيش والدفاع، وعلى سبيل المثال بلغت ميزانية التعليم لسنة 2007 نحو 34.33 مليار رنغت -3.1 رنغت ماليزي تساوي دولارا واحدا- أي حوالي 10.1 مليارات دولار، فيما بلغ الإنفاق على الدفاع والجيش نحو 13.36 مليار رنغت أي حوالي 3.93 مليارات دولار(30)؛ بينما بلغت ميزانية التعليم لسنة 2011 نحو 40.13 مليار رنغت أي حوالي 13 مليار دولار، فيما بلغ الإنفاق على الدفاع والجيش نحو 14.04 مليار رنغت أي حوالي 4.56 مليار دولار(31).

5.الدين والدولة:

كان موضوع علاقة الدين بالدولة، في بلد متعدد الأديان ومتعدد الأعراف ومتعدد الثقافات، أمرًا يتسم بالحساسية والدقة. وفوق ذلك فإن المسلمين، على الرغم من أنهم "أبناء البلد"، إلا أن نسبتهم العددية، عند إعلان استقلال ماليزيا، كانت في حدود نصف السكان فقط. ولم تكن للصينيين قوة عددية فقط، ففضلاً عن قوتهم ونفوذهم الاقتصادي الذي يتجاوز نفوذ الملايو المسلمين بأَضعاف مضاعفة، فإن النظام الديموقراطي والانتخابات الحرة، وحرص أو اضطرار الحزب المسلم الحاكم "أمنو"  UMNO للتحالف معهم، قد أعطاهم قوة سياسية، ودورًا في صياغة الاتجاهات العامة للدولة. وفي مثل هذه الأوضاع، ومع وجود قيادة للمسلمين الملايو ذات ثقافة غربية، تم الاتفاق على علمانية الدولة، وعلى ضمان الحريات والحقوق الدينية والثقافية لمختلف الطوائف.

ومن جهة أخرى، فإن الدستور الماليزي تميز بمواد قلَّ نظيرها في أي بلد آخر، حيث عرَّف الدستور الملايو بأنه "الشخص المسلم، الذي يتكلم لغة الملايو، ويمارس عاداتهم". وبالتالي، فمن الناحية العملية لهذا التعريف القانوني فإن كل الملايو مسلمون، وإن ابن الملايو الذي يترك الإسلام بالانتقال إلى دين آخر، لا يُعد من الناحية القانونية منتميًا إلى الملايو. وهذا يعني تداخلاً بين ما هو ديني وبين ما هو قومي، بحيث حملت قومية الملايو صفة دينية. فكان الإسلام عنصرًا حاسمًا في تحديد هويتهم. ووصف الدستور دين الدولة بأنه الإسلام، وعُدَّ ملك ماليزيا راعيًا للإسلام في البلد، ومنع غير المسلمين من نشر دينهم وسط المسلمين، لكنه سمح لهم بنشره وسط غير المسلمين، كما سمح للمسلمين بنشر دينهم وسط غيرهم من أبناء الأديان الأخرى(32).

وقد تعامل الصينيون والهنود بشكل عام بروح إيجابية مع الوضع الخاص الذي كفله الدستور للملايو المسلمين، خصوصًا وأنهم قد ضمنوا حقوق المواطنة والحريات الدينية والثقافية. وأصبح ذلك نوعًا من "العقد الاجتماعي" الذي ارتضته مكونات المجتمع الماليزي. كما أن العديد من النصوص القانونية اتخذت شكلاً رمزيًا، لا يمس جوهر النظام العلماني، وظلت التطبيقات القانونية الإسلامية محصورة، مثل معظم بلدان العالم الإسلامي، بقانون الأحوال الشخصية الذي لا يُطبق على غير المسلمين.

وكما أن الطبيعة العامة للماليزيين اتسمت بالاعتدال والتسامح، فإن طبيعة القيادة الماليزية اتسمت "بعلمانية معتدلة" تعاملت بروح إيجابية مع الإسلام والمؤسسات والرموز الدينية، ولذلك لم يكن مستغربًا انتشار الحجاب في أوساط نساء الحزب الحاكم، وظهور المذيعات المحجبات على شاشة التلفزيون قبل أي من البلدان الإسلامية، وإنشاء البنوك والشركات الإسلامية، والجامعة الإسلامية العالمية، ووجود المئات من المدارس الدينية في كل مكان في ماليزيا، والتي يؤمها معظم أطفال المسلمين بعد انتهاء دوامهم من المدارس العادية، وصدور قانون للطعام الحلال، وقانون آخر يمنع "الخلوة" بين الرجل والمرأة المسلمين. وكان من مظاهر اعتدال الحكم أن الدولة لم تلجأ إلى قمع التيارات الإسلامية السياسية أو مطاردتها، وإنما فضلت أسلوب التعايش والاحتواء، والتنافس الذي قد يستخدم بعض أدوات السلطة (ربما الإعلامية أو الاقتصادية...) لكنه لا يلجأ إلى العنف.

6. جهاز الخدمة المدنية

يرى الفريق المتقاعد عبد الغني عزيز (القائد السابق لسلاح الطيران الماليزي) أن أبرز أسباب نجاح التجربة الماليزية كان في وجود نظام خدمة مدنية حكومية ذي كفاءة عالية. ويُنبه إلى أن رؤساء الوزراء الثلاثة الذين سبقوا مهاتير كانوا من موظفي الخدمة المدنية(33). وعندما سأل الباحث مهاتير عن ذلك قال: "نعم، إنهم متدربون، ولدينا مؤسسات تدريبية جيدة جدًا تهتم بالارتقاء بمستواهم". وأضاف مهاتير: إن الحكومة لديها وحدة معنية من التأكد من سلامة التنفيذ ICU Implementation Coordination Unit، و"أنك عندما تصدر أمرًا تتأكد وتطمئن أنه يجري تنفيذه". وقال مهاتير: إنه يجب أن تكون لديك إدارة جيدة وأن تواجه الفساد. وحتى تمنع الفساد يمكن أن تضع بعض القوانين الصارمة...، ولكن الأهم من ذلك هو "تطوير نظام إداري يكون واضحًا جدًا". وأضاف مهاتير أنهم في ماليزيا حددوا بدقة مجموعة الإجراءات التي يجب اتخاذها لتنفيذ أي عمل، والزمن الذي يستغرقه ذلك، وصلاحيات الموظفين. فإذا لم يقم الموظف بما حُدِّد له بدقة وضمن الزمن المحدد، فيُستنتج أنه فاسد، وبالتالي سيحاسب ويُتخذ الإجراء اللازم بحقه. وأوضح أنه يوجد في ماليزيا مؤسسة رسمية تكافح الفساد Anti Corruption Agency، لكنه نبه إلى أن أهم شيء هو الإجراءات، ولذلك يوجد في الحكومة دليل الإجراءات Manuel of Procedures، يُحدِّد بدقة الإجراءات اللازمة لكل عمل(34).

طورت الحكومة الماليزية مجموعة من الأنظمة الإدارية لكبح جماح الفساد، وكان من بينها تقليل الإجراءات الإدارية إلى الحد الأدنى، واعتماد أسلوب إنهاء المعاملة من خلال إجراء واحد one stop approving authority. كما كان هناك اهتمام بالانضباط الوظيفي، بما في ذلك التزام الموظفين بتوقيع دخولهم وخروجهم من العمل، وبوضع إشارة Tag على صدورهم تعرف بأسمائهم، وعدم استثناء أي شخص، بما في ذلك القضاة والوزراء وحتى رئيس الوزراء نفسه.

وفي سنة 1993 دخل قانون الموظفين العامِّين (موظفي الخدمة المدنية) حيز التنفيذ، وفي سنة 1994 تبعه قانون أخلاق مهنة القضاء، وفي السنة التالية أُجيز قانون أخلاق العمل في الإدارات والمؤسسات. وفي سنة 1997 أجازت الحكومة قانون منع الفساد، وأصبح أهم سلاح بيدها؛ إذ أعطى صلاحيات واسعة لوكالة مكافحة الفساد. وأصبح أولئك الذين لا يستطيعون تبرير وجود أموال أو ممتلكات معينة في حوزتهم، عرضةً للمحاكمة ومصادرة أموالهم. وتوسعت مهمة وكالة مكافحة الفساد لتغطي اختبار سلامة الإجراءات ودقتها في المؤسسات الحكومية، وإعطاء التوجيهات والنصائح لمن يحتاجها، ونشر ثقافة منع الفساد وتجنيد الرأي العام ضدّه(35).

7. البيئة الإقليمية والدولية

تقع ماليزيا في منطقة بعيدة عن بؤر الصراع الساخنة، وعن مفاصل التركيز للقوى الكبرى. ولذلك لم تنعكس الظروف والتحديات الخارجية، بشكل عام، سلبًا على عملية النهوض الماليزي. وظلت المشاكل الخارجية في إطار يمكن استيعابه، ويمكن التعامل معه وحصر تأثيره؛ فماليزيا مثلاً بعيدة عن مركز الصراع العربي-الإسرائيلي، وعن منطقة تركّز النفط. ويتبنى النظامُ الماليزي سياسةً علمانية معتدلة ومنفتحة، كما يتبنى نظامًا ديموقراطيًا أقرب إلى الأنظمة الغربية. وهو نظام يميل بطبيعته إلى التعايش السلمي، وإلى تهدئة نقاط الاحتكاك مع دول الجوار، وإلى بناء العلاقات وفق المصالح الوطنية (وخصوصًا الاقتصادية) للدولة. وقد ساعد هذا ماليزيا على توفير أجواء معقولة لعملية التنمية الاقتصادية، كما مكَنّها، مثلاً، من أن تنفق على عمليات التنمية، وإقامة البنى التحتية والصناعة والتعليم والصحة، أكثر مما تنفقه على الجيش والدفاع.

تجاوزت ماليزيا أبرز التحديات الخارجية في المراحل الأولى لاستقلالها فقضت على ثورة الشيوعيين في الفترة  1960-1948، وخرجت بنجاح من مواجهتها مع إندونيسيا في الفترة  1965-1962. كما نظمت علاقة براجماتية قوية مع سنغافورة بعد أن طردتها من الاتحاد الماليزي. وعلى الرغم من أن ماليزيا تعاطفت مع ثورة مسلمي فطاني جنوبي تايلاند، والذين ينتمون إلى العرق الملايوي، إلا أنها لم تجعل من أرضها فضاء إستراتيجيًا للثوار؛ وقامت بضبط حدودها لئلا تدخل في صراع مع تايلاند. وهو ما ينطبق بشكل أو بآخر على موقف ماليزيا من ثوار مورو في جنوبي الفلبين، المحاذية لولاية صباح الماليزية.

وتحت زعامة مهاتير، أخذ العامل الاقتصادي يلعب دورًا أكبر في السياسة الخارجية، مصحوبًا بروح دفاعية وطنية عن حقوق الدول النامية ومصالحها وتطلعاتها. ومالت سياسة مهاتير لتشجيع علاقات دول الجنوب ببعضها، وتبني سياسة النظر شرقًا. وقد ازدادت مع الزمن روح مهاتير النقدية تجاه الغرب، غير أن ماليزيا ظلّت من الناحية العملية حليفًا قويًا للغرب، فيما يُعرَف بالحرب على "الإرهاب والتطرف الإسلامي" خصوصًا بعد أحداث 2001/9/11؛ وسمحت ماليزيا للولايات المتحدة بإقامة مركز إقليمي للتدريب على مكافحة الإرهاب في كوالالمبور، وتعاونت معها في مجالات تبادل المعلومات والخبرات المتعلقة بـ"الإرهاب"(36).

ثالثًا: الانتخابات التشريعية

تُعقد في ماليزيا كل خمس سنوات انتخابات ديموقراطية حرة، لانتخاب أعضاء مجلس النواب الماليزي (ديوان الرعية Diwan Rakyat)، ولانتخاب مجالس الولايات. وتتم الانتخابات على أساس حزبي، وعادة ما تتم الانتخابات وفق درجة نزاهة معقولة، لكنها لا تخلو أحيانًا من الاتهامات باستخدام المال السياسي أو أصوات الموتى... إلخ. وبشكل عام تتميز الانتخابات بأنها تحدث بشكل منتظم في مواعيدها، كما تتميز بالهدوء النسبي والسلاسة. ثم إنَّ تقبُّل الأطراف المختلفة للنتائج، أو الاعتراض عليها، إن وُجِد، لا يؤثر في الأغلب على النتائج العامة للانتخابات.

ومن جهة أخرى، تلجأ القيادة السياسية إلى "ضمان" نجاحها في الانتخابات عن طريق:

1. تشكيل تحالفات موسعة بقيادتها من مختلف الطوائف والأعراق.

2. تبنّي نظام انتخابي يعتمد الأكثرية العددية البسيطة للفوز في الدوائر الانتخابية؛ وبحيث يفوز عن كل دائرة مرشح واحد فقط.

3. تقسيم الدوائر جغرافيًا، بحيث تُعطَى نسبة تمثيل أعلى للملايو، وفرص نجاح أفضل لمرشحيهم.

4. حصر الحملات الانتخابية في مدة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع، وهي فترة لا تراها أحزاب المعارضة كافية، في أجواء يسيطر فيها التحالف الحاكم على وسائل الإعلام، ويكون قادته ورموزه ملء السمع والبصر طوال سنوات حكمهم. كما أن لرئيس الوزراء صلاحية تقديم موعد الانتخابات، وتحديد التاريخ الذي يراه مناسبًا لانعقادها(37).

ويسجل نحو 80% من الماليزيين أسماءهم في قوائم المشاركين في الانتخابات، ويقوم عادة نحو 70-80% منهم بالإدلاء بأصواتهم. وبالإضافة إلى مجلس النواب هناك مجلس الشيوخ (المجلس الوطني Dewan Negara) ويقوم كل مجلس من مجالس الولايات باختيار اثنين يمثلان الولاية في عضويته، ويعيّن الملك باقي الأعضاء الـ 43؛ وتستمر ولاية المجلس لمدة ثلاث سنوات، وصلاحيته ذات طبيعة استشارية(38).

حاول حزب أمنو (الذي يقود التحالف الحاكم) أن ينفرد بتمثيل الملايو، ويشدد قبضته على القيادة السياسية الماليزية، وقد نجح إلى حدّ كبير في الاحتفاظ دائمًا بالكتلة النيابية الأكبر في مجلس النواب. وعادة ما يزيد عدد أعضائه في البرلمان عن نصف عدد أعضاء التحالف الحاكم أي الجبهة الوطنية، ولم يشذّ عن ذلك سوى انتخابات سنة 1999 عندما مُني بخسائر كبيرة، بسبب طرد أنور إبراهيم من الحزب ومحاكمته، وبسبب الهزة الكبيرة في الثقة في أمنو، التي عصفت بمجتمع الملايو نتيجة ذلك؛ فحصل الحزب على 71 مقعدًا من أصل 148 مقعدًا حصلت عليها الجبهة الوطنية (48%)، ولكن التحالف الذي يقوده، كان لا يزال في وضع يمكِّنه من الاحتفاظ بأغلبية الثلثين في مجلس النواب (148 من أصل 193 مقعدًا أي بنسبة 76.7%). وبالرغم من أن عدد أعضاء أمنو في البرلمان في انتخابات سنة 2008، زاد عن نصف عدد أعضاء التحالف الحاكم أي الجبهة الوطنية، حيث بلغ 79 عضوًا من أصل 140 مقعدًا حصلت عليه الجبهة الوطنية، إلا أنها كانت المرة الأولى التي يفقد فيها التحالف الحاكم أغلبية الثلثين منذ استقلال ماليزيا. وهو ما أعطى مؤشرات على بوادر لاختلال المعادلة المعتادة، سواء بسبب تراجع قوة التحالف أو بتحسن أداء المعارضة(39).

وقد زود نظام الفوز بالأكثرية البسيطة لصاحب أعلى الأصوات في الدائرة الانتخابية، الجبهة الوطنية بفرص عالية للفوز لأنها تقدم مرشحًا واحدًا فقط يمثلها في أي دائرة وتقوم جميع الأحزاب المنضوية في الجبهة بالتصويت مجتمعة لصالحه. كما منح هذا التحالف الفرصة الأكبر للفوز في الدوائر المختلطة، لأنها عادة ما تنافس مرشحًا عن لون واحد (كالحزب الإسلامي بانتمائه الملايوي، أو حزب العمل الديموقراطي DAP بانتمائه الصيني)، ولذلك تنحصر فرص الأحزاب ذات الأغلبية العرقية أو الطائفية في معاقل عرقيتها أو طائفتها فقط(40). وبالتالي فإن عدد المقاعد الذي تفوز به الجبهة الوطنية، لا يعكس بالضرورة حجم الشعبية التي تتمتع بها. وهو الذي جعلها تحصل عادة على أغلبية تزيد عن ثلثي المقاعد، على الرغم من أنها لم تحصل في أي من الدورات الانتخابية على نسبة ثلثي عدد الناخبين. وعلى سبيل المثال فقد حصلت سنة 1986 على 55.8% من الأصوات، بينما حصلت 83.6% من المقاعد، وفي سنة 2004 حصلت على 63.8% من الأصوات، بينما حصلت على 90.4% من المقاعد (انظر الجدول)(41).


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأحد 19 أغسطس 2018, 10:45 am عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ماليزيا ... تجربة تحتذى Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماليزيا ... تجربة تحتذى   ماليزيا ... تجربة تحتذى Emptyالأحد 19 أغسطس 2018, 10:41 am

جدول (2): نتائج الانتخابات الماليزية للتحالف الحاكم مقابل المعارضة 1959- 2004


جدول (2):
  نتائج الانتخابات الماليزية للتحالف الحاكم مقابل المعارضة 1959-2004
الدورة الانتخابيةالسنةالتحالف الحاكمالمعارضةإجماليالمقاعد
المقاعد% المقاعد%
  الأصوات
المقاعد% المقاعد%
  الأصوات
119597471.1551.73028.8548.3104
219648985.5858.51514.4241.5104
31969956649.3493450.7144
4197413587.6660.71912.3439.3154
5197813084.4257.22415.5842.8154
6198213285.7160.52214.2939.5154
7198614883.6255.82916.3841.5177
8199012770.5553.45329.4546.6180
9199516284.3865.23015.6234.8192
10199914876.6856.54523.3243.5193
11200419890.4163.9219.5936.1219
12200814063.0650.278236.9446.75222

كان الدخول في التحالف الحاكم "الجبهة الوطنية" يتم وفق شروط أمنو، وعلى الرغم من أنه تحالفٌ بين شركاء، إلا أنه لم يكن تحالفًا بين أكفاء متساوين؛ إذ ظلت القيادة والريادة بيد أمنو، ومن يعترض أو يثير "المشاكل" فإنه يُطرَد، كما حدث مع الحزب الإسلامي، الذي دخل التحالف سنة 1974 وخرج منه سنة 1977. وقد زودت الجبهة الوطنية حزب أمنو بواجهة للحكم، كما زودت السياسة الماليزية بآلية للتشاور والتمثيل. وكان أكثر ما يميز الأحزاب المنضوية في الجبهة أنها معتدلة في المسائل العرقية، أو تحرص على أن يكون مظهرها كذلك. ولكنها في كل الأحوال كانت راغبة أو مرغمة على الوصول إلى تسويات باعتبارها قوى مشاركة في الحكم(42).

رابعًا: التجربة الماليزية وما يمكن أن تضيفه للعالم العربي

لا تقدم التجربة السياسية الماليزية وصفة سحرية للمناطق المضطربة في العالم العربي، كما لا تقدم بالضرورة حلولاً مثالية للمناطق التي تعاني من نظمها السياسية أو من اختلالات عرقية وطائفية ومذهبية. والتجربة نفسها لها بيئة نجاحها الخاصة، كما اعترتها بعض جوانب الخلل والقصور. غير أن التجربة الماليزية تقدم حالة استرشادية، يجدر الاستفادة منها، خصوصًا في ضوء التغيرات والثورات التي يشهدها العالم العربي، وبروز الأسئلة المتعلقة بطبيعة النظام السياسي والنظام الانتخابي، والعقد الاجتماعي والدستور والمواطنة وحقوق الأقليات والطوائف، وغيرها من الأسئلة.

ولعل أًبرز مًا يًمكن اًلاستفادة مًنه عًربيًا مًن هًذه اًلتجربة:

1. معادلة "الكل يكسب" وهي معادلة قائمة على توفير شبكة أمان لكافة فئات المجتمع، وعلى ضمان حرياتها وحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق عدالة اجتماعية تراعي الأوزان الديموغرافية لفئات المجتمع، دون أن تهضم حقوق الأقليات، كما تركز على المصالح المشتركة، وتحيد عناصر التوتير والتفجير الاجتماعي والسياسي. وهي معادلة قائمة على أن يتنازل الجميع عن بعض ما يرونه حقوقا لهم، في سبيل تحقيق مكاسب أكبر مرتبطة بالاستقرار السياسي والشراكة في بناء الدولة وفي مشاريع التنمية.

2. الاستقرار السياسي القائم على تحالف اللاعبين الكبار وتعاونهم، حيث تحالف أكبر حزب للملايو مع أكبر حزب للصينيين مع أكبر حزب للهنود، وتطور هذا التحالف ليشكل الجبهة الوطنية التي اتسعت ل 14 حزبا، بحيث ضمنت أغلبية مريحة  دائمة في مجلس النواب، ومالت هذه الأحزاب إلى التوافق، وحلّ مشاكلها وخلافاتها خلف الأبواب المغلقة، وعدم الدخول في الابتزاز السياسي، والرضا بنصيبها المعقول من "الكعكة".

3. تبني نظام انتخابي يعطي فرصا أكبر للأحزاب والتحالفات الكبيرة في الفوز؛ حيث تم اعتماد النظام البريطاني الذي يعطي مقعدا واحدا لكل دائرة انتخابية، وهو ما يسهّل على التحالفات الفوز بسهولة من خلال تقديم مرشح واحد عنها. وعدم تبني نظام النسبية الذي يفرض مشاركة الأحزاب الصغيرة، وهو وإن كان يعطي تمثيلا شعبيا أكثر مصداقية في البرلمان، إلا أن الأحزاب الكبيرة عادة ما تكون عرضة لابتزازها السياسي عندما تكون غير مالكة لأغلبية المقاعد. وهو ما قد يرفع من أجواء التوتير، ويؤدي لسرعة سقوط الحكومات، وتعطيل برامج التنمية المختلفة.

4. إيجاد رؤى تنموية وإصلاحية طويلة الأمد، تطمئن فئات المجتمع على صحة المسار السياسي والاقتصادي، ولا تحرق المراحل، كما تخرج عن أطر الشعارات الفارغة إلى البرامج العملية الجادة.

لعل بلدانا عربية تعيش حالة من التنوع الطائفي والعرقي كالعراق وسورية ولبنان والبحرين، وإلى حدّ ما في مصر والسودان والمغرب العربي، تجد في معادلة "الكل يكسب" خيارا أفضل لنظمها السياسية، وصمام أمان يمنع مخاطر التفتيت والتشظي، كما أن هذه البلدان هي أحوج ما تكون إلى استقرار سياسي يجمع ما بين تحقيق إرادة الجماهير، واحترام خيار الأغلبية، والتداول السلمي للسلطة، وعدم الخضوع للابتزاز السياسي للأحزاب السياسية الصغيرة، وإعطاء الفرصة الكافية لأحزاب الأغلبية لتنفيذ برامجها.

لقد حقّق الأتراك هذه المعادلة من خلال وضع حدّ أدنى هو 10 % ليتمكن أي حزب من التمثيل في البرلمان؛ واستخدم الماليزيون فكرة التحالفات الواسعة، مع فكرة المقعد الواحد لكل دائرة.

غير أن كل الأفكار الجميلة والأنظمة المثالية لا تقدم ضمانات للنجاح، ما لم توفق الجماهير في اختيار قيادات مخلصة وجادة، تطبق هذه الأفكار بما يتوافق مع بيئتها السياسية والاجتماعية.

خلاصة

نًجح النظام السياسي الماليزي في توفير آلية مناسبة  تستوعب الاختلافات الدينية والعرقية في ماليزيا، كما تتعامل بواقعية مع الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية السائدة في المجتمع الماليزي. وتمكن الماليزيون من تطوير نموذجهم الذي أدار الاختلاف بالكثير من المهارة، واستفاد من التنوع باعتباره حالة إغناء وإثراء، وليس حالة تضاد وصراع.  لم يكن نظامهم مثاليا بالضرورة ولكنه كان ناجحا بما يكفي لتجنيب البلاد الأزمات السياسية والصراعات الدينية والعرقية، وتحقيق نسب تنموية واقتصادية عالية. ويمثل هذا النموذج حالة التعامل الوقعي مع التعقيدات والمتغيرات، دون الجنوح إلى المثالية، وهي حالة تجدر دراستها والاستفادة من معطياتها، حيث توجد أزمات طائفية وعرقية في عالمنا العربي والإسلامي.


محسن صالح- مدير مركز الزيتونة في بيروت، ورئيس قسم التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا سابقا

المصادر:
1- انظر: Malaysia In Brief, http://www.tourism.gov.my/about_malaysia/index.php ; and https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/my.html
2- Harold Crouch, Government and Society in Malaysia (Singapore: Talisman Pub., 1996), p. 14
3- Department of Statistics, Malaysia Official Website, "Population and Vital Statistics,"http://www.statistics.gov.my/portal/download_Buletin_Bulanan/files/BPBM/2012/APR/05_Population.pdf
4- Harold Crouch, op. cit., p. 15
5- انظر: http://www.tourism.gov.my/about_malaysia/?view=culture
6- Ibid
7- Official Website, Population And Malaysia Department of Statistics, Housing Census 2000, http://www.statistics.gov.my/english/census/pressdemo.html
8- حول النظام السياسي الماليزي، انظر بالتفصيل: 14 Jayum Anak Jawan, Malaysian Politics and Government (Shah Alam-Malaysia: Karisma Publications, 2003), pp. 62-157
9- 70; and John Funston, "Malaysia Developmental -See Ibid., pp. 62Funston (editor), Government and Politics State Challenged," in John in Southeast Asia (Singapore: Institute of Southeast Asian Studies, 178-2001), pp. 175 .
10- انظر مذكرات تنكو عبد الرحمن. Tunku Abdul Rahman, Lest We Forget (Singapore & Petaling Jaya: Easten Universities Press, 1988 )
11- انظر حول تون رزاق ومختارات من خطاباته وأفكاره:
J. Victor Morias (editor), Strategy for Action: The Selected Speeches Haj (K.L.: The Malaysian -of Tun Haji Abdul Razak bin Hussein AlCentre for Development Studies, Prime Minister's Department, )69Malaysia, 19
12- مقابلة للباحث مع الفريق المتقاعد عبد الغني عزيز) القائد السابق لسلاح الطيران
22 ؛ ومقابلة للباحث مع أ.د. محمد كمال حسن، المدير /8/ الماليزي(، كوالالمبور، 2116
– .22/8/ السابق للجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا، كوالالمبور، 2116
13- 25-91; and Crouch, op. cit., pp. 241-Jawan, op. cit., pp. 187
14- انظر حول مهاتير وعدد من إنجازاته:
( . Robin Adshead, Mahathir of Malaysia (U.K.: Hibiscus, 1989
15- انظر بشكل موسع حول رؤى وأفكار مهاتير: موسوعة مهاتير بن محمد )كوالالمبور: دار
.) الفكر، 2114
16- مقابلة للباحث مع مهاتير بن محمد )رئيس وزراء ماليزيا 1981 2113 (، كوالالمبور، -
.24/8/2116
17- ناقش مهاتير بن محمد بالتفصيل ما أسماه "معضلة الملايو"، ومشاكلهم وأسباب مخاوفهم
في كتابه المشهور:
Mahathir bin Mohamad, The Malay Dilemma (Singapore and Kuala 004Lumpur: Times Books International, 2 .)
18- See Crouch, op. cit., p. 17 .
19- .2116/8/ مقابلة للباحث مع مهاتير بن محمد، كوالالمبور، 24
20-Crouch, op. cit., p. 45
21- Crouch, op. cit., p. 45
22- Beng, "Ethnic Relations in Malaysia in Historical & -See Tan Cheenal of Malaysia Sociological Perspectives," Kajian Malaysia: JourStudies, vol. 5, no. 1, 1987; and Raymond L.M. Lee, "The Ethnic Implications of Contemporary Religious Movements & Organizations in Malaysia," Journal of Contemporary South East Asia, vol. 8, no. 1, 1987-1986 .
23- 27-Crouch, op. cit., pp. 26
24- nston, op. cit., p. 178Fu
25- Ibid
26- Ibid .
27- Ibid .
28- Ibid .
29- p. 171 .Ibid .
30- p. 179. Ibid
31- Laporan Ekonomi 2006/2007, Federal Government Budget: Operating and 4.6,pp. and Development Expenditures, Statistical Tables 4.5 32,  -31asury.gov.my/index.php?ch=22&pg=165&ac=1678&la http://www.treng=eng
32- انظر: International Peace Research Institute, Military expenditure of Malaysia, http://milexdata.sipri.org/result.php4; and KL Management Services, Accounting Services Outsourcing in Malaysia, malaysia-2011-    http://www.klmanagement.com.my/blog/budget 
33- انظر: Shanti Noor, Islam in Malaysian Foreign Policy (London, 22-1997), pp. 21Routledge
34- .22/8/ مقابلة للباحث مع الفريق المتقاعد عبد الغني عزيز، كوالا لمبور، 2116
35- .2116/8/ مقابلة للباحث مع مهاتير بن محمد، 24
36- Tunku Abdul Aziz, “International Case Study: Stamping out Corruption in    Malaysia,” 29.pdf-  http://www.unafei.or.jp/english/pdf/PDF_rms/no56/56
37- ations during the Bush Malaysian rel-Pamela Sodhy, “U.S.administration: the political, economic, and security aspects,” Contemporary Southeast Asia, 1/12/2003 .
38- حول إدارة اللعبة الانتخابية في ماليزيا، وسياسات الحكم في ضمان الأغلبية، انظر:
tics in Malaysia: Managing Election in Lim Hong Hai, "Electoral Polia Plural Society "،
files/iez/01361005.pdf; and William Case, - http://library.fes.de/pdfDemocracy   ,"in Edmund Terence Gomez   -"Testing Malaysia's Pseudo(editor),  The State of Malaysia: Ethnicity, Equity and Reform don: Routledge Curzon, 2004(Lon .)
39- Jawan, op. cit., p. 110 .
40- حول انتخابات سنة 1959 حتى سنة 1999 ، انظر:
Zakaria Haji Ahmad et.al., Trends in Malaysia: Election Assessment (Singapore: Institute of Southeast Asian Studies, 2000), p. 8, http://www.iseas.edu.sg/t rends120.pdf   
وانتخابات سنتي 2114 و 2118 ، انظر:
Results, The Star newspaper, Malaysia, 3/12/1999, –Election 1999 http://thestar.com.my/election/results1999/results.html ; and Election
1Results, The Star, 10/3/2008, –2008 http://thestar.com.my/election/results/results.html
41- Graham Brown, "Playing the (non)ethnic card: The electoral system and ethnic voting patterns in Malaysia," Crise Working Paper no. 21, Oxford, April 2005, p. 5 Queen Elizabeth House, University of .
42- Ibid .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ماليزيا ... تجربة تحتذى Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماليزيا ... تجربة تحتذى   ماليزيا ... تجربة تحتذى Emptyالجمعة 09 أغسطس 2019, 7:46 am

في ماليزيا طبيب يداوي أمة:

هل كان مهاتير محمد محقاً باستثناء عرب اليوم من دعوته ‏لتجديد روح الحضارة الإسلامية عبر‏ ‏تعاون ماليزي ‏باكستاني تركي؟ يملك العرب مفتاح الحضارة الغربية من نفط ومضائق وممرات التجارة العالمية ولكن!

 د. عبد الحي زلوم

‏من المثير  أن بلداً مسلما عدد سكانه  يقارب عدد السكان في العراق  او سوريا ونال ‏‏استقلاله بعدهما ، وبه من التنوع العرقي اكثر من اي منهما  ويحتل مركزًا استراتيجيا في جنوب شرق آسيا يجاور خمس دول ويشرف على احد اهم المضائق العالمية وبه 16 كيانًا سياسياً منهم 12 مملكة و 4 كيانات فدرالية  و نظام حكم ملكي دستوري  استطاع ان ينهض بهذا البلد وتعقيداته  طبيب نظيف اليد امتهن السياسة اسمه مهاتير محمد لينهض ببلده خلال 20 سنة  لتصبح نسبة البطالة اقل من 2% ويصبح  معدل دخل الفرد حوالي 25000 دولار بالسنة. وبعد كل انجازاته هذه  يترك قيادة البلد طوعاً لغيره عبر انتخابات ديمقراطية. وعندما وجد أن من خلفه قد انحرف رجع الى رئاسة الوزراء عن عمر يناهز 93 عاماً عبر انتخابات ديمقراطية وليس عبر الدبابة أو وكالة المخابرات الامريكية وأودع رئيس الوزراء  الفاسد في السجن مراعياً في كل خطوة احترام القانون والقضاء.  قال لصندوق النقد الدولي لا بفم ملآن فانقذ بلاده من ويلات ازمة جنوب شرق اسيا اواخر القرن الماضي بينما تعثرت كل الدول التي استسلمت  لفرمانات ذلك الصندوق اللعين. حاربته الولايات المتحدة . حينما   اُودِعَ  نائبه انور ابراهيم بالسجن لانه كان ابن الصندوق وأصر على تطبيق فراماناته. طلبت  وزيرة خارجية الرئيس كلنتون مقابلة زوجة انور ابراهيم  لتأييدها ومواساتها. وكما جاء في الإعلام الاميركي اجابتها الوزيرة(في وزارة مهاتير)  رفيدة عزيز: “سنسمح لكِ بالزياره اذا سمحتي لي بمقابلة  المحقق كِنْ ستار الذي يحقق في فضيحة كلنتون الجنسية مع لوينسكي.” في  وقت لاحق وفي احدى المناسبات كنت اجلس على نفس طاولة العشاء مع الوزيرة رفيدة عزيز وسألتها هل ما سمعته عن ما قلتيه لوزيرة  الخارجية  الامريكية  صحيح؟ فأجابت نعم صحيح. كان طلبها تدخلا في شوؤننا الداخلية. فقلت لنفسي حينها ان هذه الإمرأة اكثر رجولة من الف من اشباه الرجال  مما تعدون!
كيف تريدون لهكذا رجل  لا يقبل دخول رياضي واحد من الكيان المحتل ولو اُلْغِيَتْ المباريات كلها من بلاده ، ولديه هكذا وزراء  ووزيرات.   كيف  يجلس  قامة كهذه مع مطبعين اسود على شعوبهم اذلاء مع اعداءهم يتنافسون اياً منهم سيكون اكثر تطبيعا ونذالة وقربا من أعداء الله وأعداء الامة عسى ان يُطيل ذلك عمر ولايتهم منتهية الصلاحية يوما او بعض يوم ؟
في  زيارة عائلية لزين هاشم  احد معارفنا والذي كان قائدا للجيش الماليزي  قبل  ان  يحيله مهاتير للتقاعد المبكر ابديت اعجابي بمهاتير  وانجازاته فلم يعلق. لكنه قاطعني قائلا :”على الأقل الفظ اسمه بشكل صحيح.  فإسمه مُحاضِر وليس مهاتير،  ولعدم وجود حرف الضاد تحرّف الاسم الى مهاتير. بعد تقاعده اصبح الجنرال زين رئيسا لمجلس ادارة احد البنوك الحكومية الكبرى ورئيسا لجمعية رجال الاعمال.
فهل يحق لقائد دولة مسلمة  كماهتير محمد أن يتكلم عن تجديد الحضارة الاسلامية لنفض الغبار عنها وما علق بها مما ليس منها من بدع جاء بها وعاظ السلاطين واصحاب الفتنة؟  يجب فتح باب الاجتهاد من مجتهدين علماء  بالفقه وعلوم العصر ليضعوا  الحلول لمشاكل العصر ضمن نصوص وروح التعاليم الاسلامية كما جاءت في القرآن الكريم بعيدة عن المذاهب التي ما انزل الله بها من سلطان واستعملها المستعمرُ  والسلطان للفرقة والفتنة وهذا يعني بالضرورة ضم ايران الى التجمع المقترح.
**
باع سوهارتو اندونيسيا للصندوق والمضاربين وبعد ذلك باعوه:
عندما قرر المضاربون الامريكيون الهجوم على العملات واقتصادات دول جنوب شرق اسيا ذهب مهاتير محمد الى اندونيسيا واتفق مع رئيسها سهارتو بعدم قبول وصفات صندوق النقد الدولي لانها تتعارض مع مصالح الاقتصاد الوطني لتلك الدول.  غيّر الجنرال  سهارتو ( الذي جاءت به ال CIA الى الحكم) اتفاقه مع مهاتير محمد بعد اول اتصال من الرئيس كلنتون. كتبت مجلة نيوز ويك في 2/2/98  :”قام وفد من كبار المسؤولين ومن بينهم ويليام كوهين William Cohen، وزير الدفاع الاميركي في منتصف شهر كانون الثاني من عام 1998، بزيارة الى جاكرتا.  وكانت الرسالة التي اوصلوها الى الرئيس الاندونيسي سوهارتو ، معززة بمكالمة هاتفية تخلو من اللياقة والكياسة ، كان مصدرها الرئيس كلينتون ، والذي قال :  ان الاستقرار في اندونيسيا ، وهي الدولة التي يعيش على اراضيها 198 مليون نسمة له أولوية حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة ، وان ذلك الاستقرار يعتمد على قبول سوهارتو شروط صندوق النقد الدولي وان يقبل الدواء المر الذي وصفه الصندوق للشعب الاندونيسي ، والاخذ به كأمر مسلّم به كما لو كان قد جاء من السماء” . بناء عليه طبق سهارتو تعليمات الصندوق.
كانت النتيجة انهيار الاقتصاد الاندونيسي وانهيار 260 شركة من اصل 282 في سوق جاكرتا المالي. وقام الممولون الذين سببوا هذه الازمة بشراء الشركات التي تعثرت بأبخس الاثمان وانهارت العملة الاندونيسية مما جعل سداد الدين الخارجي بالدولار تزيد كلفته بالعملة المحلية ليصبح ضعف ما كان قبل الازمة . والمحزن أن صندوق النقد الدولي اعترف لاحقاً أن مهاتير محمد كان على حق ولكن بعد خراب طروادة.
**
 

يسيطر العرب على النفط وممرات التجارة الدولية لكنهم كالحمير يحملون اسفاراً:

اضافة الى احتياطات النفط العربية في المشرق والمغرب العربي فإن احتياطات النفط في العالم الاسلامي كإيران ودول اواسط آسيا مثل كازاخستان و كذلك اندونيسيا وماليزيا يجعل في يد العالمين العربي والاسلامي مفاتيح السيطرة على الاقتصاد العالمي  بدون منازع.

 

وما لا ينتبه اليه الكثيرون فإن مضائق وممرات البحار والمحيطات لامدادات النفط بل والتجارة العالمية تقع في اراضي عربية واسلامية . فبالاضافة الى مضيق هرمز الذي يسيطر على اكثر صادرات نفط دول الخليج فهناك مضيق عدن الذي يسيطر على مدخل البحر الاحمر وهناك قناة السويس التي تسيطر على مخرجه وعلى مدخل البحر الابيض المتوسط، ثم مضيق جبل طارق . وهناك مضائق ملقا وهي بين اندونيسيا و ماليزيا والتي تتحكم في خطوط سير امدادات النفط والتجارة العالمية الى ثلاثة من اكبر اقتصادات العالم  وهي الصين واليابان وكوريا الجنوبية. ولعل الممر البحري الوحيد الذي لا يسيطر عليه العرب و المسلمون بشكل عام هو قناة بنما . ما يُدمي القلوب هو كيف حوّل عرب اليوم نعمة الله الى نقمة ولعنة عليهم. فهم اليوم يخربون بيوتهم وبيوت اشقائهم بايديهم وبترودولاراتهم، وهم اليوم كتلة سالبة وهم في المراحل الاخيرة من الخروج من التاريخ. 

**
هل سيكون اصلاح العالم العربي من خارجه؟
الحقيقة التي لا يُحب الغرب وعملاؤه أن يذكروها  هي أن العرب قبل الاسلام كانوا إما قبائل تقاتل بعضها بعضاً 40 سنة من اجل ناقة ، أو كان بعض العرب في شمال شبه الجزيرة العربية عملاء بعضهم للفرس وآخرين للروم. أنا أرى الإسلام كأيدولوجية وَلّدَت طاقة هائلة وحدت هذه القبائل في عقدين فقط من الزمان. وأرى ان الاسلام كدين أول  من  اعترف بالاخر وقال بشكل واضح (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) بل قال وطبق (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) وقال أنه ايدولوجية عابرة للقوميات. هذا هو الاسلام الذي اعرفه والذي اعتقد أن مهاتير محمد يعتقده أيضاً . إن من أسموا أنفسهم علماء الدين حتى يومنا هذا يحاجون أن الارض منبسطة وأنها لا تدور .ومثل وعاظ السلاطين هؤلاء على مدى العصور الصقوا بالاسلام ما ليس به . كيف يهدم التكفيريون الكنائس وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ابى ان يصلي في كنيسة القيامه حرصا عليها ؟ الطاقة العجيبة والتي هدمت امبراطوريات العصر في عقدين أو ثلاثة من الزمان فقط هي نفسها التي لم تستطع امبراطورية العصر اليوم بقنابلها الذرية والهيدروجينية وحاملات طائراتها وصواريخها أن تنتصر بعد 18 سنة في افغانستان   التي دخلتها هذه الطاقة العجيبة بدون قتال . (امير مؤمني) افغانستان اليوم يقارع امبراطورية العصر من على دراجته النارية والتي  هي غرفة عملياته! دخلت شعوب ماليزيا واندونيسيا (اكبر بلد اسلامي) في الدين الاسلامي دون اطلاق رصاصة واحدة أو ضربة سيف بل  بواسطة حُسن اخلاق ومعاملة التجار اليمنيين!
 عرف مستشرقو الغرب وعلماؤه أن العرب بدون هذه الطاقة سيرجعون الى  ما كانوا عليه من اقتتال وفرقة وضعف .
**
لِما لا اقبل بالماليزي أو التركي أو الايراني حليفاً؟:
في الوقت الذي يقبل به البعض بالمحتل والعدو ليكون حليفاً يعيبون على الاخرين قبولهم بتقاطع مصالحهم مع آخرين من العالم الاسلامي . اذا خُيرت بين اردوغان أو نتنياهو فأيهما تختار ؟ واذا خيرت بين علي خامنئي أو دونالد ترامب فأيهما تختار ؟
تمرُ الدول بمراحل صعود وهبوط . لو تكلمنا عن عالمنا العربي فنحن في اسفل السافلين هذه الايام والتي تشبه الى حد كبير وضع منطقتنا  في بداية الغزوات الاستيطانية للفرنجة والتي سُميت ايضاً بالحروب الصليبية . كان امراء المنطقة يقاتل بعضهم البعض بل ويتحالفون مع الغزاة الواحد منهم ضد الاخر. جاء صلاح الدين الايوبي وأخذ سنوات في تنظيف الداخل اكثر من السنوات التي أخذته لعملية تحرير فلسطين وبلاد الشام . أستعملُ مصطلح الفرنجة لا  الصليبين لان الغزاة الفرنجة هدموا كنائس المسيحين العرب تماماً كما هدموا مساجدهم ، وحارب مسيحو فلسطين وبلاد الشام مع اخوانهم وصلاح الدين ضد كيان الغزاة الاستيطاني. لم يكن صلاح الدين عربياً بل كان كردياً . جاء التتار من الشرق ودمروا بغداد وقتلوا خليفتها . أنذروا حاكم مصر بالاستسلام أو مصير خليفة بغداد. بهدوء، جهز قطز جيشه ولم ينتظر  التتار ليقاتلهم في مصر فكان يعلم أن فلسطين هي خط الدفاع الاول عن مصر  ، وهزم التتار  في عين جالوت في فلسطين . لم يكن  قطز عربيا بل كان من المماليك وجاء من بلاد المغول والترك.  وهنا اتساءل هل سيكون تحرير فلسطين والوطن العربي من مقاومة  سندها من خارج دول الاعرب ؟ من يغار على عروبته اكثر من خشيته علـى كرسيه فليتفضل ففلسطين بانتظاره!.
**
شخصياً أنا احترم شمعون ليفي الكاتب في صحيفة هآرتس لدفاعه عن حقوق الانسان والفلسطينيين اكثر من كل كتاب السلاطين المأجورين ، واحترم البابا فرانسيس الذي يدعو الى التحرر من مظالم العولمة الامريكية اكثر من كل شيوخ السلاطين الذين يدعون الى الفتنة والاقتتال بين المسلمين .
هناك عالم عربي واسلامي في مرحلة اعادة التشكيل . المطبعون قد وصلوا (سن اليأس ) ونحن في مرحلة دخول التاريخ من جديد. مهدُ الحضارات جاءت من بلادنا من العراق ومصر. بلاد الشام كانت مهد الاديان التوحيدية و الجزيرة العربية كانت مهد الاسلام . كلما شاخت الامة يوماً وُلِدت من جديد منذ عشرات القرون. شهدت أول كيان استيطاني في العالم  وخلعته بعد حين، والامر نفسه سيكون مصير الكيان الاستيطاني الثاني ولو بعد حين .  هزم التتار دولتهم لكن حضارتهم قد انتصرت عليهم فإعتنقوها وحاربوا من اجلها. من هنا جاءت الحضارة ومنها ستُبعث من جديد .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ماليزيا ... تجربة تحتذى Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماليزيا ... تجربة تحتذى   ماليزيا ... تجربة تحتذى Emptyالثلاثاء 13 أغسطس 2019, 10:36 pm

مهاتير محمد: من النهوض بالوطن إلى الدعوة لوحدة إسلامية
  إحسان الفقيه


“يصبح المرء كبيرا حين ينجز الأعمال الكبيرة، ويصبح المرء أشبه بالأموات حين يعجز عن إنجاز الأعمال الصغيرة، أما الرواد فإن مهمتهم شق الطرق في الأماكن الوعرة حتى يمضي خلفهم الكبار والصغار”.
ألفيتُ هذا الوصف البليغ للرواد، الذي أطلقه الدكتور عبد الكريم بكار، ينطبق على بائع الموز الذي قاد بلاده من حالة التخلف والفقر والضعف إلى دولة ناهضة ذات تجربة نالت اهتمام الباحثين في العالم، ووجدت لها مكانًا في صفوف الدول المتقدمة.

آمن الزعيم الماليزي بأن نهضة بلاده لا تتم فقط بحزم إجراءات حكومية، بل لابد أن يكون الشعب بطلها.

إنه مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا، الذي يزداد اسمه ائتلاقًا كلما تقدم في العمر، ولفت الأنظار في العالم الإسلامي أكثر، عندما حرّك الماء الراكد برمية مُتقنة، إذ طرح مبادرة لوحدة إسلامية مع تركيا وباكستان، ولاقت ترحابا من الدولتين، بل استبشر بها المسلمون خيرا، رغم أنها لا تزال مجرد مبادرة لا نعرف مآلها ومُنتهاها.
لقد أحيا الرجل حلم الوحدة الإسلامية من جديد، التي كانت محل اهتمام المفكرين والسياسيين، منهم المفكر الجزائري مالك بن نبي، الذي طرح فكرة كومنولث إسلامي، كما كانت موضع مناقشات المؤتمرات الإسلامية المختلفة، إلا أنها كانت أطرًا نظرية لم تجد سلطة تتبناها، ثم جاء نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا الأسبق، فسعى إلى الانفتاح على العالم الإسلامي، فأعلن تشكيل مجموعة الثماني الإسلامية، التي تتشكل من تركيا وباكستان وإيران وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وماليزيا وبنغلاديش، إلا أن سطوة الجيش الأتاتوركي كانت له بالمرصاد، فاضطره إلى تقديم استقالته في نهايات التسعينيات فلم يكتمل له (رحمه الله) ما أراد.
واليوم يُطلق مهاتير محمد مبادرة لإحياء هذه الفكرة المُقلقة، نعم مقلقة لأمريكا التي تتخوف من تكتل إسلامي لثلاث دول قوية، يمكن أن يخرج هذه الدول بصفة تامة عن الرضوخ لإرادة البيت الأبيض، ومقلقة للكيان الصهيوني الذي يرتاب من وحدة إسلامية تمكن هذه الدول من التعامل مع القضايا الإسلامية بشكل أكثر فاعلية من بينها القضية الفلسطينية.
مقلقة أيضا للهند العدو التقليدي لباكستان، التي تخشى أن تنعكس هذه الوحدة على القوة الاقتصادية والعسكرية للجارة الباكستانية، كما أن السعودية التي تدعم الدولة الباكستانية بالمال للاستفادة منها عسكريًا، ربما تخشى أن يتم الاستغناء عن خدماتها على إثر الوحدة الثلاثية التي يدشن لها مهاتير محمد، وليس القلق ببعيد عن إيران، التي ترى أمامها وحدة إسلامية لدول سنية لم تدمج إيران في هذا التحالف.
وربما يرجع عدم دمج إيران في ذلك التحالف لسببين أحدهما أو كلاهما، الأول هو تجنب الاحتكاك السني الشيعي الذي من شأنه إضعاف الوحدة، والثاني هو عدم إغلاق الباب أمام دول عربية وخليجية لها أزمات ومخاوف تجاه الجمهورية الإيرانية للالتحاق بهذا الركب.
“عبر توحيد عقولنا وقدراتنا يمكننا النهوض بالحضارة الإسلامية العظيمة، التي كانت موجودة يوما ما، وذلك بالعمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، وبالتعاون مع باكستان في الوقت ذاته”. هكذا أطلقها مهاتير محمد من دون مواربة وبلا تحسب للتهم المعلبة، فلطالما كانت الراية الإسلامية هي الراية التي توحد تحتها العرب والعجم، غير أن العرب في الوقت الحالي يفضلون المظلة الأمريكية.
الزعيم الماليزي الذي لم يستنكف من إظهار هويته الإسلامية، وسعيه لاستعادة النهوض بالحضارة الإسلامية، لا يتحدث على هذا النحو من فراغ، خاصة وهو يعلم حجم التحديات المحتملة لقيام مثل هذا التحالف، فلم يطرح المبادرة في وقت كانت دولته تئن من سطوة الفقر والمرض والجهل والصراعات العرقية، لكنه سعى إليها في وقت تبوّأت فيه ماليزيا مكانها على خريطة الدول المتقدمة. كيف أمكن تحويل هذا المجتمع الفقير الجاهل الذي تفشّت فيه الأمراض وطغت عليه الصراعات الطائفية والعرقية، إلى مجتمع متجانس منتج يقيم للعمل والإنتاج وزنا؟ إلى شعب يحصل أبناؤه على أعلى الدرجات العلمية في العالم؟
كيف تحولت ماليزيا من مجرد دولة زراعية، تنتج المطاط وزيت النخيل والشاي كمحاصيل أساسية، إلى دولة صناعية وخدمية كبرى، تصدر كل ما كانت تستورده من قبل، ومن كل عشر سيارات تسير في شوارع ماليزيا هناك ثمان منها ماليزية الصنع؟
كيف انخفض معدل الفقر إلى 5% بعد أن كان 71% ؟
كيف صارت ماليزيا مركزًا رئيسيا للعلاج والسياحة والتعليم الجامعي في العالم؟
من وراء ذلك رائد النهضة الماليزية مهاتير محمد، الذي وضع رؤيته بمنتهى الوضوح والواقعية، وبنظرة ثاقبة إلى واقع الدولة، حدد الرجل أسباب الفشل الاقتصادي من فساد وعدم أمانة وضعف كفاءة، وتوصل إلى أن الشعب المنتج لابد أن يكون أولا شعبًا واعيًا، فاتجه إلى إيلاء التعليم أهمية قصوى، ففي عام 2000 وصلت ميزانية التعليم إلى ما يوازي 23.8% من الإنفاق الكلي، وأخضع مرحلة رياض الأطفال لوزارة التربية والتعليم، واهتم بالتعليم الفني والمهني لتأهيل الطلبة لسوق العمل، وعام 1996 دخل الحاسب الآلي إلى 90% من المدارس، واعتمدت السياسة التعليمية على تنمية المهارات، ورفع أجور المعلمين، وطبق التعليم الإلزامي، وتكفلت الدولة بتعليم غير القادرين، وأرسل البعثات العلمية إلى أكبر الجامعات العلمية بالعالم، وأنشأ مئات الجامعات والمعاهد العلمية، وربط البحث العلمي في المؤسسات التعليمية بالقطاع الخاص لتوفير العبء المالي للأبحاث العلمية على الدولة، وتنمية قطاع البحث العلمي، الذي ينفق عليه القطاع الخاص.
بدأت تحركات مهاتير محمد للنهوض بالمجال الصناعي في بلده الزراعي، عندما ركز على صناعة الرقائق الإلكترونية ثم صناعات التكييف والحاسوب وغيرها، واستفاد من الدعم الياباني الذي كان ثمرة تفاهمات بين مهاتير والحكومة اليابانية بإدخالها السوق الماليزي بإعفاءات ضريبية، وتقديم قروض لشركاتها، واهتم الزعيم الماليزي بالبنية التحتية وأنشأ فترة ولايته ما يزيد عن خمسة عشر ألف مشروع برأس مال يعادل 220 مليارا.
حوّل مهاتير محمد بلاده إلى واحدة من أكبر المزارات السياحية في العالم ومركزًا لإقامة سباقات السيارات والخيول والألعاب المائية، بعد أن قام بتحويل معسكرات اليابانيين في الحرب العالمية الثانية إلى منشآت رياضية وترفيهية ومراكز علاجية ومنتجعات سياحية، وبلغ إيراد السياحة عام 2014 (22.6) مليار دولار، بعد أن كان 90 مليون دولار عام 1981.
المقام لا يتسع للاستفاضة في الجوانب الأخرى للنهضة الماليزية، التي كان رائدها مهاتير محمد، لكن الرجل كان ذا رؤية عميقة للواقع، وكيفية الانطلاق إلى النهوض، ويقول هو في بعض كتبه: “حدث النهوض نتيجة للعمل الشاق والإيمان بالحلول العملية والواقعية والاعتراف بالسوق كقوة من قوى النمو والتعليم والانفتاح مع الأفكار كانت تلك بعضا من مفاتيح التحول الاقتصادي في شرق آسيا”. لقد آمن مهاتير بالاستقلالية، ولم يرتمِ في أحضان الأمريكان، ورفض في ذروة الأزمات الاقتصادية التي ضربت آسيا بصفة عامة أن يقع أسيرا لصندوق النقد الدولي، وقام باتباع سياسات مخالفة لتوصياته.
آمن الزعيم الماليزي بأن نهضة بلاده لا تتم فقط بحزم إجراءات حكومية، بل لابد أن يكون الشعب بطلها، وكانت رؤيته تولي اهتماما بالغا بوعي المجتمع وتحسين ثقافته وإدراكه، ولذا عندما منح جائزة الإنجاز لمدى الحياة من بيت التمويل الأمريكي “لاريبا”، قال، إن الشعب الماليزي هو الذي يستحق الجائزة، وقال في إحدى زياراته لدولة عربية معربًا عن سر النهضة الماليزية: “قام الجميع بوضع مصلحة ماليزيا أمام أعينهم”.
وأخيرا، التجارب الناجحة كثيرة، العامل المشترك فيها هو قيادة ذات إرادة حقيقية للإصلاح والنهوض بعيدًا عن لعبة صراع العروش، وبعيدًا عن التبعية للدول الكبرى، فقط إعلاء مصلحة الوطن، حينها سيقتنع الشعب بهذه الزعامة ويتحمل معها، وهو ما نفتقده في الوطن العربي، الذي يصبح حكامه ويمسون على هَمّ الحفاظ على السلطة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ماليزيا ... تجربة تحتذى Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماليزيا ... تجربة تحتذى   ماليزيا ... تجربة تحتذى Emptyالسبت 05 أكتوبر 2019, 10:31 am

وثائقي نهضة أمة - ماليزيا








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
ماليزيا ... تجربة تحتذى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ماليزيا: مسيرة نجيب رزاق من قمة السلطة إلى السجن
» مملكة ماليزيا
» رئيس وزراء ماليزيا بعد رده على المستشار الألماني حول غزة
» تجربة الحكم اليساري في أميركا اللاتينية
»  هل يتم استنساخ تجربة جنوب إفريقيا في فلسطين؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: عبر التاريخ :: خط الزمن-
انتقل الى: