منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 موسوعة العقيدة الشاملة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالجمعة 09 نوفمبر 2018, 6:27 pm

موسوعة العقيدة الشاملة

وموسوعة العقيدة ضمن أقسام الموسوعة الإسلامية الشاملة والتابعة لموسوعة العلوم والمعارف بالموقع

 
أولا : مقدمات وتعريفات مهمة عن العقيدة والتوحيد




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيا : الإلهيات





[*]تعريف الإلهيات
[*]وجود الله ( مقدمة )
[*]وجود الله : أدلة وجود الله
[*]وجود الله : أدلة الفلاسفة على وجود الله تعالى
[*]وجود الله : نقاط مهمة حول وجود الله
[*]وجود الله : أحكام الحكم العقلى
[*]وجود الله : عقيدة الألوهية عند الفلاسفة والعلماء
[*]مقدمة حول صفات الله تعالى
[*]الصفات التنزيهية : مقدمة حول الصفات التنزيهية
[*]الصفات التنزيهية : أحكام الواجب
[*]الصفات التنزيهية : صقتا القدم والبقاء
[*]الصفات التنزيهية : معنى الإستواء وآيات الإستواء
[*]الصفات التنزيهية : التجسيم والتشبيه
[*]الصفات التنزيهية : هو الأول والآخر
[*]الصفات التنزيهية : العقائد وأحاديث الآحاد
[*]الصفات التنزيهية : حديث الجارية
[*]الصفات التنزيهية : كيف نتعامل مع النصوص
[*]الصفات التنزيهية : الغنى المطلق
[*]صفات المعانى : ما يجب لله من الأسماء والصفات
[*]صفات المعانى : صفة الكلام
[*]صفات المعانى : الذات والصفات بين المعتزلة والأشاعرة
[*]صفات المعانى مع شرح لكل صفة
[*]صفات المعانى : أسماء الله الحسنى
[*]قائمة بأسماء الله الحسنى ومعانيها اضغط هنا
[*]الصفات الخبرية : اعتقاد السلف فى الصفات الخبرية
[*]الصفات الخبرية : الخلاف فى الصفات الخبرية
[*]الصفات الخبرية : بين الإسم والمسمى
[*]الصفات الخبرية : بين الإسم والصفة
[*]أفعال العباد وهل الإنسان مخير أم مسير ؟
[*]المجاز العقلى واستعماله
[*]القضاء والقدر
[*]شبهات الملاحدة فى إنكارهم وجود الله
[*]الإسلام وشبهة تعدد الآلهة
[*]أسئلة مهمة






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثالثا : النبوات 




  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعا : السمعيات





[*]تعريف السمعيات والغيبيات
[*]دور العقل فى مجال السمعيات
[*]الملائكة
[*]الجن
[*]اليوم الآخر
[*]أشراط الساعة وعلامات الساعة الصغرى والكبرى
[*]البعث
[*]النفخ فى الصور
[*]الحوض
[*]الحشر
[*]الشفاعة
[*]الحساب
[*]الميزان وصحائف الأعمال
[*]الصراط
[*]الجنة والنار
[*]رؤية الله تعالى فى الجنة
[*]القبر
[*]الموت
[*]مشاهد القيامة بين العقل والنقل





  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خامسا : الفرق الإعتقادية





[*]الأشاعرة
[*]الماتريدية
[*]المعتزلة
[*]الجبرية
[*]المشبهة
[*]الكرامية
[*]الخوارج
[*]المرجئة
[*]الشيعة




  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سادسا : بعض الأمور المتعلقة باعقيدة


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر الموسوعة

كنت أود أن أظهر صفحة المصادر هذه عند إنتهائى من الموسوعة حتى يتاح لى تقسيم المصادر طبقا لنوعية البحث وبشئ من التفصيل المهنى والذى يتناسب مع أسلوب الموسوعات
إلا ان أننى رأيت أن أظهر صفحة المصادر من الآن كصفحة أولية حتى يتسنى للقراء الإستفادة فى أبحاثهم على أكمل وجه
مع ملاحظة أن المصادر لن تظهر بصورة موسوعية الا بعد إكتمال الموسوعة
إلا أننى أطمئن القارئ والباحث أننى لا استقى مصادرى الا من خلال مهنية وعلمية صرفة
وهذا لا يمنع عزيزى القارئ أن تجد هوامش تحت صفحات الموسوعة بها مصادر بحث الموضوع

 
وإليكم المصادر الأولية

 
أولا : الكتب

المنثور فى القواعد الفقهية
موسوعة أصول الفقه
هدى السارى مقدمة فتح البارى
فقه السنة
كتاب الورع لابن أبى الدنيا
الأخلاق والسير فى مداواة النفوس لابن حزم
التبر المسبوك فى نصيحة الملوك لأبى حامد الغزالى
مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسى
ادب الدنيا والدين للماوردى
كتاب البداية والنهاية لابن كثير
رجال حول الرسول خالد محمد خالد
السياسة الشرعية عبد الرحمن تاج
سوسيولوجيا الفكر الإسلامى محمود اسماعيل
ضحى الإسلام أحمد أمين
دراسات عن مصر والمصريين عبد الحميد الكاتب
الرحيق المختوم
السيرة النبوية لابن هشام
قطر الندى وبل الصدى
كتاب قواعد اللغة العربية المبسطة
اعراب لا اله الا الله لابن هشام
معانى الاستعارات لابى الليث السمرقندى
معجم اللغة العربية المعاصرة د.احمد مختار عمر
البلاغة الواضحة لعلى الجارم - مصطفى أمين
 العقد الفريد على نظم الشيخ سعيد
الإعتماد في نظائر الظاء والضاد لابن مالك
معجم قبائل العرب القديمة والحديثة
طبقات الشعراء لابن المعتز
كتاب فن المقالةقطوف وكلمات د. بدر عبد الحميد هميسه
الأدب الصغير لابن المقفع
بهجة المجالس وأُنس المجالس ابن عبد البر
الأدب العربى فى الميزان
كتاب الجدول فى إعراب القرآن لمحمود صافى
أصول الفلسفة الماركسية جورج بوليتزلر 
نهاية الحداثة - جيانى فاتيمو
الإنسان ذلك الكائن الفريد جون لويس
الوجودية - جون ماكورى
معالم المنهج الإسلامى للدكتور محمد عمارة
الدوله الاسلاميه بين العلمانيه و الدوله الدينيه د محمد عمارة
رسالة التوحيد - الامام محمد عبده
حوار الحضارات - روجيه جارودى
بعض أعداد مجلة الأزهر والوعى الإسلامى 
كتاب: تأسيس النظر للإمام أبي زيد الدبوسي


كتاب (الأشباه والنظائر)، للإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي  
كتاب (المنثور في ترتيب القواعد الفقهية)، للإمام بدر الدين محمد بن عبدالله الزركشي 
كتاب ( السياسة الشرعية ) للشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الجامع الأزهر الأسبق
كتاب (الأشباه والنظائر) للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي  
كتاب الطرق الحكمية لابن القيم الجوزية  
تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة
كتاب ( فقه الأولويات فى الإسلام ) لراشد الغنوشى
موسوعة دار الإفتاء المصرية
كتاب فقه الأولويات في ضوء القرآن والسنة للدكتور يوسف القرضاوى
كتاب فقه الأولويات - دراسة فى الضوابط لمؤلفه الأستاذ محمد الوكيلى
كتيب ( التجديد فى الفكر الإسلامى ) من سلسلة قضايا إسلامية و الصادر عن وزارة الأوقاف المصرية

ثانيا : المواقع الإليكترونية

الموقع الرسمى لدار الإفتاء المصرية
الموقع الرسمى للأزهر الشريف
موقع وزارة الأوقاف المصرية
مكتبة الإسكندرية
موقع الشيخ محمد الغزالى
موقع الشيخ محمد متولى الشعراوى
موقع الدكتور محمد عمارة
موقع الشيخ يوسف القرضاوى
موقع الموسوعة الشاملة
موقع تاريخ مصر
موقع وصف مصر
موقع اللغة المصرية القديمة
الموسوعة القومية للشخصيات المصرية
موقع هدى الإسلام
موقع دار الإسلام
موقع الإسلام
موقع إسلام ويب
موقع ملتقى أهل الحديث
موقع نداء الإيمان
موسوعة المعرفة
موسوعة ويكيبيديا
الموسوعة العربية
موسوعة النابلسى للعلوم الإسلامية
موقع الدكتور يوسف زيدان للتراث والمخطوطات
موقع صيد الفوائد
موقع أدب العرب
بوابة الثانوية العامة المصرية
موقع الجليس
المنتدى العربى لعلم الطيور
منتدى الشاعر محمد بن حاتم الكتبى
موقع تكنولوجيا التعليم
موقع الإمام الشيرازى
موقع الدكتور مسعد محمد زيدان
موقع الأستاذ يحيى بن عبد الرحمن بافضل
موقع الدكتورة سوسن رجب
موقع شباب وصبايا لينك ( منتديات الأدب والشعر )
مدونة الشعر للجميع
منتدى الداعيات إلى الخير
منتدى التحكم الآلى والإليكترونيات
منتديات ماجدة
منتدى الشاعر عبد الرحمن يوسف
موقع محمود إبراهيم محمد على
منتدى ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية
موقع أدب : الموسوعة العالمية للشعر العربى
منتدى كلية الآداب
موقع الدكتور عمر عبد الكافى
موسوعة الكنوز الوثائقية
موسوعة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة
موسوعة الشعر العربى
موقع منظمة الصحة العالمية
موقع وكالة ناسا لعلوم الفضاء
موقع مكتبة الكونجرس
موسوعة العلوم العربية
موسوعة نت
موقع الطبى
موقع جامعة أم القرى
الموسوعة الصحية
موقع جريدة الرياض
موقع جريدة الأهرام
موقع جامعة هارفارد الأمريكية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:25 pm

مقدمة


أولا : ضرورة الدين للإنسان
 
1ـ من منا لم يفكر في هذا الكون المحيط بنا ؟

كيف نشأ ؟ وكيف يسير ؟ وما هدفه ؟

هل وجد بذاته ، أو له خالق ؟ أوجد بالصدفة ، أم بقدرة قادر؟

ومن هذا القادر ؟ وما صفاته ؟ وما صلته بهذا العالم ؟

وهذا الإنسان : أهو مركب من جسد وروح ؟ وإن كان كذلك ، فما الروح ؟ أخالدة هي ، أم فانية ؟ وإن كانت خالدة ، فكيف يبعث الإنسان مرة أخرى؟ وكيف يحاسب ؟ وما مصيره ؟ ومتى سيكون ذلك ؟

وهذه الدنيا: هل لها نهاية ستقف عندها ؟ أو أنها مستمرة إلى غير نهاية؟

وهذه الحياة : ألها أسلوب شريف ، وأسلوب وضيع ؟ وما مقياس الخير والشر ، والحسن والقبح ، والحق والباطل ؟

وهذا الإله : ( على فرض وجوده ) أيمكنه أن يتصل ببني الإنسان ، ويختار أحدهم ، ليكون رسولا بينه وبين باقي الخلق ؟ وكيف ذلك ؟ وبم نعرفه نحن ؟

إن هذه الأسئلة ـ وغيرها من مثلها ـ تفرض نفسها على كل إنسان ويشعر بحاجته الشديدة ، ورغبته الملحة في أن يحدد موقفه منها ، ويعرف وجه الحق فيها ؛ ليضع نهاية للقلق النفسي ، والتوتر العصبي ، والحيرة الفكرية التي يحياها ، وليعيش في طمأنينة قلب ، واستقرار نفس ، وهدوء بال .

والدين هو الذي يقدم الإجابة الشافية على هذه الأمثلة ، وعلى كثير غيرها من مثلها ، فتطمئن النفس ، ويسكن القلب { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } الفتح /4 . { الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب (28)} [ الرعد ]

2ـ وإننا نقرأ في كتب التاريخ ـ سواء ما كتبه المسلمون أو غيرهم ـ أنه قد وجد رجل اسمه ( محمد بن عبد الله ) ادعى أنه رسول من عند خالق هذا الكون ، وأنه منحه علامات ودلائل على صدقه .

فإذا كان هدف الإنسان الحصول على السعادة ، وتجنب التعاسة ، فعليه أن يبحث في هذا الموضوع ، ويدرسه دراسة جادة ؛ ليصل إلى وجه الصواب فيه ، وخاصة أن التاريخ يحدثنا أيضا أن الذين اتبعوا المبادئ التي جاء بها هذا النبي سادوا الدنيا ، وكانوا عباقرة في كل مجالات الحياة ، وعندما تخلوا عنها أصابهم الذل والهوان .

3ـ إن الدين يبين لنا كيف نشأ هذا العالم ، وكيف أوجده الخالق ـ جل في علاه ـ ويفسر لنا غوامض الكون { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا لك رب العالمين (9) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين (10) ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين (11) فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم (12) } [ فصلت ].

{ ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها (27) رفع سمكها فسواها (28) وأغطش ليلها وأخرج ضحاها (29) والأرض بعد ذلك دحاها (30) أخرج منها ماءها ومرعاها (31) والجبال أرساها (32) متاعا لكم ولأنعامكم (33) } [ النازعات ] .

هكذا يبين لنا الدين كيف نشأ العالم ، ويوضح صلة الخالق به .

4ـ ثم إن الدين يضع للإنسان النظام الأمثل لحياته في جوانبها المختلفة من عبادات تقربه من ربه ، ومن تشريعات سياسية ، واجتماعية ، واقتصادية ، وأخلاقية لازمة لحياته في مجتمعه .

فإن الإنسان لا يستطيع أن يعيش منفردا منعزلا عن بني جنسه ، وإلا ما وجد عقله ، وملكاته ، ودوافعه ، وأعضاؤه فرصة للنمو والاكتمال فهو في حاجة إلى أن يعيش وسط جماعة ، وأن يتعاون معهم ، لأنه لن يستطيع أن يعتمد على نفسه في كل ما يحتاج إليه من غذاء ، وكساء ، ومسكن وغير ذلك ، بل لابد أن يتعاون معهم : يأخذ ويعطي.

وهذا التعامل يحتاج إلى نظام وقواعد وقانون يضبطه ، لكي يتحقق العدل ، ويتقي الجور والظلم ، وإلا طغى الكبير على الصغير ، وأكل القوي الضعيف ، وصارت الحياة فوضى وإباحية ، وعنف وأنانية .

والدين هو الذي يقدم هذا النظام الذي يحقق العدل في المجتمع
5ـ وصحيح أن الإنسان يولد على الفطرة { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (30) } [ الروم ] .

{ وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك ءاباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (173) وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون(174) } [ الأعراف ] .

وهذه الفطرة لو تركت وشأنها ، لاتجه الإنسان إلى معرفة الله ، وحاول التقرب إليه ، لكن هذه الفطرة قد تنحرف بصاحبها عن الصراط السوي ، وهذا ما حدث ، فقد عبد أناس الأصنام ، وعبد آخرون الأشجار والحيوانات ، وبعض مظاهر الكون والطبيعة .

فكان الدين لصيانة الفطرة من الانحراف ، ولتقويمها إذا اعوجت ، وتصحيحها إذا انحرفت.

فالبيئة الفاسدة خطر كبير على الفطرة الإنسانية ، فإنها تمسخها ، وتبعد بها عن معرفة الخالق سبحانه وتعالى ، والالتجاء إليه ، ويتجلى ذلك في التأثير المباشر للأسرة على النشء ، فقد تلقنه بعض المبادئ المنحرفة ، فيشب الطفل ، وهو متعصب لها نتيجة الأثر النفسي لوالديه فيه ، وهذا ما قاله سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم : " ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه"
ولم يقل : أو يسلمانه ؛ لأن الإسلام دين الفطرة .

وهذا ما يفسر لنا انصراف بعض العلماء على المستوى العالمي عن التدين ؛ فإن الواحد منهم إذا ما تلقن في طفولته بعض الآراء المشوهة عن الله تعالى ، مثل التثليث ، والبنوة ، والصلب ، والخطيئة ، وما إلى ذلك ، ثم اتجه إلى الدراسة العلمية في فرع من فروع العلم الحديث الذي يعتمد على المنهج العلمي الذي يقوم على الملاحظة والتجربة ، أو على المنهج الرياضي الذي يقوم على مبادئ العقل ، فإنه يشعر بتعارض بين ما تلقاه في صباه ، وبين ما يصل إليه من نتائج وحقائق ، ثم ما يلبث هذا الصراع النفسي أن ينتهي بنبذ فكرة التدين ، والاتجاه فقط نحو العلم المادي الذي جعله الله مباحا لمن آمن به ، ولمن كفر .

فالتنشئة الخاطئة ، والبيئة الفاسدة ، والتعصب الأعمى ، والحرص على المصالح الشخصية ، والجري وراء الأهواء والشهوات ، كل هذه العوامل تؤدي إلى انحراف الفطرة ، وشيوع الإلحاد .

6ـ وكثيرا ما نقرأ عن حوادث انتحار الشباب ، وانتشار الأمراض النفسية والعصبية في الدول المتقدمة التي تدعي الحضارة والعصرية . وذلك بسبب طغيان الجانب المادي في الإنسان ، وإهمال الجانب الروحي الذي يشبعه الدين ، ولم نسمع بمثل هذا في الدولة الإسلامية أيام أن كان المسلمون متمسكين بدينهم ، وعلى صلة قوية بربهم جل في علاه 
والإيمان يحرر الإنسان من الخوف من المجهول ، ومن العبودية للمخلوق أيا كان شأنه ، ويحرره من الذل والهوان ، والجبن والاستسلام ؛ لأنه يؤمن بأن الخلق جميعا لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشئ ، لن ينفعوه إلا بشئ قد كتبه الله له ، وإن اجتمعوا على أن يضروه ، لن يضروه إلا بشئ قد كتبه الله عليه .

فلا مجال ـ مع وجود الإيمان ـ للجبن ولا للنفاق ، ولا للكذب ، ولا للشقاق ، فالأعمار مقدرة ، وهي بيد الله : { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله } [ آل عمران /145] . والأرزاق مقدرة ، وهي أيضا بيد الله : {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين (6) } [ هود / 6 ] .

والإيمان يجعل الإنسان متفائلا دائما راضيا بما قسم الله ، لا يعرف التشاؤم سبيلا إلى قلبه ، ولا اليأس طريقا إلى نفسه ، ولا يملك التحسر على ما فاته من أمور الدنيا عليه كيانه ، فيشل حركته ، ويميت نشاطه {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (216)} [ البقرة /216] .

7ـ إن الإنسان إذا تأمل كل ما يقع تحت حسه من أجناس الموجودات، وجد نفسه سيدا لها .

وإذا كانت السيادة تعني الخادمية والمخدومية ، فأجناس الموجودات جميعها خادمة له ، وهو مخدوم منها .

وأجناس الموجودات مرتبة ترتيب حكمة ؛ بحيث يخدم الأدنى فيها كل أجناس الأعلى منها .

فالجماد الذي نراه ممثلا في الشمس والقمر والجبال ، وعناصر الأرض والماء. كل ذلك يخدم أجناس الموجودات التي تعلوه ، فهو في خدمة النبات . يمده بكل عناصر الغذاء والنمو ، وهو في خدمة الحيوان ، يمده بكل عناصر البقاء ، وهو أيضا في خدمة الإنسان يمده بكل ذلك .

فإذا ارتقينا إلى النبات ، وجدناه لا يخدم ما دونه ، وهو الجماد ، وإنما يخدم من هو أعلى منه ، وهو الحيوان والإنسان .

فإذا ارتقينا إلى الجنس الثالث ، وهو الحيوان ، وجدناه لا يخدم من دونه . وإنما يخدم من هو أعلى منه . وهو الإنسان .

ثم تقف حلقات الخدمة ، فلا تجد للإنسان ارتباطا بغيره من الأجناس ، يكون هو في خدمتها . إذن فقد انتهت خدمة الكون كله عند الإنسان . وبقى على الإنسان أن يبحث عن مهمته في هذا الوجود .

الجماد له مهمة يؤديها مع النبات ، والحيوان ، والإنسان .

والنبات له مهمة يؤديها مع الحيوان ، والإنسان .

والحيوان له مهمة يؤديها مع الإنسان .

ثم تنتهي حلقات الخدمة .

فأين مهمتك أيها الإنسان ؟ وأنت في خدمة من أيها الإنسان ؟

كان على الإنسان العاقل المفكر أن يبحث عن مهمته في هذا الوجود ، وإلا كان أقل من الجماد ، وأتفه من النبات ، وأدنى شأنا من الحيوان . وكيف يكون السيد المخدوم أقل شأنا من الخادم !!

إذن فلابد أن يكون للسيد المخدوم مهمة تناسب سيادته على كل عناصر الموجودات .

ثم أيها الإنسان ؛ هذه الأجناس متى خدمتك ؟

أخدمتك عندما وجد لك عقل تفكر به لتخدمك ؟

أخدمتك عندما وجدت لك قدرة عليها ؟

أم خدمتك قبل أن يوجد لك عقل ، وقبل أن توجد لك قدرة ؟

هب أنك كنت في البيت وحدك لا أحد معك ، واستيقظت ، فوجدت مائدة عليها من أصناف الطعام لفطورك . أما كان الأجدر بعقلك وفكرك أن تبحث عمن جاء لك بتلك المائدة ؟ أم تتناول المائدة تناول الغاصب ؟

الإنسان يرى في الوجود أشياء لا قدرة له عليها . كان من الواجب عليه أن يبحث عمن أوجدها له ، وعمن سخرها لخدمته دون قدرة له عليها ، وقبل أن توجد له قدرة !

إذن حينما يرحم الله الناس ، ليخرجهم من غفلتهم ، فيرسل لهم رسلا يحلون لهم هذا اللغز : من الذي سخر لكم ما لا تقدرون عليه ، وأمدكم قبل أن توجد لكم قدرة ؟

كان من الواجب على الإنسان أن ينصت للرسول ، ويقبل عليه ، لا أن يصم أذنيه ، ويرتكب حمقا آخر . الحمق الأول : لم يفكر في مهمته في الوجود ، والحمق الآخر : إعراضه عمن جاء ليحل له لغز الحياة .

تأمل الحديث القدسي : " يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك ، وخلقتك من أجلي " .

" خلقت الأشياء من أجلك " هذا هو العنصر الموهوب.

" وخلقتك من أجلي " هذا هو العنصر المطلوب. وهو المفسر في قوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن (57) يطعمون (58) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } [ الذاريات ] .

هل يصلح العقل بديلا عن الدين ؟

لكل حاسة من حواس الإنسان ـ السمع ، والبصر ، والذوق ، واللمس ، والشم ـ وظيفة خاصة بها ، ومجال تعمل فيه ، ولا تستطيع حاسة أن تقوم مقام أخرى ، ولكل منها حدود لا يمكن أن تتعداها ، وإلا بطل عملها ، وفقد تأثيرها.

وكذلك عقل الإنسان له مجاله الذي يستطيع أن يعمل فيه ، وإذا ما تخطى هذا المجال تاه وضل الطريق السوي .

إن عمل العقل أن يؤلف بين معطيات الحواس ، وأن يركب ، وأن يحلل ، وأن يخترع ، وأن يكتشف ، كل ذلك في مجال العلوم الطبيعية : الكيمياء ، والأحياء ، والطبيعة ، والفلك ، والجيولوجيا . . . الخ . أو مجال العلوم الرياضية ، وهي وإن كانت مجردة إلا أنها مرتبطة بالمحسات أيضا، فإذا ما جد العقل في هذا الإطار ؛ فإنه يمكنه أن ينتج لكنه يحتاج إلى الدين لكي يوجه نتاجه للخير والتعمير ، لا للإبادة والتدمير.

أما الغيبيات ، وما وراء الطبيعة ، والأخلاق ؛ فإن العقل عاجر عن استكناه هذا المجال واكتشافه ، ومعرفة حقائق ما فيه ، وذلك لأن العقول قاصرة ، ومتفاوتة ، ومختلفة ، فنتائجها كذلك : قاصرة ، ومتفاوتة ، ومختلفة .

إن العقل البشري عاجز عن إدراك نفسه ، وهو للآن عاجز عن فهم كيفية عمله ، كيف يتصور ، وكيف يميز ، وكيف يعقل ؟

وما زال كثير من حقائق المادة يجهلها ، ولا يعرف إلا قليلا عنها .

وحتى الآن لم يعرف شيئا عن حقيقة الروح ، وكنه الزمان ، وحقيقة المكان !! فضلا عن الجاذبية ، والإلكترون ، والأثير !!

فهل بعد ذلك يمكن أن يقال : إن العقل يصلح أن يكون بديلا عن الدين !!

يقول العلامة ابن خلدون : " العقل ميزان صحيح ، فأحكامه يقينية ، لا كذب فيها ، غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة ، وحقيقة النبوة ، وحقائق الصفات الإلهية ، وكل ما وراء طوره فإن ذلك طمع في محال " .

ومثلا ذلك : رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب ، فطمع في أن يزن به الجبال ، وهذا لا يدل على أن الميزان في أحكامه غير صادق ؛ لكن للعقل حدا يقف عنده ، ولا يتعدى طوره ، حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته ، فإنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه "
ولننظر نظرة واقعية تطبيقية لنرى ماذا حدث عندما اعتبر العالم العقل بديلا عن الدين ؟

لقد انقسم العالم إلى معسكرين متضاربين متصارعين ، يقف كل منهما للآخر بالمرصاد :

معسكر رأسمالي : يفتح أمام رأس المال جميع أبواب الكسب بلا قيد ولا شرط ، ولو كان بالربا والخداع ، والميسر ، أو الاتجار بالأعراض ، ودون التفات إلى ما ينتج عن ذلك من أنانية أصحاب رأس المال وطغيانهم ، وحقد العمال الفقراء وضياعهم ، وكان الاستعمار وما جره من ويلات للشعوب المستضعفة هو النتيجة الطبيعية لهذا النظام .
ومعسكر شيوعي : يزعم أنه يقدم الحل والعلاج لأخطاء النظام الرأسمالي فيضع المال ـ الذي هو أساس المشكلة في تصورهما ـ في يد الحكومة ، فيجمع لها سلطة المال فوق سلطة الحكم ، وبذلك يقسم المجتمع أيضا إلى طبقتين : طبقة تملك المال والحكم وكل شئ ، وطبقة ليس في يدها شئ : الأولى تعيش عيشة السادة الأثرياء ، والثانية تعيش عيشة العبيد الأذلاء
ولم يدم الحال . فقد سقط الفكر العقلي الشيوعي ، وكان لابد أن يسقط ، وانهار الاتحاد السوفيتي ، وكان لابد أن ينهار . وتبين لمن يعي : الدين هاديا للعقل في جميع الأمور ، التي لو ترك العقل وشأنه فيها ضل السبيل ، وعجز عن الوصول إلى الحقيقة ، وهذه الأمور هي :

( أ ) العقائد
( ب) المبادئ الأخلاقية إجمالا وتفصيلا
( ج ) التشريع في قواعده العامة ، وفي بعض تفصيلاته . وقواعده العامة تتضمن الجزئيات على مر الزمن ، وعلى اختلاف البيئات
أما الطبيعة والكون ؛ فمن سمائه وأرضه ، ومن جباله وبحاره ، ومن كواكبه وأقماره وشموسه ، أما المادة والطاقة . أما أعماق البحار وآفاق السماء . إن كل ذلك قد تركه للإنسان يدرسه في مصنعه ومعمله بآلاته وأدواته ، وحثه على أن يجول في ذلك ما استطاع إليه سبيلا : حتى يكشف سنن الله الكونية ، ونواميسه الطبيعية ، ويرى صنع الله الذي أتقن كل شئ ، ولم يحجر الدين على الإنسان في هذا المجال . اللهم إلا الواجب الذي ينبغي أن يكون شعاره دائما . وهو أن يكون هدفه من كل ذلك : الخير"


تعريف العقيدة:

العقيدة في اللغة: كلمة عقيدة مأخوذة من العقد والربط والشدة بقوة.

العقيدة في الشرع: هو الإيمان الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وبكل ما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة من أصول الدين إذن العقيدة تقابل أركان الإيمان.

العقيدة عند علماء النفس: هو كل ما عقد في النفس ويصعب فكه ويصدر عنه فعل لا إرادي.

أهمية علم العقيدة:

أهمية علم العقيدة تظهر لنا في تعريف العقيدة عند علماء النفس إذ أننا نفهم منه أن سلوكيات الفرد تكون نتاج ما يعتقده (تصرفاتنا فرع من تصوراتنا).

فإذا كانت دوافع الفرد وإدراكاته (عقيدته) سليمة وصحيحة كانت سلوكياته وتصرفاته سليمة والعكس بالعكس، لذلك العقيدة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين وتصح به الأعمال أي الأعمال موقوفة على الاعتقاد صحةً وفسادًا.

موضوعات علم العقيدة في الشرع:

العقيدة بمفهوم أهل السنة والجماعة: اسمُ عَلَم على العِلم الذي يدرس ويتناول جوانب التوحيد، والإيمان والإسلام، وأمور الغيب، والنبُّوات، والقَدَر، والأخبار، وأصول الأحكام القطعية، وما أجمع عليه السَّلف الصالح من أمور العقيدة، كالولاء والبراء، والواجب تجاه الصحابة وأمهات المؤمنين.ويدخل في ذلك الرد على الكفار والمبتدعين، وأهل الأهواء، وسائر المِلل والنِّحل، والمذاهب الهدَّامة، والفِرق الضالَّة، وهذا مجمل اعتقاد أهل السنّة والجماعة.


المبحث الثاني:

ألقاب وأسماء علم العقيدة:

أولاً: ألقاب وأسماء علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة:

لِعلمِ العقيدة عند أهل السنة والجماعة ألقاب وأسماء ترادفه وتدلُّ عليه، فمن ذلك ما يلي:

العقيدة: -كما مر- والاعتقاد والعقائد: فيُقال: عقيدة السلف، وعقيدة أهل السنة والجماعة، وعقيدة أهل الحديث.

التوحيد: وهو مصدر وحدَّ يوحد توحيدًا، أي جَعَلَ الشيء واحدًا.

فالتوحيد في اللغة: هو الحُكم بأنَّ الشيء واحد.

وفي الاصطلاح: هو توحيد الله وإفراده بما يستحق من الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات.

وسُمِّي علمُ العقيدة بالتوحيد، من باب تسمية الشيء بأشرف مباحثه، ومن باب التغليب.

السنَّة: السنَّة في لغة العرب: هي الطريقة والسيرة.

أمَّا في الشَّرع، فتطلق على عدة معانٍ، تختلف باختلاف ما وُضِعتْ له، فتُطلق على عِلم الحديث وتُطلق على المباح، إلى غير ذلك.

أمَّا سبب تسمية علم العقيدة بالسنَّة، فهو إتِّباع أصحابها لسنَّة النبيِّ صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، فأصبح ذلك الاسم شِعارًا لأهل السنَّة .

الشريعة: يُقال: الشريعة والشرعة، وهي ما سنَّ اللهُ من الدِّين وأَمَرَ به، كالصوم، والصلاة، والحج، والزكاة.

فالشريعة إذًا هي ما شَرَعَه اللهُ ورسولُه من سُنَنِ الهُدى، وأعظمها مسائل العقيدة والإيمان.

كلمة الشريعة ككلمة السنَّة، تُطلق على معانٍ متعدِّدة:

1- تُطلق على ما أنزله اللهُ على أنبيائه من الأمور العِلمية والعَملية.

2- تُطلق على كل ما خصَّ الله به كل نبيٍّ من الأحكام لأمَّته.

3- تُطلق أحيانًا على ما شرعه اللهُ لجميع الرُّسل من أصول الاعتـقاد، والطاعة، والبِر.

4- تُطلق بخاصّة على العقائد التي يعتقدها أهل السنَّة من الإيمان.

الإيمان: يُطلق على علم العقيدة ، ويشمل سـائر الأمور الاعتقادية.

أصول الدين أو أصول الديانة: فأصول الدين هي أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وسائر الأمور الاعتقادية

وقال بعضُهم: الأسلم أن يُقال عقيدة وشريعة، أو المسائل العِلمية والمسائل العَملية، أو العِلميات والعَمليات.

ثانيًا: ألقاب وأسماء علم العقيدة عند غير أهل السنة والجماعة:

علم الكلام : وهذا الإطلاق يُعرف عند سائر فِرق المتـكلِّمة، كالمعتزلة، والأشاعرة، ومَن نحوهم.

وتسمية عِلم العقيدة بعلم الكلام تسميةً خاطئة، لأنَّ علمَ الكلام مصدره عقول البشر، والتوحيد مصدره الوحي.

وعلم الكلام حيرةٌ، واضطرابٌ، وجهلٌ وشكٌّ، ولهذا ذمَّه السَّلف. والتوحيد علمٌ، ويقينٌ، وإيمانٌ.

الفلسفة: وهذا الاصطلاح – أيضًا – يُطلق خطأً على علم التوحيد والعقيدة. فهذا الإطلاق لا يجوز، لأنَّ الفلسفة – مبناها على الأوهام، والأباطيل، والعقليات الخيالية، والتصورات الخرافية.

التصوُّف: وهذا الإطلاق يُعرف عند بعض المتصوِّفة، والفـلاسفة، والمستشرقين. وهو إطلاق مبتدَع، لأنه ينبني على شطحات المتصوفة وخرافاتهم في العقيدة.

الإلهيات: ويُعرف عند أهل الكلام، والمستشرقين، والفلاسفة، كما يسمَّى بعِلم اللاهوت.

الميتافيزيقيا: (ما وراء الطبيعة) ويعرف عند الفلاسفة، والكتَّاب الغربيين، ومَن نحا نحوهم. وكل أناس يعتقدون دينًا يدينون به، يسمونه دينًا وعقيدةً.


المبحث الثالث:

أهل السنة والجماعة:

أولاً: تعريف السنَّة:

السنَّة في اللغة: هي الطريقة والسيرة.

السنَّة في اصطلاح علماء العقيدة: هي الهدي الذي كان عليه الرسولُ صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأصحابُه عِلمًا واعتقادًا وقولاً وعَملاً، وهي السنَّة التي يجب إتِّباعها، ويُحمدُ أهلها، ويذمُّ مَن خالفهما. وتُطلق السنَّة على سنن العبادات، والاعتقادات.

ثانياً: تعريف الجماعة:

تعريف الجماعة في اللغة: الجماعة في اللغة مأخوذة من مادة (جمع) وهي تدور حول (الجمع، والإجماع، والاجتماع) وهو ضدُّ التفرُّق.

الجماعة في اصطلاح علماء العقيدة: هم سلف الأمَّة من الصحابة والتابعين ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وهم الذين اجتمعوا على الحقِّ الصريح من الكتاب والسنَّة.


أهل السنة والجماعة وسبب تسميتهم بذلك :

* أهل السنة والجماعة: هم مَن كان على مثل ما كان عليه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -وأصحابُه - وهم المتمسكون بسنة النبي صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وهم الصحابة والتابعون وأئمة الهُدى المتَّبعون لهم.

* سبب تسميتهم بذلك: سُمُّوا بذلك لانتسابهم لسنَّة النبيِّ صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، واجتماعهم على الأخذ بها ظاهرًا وباطنًا، في القول والعمل والاعتقاد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:27 pm

تعريف علم العقيدة

العقيــــدة لغة: تدل مادة (عقد) فى مختلف استعمالاتها على معانى التوكيد والتوثيق والإبرام، سواء كان ذلك فى الجانب الحسى : أو الجوانب المعنوية..

ومنها قوله تعالى: ]ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان [ (المائدة 89) أى ،أقسمتم به مع النية التامة والقصد الكامل ، ومنها قوله تعالى: ]ولا تعزموا عقدة النكاح [ (البقرة 235) ومن هنا جاءت كلمة (عقيدة) لتدل على ما يدين الإنسان به، ويعقد عليه القلب والضمير(1).

واصطلاحا: كلمة (عقيدة) تتسع فى المحيط الإسلامى لتدل على "فعل الاعتقاد" نفسه حينا، ولتدل على " محتوى الاعتقاد وموضوعاته " حينا، ولتدل على (العلم) الذى يتكفل ببيان الأمرين جميعا حينا آخر.

فيما يتعلق "بفعل الاعتقاد" نفسه فإن الاعتقاد الصحيح يجب أن يكون مصحوبا بالجزم والتيقن والإذعان، وأن يتخلص من شوائب "الظن " الذى يعنى التردد بين طرفين، ثم الميل إلى الطرف الراجح منهما، ومن شوائب "الشك " الذى يعنى التردد بين طرفين، دون ميل إلى أحدهما، ومن شوائب "الوهم " الذى يعنى أيضا التردد بين طرفين، ثم الميل إلى الطرف المرجوح منهما (2).

وحين يتخلص الاعتقاد الصحيح من هذه الشوائب- بما تعنيه من اهتزاز وارتياب. فإنه يكون مقترنا بإذعان العقل، وسكون النفس، وانشراح الصدر، ومن ثم يصير هذا الاعتقاد باعثا لصاحبه على آداء التكاليف العملية كالصلاة والصيام وغيرها فى طواعية ويسر، كما يكون دافعا لصاحبه على الالتزام الخلقى، والسلوك السوى، مصحوبا بمراقبة الله عز وجل فى السر والعلانية، حتى يبلغ ذلك الاعتقاد بصاحبه إلى مرتبة الإحسان التى عبر عنها قوله (صل الله عليه وسلم) (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (3).

من أجل ذلك فإن الاعتقاد الصحيح يجب أن يكون مؤسسا على الدليل اليقينى القاطع، سواء كان دليلا إجماليا أو تفصيليا، فالدليل الإجمالى مثلا على وجود الله تعالى، واتصافه بصفات الكمال هو العالم بكل ما فيه من بديع الصنع، ومظاهر الحكمة، ودلائل النظام والاتساق والإحكام، والدليل الإجمالى مثلا على صدق النبى(صل الله عليه وسلم) فيما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى هو ما أيده الله تعالى به من باهر المعجزات، وأعظمها القرآن الكريم نفسه، وما اشتملت عليه رسالته السامية من هداية البشرية، وما نعمت به فى ظلها من الرفاهية والأمن والسعادة.

ولئن كان الاعتقاد الصحيح مؤسسا على الدليل اليقينى القاطع فهو بالضرورة مطابق للحق وللواقع بلا ريب، وعلى هذه الأسس الثلاثة: أعنى الجزم، والتأسيس على الدليل، والمطابقة للواقع: يترسخ الاعتقاد الصحيح فى الإسلام، ويصير فرقانا بين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان، وبين الهدى والضلال(4)، كما يصير مرادفا للعلم المأمور به فى قوله تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله ) (محمد 19).

أما محتوى الاعتقاد أو "المعتقدات " فتشمل منظومة من العقائد التى تتعلق بجانب الألوهية (وتسمى الإلهيات)، وتشمل مجموعة من العقائد التى تتعلق بالأنبياء عليهم السلام، وتسمى (النبوات) وتشمل أخيرا طائفة من العقائد التى تتعلق بالأمور الغيبية التى ورد بها السمع (أى الكتاب والسنة الصحيحة) وتسمى (السمعيات).

فى جانب الإلهيات يجب على المسلم الاعتقاد بأن الله تعالى منزه عن النقائص التى لا تليق بجلاله وألوهيته، فهو سبحانه منزه عن الاعتماد فى وجوده على غيره، ومنزه عن أن يكون لوجوده بداية، أو نهاية، ومنزه عن أن يكون مماثلا للمخلوقات، ومنزه عن التعدد فى ذاته، وفى صفاته، وفى أفعاله، فلا ذات تماثل ذاته العلية، ولا صفات تشابه صفاته المقدسة، ولا أفعال تماثل أفعاله تعالى، ولقد سمى علماء العقائد هذه الصفات التى تدل على التنزيه بالصفات السلبية.

ومن ناحية أخرى يجب على المسلم- فى جانب الإلهيات أيضا: الاعتقاد بأنه سبحانه متصف بالكماليات العليا التى تليق بجلاله وعظمته، مثل القدرة التامة الشاملة، والإرادة الكاملة التى تعنى أنه غير مقهور، ولا عاجز، والعلم المحيط الذى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض، وهو سبحانه متصف أيضا بالسمع والبصر والكلام، وغيرها من الصفات التى سماها علماء العقائد: الصفات الثبوتية أو الوجودية..

وفى جانب النبوات يجب على المسلم الاعتقاد بأن الأنبياء جميعا- عليهم السلام- متصفون بالصدق والعصمة، وتبليغ ما أرسلوا به دون كتمان، ومتصفون أيضا بفطانة الرأى وسداد المسلك، لأنهم قادة البشرية وهداتها إلى الحق والخير والصواب.

وفى جانب السمعيات يجب على المسلم الاعتقاد بكل ما ورد فى القرآن الكريم والسنة الصحيحة من معتقدات: كالملائكة والجن، والروح، والكرسى، والعرش، واللوح، والقلم، وكذلك الإيمان بالقدر، وبعث الموتى من قبورهم، وأحوال الآخرة من الحشر والنشر، والصراط، والميزان، والحوض، والشفاعة، والجنة ودرجاتها، والنار ودركاتها (5).

أما "علم العقيدة"، وهو ما يسمى علم التوحيد، أو علم الكلام، أو علم أصول الدين فهو العلم الذى يتكفل ببيان الجانبين السابقين- الاعتقاد والمعتقدات- معتمدا فى ذلك على العقل والنقل جميعا، ولعل هذا الملحظ هو ما حدا بعلماء العقائد إلى الإصرار على أن تكون معرفة أحكام العقل الثلاثة- الوجوب والاستحالة والجواز- من أهم المهمات لمن يتصدى للبحث فى هذا العلم، بل لقد سماها البعض "قاعدة الدين "(6).

وإذا كان هذا العلم كما يرى بعض علماء العقائد- هو العلم الذى يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه (7) فإن هاتين الوظيفتين- إقامة الحجج ودفع الشبه- لا يمكن النهوض بهما إلا لمن أحكم أصول الشرع وأصول العقل جميعا، ومن أجل هذا المعنى فقد عرفه بعض علماء العقائد بتعريف مشابه، وهو أنه العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسبة من أدلتها اليقينية"(Cool.

========================================
المراجع :
1- المصباح المنير، مادة :عقد، و لسان العرب، لابن منظور 3/ 288.
2- السنوسى: شرح الكبرى: ص 3، وأيضا: شرح العقائد النسفية 1/ 9- 10.
3- البخارى : كتاب الإيمان، ومسلم: كتاب الإيمان.
4- قارن شرح المقاصد للتفتازانى 2/ 194، وتبصرة الأدلة :لأبى المعين النسفى 1/ 43 والشرقاوى على الهد هدى ص 40.
5- شرح النسفية 1/ 22- 23 حاشية الأمير على الجوهر، ص 54ـ55 .
6- الإرشاد، الجوينى: ص 12- 16، والعقيدة النظامية: ص 5.
7- شرح المواقف: 1/ 34- 35.
8- شرح المقاصد. 1/ 5.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرق بين العقيدة الإسلامية والفلسفة وعلم الكلام

على الرغم من أنّ الموضوع الذي تعالجه الفلسفة هو الموضوع ذاته الذي يعالجه الدين ، إذ يزعم الفلاسفة أنّ مباحثهم تهدف إلى معرفة أصل الوجود وغايته ، ومعرفة السبيل الذي يحقق السعادة الإنسانية عاجلاً وآجلاً ، وهذان هما موضوع علم الفلسفة بقسميها العلمي والعملي ، وهما كذلك موضوع علم الدين (1) ... 

أقول على الرغم من ذلك إلا أنّ الاختلاف بين الدّين والفلسفة اختلاف كبير . 

فهما يختلفان في المصادر والمنابع ، وفي المنهج والسبيل ، وفي قوة التأثير والسيطرة ، وفي الأسلوب وطريقة الاستدلال ، وفي آثار كل منهما . وسنحاول أن نبين ذلك كله حتى يزول هذا الخلط بين الدين والفلسفة . 

1- المصادر والمنابع : 

الفلسفة في كل صورها (( عمل إنساني )) يتحكم فيه كل ما في طبيعة الإنسان من قيود وحدود وتدرج بطيء في الوصول إلى المجهول ، وقابلية للتغير والتحول ، وتقلب بين الهدى والضلال ، واقتراب أو ابتعاد عن درجة الكمال . 

ولذا فإن أساطين الفلسفة لم يستطيعوا أن يتخلّصوا من التأثر بالبيئة ، فكانت تصوراتهم ومعتقداتهم فيها صدى كبير لما يحيط بهم . (2) 

ولنأخذ على ذلك مثلاً ( أفلاطون ) فإنّا إذا درسنا نتاجه رأيناه يردد الأساطير التي سادت في عصره ، بل إنّه ينشئ الأسطورة ، ويضمنها أفكاره ومعتقداته ، بل إن كثيراً من معتقداته وآرائه هي أساطير في ذاتها . 

اسمع ما يقوله العقاد في ( أفلاطون ) : " غلبت البيئة الوثنية أفلاطون على تفكيره بحكم العادة وتواتر المحسوسات ، فأدخل في عقيدته أرباباً ، وأنصاف أرباب لا محل لها في ديانات التوحيد " . (3) 

ثم يعرض العقاد نظرية أفلاطون في الوجود تدليلاً على ما يقول : " فالوجود في مذهب أفلاطون طبقتان متقابلتان : طبقة العقل المطلق ، وطبقة المادة الأولية أو (الهيولي) ، والقدرة كلها من العقل المطلق ، والعجز كله من (الهيولي) ، وبين ذلك كائنات على درجات تعلو بمقدار ما تأخذ من العقل ، وتسفل بمقدار ما تأخذ من الهيولي ، وهذه الكائنات المتوسطة بعضها أرباب ، وبعضها أنصاف أرباب ، وبعضها نفوس بشرية " . (4) 

والسبب الذي من أجله ارتضى أفلاطون وجود تلك الأرباب المتوسطة كما يقول العقاد " إنه أراد أن يعلل بها ما في العالم من شرّ ونقص وألم ، فإنّ العقل المطلق كمال لا يحدّه الزمان والمكان ، ولا يصدر عنه إلا الخير والفضيلة ، فهذه الأرباب الوسطى هي التي تولت الخلق لتوسطها بين الإله القادر (( والهيولي )) العاجز ، فجاء النقص والشر والألم من هذا التوسط بين الطرفين " . (5) 

ومن المعروف أيضاً أن أفلاطون يؤمن بعقيدة تناسخ الأرواح . 

هذه هي الفلسفة في مصادرها . 

أما العقيدة الإسلامية فهي وحي من الله ، له كلّ ما للإلهيات من ثبات الحقّ الذي لا تبديل لكلماته ، وصرامة الصدق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ثم هو فوق ذلك (( منحة كريمة )) تصل إلى حامليها وسفرائها عفواً بلا كدح ولا نصب ، وتغمرهم بنورها في فترات خاطفة كلمح البصر أو هو أقرب . (6) 

2- المنهج والسبيل (7) : 

يختلف المنهج الفلسفي عن المنهج الإسلامي في خط سير كلّ منهما بداية ونهاية ، فالفلاسفة كثير منهم يبدؤون بدراسـة النفس الإنسانية ، ويجعلونها الأصل الذي يبنون عليه ، ويفرعون عنه ، فتكلموا في إدراكهم للعلم : وأنه تـارة يكون بالحسّ ، وتارة بالعقل ، وتارة بهما . 

وجعلوا العلوم الحسيّة ، والبدهية ونحوها : هي الأصل الذي لا يحصل علم إلا بها ، ثم زعموا أنهم إنما يدركون بذلك الأمور القريبة منهم ، من الأمور الطبعية والحسابية ، والأخلاق ، فجعلوا هذه الثلاثة هي الأصول التي يبنون عليها سائر العلوم ، ولهذا يمثلون ذلك في أصول علم الكلام ، بأن الواحد نصف الاثنين ، وأن الجسم لا يكون بمكانين ، وأن الضدّين – كالسواد والبياض – لا يجتمعان . 

وكثير من هؤلاء لا يجعلون الأخلاق مثل : العدل ، والعفّة من الأصول ، بل من الفروع التي تفتقر إلى الدليل . 

وكثير من المصنفين في الفلسفة يبتدئ بالمنطق ، ثم الطبيعي والرياضي ، ثم ينتقل إلى العلم الإلهي ، وتجد المصنفين في الكلام يبدؤون بمقدماته في الكلام : في النظر والعلم والدليل ، وهو من جنس المنطق ، ثم ينتقلون إلى حدوث العالم وإثبات مُحدثِه ، ومنهم من ينتقل من تقسيم المعلومات إلى الموجود والمعدوم وأقسامه ، كما يفعله الفيلسوف في أول العلم الإلهي . 

وغالبية الفلاسفة يتوسعون في الأمور الطبعية ، ثم يصعدون إلى الأفلاك وأحوالها ، ثم المتألهون منهم يصعدون إلى واجب الوجود ، وإلى العقول والنفوس ، ومنهم من يثبت واجب الوجود ابتداء من جهة أن الوجود لا بدّ فيه من واجب . 

وأما الغاية التي يرمي إليها المتكلمون الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر هي إثبات وحدانية الخالق ، وأنّه لا شريك له ، ويظنون أنّ هذا هو المراد بـ ( لا إله إلا الله ) . 

هذا المنهج الفلسفي الكلامي يشغل الباحث والناظر فيه في قضايا ينقضي العمر ، ولا ينتهي من بعضها ، بل إنّ الذي يحصّله منها ينطوي على شبهـات تجعل اليقين غير موجود ، فيصاب الباحث بالحيرة والشك . 

أما المنهج القرآني ، فإنّه يجعل فاتحة دعوته ودعوة الرسل جميعاً : الدعوة إلى عبادة الله وحده ( وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] وكلّ رسول كان يطلب قومه في أول الأمر بأن يعبدوا الله وحده ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) [ المؤمنون : 23 ] يطالبهم بعبادته بالقلب ، وعبادته باللسان ، وعبادته بالجوارح ، وعبادة الله متضمنة لمعرفته وذكره . 

وأصل العلم عندهم هو العلم بالله سبحانه ، لا الحس ولا البدهيات فالله هو الأول الذي خلق الكائنات ، والآخر الذي إليه تصير الحادثات ، فهو الأصل الجامع ، والعلم به أصل كل علم وجامعه ، وذكره أصل كل ذكر وجامعه ، والعمل له أصل كل عمل وجامعه . 

ومن العلم به تتشعب أنواع العلوم ، ومن عبادته وقصده تتشعب وجوه المقاصد الصالحة ، والقلب بعبادته والاستعانة به معتصم مستمسك قد لجأ إلى ركن وثيق ، واعتصم بالدليل الهادي ، والبرهان الوثيق ، فلا يزال إما في زيادة في العلم والإيمان ، وإما في السلامة عن الجهل والكفران ، فالعلم بالله أعظم سبيل لمعرفة الله ، ومعرفة الحياة والأشياء ، ومعرفة النفس الإنسانية . 

يقول ابن أبي حاتم : " عرفنا كل شيء بالله " . وسئل ابن عباس : بم عرفت ربك ؟ قال : " من طلب دينه بالقياس لم يزل دهره في التباس ، ظاعناً (Cool في الاعوجاج ، زائغاً (9) عن المنهج ، أعرفه بما عرّف به نفسه ، وأصفه بما وصف به نفسه " . 

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم معاذاً حين أرسله إلى اليمن للدعوة إلى الله : أنّه سيقدم على قوم أهل كتاب وأوصاه أن يكون أول ما يدعوهم إليه عبادة الله ، فإذا عرفوا ذلك فيدعوهم إلى الفرائض ، ولم يأمره صل الله عليه وسلم أن يدعوهم أولاً إلى الشك ، أو النظر ، أو القصد إلى النظر كما هي طريقة بعض المتكلمين . 

ولذا ابتدأ البخاري كتابه بالأصل الذي يقوم عليه العلم والإيمان ألا وهو الوحي ، فعقد كتاباً عنون له بـ ( بدء نزول الوحي ) ، فأخبر عن صفة نزول العلم والإيمان على الرسول صل الله عليه وسلم أولاً ، ثم أتبعه بكتاب الإيمان الذي هو الإقرار بما جاء به ، ثم بكتاب العلم الذي هو معرفة ما جاء به ، فرتبه الترتيب الحقيقي الذي يدل على علمه وحكمته رحمه الله . 

والله عندما يبعث الناس لا يسألهم عن العلوم الحسية والبدهية ، والمنطق والطبعي ، بل يسألهم عن استجابتهم للرسل أو عدمها ( كلما ألقى فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذيراً – قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذبنا وقلنا ما نزَّل الله من شيءٍ إن أنتم إلا في ضلال كبير – وقالوا لو كنَّا نسمع أو نعقل ما كنَّا في أصحاب السعير – فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير ) [ الملك : 8-11 ] ، والحجة لا تقوم على الناس إلا ببعثه الرسل ( وما كنَّا معذبين حتى نبعث رسولاً ) [ الإسراء : 15 ] . 

وكما أن الدعوة إلى الله هي نقطة البداية في المنهاج القرآني ، ومعرفة الله هي الأصل الذي تتفرع منه العلوم ، فإن نقطة النهاية أيضاً عبادة الله المتضمنة معرفته وتوحيده . أما مجرد الإقرار بوحدانية الخالق وإفراد الصانع التي هي نهاية مطلوب علماء الكلام ، فإنها – على الرغم من أهميتها – جزئية في المنهج القرآني لا يكفي مجرد الإقرار بها ، ولذا لم تنفع المشركين الذين حاربهم الرسول صل الله عليه وسلم مع إقرارهم بذلك ( ولئِن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولنَّ الله ) [ لقمان : 25 ] . ( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم – سيقولون الله ) [ المؤمنون : 86-87 ] . 

أما الفلاسفة الذين بحثوا في العقول والنفوس فهم يخبطون في هذا المجال خبطاً لا قرار له ، وحسبك دليلاً على ذلك أن التقدم العلمي الهائل في هذا العصر لم يكشف لنا حقيقة النفس الإنسانية (( ولقد بذل الجنس البشري مجهوداً جباراً لكي يعرف نفسه ، ولكن على الرغم من أننا نملك كنزاً من الملاحظات التي كدسها الفلاسفة والعلماء والشعراء وكبار الروحانيين في جميع الأزمان إلا أننا استطعنا أن نفهم جوانب معينة فقط من أنفسنا ، إننا لا نفهم الإنسان ككل ، ... إننا نعرفه على أنّه مكون من أجزاء مختلفة ، وحتى هذه الأجزاء ابتدعتها وسائلنا ! فكل واحد منا مكوّن من موكب من الأشباح ، تسير في وسطها حقيقة مجهولة . 

وواقع الأمر أنّ جهلنا مطبق ، فأغلب الأسئلة التي يلقيها على أنفسهم أولئك الذين يدرسون الجنس البشري تظل بلا جواب ، لأن هناك مناطق غير محدودة في دنيانا الباطنة ما زالت غير معروفة )) . (10) 

إذا كانت هذه هي المعرفة التي بلغتها الأبحاث في القرن العشرين ، فكيف تجعل النفس الإنسانية هي الأصل الذي يتفرع عنه مختلف العلوم ، أمّا المعرفة بما وراء الطبيعة فإن الفلسفة ضلت فيها ضلالاً أبعد وأبين . 

3- قوة التأثير (11) : 

العقيدة تمتاز بسلطان قوي قاهر على نفوس معتنقيها ، وليس للفلسفة أن تطمح إلى نيل هذه الميزة ، وإلا لجاوزت قدرها ، وتناقضت في نفسها ، والسبب في ذلك أنّ الفلسفة تبحث عن المعرفة والحقيقة بقدر الطاقة البشرية ، ثم تعرض ما تظفر به في جوانب تلك الحقيقة ... 

والفيلسوف هو أول من يعرف قصور العقل البشري ، وقصور كل ما هو إنساني عن درجة الكمال ، ولذلك كان التسامح والتواضع العلمي من أظهر خصائصه ، فسقراط وهو مَنْ هو بين الفلاسفة يقول : " الشيء الذي لا أزال أعلمه جيداً هو أنني لست أعلم شيئاً " . 

أما صاحب العقيدة فيرى أنّ عقيدته التي يحملها مستمدة من العالم بسر الوجود الذي أحاط بكل شيء علماً ، فهي تمثل الحقيقة بلا غبش . 

فهي بطبيعتها ملزمة ، تتقاضى صاحبهـا الخضوع والتسليم ، ولا تقبل منه في حكمها جدالاً ولا مناقضة ، بل لا تبيح له في نفسها بحثاً ولا ترديداً ، فإن فعل ذلك في مسألة ما ، كان في هذه المسألة بعينها متفلسفاً غير متدين ، حتى يستقرّ فيها على رأي معين يدين به ، فهنالك لا يقبل فيه مساومة ، ولا يستطيع منه تحللاً ، إذ يصبح عقيدة يخلص لها إخلاصاً خارقاً للعادة ، حتى لا يبالي بأن يضحّي في سبيلها بحياته ، ولا نكاد نجد هذا السلطان على النفس لفكرة أخرى : علمية أو سياسية أو غيرها . 

ويبين الشيخ محمد عبد الله دراز السر في هذه الظاهرة فيقول : " السر في هذه الظاهرة – وهي قوة سلطان العقيدة وتميزها بذلك عن الفلسفة – يتمثل في الفارق بين حقيقة المعرفة وحقيقة الإيمان... 

وفي الفرق بين القوة النفسية التي تقوم بوظيفة المعرفة ، والقوة النفسية التي تقوم بوظيفة الإيمان . فالواحد من الناس قد يدرك معنى الجوع والعطش وهو غير محس بآلامهما ، وقد يفهم معنى الحبّ والشوق ، وليس من أهلهما ، وقد يرى الأثر الفني البارع فيفهم أسراره ، ويقف على دقائق صنعه ، ولكنه لا يتذوقه ، ولا يتملك قلبه الإعجاب به .... 

هذه ضروب من المعرفة والعلم ، يهديها إلينا الحس ، أو الفكر ، أو البديهة ، فتلاحظها النفس ، وكأنها غريبة عنها ، أو تمرّ بها عابرة ، فتمسها مساً جانبياً لا يبلغ إلى قرارتها ، أو تختزنها وتدخرها ، ولكنها لا تهضمها ولا تتمثلها ، وكل حالة نفسية تقف بالأفكار والمبادئ عند هذه المراحل فليست من الإيمان في قليل ولا كثير . 

الإيمان معرفـة تتجاوب أصداؤها في أعماق الضمير ، وتختلط مادتها بشغاف القلوب ، فلا يجد الصدر منها شيئاً من الضيق والحرج ، بل تحس النفس ببرد اليقين ، الإيمان تذوق ووجدان يحمل الفكرة من سماء العقل إلى قرارة القلب ، فيجعلها للنفس رياً وغذاء يدخل في كيانها ، ويصبح عنصراً من عناصر حياتها ، الإيمان يحول الفكرة قوة دافعة فعّالة خلاقة ، لا يقف في سبيلها شيء في الكون إلا استهانت به . 

هذا هو فصل ما بين الدين والفلسفة ، غاية الفلسفة المعرفة ، وغاية الدّين الإيمان ، مطلب الفلسفة فكرة جافة ترتسم في صورة جامدة ، ومطلب الدين روح وثّابة وقوة محركة . 

ويلاحظ دراز أن الفلسفة تعمل في جانب واحد من جوانب النفس ، بينما الدين يستحوذ على النفس بجملتها ، وأن الفلسفة ملاحظة وتحليل وتركيب ، فهي صناعة تقطع أوصال الحقيقة وتزهق روحها ، ثم تؤلف بينها لتعرضها من جديد في نسق صناعي على مرآة الفطنة ، فتنطبع سطح النفس قشرة يابسة ، أما الدّين فهو حداء ونشيد يحمل الحقيقة جملة ، فيعبر بها القشرة السطحية ، لينفذ منها إلى أعماق القلوب وأغوارها ، فتعطيها النفس كليتها وتملكها زمامها . 

وهنا يستنبط دراز فرقاً دقيقاً بين الفلسفة والدين : فيلاحظ أنّ غاية الفلسفة نظرية حتى في قسمها العملي ، وغاية الدّين عملية ، حتى في جانبه العلمي ، فأقصى مطالب الفلسفة أن تعرفنا الحق والخير ما هما ، وأين هما ؟ ولا يعنيها بعد ذلك موقفنا من الحقّ الذي تعرفه ، والخير الذي تحدّده ، أما الدّين فيعرفنا الحقّ لا لنعرفه فحسب ، بل لنؤمن به ونحبه ونمجّده ، ويعرفنا الواجب لنؤدّيه ونوفيه ، ونكمل نفوسنا بتحقيقه . 

وكي يزيد الأمر إيضاحاً قارن بين الآثار العملية الدينية والفلسفية ، وبَيّنَ دراز أنّ الدّين يلفت النظر كي يتعرف الإنسان إلى خالقه ، ويتوجه إليه ، ويحبّه ويُقدّسه ، على أنّ غاية الفلسفة مجرد المعرفة التي تربط بين الأسباب والمسببات . 

وبين أنّ العقيدة تتدفق في الميدان الاجتماعي ، فهي تهز صاحبها لتحقيق أهدافها بالنشر والدعوة ، بينما الفلسفة لا يعنيها التوسع والانتشار ، بل قد يضنّ بها أصحابها على غيرهم ، فيحتكرونها ، ويستأثرون بها . 

4- الأسلوب (12) : 

الأسلوب الذي صيغت به العقيدة الإسلامية أسلوب خاص يمتاز بالحيوية والإيقاع ، واللمسة المباشرة والإيحاء ، الإيحاء بالحقائق الكبيرة التي لا تتمثل كلها في العبارة ، ولكن توحي بها العبارة ، كما يمتاز بمخاطبة الكينونة الإنسانية بكل جوانبها وطاقاتها ومنافذ المعرفة فيها ، ولا تخاطب الفكر وحده في الكائن البشري . 

أما الفلسفة فلها أسلوب آخر ، إذ هي تحاول أن تحصر الحقيقة في العبارة ، ولما كان نوع الحقيقة التي يتصدى لها يستحيل أن تنحصر في منطوق العبارة – فضلاً على أنّ جوانب أساسية من هذه الحقائق هي بطبيعتها أكبر من المجال الذي يعمل فيه الفكر البشري – فإنّ الفلسفة تنتهي حتماً إلى التعقيد والتخليط والجفاف ، ومن هنا لا يجوز أن تُعرض العقيدة الإسلامية بأسلوب الفلسفة ، لأنه يقتلها ويطفئ إشعاعها وإيحاءها ، ويقصرها على جانب واحد من جوانب الكينونة الإنسانية . 

ومن هنا يبدو التعقيد والجفاف والنقص والانحراف في كل المباحث التي تحاول عرض العقيدة بهذا الأسلوب الغريب على طبيعتها ، وفي هذا القالب الذي يضيق عنها ، ومسلك القرآن في بيان العقيدة الإسلامية مُتّسم بالبساطة والوضوح يجعل إدراكها سهلاً ميسراً لكافة مستويات النّاس على اختلاف مداركهم وفِطرهم ، يأخذ كل حسب طاقته من التفكير والاقتناع ، بخلاف تلك الأساليب الفلسفية والكلاميـة المعقدة الممتلئة بالمصطلحات ، إذ لا يدرك محتوياتها إلا القليل من الناس . 

5- طريقة الاستدلال : 

وفي هذا الجانب يتميّز القرآن في ما جـاء به من الأدلة عن الطريقة الفلسفية الكلامية ، ويمكن أن نوضح هذه الفروق في النقاط التالية : 

أ- استدل القرآن بالآيات المشهودة ( الكونية ) على وحدانية الخالق ، وكذلك الفلاسفة والمتكلمون ، ولكنّ طريقة القرآن مخالفة للطريقة الفلسفية الكلامية ، فالقرآن يستدل بالآيات نفسها التي يستلزم العلم بها العلم بصانعها ، كاستلزام العلم بشعاع الشمس العلم بالشمس من غير احتجاج إلى إقامة الأقيسة التي أقامها المتكلمون للاستدلال على حدوث العالم . 

فالعلم بكون هذه العوالم مخلوقة مربوبة أمر فطري لا يحتاج إلى إقامة الدليـل والبرهان ، فالإنسان يعلم بفطرته أنّ هذا الكون الذي يراه فقير إلى الخالق ، مقهور مربوب ، وهذا لا يحتاج إلى تلك الأقيسة التي أقاموها ، كي نعلم حدوث العالم ، وأن له مُحدثاً . 

قال تعالى : ( أو لم ير الذين كفروا أن السَّماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون – وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون – وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آيَاتِهَا معرضون – وهو الذي خلق اللَّيْلَ والنَّهار والشمس والقمر كل في فلكٍ يسبحون ) [ الأنبياء : 30-33 ] . 

ب- الأدلة العقلية (13) التي جاء بها القرآن لائقة بجلال الله وكماله ، فلم يستعمل القرآن قياس الشمول وقياس التمثيل الذي تستوي أفراده في حقّ الله تعالى ، لأنه يلزم منهما تسوية الخالق بالمخلوق . 

وإنما يستعمل في حقه تعالى قياس الأولى الذي مضمونه أنّ كلّ كمال وجودي غير مستلزم للعدم ولا للنقص بوجه من الوجوه اتصف المخلوق به ، فالخالق أوْلى أنْ يتصف به ، لأنّه هو الذي وهب المخلوق ذلك الكمال ، ولأنّه لو لم يتصف بذلك الكمال مع إمكان أن يتصف به ، لكان في الممكنات من هو أكمل منه وهو محال ، قال تعالى : ( ولله المثل الأعلى ) [ النحل : 60 ] . 

وكلّ نقص ينزّه عنه المخلوق ، فالخالق أولى بالتنزه عنه . 

ج- ونلاحظ أيضاً أن الأدلة العقلية القرآنية تدلّ على الحقّ بأبلغ عبارة وأوجزها ، أمّا الأدلة العقلية الكلامية والفلسفية فكثير منها لا ينهض للاستدلال به ، وضعف الدليل الذي يستدّل به على الحقّ يؤدي إلى كثرة الشك والاضطراب والحيرة ، بل قد يؤدي إلى ردّ الحق ، إذ يسهل على الخصم بيان عوار الدليل ، فإذا ردّه ردّ الحقّ مع أنّ الحق قويّ في ذاته ، والضعف إنّما هو في الدليل الموصل إليه ، لأجل ذلك نجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالاً من قول إلى قول ، وجزماً بالقول في موضع وبنقيضه في موضع آخر ، بل يكفّرون بقولٍ ما ، وهم ممن قال به في مكان آخر ، بخلاف أدلة الكتاب والسنة فإنّ أصحابها مستقرون عليها ، آخذون بها ، لا يتلجلجون ، ولا يضطربون . (14) 

د- ونلاحظ أنّ بعض أدلة المتكلمين يلزم منها لوازم باطلة ، إذ يلزم من بعضها ردّ الحق الثابت في الكتاب والسنة . 

فقد ردّوا النصـوص التي تدّل على أنّ الله في السماء بدعوى أنّ الله لا يكون في جهة ، لأنّ كونه في جهة يُعدّ تحيّزاً ، مع أنّ النصوص صريحة في كونه تعالى في السماء ، وخطؤهم أنّهم ظنوا أنّ معنى كونه في السماء : أنّ السماء تحويه ، وأخطؤوا أيضاً عندما طبقوا المقاييس البشرية على الذات الإلهية . 

6-الجنى والعطاء : 

ومن الفُروق أيضاً أن القرآن يعطي إيماناً مفصّلاً كما قال جندب بن عبد الله : " تعلمنا الإيمان ، ثم تعلمنا القرآن ، فازددنا إيماناً " . 

فالقرآن يصف لنا ربنا ، وأن له وجهاً ويداً وسمعاً وبصراً ، ويعدّد لنا أسمـاءه وصفاته : فهو الرحمن الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ...... ، ويعرفنا بأفعاله ومخلوقاته ، ويصف لنا القيامة وأهوالها والجنة والنار كأننا نراهما . 

أما طريقة المتكلمين فإنّ غاية ما عندهم إيمان مجمل ، لا يعطي علماً وافياً ، ولا تصوراً واضحاً . 

لا لقاء : 

لا لقاء بين الدّين والفلسفة فهما منهجان مختلفان : في البداية والنهاية ، والطريقة والأسلوب ، وفي التأثير والعطاء ، وقبل ذلك كلّه في المنابع والمصادر . 

والإسلام لا يحتاج إلى من يكمله ، فقد أكمله العليم الخبير ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) [ المائدة : 3 ] ، ولا نحتاج إلى أن نوفّق بينـه وبين الفلسفة ، ولا بينه وبين اليهودية والنصرانية ، ولا بينه وبين الشيوعية والاشتراكية ، فالإسلام حق لا باطل فيه ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) [ فصلت : 42 ] وغيره إمّا باطل ، وإما حق مخلوط بباطل ، والإسلام ما جاء لتحكمه أفكار البشر ، وإنما جاء ليهيمن على الحياة والأحياء ، ويقوّم المعوجّ من العقائد والأفكار . 

يجب علينا أن نبقي عقيدتنا وشريعتنا متميزة صافية نقية كما يريد ربنا ( قد تبين الرشد من الغيّ ) [ البقرة : 256 ] وإن خلطها بغيرها يؤدي إلى اللبس الذي عابه الله على أهل الكتاب ( يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل ) [ آل عمران : 71 ] . 

=======================================
(1) الدين ، لدراز : 59، 60 .
(2) المصدر السابق : 73 .
(3) كتاب الله ، للعقاد : 129 .
(4) كتاب الله ، للعقاد : 129 .
(5) المصدر السابق .
(6) الدين ، لدراز : 73 .
(7) راجع في هذا الموضوع مجموع الفتاوى ، لشيخ الإسلام : 2/1، 25، وهذا الذي ذكره وأثبتنا هنا باختصار أصل عظيم يدل على فقه كبير منه رحمه الله .
(Cool الظعن : السير ، أي : أبعد في الاعوجاج .
(9) زائغاً : مائلاً وحائداً .
(10) كتاب العلم يدعو إلى الإيمان .
(11) راجع في هذا المبحث كتاب الدين ، لدراز : 69 ، وما بعدها .
(12) راجع خصائص التصور الإسلامي ، لسيد قطب ص : 16 .
(13) يخطئ كثير من المتكلمين والفلاسفة في ظنّهم أنَّ دلالة الكتاب والسنة إنما هي بطريق الخبر المجرد ، وأنها لم تتعرض للأدلة العقلية ، فالحقُّ أنَّ القرآن بين من الأدلة التي يحتاج إليها في العلم بالله ووحدانيته ما لا يقدر أحد من هؤلاء قدره . ونهاية ما يذكره المتكلمون جاء القرآن بخلاصته على أحسن وجه ، وذلك كالأمثال المضروبة التي يذكرها الله تعالى في كتابه التي قال فيها : ( ولقد صرَّفنا في هذا القرآن للناس من كل مثلٍ ) [ الكهف : 54 ] ، والأمثال المضروبة هي ( الأقيسة العقلية ) .
(14) مجموع الفتاوى ، لابن تيمية : 4/50
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:29 pm

تعريف الإسلام


        معنى الإسلام في اللغة : ـ

        لهذا اللفظ في اللغة معنيان :

        المعنى الأول : الاستسلام والانقياد.

        المعنى الثاني : إخلاص العبادة لله .

        ومن المعنى الأول قوله تعالى :

        • { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون (83)} [ آل عمران / 83]

        • { فلما أسلما وتله للجبين (103)} [ الصافات ]

        ومن المعنى الثاني قوله تعالى :

        • { ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى } [ لقمان /22]

        • { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين (130) إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (131) } [ البقرة ]

        والإسلام بهذين المعنيين الاستسلام لله ، وإخلاص العبادة له ـ هو دين الله تعالى في جميع رسالاته إلى خلقه { إن الدين عند الله الإسلام } [ آل عمران /19]

        • فسيدنا نوح يقول لقومه : { فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن إجري الآخرة لمن الصالحين (130) إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (131) } [ البقرة ]

        والإسلام بهذين المعنيين الاستسلام لله ، وإخلاص العبادة له ـ هو دين الله تعالى في جميع رسالاته إلى خلقه { إن الدين عند الله الإسلام } [ آل عمران /19]

        • فسيدنا نوح يقول لقومه : { فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين (72)} [يونس].

        • ويقول الله عن سيدنا إبراهيم : { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (67)} [آل عمران /67]

        • وعندما رفع إبراهيم وإسماعيل قواعد البيت الحرام قالا : { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } [ البقرة /128].

        • وعندما حضر يعقوب الموت قال لبنيه : { ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله ءابائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون } [ البقرة /133].

        • وقال موسى لقومه : { يا قوم إن كنتم ءامنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } [ يونس ]

        • ويدعو يوسف ربه : { توفني مسلما وألحقني بالصالحين (101)} [ يوسف ]

        • وقال عيسى بن مريم : { من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون (52)} [آل عمران]

        هكذا نرى أن كل الأنبياء والرسل كانوا يدينون بالإسلام ، ويدعون قومهم إليه . وهو يعني : الاستسلام لله ، وإخلاص العبادة له .

        ثم صار الإسلام (علما ) على الدين الذي نزل على سيدنا محمد صل الله عليه وسلم .

        وصار اسم المسلمين ( علما ) على أتباعه بناء على تسمية خليل الله إبراهيم لهم بهذا الاسم . قال تعالى : { وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل } [ الحج /78].

        ومن الآيات القرآنية التي تبين أن الإسلام هو دين سيدنا محمد صل الله عليه وسلم وأنه صار علما على ما جاء به من ربه ، ولن يقبل من أحد غيره .

        • { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85)} [ آل عمران ].

        • { واليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } [ المائدة /3]

        • { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } [ الأنعام/125]

        • { يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (102)} [ آل عمران /102]

        • { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلميــــــــــــــن } [ الأنعام/162 ـ 163]

        تعريف الإسلام في الشرع : ـ

        الإسلام هو : الامتثال لأوامر الله ونواهيه.

        وهو مبني على خمسة أركان : الشهادة ، والصلاة ، والزكاة ، وصوم رمضان ، والحج .

        وعلى هذا فالإسلام والإيمان مختلفان ؛ لأن الإسلام الامتثال الظاهري، والإيمان التصديق الباطني . إلا أنهما متلازمان . فلا يوجد إسلام معتبر شرعا بدون إيمان ، ولا يوجد إيمان لا يدخل صاحبه النار بدون إسلام .

        وإن وجد إسلام بدون إيمان ـ كما في المنافق ـ فليس هذا الإسلام معتبرا شرعا ، لأنه لا ينجي صاحبه من النار .

        وإذا تأملنا استعمال القرآن الكريم ، والسنة المطهرة لهذين اللفظين (الإسلام والإيمان ) نجد أنهما إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا.

        أي إذا اجتمع اللفظان في نص واحد ، افترق معناهما ، فكان الإسلام هو الأعمال الظاهرة ، والإيمان هو الإذعان والاعتقاد الباطني بأركان الإيمان الستة : وإذا جاء أحدهما دون الآخر ، شمل معنى الآخر.

        مثال اجتماع اللفظين قوله تعالى :

        • { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } [الأحزاب/35]

        • { قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } [ الحجرات /14].

        ففي مثل هذه الآيات للإسلام معنى ، وللإيمان معنى .

        ومثال انفراد الإسلام ، وحده قوله تعالى :

        • { قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم } [ الأنعام /14].

        • { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } [ الأنعام/125]

        وقوله صل الله عليه وسلم : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "
        فالإسلام في هذه النصوص يشمل الإيمان

        ومثال انفراد الإيمان وحده قوله تعالى :

        • { ربنا أننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أنءامنوا بربكم فءامنا } [ آل عمران /193].

        • { الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}[البقرة /257] وقوله صل الله عليه وسلم : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف "
        فالإيمان في هذه النصوص يشمل الإسلام






تعريف الإيمان


        الإيمان هو : تصديق النبي صل الله عليه وسلم فيما جاء به من ربه تعالى (1)

        وهذا التصديق يجب أن يصل إلى درجة اليقين ، والإذعان ، والانقياد لله تعالى . فلا تكفي مجرد معرفة الله .

        أ ـ فقد كان أهل الكتاب يعرفون سيدنا محمدا صل الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ، ولم تنفعهم هذه المعرفة .

        قال تعالى : { الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون (146) } [ البقرة ] .

        ب ـ وأبو طالب عم النبي صل الله عليه وسلم مات كافرا رغم أنه عرف أن الإسلام حق ، قال أبو طالب :

        ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا

        لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدني سمحا بذاك مبينا

        ج ـ بل إن إبليس اللعين يعرف ربه . فهل هذه المعرفة جعلته مؤمن ؟ قال تعالى : { قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون (36)} [ الحجر] وقال سبحانه : { قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين (83) } [ ص ]

        فلابد أن يصل التصديق إلى درجة الإذعان ، والانقياد ، والتسليم .

        ومكان هذا التصديق هو قلب المؤمن قال تعالى :

        • { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان } [ المجادلة /22].

        • { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } [ النحل 106].

        • { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } [الحجرات/7]

        • { يأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا ءامنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } [ المائدة /41].

        ومن الأحاديث النبوية الدالة على أن الإيمان محله القلب :

        • قال صل الله عليه وسلم : " يا مقلب القلوب. ثبت قلبي على دينك " (2)

        • وقال صل الله عليه وسلم : " يدخل الله أهل الجنة الجنة . يدخل من يشاء برحمته ، ويدخل أهل النار النار . ثم يقول : انظروا من وجــــــــــــــــــــــدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخـــــرجوه" (3)

        • وعن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، فصبحنا الخرقات من جهينة ، فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله . فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك . فذكرته للنبي صل الله عليه وسلم : " أقال لا إله إلا الله وقتلته " ؟ قال قلت : يا رسول الله . إنما قالها خوفا من السلاح . قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا " (4).

        والنطق بالشهادتين علامة تدل على التصديق القلبي ، وهو شرط لإجراء الأحكام النبوية. كالزواج والميراث ، والصلاة خلفه ، وعليه ، والدفن في مقابر المسلمين ، فلما كان الإيمان خفيا في القلب ، كان النطق بالشهادتين علامة تدل عليه . فمن صدق بقلبه ، ونطق بالشهادتين ، فهو مؤمن عند الله ، فيدخله جنته ، ومؤمن عندنا فنعامله معاملة المسلمين .

        ومن صدق بقلبه ، ولم ينطق بالشهادتين ، فهو مؤمن عند الله فقط ، وليس مؤمنا عندنا ، فلا نعامله معاملة المسلمين .

        3ـ وأما العمل بالشريعة من الأوامر والنواهي، فهو شرط كمال الإيمان ، لا يضيع الإيمان بضياعه ، ولا يفقد بفقده ، فالإيمان شئ ، والعمل بالشرع شئ آخر . ويتضح ذلك مما يأتي :

        أ ـ الآيات الدالة على الأوامر والنواهي بعد إثبات الإيمان تدل على أن الإيمان شئ والأوامر والنواهي شئ آخر . قال تعالى :

        * { يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام } [ البقرة /183].

        * { يأيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم } [ البقرة /254]

        * { يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا } [ آل عمران / 130]

        * { يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء} [ المائدة / 51]

        ب ـ النصوص الدالة على أن الإيمان والأعمال أمران مختلفان . قال تعالى :

        *{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم (Cool} [لقمان]

        *{ من يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته } [ التغابن / 9 ]

        فعطف الأعمال على الإيمان يفيد المغايرة .

        وعن أبي هريرة قال : " سئل رسول الله صل الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : إيمان الله قال : ثم ماذا ؟ قال : الجهاد في سبيل الله . قال : ثم ماذا ؟ قال حج مبرور " (5)

        ج ـ النصوص الدالة على أن الإيمان والمعاصي قد يجتمعان . قال تعالى :

        * { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } [ الحجرات / 9 ]

        * { يأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثاقلتم إلى الأرض } [ التوبة / 38] .

        * { يأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى }[ البقرة /264]

        * { يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } [ الحجرات/2]

        وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " ما من عبد قال : لا إله إلا الله . ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت : وإن زنى ، وإن سرق ؟ قال : وإن زنى ، وإن سرق . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر " (6)

        فكل هذه الأدلة تبين أن الإيمان شئ ، والعمل الصالح شئ آخر إنه غذاء الإيمان وثمرته ، كما أن النبات يصنع الغذاء ، ويتغذى على ما صنع.

        4ـ وأما الأحاديث النبوية التي تصرح بعدم دخول الجنة من ارتكب بعض المعاصي مما قد يفهم منه أن العمل بالشرع ركن من أركان الإيمان ، يفقد الإيمان بفقده ، فهذه الأحاديث من باب الترهيب والمبالغة في التنفير والزجر عن هذه الذنوب ، وليس المراد نفي الإيمان أو عدم دخول الجنة حقيقة.

        من هذه الأحاديث النبوية : ـ

        • قوله صل الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من لم يأمن جاره بوائقه " (7)

        • قوله صل الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " (Cool

        • قوله صل الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة نمام " (9)

        • قوله صل الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة قاطع رحم"(10)

        • قوله صل الله عليه وسلم : " لا يزمي الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " (11)

        أي لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان

        فمثل هذه الأحاديث ينفي كمال الإيمان ، ولا ينفي أصله وصحته.

        5ـ وأما الآيات القرآنية التي تتحدث عن الإيمان ، وتذكر الأعمال مثل : الصلاة ، والذكاة ، والهجرة ، والجهاد ، وحفظ الأمانة .. الخ فهذه الآيات تتكلم عن الإيمان الكامل ، وعن المؤمن الكامل ، وتوضح أن هذه الأعمال علامات على وجود التصديق القلبي الذي هو الإيمان ، والذي ينجي من الخلود في النار ـ من هذه الآيات : ـ

        • { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم (4) } [ الأنفال ]

        • { والذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم } [الأنفال /74]

        • { قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2) والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون (4) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7) والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون (Cool والذين هم على صلواتهم يحافظون (9) } [المؤمنون]

        6ـ وقد ورد عن بعض السلف وعلماء الحديث أنهم قالوا : الإيمان : تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان"

        وهذا لا يخالف ما سبق ذكره ، لأنهم لا يجعلون هذه الأمور الثلاثة في درجة واحدة . بدليل أنهم لم يكفروا العصاة تاركي العمل بالشرع.

        وقد نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال : " الإيمان هو التصديق، والإقرار ، والعمل ، فالمخل بالأول وحده : منافق ، وبالثاني وحده : كافر ، وبالثالث وحده : فاسق ، ينجو من الخلود في النار ، ويدخل الجنة " (12)

        7ـ وقد خالف أهل السنة في تعريفهم للإيمان : المعتزلة ، والخوارج :

        أما المعتزلة فقالوا : الإيمان : تصديق ، وإقرار ، وعمل ، ولكنهم قالوا : إن تارك العمل في منزلة بين المنزلتين ، أي بين الإيمان والكفر.

        وقولهم هذا مخالف لما أجمعت عليه الأمة قبل ظهور المبتدعة، ولما جاء في القرآن والسنة من أن الإنسان إما مؤمن أو كافر ، ولا وسط بينهما

        وأما الخوارج فقالوا أيضا : الإيمان : تصديق ، وإقرار ، وعمل . ولكنهم كفروا من لم يعمل بالشرع ، وسنرد عليهم عند الحديث عن مرتكب الكبيرة إن شاء الله .

        وأركان الإيمان حددها لنا رسول الله صل الله عليه وسلم في جوابه لجبريل عليه السلام عندما سأله عن الإيمان فقال : " أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " (13).

===============

        المراجع والهوامش :

1ـ هذا هو المعنى الشرعي للإيمان ، أما معناه في اللغة ، فهو التصديق مطلقا قال تعالى على لسان إخوة يوسف { وما أنت بمؤمن لنا } أي بمصدق ، وقال تعالى : { ذلكمم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا } [ غافر /12] أي يصدقوا .
2ـ رواه الترمذي في كتاب الدعوات 5/538
3ـ رواه مسلم في الإيمان عن أبي سعيد الخدري 1/172
4ـ رواه مسلم في الإيمان ومعنى ( فصبحنا الخرقات ) أي وصلنا منطقة الخرقات صباحا .
5ـ رواه مسلم في الإيمان 1/88
6ـ رواه البخاري في كتاب اللباس ـ الفتح 10/283
7ـ رواه مسلم في كتاب الإيمان 1/68
8ـ المرجع السابق 1/93
9ـ المرجع السابق 1/101
10ـ رواه مسلم في البر والصلة 4/1981
11ـ رواه مسلم في الإيمان 1/76
12ـ شعب الإيمان لأسعد الصانمرجي 1/477
13ـ رواه مسلم في الإيمان 1/37 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:31 pm

وجود الله تعالى


        لقد قامت الأدلة على أن وراء هذا الكون قوة عليا تحكمه وتديره وتشرف عليه، سماها أحدهم «العلة الأولى» وسماها غيره «العقل الأول» وسماها ثالث «المحرك الأول» وسماها القرآن العربي المبين، وكتب السماء بهذا الاسم الجامع لصفات الجمال والجلال «الله».

        هذه القوة العليا، وبعبارة أخرى: هذا الإله العظيم، ليس في استطاعة العقل البشرى إدراك كنهه، ولا معرفة حقيقته، كيف وقد عجز عن معرفة كنه ذاته وعن كنه النفس وحقيقة الحياة وكثير من حقائق الكون المادية من كهربية ومغناطيسية وغيرها؟ وما عرف إلا آثارها، فكيف يطمع في معرفة ذات الله العلي الكبير؟ (ذلكم الله ربكم، لا إله إلا هو، خالق كل شيء فاعبدوه، وهو على كل شيء وكيل * لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) (الأنعام: 102، 103).

        هذا الإله ليس إله فصيلة محدودة، ولا إله شعب خاص، ولا إله إقليم معين. وإنما هو (رب العالمين) (الفاتحة: 2 وكثير من السور) (رب السموات والأرض) (الكهف: 14) (رب المشرق والمغرب) (الشعراء: 28) (قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء) (الأنعام: 164).

        ولنستمع إلى ما قصه القرآن علينا من حوار موسى وفرعون ليتبين لنا شمول ربوبيته سبحانه وتعالىSadقال فرعون: وما رب العالمين * قال: رب السموات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين * قال لمن حوله: ألا تستمعون؟ * قال: ربكم ورب آبائكم الأولين * قال: إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما، إن كنتم تعقلون) (الشعراء: 23 -28).
وقد دلل القرآن على وجود الله بطرق عديدة:

1. فيلفت العقول والأذهان إلى ما في الكون من آيات تنطق بأن وراءها صانعاً حكيماً. وهو قانون بديهي عند العقل الذي يؤمن بمبدأ «السببية» إيماناً طبيعياً لا يحتاج إلى اكتساب أو تدليل: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) (البقرة: 164).
2. هذا الخلق لابد له من خالق، وهذا النظام لابد له من منظم: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون، أم خلقوا السموات والأرض؟) (الطور: 35، 36) (قال: فمن ربكما يا موسى؟ * قال: ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) (طه: 49، 50).
ويستثير الفطرة الإنسانية السليمة التي بها يدرك المرء إدراكاً مباشراً أن له رباً وإلهاً قوياً عظيماً يكلؤه ويرعاه. (فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (الروم: 30).
وإذا اختفت هذه الفطرة في ساعات الرخاء واللهو فإنها تعود إلى الظهور عند الشدة والبأساء، وسرعان ما يذوب الطلاء الكاذب، وينكشف المعدن الأصيل في النفس البشرية، فتعود إلى ربها داعية متضرعة: (هو الذي يسيركم في البر والبحر، حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيـبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين: لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) (يونس: 22).
        وتبدو هذه الفطرة حين يفاجأ الإنسان بالسؤال عن مصدر هذا الكون ومدبره فلا يملك بفطرته إلا أن ينطق معلنا «الله»: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله) (العنكبوت: 61) (قل من يرزقكم من السماء والأرض؟ أمن يملك السمع والأبصار؟ ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر؟ فسيقولون: الله، فقل: أفلا تتقون * فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال، فأنى تصرفون) (يونس: 31، 32).
        ويستشهد القرآن بالتاريخ الإنساني على أن الإيمان بالله وبرسله كان سفينة النجاة لأصحابه، وأن التكذيب به وبرسله كان نذير الهلاك والبوار، ففي نوح يقول: (فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا، إنهم كانوا قوماً عمين) (الأعراف: 64). وفي هود يقول: (فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين) (الأعراف: 72). وفي صالح وقومه ثمود يقول: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا، إن في ذلك لآية لقوم يعلمون * وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون) (النمل:52، 53).
وفي رسل الله جميعاً يقول تعالى مخاطبا رسوله محمد صل الله عليه وسلم: (ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا، وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) (الروم:47).




مقدمة حول علم التوحيد



تعريف علم التوحيد
وقد عرف العلماء علم التوحيد بعدة تعريفات نذكر منها : ـ

        1ـ علم يبحث فيه عن ذات الله ورسله من حيث ما يجب ، وما يستحيل ، وما يجوز ، وعن الأمور السمعية التي أخبر بها الصادق المصدوق صل الله عليه وسلم .

        فهو يدرس ما يجب لله تعالى من صفات عليا ، وأسماء حسنى ، وما يستحيل عليه من النقائص ، وما يجوز عليه من الأفعال كالخلق ، والرزق ، والإحياء ، والإماتة .

        وما يجب للرسل من صفات الكمال البشري ، وما يستحيل عليهم مما يتعارض مع مهمتهم المكلفين بها ، وما يجوز عليهم من المعجزات ،وأكل الطعام ، والمشي في الأسواق .

        وبدرس ما أخبر به صل الله عليه وسلم من السمعيات التي لا يصل العقل البشري إلى معرفتها وحده كعالم البرزخ ، وعالم القيامة ، وسائر الغيبيات .

        2ـ علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه .

        ومن هذا يتضح أن لعلم التوحيد جانبين :

        أ ـ جانب تقريري : فيه تعرض العقائد الدينية مدللا عليها بالأدلة اليقينية من العقل والنقل ( القرآن والسنة ) .

        ب ـ جانب دفاعي : وفيه يرد بالأدلة على المخالفين لأهل السنة في الاعتقاد ، وعلى الطاعنين والمشككين في عقائد الإسلام .

        وقد اصطلح كثير من المؤلفين في علم التوحيد على تقسيم موضوعاته ، وهي أركان الإيمان الستة ( الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر ) إلى ثلاثة أقسام :

        1ـ الإلهيات : وتشمل وجود الله تعالى ، وصفاته ، وأسماءه

        2ـ النبوات : وتشمل صفات الرسل ، ومعجزاتهم ، وكرامات الأولياء وما إلى ذلك .

        3ـ السمعيات : وتشمل الأمور التي لا يستق العقل بإدراكها ، إنما نعرفها بالسمع من رسول الله صل الله عليه وسلم ، كالملائكة ، والجن ، والحساب ، والجنة ، والنار .
أسماء علم التوحيد
1ـ يسمى علم التوحيد : لأن أشرف موضوعاته : توحيد الله تعالى

        2ـ ويسمى علم أصول الدين : فمباحثه أصل لسواها من الأحكام الشرعية الفرعية

        3ـ ويسمى علم الفقه الأكبر : في مقابلة علم الفقه الأصغر الذي يدرس العبادات والمعاملات

        4ـ ويسمى علم العقيدة : لأنه يدرس العقيدة التي يجب الإيمان بها واعتقاد صحتها

        5ـ ويسمى علم الكلام : لأن صفة كلام الله تعالى قد طال في تحقيقها الكلام ، واحتدم النزاع ، فيكون من باب تسمية الكل باسم الجزء

        أو سمى بهذا ؛ لأن دارسه يكتسب قدرة على الكلام في تقرير العقائد الإيمانية والرد على الشبه التي تثار حولها .

        أو سمى علم الكلام ؛ لأن المؤلفين الأوائل فيه كانوا يعنونون موضوعاته بقولهم : ( الكلام في علم الله تعالى ) ( الكلام في النبوة ) وهكذا






التوحيد : من فضائل لا إله إلا الله


        ومن هنا كان عنوان العقيدة الإسلامية يتمثل في هذه الكلمة العظيمة التي عرفت لدى المسلمين بكلمة «التوحيد» وكلمة «الإخلاص» وكلمة «التقوى» وهي: «لا إله إلا الله».
كانت "لا إله إلا الله" إعلان ثورة على جبابرة الأرض وطواغيت الجاهلية، ثورة على كل الأصنام والآلهة المزعومة من دون الله: سواء أكانت شجراً أم حجراً أم بشراً.

        وكانت «لا إله إلا الله» نداءً عالمياً لتحرير الإنسان من عبودية الإنسان والطبيعة وكل من خلق الله وما خلق الله. وكانت «لا إله إلا الله» عنوان منهج جديد، ليس من صنع حاكم ولا فيلسوف، إنه منهج الله الذي لا تعنو الوجوه إلا له، ولا تنقاد القلوب إلا لحكمه ولا تخضع إلا لسلطانه.

        وكانت «لا إله إلا الله» إيذاناً بمولد مجتمع جديد، يغاير مجتمعات الجاهلية، مجتمع متميز بعقيدته، متميز بنظامه، لا عنصرية فيه ولا إقليمية ولا طبقية، لأنه ينتمي إلى الله وحده، ولا يعرف الولاء إلا له سبحانه.

        ولقد أدرك زعماء الجاهلية وجبابرتها ما تنطوي عليه دعوة «لا إله إلا الله» من تقويض عروشهم والقضاء على جبروتهم وطغيانهم وإعانة المستضعفين عليهم، فلم يألوا جهداً في حربها، وقعدوا بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن ويبغونها عوجاً.
لقد كانت مصيبة البشرية الكبرى أن أناساً منهم جعلوا من أنفسهم أو جعل منهم قوم آخرون آلهة في الأرض أو أنصاف آلهة، لهم يخضع الناس ويخشعون، ولهم يركعون ويسجدون، ولهم ينقادون ويسلمون.
لكن عقيدة التوحيد سمت بأنفس المؤمنين فلم يعد عندهم بشر إلهاً، ولا نصف إله، أو ثلث إله، أو ابن إله، أو محلا حل فيه الإله!
ولم يعد بشر يسجد لبشر أو ينحني لبشر أو يقبل الأرض بين يدي بشر، وهذا أصل الأخوة الإنسانية الحقة. وأصل الحرية الحقة، وأصل الكرامة الحقة، إذ لا أخوة بين عابد ومعبود، ولا حرية لإنسان أمام إله أو مدعي ألوهية، ولا كرامة لمن يركع أو يسجد لمخلوق مثله أو يتخذه حكماً من دون الله.

        قال أبو موسى الأشعري : انتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلسه، وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره والقسيسون جلوس سماطين وقد قال له عمرو وعمارة -وهما مندوبا مشركي قريش بمكة إلى النجاشي- إنهم لا يسجدون لك، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان: اسجدوا للملك، فقال جعفر بن أبي طالب: لا نسجد إلا لله!
فرغم أنهم مضطهدون ومهاجرون، وغرباء لاجئون، وهم في أرض هذا الملك وفي حوزته، أبوا أن يفرطوا في توحيدهم لحظة واحدة فيسجدوا لغير الله، وأعلنها جعفر كلمة أصبحت شعاراً لكل مسلم "لا نسجد إلا لله".







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:32 pm

معنى لاإله إلا الله


أصل معنى شهادة ألا إله إلا الله: أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده. لأن التأله في لغة العرب هو التعبد، فالإله هو المعبود، و إذا لم يكن يستحق العبادة إلا الله وحده فيكون معنى شهادة ألا إله إلا الله أنه لا معبود بحق إلا الله تعالى. وعلى هذا لا يكون معنى إله مطابقاً لمعنى الرب كما يظنه من لم يفهم حقيقة الفرق بينهما، مما أدى إلى أخطاء شنيعة في معرفة حقيقة التوحيد والشرك.
يقول الزجاجي: ( إله: فعال بمعنى مفعول. كأنه مألوه أي معبود مستحق للعبادة يعبده الخلق ويؤلهونه ) ([1]).
ويقول الجوهري في معنى كلمة (الله): (.. وأصله إلاه على فعال بمعنى مفعول لأنه مألوه أي معبود، كقولنا إمام فعال بمعنى مفعول لأنه مؤتم به) ([2]).
ويقول ابن سيده: ( و الإلاهة و الألوهة والألوهية العبادة) ([3])
و أما الألوهية التي جاءت هذه الكلمة لإثبات استحقاق الله وحده لها فهي من مجموع كلام أهل اللغة أيضاً فزع القلب إلى الله، وسكونه إليه، واتجاهه إليه لشدة محبته له، وافتقاره إليه .
ويجمعهما كون الله هو الغاية والمراد والمقصود مطلقاً.
يقول ابن الأثير: (أصله من أله يأله إذا تحير، يريد: إذا وقع العبد في عظمة الله وجلاله وغير ذلك من صفات الربوبية وصرف وهمه إليها أبغض الناس حتى لا يميل قلبه إلى أحد ) ([4]).
ويقول أبو الهيثم: ( الله: أصله إله … ولا يكون إلها حتى يكون معبوداً، وحتى يكون لعابده خالقاً ورازقاً ومدبراً وعليه مقتدراً … وأصل إله ولاه. فقلبت الواو همزة… ومعنى ولاه أن الخلق إليه يؤلهون في حوائجهم ويفزعون إليه فيما ينوبهم كما يوله طفل إلى أمه) ([5]).
ويقول الإمام ابن القيم: ( اسم الله دال على كونه مألوهاً معبوداً تألهه الخلائق محبة وتعظيماً وخضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب) ([6]).
وقال الفيروز أبادي في لفظ الجلالة )) أصله إله كفعال بمعنى مألوه وكل ما اتخذ معبودا إله عند متخذه والتأله التنسك والتعبد والتاليه التعبيد)) القاموس المحيط (4/280)
وقال البيضاوي )) الإله في الأصل لكل معبود ثم غلب على المعبود بالحق ... واشتقاقه من أله آلهة وألوهة وألوهية بمعنى عبد)) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (1/15)
قال الفخر الرازي عند قوله تعالى: ((وإلهكم إله واحد)) :قوله (إلهكم ) يدل على أن معنى الإله مايصح أن تدخله الإضافة فلو كان معنى الإله القادر لصار المعنى وقادركم قادر واحد ومعلوم أنه ركيك فدل على أن الإله هو المعبود)) التفسر الكبير (4/192) وقد خطا الرازي من فسر الإله بالقادر ونحوه.
وفسر ابن كثير الإله بالمعبود عند آية سورة ص ((أجعل الآلهة إله واحدا)) التفسير (4/27)
تعريف العبادة:
قال الرازي ((العبادة عبارة عن كل فعل وترك يؤتى به لمجرد أمر الله تعالى بذلك وهذا يدخل فيه جميع أعمال القلوب وجميع أعمال الجوارح)) التفسير (10/99)
وقال ابن حجر العسقلاني ((المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي)) فتح الباري (24/134)
معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله :
فقد قال الخطيب الشربيني عند شرحه لمقدمة كتاب المنهاج (لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود إلا الله ) مغني المحتاج(1/13)
وقال السيوطي عند تفسير آية الكرسي (الله لا إله إلا هو)(أي لا معبود بحق في الوجود إلا هو)
وقال البيضاوي عند تفسير آية الكرسي (الله لا إله إلا هو)(مبتدأ وخبر والمعنى أنه المستحق للعبادة لاغيره) أنوار التنزيل (1/257)

فائدة: قال البغوي عند تفسير قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
اعْبُدُوا } وحدوا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناها التوحيد) تفسير البغوي - (1 / 71)

قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية الشريط الثاني:
"[المسألة الثانية]:
أن قوله (لا إله غيره) مشتمل على كلمة (إله) وكلمة (الإله) هذه اختلف الناس في تفسيره.
- فالتفسير الأول لها:
أن الإله هو الرب، وهو القادر على الاختراع، أو هو المستغني عما سواه، المفتقر إلى كل ما عداه.
وهذا قول أهل الكلام، في أن الإله هو الرب؛ يعني هو الذي يقدر على الخلق والاختراع والإبداع، وهو الذي يستغني عما سواه وكل شيء يفتقر إله.
كما ذكرنا إليكم مرارا عبارة صاحب السنوسية وعبارة أهل الكلام في ذلك.
وهذا التفسير بكون الإله هو القادر على الاختراع وهو الرب لأهل الكلام، من أجله صار الافتراق العظيم في فهم معنى كلمة التوحيد وتوحيد العبادة وفي فهم الصفات وفي تحديد أول واجب على العباد.
- التفسير الثاني لها:
نأتي للجملة هذه [.....] (1) وأن الإله، إله ( فعال ) بمعنى مفعول يعني مألوه.
سمي إله لأنه مألوه.
والمألوه مفعول من المصدر وهو الإلهة.
والإلهة مصدر أله يأله إلهة وألوهة إذا عبد مع الحب والذل والرضا.
فإذا صارت كلمة الإله هي المعبود، والإلهة والألوهية هي العبودية إذا كانت مع المحبة والرضا.
فصار معنى الإله إذا هو الذي يعبد مع المحبة والرضا والذل.
وهذا التفسير هو الذي تقتضيه اللغة؛ وذلك لأن كلمة (إله) هذه لها اشتقاقها الراجع إلى المصدر إلهة، الذي جاء في قراءة ابن عباس في سورة الأعراف {ويذرك وإلهتك}[الأعراف:127] يعني ويذرك وعبادتك، وأما مجيؤها في اللغة فهو كقول الشاعر كما ذكرنا لكم مرارا:
لله در الغانيات المده ****** سبحن واسترجعن من تأله
يعني من عبادتي.
فالإله هو المعبود، ولا يصح أن يفسر الإله بمعنى الرب مطلقا.
لأن الخصومة وقعت بين الأنبياء وأقوامهم، بين المرسلين وأقوامهم في العبودية لا في الربوبية.
فالمشركون أثبتوا آلهة وعبدوهم، كما قال - عز وجل - {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا(81)كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا}[مريم:81-82]، وكقوله {أجعل الآلهة إلها واحدا}[ص:5] يعني أجعل المعبودات معبودا واحدا.
وهذا يدلك على أن هذا النفي في قوله (ولا إله غيره) راجع إلى نفي العبادة.
وهذا القول الثاني هو قول أهل السنة وقول أهل اللغة وقول أهل العلم من غير أهل البدع جميعا، وهو المنعقد عليه الإجماع قبل خروج أهل البدع في تفسير معنى الإله.
وهذا هو معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) يعني لا معبود بحق إلا الله جل جلاله".

وأما تفسير لا إله إلا الله : لا معبود إلا الله فهذا غير صحيح لأنه يتضمن خطأ عقدياً ونحوياً
عقدياً :
لأنه يوهم أنكل معبود عبد في الوجود هو الله وهذه عقيدة الحلولية.
وأيضاً يوهم أنه ليس هناك معبودعبد في الوجود إلا الله ، وهذا باطل فهناك معبودات عبدت في الوجود كالشمسوالقمر والجن والبشر والقبر والوثن...فهذا خلاف الواقع.
نحوياً :
فإن لا النافية للجنس كثيراً ما يحذف خبرهاكما قرره ابن مالك في الألفية ، وقدره العلماء (حق) فيكون معنى لا اله إلاالله
أي لا معبود(حق)إلا اللهوالدليل قوله تعالى(ذلك بأن الله هو الحق وان مايعبدون من دونه هوالباطل)
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية:
"كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ما معناها؟
معناها: لا معبود حق إلا الله - عز وجل -.
وكما هو معلوم الخبر في قوله (لا)، خبر (لا) النافية للجنس محذوف (لا إله)، ثم قال (إلا الله).
وحذف الخبر؛ خبر (لا) النافية للجنس شائع كثير في لغة العرب كقول النبي - صل الله عليه وسلم - (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ولا نوء، ولا غول)(1) فالخبر كله محذوف.
وخبر (لا) النافية للجنس يحذف كثيرا وبشيوع إذا كان معلوما لدى السامع، كما قال ابن مالك في الألفية في البيت المشهور: وشاع في ذا الباب -يعني باب لا النافية للجنس:
وشاع في ذا الباب إسقاط ****** الخبر إذا المراد مع سقوطه ظهر
فإذا ظهر المراد مع السقوط جاز الإسقاط.
وسبب الإسقاط؛ إسقاط كلمة (حق)، (لا إله حق إلا الله) أن المشركين لم ينازعوا في وجود إله مع الله - عز وجل -، وإنما نازعوا في أحقية الله - عز وجل - بالعبادة دون غيره، وأن غيره لا يستحق العبادة.
فالنزاع لما كان في الثاني دون الأول؛ يعني لما كان في الاستحقاق دون الوجود، جاء هذا النفي بحذف الخبر لأن المراد مع سقوطه ظاهر وهو نفي الأحقية.
في (لا إله) صار الخبر راجعا أو صار الخبر تقديره حق كما قال تعالى {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}[الحج:92]، وفي الآية الأخرى قال - عز وجل - {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل}[لقمان:30]، فلما قال سبحانه {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} قرن بين أحقية الله للعبادة وبطلان عبادة ما سواه، دل على أن المراد في كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) هو نفي استحقاق العبادة لأحد غير الله - عز وجل -.
فإذا صار تقدير الخبر بكلمة (حق) صوابا من جهتين:
- الجهة الأولى:
أن النزاع بين المشركين وبين الرسل كان في استحقاق العبادة لهذه الآلهة، ولم يكن في وجود الآلهة.
- الجهة الثانية:
أن الآية بل الآيات دلت على بطلان عبادة غير الله وعلى أحقية الله - عز وجل - بالعبادة دون ما سواه.
إذا تقرر ذلك فكما ذكرت لك الخبر مقدر بكلمة (حق)؛ (لا إله حق).
و(لا) نافية للجنس، فنفت جنس استحقاق الآلهة للعبادة.
نفت جنس المعبودات الحقة، فلا يوجد على الأرض ولا في السماء معبود عبده المشركون حق، ولكن المعبود الحق هو الله - عز وجل - وحده وهو الذي عبده أهل التوحيد.
وتقدير الخبر بـ(حق) كما ذكرنا لك هو المتعين خلافا لما عليه أهل الكلام المذموم، حيث قدروا الخبر بـ(موجود) أو بشبه الجملة بقولهم (في الوجود) (لا إله في الوجود) أو (لا إله موجود).
وهذا منهم ليس من جهة الغلط النحوي، ولكن من جهة عدم فهمهم لمعنى (الإله) لأنهم فهموا من معنى (الإله) الرب، فنفوا وجود رب مع الله - عز وجل -، وجعلوا آية الأنبياء دليلا على ذلك وهي قوله - عز وجل - {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}[الأنبياء:22]، وكقوله في آية الإسراء {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا}[الإسراء:42]، ففسروا آية الأنبياء وآية الإسراء بالأرباب؛ بالرب، ولكن هي في الآلهة كما هو ظاهر لفظها.
إذا تقرر ذلك فنقول: إن عبادة غير الله - عز وجل - إنما هي بالبغي والظلم والعدوان والتعدي لا بالأحقية
[المسألة الرابعة]:
في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله).
(لا) نافية للجنس.
(إله) هو اسمها مبني على الفتح.
و(لا) النافية للجنس مع اسمها: في محل رفع مبتدأ.
وحق: هو الخبر؛ وحق المحذوف هو خبر، والعامل فيه هو الابتداء أو العامل فيه (لا) النافية للجنس على الاختلاف بين النحويين في العمل.
و(إلا الله)
(إلا) استثناء؛ أداة استثناء.
(الله) مرفوع، وهو بدل من الخبر، لا من المبتدأ؛ لأنه لم يدخل في الآلهة حتى يخرج منها؛ لأن المنفي هي الآلهة الباطلة، فلا يدخل فيها -كما يقوله من لم يفهم- حتى يكون بدلا من اسم لا النافية للجنس، بل هو بدل من الخبر.
وكون الخبر مرفوعا والاسم هذا مرفوعا، يبين ذلك أن التابع مع المتبوع في الإعراب والنفي والإثبات واحد.
وهنا تنتبه إلى أن الخبر لما قدر بـ(حق) صار المثبت هو استحقاق الله - عز وجل - للعبادة.
ومعلوم أن الإثبات بعد النفي أعظم دلالة في الإثبات من إثبات مجرد بلا نفي.
ولهذا صار قوله (لا إله إلا الله) وقول (لا إله غير الله) هذا أبلغ في الإثبات من قول: الله إله واحد، لأن هذا قد ينفي التقسيم و لكن لا ينفي استحقاق غيره للعبادة.
ولهذا صار قوله - عز وجل - {لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}[البقرة:163]، وقول القائل (لا إله إلا الله) بل قوله تعالى {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون}[الصافات:35] جمعت بين النفي والإثبات، وهذا يسمى الحصر والقصر، ففي الآية حصر وقصر.
وبعض أهل العلم يعبر عنها بالاستثناء المفرغ وهذا ليس بجيد، بل الصواب فيها أن يقال هذا حصر وقصر، فجاءت (لا) نافية وجاءت (إلا) مثبتة ليكون ثم حصر وقصر لاستحقاق العبادة في الله - عز وجل - دون غيره.
وهذا عند علماء المعاني في البلاغة يفيد الحصر والقصر والتخصيص، يعني أنه فيه لا في غيره.
وهذا أعظم دلالة فيما اشتمل عليه النفي والإثبات". الشريط الثاني شرح الطحاوية

...............................
 هوامش

([1]) " اشتقاق أسماء الله الحسنى" للزجاجي (ص/24) .

([2]) "الصحاح" مادة (أله) (6/2223).

([3]) "لسان العرب" (1/114).

([4]) " النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/62).

([5]) " لسان العرب " (13/468).

([6]) "مدارج السالكين" (1/31).






معنى الرب والإله والفرق بينهما

فالاسم الأول - الإله - يتضمن غاية العبد ومصيره ومنتهاه وما خلق له وما فيه صلاحه وكماله وهو عبادة الله والاسم الثاني – الرب - يتضمن خلق العبد ومبتداه وهو أنه يربه ويتولاه مع أن الثاني يدخل في الأول دخول الربوبية في الإلهية والربوبية تستلزم الألوهية أيضا والاسم الرحمن يتضمن كمال التعليقين وبوصف الحالين فيه تتم سعادته في دنياه وأخراه ولهذا قال تعالى:وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ[الرعد:30] فذكر هنا الأسماء الثلاثة وربي والإله وقال: عليه توكلت وإليه متاب كما ذكر الأسماء الثلاثة في أم القرآن لكن بدأ هناك باسم الله ولهذا بدأ في السورة بإياك نعبد فقدم الاسم وما يتعلق به من العبادة لأن (الرب) هو القادر، الخالق، البارئ، المصور، الحي، القيوم، العليم، السميع، البصير، المحسن، المنعم، الجواد، المعطي، المانع، الضار، النافع، المقدم، المؤخر، الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى

- اسم الله أدل على مقصود العبادة التي لها خلق الخلق
ففاتحة دعوة الرسل الأمر بالعبادة قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21]وقال صل الله عليه وسلمSad(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله))

وذلك يتضمن الإقرار به وعبادته وحده فإن الإله هو المعبود ولم يقل حتى يشهدوا أن لا رب إلا الله فإن اسم الله أدل على مقصود العبادة له التي لها خلق الخلق وبها أمروا

اسم الرب أحق بحال الاستعانة والمسألة
والرب هو المربي الخالق الرازق الناصر الهادي وهذا الاسم أحق باسم الاستعانة والمسألة ولهذا يقال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ [نوح:28]، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص:16]، ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا [آل عمران:147]، رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]فعامة المسألة والاستعانة المشروعة باسم الرب


إقرار الخلق بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود وقصدهم لدفع حاجاتهم العاجلة قبل الآجلة كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته وكان الدعاء له والاستعانة به والتوكل عليه فيهم أكثر من العبادة له والإنابة إليه ولهذا إنما بعث الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له الذي هو المقصود المستلزم للإقرار بالربوبية وقد أخبر عنهم أنهم لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله وأنهم إذا مسهم الضر ضل من يدعون إلا إياه وقال وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فأخبر أنهم مقرون بربوبيته وأنهم مخلصون له الدين إذا مسهم الضر في دعائهم واستعانتهم ثم يعرضون عن عبادته في حال حصول أغراضهم وكثير من المتكلمين إنما يقررون الوحدانية من جهة الربوبية وأما الرسل فهم دعوا إليها من جهة الألوهية وكذلك كثير من المتصوفة المتعبدة وأرباب الأحوال إنما توجههم إلى الله من جهة ربوبيته لما يمدهم به في الباطن من الأحوال التي بها يتصرفون وهؤلاء من جنس الملوك وقد ذم الله عز وجل في القرآن هذا الصنف كثيرا فتدبر هذا فإنه تنكشف به أحوال قوم يتكلمون في الحقائق ويعملون عليها وهم لعمري في نوع من الحقائق الكونية القدرية الربوبية لا في الحقائق الدينية الشرعية الإلهية وقد تكلمت على هذا المعنى في مواضع متعددة وهو أصل عظيم يجب الاعتناء به

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:33 pm

نشأة علم التوحيد والفرق الإسلامية


        1ـ سار القرآن الكريم في بيانه لمسائل العقيدة في خطين متوازيين:

        الخط الأول ـ بناء العقيدة الصحيحة في القلوب بعرضها عرضا سهلا يقنع العقل ، ويشبع العاطفة ، مستخدما في ذلك الأساليب المتوعة ، والأدلة المتعددة التي توائم الفطرة السليمة ، فبين ما يجب على المسلم اعتقاده من إيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر .

        الخط الثاني ـ هدم العقائد الباطلة المنتشرة بين المشركين وأهل الكتاب : فرد على عباد الأوثان ، والكواكب ، والملائكة ، وأبطل زعم النصارى القائلين بالتثليث ، وإثبات البنوة لله ، وعلى اليهود الزاعمين بأن عزيرا ابن الله ، وعلى من أنكر أن يكون لله رسل من البشر ، ودحض شبه المنكرين للألوهية ، وللبعث بعد الموت

        وقد كانت العقائد المنتشرة في الجزيرة العربية صورة مما هو موجود في العالم كله .

        وإذا كانت الآيات القرآنية الواردة في الأحكام الشرعية أقل من ستمائة آية ، فإن سائر القرآن في التوحيد ومشتملاته ومتعلقاته .

        2ـ وكان سيدنا محمد صل الله عليه وسلم يبلغ ما أوحي إليه من هذه العقائد ، ويفصل مجملها ، ويجيب على الأسئلة التي توجه إليه من المؤمنين للفهم والبيان ، والأسئلة التي يثيرها المشركون وأهل الكتاب للتعنت والامتحان . وأحيانا يتولى القرآن الكريم الجواب.

        ولم ينتقل رسول الله صل الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا ومسائل التوحيد تامة ، واضحة في أذهان الصحابة ، مطمئنة بها قلوبهم.

        3ـ واجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة قبل دفن النبي صل الله عليه وسلم لاختيار خليفته . وهم الأنصار أن يولوا ( سعد بن عبادة) لكنهم تراجعوا لما ذكروا بأفضلية أبي بكر الصديق ، وأحقيته بهذا الأمر، واستخلاف الرسول له في الصلاة ، فاجتمعت الآراء عليه ، ووقى الله الأمة شر الاختلاف والفرقة .

        والذي تستريح إليه ، ويؤكده الثقات من المؤرخين بالأسانيد الصحيحة مبايعة سيدنا ( علي بن أبي طالب ) للصديق مع المبايعين قبل دفن النبي صل الله عليه وسلم(1). وأنه لما أتاه خبر جلوس الصديق للبيعة . خرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلا كراهية أن يبطئ عنه، فبايعه ، وأرسل يحضر ثوبه وجلس معه، ولم يتأخر عن بيعته(2).

        ولم يلتفت إلى غير ذلك في شأن مبايعة (علي) كيف وهو لم يفارق الصديق ، ولم ينقطع عن الصلاة خلفه ، وما ضن عليه برأي ، أو نصيحة ، أو مشورة ، وخرج معه إلى (ذي القصة) شاهرا سيفه لقتال المرتدين!!

        صحيح أنه كان يقضي معظم وقته مع زوجته (فاطمة الزهراء) لتمريضها وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم والشوق إليه . خاصة لما عتبت على الصديق لما طلبت منه ميراثها من أبيها صلى الله عليه وسلم ، فأجابها بقوله صل الله عليه وسلم : "لا نورث ما تركناه صدقة" (3) . فوجدت عليه ، فراعى (علي) خاطرها ، بأن كان دائما بجوارها.

        وإذا كان الصديق قد منع (فاطمة) فلم يمنعها وحدها ، بل منع سائر أقاربه صل الله عليه وسلم . وفيهم ابنته (عائشة ) رضوان الله عنهم.

        والجدير بالذكر أ (عليا ) نفسه لما ولى الخلافة بعد ذلك ما غير شيئا مما فعله الصديق في هذه المسألة . مما يؤكد صحة موقف (أبي بكر) رضي الله عنهما .

        ولما علم (الصديق) بمرض (فاطمة) دخل عليها ، وجعل يترضاها. ويقول : " والله ما تركت الدار ، والمال ، والأهل ، والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ، ومرضاة رسوله ، ومرضاتكم أهل البيت " فرضيت(4). هكذا كانوا كبار النفوس ، أطهار القلوب.

        ولما توفيت بعد ستة أشهر من وفاة النبي صل الله عليه وسلم سارع ( علي ) إلى تأكيد بيعته للصديق ، وولائه له ببيعة ثانية ، أزالت الوحشة التي كانت بسبب الكلام في الميراث .

        وشغل المسلمون في عهد أبي بكر الصديق بحروب الردة ، ولم تطل خلافة الصديق ؛ إذ لقى ربه في جمادي الثانية سنة 13هـ بعد أن قضى سنتين وثلاثة أشهر خليفة للمسلمين .

        4ـ وعنى المسلمون في عهد سيدنا عمر بن الخطاب بنشر الإسلام في العالم ، فخضعت معظم بلاد فارس ، ودانت بلاد الشام ، وفلسطين ، ومصر ، وبرقة.

        واهتم عمر ببناء الدولة فدون الدواوين ، وأنشأ الوزارات ، ووضع الأنظمة الدقيقة ، وكان المجتمع كله أسرة واحدة ، لا مجال فيه للخلاف أو الجدال في مسائل العقيدة .

        وحقد أعداء النور والحق ، الذين ملك المسلمون بلادهم وأزالوا سلطانهم ، فدبروا أمر قتله ، فطعنه ( فيروز ) الملقب بأبي لؤلؤة ، وهو يصلي الفجر بالمسلمين ، في ذي الحجة سنة 23هـ ، وبذك كسر باب الفتنة ، لتطل على المسلمين برأسها القبيح.

        5ـ واتسعت الفتوحات في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، واضطر إلى تعيين بعض الولاة من أقاربه الذين يرى فيهم الصلاحية لتولي هذه المناصب ، فاستغل ذلك أعداء الإسلام للتشنيع عليه بأنه يؤثر أهله ، وكان على رأس هؤلاء ( ابن السوداء) عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أرسل بعض أتباعه إلى الأقاليم الإسلامية للتحريض والثورة على سيدنا عثمان ، فاتبعهم بعض الغوغاء في البصرة ، والكوفة ، ومصر.

        وبلغ سيدنا عثمان تذمر الناس من عماله على الأمصار ، فكتب إليهم يستدعيهم في موسم الحج للاجتماع بهم ، والسماع منهم .

        وانتهز دعاة الفتنة فرصة غياب الولاة لمقابلة الخليفة ، فحرضوا الناس على الخروج إلى المدينة المنورة للالتقاء بالخليفة ، ودافع الخليفة عن سياسته لكن دعاة السوء لا يريدون إلا إشعالها نارا ، تأكل وحدة المسلمين ، فاقتحم الثوار دار عثمان وقتلوه ، وهو يتلو كتاب الله في ذي الحجة سنة 35هـ

        6ـ واضطر سيدنا (علي بن أبي طالب ) إلى قبول الخلافة ونصح المطالبين بدم عثمان مثل ( معاوية بن أبي سفيان ) والي الشام ، وقريب عثمان بالتريث إلى أن يستقر الأمن ؛ ليحدد الجناة ، وينزل بهم العقاب.

        ولم يستجب معاوية بن أبي سفيان ، وثار على سيدنا علي ، وهيج مشاعر المسلمين بأن جاء بقميص عثمان ملوثا بدمه ، ووضعه على منبر دمشق : فضجوا ، وأخذوا يلتفون حوله ، ويبكون .

        واستعد (علي) للخروج إلى الشام لملاقاة (معاوية) ومن معه من الخارجين. لكنه علم أن السيدة عائشة رضي الله عنها خرجت من مكة إلى (البصرة) ومعها (طلحة بن عبيد الله ) و ( الزبير بن العوام ) رضي الله عنهما ، ومعهم جمع من الصحابة يطالبون (عليا ) بالثأر لعثمان ، فاضطر سيدنا (علي) إلى التوجه إلى ( البصرة ) أملا في إخماد الفتنة سلما ، ولكن قضاء الله لابد أن ينفذ ، فكانت موقعة (الجمل) سنة 36هـ ضربة أخرى من أعداء الإسلام للمسلمين (5)

        ثم كانت موقعة (صفين ) سنة 37هـ بين (على) رضي الله عنه وشيعته وبين (معاوية ) رضي الله عنه الذي أصر على الخروج على الخليفة (على) رضي الله عنه ، وكانت مسألة ( التحكيم) فقد اختار أصحاب على ( أبا موسى الأشعري ) نائبا عن (على ) ، واختار أهل الشام (عمرو بن العاص ) نائبا عن معاوية رضوان الله عنهم أجمعين.

        ولا صحة لما يذكره كثير من المؤرخين من أن عمرا خدع أبا موسى الأشعري فجعله يخلع عليا ومعاوية . ثم جاء هو وخلع عليا ، وثبت معاوية في الخلافة ؛ لأن هذه ليست أخلاق من رباهم النبي صل الله عليه وسلم .

        وهل كان (معاوية) خليفة أو خرج من أجل الخلافة حتى يخلعه أو يثبته ( عمرو بن العاص) ؟

        وقد نبه إلى ذلك الإمام ابن كثير(6) ، والقاضي أبو بكر بن العربي الذي عقب على هذه الرواية بقوله : " هذا كله كذب صراح ، ما جرى منه حرف قط ، وإنما هو شئ اخ

        ولكن بمجرد أن وافق (على ) على قبول التحكيم انقسم رجاله فرقتين :

        فرقة بقيت معه ، وهم ( الشيعة ) الذين يرون أحقيته في الخلافة لقرابته لرسول الله صل الله عليه وسلم ، ومصاهرته له ، ومؤخاته له ، ولعلمه ، وفضله .

        وفرقة خرجت عليه . وقالوا : ( لا حكم إلا لله ) فقال على قولته المشهورة ( كلمة حق أريد بها باطل ) وكفروا عليا ، والحكمين ، وكل من رضى بالتحكيم . فسموا بـ ( الخوارج ) لخروجهم على (على ) رضي الله عنه.

        وتجمع الخوارج في قرية ( حروراء ) فسموا بـ (الحرورية).

        وكان لأصحاب النفوس المريضة دور خبيث في انقسام معسكر (على) رضي الله عنه .

        والخوارج بلاء خطير أصيبت به هذه الأمة ، ظهر أثره في كثير من الفرق والجماعات الإسلامية خلال التاريخ .

        7ـ وتجنب هذه الفتن جماعة من الصحابة ، وكرهوا الخوض في شأن المتنازعين ، وأرجئوا الحكم فيهم إلى الله تعالى . فسموا بـ (المرجئة) منهم عبد الله بن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وزيد بن ثابت ، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم .

        وكان للمرجئة بعد ذلك آراء منحرفة في العقيدة .

        وبهذا ظهرت وسط الجماعة الإسلامية فرق ثلاث : الشيعة ، والخوارج ، والمرجئة ، والخلاف بينها يدور في أساسه حول مسألة الخلافة والحكم .

        فهي أشبه بالأحزاب السياسية ، ثم كان لها آراء في مسائل العقيدة.

        8ـ ودبر الخوارج مؤامرة لاغتيال (على ) و (معاوية) و(عمرو بن العاص) فهم سر شقاء المسلمين في نظرهم . فقتل (عبد الرحمن بن ملجم) عليا بالسيف في المسجد وقت أن كان ينادي لصلاة الفجر في رمضان سنة 40 هـ . ونجا من الاغتيال معاوية ، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين .

        وبايع أهل العراق سيدنا (الحسن بن علي بن أبي طالب ) رضي الله عنهما بالخلافة بعد موت أبيه ، لكنه بعد ستة أشهر فوض الأمر إلى (معاوية) توحيدا لصفوف الأمة وجمعا لكلمتها . وبذلك تحقق ما أخبر به الصادق المصدوق صل الله عليه وسلم عندما قال عنه : ( إن ابني هذا سيد . ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) (Cool

        وبتنازل سيدنا (الحسن) عن الخلافة صار (معاوية) إماما للمسلمين ، وأول ملك عليهم ، وخير ملوكهم رضي الله عنه.

        وبذلك انتهت خلافة النبوة ، وبدأ الملك ، كما أخبر رسول الله صل الله عليه وسلم حيث قال : " خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يؤتي الله الملك من يشاء " (9)

        فقد كانت خلافة أبي بكر : سنتين وثلاثة أشهر.

        وخلافة عمر بن الخطاب : عشر سنين وستة أشهر .

        وخلافة عثمان بن عفان : اثنتى عشرة سنة

        وخلافة على بن أبي طالب : أربع سنين وتسعة أشهر.

        يضاف إليها ستة أشهر وهي المدة التي قضاها الحسن بن علي فتصير ثلاثين سنة ؛ لأن وفاة النبي صل الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة ، وتنازل الحسن لمعاوية كان في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين هجرية .

        9ـ كان معاوية رضي الله عنه يشعر أن توليه الخلافة ليس محل رضا وارتياح من جميع النفوس في الأمة ، لذك نراه يذيع على المنابر حديثا نبويا شريفا ليثبت في أذهان الناس أن خلافته إنما هي بقضاء الله وقدره ، فليس لمسلم أن يعترض .

        روى الإمام البخاري عن وَّراد مولى المغيرة بن شعبة قال : (كتب معاوية إلى المغيرة : اكتب إلى ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة ، فأملي على المغيرة . قال : سمعت النبي صل الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة : " لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"

        وقال ( ابن جريج ) : أخبرني أن ورادا أخبره بهذا . ثم وفدت بعد إلى معاوية ، فسمعته يأمر الناس بذلك القول ) (10)

        اللهم لا مانع لما أعطيت ، وقد أعطيت معاوية وبني أمية الخلافة ، فلا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، وقد منعت الخلافة عن على وشيعته فلا معطي لما منعت .

        هكذا شجع بنو أمية فكرة : (الجبر) تبريرا لمظالمهم مما دفع بعض الناس ليقولوا : إن هذا خطأ ، والإنسان حر مختار.

        من هؤلاء ( معبد بن عبد الله الجهني ) التابعي الذي قام بالرد عليهم مبينا أن القدر لا ينفي اختيار الإنسان مدافعا عن شرعية التكاليف ، حتى بالغ وقال : " لا قدر والأمر أنف " وثار على بني أمية ، فقتله الحجاج صبرا فقد حبسه ومنع عنه الطعام والشراب حتى مات سنة80هـ.

        مات (معبد) ولكن بعد أن وضع بذرة مذهب (الاختيار) أو فرقة (القدرية) أي النافين للقدر وهم الذين تبرأ منهم ( عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما

        وإذا كان لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار مضاد له في الاتجاه ، فإننا نرى أن المغالاة في القول بالاختيار قد دفعت إلى مغالاة في القول بالجبر.

        فقام (الجعد بن درهم ) ت حوالي 118هـ و ( جهم بن صفوان) ت 128هـ بالرد على الاختياريين ، وتأسيس فرقة (الجبرية ) أو (الجهمية) نسبة إلى جهم بن صفوان .

        10ـ بذلك يكون قد ظهر في البيئة الإسلامية خمس فرق : الثلاثة الأولى حول قضية الخلافة .

        والرابعة والخامسة حول قضية الجبر والاختيار

        والتمس أتباع كل فرقة في القرآن الكريم ، والسنة المطهرة ما يؤيد مذهبهم بالحق أو بالباطل ، ويدحض مذاهب مخالفيهم .

        وكانت الفرق مرتعا خصبا لمن لا يضمر خيرا للإسلام ، ينشر من خلالها الآراء التي تشوه صفاء العقيدة الإسلامية ، وخاصة بعد أن اتسعت الفتوحات الإسلامية ، ودخل في الإسلام من لا يجيد لغة القرآن الكريم ، ولا يتذوق لسان من أوتي جوامع الكلم صل الله عليه وسلم .

        وكان من الموضوعات التي ثار حولها الجدلSad صفات الله تعالى ):

        وردت آيات قرآنية ، وأحاديث نبوية ربما أوهم ظاهرها المشابهة بين الله وخلقه في ذاته أو صفاته جل في علاه .

        كما وردت آيات وأحاديث أخرى تنزه الله عن ذلك .

        أما أصحاب الإيمان الحق ، فغلبوا آيات وأحاديث التنزيه ، وآمنوا بآيات وأحاديث الصفات ، وأمروها كما جاءت .

        وأما الذين في قلوبهم زيغ ، فشبهوا ذات الله بذات غيره ، أو شبهوا صفاته بصفات خلقه ، وعرف أصحاب هذا الاتجاه بـ ( المشبهة) وكان لأعداء الإسلام دورهم في إشاعته بين المسلمين على يد رواة الأعراب ، وبسطاء الموالي الآخذين من النحل السابقة فجوزوا على الله الحركة والانتقال ، والحد ، والجهة ، والاستقرار ، والقعود ، والإقعاد ، وغير ذلك مما يتنزه الله عنه .

        11ـ وكان علماء أهل السنة يجلسون في المساجد ، يعلمون الناس العقيدة الصحيحة ، ويردون على الشبهات التي يثيرها أهل الأهواء ، ومن هؤلاء الإمام التابعي (الحسن البصري) 21 ـ 110هـ الذي أحبه الناس لجلالة علمه وعظيم ورعه ، واحتشدوا حوله في مسجد (البصرة) يسألونه ، ويستفتونه ، وله رسالة في القدر طبعت أخيرا .

        وتكلم عنده يوما بعض دهماء الرواة بأخبار التشبيه والتجسيم . فقال : ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة أى طرفها ، فسموا (الحشوية).

        ودخل عليه رجل أثناء الدرس يقول له : يا إمام الدين ، ظهر في زماننا جماعة يكفرون مرتكب الكبيرة ، وهم الخوارج ، وجماعة يرجئون الحكم عليه وهم المرجئة ؟

        وقبل أن يتكلم (الحسن البصري) إذا أحد تلاميذه وهو (واصل بن عطاء) 80 ـ 131هـ يجيب قائلا : " أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلق ، ولا كافر مطلق . بل هو في منزلة بين المنزلتين " أي الإيمان والكفر.

        واعتزل (واصل) حلقة (الحسن البصري) فسمى هو ومن تبعه بـ (المعتزلة ) .

        ومن كتب ( واصل ) التي سجلها له التاريخ : (أصناف المرجئة) و (معاني القرآن ) و ( المنزلة بين المنزلتين ) و (طبقات أهل العلم والجهل) وغيرها .

        وكان زميله (عمرو بن عبيد ) 80 ـ 144هـ عالما زاهدا شجاعا في الحق يقال إنه صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين عاما . ومن كتبه : (الرد على القدرية ) و ( كتاب في العدل والتوحيد) .

        وقد أبلى المعتزلة بلاء حسنا في الدفاع عن عقائد الإسلام ضد الهجمات الشرسة التي شنها الزنادقة . واليهود . والنصارى ، وسائر الأديان التي نسخها الدين الخاتم .

        ولما وجدوا أعداءهم يتسلحون بسلاح (المنطق) تعلموه ، ليدافعوا به عن الإسلام ، ولما ترجمت (الفلسفة اليونانية ) درسوها ، وخلطوها بعلومهم .

        وكسب المعتزلة عقول الخلفاء ، ففرضوا الاعتزال على الناس قرابة مائتي سنة . ولكن (المحدثين ) و (الفقهاء ) رفضوا منهج المعتزلة العقلي ، وتأويلهم للنصوص الدينية . مما سبب لهم بعض النكبات والأزمات ، كمحنة الإمام ( أحمد بن حنبل ) ت 241 هـ رحمه الله .

        ويظن بعض المعاصرين أن المعتزلة هم أصحاب الفكر الحر في الإسلام ، وأنصار تحكيم العقل. والواقع أن المعتزلة كان جهدهم فيما وراء الطبيعة : وهي مسائل جدلية إذا أخذناها بالعقل بعيدا عن الوحي المعصوم ، وقد آثار المعتزلة معارك لا معنى لها . كخلق القرآن .

        وللأسف هم من أول من استخدم في الإسلام العنف والتعذيب ضد معارضيهم في الفكر ، ولم يسبقهم في هذا المجال سوى الخوارج .

        وبعد انهزام الفكر الاعتزالي أمام الفكر السني الحر ازدهرت العلوم الكونية ، وكانت الحضارة الإسلامية .

        12ـ ومن قبل ذلك كان الإمام ( أبو حنيفة النعمان ) 80 ـ 150 هـ يجادل الخوارج ، والروافض ، والمعتزلة ، وأهل الإرجاء ، وألف : (الفقه الأكبر ) و ( الفقه الأوسط ) و ( الوصية ) و ( رسالة إلى أبي عثمان البتي) في الإرجاء وكتاب ( العالم والمتعلم ) .

        كان ـ رحمه الله ـ يجادل أهل الباطل ، ويؤلف في بيان عقيدة أهل السنة . وفي الرد على مخالفيها ، وإن كان قد كره الاسترسال في الجدل ، والإكثار من المناظرة ، حتى إنه نهى ولده (حمادا ) عن ذلك .

        ولما قال له ( حماد ) : رأيتك وأنت تتكلم ـ أي تناظر ـ فما بالك تنهاني ؟

        فقال : يا بني ، كنا نتكلم ، وكل واحد منا كان الطير على رأسه مخافة أن يزل صاحبه ، وأنتم اليوم تتكلمون ، وكل واحد يريد أن يزل صاحبه ، ومن أراد أن يزل صاحبه ، فكأنه أراد أن يكفر ، ومن أراد أن يكفر صاحبه ، فقد كفر قبل أن يكفر صاحبه " (11)

        فالإمام رحمه الله يخشى على ولده من الغرور ، ويخاف عليه من الهوى والضلال .

        وكان الإمام ( محمد بن إدريس الشافعي ) 150 ـ 204هـ ـ رحمه الله ـ له جهد عظيم مشكور في بيان عقائد الإسلام الصحيحة ، والرد على الزائغين ، ومناظرة المنحرفين ، كما فصلناه في كتابنا ( الإمام الشافعي وعلم الكلام ) .

        13ـ ونريد أن نؤكد هنا على عامل هام في نشأة الآراء الكلامية التي فرقت الأمة ـ وكنا قد أشرنا إليه من قبل ـ وهو دور أصحاب الديانات السابقة .

        فقد ذكر المؤرخون أن اليهودي ( لبيد بن الأعصم ) الذي سحر النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ والذي كان يقول بخلق التوراة : هو الذي قال بخلق القرآن ؛ ثم أخذ هذه المقالة عنه ابن أخته ( طالوت ) وأخذها من طالوت ( بيان بن سمعان ) ومنه أخذ (الجعد بن درهم ) هذه المقالة ونشرها بين المسلمين (12)

        و( بشر المريسي ) ت 218هـ أحد الدعاة إلى خلق القرآن كان أبوه يهوديا . وفي رواية لابن قتيبة أن أول من قال بخلق القرآن هو ( المغيرة بن سعيد العجلي ) ت 119 هـ وكان من أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي.

        كما أن الخلفاء استعانوا باليهود والنصارى في إدارة شئون الدولة لخبرتهم وجهل المسلمين بعلوم الإدارة

        فقد كان ( سرجون بن منصور) الرومي النصراني كاتبا لسيدنا معاوية رضي الله عنه .

        وخدم ( يحيي الدمشقي ) الأمويين زمنا . وهو قديس نصراني ، له كتبه وفكره .

        وكان يزيد بن معاوية يعتمد في الرد على خصومه على ( الأخطل) الشاعر، وهو رجل نصراني

        وكانت المناظرات تدار بين علماء المسلمين ، وبين النصارى ، وبعضها عقد في مجالس الخلفاء

        وكان للفرس وجودهم الواضح على الساحة : فكثرت المناظرات بين المسلمين وبين ( السمنية ) و ( الثنوية ) ، وقد ناظر عمرو بن عبيد (جرير بن حازم الأزدي ) وهو من السمنية ، واشترك واصل بن عطاء مع عمرو بن عبيد في مناظرة ( بشار بن برد ) و ( صالح بن عبد القدوس) وهما من الثنوية.

        14ـ ونعود إلى المعتزلة وإلى حلقاتهم العلمية ، لنلتقي مع أحد مشايخهم الكبار ، وهو ( أبو علي الجبائي ) 235 ـ 303هـ فقد جلس يدرس في المسجد عقيدة من عقائدهم ، وهي القول بوجوب فعل الصلاح والأصلح على الله تعالى للعبد ، فتقدم أحد تلاميذه . وهو الإمام ( أبو الحسن الأشعري) 260ـ 330هـ وسأله عن ثلاثة إخوة : مات أحدهم كبيرا مطيعا ، والآخر كبيرا عاصيا ، والثالث صغيرا ؟

        فقال الجبائي : الأول يثاب بالجنة ، والثاني يعاقب بالنار، والثالث لا يثاب ولا يعاقب.

        فقال له الأشعري : فإن قال الثالث : يا رب لم أمتني صغيرا . وما أبقيتني فأطيعك ، فأدخل الجنة ؟ ماذا يقول الرب ؟

        قال الجبائي : يقول الرب : إني أعلم أنك لو كبرت عصيت ، فتدخل النار ، فكان الأصلح لك أن تموت صغيرا .

        فقال الأشعري : فإن قال الثاني : يا رب لم لم تمتني صغيرا ، فلا أدخل النار ماذا يقول الرب ؟

        فبهت الجبائي.

        هكذا انهار مذهب المعتزلة أمام الأشعري وأمام الحاضرين ، مما جعله يعيد النظر في كل الآراء الاعتزالية التي عاش معها أربعين سنة من عمره .

        ويقال : إنه رأى رسول الله صل الله عليه وسلم ثلاث مرات ، يطلب منه أن ينصر سنته .

        فقام بإعادة النظر في الأحاديث النبوية التي أولها المعتزلة ، وبدأ بأحاديث شفاعة النبي صل الله عليه وسلم ، وأحاديث المؤمنين لربهم يوم القيام فأثبتها ، وتوصل إلى منهج وسط في دراسة أمور العقيدة. لا يهمل فيه النص ، ولا يجري وراء شطحات العقل ، فتوسط بين المشبهة الذين يأخذون النصوص بلا فهم ، وبين المعتزلة الذين أطلقوا للعقل العنان في تأويل النصوص أو ردها.

        فوحد كلمة الأمة ، وألف الأشعري كتبا كثيرة عرض فيها مسائل الإيمان ، ورد على مذاهب المخالفين لعقيدة أهل السنة ، منها : (الإبانة عن أصول الديانة ) و ( اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع) و (مقالات الإسلاميين ) و (رسالة في الإيمان ) و ( إمامة الصديق ) و ( الرد على المجسمة ) و ( استحسان الخوض في الكلام ) وغيرها .

        وتلقت الأمة الإسلامية طريقة الأشعري في عرض العقيدة بالقبول ، فذاع مذهبه ، وانتشرت كتبه ، وتبعه علماء المسلمين في معظم العالم الإسلامي فساروا على مذهبه ومنواله ، صار أغلب المسلمين ـ وما زالوا ـ أشعرية .

        ومن أكابر علماء الأشعرية : الإمام أبو بكر الباقلاني ( ت 403هـ ) والإمام عبد القاهر البغدادي ( ت 429هـ ) وإمام الحرمين الجويني (ت478هـ ) والإمام أبو حامد الغزالي ( ت 505هـ ) والإمام الفخر الرازي ( ت 606هـ ) والإمام ناصر الدين البيضاوي ( ت 685هـ ) والإمام عضد الدين الإيجي ( ت 756هـ ) والإمام سعد الدين التفتازاني (ت791هـ ) والإمام ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ )

        وقد عاصر الإمام الأشعري في شرق العالم الإسلامي عالم آخر أسس مذهبا في العقيدة الإسلامية قريبا في منهجه من مذهب الأشعري ، وهو الإمام أبو منصور الماتريدي ( ت 332هـ ) ومن كتبه : ( المقالات ) و ( التوحيد ) و ( التأويلات في تفسير القرآن الكريم ) و ( كتاب بيان وهم المعتزلة ) وغيرها .

        وقد أفاد الإمام الماتريدي كثيرا من كتب الإمام أبي حنيفة رحمهما الله ، وقد دان بمذهبه كثير من المسلمين في شرق العالم الإسلامي ، وما زالوا ماتريدية.

        ويمثل كل من أتباع الأشعري والماتريدي الغالبية العظمى من المسلمين المعاصرين ، ويعرف مذهبهما بين العلماء بمذهب أهل السنة والجماعة .

        15ـ وجاء الإمام ابن تيمية(661 ـ 728هـ ) وقد تأثر كثيرا بحجة الإسلام الغزالي في نقده للفلاسفة ، وتأثر بالإمام ابن رشد (ت595هـ) في نقده للمتكلمين ، لكنه كان ألذع أسلوبا ، وأعنف نقدا ، وأشد خصومة لمخالفيه من متكلمين ، وفلاسفة ، وصوفية ، وفقهاء .

        وربما كان لظروف حياته الشخصية ، وما انتشر في المجتمع الإسلامي من بدع وجهالات أثر واضح في هذه الشدة ، وذلك العنف.

        ولذلك سعى ( ابن تيمية) ومن بعده تلميذه الإمام (ابن القيم ) ت 751هـ إلى إحياء مذهب السلف كما تصوراه على طريقة الحنابلة المتأخرين.

        ولهذا المذهب أتباع معاصرون ، ربما ورث بعضهم شيئا من شدة وقسوة الإمام ابن تيمية على مخالفيه ، وليتهم ورثوا كثرة قراءته وحفظه ، وسعة اطلاعه على مذاهب مخالفيه ، لكان خيرا لهم لو كانوا يعلمون

        ولو التقى اليوم أتباع الأشعرية ، والماتريدية ، والتيمية ، وغيرهم من فرق المسلمين ، وأخلصوا النية لله ، وتناسوا ( عصبية المذهب) لوجدوا أن مساحة المتفق عليه من (النظرية والتطبيق ) أضعاف المختلف عليه . ولكان ذلك أنفع للإسلام والمسلمين ضد حملات المنصرين ، والمهودين ، والعلمانيين ، والملحدين . التي تجتاح العالم الإسلامي كله . وتزداد ضراوة يوما بعد يوم .

        إن ابن تيمية لم يكفر المعتزلة ودائرة الخلاف بينه وبينهم أوسع مما بينه وبين الأشعرية ، بل إنه لم يكفر الخوارج . ودائرة الخلاف بينه وبينهم أشد اتساعا .

        وكثيرا من هذه المسائل التي هي موضع خلاف بين أنصار الأشعري وأتباع ابن تيمية موضوعات شائكة لم تثر على عهد الرسول صل الله عليه وسلم ، وليست من فروض الأعيان ، بل هي حكر على الفئة المتخصصة في علم الكلام ، يجب أن يلجم عنها العوام .

        16ـ وما ألف بعد ذلك في علم التوحيد معظمه شروح لكتب السابقين وحواش ، وتقريرات ، أو تلخيص ومتون ، يحفظها المبتدئون .

        وفي العصر الحديث ألف الشيخ ( محمد عبده ) 1266 ـ 1323هـ ( رسالة التوحيد ) سلك فيها مسلكا فريدا في الأسلوب والعرض . وابتعد عن المشكلات الفلسفية ، وكان يدعو إلى تحرر الأمة من قيد التقليد ، لتستيقظ ، وتعيش عصرها الجديد.

        وتتوالى الآن محاولات جادة من علماء الأزهر الشريف لإعادة عرض وصياغة موضوعات ( علم التوحيد ) في إطار يتناسب مع لغة العصر سواء كان في تقرير العقائد ، أو في الجانب الدفاعي عنها ضد هجمات المغرضين .

================

        المراجع والهوامش :

1ـ انظر البداية والنهاية لإبن كثير حيث ذكر أن الحافظ النيسابوري قال سمعت ابن خزيمة يقول : جاءني مسلم بن حجاج ، فسألني عن هذا الحديث ـ أي الذي فيه مبايعة على مع المبايعين ـ فكتبته له في رقعة وقرأت عليه . فقال : هذا حديث يساوي بدنة . فقلت : يساونة بدنة !! . بل هذا يساوي بدرة ـ البدرة كيس من المال ـ ( 5/218 ، 6/306) وتاريخ الخلفاء للسيوطي ( ص 69)
2ـ الطبري (2/447)
3ـ انظر التفاصيل في صحيح البخاري ك المغازي ب غزوة خيبر ـ الفتح (7/564) ، وصحيح مسلم ك الجهاد ب حكم الفئ (3/1378).
4ـ البداية والنهاية 6/338
5ـ معلوم أن السيدة عائشة رضي الله عنها ندمت بعد ذلك على خروجها إلى البصرة واشتراكها في الفتنة ، كما أن عليا رضي الله عنه سار بين القتلى بعد انتهاء معركة الجمل ، يضرب فخذيه بيديه ويقول : يا ليتني مت قبل هذا ، وكنت نسيا منسيا .
6ـ البداية والنهاية 7/385
7ـ العواصم من القوصام ص 179
8ـ رواه البخاري في ك الفتن ـ الفتح 13/66
9ـ رواه أبو داود في ك السنة ب في الخلفاء 5/37
10ـ رواه البخاري في ك القدر ب لا مانع لما أعطى الله ـ الفتح11/521
11ـ انظر : ( مفتاح السعادة ) لطاش كبرى زاده 2/153 و ( إشارات المرام ) ص 35
12ـ انظر : ( البداية والنهاية ) لابن كثير 9/364 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:34 pm

أهمية علم التوحيد


     علم التوحيد هو علم يفيد معرفة الله على ما يليق به ومعرفة رسوله على ما يليق به، وتنزيه الله عما لا ‏‏يجوز عليه، وتبرئة الأنبياء عما لا يليق بهم، أو يقال: هو العلم الذي يعرف به ما يجوز على الله وما ‏يليق ‏به وما لا يجوز عليه وما يجب له من أن ُيعرف في حقه سبحانه وتعالى. قال الإمام الجنيد ‏البغدادي سيد ‏الطائفة الصوفية: التوحيد إفراد القديم من المُحدث " (1).‏

وقال الشيخ أبو علي الرُّوذباري (2) تلميذ الجنيد:
        " التوحيد استقامة القلب بإثبات مفارقة التعطيل ‏‏وإنكار التشبيه، والتوحيد في كلمة واحدة كل ما صورته الأوهام والأفكار فالله سبحانه بخلافه لقوله ‏‏تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{11}" سورة الشورى "اهـ ‏
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري(3):
       "أهل السنة فسروا التوحيد ‏بنفي ‏التشبيه والتعطيل "اهـ

        واعلم أن شرف هذا العلم على غيره من العلوم لكونه متعلقا بأشرف المعلومات التي هي أصول ‏الدين ‏أي معرفة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والعلم بالله تعالى وصفاته أجلّ العلوم وأعلاها ‏وأوجبها ‏وأولاها، ويسمى علم الأصول وعلم التوحيد وعلم العقيدة، وقد خصّ النبي صل الله عليه ‏وسلم. نفسه ‏بالترقي في هذا العلم فقال: " أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له " (4) فكان هذا العلم

‏‏        أهمّ العلوم تحصيلاً وأحقّها تبجيلاً وتعظيماً قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ‏‏‏{19}: سورة محمد، قدّم الأمر بمعرفة التوحيد على الأمر بالاستغفار لتعلّق التوحيد بعلم ‏الأصول، ‏وتعلق الاستغفار لعلم الفروع.‏

        وروى البخاري في صحيحه (5) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم ‏‏سُئِلَ: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله".‏

وصح عن جُندُب بن عبد الله أنه قال:
        كنا مع النبي صل الله عليه وسلم ونحن فتيان حَزاوِرَة ‏‏(6)، ‏فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرءان ثم تعلمنا القرءان فازددنا به إيمانا، رواه ابن ماجه (7).‏

        فهذا يدل على أهمية علم التوحيد الذي كان لعلماء السلف اهتمام بالغ في تحصيله وتعليمه للناس، ‏‏قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في "الفقه الأبسط لما (Cool: "الفقه في الدين أفضل من الفقه في ‏‏الأحكام، والفقه معرفة النفس ما لها وما عليها" اهـ.‏

وقال أيضاً (9):
        أصل التوحيد وما يصح الاعتقاد عليه وما يتعلق منها بالاعتقاديات هو الفقه ‏الأكبر" ‏اهـ.‏

        وفي"فتاوى قاضيخان "(10) على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه ما يدلى.

على أهمية الاعتناء بعلم التوحيد وتعليمه للناس، فقد ورد فيه ما نصه: ‏
        ‏" تعليم صفة الخالق مولانا جل جلاله للناس وبيان خصائص مذهب أهل السنة والجماعة من أهم ‏الأمور، ‏وعلى الذين تصدّوا للوعظ أن يلقنوا الناس في مجالسهم على منابرهم ذلك، قال الله تعالى:

        ( ‏وَذَكِّرْ فَإِنَّ ‏الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ {55} ) سورة الذاريات.

        وعلى الذين يؤمّون في المساجد أن ‏يعلّوا جماعتهم ‏شرائط الصلاة وشرائع الإسلام وخصائص مذاهب الحق،وإذا علموا في جماعتهم ‏مبتدعاً أرشدوه وإن كان ‏داعياً إلى بدعته منعوه وإن لم يقدروا رفعوا الأمر إلى الحكام حتى يجلوه عن ‏البلدة إن لم يمتنع، وعلى العالم ‏إذا علم من قاض أو من ءاخر يدعو الناس إلى خلاف السنة أو ظن منه ‏ذلك أن يعلم الناس بأنه لا يجوز ‏اتباعه ولا الأخذ عنه فعسى يخلط في أثناء الحق باطلاً يعتقده العوامّ ‏حقّاً ويعسر إزالته! اهـ.‏

قال الحافظ ابن عساكر (11):
        "أخبرنا الشيخ الإمام أبو نصر عبد الرحيم ابن عبد الكريم بن هوازن ‏‏إجازة قال: سئل أبي الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله فقيل له: أرباب التوحيد هل يتفاوتون فيه؟

‏‏فقال:
        إن فرقت بين مصل ومصل وعلمت أن هذا يصلي قلبه مشحون بالغفلات وذاك يصلي وقلبه ‏‏حاضر ففرق بين عالم وعالم، هذا لو طرأت عليه مشكلة لم يمكنه الخروج منها وهذا يقاوم كل عدو ‏‏للإسلام ويحل كل معضلة تعز في مقام الخصام، وهذا هو الجهاد الأكبر فإن الجهاد في الظاهر مع أقوام ‏‏معينين وهذا جهاد مع جميع أعداء الدين وهو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، وللخراج في ‏البلد ‏قانون معروف إذا أشكل خراج بقعة رجع الناس إلى ذلك القانون، وقانون العلم بالله قلوب ‏العارفين به، ‏فرواة الأخبار خزان الشرع والقراء من الخواص والفقهاء حفظة الشرع وعلماء الأصول ‏هم الذين يعرفون ‏ما يجب ويستحيل و يجوز في حق الصانع وهم الأقلون اليوم.‏

رمى الدهر بالفتيان حتى كأنهم ‏ بأكناف أطراف السماء نجوم‏

وقد كنا نعدهم قليلا ‏ ‏ فقد صاروا أقل من القليل‏

‏ قلت:
        عناية الناس بعلم الأصول إذ ليس فيه وقف ورفق يأكلونه فميلهم إلى ما يقربهم من الدنيا ‏ويوليهم الأوقاف ‏والقضاء والطريق أيضاً مشكل فهو علم عزيز والطريق إلى الأعزة عزيز وقد يرى ‏بعض الجواهر أثبت له درة من ‏العز فلا توجد إلا عند الخواص فهو وإن كان حجراً غير مبتذل فما ‏الظن بجوهر المعرفة.‏

        أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم العلوي وأبو الحسن علي ابن أحمد الغساني قالا: ثنا أبو ‏بكر أحمد ‏بن علي بن ثابت الخطيب قال: أنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه الزهري قال: ثنا ‏الحسن بن الحسين ‏الشافعي الهمذاني قال: أنشدني أبو عبد الله بن مجاهد المتكلم لبعضهم:‏

        أيها المقتدي ليطلب علما كل علم عبد لعلم الكلام تطلب الفقه كي تصحح حكماً ثم اغفلت منزل ‏الأحكام " ‏اهـ

‏         فظهر من ذلك أن صرف الهمّة لتحصيل هذا العلم وتعليمه للناس مقدم على غيره من العلوم، لأن ‏العبادة لا تصح ‏إلا بعد معرفة المعبود كما قال الغزالي رحمه الله تعالى، وذلك لأنه من يشبّه الله تعالى ‏بشئ ما لم تصح عبادته لأنه ‏يعبد شيئاً تخيّله وتوهمه في مخيلته وأوهامه، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ‏آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ‏النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا ‏أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {6} ) ( سورة ‏التحريم)" قال سيدنا علي رضي الله عنه في تفسير هذه ‏الآية. "علّموا أنفسكم وأهليكم الخير" رواه الحاكم في ‏‏"المستدرك "(12)، يعني أن حفظ النفس ‏والأهل من النار التي عظَّم الله أمرها يكون بتعلم الأمور.

        الدينية أي معرفة ما فرض الله فعله أو اجتنابه أي الواجبات والمحرمات وذلك كي لا يقع في عبادة ‏فاسدةٍ، ‏وبتعلم ما يجوز اعتقاده وما لا يجوز وذلك كي لا يقع في التشبيه والتمثيل والكفر والضلال.‏

        فلأهمية هذا الأمر العظيم كان لنا الاعتناء الشديد بهذا العلم، وقد ‏لاقينا من ‏جرَّاء ذلك معارضة من الذين لا ينزلون الأمور بمراتبها لا سيما من مشبهة هذا العصر وهم ‏الوهابية الذين ‏ينشرون عقيدة المجسمة التي أخذوها من ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ويحاربون ‏عقيدة أهل السنة ‏متسترين بستار السلفية والسلف براء منهم، فنحمد الله تعالى أن جعلنا ممن ينصرون ‏عقيدة أهل الحق ‏المؤيَّدة بالكتاب والسنة والأدلة العقلية، وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.‏

--------------------------------------
المصادر
‏(1) الرسالة القشيرية (ص/ 3).‏
‏(2) المصدر السابق (ص/ 5).‏
‏(3) فتح الباري (13/ 344).‏
‏(4) بوّب البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان: باب قول النبي صل الله عليه وسلم. " أنا أعلمكم ‏بالله "‏
‏(5) صحيح البخاري:كتاب الإيمان:باب من قال إن الإيمان هو العمل.‏
‏(6) حزاورة: جمع حَزَوَّر وهو الغلام إذا اشتد وقوي.‏
‏(7) سنن ابن ماجه: المقدمة.‏
‏(Cool إشارات المرام (ص/ 28- 29).‏
‏(9) المصدر السابق.‏
‏(10) فتاوى قاضيخان (مطبوعة بهامش الفتاوى الهندية): الباب الثاني فيما يكون كفراً من المسلم ‏‏وما لا يكون (2/ 320).‏
‏(11) تبيين كذب المفتري (ص/ 356- 357).‏
‏(12) المستدرك (2/ 494).‏






مبادئ علم التوحيد


        من الواجب على كلّ طالب علم أن يتصوّره، ولو برسمه ليكون على بصيرة في طلبه. وأن يعرف موضوعه ليميزه عن غيره. وأن يعرف غايته لئلاّ يكون اشتغالـه به عبثا. وأن يعرف استمداده، ومنفعته، وواضعه.

تعريف علم الكلام:
        وحدّ الكلام كما قال بعض الشّيوخ: علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة على الغير، وإلزامها إياه؛ بإيراد الحجج وردّ الشّبه قال الإمام العضد في المواقف:"والكلام علمٌ يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه والمراد بالعقائد ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل، وبالدينية المنسوبة إلى دين محمد صلى اللـه عليه وسلم"( ). وقال الإمام سعد الدين التفتازاني:"الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية"( ) وقال ابن الـهمام في المسايرة:"والكلام معرفة النفس ما عليها من العقائد المنسوبة إلى دين الإسلام عن الأدلة علما وظنا في البعض منها"( )
        ومن ذلك يُفهم أنّ هذا العلم يفيد تثبيت العقيدة في النّفس، وفي إفحام المخالف وإلزامه. والإنسان إذا فهم العقيدة الصحيحة، وثبتت في نفسه، فإنّه يحصل على السّعادة المنشودة في الدّنيا والآخرة، لأنّه يكون قد ملك صورة صحيحة للواقع، وكيّف نفسه بحيث يكون متوافقا في وجوده مع أصول الوجود. ومن كان كذلك، كيف لا يصل إلى السّعادة وهي كمال الوجود؟! أو هي عبارة عن الترقّي في الوجود الجائز إلى أعلى درجاته.
ولا يصل الإنسان إلى ذلك إلاّ بعقيدة الإسلام. فعند ذلك تتكامل علاقته مع الكون ومع الحياة، فيصبح فاهما ومدركا لطبيعتها، وأهدافها، وإلى أيّ الغايات تسير. فينعدم التناقض في حياته، ويطّرد التكامل، ويدرك أيضا علاقته مع غيره من النّاس، فيعاملـهم بكيفيّة هي الحقّ، وهي العدل؛ ويضع كلّ شيء في موضعه اللائق به، وهي هذه حقيقة السعادة والخير.
        ومن المرفوض أن يقال إنّ العلم الذي يوصل إلى هذه الغايات النّبيلة هو علم مرذول، بل من قال بهذا فهو لا يعي ما يقول، لأنّ العلم الذي يوصل إلى ما ذكرنا يجب أن يكون في أعلى مراتب العلوم، وهو كذلك في حقيقته عند كبار العلماء من أهل الحقّ. فلا تغترّ بمن ينفّرك عن هذا العلم بِتَخْيِـيْلـه إليك أنّه من البِدَعِ؛ فهل الوصول إلى الخير من البدع، وهل من البدع التسلّح بأسلحة نقاوم بها الكفر في النّفس، وندرأ بها الكفر عن الغير، ونردّ بها الكفر عن أن يدمّر الخير والحقّ والدّين العظيم!!! وكلّ من لديه أدنى معرفة بهذا العلم، يدرك فعلا كم هي فائدته حقّا في طمأنينة النّفس، وانكشاف الحقيقة لديها، وفي إفحام الخصوم المشكّكين من أهل البدع والكفر. وبدراسة هذا العلم، يتبيّن الإنسان فعلا أنّ الإسلام هو الدّين الحقّ عن دليل وبيّنة، لا عن تقليد وتعصّب أعمى.
        ولذلك كلـه فالمُعْتَبَر في أدلّة هذا العلم هو اليقين فقط( )، واليقين يجب أن يكون هو الأساس في هذا العلم في النفي والإثبات المتعلقين بالأحكام والمفاهيم، فلا عبرة بالظنّ في الاعتقادات، وإن كان لـه اعتبار في العمليّات. فكلّ ما كان النّظر السليم فيه لا يفضي إلى القطع، فلا يجوز اتخاذه دليلاً على مسألة من مسائل الاعتقاد، لأنّ الظنّ يجوز عليه الخطأ، ولا يجوز أن تكون العقيدة مبنيّة على أمر قابل للغلط، وكلّ من يجوّز بناء عقيدته على أمر ظنيّ فهو لا يفهم معنى الاعتقاد.
        فالمسائل العقديّة هي عبارةٌ عن مفاهيمَ كليّةٍ تُبْنَى عليها الحياة، ومن جوّز بناءَ حياته على أمر ظنيّ فهو يعتبر من العابثين بهذه الحياة. والإنسان العاقل، لا يجيز لنفسه أن يكون من العابثين اللاعبين.
وأمّا الأمور العمليّة فلأنّها أمور جزئيّة شخصيّة، ويستحيل أن تُبْنَى حياةٌ كاملةٌ على أمر شخصيّ جزئيّ، فلا يجوز ذلك عند العاقل، ولذلك فيجوز اتّباع الظنّ في الأمور الجزئية، لأنّ الأصل في الظنّ أن يكون صوابا مطابقا للواقع، مع احتمال الغلط، ولصعوبة التوصّل في الأمور الجزئيّة كلـها إلى اليقين والجزم، فلذلك لو اشترطنا اليقين في كل أمر جزئيٍّ لاستحالت كثير من الأفعال والأعمال المهمة في سيرورة الحياة وتوقفت كثير من نواحي الحياة العملية، فلذلك اكتُفِيَ فيها بالبناء على غلَبَةِ الظنِّ.
ولمّا كان خبر الآحاد بالنظر لِذاتِهِ ومِنْ دون اعتبار القرائن المحيطة لا يفيد القطع واليقين، لأنّه لا يوجد إنسان معصوم مطلقا، فلا يوجد خبر آحاد مقبول مطلقا، ونقصد بقولنا مطلقا هنا أي إنه يبعد أن يوجد خبرُ آحاد مقبولا في كل مواردِهِ، لأنه لا يكون كذلك إلا إذا كان صادقا في كلِّ موارده، ولكنه وبعد البحث والنظر عُلِمَ أن خبرَ الواحدِ لا يكون غالبا كذلك، فلـهذا لا يكون مقبولا في كلِّ موارده، بل يُقْبَلُ في بعضها ويُرفَضُ في الآخر، وذلك بحسب القرائن والأحوال الخاصة بكل خبرٍ، إلا إذا ثبتت يقينيته من كلِّ جهاته بالاستناد إلى دليل آخر.
        فخبر الآحاد وحده مجردا عن القرائن والأحوال لا يفيد إلاّ الظنّ، وهذا على اعتبار ثقة الرّاوي، وإلاّ فإذا لم يكن ثقة فإنّه لا يفيد حتّى الظنّ، بل يكون مردودا أو مشكوكا فيه أو مكذوبا. لذلك لا يجوز بناء العقيدة على خبر الواحد، ولا تؤخذ العقائد من أخبار الآحاد، بل تؤخذ من الأدلّة القطعيّة، ومنها خبر التواتر، لأنّ التواتر يفيد اليقين. وهذا الكلام يبيّن كيف يؤخذ بالخبر الواحد الصحيح في العمليّات، ولا يؤخذ به في العقائد إلا إذا اعتضد بغيره من الأدلة كما بينه العلماء في الأصول.
        ويفهم من التعريف أنّ العلم بغير الشّرعيّات ليس من العقائد، ولا يجوز اعتباره من العقائد، فلا يجوز اعتبار الطبيعيّات عقائد، ولا الرّياضيّات وغيرها، وكذلك الشّرعيّات الفرعيّة العمليّة لا يجوز اعتبارها من العقائد بل هي من الفقه، ولو اعتبرت الفرعيّات من العقائد للزم تكفير المخالف فيها أو تبديعه على الأقلّ والنّفور منه، وعدم الرّضا عنه، وينشأ عن هذا التقاطع ُ والاختلاف وعدمُ التوافق، ولو كانت الفرعيّات حكمها حكم العقائد، للزم عن ذلك وجوبُ النّفورِ منَ المسْلِمِ المخالفِ لا في العقيدة بل في مسائل الفقه، وهذا ينتج عنه من التفرّق والفساد ما لا يمكن وصفه على وجه الرّضا؛ وبهذا يظهر عدم سدادِ القائلين بأنّ الأحكام الفقهيّة لا تختلف من حيث طريقةُ أخذها عن الأحكام العقائديّة فيشترطون لـها أن تكون مقطوعا بها، أو يعتبرون ما قرروه على أنه من الفقه قطعيا، وهؤلاء يلزم عندهم أن تكون الموالاة والتبري مبنية على الخلاف حتى في مجرد الفقهيات مطلقا، ولو أنهم قيدوها بما قطع فيه من الفقه لكان قريبا، ولكن التعميم غريب، فهؤلاء ليسوا من أهل السّنة والجماعة، ولا من أهل الحقّ في منهجهم الذي يعتمدون، وقد أظهروا بقولـهم هذا مدى ابتعادهم عن النّهج القويم، والمسلك السّليم، وهؤلاء بقولـهم هذا يسبّبون من الفتن والمشاكل بين المسلمين ما يَنْتُجُ عنه تفرُّقُهُمْ وانكسارُهم أمام أعدائهم من الكفّار والمنافقين، ولذلك نرى دائما دولَ الظلمِ والكفرِ تشجّع مثل هؤلاء النّاس بآرائهم الفاسدة هذه، وتتيح لـهم المجال للانتشار وتشويه عقائد النّاس ونفسيّاتهم، وبلبلة فكرهم، وهذا ما يفرح لـه المجرمون لأنّه يسهّل أمامهم السّيطرة على عامّة النّاس وتسييرهم إلى الـهدف الذي يريدون، ويسهّل أمامهم استغلال الدّين لأمورهم ومآربهم الخاصّة، ويضع هذا التصرّف أسلحة عديدة بأيدي أعداء الدّين فَيُمَكِّنهم، إذا أرادوا تحطيم الدّعاة إلى الحقّ والـهدى، أن يشوّهوا صورتهم بكلّ سهولة أمام النّاس لأنّهم هم الذين يملكون وسائل التأثير على عموم الناس، ومن ثمّ إيجاد مبرّر لـهم لضربهم، بل وحتّى إفنائهم عن الوجود.
        وأمّا المقلّد فهل ما يجده في صدره يطلق عليه أنّه علم أم لا؟
        إذا اعتُبِرَ في مفهوم العلم كونه مُسْتَمدَّاً من دليل، فهذا الذي عليه المقلّد ليس علما قطعا، وإلاّ فهو علم، واختار بعض العلماء الثاني، وهذا قد يميل إليه الناظر، لأنّ المطلوب من الدّليل والنّظر هو الوصول إلى المفاهيم الصّحيحة، والتمسّك بها على سبيل الجزم والإذعان لـها والانقياد، والفرْضُ أن قد حصلت هذه الأمور في المقلد، فيصحّ أن يقال لمن ملك الفكرة السليمة، وجزم بها إنّه عالم بها، ولكنّه جاهل بدليلـها، ولا تعارض ولا تناقض بين هذين القولين؛ ويمكن للإنسان أن يقبلـهما بل يقبلـهما قطعا معا. وهذا دليل على أنّ العلم إنّما هو الإدراك الجازم المطابق، وكمال العلم أن يكون عن دليل، لذلك فالمقلّد الصّحيح العقيدة عنده علم كافٍ لتصحيح دخولـه في الإسلام والفوز بالجنّة في الدّار الآخرة بمشيئة اللـه تعالى.
        ويمكن أن يقال، إننا نفرق بين قبول الإيمان، وبين مطلق مفهوم العلم، فقبول الإيمان قد لا يتوقف إلا على مطلق القطع ولو بلا دليل، وأما العلم فإنه القطع بواسطة الدليل. وهذا التفصيل يمكن بناءً عليه قبول إيمان المقلد، وعدم رفع الواجب المتعلق بذمته من العلم بالدليل.
ولا شكَّ في أنّ رتبة المقلّد الذي لا يعلم الدليل هي أدنى وأقل من رتبة من عرف الدّليل، ثمّ رتبة من عرف الدّليل أصالة بنفسه أعلى وأرفع من رتبة من تعلّمه من غيره. فهي درجات بعضها فوق بعض كالوجود كلـه؛ وهذا ما يتعلق بمطلق الإيمان.
وجمهور العلماء اختاروا أن العلم لا يكون إلا بموجب، والموجب قد يكون الحسَّ، وقد يكون النظر العقلي أو المعتمد على مقدمات نقلية، أو غير ذلك، كما قرروه في علم المنطق والأصول. وبناء على ذلك فلا يكون مجرد التصور المطابق علما، بل لا بد أن يُسْتَمدَّ من الدليل لكي يكون علما. فالعلم جزء من ماهية العلم. والعلم له ثلاث خصائص، الأولى الجزم، والثانية المطابقة، والثالثة أن يكون لموجب. فالجزم والمطابقة، لازمتان لا بد منهما، ولا يتصور سقوطهما من العلم، وأما كونهما عن موجب ودليل، فقد حصل فيه نزاعٌ من البعض. ومن أدخله جزءا وشرط الاعتقاد بالعلم، فمن لم يعلم الدليل، فاعتقاده باطل، وإن لم يشرط الاعتقاد بالعلم، بل اشترط له فقط التصور المطابق الجازم، فاعتقاد المقلد عنده صحيح، وأما من لم يدخله، وشرط العلم، فهو يصحح اعتقاد المقلد مباشرة، ولا يتصور عدم اشتراط الاعتقاد بالعلم بناء على هذا المذهب.
        وعلى كلٍّ، فأهل السنة، صحَّحَ جمهورهم اعتقاد المقلد، وأوجب عليه الدليل، وحكم بعصيان المقلد إذا لم يعرف الدليل.
        أما ما يتعلق بعلم الكلام فإن الإنسان لا يصبح عالما بعلم التّوحيد وهو علم الأسماء والصّفات إلاّ بعد العلم بالأدلّة. وذلك لأنّ من المقصود بهذا العلم وهو إفحام الخصوم، وتثبيت العقائد في الصّدور وتوضيحها، وهذا لا يتمّ إلاّ بالأدلّة، ولا يجوز الخلط بين هذه المسألة وبين مسألة المقلّد؛ فمسألة المقلّد المبحوث فيها سابقا محلُّ الكلام فيها هو هل المقلّد إيمانه صحيح أم لا، ثمّ هل يسمى ما أدركه علما أم لا. وعلى كلّ الأقوال ينتج أنّ المقلّد ليس من أهل هذا الفنّ، ولا يجوز أن يُمْنَحَـهُ، من حيث ما هو مقلد، ويجوز من حيث ما هو طالب لـهذا العلم، بل ربّما لو عرض هذا الفنّ على المقلّد لنتج عنه من الفتن والمشاكل أمرٌ عظيمٌ، ولذلك يقول كثير من أهل العلم: إنّ علم الكلام وهو علم التوحيد علم خاصّ لا يُبْذَلُ للعامّة، بخلاف علم الفقه؛ ولكن التحقيق أنه حتّى علم الفقه فليس كلّ ما فيه من مسائل يجوز نشرها وبثها للعوام، ويعرِفُ صدقَ هذا الأمر من هو خائض في الفقه ومسائلـه.
        ولـهذا كلـه، يجب أن تُراعى أحوالُ النّاس في تعليمهم العلومَ مطلقا، والعلوم الشّرعيّة خاصّة. ولا يجوز لأحد أن يستغرب منكرا هذا الكلام فيقول: كيف يكون أمرٌ هو من أمور الدّين ويجوز أن لا يُعَلَّم للجميع؟ فيقال لـه على سبيل الإلزام والإفحام: هل تعني أنّ جميع ما يعرفه الرّسول من معارف دينيّة ومن أمور الغيب يَعْلَمُها كل واحد من النّاس، لو قلت نعم لخالفت قول الرّسول صلّى اللـه عليه وسلّم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا. ولخالفت ما صرّح به الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم اللـه وجهه حين قال: خاطبوا النّاس بما يعقلون، أتريدون أن يكذّب اللـه ورسولـه. فكثير من المعارف الدّينيّة لا يعلمها إلاّ القليل من النّاس، وهم أهل العلم. ولذلك كان النّاس بعضهم فوق بعض درجات، ولذلك فضّل اللـه أهل العلم على من سواهم، ولذلك أمر اللـه تعالى عامة الناس بسؤال أهل العلم، وحرمت الشريعة سؤال الجاهل عن أمور الدين، وحرَّم على الجاهل الدخولَ في مثل هذه الأمور، ولذلك قرن اللـه تعالى طاعته وطاعة رسولـه الأعظم بطاعة أهل العلم. وأيضا فلا يجوز أن يؤخذ هذا الأمر على أنه إخفاء للأمور التي يجب إظهارها للجميع، بل هو إخفاء للأمور عمن لا يستحق معرفتها، أو عمن لا يجب علينا تعريفه بها، ولا يخفى على العقلاء أن كثيرا من الأمور لا يمكن أن تبينها لكثير من الناس، فليس هذا إذن من باب الإخفاء والتعمية على الناس، بل هو تنزيل للأمور منزلتها اللائقة بها. وفي هذا فليتفكّر العاقلون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:37 pm

موضوع علم التوحيد

        وأمّا موضوع علم التّوحيد فهو: المعلوم من حيث يتعلّق به إثبات العقائد الدّينيّة، إذ موضوع كلّ علم هو ما يُبْحَثُ في ذلك العلم عن عوارضه الذّاتيّة، ولا شكّ أنّه يبحث في هذا العلم عن أحوال الصّانع من القِدَمِ والوَحْدَةِ والقدرة والإرادة وغيرها ممّا هو عقيدةٌ إسلاميّةٌ ليعتقد ثبوتها لـه، وعن أحوال الجسم والعرض من الحدوث والافتقار والتركيب والأجزاء، وقبول الفناء ونحو ذلك ممّا هو وسيلة إلى عقيدة إسلاميّة؛ فإنّ تركيب الجسم وقبولـه للفناء دليل افتقاره إلى الموجِدِ لـه، وكلّ هذا بحثٌ عن أحوال المعلوم لإثبات العقائد الدينيّة.
        وكون موضوعِ علم التوحيد هو المعلومَ من الحيثيّة المذكورة؛ هو التحقيق بلا ريب، فالمسلم عندما يشرع بنشر دعوته والاستدلال عليها فإنّه سوف يكون مضطّرا لاستعمال كلّ ما عنده من العلوم لإثبات عقيدته، وعندما نقول العلوم، نقصد كلّ ما يشمل العقليّات والتجريبيّات والمتواترات وغيرها ممّا يفيد العلم والقطع، بل الأصل في كلّ مبدأ كليّ أن يكون معتمدا على العلوم، بمعنى أن تكون كل العلوم مؤيّدة لـه، لا بمعنى أنّه لا يقوم إلاّ بالعلوم أي بكلّ علم منها، بل يكفي للمبدأ أن يكون قائما على المعقولات وبعض الحسيّات مثلا، ثمّ يشترط فيه بعد ذلك ألاّ يتعارض في كلّ ما يأتي به مع أيّ مصدر من مصادر العلوم.
        ومن ثمّ لا يُمْنَعُ أن يَستَخْدِمَ الإنسانُ أيَّ صنف من العلوم لإثبات عقائد الدّين أو ما يخبر به القرآن، وهذا يحتاج إلى احتياط شديد لخطورته، كما يحتاج إلى علم دقيق بالدّين أوّلا، ثمّ بذلك الصّنف من العلوم ثانيا. ولا بدّ من عدم التّسرع والانجراف وراء الدّعايات التي من شأنها أن تذاع في كلّ عصر من العصور، لأن بعض النظريات قد تعرض على الناس بشكل يتوهمون منه أنها قطعية، فينخدع به الناظر، فلا يجوز الاعتماد اعتمادا مطلقا على مثل تلك النظريات، لأنّ أيّ غلط في أيّ جهة من هذه الجهات فإنّه سوف يوجَّه إلى الدّين بشكل رئيسي، ولن يُقال عند كثير من النّاس: إنّ هذا الناظر أخطأ في فهم وتفسير هذا النّصّ أو ذاك أو في استعمال هذه النظرية أو تلك، بل سوف يشاع من قبل أعداء الدّين والمتشكّكين ممّن ينتمون ظاهرا إليه أنّ هذا الدّين متناقض، وأنّ المبدأ المتناقض لا يصلح أن تقام عليه حياة، ويستغلون ذلك كلـه للـهجوم على المبادئ الحقيقية للدين. فيتبيّن لك من ذلك مدى خطورة الخوض في هذا المجال، بل وفي كلّ مجال من الدّين، ولـهذا كان ذلك الموقع المتين للعلماء والحذاق من بني البشر.
        ولأنّ موضوع علم التوحيد هو المعلوم من حيث كونه موصلا إلى تثبيت العقائد، فلا يجوز لأحد أن يعترض حين يرى علماء التوحيد يخوضون في الطّبيعيّات والرّياضيّات والطب بل والفلسفة وغير ذلك من أنواع الفنون والعلوم، لأنّ هذا من صلب وأساس مهمّتهم، وإذا سمحت لنفسك أن تُجَرِّدَهم من ذلك، فأنت في الحقيقة إنّما تلغي هذا العلم مطلقا. وليس هذا الأسلوب من الخوض في سائر العلوم وإظهار أصالة الدين عليها أمرا مُبْتَدَعاً، بل هو الفهم الصّحيح المستمدّ من القرآن الكريم، فانظر في الكثير من الآيات التي تتكلّم في حقائق الوجود، وحقائق النّفس، وفي الآيات التي تحثّ على النّظر في الكون وفي السماوات والأرض، فإذا لم تكن هذه دليلا على ما نقول فكيف يقام أي دليل على أي أمر بعد ذلك؟!
        ولا تظنَّ أن كون موضوع علم التّوحيد هو المعلومَ، يُخْرِجُ الكتابَ والسنّة من أن يُستخْدَما لإثبات العقائد الدّينيّة، لأنّ الكتاب والسّنّة هما أيضاً من المعلومات التي تدلّ على العقائد الدّينيّة وتثبتها، فيكون استخدامهما لإثبات العقائد متمشيّا مع أصول هذا العلم، ولا تغتـرّ بمن يقول إنّ علماء التّوحيد من أهل السنّة -أي الأشاعرة والماتريديّة- لا يستدلّون بالقرآن ولا بالسنّة، بل يكتفون بالعقل في إثبات العقائد، فإنّ هذا القائل إنّما يدلّ بقولـه هذا على مدى جهلـه وظلمة عقله لا غير، فمن التّفاهة أن يُطلِِقَ القولَ هكذا من دون تقييد، وينسى من الذي حَمَلَ أحاديث الرّسول وأوصلـها إلينا في هذه الأزمان، ومن الذي حفظ علوم القرآن، ومن الذي برع في تفسير القرآن وشرح الحديث، بل من الظّلم الفاحش أن يقال هذا لأنّ كلّ ذرّة من علوم الإسلام تدلّ على خطأ هذا القول، فالمحقّقون من علماء الدّين هم من أهل السّنة، وكذا علوم اللّغة والتّاريخ، وكذلك كانوا في القرون الماضية في سائر العلوم الدّنيويّة، حتّى لا يستطيع أحد أن ينكر هذا إلاّ من على قلبه غشاوة؛ ومن بلغ إلى هذا المستوى، فالأحرى أن لا يناقش لأنّه أصبح كالسوفسطائيّة الذين لا يُناقَشون لاستحالة جدالـهم.
        ثمّ إنّ أهل السّنة عندما يستخدمون العقل لإثبات العقائد فإنّ هذا يدلّ على ثقتهم بالدّين أولا وثقتهم بأنفسهم ثانيا، لأنّهم يكونون جازمين بأنّهم خلال بحثهم العقليّ هذا لن يتوصّلوا إلى شيء يخالف ما أتى به الدّين، بل سيصلون إلى استدلالات تدحض أعمدةَ الكفر وتهدمه، ولما كان الأمر كذلك، فلِمَ يمتنعون من هذا الطريق المستقيم.
وبناء على هذا، فعلى الذي يرغب بالخوض في هذا العلم أن تتوفّر فيه صفات خاصّة، لأنّ لكلّ علم أهلـه، وذلك حتّى لا يفاجأ عندما يرى المصطلحات العقليّة والعلميّة والأصوليّة كلـها تُتَداوَل في كتب هذا الفن، فعلى مَنْ يريد الخوضَ فيه أن يكون ملمّا بكلّ هذه العلوم.
        و إذا كان من المسلّم به أنّ الدّين إنّما أنزل لـهداية النّاس إلى خير الدّنيا والآخرة، أي لإصلاح حياة الإنسان وآخرته، فعلى الإنسان أن يجزم بلا تردّد أنّه مهما خاض في علوم الدّنيا من الطّبيعيّات وغيرها، فلن يصطدم بأمر يكون خلاف الدّين ونقيضا لـه. ويجب عليه أن يعتقد جازما أنّ توسّعه في علوم الدّنيا ومعرفته لما في الأنفس، وما في الآفاق إنّما يزيد من إيمانه واطمئنانه إلى هذا الدّين، لأنّ هذه المعرفة نفسها سوف تكون أدلّة على ما أخبر به الشّرع، لأنهما من خالق واحد. واطمئنانه هذا لا يدفعه إلى التعنت في النظر والرأي، بل يكون باعثا لـه للتمسك بالقوانين الصحيحة للنظر، ومحاولة تحقيقها في نظره وبحثه، فلا تكون العقيدة أبدا باعثا للتعصب والتعنت.
        وقولنا إنّ موضوع هذا العلم هو المعلوم قد يقصد بالمعلوم هنا الموجود والوجودي، حتى يدخل فيه الاعتباري، إلاّ إنّنا استخدمنا كلمة المعلوم، وقدّمناها على الموجود، ليصحّ التعريف على رأي من لا يقول بالوجود الذهنيّ، ولا يعرّف العلم بحصول الصّورة في العقل، ويرى مباحث المعلوم والحال خارج مباحث هذا العلم. وقد يراد بالمعلوم مطلق ما يصدق عليه ذلك اللفظ، فيدخل فيه حتى المستحيلات والموجودات الحقيقية والاعتبارات الانتزاعية والاختراعية، وتدخل حتى المعدومات التي يمكن أن تعلم. ولا إشكال في ذلك إن أمكن أن يستدلَّ بتلك الأمور على الله تعالى.
        والحاصل أنّ هذا العلم يبحث فيه عن الأحكام الثابتة لذات اللـه تعالى وصفاته وأحوال الممكنات في المبدأ والمعاد على قانون الإسلام، والمقصود بقانون الإسلام هي أسباب المعرفة في الإسلام، إذ معلوم أنّ كلّ مبدأ شامل ونظام كامل لـه مقاييس وموازين يزن بها الأمور، وهذه الموازين هي وسائل المعرفة، ولا بدّ أن تكون المعلومات متماشية مع نظريّة المعرفة الإسلاميّة. وكل وسيلة معرفية ثبت كونها طريقة بالقطع، فإنها طريقة معرفية إسلامية






غاية علم التوحيد


        وغاية هذا العلم أن يصير الإيمان والتصديق بالأحكام الشرعيّة مُتْقَناً محكما لا تزلزلـه شبه المبطلين. وذلك لأنّ الأدلّة قامت على أنّ سعادة الإنسان في وجوده الدنيوي والأخروي لا تتمّ إلاّ على أساس هذا الدّين، فصار من الضّروريّ أن تدعم أصول هذا الدّين في نفوس النّاس، ويرد على شبه الكفّار وأعداء هذا الدّين.
        ولا يجوز أن يتوهّم إنسان أنّ الاستدلال على صحّة هذا الدّين إنّما هو من قبيل التعصّب الأعمى، بل هو من قبيل العلم اليقينيّ القطعيّ، ولا يخطر في بال أحد هذا الخاطر إلاّ إذا كان علمه بهذا الدّين ضعيفا متلجلجا؛ وكثير من النّاس في هذه الأيّام لا يثقون بحقيقة الدّين ثقة تامّة، بل هم منتسبون إليه مسايرة لغيرهم، ومراعاة لمجتمعهم، وحقيقة أحوالـهم هي عدم الاهتمام به، لا لأنّهم قد تحقّق لـهم ما يضادّه، بل لأنّهم لا يعلمون شيئا عنه، ولا يخطر ببالـهم البحث فيه لانشغالـهم بأمور دنياهم. وكثير من الناس لو كانوا يعيشون في مجتمعات أخرى كافرة أو نافية للأديان، لسايروا هذه الطريقة ونفوا الأديان أيضا واعتقدوا عقائد هذه المجتمعات.
منفعة علم الكلام:
        ويفهم النّبيه أنّ منفعة علم التوحيد في الدّنيا يتمثّل في انتظام أمر المعاش، ولا يتم هذا الانتظام إلاّ بالمحافظة على العدل والمعاملة التي يحتاج إليها في بقاء النّوع الإنسانيّ على وجه لا يؤدّي إلى الفساد. وذلك لأنّ الإنسان إذا عرف علم التّوحيد واطمأنّت إليه نفسه، وتكيّفت في صفاتها به، حصّل السعادة الذّاتيّة، وإذا انتشرت أحكام الشّريعة بين النّاس وجعلوها هي الحكم بينهم في معاملاتهم، وهي الميزان الذي يزنون به تصرّفاتهم حصل الانتظام المطلوب. ولا يمكن التمسّك بأحكام الشريعة إلاّ بالإيمان بأصول التوحيد على منهاج أهل الحقّ.
        وهذا الكلام يندفع به قول من يقول إنّ الدّين لا علاقة لـه بأحوال الدّنيا، بل إنّ الدّين هو الذي لـه العلاقة بها، وليس الدّين منحصرا فقط في البحث في أحوال الآخرة كما يتوهّم الجاهلون، بل إنّ الحياة الدّنيا هي في نظر الدّين الجسر الذي يُعْبَرُ به إلى الحياة الآخرة. وإذا أراد الإنسان أن يحصّل خير آخرته فعليه أن يحصّل خير دنياه وهذا لا يتم إلاّ بميزان الشّريعة. فمنفعة هذا العلم في الآخرة هي النّجاة من العذاب المترتّب على الكفر وسوء الاعتقاد.
        وعند التأمل الصّادق في منفعته في الدّنيا كما ذكرناها، نعلم أنّ صلاح النّوع الإنسانيّ لا يتمّ إلاّ على أساس هذا الدّين. فكل الأفكار والنظم التي تدعي أنها هي التي تملك النظرة التي فيها صلاح النوع الإنسانيّ غير الإسلام هي أفكار فاسدة باطلة، وهذا ليس تجنيّا ولا استخفافا بفكر النّاس، بل هو إيمان معقود على سبيل العلم بهذا الدّين وما يحويه من مبادئ. وكلّ هذه المبادئ كالرّأسماليّة و الشّيوعيّة و الاشتراكيّة إنّما هي بهرجات وأفكار جزئيّة صيغت صياغة الأفكار الكليّة، ولـهذا لا نعترف لأيّ منها بالشّموليّة بالفكر وإن ادّعت هي ذلك لنفسها، فنحن بما نملكه من أسلحة فكريّة نستطيع تَعْرِيةَ هذه الأفكار وبيان أنّها نظرات جزئيّة، ثمّ بيان فسادها وعدم مطابقتها لحقيقة الوجود








مسائل علم التوحيد


        ومسائل علم التّوحيد هي القضايا النّظريّة الشّرعيّة الاعتقاديّة. والاحتراز بالقضايا النّظريّة من غيرها ــ المقصود بالنّظريّة التي تحتاج إلى نظر حتّى يصدّق بها ــ وغير النّظريّ وهي البديهيّ لا يكون من المسائل والمطالب العلميّة، بل لا معنى للمسألة إلاّ ما يسأل عنه، ويطلب بالدّليل.
        والفرض البديهيّ معلوم لا يحتاج إلى دليل ولا سؤال. وفي هذا الزّمان صارت كثير من المسائل البديهيّة نظريّة، بل صارت بعض المسائل البديهيّة منكرة ومردودة، ولا ريب أنّه في هذه الحال، يجب البحث في المسائل النظريّة والبديهيّة على حدّ سواء، لأنّه لا معنى لكون المسألة بديهيّة إلاّ أنّها معلومة ومشهورة بين عامّة النّاس، حتّى لا يكون هناك داع للسّؤال عنها، لأنّه يعتبر حينئذ تحصيلا للحاصل. ولكن عندما تنقلب الحقائق فيصبح البديهيّ نظريّا أو مردودا يجب على الدّاعي إلى الدّين والحقّ أن ينـزل للنّاس ويخاطبها على هذا المستوى، وإلاّ لتعذّر نشر حقائق الدّين. فمقياس كون المسألة بديهيّة أوْ لا، هو انتشارها بين عامّة النّاس من المسلمين حتّى يستوي في العلم بها العالم والجاهل العاميّ. ولو فرضنا أنّ مسألة من المسائل كانت في الزّمان الماضي بديهيّة وصارت الآن غير بديهيّة، فإنّه يجب علينا أن نعاملـها ونعطيها حكم هذا الزّمان لا الزّمان الماضي









الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:39 pm

استمداد علم التوحيد


        واستمداد علم التوحيد من الوجوب والجواز والامتناع، وقال البعض: استمداده من التّفسير والفقه والحديث والإجماع ونظر العقل، ولعلّ الاختلاف إنّما هو في التعبير واللّفظ لا في الحقيقة والمعنى؛ لأنّ الجواز والوجوب والامتناع إنّما تؤخذ من تلك المذكورات، وهذا على مذهب أهل السنّة ؛
        وهو مذهب أهل الحقّ؛ وهم الأشاعرة والماتريديّة، فلا حكم تكليفيا أو تابعا له إلاّ من الشّرع، أو يكون الاختلاف مجرد اعتبار. وأمّا وظيفة العقل، فما هي إلاّ معرفة ماهيّة وصفة الواقع ومعرفة الأمر في نفسه على حسب قدرة البشر، من دون ترتيب حكم تكليفي عليها، فنحن نستخدم العقل عن طريق النّظر في العالم الخارجيّ، للتعرّف على وجود اللـه، أي على أنّ اللـه موجود، ولكنّ وجوب الإيمان باللـه تعالى بحيث يعاقب من لا يؤمن ويثاب من يؤمن هذا إنّما يعرف من الشّرع لا من العقل، على تفصيل لطيف بين الأشاعرة والماتريديّة.
        وبناء على ذلك، نقول إن كل العلوم السابقة والمصادر المعرفية تدل فعلا على العقائد، ولكن هذا لا يستلزم عدم انبنائها على علم التوحيد، فلا يتم التصديق بالحديث إلا إذا أثبت نبوة النبي، وهذا لا يتم إلا بعلم التوحيد، ولكن بعد إثبات ذلك، يدلنا النبي عليه السلام على العقائد فعلا، وكذلك القول في القرآن، فلا يتم إثبات القرآن إلا بإثبات وجود الله تعالى ، لأنه كلامه، فلا يمكن التسليم بأنه كلام الله تعالى إلا بعد إثبات وجود الله تعالى، ومع ذلك فإن القرآن نفسه، يدل بعد ذلك على العقائد والأدلة التي يمكن أن تتبع في علم التوحيد. وكذلك يقال في الفقه.
        ومن هذا الوجه ربما قيل إن علم التوحيد يستمد منها. ولكن الحق أن استمداد علم التوحيد عموما بالفعل لا يكون منها باعتباراتها الخاصة، أي من حيث هي قرآن وسنَّة، وإنما هي بهذه الاعتبارات، منبنية على علم التوحيد.
        وأهل السنة لم يختلفوا في الإقرار بأن العقل يمكنه معرفة بعض الأحكام العقائدية، ولكنهم اتفقوا على أن التكليف بالاعتقاد لا يمكن أن يثبت إلا بالنقل، والدليل الشرعي. ولهذا فأهل السنة يستدلون على العقائد بالدليل العقلي، ومرادهم بذلك إثبات حقيقتها ومطابقتها للواقع، لا إثبات التكليف بها بالعقل. فإثبات التكليف بها يكون بالشرع كما قلنا.
        ومن هذا يعلم أنّ الذي يخوض في علم التوحيد يجب أن يكون متّسع الآفاق ذا مدارك محيطة بشتّى أنواع العلوم كما تقدّم. ومن ذلك يتبيّن لك بطلان كلام من قال: إنّ أهل السّنة لا يعتمدون إلاّ على العقل، فهذا كذب ومحض افتراء عليهم ممّن قالـه، وفي الوقت نفسه يُفْهَمُ ممّا مرّ الردّ على من يقول: لا يجوز استخدام العقل في العقائد، بل الذي يقول بذلك إنّما هو ضعيف العقل؛ فالعقل في الإسلام معتبر ولـه مكانته، والإنسان إذا أريد مدحه يكفي أن يقال: إنّه عاقل؛ فالعقل صفة مدح ولا شكّ في ذلك.
        بل نقول: إنّ للعقل مجالاً في علم التوحيد، ولكنّه محصور في أمور بيّنها أهل السّنة والجماعة كما يفهم من كلام أساطين علمائهم، وهذا الحصر ليس تحكما منهم في العقل ولكنهم لما نظروا في فعل العقل عرفوا أن لـه حدودا وجهات لا يمكنه أن يغوصَ فيها، فجعلوها لـه حدودا لا يتعداها، وهذا التحديد منهم جار على موازين العقل نفسه.
        وأمّا الذين يردّون النّظر العقليّ على اختلاف فرقهم، فأوهموا النّاس أنّ العقل ممنوع استخدامه مطلقا في الدّين، وبذلك صوّروا الدّين بصورة ليست لـه ولا هو لـها، وحقّروا من مقام العقل حتّى أربكوا عموم النّاس، وشكّكوا الذين ينظرون إلى الدّين من خارجه، وأعطوا لـهم نظرة تعيسة عن الدّين، والحقّ الذي عليه أهل السنّة، كما مرّ، هو أنّ العقل معتبر ولكنّه محدود بحدود وجوده وطبيعته، ولا تعارض بين الشّرع والعقل أصلا، ولا يجوز القول بأنّنا نقدّم العقل على النّقل، ولا بأنّنا نقدّم النّقل على العقل، لأنّ كلاّ من القولين إنّما يُبْنَى على تسليم أمر ممنوع، وهو: وجود تعارض بين العقل والنّقل، وهذا باطل قطعا كما يفهمه النّبيه. وإذ لا تعارض فلا تقديم.
        وهذا مدخل من المداخل التي صار المجسّمة يَلِجُونَها في هذه الأزمنة كما في الأزمنة المتقدّمة، فيسألون العاميّ: هل ترجّح العقل على النّقل أم النّقل على العقل؟! ومع بطلان السّؤال أصلا، كما أشرنا، إلاّ أنّ ذا العلم الساذج والعامة ينخدعون بظاهره ويبادرون بالقول: إنّنا نقدّم النقل على العقل! وإذا تمّ للمجسم أخذ هذا الجواب من المسئول، شرع بعد ذلك يدسّ آراءه الفاسدة وأفكاره الكاسدة إلى هذا المسكين بعد أن يخوّفه من عقلـه ويضعه لـه في كيس أسود مخيف، فيلقي لـه ما شاء من نصوص يفسّرها لـه كما يشاء،
        في غفلة من تنبّه ذلك المسكين، وما أن يمضي على هذا فترة من الزّمان حتّى يصبح قد أكل مأكلـهم وشرب مشربهم، فيصبح منهم وهو يعتقد أنّه من أهل الحقّ والـهدى، وبعد هذا يصعب جدّا عليك أن توصل أمرا ما إلى نفس هذا المسكين، لأنّه سلّم عقلـه إلى غيره ليقتلـه لـه، وهو راضٍ يحسب أنه يحسن صنعا، وهو لا يدري في أيّ واد يهيم، ولا في أيّ محيط يغرق. ويصبح كتلة من التعصّب والحمق والجهل والتبجّح وهو ليس ممّن يعلمون. والبعض الآخر من العوام المعتدين بأنفسهم يفضلون الإجابة الثانية فيقولون نحن نقدم العقل على النقل ويسلمون أنفسهم بعد ذلك إلى عقولـهم القاصرة وأحكامهم الجائرة، ومن هنا ينشأ التضليل والافتراق بين الفريقين فيبادر كل منهم إلى تبديع صاحبه والتبري منه.
        وفي المقابل من هؤلاء نرى القائلين بوحدة الوجود وأصحاب العرفان، يفاضلون بين العقل والكشف لا النقل هذه المرة، ويقولون إن من يأخذ علومه من العقل، لا يرتقي إلى من يأخذ علومه ومعارفه من الكشف، ويقصدون بالكشف تلقي المعارف مباشرة من الخالق بطريق الإلهام، والكشف المباشر لهم عنها. فهؤلاء أيضا يحتقرون أصحاب النظر العقلي، ويدعون أن الكشف إذا عارضه قطعي عقلي فإننا نقدم الكشف على العقل. وينشأ عن هذه الطريقة تعصب كبير أيضا، لا من حيث القول بالتجسيم، ولكن من حيث القول بوحدة الوجود ولواحق هذا المذهب. ونرى هؤلاء يتسللون إلى عقول العامة من هذه الطريقة، والعامي إذا فاضل في نفسه بين الذي يتلقى علومه مباشرة من عند الله تعالى وبين من ينظر فيها ويتوصل إليها بعقله، فإنه يرجح جانب الأول، قطعا، ولكنه يغفل عن أنه هل يوجد فعلا من يأخذ علومه ومعارفه من عند الله تعالى مباشرة غير الأنبياء، وهل هؤلاء الذين يَدَّعونَ ذلك لأَنْفُسِهِمْ هُمْ فِعْلاً كذلك؟! والحق أنه لو وجد فإنه يتعذر عليه أن ينقل هذه المعارف التي يدعيها إلا بأن يخبر غيره بما أحس به ووجده في نفسه. فالواسطة بينه وبين من يريد أن يقيم الحجة عليه إذن ليس إلا خبره الذي هو في النهاية خبر آحاد، لا حجة برهانية فيه، خاصة إذا خالف ذلك الخبر ما قامت عليه الأدلة النقلية الظاهرة والعقلية القاطعة.
        وبعد ذلك كله، فيبقى الدليل النقلي الذي يجيز لهؤلاء المعتمدين على المكاشفة والعرفان غير قائم على جواز استدلالهم بما يجدونه على أنفسهم وعلى غيرهم، فحجتهم تبقى إذن قاصرة، هذا إذا سلَّمنا كونه حُجَّةً أَصْلاً. ودوما يتجاهل هؤلاء أننا لم نحتج أصلا بخبر الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا لقيام الحجة التي هي المعجزة على كلامه، فأين الدليل القاطع على لزوم إتباع الناس لكلامهم؟!
        فطريقة النظر العقلي التي هي طريقة المتكلمين هي الطريقة الأصوب بلا شك ولا ريب، وهي الطريقة التي بها ينتفي التعصب، وتنعدم الضلالات ولا يركن الناس إلا إلى الأمور الواضحة القطعية، فيسيرون في حياتهم على هدى وعلم قويم. ولا يتركون مجالا لأحد كي يتلاعب بهم بأوهامه التي يحسبها نصوصا شرعية أو كشوفات إلـهية




حكم علم التوحيد


        ممّا يرجع للدّليل الجمليّ ففرضُ عينٍ على طريق الجمهور. والدّليل الإجماليّ المقصود به المعرفة الإجماليّة للدّليل الحقيقيّ، فمثلا الدّليل على وجود اللـه هو حدوث العالم، ولكنّ "حدوث العالم" أي وجوده بعد العدم هذه العبارة يمكن التفصيل فيها على درجات متباينة، فتكون القدرة عند بعض الأشخاص على تفصيل الكلام فيها أكثر من البعض الآخر، وهكذا تتفاوت المعرفة بين النّاس كما هو معلوم في كتب الكلام الموسّعة.
        فيصبح المقصود بالدّليل الإجماليّ هو القدرة على الاستدلال الإجماليّ على صحّة العقيدة المعيّنة، أي المعرفة التي يمكن لأيّ إنسان أن يحصلها بأقلّ جهد، وذلك مثل الكلام السّابق.         فهذا القدر من المعرفة واجب وجوبا عينيّا على كلّ مكلّف ذكر أو أنثى، ويعصي من لا يعرفه؛ ومثالـه أيضا القول: إنّ الدّليل على وجود اللـه هو كون العالم مخلوقا، أو كونه متقن الصّنعة، أو كونه مرتّبا على هيئة معيّنة بحيث يستحيل أن يوجد على تلك الـهيئة من دون مريد قادرٍ يُخصّصه بها. وهكذا، فهذه المعرفة هي المعرفة الواجبة على كلّ إنسان، وكذلك في كلّ عقيدة من عقائد الإسلام، وحتّى لو لم يستطع الإجابة عن التساؤلات والإيرادات والتشكيكات التي يمكن أن يوردها المنكر.
        وأمّا ما يرجع للدّليل التفصيليّ فمختلف فيه على قولين: فنقل ابن التلمسانيّ أنّه فرض كفاية، وظاهر أسئلة ابن رشد أنّه مندوب إليه( ). ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: إنّ التحقيق أنّه في الأصل فرض كفاية، وذلك لأنّه لا يجوز ترك الأمّة لعبة تلعب بها أهواء المشكّكين من دون وجود إنسان قادر على دفع هذه الشُّبَهِ، ومن الحُمْقِ تجويز هذه الحالة لأنّ هذا كأنّه رضى بالشكّ في الدّين، ومعلوم أنّه كفر، ولذلك يجب وجود من يقدر على القيام بمهمّة الدّفاع عن عقائد الإسلام وتثبيتها في صدور العوام والعلماء، وهذا إن كفى للقيام به واحد فقط سقط الفرض عن الآخرين، وإن لم يمكن القيام به إلاّ عن طريق مجموعة من الأفراد فيجب العمل على تدريب هؤلاء الأفراد والعمل على إيجادهم مهما كان عددهم حتّى تقوم بهم الكفاية المطلوبة.
        وكذلك يجب أن يكون في كلّ حيّ من الأحياء من هو قادر على الذبّ عن الشّريعة المطهّرة ضدّ الكفّار والمبتدعة، أو في كل مسافة قصر على قول بعض العلماء، والذي أميل إليه هو وجوب وجود فرد أو من لديه القدرة على ذلك بحيث يكون الوصول إليه سهلا، ولا يُقّيَّد في هذا الزمان بالمسافة مطلقا، والسهولة والصعوبة مرجعها إلى عرف الناس، لأنّه لو كان صعبا ربّما دفعت الصّعوبة النّاس لعدم الذّهاب إليه، وقدّر بعض العلماء المسافة بمسافة العدوى،
        وهي المسافة التي إذا خرج الرّجل من بيته عند الفجر إليها، استطاع أن يرجع إليه عند الغروب عند الأمن على حياته ومصالحه، فإن كان هذا التقدير لا يستلزم ضررا بالمسلمين، فأهلا به، وإلاّ فإنّ المسافة تحدّد حسب مصالح المسلمين، والحاجة إلى القائمين بالذبّ عن الدّين الحنيفيّ. وعند توفّر من يسقط فرض الكفاية، يصبح الحكم في حقّ بقيّة المسلمين ممّن لديهم أهليّة على ذلك هو النّدب.
        ولا خلاف بين جميع المسلمين أنّ حكم علم التوحيد هو الوجوب عند الإطلاق، أي بغضّ النّظر عن الجهات السّابقة، لأنّه ما دام الدّين لا تتركّز دعائمه إلاّ بهذا العلم، فمن الكفر أن يُسمَح أو يُرضَى بزوال هذا العلم، لأنّ هذا رضى بزوال الدّين.
        واعلم أنّ هذا الحكم لم يُجْمِعْ عليه المسلمون فقط، بل كلّ أهل ملّة مجمعون على إيجاب العلم الذي يثبّت دعائم ملّتهم، وهذا هو الحقّ اللاّئق بشكل أولى بالمسلمين.
        ولكنّنا ما زلنا نرى بعض المنتسبين إلى هذا الدّين العظيم، يحاربون هذا العلم، بعضُهُم عن جهل وعمى وبَعْضُهُم عن تعصّب لبدعته التي لا يكشفها واضحة للنّاس إلاّ هذا العلم، فلذلك يقول بمحاربته وتحريمه، وهؤلاء لا يُلْتَفَتُ إليهم في هذا المجال، ولا يقام لـهم وزن







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:40 pm

علم التوحيد وأثره المنهجي في الفكر الإسلامي


أولا :تعريف العلم
        عرف العلم بتعريفات عديدة وكل تعريف منها ينبني على نظرة خاصة أو جهة معينة، ولا نريد استقصاء ذكر التعريفات هنا، ولكن نورد بعضها مما يفيدنا في هذا المقام.
قال شريف الجرجاني في التعريفات:
العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع.
وقال الحكماء: هو حصول صورة الشيء في العقل.
والأول أخص من الثاني.
وقيل العلم هو إدراك الشيء على ما هو به.
وقيل: هو مستغن عن التعريف.
وقيل العلم صفة راسخة يدرك بها الكليات والجزئيات.
وقيل العلم وصول النفس إلى معنى الشيء.
وقيل العلم عبارة عن إضافة مخصوصة بين العاقل والمعقول.
وقال الملا عبدالله في شرحه على تهذيب المنطق للسعد التفتازاني:"العلم هو الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل."
وعلق عليه الميرزا محمد علي:وعرفه بعضهم بقبول النفس تلك الصورة. وبعضهم بحصول صورة الشيء عند العقل"
ثم علق قائلا:"فعلى الأول من مقولة الكيف، وعلى الثاني من مقولة الانفعال، وعلى الثالث من مقولة الإضافة."
وقال الأستاذ الشيخ محمد الكرمي:"أنا لم أجد تعريفا للعم أطرى وأحسن وألصق بالنفس من قول العلامة الشيخ عبدالهادي شليلة:
حقيقة العلم انكشاف الواقع له من المعلوم حكم التابع
فإن العلم الصادق ليس هو إلا انكشاف الأشياء على ما هي عليه، وكم تعتور النفس صور للأشياء تخال أنها صور واقعية وشعاع ذوات الأشياء بأنفسها، وهي في الواقع خداع وكذب."اهـ

        ويمكن لنا بعد شيء من النظر أن ندرك أن أغلب التعريفات ترجع في حقيقتها الإطلاقات التالية:
الأول: أن يطلق العلم على المعلوم؛ أي ما نعلمه.
الثاني: أن يطلق العلم على ما به نعلم وهو النفس أو صفتها.
الثالث: أن يطلق العلم على الملكة الراسخة الحاصلة بعد العلم بمعلومات عديدة، فلا شك أن هناك صفة راسخة تميز الراسخ في العلوم عمن يبتدئ بطلبها.

        ونحن هنا عندما نتكلم على علم الكلام، فإننا نطلق اسم العلم على المسائل المبحوثة في ذلك العلم، وعلى الملكة الراسخة التي يتصف بها العالم بتلك المسائل، بحيث يستحق بعد ذلك اسم المتكلم. وهذا هو الشأن في سائر العلوم الأخرى.
ما به تتميز العلوم:
        ما هو الأساس الذي يمكننا بناء عليه أن نعدد العلوم، وأن نصنف المسائل وننسب كل مسألة منها إلى علم معين دون غيره. فنقول مثلا هذه المسألة من علم الفقه، وهذه المسألة من علم الكلام، وهذه المسألة من علم التفسير، وهذه المسألة من علم الحديث، وهذه المسألة من علم الرياضيات، أو الطبيعيات، وهكذا...
إن علماء الأصول والكلام والمنطق قدموا ثلاث نظريات رئيسية يفسرون بها تمايز العلوم. ولا مانع من أن نشير ههنا إلى أننا نقصد بالعلم :"مجموعة من المسائل تجتمع مع بعضها البعض على نحو من الأنحاء."
        النظرية الأولى: يرجع تمايز العلوم إلى الموضوع، فكل علم يتألف من قضايا ومسائل تكون محمولاتها من الأعراض الذاتية لموضوع العلم، فموضوع العلم هو في الحقيقة موضوع مسائل ذلك العلم. وبالتالي فاجتماع مجموعة من المسائل والقضايا تحت عنوان واحد، ليس راجعا إلى حالة اختيارية أو تعاقدية، وإنما يرجع هذا الاجتماع إلى علاقة تكوينية طبيعية بين محمولات القضايا(المسائل) وبين موضوعاتها، وبالتالي بين محمولات القضايا وموضوع العلم.
        النظرية الثانية: العلوم تتمايز بناء على تمايز أغراضها وغاياتها(أهدافها)، وفي هذه الحالة يكون كل علم عبارة عن مجموعة من المسائل والقضايا ذات الغرض الواحد، واختلاف العلوم باختلاف أغراضها.
        فعلم الأصول مثلا يتكون من مسائل وبحوث تنفع في استنباط الأحكام من مداركها الشرعية.
        النظرية الثالثة: تقوم على أساس مفهوم "المركب الاعتباري"، والمركب الاعتباري هو الذي لا تكون وحدة عناصره المكونة له وحدة حقيقية، وإنما هي وحدة عرضية مجازية. فوحدة الجنس والنوع وحدة حقيقية، وأما وحدة الطلاب في الصف فهي وحدة مجازية تابعة لوحدة اللحاظ أو النظر أو العرضأو ما إلى ذلك من الظروف الطارئة.
        وكل علم حسب هذه النظرية هو في الواقع مركب اعتباري، فالذي يجعل المسائل مجموعة واحدة هو الهدف والغرض الواحد المترتب عليها، ومع هذا فالعلوم تتمايز بهذه المركبات الاعتبارية وليس بأغراضها.
        وكل مركب اعتباري يتمايز عن المركب الاعتباري الآخر بشكل طبيعي، ولو كان المركب الاعتباري لعلم واحد مؤلفا من غرضين، فلا يستلزم ذلك أن يكون هذا العلم علمين اثنين متمايزين، بل يكون علما واحدا، وقد ساعد هذا المركب الاعتباري في اجتماع هذه المسائل على هذا النحو.
        وقد أشار إلى هذه النظريات العلامة الشريف الجرجاني في شرح المواقف، حيث شرح في عبارة رشيقة كيفية نشوء العلوم وتقسيماتها، ويظهر من كلامه أن الأصل في تمايز العلوم إنما هو بالموضوع، ولكنه ذكر تحقيقا في غاية الإفادة، فقال:"وهو أمر استحساني إذ لا مانع عقلا من أن تعد كل مسألة علما برأسه، وتفرد بالتعليم، ولا من أن تعد مسائل كثيرة غير متشاركة في موضوع واحد سواء كانت متناسبة من وجه آخر أو لا علما واحدا، وتفرد بالتدوين.
        واعلم أن الامتياز الحاصل للطالب بالموضوع إنما هو للمعلومات بالأصالة وللعلوم بالتبع، والحاصل بالتعريف على عكس ذلك إن كان تعريفا للعلم، وأما إن كان تعريفا للمعلوم فالفرق أنه قد لا يلاحظ الموضوع في التعريف كما في تعريف الكلام إن جعل تعريفا لمعلومه."اهـ

ثانياً: التعريف بالدين:
        لقد صاغ العلماء للدين تعريفات عديدة، ولكن أحسن التعريفات التي رأيتها ما اشتهر عند علماء الكلام، وقد ذكره العديد منهم في كتبهم، واعتمدوه، كالإمام ابن الهمام، والشريف الجرجاني، وأكثر المتأخرين ممن هم في طبقة العلامة البيجوري والسنوسي، وكذلك من سبقهم كالكلنبوي والدواني والخواجة زاده، وغيرهم.
        الدين لغة يطلق على العادة والجزاء والمكافآت والقضاء والطاعة.
        وأما اصطلاحا وهو المقصود هنا، فهو كما ذكره صاحب دستور العلماء:"قانون سماوي سائق لذوي العقول إلى الخيرات بالذات."اهـ
ومثَّل لهذه القوانين بالأحكام الشرعية النازلة على سيدنا محمد صل الله عليه وسلم.
ووضع بعض العلماء المحققين كلمة مساوق بدل كلمة سائق لتدل على أن انسياق العقلاء واستجابتهم للدين إنما هي تابعة لإرادتهم وتعقلهم لأصل الوجود وما يقتضيه نظرهم الصحيح.
وعرفه الشريف الجرجاني في تعريفاته:"الدين وضع إلهي يدعو أصحاب العقول إلى قبول ما هو عند الرسول صل الله عليه وسلم."اهـ
وحاصل هذا التعريف متوافق مع ما قبله.
        ولا شك أن من بديهيات الدين الإسلامي أن الخير ات التي يدل الناسَ عليها لا تتعلق بالآخرة وحدها، بل تتعلق بالدنيا، بل نستطيع أن نقول بكل صراحة أن الدين من حيث هو أوامر ونواهي، وتقييدات وتوجيهات لأفعال الإنسان، إنما يتعلق بالإنسان في حياته الدنيا، لأنه في الآخرة لا يوجد تكاليف شرعية بالوجه الذي نقصده.
        نعم إن غاية الدين في النهاية دلالة الإنسان على خيره في حياته الآخروية. ولكن المقصود أصالة إنما هو دلالته إلى خيره في حياته مطلقا، وحياة الإنسان ليست محدودة كما هو معلوم عندنا في الحياة الدنيوية، ولا بحياته الأخروية، بل إنها تشمل هاتين المرحلتين مع ما يتوسطهما.
        فالخير الذي نزل الدين لدلالة الإنسان عليه يشمل الخير الدنيوي والخير الأخروي.
والمقصود بالخير بقول كليٍّ: كل ما هو موصل إلى السعادة. وترتبط السعادة بكمال الوجود أو تكميل الوجود، وذلك بأن يكتسب الإنسان كل ما يرفع قدره في رتبة الوجود.
        ولذلك فنحن نعتقد أن العبادات لها آثار حقيقية في الآخرة، وهذه الآثار ليست ذاته لها، بل هي بإرادة الله تعالى، بناء على نفي التحسين والتقبيح العقليين، وهو القول الذي ارتضاه أهل السنة الأشاعرة وغيرهم ممن وافقهم. ونحن وإن لم نعرف بعض العلل والفوائد التي نجتنيها من بعض العبادات، فذلك لا يستلزم عدم وجود فوائد حقيقية لها، تترتب عليها بحسب ما اختاره الله تعالى في خلقه لهذا العالم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:40 pm

خلق العرش والقلم الأعلى واللوح المحفوظ

العرش:

        قال الله تعالى {وهوَ ربُّ العرشِ العظيم} (سورة التوبة/129) وهو سرير له أربع قوائم ومكانه فوق السموات السبع وهو سقف الجنة منفصل عنها ويدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسطها وسقفه عرش الرحمن". ثم إن حول العرش ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، وهو أكبر مخلوقات الله حجمًا ومساحة وامتدادًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما السموات السبعُ معَ الكرسي إلا كحلقة ملقاةٍ بأرضٍ فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة" رواه ابن حبان وغيره. والعرش يحمله أربعة من أعظم الملائكة ويوم القيامة يكونون ثمانية قال الله تعالى: {ويحمِل عرشَ ربّك فوقهم يومئذ ثمانية} (سورة الحاقة/17)، وقد وصف الرسول صل الله عليه وسلم أحدَ حملة العرش بأن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام بخفقان الطير المسرع رواه أبو داود.

الحكمة من خلق العرش:

        يستحيل عقلاً أن يكون العرش مقعدًا لله فكيف يكون الرب الذي هو خالق للعرش وغيره محمولاً على سرير يحمله الملائكة على أكتافهم، ولا يصح تفسير قول الله تعالى {الرحمن على العرش استوى} (سورة طه/5) بجلس لأن الجلوس من صفات البشر والجن والملائكة والدواب بل معنى قول الله تعالى {استوى} قهر لأن القهر صفة كمال لائق بالله تعالى لذلك وصف الله نفسه فقال: {وهو الواحد القهار} فهذا العرش العظيم خلقه الله إظهارًا لعظيم قدرته ولم يتخذه مكانًا لذاته، لأن المكان من صفات الخلق والله سبحانه تنزه عن المكان والزمان، قال الإمام الطحاوي رضي الله عنه :"لا تحويه (أي الله) الجهاتُ الستّ كسائر المبتدعات"، وقال سيدنا عليّ رضي الله عنه: "إن الله خلق العرش إظهارًا لقدرتهِ ولم يتخذه مكانًا لذاته"، رواه عنه الإمام أبو منصور البغدادي. فالملائكة الكرام الحافون حول العرش والذين لا يعلم عددهم إلا الله يسبحون الله تعالى ويقدسونه ويزدادون علمًا بكمال قدرة الله سبحانه وتعالى عندما يرون هذا العرش العظيم.

القلم الأعلى واللوح المحفوظ:

        خلق الله تعالى القلم الأعلى بعد خلق الماء والعرش وهو ثالث المخلوقات، وهو جِرم عظيم جدًّا على شكل نور، ثم خلق الله تعالى بعد القلم الأعلى اللوح المحفوظ وهو رابع المخلوقات، قال بعض العلماء إنه فوق العرش، وقال بعضهم إنه تحت العرش. وجرمه عظيم جدًّا مقداره ومساحته مسيرة خمسمائة عام، طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب. وقد أمر الله القلم أن يجري على اللوح المحفوظ فجرى بقدرة الله ومن غير أن يمسّهُ أحد من الخلق وسطر في اللوح المحفوظ كل ما سيكون في العالم حتى نهاية الدنيا، وهذا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد والترمذيّ عن عُبادة بن الصامت عن النبي صل الله عليه وسلم قال: "أوَّلُ ما خلق الله القلم ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة".

        والدليل من القرءان الكريم على أن كل شىء كائن في هذا العالم حتى يوم القيامة مسجل في اللوح المحفوظ هو قوله تعالى: {وكلُّ شىء أحصيناه في إمامٍ مبين} (سورة يس/12)، ومن الحديث قوله صل الله عليه وسلم: "كتبَ اللهُ مقاديرَ الخلائقِ قبل أن يخلقَ السمواتِ والأرضَ بخمسين ألف سنة وكان عرشُه على الماء" رواه مسلم.

خلق السموات والأرض:

        خلق الله تعالى بقدرته سبع سموات وسبع أراضي، قال الله تعالى: {الذي خلق سبع سموات ومن الأرضِ مثلهنَّ} (سورة الطلاق/12)، فيجب الإيمان بذلك، فأرضنا هذه واحدة من الأراضي السبع التي خلقها الله تبارك وتعالى وأبدعها.

        والسموات التي خلقها الله عظيمة الخلقة تدل على عظمة قدرة البارىء عز وجل، فسمك السماء الواحدة مسافة خمسمائة عام وكلها مشحونة بالملائكة الذين يعبدون الله ويقدسونه ولا يفترون عن ذِكره، وقد ورد أن المسافة ما بين سماء وسماء مسافة خمسمائة عام، وكذلك المسافة ما بين أرض وأرض، فالسموات السبع متراكبة بعضها فوق بعض وكل واحدة منفصلة عن الأخرى وكذلك الأراضي السبع، قال الله سبحانه وتعالى في القرءان: {ألم تروا كيف خلق اللهُ سبع سموات طِباقًا*وجعلَ القمر فيهنّ نورًّا وجعل الشمس سراجًا} (سورة نوح/15-16)، وقال سبحانه: {وبنينا فوقكم سبعًا شِدادًا} (سورة النبأ/16) أي أن السموات السبع شديدة عظيمة الخلقة في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها.

        وقد جاء في القرءان أن خلق السموات والأراضي السبع كان في ستة أيام وكل يوم من هذه الأيام الستة كألف سنة مما نعدّ أي بتقدير أيامنا هذه لقوله تعالى: {وإن يومًا عند ربّك كألف سنةٍ مما تعدّون} (سورة الحج/47)، وقول الله تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسّنا من لغوب} (سورة ق/38) أي تعب وإعياء، وقوله تعالى: {إن ربكم الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} (سورة الأعراف/54)،ومعنى ثم استوى أي وقد استوى على العرش أي أن الله تعالى كان مستويًا على العرش أي قاهرًا له قبل خلق السموات والارض وليس معنى "ثم" في هذه الآية أن استواء الله على العرش أي قهره للعرش حصل بعدما خلق الله السموات والأرض ومن المقرر عند علماء اللغة أن "ثم" تأتي بمعنى الواو وهذا معناها في هذه الآية كم قال الإمام أبو منصور الماتريدي، وما يتصوره بعض الناس من أن الله بعدما خلق الأرض في يومين صعد إلى السموات وخلقها في يومين ثم خلق مرافق الأرض الجبال والانهار والمرعى وءادم في يومي الخميس والجمعة ثم صعد إلى العرش وجلس عليه هذا تحريف للقرءان ووصفٌ لله تعالى بالتنقل وهو محال، أليس ذكر الله في القرءان أن إبراهيم استدل على أن الكواكب والشمس والقمر لا يصلحون للألوهية لكونهم يتنقلون، أليس ذكر الله عن إبراهيم أنه قال: {لا أحب الآفلين} أي أن الذي يتنقل من حال إلى حال لا يصلح أن يكون ربًّا خالقًا.

        وكان خلقُ الأرضِ في اليومين الأولين وهما يوما الأحد والاثنين، ثم خلقَ السمواتِ السبعَ في اليومين التاليين وهما الثلاثاء والأربعاء، وأما في اليومين الأخيرين وهما الخميس والجمعة فقد خلق الله تبارك وتعالى مرافق الأرضِ التي يعيش فيها الإنسان من جبال وأنهار ووديان وأشجار وما أشبه ذلك، ولقد كان بدءُ خلق الملائكة في تلك الأيام الستة وكذلك خلق إبليس اللعين الذي هو أبو الجن، وأما سيدنا ءادمُ عليه السلام الذي هو أبو البشر وأول الأنبياء فقد خلقه الله تبارك وتعالى في ءاخر اليوم السادس وهو يوم الجمعة الذي هو أفضل أيام الأسبوع فكان ءادم ءاخر أنواع العوالم التي خلقها الله تبارك وتعالى، روى مسلم وغيره أن النبي صل الله عليه وسلم قال: "خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمسُ يومُ الجمعةِ فيه خُلق ءادمُ وفيه أدخل الجنّة وفيه أخرج منها"، ويعني ذلك أن تمام خلق ءادم كان في الجنة لأن بدءه التربة التي نقلت من الأرض إلى الجنّة فعجنت هذه التربة بماء الجنة ثم مكث طينًا أربعين يومًا ثم جعله صلصالاً كالفخار ثم حوّله عظمًا ولحمًا ودمًا ثم نفخ فيه الروح الطيبة الكريمة عند الله، وهذا معنى قول الله تعالى: {فإذا سويتُه ونفختُ فيه من روحي} أي الروح التي هي ملك لي ومشرفة عندي.

        ومما يدلّ على ما قدمناه قوله تعالى: { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (12) (سورة فصلت).

        فالله سبحانه وتعالى أخبر في هذه الآيات أنه خلق الأرض أولاً في يومين لأن الأرض كالأساس، ثم خلق بعد ذلك السماوات في يومين وهي الكسقف بالنسبة للأرض قال الله تعالى: {وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا وهم عن ءاياتها معرضون} (سورة الأنبياء/32)، وقال الله تبارك وتعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهنّ سبع سموات وهو بكل شىء عليم} (سورة البقرة/29).

        ومعنى قوله تعالى: (ثم استوى الى السماء) 29 سورة البقرة. أي اتبع ذلك بخلق السماء، اي خلق الارض ثم الحق السماء بالارض، وبعضهم يقول: "استوى" قصد، لكن هذه فيها ما فيها لأنها توهم أن مشيئة الله تتجدد وهذا محظور باطل، مشيئة الله واحدة ازلية ليس له مشيئة بعدد المخلوقات.

        وخلق الله الشمس والقمر وسائر النجوم قال تعالى: {ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقًا*وجعل القمر فيهنّ نورًا وجعل الشمس سراجًا} (سورة

نوح/15-16)، وقال تعالى: {إنَّا زيّنا السمآء الدنيا بزينة الكواكب} (سورة الصافات/6)، وقال تعالى: { إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي

سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}

(سورة الأعراف/54).

أما دحو الأرض فكان بعد خلق السموات وكان ذلك في اليومين الأخيرين من تلك الأيام الستة قال الله جلت قدرته: {ءأنتم أشدّ خلقًا أم السماء بناها*رفع سَمكها فسواها*وأغطش ليلها وأخرج ضحاها*والأرض بعد ذلك دحاها} (سورة النازعات/27-30).

        ومعنى دحاها أي وسعها وجعلها صالحةً للسكن بأن أجرى فيها الأنهار والوديان والينابيع قال تعالى: {أمَّن جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا}، وجعل الله الجبال رواسي قال تعالى: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} (سورة النحل/15)، وقال تعالى: {والجبال أرساها} (سورة النازعات/32)، وخلق الله البحار قال تعالى: {وهو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحمًا طريًًّا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} (سورة النحل/14) فسبحان الله المتفضل المنعم.

        فائدة: الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام مع أن الله جلت قدرته قادرٌ على خلقها في أقلّ من ذلك تعليم الناس التأنيَ في الأمور والتروي وعدم الاستعجال. وأما قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} (سورة يس/82) فليس معناه أن الله خلق الخلق في لحظة، إنما معناه يخلق العالم بدون تعب ومشقة وبدون ممانع يمانعه وبدون تأخر عن الوقت الذي أراد وجوده فيه، وليس معنى {أن يقول له كن فيكون} أنه كلما أراد أن يوجِد شيئًا من مخلوقاته يقول له "كن" أي بهذه الكلمة المركبة من كاف ونون وهذا غير معقول لأن الله يخلق في اللحظة الواحدة ما لا يدخل تحت الحصر فكيف يعقل أنه ينطق بعدد كل ما يخلق بهذه الكلمة كن باللغة العربية والله تعالى كان قبل اللغات، إنما هذا عبارة عن إيجاده تعالى الأشياءَ بدون تعب كما أن الإنسان يكون أسهل شىء عليه التلفظ بكن لا يعاني منه مشقة، فالله تعالى ذكر هذا تفهيمًا للمعنى لإفهام الخلق، قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: "القرءان امثال ومواعظ" أي ليس كل القرءان على ظواهره
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:41 pm

الكفر ومعناه وأنواعه


        معنى الكفر في اللغة : ـ

        معناه : التغطية والستر والجحود . وضده الإيمان.

        ويطلق الكفر على جحود النعمة ، فيكون ضد الشكر. قال تعالى:

        { لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد (7)} [إبراهيم]

        ويقال : أكفر فلان فلانا ، إذا حكم بكفره

        والكفارة : ما يغطي الإثم ، ومنه كفارة اليمين ، والقتل ، والظهار.

        والتكفير : ستر الذنب وإزالته ، كالتمريض : إزالة المرض.

        معنى الكفر في الشرع : ـ

        هو : تكذيب النبي صل الله عليه وسلم في شئ مما جاء به من ربه.

        أو هو : جحود شئ مما يصير به المؤمن مؤمنا . ليشمل التعريف الكافر الخالي من التصديق والتكذيب . فالكافر اسم لمن لا إيمان له ، فهو يشمل :ـ

        1ـ من أظهر الإيمان ، وأبطن الكفر . ويسمى : المنافق

        2ـ من طرأ كفره بعد إسلامه . ويسمى : المرتد

        3ـ من قال بإلهين أو أكثر . ويسمى : المشرك

        4ـ من كان متدينا بدين منسوخ . كاليهودية والنصرانية ، ويسمى : الكتابي.

        5ـ من لا يؤمن بإله أصلا ويسمى : العطل أو الدهري.

        6ـ من أسلم لكنه يبطن عقائد تتعارض مع الإسلام ، ويسمى : الزنديق.

        أنواع الكفر ، والشرك ، والنفاق ، والفسق : ـ

        الكفر نوعان : ـ

        1ـ كفر أكبر : يخرج صاحبه من الإسلام ، ويبيح دمه وماله ، ويخلده في النار ، ويوجب العداوة له من المؤمنين . ولو كان من أقرب الأقربين . كإنكار النبوة أو البعث ، أو تحريم ما أجمع المسلمون على حله ، أو تحليل ما أجمعوا على حرمته كالخمر.

        2ـ كفر أصغر : وهو الكفر العملي . وهذا لا يخرج صاحبه من الملة ، ولا يبيح دمه ، وماله ، ولا يخلده في النار. وإن دخل النار فمصيره إلى الجنة ؛ ولا يمنع موالاة المؤمنين ومحبتهم له بقدر ما فيه من خصال الإيمان ، وإن أبغضوه وكرهوه بقدر ما فيه من خصال المعاصي والذنوب.

        وهذا النوع هو المقصود بالآية القرآنية التي نزلت عندما اختلف الأوس والخزرج ، وذكروا ما كان منهم في الجاهلية ، وثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فنزل : { وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ءايات الله وفيكم رسوله } [ آل عمران 101] فليس المقصود الكفر بالله ، ولكن تغطية ما كانوا عليه من الألفة والمودة والنعمة ، وعدم شكر هذه النعم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

        قضية التكفير أو الإكفار :ـ

        روى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة ، والنصارى مثل ذلك ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " (1)

        ورواه ابن ماجه بلفظ : " إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعون فرقة . كلها في النار إلا واحدة " (2)

        فهم بعض المؤلفين في العقائد ، والمؤرخين للفرق من الحديث أمورا منها :

        1ـ أنه يحصر الفرق في العدد المذكور

        2ـ أن كون الفرق المخالفة للجماعة في النار يعني أنها كافرة مخلدة فيها

        ونريد أن نناقش هذين الأمرين :ـ

        1ـ فيما يتصل بالأمر الأول نقول : ألا يجوز أن يكون المراد بالعدد المذكور بيان كثرة الفرق وتشعبها ، وزيادة عددها حتى إنها لتزيد على فرق اليهود والنصارى ؟

        ويؤيد هذا الاحتمال النظر إلى التاريخ والواقع ؛ فإن العدد يزيد كثيرا على المذكور في الحديث . بل ما زالت تظهر فرق أخرى في عصرنا الحاضر.

        إذن ليست هناك ضرورة لحصر الفرق في العدد المذكور. وخاصة أن محاولة الحصر تقوم على أسس من التكلف والتمحل . قد نذهب بشئ من بلاغة الحديث الذي يخبر بالغيب الذي تحقق كما أخبر ، بالإضافة إلى إخباره بغيب قد مضى قبل بعثته صل الله عليه وسلم كان أيضا كما أخبر. وذلك بشأن افتراق اليهود والنصارى.

        2ـ وفيما يتصل بالأمر الثاني : وهو كون هذه الفرق في النار يعني أنها كافرة مخلدة فيها فنقول : إن بعض العلماء فهم ذلك ، وحكم بالفعل على جميع الفرق عدا أهل السنة بالكفر والخلود في النار كما فعل ( أبو المظفر الإسفراييني ) في كتابه : ( التبصير في الدين وتمييز الفرق الناجين عن الفرق الهالكين ) .

        وكما فعل ( البغدادي) في كتابه : ( أصول الدين ) وغيرهما .

        لكننا لا نوافقهم على هذا الفهم ؛ إذ ليس كل من يدخل النار كافرا مخلدا فيها ، فإن عصاة المؤمنين يدخلونها أيضا مددا تتناسب مع معاصيهم . ثم يخرجون منها إلى الجنة .

        ولا يعني ذلك أننا نحكم على جميع الفرق بالإيمان . فلا يقول بذلك باحث منصف ؛ فقد خرجت فرق باعتناقها لبعض الآراء عن حظيرة الإيمان . إننا لا نستطيع أن نحكم بإيمان فرق مثل : الباطنية ، والخطابية، والدروز ، والنصيرية .

        لكننا نريد فقط أن ننبه إلى خطأ المسارعة إلى التكفير . فهناك اتجاه آخر للعلماء يمكن أن نحسبه اتجاه المتريثين في الحكم المتورعين عن التسرع في إطلاق لفظ الكفر في مقابل الاتجاه الأول ( اتجاه المسارعين إلى التكفير).

        ونذكر أمثلة لهؤلاء المتورعين عن التكفير :

        1ـ قال الإمام مالك : " من صدر عنه ما يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها ويحتمل الإيمان من وجه واحد،حمل أمره على الإيمان" (3)

        2ـ وقال الإمام الشافعي : " لا أرد شهادة أحد من أهل الأهواء إلا الخطابية ؛ فإنهم يعتقدون حل الكذب" (4) وهذا يعني أنه لم يكفر أهل الأهواء الذين وجدوا في عصره رحمة الله .

        3ـ وورد عن الإمام أبي حنيفة أنه لم يكفر أحدا من أهل القبلة (5).

        4ـ وقال الإمام الأشعري : " اختلف الناس بعد نبيهم صل الله عليه وسلم في أشياء كثيرة ، ضلل بعضهم بعضا ، وبرئ بعضهم من بعض ، فصاروا فرقا متباينين ، وأحزابا متشتتين إلا أن الإسلام يجمعهم ، ويشتمل عليهم" (6) .

        5ـ وقال الإمام الرازي : " المختار عندنا أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة إلا بدليل منفصل " (7) وقال : لا تكفر أحدا من أهل القبلة ؛ لأن كونهم منكرين لما جاء به الرسول غير معلوم ضرورة " (Cool.

        6ـ وقال الإمام الغزالي : " والذين ينبغي أن يميل المحصل إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلا ، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ . والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم " (9).

        هذه أقوال كبار علماء أهل السنة . يفهم منا التحذير من المسارع إلى تكفير المسلمين . وخاصة أن المسائل التي كانت مثار الخلاف بين الفرق ، والتي ترتب عليها التكفير أغلبها من المسائل الدقيقة التي ما كانت معروفة أيام رسول الله صل الله عليه وسلم ، ولو كان العلم بها شرطا للإيمان لذكرها الرسول ، وعلمها للصحابة ، وسأل عنها كل من جاء يعلن إسلامه .

        وقد قال صل الله عليه وسلم : " من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فذلك المسلم الذي له ذمة الله ، وذمة رسوله . فلا تخفروا الله في ذمته "

        وقال صل الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله . فإذا قالوها . وصلوا صلاتنا ، واستقبلوا قبلتنا ، وذبحوا ذبيحتنا ، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله " (10).

=================

        المراجع والهوامش :

1ـ سنن الترمذي ، كتاب الإيمان 5/25 وقال عنه : حسن صحيح
2ـ سنن ابن ماجه ، كتاب الفتن 2/1322 وقال محققه : في الزوائد : إسناده صحيح . رجاله ثقات .
3ـ فقه السنة للشيخ سيد سابق 2/603
4ـ شرح المواقف للجرجاني 8/339
5ـ المرجع السابق وشرح المقاصد 2/197
6ـ مقالات الإسلاميين 1/34
7ـ أصول الدين ص 132
8ـ المحصل ص 240
9ـ الاقتصاد في الاعتقاد ص 127
10ـ الحديثان رواهما البخاري في الصلاة ـ الفتح 1/592 و ( لاتخفروا) أي لا تغدروا وتنقصوا عهد الله وذمته .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
        إعلم أنّ كراهة المسلمين ومقاطعتهم ومدابرتهم محرّمة وكان سباب المسلم فسوقاً وقتاله كفراً إذا استحل .وكفى رادعاً في هذا الباب حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه في سريته إلى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام ، فلما انتهى إليهم تلقوه ، فقال لهم : أسلموا ، فقالوا : نحن قوم مسلمون ، قال : فألقوا سلاحكم وانزلوا ، قالوا : لا والله ما بعد وضع السلاح إلا القتل ما نحن بآمنين لك ولا لمن معك ، قال خالد فلا أمان لكم إلا أن تنزلوا فنزلت فرقة منهم وتفرقت بقية القوم .
        وفي رواية انتهى خالد إلى القوم فتلقوه ، فقال لهم ما أنتم أي : أمسلمون ؟ أم كفار ؟ قالوا : مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبنينا المساجد في ساحتنا وأذنا فيها ، وفي لفظه لم يحسنوا أن يقولوا : أسلمنا ، فقالوا: صبأنا صبأنا ، قال فما بال السلاح عليكم ؟ قالوا : إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح ، قال : فضعوا السلاح فوضعوا ، فقال : استأسروا فأمر بعضهم فكتف بعضاً وفرقهم في أصحابه فلما كان السحر نادى منادي خالد : من كان معه أسير فليقتله ، فقتل بنو سليم من كان معهم وامتنع المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم ، وأرسلوا أسراهم فلما بلغ النبي صل الله عليه وسلم ما فعل خالد ، قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ، قال ذلك مرتين .
        وقد يقال أن خالداً فهم أنهم قالوا ذلك على سبيل الأنفة وعدم الانقياد إلى الإسلام وإنما أنكر عليه صل الله عليه وآله وسلم العجلة وعدم التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا ، وقد قال عليه الصلاة والسلام نعم عبد الله أخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على الكافرين والمنافقين .
        وكذلك قصة أسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه فيما رواه عنه البخاري عن أبي ظبيان قال : سمعت أسامة بن زيد يقول : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة ، فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، فكف الأنصاري عنه وطعنته برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال :يا أسامة ! أقتلته بعدما قال : لا إله إلا الله ، قلت : كان متعوذاً ، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت ذلك اليوم ، وفي رواية أخرى أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال له : ألا شققت على قلبه ، فتعلم أصادق أم كاذب قال أسامة : لا أقاتل أحداً يشهد أن لا إله إلا الله .
        وقد سئل علي – رضي الله عنه – عن المخالفين له من الفرق أكفار هم ؟ قال : لا ، إنهم من الكفر فروا ، فقيل : أمنافقون هم ؟ فقال : لا ، إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ، وهؤلاء يذكرون الله كثيراً ، فقيل : أي شيء هم ؟ قال : قوم أصابتهم الفتنة فعموا وصمُّوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الزندقة
.
        لقد ذاعت وانتشرت وترددت لفظة الزندقة فى عصور الإسلام الأولى ، وخاصة العصر العباسي حيث نشطت الحركة العلمية ،وكثرت الترجمة عن الأمم ذوات الحضارات العريقة،والثقافات العتيقة وخاصة الفرس، ولقد شغلت حركة الزندقة أذهان الناس جميعاً، من علماء وخلفاء وولاة وعامة كل بقدره .
        والمتتبع للفظة الزندقة فى المعاجم اللغوية يجدها مجمعة على أن تلك اللفظة ليست عربية الأصل؛ بل هي فارسية عربت بإطلاقات عديدة .

        ففى الصحاح1 :"زندق:الزنديق :من الثنوية ،وهو معرب ؛والجمع الزنادقة ,والهاء عوض من الياء المحذوفة وأصله الزناديق ،وقد تزندق والاسم الزندقة" .
        ولقد نقل لنا العلامة ابن منظور2 ما ذكره الجوهري مضيفاً إليه قائلاً:"الزنديق :القائل ببقاء الدهر ،
        وفى التهذيب3 . :الزنديق معروف وزندقته :أنه لا يؤمن بالآخرة ووحدانية الخالق,..وليس زنديق ولا فرزين من كلام العرب., وإنما تقول العرب :رجل زندق وزندقي إذا كان شديد البخل ،فإذا أرادت العرب معنى ما تقوله العامة قالوا :دُهري " .
        وفى القاموس المحيط 4نجد أن:" الزنديق بالكسر من الثنوية أو القائل بالنور والظلمة،أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية ،أومن يبطن الكفر ويظهر الإيمان ،أو هو معرب من زَن دَين أي دين المرأة " .
        وما ذهب إليه صاحب القاموس المحيط من تعريب الزندقة من زن دين يؤيده صاحب معجم البستان فيقول:"زنديق معرب من زَن دَين:أي دين المرأة "5 .
        ويضيف صاحب المصباح العربي قائلاً:المشهور على ألسنة الناس أن "الزنديق هو الذى لا يتمسك بشريعة ، ويقول بدوام الدهر " 6.
        ويضيف صاحب المنجد أن الزنديق هو:"الخبيث الداهية،ومن لا يراعي حرمة ولا يحفظ مودة"7 .
        أي أن لفظة الزندقة تطلق على:القائل بالنور والظلمة ,وببقاء الدهر , وعلى الذى لا يؤمن بالوحدانية وبالآخرة ,وعلى من يظهر الإيمان ويبطن الكفر ,وعلى المتهتك الخبيث الداهية الذى لا يراعي حرمة ولا مودة ولا يلتزم بشريعة.
وما أوجز وأشمل ما ذكره التهاونوي من أن"الزنديق كافر مع اعترافه بنبوة محمد-صل الله عليه وسلم–لأن فى معتقداته كفر بالاتفاق"8 .
        أي أن كل من فى معتقداته كفر لإنكاره معلوما من الدين بالضرورة فهو زنديق كافر رغم اعترافه بنبوة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم وإظهاره شعائر الإسلام.
        وهذا هو المعيار الذى يحاكم عليه التوحيدي , فإن وجد فى مؤلفاته ما يدل على عدم إيمانه واعتقاده بشيء مما هو معلوم من الدين بالضرورة , أو ما يدل على استهانته بالمقدسات الإسلامية مثل : استخفافه بالذات الإلهية , أو القرآن الكريم ...إلخ . ولم يرد عنه رجوع عن ذلك حينئذ يحكم عليه بالزندقة .
=================================
1- - الصحاح 2/1132
2- معجم تهذيب اللغة 2/1562
3 لسان العرب المجلد الثاني من د – س 2/1871, المطلع على أبواب المقنع محمد بن أبي الفتح البعلى 645-709هـ تحقيق محمد بشير دار النشر المكتب الإسلامي بيروت 1401هـ-1981م 1/378.
4- - القاموس المحيط تأليف مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ط3 مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر 1371هـ - 1952م 3/250, 251
5- -البستان معجم لغوي للشيخ عبد الله البستان اللبناني ط الأمريكانية بيروت م1927ص1017
6- - المصباح العربي أحمد بن محمد بن على الفيومي المقرئ مكتبة لبنان ط فى لبنان 1987م ص98
7- المنجد فى اللغة والأدب والعلوم لويس معلوف ط الكاثوليكية بيروت ط15 1956م ص308
8- - كشاف اصطلاحات الفنون محمدين علي بن محمد التهانوي الحنفى المتوفى بعد عام 1185هـ وضع الحواشي احمد حسن دار الكتب العلمية بيروت منشورات محمد على بيضون مج2ص302.
وانظر سلسلة موسوعات المصطلحات العربية والإسلامية (موسوعة كشاف التهانوي تقديم د/رفيق العجم ,تحقيق د/على دحر وج نقل النص الفارسي للعربية ترجمة/عبد الله الخالدي,والترجمة الأجنبية د/جورج زبياني مكتبة لبنان ناشرون 1/913
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:41 pm

الشرك

        والشرك نوعان : ـ

        1ـ شرك أكبر : يخرج صاحبه من الإسلام . ويبيح دمه وماله ، ويخلده في النار . كمن اعتقد بوجود إله للنور ، وإله للظلمة .

        2ـ شرك أصغر : لا يخرج من الملة ، ولا يحبط من الأعمال إلا العمل الذي خالطه فقط ، ولا يبيح دم صاحبه، ولا ماله ، ولا يخلده في النار ، وهو قسمان :

        ( أ ) شرك ظاهر : ويكون في الكلام . كالحلف بغير الله تعظيما له ، وفي الأعمال كتعليق التميمة خشية الحسد.

        ( ب) شرك خفي : ويكون في النية . وهو الرياء . كمن يعمل البر والخير ، ويريد أن يمدحه الناس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعظيم بين العبادة والأدب
        يخطئ كثير من الناس في فهم حقيقة التعظيم وحقيقة العبادة ، فيخلطون بينهما خلطاً بيناً ويعتبرون أن أي نوع من أنواع التعظيم هو عبادة للمعظم فالقيام وتقبيل اليد وتعظيم النبي  بسيدنا ومولانا ، والوقوف أمامه في الزيارة بأدب ووقار وخضوع ، كل ذلك غلو عندهم يؤدي إلى العبادة لغير الله تعالى ، وهذا في الحقيقة جهل وتعنت لا يرضاه الله ولا رسوله وتكلف تأباه روح الشريعة الإسلامية .
        فهذا آدم أول الجنس الإنساني ، وأول عباد الله الصالحين من هذا الجنس أمر الله تعالى الملائكة بالسجود له إكراماً وتعظيماً لما آتاه من علمه وإعلاماً لهم باصطفائه من بين سائر مخلوقاته ، قال تعالى :{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ }الإسراء61- 62 . وفي آية أخرى قال :{ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}ص:76 .. وفي آية أخرى :{ فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ }.ص:73. فالملائكة عليهم السلام عظموا من عظمه الله ، وإبليس تكبر أن يسجد لمن خلق من طين ، فهو أول من قاس الدين برأيه وقال : أنا خير منه ، وعلل ذلك بعلة خلقه من نار وخلق آدم من طين وأنف من تكرمته عليه واستنكف من السجود له ، فهو أول المتكبرين ولم يعظم من عظمه الله ، فطرد من رحمة الله لتكبره على هذا العبد الصالح وهو عين التكبر على الله لأن السجود إنما هو لله إذ هو بأمره ، وإنما جعل السجود له تشريفاً وتكريماً له عليهم وكان من الموحدين فلم ينفعه توحيده.
        ومما جاء في تعظيم الصالحين قال الله تعالى في حق يوسف عليه السلام :{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً}يوسف:100 تحية وتكريماً وتشريفاً وتعظيماً له عليهم، والسجود من إخوته له إلى الأرض يدل عليه قوله تعالى : وخروا . ولعله كان جائزاً في شرعهم ، أو كسجود الملائكة لآدم عليه السلام تشريفاً وتعظيماً وامتثالاً لأمر الله تأويلاً لرؤيا يوسف إذ رؤيا الأنبياء وحي .
        أما نبينا محمد  فقد قال الله تعالى في حقه :{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }الفتح 8- 9، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ }الحجرات :1،وقال :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ  الآيات الثلاث من سورة الحجرات . وقال تعالى :{ لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً}النور:63 ، ونهى عن التقدم بين يديه بالقول وسوء الأدب بسبقه بالكلام ، قال سهل بن عبد الله : لا تقولوا قبل أن يقول ، أي لا تتكلموا قبله ، وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا ، ونهوا عن التقدم والتعجل بقضاء أمر قبل قضائه فيه ، وأن يفتوا بشيء في ذلك من قتال أو غيره من أمر دينهم إلا بأمره ، ولا يسبقوه به ، ثم وعظهم وحذرهم من مخالفة ذلك فقال :{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، قال السلمي : اتقوا الله في إهمال حقه وتضييع حرمته ، إنه سميع لقولكم ، عليم بفعلكم ، ثم نهاهم عن رفع الصوت فوق صوته والجهر له بالقول كما يجهر بعضهم لبعض ويرفع صوته ،وقيل: كما ينادي بعضهم بعضاً باسمه ، قال أبو محمد مكي : أي لا تسابقوه بالكلام وتغلظوا له بالخطاب ولا تنادوه باسمه نداء بعضكم لبعض ولكن عظموه ووقروه ونادوه بأشرف ما يحب أن ينادى به يا رسول الله ، يا نبي الله ، وهذا كقوله في الآية الأخرى :{ لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً} ، وقال غيره : لا تخاطبوه إلا مستفهمين ،ثم خوفهم الله تعالى بحبوط أعمالهم إن هم فعلوا ذلك وحذرهم منه .. والآية نزلت في جماعة أتوا النبي  فنادوه يا محمد أخرج إلينا ، فذمهم الله تعالى بالجهل ووصفهم بأن أكثرهم لا يعقلون .
يقول عمرو بن العاص رضي الله عنه ، وما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله  ولا أجل في عيني منه ، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه . رواه مسلم في الصحيح ، كتاب الإيمان ، (باب كون الإسلام يهدم ما قبله) .
وروى الترمذي عن أنس أن رسول الله  كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس ، فيهم أبو بكر وعمر ، فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما ، ويبتسمان إليه ويبتسم لهما .
        وروى أسامة بن شريك قال : أتيت النبي  وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطير ، وفي صفته إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ، وقال عروة بن مسعود حين وجهته قريش عام القضية إلى رسول الله  ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه وكانوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقاً ، ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ، ولا تسقط منه شعره إلا ابتدروها وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ، فلما رجع إلى قريش قال : يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه ، وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه ، وفي رواية : إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم محمداً أصحابه ، وقد رأيت قوماً لا يسلمونه أبداً.
        وأخرج الطبراني وابن حبان في صحيحه عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قالSad(كنا جلوساً عند النبي  كأنما على رؤوسنا الطير ، ما يتكلم منا متكلم ، إذ جاءه أناس فقالوا : من أحب عباد الله إلى الله تعالى ؟ قال : أحسنهم خلقاً)) .. كذا في الترغيب (ج4 ص187) ، وقال : رواه الطبراني برجال محتج بهم في الصحيح .
وأخرج أبو يعلى وصححه عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : ((لقد كنت أريد أن أسأل رسول الله  عن الأمر ، فأؤخره سنتين من هيبته)) .. وأخرج البيهقي عن الزهري قال : ((حدثني من لا أتهم من الأنصار أن رسول الله  كان إذا توضأ أو تنخم ابتدروا نخامته فمسحوا بها وجوههم وجلودهم،فقال رسول الله  : لم تفعلون هذا ؟ قالوا : نلتمس به البركة ، فقال رسول الله  : من أحب أن يحبه الله ورسوله فليصدق الحديث وليؤد الأمانة ولا يؤذ جاره)) .. كذا في الكنز (ج8 ص228).
        والحاصل أن هنا أمرين عظيمين لابد من ملاحظتهما ، أحدهما : وجوب تعظيم النبي  ورفع رتبته عن سائر الخلق ، والثاني إفراد الربوبية واعتقاد أن الله تبارك وتعالى منفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن جميع خلقه ، فمن اعتقد في مخلوق مشاركة الباري سبحانه وتعالى في شيء من ذلك فقد أشرك – كالمشركين الذين كانوا يعتقدون الألوهية للأصنام واستحقاقها العبادة ، ومن قصر بالرسول  عن شيء من مرتبته فقد عصى أو كفر .
        وأما من بالغ في تعظيمه  بأنواع التعظيم ، ولم يصفه بشيء من صفات الباري عز وجل فقد أصاب الحق وحافظ على جناب الربوبية والرسالة جميعاً ، وذلك هو القول الذي لا إفراط فيه ولا تفريط .
وإذا وجد في كلام المؤمنين إسناد شيء لغير الله تعالى يجب حمله على المجاز العقلي ، ولا سبيل إلى تكفيرهم ، إذ المجاز العقلي مستعمل في الكتاب والسنة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الواسطة الشركية
        يخطئ كثير من الناس في فهم حقيقة الواسطة فيطلقون الحكم هكذا جزافاً بأن الواسطة شرك ، وأن من اتخذ واسطة بأي كيفية كانت فقد أشرك بالله ، وأن شأنه في هذا شأن المشركين القائلين :{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}الزمر :3 ، وهذا كلام مردود ، والاستدلال بالآية في غير محله ، وذلك لأن هذه الآية الكريمة صريحة في الإنكار على المشركين عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهة من دونه تعالى وإشراكهم إياها في دعوى الربوبية على أن عبادتهم لها تقربهم إلى الله زلفى ، فكفرهم وإشراكهم من حيث عبادتهم لها ومن حيث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله .
        وهنا مهمة لابد من بيانها وهي أن هذه الآية تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكي ربنا عنهم من قولهم مسوغين عبادة الأصنام : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، فإنهم لو كانوا صادقين في ذلك لكان الله أجل عندهم من تلك الأصنام ، فلم يعبدوا غيره ، وقد نهى الله المسلمين من سب أصنامهم بقوله تعالى :{ وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} الأنعام:108 .
        روى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه أنه قال : (( كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فيسب الكفار الله عز وجل ، فأنزل الله :{  وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } ، هذا سبب نزول هذه الآية .
        فهي إذن تنهى المؤمنين نهي تحريم شديد أن يقولوا كلمة نقص في الحجارة التي كان يعبدها الوثنيون بمكة المشرفة ، لأن قول تلك الكلمة يتسبب عنه غضب أولئك الوثنيين غيرة على تلك الأحجار التي كانوا يعتقدون من صميم قلوبهم أنها آلهة تنفع وتضر ، وإذا غضبوا قابلوا المسلمين بالمثل فيسبون ربهم الذي يعبدونه ، وهو رب العالمين ، ويرمونه بالنقائص وهو المنزه عن كل نقص ، ولو كانوا صادقين بأن عبادتهم لأصنامهم تقربهم إلى الله زلفى ما اجترؤا أن يسبوه انتقاماً ممن يسبون آلهتهم فإن ذلك واضح جداً في أن الله تعالى في نفوسهم أقل من تلك الحجارة .
        وقل ذلك أيضاً في قوله تعالى :{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}لقمان:25 ، فإنهم لو كانوا يعتقدون حقاً أن الله تعالى الخالق وحده وأن أصنامهم لا تخلق ، لكانت عبادتهم لله وحده دونها أو لكان على الأقل احترامهم له تعالى فوق احترامهم لتلك الحجارة ، وهل هذا يتفق مع شتمهم له عز وجل غيرة على حجارتهم وانتقاماً لها منه سبحانه وتعالى ؟ إن البداهة تحكم أنه لا يتفق أبداً ، وليست الآية التي معنا وحدها تدل على أن الله تعالى أقل عند أولئك المشركين من حجارتهم بل لها أمثال ! منها قوله تعالى:{ وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ }الأنعام:136، فلولا أن الله تعالى أقل في نفوسهم من تلك الحجارة ما رجحوها عليه هذا الترجيح الذي تحكيه هذه الآية واستحقوا عليه حكم الله عليهم بقوله :{ سَاء مَا يَحْكُمُونَ }.
        ومن هذا القبيل قول أبي سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه : ((أعْلُ هُبل)) كما رواه البخاري ينادي صنمهم المسمى بهُبل أن يعلو في تلك الشدة رب السماوات والأرض ويقهره ليغلب هو وجيشه جيش المؤمنين الذي يريد أن يغلب آلهتهم ، هذا مقدار ما كان عليه أولئك المشركون مع تلك الأوثان ومع الله رب العالمين .
فليعرف هذا حق المعرفة فإن كثيراً من الناس لا يفهمونه ويبنون عليه ما يبنون .ألا ترى أن الله لما أمر المسلمين باستقبال الكعبة في صلاتهم توجهوا بعبادتهم إليها واتخذوها قبلة ؟ وليست العبادة لها وتقبيل الحجر الأسود إنما هو عبودية لله تعالى ، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، ولو أن أحداً من المسلمين نوى العبادة لهما لكان مشركاً كعبدة الأوثان .فالواسطـة لابد منها وهي ليسـت شركاً وليس كل من اتخذ بينـه وبين الله واسطة يعتبر مشركاً وإلا لكان البشر كلهم مشركين بالله لأن أمورهم جميعاً تنبني على الواسطة ، فالنبي  تلقى القرآن بواسطة جبريل ، فجبريل واسطة للنبي صلى الله عليه وسلم  وهو  صلى الله عليه وسلم الواسطة العظمى للصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فقد كانوا يفزعون إليه في الشدائد فيشكون إليه حالهم ويتوسلون به إلى الله ويطلبون منه الدعاء فما كان يقول لهم أشركتم وكفرتم فإنه لا يجوز الشكوى إليَّ ولا الطلب مني بل عليكم أن تذهبوا وتدعوا وتسألوا بأنفسكم فإن الله أقرب إليكم مني ، لا بل يقف ويسأل مع أنهم يعلمون كل العلم أن المعطي حقيقة هو الله وأن المانع والباسط والرازق هو الله ، وأنه  صلى الله عليه وسلم يعطي بإذن الله وفضله ، وهو الذي يقول : ((إنما أنا قاسم والله معط)) ، وبذلك يظهر أنه يجوز وصف أي بشر عادي بأنه فرج الكربة وقضى الحاجة أي كان واسطة فيها فكيف بالسيد الكريم والنبي العظيم أشرف الكونين وسيد الثقلين وأفضل خلق الله على الإطلاق ؟ ألم يقل النبي  صل الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح Sad(من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا)) الخ ؟فالمؤمن مفرج الكربات .
ألم يقل صل الله عليه وسلم Sad(من قضى لأخيه حاجة كنت واقفاً عند ميزانه فإن رجح وإلا شفعت له))؟
فالمؤمن قاض للحاجات .
ألم يقل في الصحيح Sad(من ستر مسلماً)) .. الحديث ؟
ألم يقل النبي صل الله عليه وسلم Sad(أن لله عز وجل خلقاً يفزع إليهم في الحوائج)) ؟.ألم يقل في الصحيح Sad(والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه)) ؟. ألم يقل في الحديث Sad(من أغاث ملهوفاً كتب الله له ثلاثاً وتسعين حسنة)) ؟ رواه أبو يعلى والبزار والبيهقي .
        فالمؤمن هنا فرج وأعان وأغاث وقضى وستر وفزع إليه مع أن المفرج والقاضي والستار والمعين حقيقة هو الله عز وجل ، لكنه لما كان واسطة في ذلك صح نسبة الفعل إليه .
        وقد جاء في الأحاديث النبوية عن رسول الله صل الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة تفيد أن الله سبحانه وتعالى يدفع العذاب عن أهل الأرض بالمستغفرين وعمار المساجد وأن الله سبحانه وتعالى يرزق بهم أهل الأرض وينصرهم ويصرف عنهم البلاء والغرق .
روى الطبراني في الكبير والبيهقي في السنن عن مانع الديلمي رضي الله تعالى عنه أنه قال : قال النبي صل الله عليه وسلم Sad(لولا عباد لله ركع وصبية رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صباً ثم رضّ رضا)) ..
        وروى البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبيصلى الله عليه وسلم  قال: ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم)) ..وروى الترمذي وصححه والحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال Sad(لعلك ترزق به)) ..وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله  قال :
((إن لله عز وجل خلقاً خلقهم لحوائج الناس يفزع إليهم الناس في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله تعالى)) ..رواه الطبراني في الكبير وأبو نعيم والقضاعي وهو حسن .وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم Sad(إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ولا يزالون في حفظ الله عز وجل ما دام فيهم)) .
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله  صل الله عليه وسلمSad(إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه بلاء)) ..ثم قرأ ابن عمر :{ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ }[ البقرة:251]رواه الطبراني . وعن ثوبان رفع الحديث قال Sad(لا يزال فيكم سبعة بهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون حتى يأتي أمر الله)) ..
وعن عبادة بن الصامت قال : قال صل الله عليه وسلم  Sad(الأبدال في أمتي ثلاثون ، بهم ترزقون وبهم تمطرون وبهم تنصرون)) . قال قتادة : إني لأرجو أن يكون الحسن منهم .. رواه الطبراني .ذكر هذه الأحاديث الأربعة الحافظ ابن كثير في التفسير عند قوله تعالى :{ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ } – في سورة البقرة – وهي صالحة للاحتجاج ، ومن مجموعها يصير الخبر صحيحاً .
        وعن أنس قال : قال رسول الله  Sad(لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن ، فبهم تسقون وبهم تنصرون ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر)) .. رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن . (كذا في مجمع الزوائد ج10/62) .

الواسطة العظمى :        وفي يوم المحشر الأعظم الذي هو يوم التوحيد ويوم الإيمان يوم يبرز العرش ، يظهر فضل الواسطة العظمى صاحب اللواء المعقود والمقام المحمود والحوض المورود الشافع المشفع الذي لا ترد شفاعته ولا تضيع ضمانته عند من وعده بأن لا يخيب ظنه ولا يخزيه أبداً ولا يحزنه ولا يسوؤه في أمته حيث يتوجه الخلق إليه ويستشفعون به فيقوم فلا يرجع إلا بخلعة الإحسان وتاج الكرامة المتمثل في قول الله له : يا محمد إرفع رأسك واشفع تشفع وسل تعط
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موسوعة العقيدة الشاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العقيدة الشاملة   موسوعة العقيدة الشاملة Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 8:42 pm

النفاق والفسق والكبيرة

النفاق
        والنفاق نوعان : ـ

        1ـ نفاق أكبر : وهو إظهار الإسلام وإخفاء الكفر . فهو : اختلاف السر والعلانية في الاعتقاد. وصاحبه في الدرك الأسفل من النار. ولا سبيل لنا لمعرفته والحكم به ، لأنه أمر باطني لا يعلمه إلا الله تعالى .

        2ـ نفاق أصغر : وهو النفاق العملي . وذلك باختلاف السر والعلانية في الأفعال ، ولا يخلد في النار ، ويكون في صاحبه خصال إيمان ، وخصال كفر ونفاق ، كمن إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفسق

      والفسق نوعان :ـ

        1ـ فسق يخرج من الإسلام : وهو الكفر . قال تعالى : { إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84)} [ التوبة ].

        وقال تعالى : { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها } [ السجدة /20].

        2ـ فسق لا يخرج من الإسلام : وهو فعل المعاصي. فالمسلم العاصي فاسق . قال تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } [ الأنعام /121].

        { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق} [ البقرة /197].

        { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون (4)} [النور/4].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكبيرة

      الكبيرة : هي الذنب الذي فيه حد في الدنيا ، أو توعد بالنار أو اللعنة أو الغضب.

        ومثالها الأمور المذكورة في قوله صل الله عليه وسلم : "اجتنبوا السبع الموبقات . قيل : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" (1).

        وقد أوصلها الحافظ الذهبي إلى سبعين كبيرة في كتابه (الكبائر).

        حكم مرتكب الكبيرة عند أهل السنة : ـ

        يرى أهل السنة أن مرتكب الكبيرة مؤمن عاص ، وأنه إن تاب عنها ، تاب الله عليه ، وإن مات بدون توبة ، فأمره مفوض إلى الله : إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه تفضيلا منه .

        أدلة أهل السنة : ـ

        أولا : استدلوا على أن مرتكب الكبيرة مؤمن وليس كافرا بما يلي :

        1ـ قال تعالى : { يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان (178)} [ البقرة ] .

        فقد جعل القاتل من المؤمنين ، وجعله أخا لولي القصاص ، والمراد بالآخرة أخوة الدين بلا شك .

        2ـ وقال سبحانه : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين(9) إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون(10)} [ الحجرات /9ـ10] فجعل الذين اقتتلوا من المؤمنين.

        3ـ وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شئ ، فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم . إن كان له عمل صالح ، أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات ، أخذ من سيئات صاحبه ، فحمل عليه " (2).

        4ـ لو كان مرتكب الكبيرة كافرا ، لكان مرتدا يجب قتله بعد استتابته، لكن القرآن والسنة يدلان على أنه تقام عليه الحدود الشرعية. وقد صلى النبي صل الله عليه وسلم صلاة الجنازة على من زنى بعد رجمه فدل على أنه ليس مرتدا ، ولا كافرا بل هو مؤمن .

        ثانيا : استدل أهل السنة على جواز العفو عن مرتكب الكبيرة بما يلي : ـ

        1ـ قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء /48].

        فعلق غفران ما دون الشرك بالمشيئة ، وغفران الصغائر موعود به ، وكذلك الكبائر بعد التوبة ، فالذي يدخل في المشيئة هو الكبائر بدون توبة.

        2ـ قال تعالى : { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات } [ الشورى /25] .

        3ـ وقال سبحانه : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم (6)} [الرعد /6].

        4ـ وجاءت الأحاديث النبوية مؤكدة هذا الحكم . من ذلك :

        * عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : وحوله عصابة من أصحابه : " تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا ، فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله ، فأمره إلى الله : إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه " قال : فبايعناه على ذلك (3).

        * وعن أبي ذر عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال : "أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا ، دخل الجنة . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق (4).

        * وعن أنس بن مالك عن النبي صل الله عليه وسلم قال : "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " (5).

        * وسأل رجل ابن عمر : كيف سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ قال : " يدنوا أحدكم من ربه ، حتى يضع كنفه عليه فيقول : أعملت كذا وكذا ؟ فيقول : نعم . ويقول : عملت كذا وكذا ؟ فيقول : نعم . فيقرره . ثم يقول : إني سترت عليك في الدنيا . وأنا أغفرها لك اليوم " (6).

        مذهب الخوارج في مرتكب الكبيرة : ـ

        يرى معظم فرق الخوارج أن مرتكب الكبيرة كافر، وأنه في الآخرة خالد مخلد في النار.

        وكفرت فرقة ( الأزارقة ) ـ إحدى فرق الخوارج ـ كل من لم يهاجر إليهم، وينضم لمبادئهم . وهذا هو : ( التكفير والهجرة ) .

        أدلة الخوارج والرد عليها : ـ

        أولا : استدلوا على أنه كافر بما يلي :

        1ـ قال تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون(44) } [ المائدة ].

        أجاب أهل السنة : ـ

        بأن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا أكبر : يخرج عن ملة الإسلام : وقد يكون كفرا أصغر ، لا يخرج عن الإسلام

        وذلك بحسب حال الحاكم بغير ما أنزل الله : لأنه إن كان منكرا له مستهينا به بعد ما عرفه وعلمه ، فهو كافر كفرا حقيقيا ..

        وإن كان مقرا به معتقدا صحته ، لكنه عدل عنه مع اعترافه بتقصيره واستحقاقه عقاب الله ، فهو مسلم عاص ، ويسمى كافرا كفرا أصغر ، أو كفرا مجازيا.

        قال ابن عباس في هذه الآية والآيتين بعدها : " كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق ".

        وقال أحمد بن حنبل : " كفر لا ينقل عن الملة " .

        وقد أشار الإمام البخاري إلى أن الكفر أنواع فقال : ( باب كفران العشير وكفر دون كفر).

        2ـ قال تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين (97)} [ آل عمران ] فتارك الحج كافر خارج عن الإسلام.

        أجاب أهل السنة : ـ

        بأن من ترك الحج جاحدا وجوبه مستهزئا به . فهو كافر حقيقة ، أما من تركه كسلا أو بخلا أو نحو ذلك ، فهو كافر كفرا عمليا مجازيا.

        3ـ استدلوا بالأحاديث النبوية التي يوهم ظاهرها كفر مرتكب الكبيرة ومن هذه الأحاديث :

        • قال صل الله عليه وسلم : " إذا كفر الرجل أخاه. فقد باء بها أحدهما " (7).

        • قال صل الله عليه وسلم : " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"(Cool.

        • قال صل الله عليه وسلم : " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " (9).

        • قال صل الله عليه وسلم : " اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت " (10).

        • قال صل الله عليه وسلم : " إن بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة " (11).

        • قال صل الله عليه وسلم : " من حلف بغير الله ، فقد كفر أو أشرك " (12).

        • قال صل الله عليه وسلم : " من أتى حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا ، فقد كفر بما أنزل على محمد " (13).

        أجاب أهل السنة : ـ

        بأن المقصود بالكفر في هذه الأحاديث النبوية وأشباهها الكفر الحقيقي إذا كان فاعل هذه الذنوب مستحلا لها .

        أما إذا كان غير مستحل لها . فالمقصود بالكفر الكفر المجازي ، وهو كفر النعمة والإحسان ، وليس كفر الجحود الذي يخرج صاحبه من الإسلام ، ولما كانت هذه الأفعال كفعل الكفار والمشركين سماها النبي صل الله عليه وسلم كفرا وشركا ، فيكون التعبير عنها بالكفر والشرك من باب المبالغة في التنفير عنها.

        ثانيا : استدل الخوارج على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار بما يلي : ـ

        الدليل الأول : قال تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (93) [النساء].

        أجاب أهل السنة : ـ

        بأن المراد من قتل مؤمنا لإيمانه ، أو لأنه مستحل لقتله ، أو أن المراد بالخلود : المكث الطويل كما هو معناه في اللغة .

        الدليل الثاني : قال تعالى : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا (23) } [ الجن ] .

        أجاب أهل السنة : ـ

        بأن المراد : ومن يعص الله ورسوله في التوحيد ؛ لأن الآيات في الحديث عن التوحيد ، وليست في مرتكب الكبيرة . ولفظ المعصية إذا أطلق دخل فيه الكفر. قال تعالى : { وتلك عاد جحدوا بءايات ربهم وعصوا رسله } [ هود/59] وقال تعالى : { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا (15) فعصى فرعون الرسول } [المزمل 15ـ16] فهي معصية تكذيب ، فصاحبها يستحق الخلود المؤبد في النار.

        الدليل الثالث : قال صل الله عليه وسلم : " من تردى من جبل فقتل نفسه ، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا فيها أبدا ، ومن تحسى سما فقتل نفسه ، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " (14).

       أجاب أهل السنة : ـ

        بأن العقاب المذكور لمن استحل فعل الأمور المذكورة في الحديث ؛ لأنه باستحلاله لها يصير كافرا ، والكافر مخلد في النار بلا ريب .

        أما من انتحر ، وهو يعلم أنه حرام ، وكبيرة من الكبائر ، لكنه يطمع في مغفرة الله ، فهو مسلم عاص أمره مفوض إلى الله : إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه ، ويكون الحديث للترهيب والتنفير عن هذه الجريمة . والعياذ بالله . وقيل : إن العقاب المذكور هو جزاؤه إن لم يتجاوز الله عنه ، ويعفو عنه.

المعاصى كبائر وصغائر
قال تعالى : * { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [ النساء /31]

        • { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللم } [ النجم/32]

        • { وكل صغير وكبير مستطر} [ الفمر /52]

        وعن عبد الله قال : سألت رسول الله صل الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم عند اله ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك . قال قلت له: إن ذلك لعظيم . قال قلت : ثم أي ؟ قال : ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك . قال قلت ثم أي ؟ قال : ثم أن تزاني حليلة جارك

        وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صل الله عليه وسلم قال "الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس"


مكفرات الذنوب
إذا كان من طبيعة النفس البشرية أن ترتكب بعض المعاصي ؛ لأن الإنسان ليس عقلا فقط ، وإنما هو عقل ومادة ، وغرائز وشهوات، وروح وجسد ، و " كل بني آدم خطاء" فإن الله شرع وسائل متعددة لتكفير الذنوب ، ومحو الخطايا حتى لا يظل الذنب شبحا يهدد الإنسان ، فيشل حركته ، ويميت نشاطه ، من هذه الوسائل:

        1ـ الاستغفار : وهو طلب المغفرة من الله تعالى . قال عز وجل :

        { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما(110) } [ النساء 110]

        وقال : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (135) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين(136)}[ آل عمران / 135ـ 136].

        2ـ التوبة : وهي الندم على فعل الذنب ، والحزن على ارتكابه ، والعزم على ترك معاودته ، ورد الحقوق إلى أهلها إن أمكن ذلك .

        قال تعالى : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} [المائدة /39].

        وقال :{ وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحا ثم اهتدى(82)} [ طه ] .

        والاستغفار والتوبة إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا.

        فإذا اجتمعا ، كان المقصود بالاستغفار طلب مغفرة ما مضى من الذنوب ، والمقصود بالتوبة طلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من المعاصي. كما في قوله تعالى : { واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود(90) } [ هود ] .

        أما إذا ورد أحد اللفظين دون الآخر . فإنه يشمل كل منهما معنى الآخر . كما سبق .

        3ـ فعل الحسنات : قال تعالى : { إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود /114] .

        وقال صل الله عليه وسلم : " وأتبع السيئة الحسنة تمحها"

        4ـ مصائب الدنيا : إذا تلقاها المسلم بالصبر الجميل. قال صل الله عليه وسلم : " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن . حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته "

        وقال صل الله عليه وسلم : " وما يزال البلاء بالعبد ، حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة "

===================

        المراجع والهوامش :

1ـ رواه مسلم في كتاب الإيمان 1/92
2ـ روه البخاري في المظالم ـ الفتح 5/101( من كانت له مظلمة ) أي عليه فاللام بمعنى علي
3ـ رواه البخاري في مناقب الأنصار ـ الفتح 7/219 ومسلم في الحدود 3/1333
4ـ رواه مسلم في الإيمان 1/94
5ـ رواه أبو داود في كتاب السنة 5/106
6ـ رواه البخاري في التوحيد ـ الفتح 13/483
7ـ رواه مسلم في الإيمان 1/79 ( باء ) أي رجع بكلمة الكفر
8ـ رواه مسلم في الإيمان 1/81
9ـ المرجع السابق 1/82
10ـ المرجع السابق 1/82
11ـ المرجع السابق 1/88
12ـ رواه الترمذي في النذور 4/110
13ـ رواه أبو داود في الطب 4/225 والترمذي في الطهارة 1/342
14ـ رواه البخاري في الطب ـ الفتح 10/247 ومسلم في الإيمان 1/103 ( تحسى سما ) أي شربه ( يجأ ) أي يطعن ، والسم بضم السين ، وفتحها ، وكسرها ، أفصحهن الكسر .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
موسوعة العقيدة الشاملة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موسوعة الفقه الشاملة
» العقيدة الخليجية مقابل "الأوبامية"
» العقيدة وأثرها في السلوك الأخلاقي والاجتماعي
» العقيدة القتالية "الأمنية" الإسرائيلية وتحطيمها من قبل المقاومة
» كتاب " موسوعة مليون معلومة " موسوعة ثقافية شاملة بحجم 6mb فقط

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة العلوم والمعارف :: الموسوعة الإسلامية الشاملة :: موسوعة العقيدة الشاملة-
انتقل الى: