منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 فتنة المال

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69433
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

فتنة المال Empty
مُساهمةموضوع: فتنة المال   فتنة المال Emptyالأربعاء 12 ديسمبر 2018, 2:30 am

من مظاهر الضعف المالي



للأسف وكما يرى الخبير النفسي الدكتور أكرم زيدان في كتابه (سيكولوجية المال)، فإن سيكولوجية بعض الأفراد تقوم على النظر إلى الاستدانة بوصفها سلوكًا عاديًّا إيجابيًّا، لا يشعُرون من خلاله بالخَجَل أو القَلَق؛ فيقومون بالاستدانة في كل وقتٍ وحينٍ، سواء تعرَّضوا لضغوط مالية، أو لم يتعرَّضوا، غير مُبالين بمتى وكيف يستطيعون سَدادَ الدَّيْن ورَدَّ حقوق الدائنين، حتى إنهم يتعجَّبُون عند مطالبة الآخرين لهم بسَدادِ الدَّيْن.
 
وقد يُبالغ الفرد في سلوك الدَّيْن بسبب الشعور بالإحباط المادي الذي لا يقوى على تحمُّلِه أو مواجهة آثاره النفسية والاقتصادية والاجتماعية، وعدم قدرته على إدارة الضغوط المالية التي يتعرَّض لها؛ ممَّا يدفعه إلى الدَّيْن الذي يرى أنه يُحقِّق له وظيفتين أساسيتَينِ: القضاء على الشعور بالحرمان؛ إذ يُلبِّي للفرد بعض حاجاته المادية، والمساعدة على الابتعاد عن المصدر الأساس للإحباط من خلال التفكير في كيفية سَدادِ الدَّيْن.
 
إن الفرد عادة ما يقع ضحيةً للديون عندما يكون مدفوعًا بصورة مبالغ فيها إلى شراء الأشياء وتملُّك كل شيء، سواء كانت هذه الأشياء ضروريةً أو غير ضروريةٍ، يحتاج إليها أو لا يحتاج، تُناسب إمكاناته المادية أو تعوق هذه الإمكانات، فهم أفراد مهووسون بالشراء، ويعانون جنون التسوُّق، كلما اشتهى الفرد منهم شيئًا، اشتراه بماله أو مال غيره، المهم أن يشتريه، وبطبيعة الحال يدفع هذا الهوس الفرد إلى استدانة كثيرٍ من المال.
 
والمهووسون بالشراء إذ يشترون اليوم أشياءَ لا يحتاجون إليها، سوف يُضطرون غدًا - تحت وطأة الديون - إلى بيع أشياء قد يكونون في أشدِّ الحاجة إليها.
 
إلى جانب ما سبق، فأحيانًا ما يستدين الفرد من أجل المسايرة الاجتماعية مع الأصدقاء والأقران المحيطين به، خاصة إذا كان الفرد من طبقة اجتماعية واقتصادية أقل من الطبقة التي ينتمي إليها أصدقاؤه وأقرانه، فسلوك الدَّيْن يُحقِّق للفرد مطلبَينِ أساسيين: القضاء على الشعور بالنقص والدونيَّة، والحفاظ على عضوية الفرد في المجتمع؛ لذا فغالبًا ما يكثُر سلوك الدَّيْن بدافع المسايرة الاجتماعية من بداية المراهقة حتى بداية مرحلة الرُّشْد، ويندر أن تجده في مرحلة الرُّشْد كنتيجة للمسايرة الاجتماعية، فهو في هذه المرحلة يكون مدفوعًا بأسباب أخرى بعيدة من المسايرة الاجتماعية، وتتصل مباشرة بأسباب اقتصادية ومالية لمواجهة الأزمات أو تدبير المصروفات اليومية في أوقات الشِّدَّة.
 
ومن هنا قد وجد دافيس ولي في دراسة لهما بعنوان: (اتجاهات الطلاب نحو الديون) - أن الديون تكثُر في الطبقات الفقيرة ذات الدخل المنخفض، وأوضحت الدراسة أيضًا أن سلوك الدين يرتبط بالعُمْر، وأن اتجاهات الفرد نحو هذا السلوك تتغيَّر وَفْق المرحلة العمرية التي يمرُّ بها، ففي مرحلة الطفولة ينعدم سلوك الدين تمامًا، حتى إن كثيرًا من الأطفال لا يدركون معنى كلمة دين؛ لكن مع بداية مرحلة المراهقة يدرك الفرد معنى الديون، وقد يتعامل بها ويمرُّ بخبرتها.
 
ويشير الباحثان إلى أن سلوك الديون يزداد في المرحلة الجامعية، وأننا إذا أردنا أن نفهم ديناميات سلوك الدَّيْن، فيجب أن نطبِّقَه وَفْق نظرية دورة الحياة والنظرية السلوكية، وذلك فيما يتصل بتغيير الاتجاهات.
 
ويرى لونت وليفينغستون في دراسة لهما بعنوان: (التفسيرات اليومية للديون الشخصية) - أن وسائل الإعلام تمارس نوعًا من الضغط الإعلاني على سلوك المستهلكين، فتدفعهم إلى المزيد من الشراء، فيضطرون تحت ضغط الحاجة والإغراء إلى الاستدانة لتلبية حاجاتهم.
 
باختصار: الدَّيْن هو مظهرٌ من مظاهر الضَّعف المالي والاستسلام لضغط الحاجة، وهو سلوك كثيرًا ما يُؤدي بصاحبه إلى العنت والإرهاق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69433
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

فتنة المال Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتنة المال   فتنة المال Emptyالأربعاء 12 ديسمبر 2018, 2:32 am

فتنة المال

إن من نعم الله العظيمة على عباده نعمة المال، قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، وقال تعالى ممتنَّاً على نبيِّه بهذه النعمة: ﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾ [الضحى: 8]، وقال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14].
 

قال عمر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري: «اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا، اللَّهم إني أسألك أن أنفقه في حقه»[1].
 

والمال إما أن يستخدم في الخير أو الشر، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 15]، وهو من الفتن العظيمة التي يُبتلى بها المؤمن، والقليل من الناس من يصبر عليها، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وإن فتنة أمتي الْمالُ»[2]، وقال الإمام أحمد بن حنبل: «ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر».
 

والعبد يُسأل عن ماله يوم القيامة ماذا عمل فيه؟. روى الترمذي في سننه من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه» [3].
 

و روى البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجَد محبوسون» [4].
 

وقد جُبلت النفوس على حب المال، قال تعالى: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر]، روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب» [5].
 

وروى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان: حب المال وطول العمر»[6].
 

وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم أمتَّه من فتنة المال، فروى البخاري ومسلم من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال لأصحابه: «فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم»[7].
 

والذي يتأمل في أحوال الناس في هذه الأيام، وانكبابهم على كسب هذا المال بأي وسيلة كانت سواء كان في مساهمات مشبوهة، أو معاملات فيها مخالفات شرعية كالربا، والغش، وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها، ليتذكَّر قول النبي صل الله عليه وسلم كما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال: أمن حلال أم من حرام؟»[8].
 

وقد أرشد صل الله عليه وسلم أمته إلى القناعة وعيشة الكفاف.
 

روى مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً وقنَّعه الله بما آتاه»[9].
 

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس»[10] والعرض هو متاع الدنيا، ومعنى الحديث الغنى المحمود هو غنى النفس وشبعها، وقلة حرصها، لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة؛ لأن من كان طالباً للزيادة لم يستغن بما عنده فليس له غنى.
 

قال الشاعر:
النفس تجزع أن تكون فقيرة فتنة المال Space
والفقر خير من غنى يطغيها فتنة المال Space
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فتنة المال Space
فجميع ما في الأرض لا يكفيها فتنة المال Space

 

وقد ذم الله ورسوله عبد المال الذي إذا أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [التوبة: 58].



روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض»[11].



وهذا المال إن لم يستخدمه صاحبه في طاعة الله وينفقه في سبيله، كان وبالاً وحسرة عليه، قال تعالى: ﴿ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 55].
 

[b]وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36].[/b]



روى الإمام أحمد في مسنده من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «اثنتان يكرههما ابن آدم: الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب»[12].



روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وهو خمس مئة عام» [13].



وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن البركة إنما تحل في هذا المال، إذا أخذه صاحبه بطيب نفس من غير شَرَهٍ ولا إلحاح، فروى البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع»[14].



وقد أخبر عز وجل أن المال عرض زائل ومتاع مفارَق، قال تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].



روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله»[15].



[b]وبعض الناس يغلط، ويظن أن من رُزِق مالاً كثيراً، فإنه قد وفق، وهو دليل على محبة الله له! والأمر ليس كذلك، فإن الدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب، وقد ذكر الله هذا عن الإنسان، وأخبر أن الأمـر ليس كما ظن، قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [المؤمنون]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ﴾ [الفجر].[/b]



والحمدُ لله رب العالمين، وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


ــــــــــــــــــ
[1] ص 1236 كتاب الرقاق، باب قول النبي صل الله عليه وسلم: «هذا المال خضرة حلوة».

[2] (29/215) برقم 17471، وقال محققوه : حديث صحيح.
[3] ص 396، 2416، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[4] ص 1030، برقم 5196، وصحيح مسلم ص 1095، برقم 2736.
[5] ص 1236، برقم 6436، وصحيح مسلم ص 402، برقم 1042.
[6] ص 1233، برقم 6421، وصحيح مسلم ص 402، برقم 1047.
[7] ص 762، برقم 4015، وصحيح مسلم ص 1188، برقم 2961.
[8] ص 393، برقم 2083.
[9] ص 404، برقم 1054.
[10] صحيح البخاري ص 1238، برقم 6446، وصحيح مسلم ص 402، برقم 1051.
[11] ص 1235، برقم 6435.
[12] (39/36)، برقم 23625، وقال محققوه: إسناده جيد.
[13] (14/208)، برقم 8521، وقال محققوه: إسناده حسن.
[14] ص 287 برقم 1472، وصحيح مسلم ص 398 برقم 1035.
[15] ص 1248 برقم 651، وصحيح مسلم ص 1188، برقم 2960.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69433
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

فتنة المال Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتنة المال   فتنة المال Emptyالأربعاء 12 ديسمبر 2018, 2:36 am

المال نِعْمة ونقمة



الحمد لله الرزاق ذي القوة المتين، أحمده سبحانه وأشكره فهو المنعِم على خلْقه في الرخاء والشدة وفي اليُسر والعُسر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: ﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات: 57]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الشاكرين لنِعم الله، والقابلين لها، المثنين بها على مُسديها، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه المتمسكين بهديه ذوي الفضل والعرفان.
 
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا ربكم واخشوا يومًا لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئًا، إن وعد الله حق، فلا تغرنَّكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور.
 
عباد الله:
اعلموا أن ما رزقكم الله تعالى من الأموال وانفتاح الدنيا وزينتها ما هو إلا متاع، وعما قليل سيزول أو يزول عنه صاحبه، فالمال نعمة من الله تعالى على خلْقه؛ فإذا استعملوها في طاعته فهي فتْح باب رحْمته وبركته؛ قال تعالى في أهل الكتاب: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [المائدة: 66]، فدلَّ هذا على أن المال بيد المطيع نِعْمة، وخير نافع في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾ [الأعراف: 96]؛ أي: آمنت قلوبهم بما جاء به الرسول وصدَّقت به، واتَّبعوه بفعل الطاعات وترْك المحرمات: ﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]؛ أي: قطر السماء وإنبات الأرض، وقال تعالى: ﴿ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]؛ أي: ولكن كذَّبوا رُسلَهم، فعاقبهم بالهلاك على ما كَسَبوا من المآثم والمحارم، ويقول الله تعالى في قوم نوح: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12]، ويقول الله - عز وجل - في الوليد بن المغيرة الذي نصب العداوةَ لمحمد صل الله عليه وسلم، ولم يشكر الله تعالى على ما رزقه من الأموال والأولاد: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا ﴾ [المدثر: 11 - 13].
 
فالمال يا عباد الله إن استُعمِل في طاعة الله تعالى، فهو نعمة، وإن استُعمِل في معصية الله تعالى، فهو نقمة، وباب سوء وعذاب؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "أي: أَعرَضوا عنه وتَناسَوه وجعلوه وراء ظهورهم، ﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾؛ أي: فتحنا عليهم أبوابَ الرزق من كلِّ ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى، وإملاء لهم؛ عياذًا بالله من مكْره؛ ولهذا قال: ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا ﴾؛ أي: من الأموال والأولاد والأرزاق، ﴿ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾ ؛ أي: على غَفْلة، ﴿ فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾؛أي: آيسون من كل خير، وعن ابن عباس رضي الله عنه: (المُبْلِس: الآيس)، وقال الحسن البصري - رحمه الله -: ومَن وسَّع الله عليه فلم يرَ أنه يَمْكُر به، فلا رأي له، ومَن قتَّر عليه فلم يرَ أنه يَنظُر له، فلا رأي له، ثم قرأ: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾، قال: مكَر بالقوم وربِّ الكعبة، أُعطوا حاجتهم ثم أُخِذوا".
 
وعن عُقْبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيت الله يُعطي العبدَ من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج))، ثم تلا الرسول صلى الله عليه وسلم الآيةَ، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم كان يقول: ((إذا أراد الله بقوم بقاء أو نماء، رزَقهم القصدَ والعفافَ، وإذا أراد الله بقوم اقتطاعًا فتح عليهم بابَ خيانة، ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾)) ا.هـ.
 
وقال تعالى فيمن يأكل من نِعَم الله تعالى ولا يُبالي بطاعته، ولا من أي طريق اكتسب المال، أو في أي طريق أنفقه: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ [محمد: 12]، وقال لهم: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3].
 
عباد الله:
كما أنه يجب أن تُكْسَب الأموال من طريق حلها شرعًا، فيَحرُم أن تُنفَق في غير الطرق المشروعة؛ قال صل الله عليه وسلم: ((إن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة)).
 
ألا وإن من الطرق المشهورة في كسْب الأموال غير المشروعة: ما يفعله كثير من المسلمين من بيع ما لا يَقدِرون على تسليمه، فيَحدُث الغَرر؛ كبيع ورقة الإسمنت على المصنع؛ فإن هذا داخل فيما لا ينبغي؛ فإن من شروط صحة البيع القدرة على التسليم، وهذا غير قادر على التسليم؛ لأنه لا يزال عند المصنع، ولا يعلم متى يُسلَّم.
 
ومن الطرق غير المشروعة: بيع أوراق المساهمات في الأراضي وهو لا يعرف نسبة نصيبه من الأرض، فيوقع البيع على رأس المال، وقد تكون المسألة فيها ربًا كأن تُباع الأرض، فيصبح ثمنها في ذمة رأس مال المساهمين، فيبيع المشتركُ نصيبَه بأقل، فهذا هو عين الربا؛ لأنه يبيع دراهم معدودة بدراهم معدودة.
 
ومن الطرق غير المشروعة: الكَذِب في المناقصات والمشتريات للدوائر الحكومية، ومؤسسات الشركات أو الأفراد، فيعطي صاحب الدكان مَن يشتري فاتورة بأزيد من الثمن؛ لتكون الزيادة للمشتري الموكل؛ كي يُرغِّبه في الشراء منه مرة أخرى.
 
ومن الطرق غير المشروعة: أخْذ الأموال بالكذب والحيلة من الضمان الاجتماعي، وهو لا يَحِل؛ إذ لا تَنطبِق عليه الشروط المطلوبة، كذلك البنك العقاري أو المساعدة للمواشي أو الزراعة، أو الأشجار، فيجب على المسلم ألا يتناول شيئًا من هذه الطرق إلا إذا انطبقت عليه الشروط التي أقرَّتها الدولة، وكذلك ما يُنفِقه كثيرٌ من الناس في الأسفار إلى البلاد التي توجد فيها حرية المعاصي؛ ليُشارِكهم في ارتكابها ويُعين عليها، وأكبر من هذا أن يجعل سفرَه في مقابل نعمة نجاحه، أو عافية صحَّته، فيذهب ليُقيم بين المعاصي، فيرتكب جُرْم مشاهدتها، إذا فرضنا أنه لا يتناولها، ومن جملة ما يُبذَل في هذه الطرق ما يُشترى للأولاد من المراكب التي لا يُحسِنون استعمالَها، ولا يَعقِلون عاقبةَ سوء استعمالها.
 
أخي المسلم:
ألا بذلت شيئًا من المال فيما يُقدِّمك إلى الآخرة، وفيما تكون به قدوة، قال صل الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو وَلدٍ صالح يدعو له، أو عِلْم ينتفع به))، فإذا لم تُقدِّم صدقة، ولم تُخلف عِلمًا، ولم تَقُم بإصلاح الولد، بل ربما أَعَنته على اللهو والفساد، فماذا ترجو من مالك المكدَّس الذي سهرت عليه ليلك، وأمضيت فيه نهارك، وأتعبت فيه فِكْرَك وجسمك؟ فاتقِ الله تعالى يا أخي المسلم، واصرف مالك في وجوه الخير، واحمد الله تعالى على ما أنت فيه من نِعَم، وَثِق أن مالك مقياس لاختبارك، فاحرص على النجاح: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾[المزمل: 20].
 
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 5، 6].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69433
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

فتنة المال Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتنة المال   فتنة المال Emptyالأربعاء 12 ديسمبر 2018, 2:38 am

حب المال بين إشباع الحاجة وحفظ الهوية

 
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ﴾ [الطلاق: 10، 11]
 
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مِن قُوَّةِ الأُمَمِ قُوَّةُ اقتِصَادِهَا، وَبِقُوَّةِ الأُمَّةِ مَالِيًّا وَضَبطِهَا لأُسُسِ التَّحصِيلِ وَالإِنفَاقِ، تَقوَى مِن دَاخِلِهَا وَتُعلِي ذَاتَهَا، وَتَستَغنِي بِنَفسِهَا عَمَّن سِوَاهَا، وَيَعظُمُ لَدَى الآخَرِينَ أَمرُهَا وَيَرتَفِعُ شَأنُهَا، وَيَكُونُ لَهَا حُضُورٌ وَرَأَيٌ وَكَلِمَةٌ، لَكِنَّ الشَّرعَ المُطَهَّرَ - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - لم يَجعَلِ المَالَ هُوَ المَقصِدَ الأَسمَى وَلا الغَايَةَ العُظمَى، بَل جَعَلَهُ وَسِيلَةً لِلتَّقَوِّي عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَأَدَاةً يَتَوَصَّلُ بها العَبدُ إِلى مَا عِندَ مَولاهُ، وَمِن ثَمَّ فَلَم يَجعَلِ الإِسلامُ كَسَبَ المَالِ وَتَقوِيَةَ الاقتِصَادِ مَدعَاةً لِتَكسِيرِ الحَوَاجِزِ وَتَجَاوُزِ الحُدُودِ، أَو سَبَبًا لِلجَشَعِ وَالطَّمَعِ، أَو مُسَوِّغًا لِهَضمِ الآخَرِينَ حُقُوقَهُم أَو ظُلمِهِم، بَل لَقَد نَظَّمَ شُؤُونَ المَالِ أَخذًا وَعَطَاءً، وَرَتَّبَهَا كَسبًا وَإِنفَاقًا، وَوَسَّعَ فِيهَا حَتَّى لا تُخَالِفَ فِطرَةَ الإِنسَانِ في حُبِّ التَّمَلُّكِ، وَحَدَّدَهَا بما لا يَجعَلُ مِنهُ سَبُعًا ضَارِيًا هَمُّهُ التَّغَلُّبُ، إِذِ المَالُ أَوَّلاً وَآخِرًا مَالُ اللهِ، وَهُوَ الَّذِي آتَاهُ وَأَعطَاهُ، وَهُوَ الَّذِي سَيَسأَلُ صَاحِبَهُ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ؟ وَأَمَّا البَشرُ فَهُم مُستَخلَفُونَ فِيهِ، وَمُلكُهُم لَهُ مُلكٌ مَحدُودٌ، وَمِن ثَمَّ فَهُم مُلزَمُونَ أَن يَسِيرُوا فِيهِ عَلَى وِفقِ مُرَادِ اللهِ، قَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النور: 33] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [الحديد: 7] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 29، 30] وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسأَلَ عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ؟ وَعَن عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ؟ وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ؟ وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلاهُ؟ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللهِ بِغَيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَلأَنَّ الإِسلامَ يُرِيدُ أَن يَكُونَ المُسلِمُونَ أَقوِيَاءَ في كُلِّ شَأنٍ، أَعِزَّاءَ في كُلِّ مَيدَانٍ، فَقَد جَعَلَ الأَصلَ في المُعَامَلاتِ الحِلَّ وَالإِبَاحَةَ، وَأَجَازَ لَهُم مِنَ التَّنظِيمَاتِ المَالِيَّةِ مَا بِهِ تَتَحَسَّنُ الأَوضَاعُ وَيَقوَى الاقتِصَادُ، وَلم يُحَرِّمْ عَلَيهِم إِلاَّ مَا اشتَمَلَ عَلَى أَكلٍ لِلأَموَالِ بِالبَاطِلِ أَو ظُلمٍ لِلآخَرِينَ، كَالرِّبَا وَالمَيسِرِ وَالقِمَارِ، أَو مَا انطَوَى عَلَى غَرَرٍ أَو جَهَالَةٍ أَو غِشٍّ أَو خِدَاعٍ، فَآلَ إِلى وُقُوعِ الخُصُومَاتِ وَالنِّزَاعَاتِ.
 
وَمِن أَجلِ ذَلِكُمُ الهَدَفِ النَّبِيلِ أَيضًا احتَرَمَ الإِسلامُ المِلكِيَّةَ الخَاصَّةَ، وَأَتَاحَ جُزءًا مِنَ الحُرِّيَّةِ الاقتِصَادِيَّةِ وَجَعَلَ لَهَا مِسَاحَةً مُنَاسِبَةً، بَعِيدًا عَن فَردِيَّةِ النِّظَامِ الرَّأسمَاليِّ، الَّذِي جَعَلَ الهَيمَنَةَ لِلأَغنِيَاءِ عَلَى وَحَرَمَ الفُقَرَاءَ، وَفي مَنأًى عنِ اشتِرَاكِيَّةِ النِّظَامِ الشُّيُوعِيِّ، الَّذِي حَرَمَ الأَغنِيَاءَ التَّمَتُّعَ بما أَعطَاهُمُ اللهُ مِن أَجلِ الفُقَرَاءِ، وَمِن ثَمَّ فَقَد أَمَرَتِ الشَّرِيعَةُ الغَرَّاءُ بِالسَّعيِ وَالعَمَلِ، وَحَثَّت عَلَى الإِنتَاجِ والتَّحصِيلِ، مُرَاعِيَةً مَا يُحَقِّقُ التَّوَازُنَ في المَصَالِحِ، فَلا تَطغَى مَصلَحَةُ فَردٍ عَلَى مُجتَمَعٍ، وَلا مَصلَحَةُ مُجتَمَعٍ عَلَى فَردٍ، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ [الحشر: 7] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188] وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لا يَحِلُّ مَالُ امرِئٍ مُسلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفسٍ مِنهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " المُسلِمُونَ شُرَكَاءُ في ثَلاثٍ: في الكَلأِ وَالمَاءِ وَالنَّارِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَمَن تَأَمَّلَ قَولَهُ - تَعَالى -: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43] وَقَولَهُ - تَعَالى -: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34] وَقَولَهُ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات: 19] وَغَيرَهَا مِمَّا جَاءَ في الإِنفَاقِ وَاجِبًا وَمُستَحَبًّا، عَلِمَ مَا جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَةُ مِن مَبدَأِ الكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ، وَأَنَّ المَالَ يَجِبُ أَن يَكُونَ وَسِيلَةً لِلتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاوُنِ وَقَضَاءِ الحَاجَاتِ وَتَفرِيجِ الكُرُبَاتِ، لا أَدَاةً لِتَمزِيقِ الرَّوَابِطِ وَإِذهَابِ المُوَدَّةِ، وَالانتِهَاءِ بِالأُمَمِ وَالأَفرَادِ إِلى حَيَاةِ الحِرمَانِ وَالشَّقَاءِ.
 
نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - لَقَد حَدَّدَتِ الشَّرِيعَةُ أُسَسًا لِلاقتِصَادِ وَمَبَادِئَ لِلتَّعَامُلِ مَعَ المَالِ، وَثَبَّتَت مَعَالِمَ ذَلِكَ وَنَظَّمَت شُؤُونَهُ وَرَسَّخَت أَخلاقِيَّاتِهِ، ثم جَاءَ فُقَهَاءُ الإِسلامِ فَاستَنبَطُوا الأَحكَامَ وَسَنُّوا القَوَانِينَ، وَاعتُمِدَتِ النَّظَرِيَّةُ الاقتِصَادِيَّةُ الإِسلامِيَّةُ وَحُدِّدَتِ الهُوِيَّةُ المَالِيَّةُ الشَّرعِيَّةُ، فَكَانَ المُسلِمُونَ وَمَا زَالُوا مُتَمَسِّكِينَ بِنِظَامِهِمُ الَّذِي أَنزَلَهُ رَبُّهُم وَجَاءَ بِهِ نَبِيُّهُم، آمِنِينَ مُطَمَئِنِّينَ، قَد ضَمِنَ أَغنِيَاؤُهُم حِمَايَةَ مُلكِيَّاتِهِم، وَالتَّصَرُّفَ في أَموَالِهِم وِفقَ قِيَمٍ مُحَدَّدَةٍ، وَاطمَأَنَّ فُقَرَاؤُهُم إِلى أَنَّ الأَغنِيَاءَ لَن يَترُكُوهُم بِلا عَطَاءٍ مِن مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاهُم، وَبَقِيَتِ المَرَافِقُ العَامَّةُ وَالأَموَالُ الشَّائِعَةُ وَالمَوَارِدُ المُشتَرَكَةُ في مَنأًى عَن أَن يَمتَلِكَهَا أَحَدٌ بِعَينِهِ أَو يَستَأثِرَ بها قَوِيٌّ دُونَ ضَعِيفٍ؛ لأَنَّ مُلكِيَّتَهَا عَائِدَةٌ لِلحَاكِمِ، الَّذِي هُوَ المَسؤُولُ وَمَن تَحتَ يَدِهِ عَن تَحقِيقِ التَّوَازُنِ الاقتِصَادِيِّ في المُجتَمَعِ، وَالحَيلُولَةِ دُونَ ظُلمٍ أَوِ احتِكَارٍ أَو تَلاعُبٍ بِأَسعَارٍ. وَإِنَّ المُجتَمَعَاتِ الإِسلامِيَّةَ متى مَا التَزَمَت بما جَاءَ بِهِ الشَّرعُ الحَنِيفُ مِن أُسُسِ التَّعَامُلِ مَعَ المَالِ وَمَبَادِئِ بِنَاءِ الاقتِصَادِ، فَحَرِصَت عَلَى أَكلِ الطَّيِّبَاتِ وَاكتِسَابِ الحَلالِ، وَتَرَبَّت عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ وَخَشيِتَهِ فِيمَا تَحتَ أَيدِيهَا، وَعَلِمَ كُلُّ فَردٍ أَنَّهُ مَسؤُولٌ عَمَّا اكتَسَبَ وَمَا أَنفَقَ، وَتَيَقَّنُوا أَنَّ المَالَ مَالُ اللهِ، وَأَنَّ فِيهِ حُقُوقًا يَجِبُ أَن تُؤَدَّى، وَأُخرَى يَحسُنُ أَن تُعطَى، وَابتَعَدُوا عَن كُلِّ مُعَامَلَةٍ فِيهَا غَرَرٌ أَو جَهَالَةٌ، أَو تَدلِيسٌ أَو مُقَامَرَةٌ، وَحَذِرُوا الجَشَعَ وَالطَّمَعَ وَالشُّحَّ وَالبُخلَ، وَسَلِمُوا مِنَ الاحتِكَارِ وَالاستِغلالِ وَأَكلِ أَموَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، فَسَيَجنُونَ مِن وَرَاءِ ذَلِكَ ازدِهَارًا في الاقتِصَادِ، وَشُعُورًا بِالبَرَكَةِ في الأَموَالِ، وَسَلامَةً مِنَ الكَرَاهِيَةِ وَالحِقدِ وَالحَسَدِ وَمَا يَتبَعُهَا مِن جَرَائِمَ بِسَبَبِ التَّظَالُمِ، وَسَيَتَوَفَّرُ لِلجَمِيعِ حِينَئِذٍ مَا تَصبُو إِلَيهِ النُّفُوسُ مِن غِذَاءٍ وَمَسكَنٍ وَكِسَاءٍ، وَمَا تَحتَاجُ إِلَيهِ مِن ضَرُورَاتِ العَيشِ وَالبَقَاءِ؛ ذَلِكُم أَنَّ مَقصِدَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الإِسلامِيِّ هُوَ حِفظُ الضَّرُورَاتِ وَإِشبَاعُ الحَاجَاتِ، وَتَوفِيرُ الكِفَايَةِ وَالكَفَافِ، وَتَحقِيقُ التَّعَاوُنِ وَالتَّكَافُلِ، لِيَحيَا النَّاسُ حَيَاةً طَيِّبَةً، تُعِينُهُم عَلَى مَا خُلِقُوا لَهُ مِن عِبَادَةِ رَبِّهِم، بَعِيدًا عَمَّا تَرمِي إِلَيهِ النُّظُمُ الاقتِصَادِيَّةُ الوَضعِيَّةُ، مِن مُجَرَّدِ تَحقِيقِ أَقصَى إِشبَاعٍ مَادِيٍّ مُمكِنٍ، وَالوُصُولِ إِلى أَعلَى تَكوِينٍ لِلثَّرَوَاتِ، في رَفَاهِيَةٍ وَتَرَفٍ، تَغُوصُ فِيهَا الأَجسَادُ في الشَّهَوَاتِ وَالمَلَذَّاتِ، وَتُهمَلُ الرُّوحُ وَلا تُشبَعُ لها حَاجَةٌ وَلا تَشعُرُ بِاستِقرَارٍ، لأَنَّهَا جَعَلَت غَايَتَهَا التَّحَكُّمَ في المَوَارِدِ وَالمَصَادِرِ، وَسَمَحَت لِنَزَوَاتِهَا بِاستِغلالِ ضَعفِ الآخَرِينَ وَانتِهَازِ غَفلَتِهِم وَالتَّسَلُّقِ عَلَى أَكتَافِهِم بِلا اعتِبَارٍ لِحَاجَاتِهِم..
 
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَحمَدْهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَينَا مِن نِظَامِ اقتِصَادٍ ثَابِتِ الأَصلِ مُمتَدِّ الفُرُوعِ، يَحكُمُهُ النَّصُّ المُحكَمُ الأَصِيلُ، وَلا تَحكُمُهُ العُقُولُ الضَّعِيفَةُ وَلا الأَفهَامُ القَاصِرَةُ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا *كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴾ [الكهف: 32 - 44].
♦ ♦ ♦
 
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]
 
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، يَسمَعُ النَّاسُ بِخِطَّةٍ اقتِصَادِيَّةٍ لِتَنمِيَةِ مَوَارِدِ البَلَدِ أَو زِيَادَةِ أُصُولِ استِثمَارَاتِهِ، فَتَشرَئِبُّ الأَعنَاقُ وَتَمتَدُّ الآمَالُ، مُنتَظِرَةً زِيَادَةً في الرَّوَاتِبِ أَو مُضَاعَفَةً لِلدُّخُولِ، حَالِمَةً بِرَفَاهِيَةٍ وَرَغَدٍ مِنَ العَيشِ، حتى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ لِبَعضِ النَّاسِ أَنَّهُ بَاتَ ضَرَورِيًّا أَن تَبذُلَ الحُكُومَاتُ مَا يُمكِنُهَا لِتَحصِيلِ المَالِ وَرَفعِ الاقتِصَادِ دُونَ تَقَيُّدٍ بِحُدُودٍ شَرعِيَّةٍ أَو أَحكَامٍ مَرعِيَّةٍ، وَقَد يَظُنُّ آخَرُونَ أَنَّ مُنتَهَى السَّعَادَةِ هُوَ الوُصُولُ لِدَرَجَاتٍ مِنَ الرَّفَاهِيَةِ وَالرَّخَاءِ تُشبِهُ مَا عَلَيهِ مُجتَمَعَاتٌ أُخرَى بِعَينِهَا، غَافِلِينَ عَن أَنَّ المُسلِمَ يَجِبُ أَن يَعِيشَ مُطمَئِنَّ القَلبِ بِإِسلامِهِ مُرتَاحَ البَالِ بِإِيمَانِهِ، هَادِئَ النَّفسِ وَاثِقًا بِرَبِّهِ، مُوقِنًا أَنَّ قَضِيَّةَ الرِّزقِ مَحسُومَةٌ مَحتُومَةٌ، وَأَنَّ كُلَّ عَبدٍ قَد قُدِّرَ لَهُ عَطَاؤُهُ وَهُوَ في بَطنِ أُمِّهِ، وَلَن يَمُوتَ حَتَّى يَستَكمِلَ أَجلَهُ وَرِزقَهُ، وَمِن ثَمَّ كَانَ عَلَيهِ أَلاَّ يَأسَى كَثِيرًا عَلَى مَفقُودٍ، وَلا يَفرَحَ طَوِيلاً بِمَوجُودٍ، وَأَلاَّ يَقعُدَ بِهِ عَن طَلَبِ مَا قُدِّرَ لَهُ كَسَلٌ، وَلا يُغفِلَ قَلبَهُ عَمَّا هُوَ قَادِمٌ عَلَيهِ طُولُ أَمَلٍ، أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ الرِّزقَ مَضمُونٌ، وَاللهُ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ، وَلَيسَ الخَوفُ عَلَى النَّاسِ مِنَ الفَقرِ وَقِلَّةِ ذَاتِ اليَدِ، فَقَد نَالَت مُجتَمَعَاتٌ كَافِرَةٌ غَايَةَ الغِنى وَالرَّفَاهِيَةِ، وَعَبَّ أَفرَادُهَا مِنَ الشَّهَوَاتِ حَتى ثَمِلُوا، وَلَكِنَّهُم لم يُدرِكُوا سَعَادَةً وَلا عَاشُوا في هَنَاءَةٍ، بَل عَصَفَت بِهِمُ الجَرَائِمُ وَكَثُرَ فِيهِمُ الانتِحَارُ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ الخَوفَ كُلَّ الخَوفِ إِنَّمَا هُوَ مِنِ انفِتَاحِ الدُّنيَا عَلَى النَّاسِ، وَانصِرَافِ الأَعيُنِ وَالقُلُوبِ إِلى زَخَارِفِهَا وَاستِدَامَةِ النَّظرِ إِلَيهَا، فَبِذَلِكَ يَخسُرُونَ مِنَ الآخِرَةِ بِقَدرِ مَا رَبِحُوا مِنَ الدُّنيَا، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَن أَحَبَّ دُنيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَن أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنيَاهُ، فَآثِرُوا مَا يَبقَى عَلَى مَا يَفنى " رَوَاهُ أَحمَدُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ صَحِيحٌ لِغَيرِهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم، فَوَاللهِ مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم، وَلَكِنْ أَخشَى أَن تُبسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُم كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَحرِصْ عَلَى مَا يَنفَعُنَا في أُخرَانا، وَلْنَقنَعْ مِن دُنيَانَا بِمَا يُبَلِّغُنا، فَـ"لَيسَ الغِنى عَن كَثَرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنْ الغِنى غِنى النَّفسِ " قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أَنَّ نَفسًا لَن تَمُوتَ حَتَّى تَستَكمِلَ أَجَلَهَا وَتَستَوعِبَ رِزقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ، وَلا يَحمِلَنَّ أَحَدَكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَن يَطلُبَهُ بِمَعصِيَةِ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ - تَعَالى - لا يُنَالُ مِا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ " رَوَاهُ أَبُو نُعَيمٍ في الحِليَةِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69433
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

فتنة المال Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتنة المال   فتنة المال Emptyالأربعاء 12 ديسمبر 2018, 2:39 am

أهمية المال وفضله



قال الله سبحانه: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 5]، أخبر الله في هذه الآية أنه جعل الأموال قيامًا لنا، قال المفسرون: أي جعلها الله لكم قِوام معايشِكم، قائمة بأموركم، والمعنى: أن الأموال صلاحٌ للحال، وثبات له؛ انظر فتح القدير للشوكاني (1 /489).
 
وقال سبحانه: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، وقال جل وعلا: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأعراف: 32].
 
وكان من دعاء النبي صل الله عليه وسلم الذي يقوله صباحًا ومساءً: ((اللهم إني أعوذ بك مِن الكفر والفقر، وأعوذ بك مِن عذاب القبر))؛ رواه أبو داود (5090) بسند حسن.
 
وروى مسلم (2720) في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صل الله عليه وسلم، يقول: ((اللهم أصلح لي دِيني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياةَ زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحةً لي من كل شر)).
 
وقد علمنا الله في القرآن الكريم أن نقول: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، وكان هذا أكثرَ دعاء النبي صل الله عليه وسلم؛ كما ثبت في الصحيحين.
 
وروى أحمد في مسنده (17763)، وصححه الألباني، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ((نِعم المالُ الصالح للمرء الصالح)).
 
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه: إصلاح المال (98) عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: "يا حبذا المال، أصِلُ منه رَحِمي، وأتقرَّب إلى ربي عز وجل".
 
وروى ابن ماجه (2141)، وصححه الألباني، عن يسار بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ((لا بأس بالغنى لِمَن اتقى، والصحة لمن اتقى خيرٌ من الغنى، وطِيبُ النفس من النعيم)).
 
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (64) عن عمر رضي الله عنه قال: "عليكم بالجمال واستصلاح المال، وإياكم وقول أحدكم: لا أبالي".
 
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (49) عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: (احرُثْ لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمَل لآخرتك كأنك تموت غدًا).
 
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (84) عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: (يأتي على الناس زمانٌ لا ينفع فيه إلا الدِّينارُ والدرهم).
 
وروى الحاكم في المستدرك (6565) عن الصحابي الجليل قيس بن عاصم المنقري رضي الله عنه: أنه قال لبنيه: "عليكم بإصلاح المال؛ فإنه مَنْبهةٌ للكريم، ويُستغنى به عن اللئيم".
 
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (55) عن سيد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله قال: "لا خير فيمن لا يريد جمع المال مِن حِلِّه، يكُفُّ به وجهَه عن الناس، ويصِلُ به رحِمَه، ويُعطي منه حقَّه".
 
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (60) عن سيد أتباع التابعين سفيانَ الثوري رحمه الله قال: كان من دعائهم: (اللهم زهِّدْنا في الدنيا، ووسِّع علينا منها، ولا تَزْوِها عنا فترغِّبَنا فيها).
 
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (79) عن سفيان الثوري أيضًا قال: "المال في هذا الزمان سلاحُ المؤمن".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69433
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

فتنة المال Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتنة المال   فتنة المال Emptyالأربعاء 12 ديسمبر 2018, 2:40 am

طغيان المال



إذا اعتدلت عواطفُ الإنسان، أحسَّ بوجود الجماعة وبحقوقها عليه، وإذا غاب عنه الإحساسُ بالجماعة وغلبته روحُ الفردية، فإنه ينحدر حتمًا إلى قاع الأنانية.
 
والقرآن الكريم يحاربُ هذه الفردية الطاغية التي تصل بصاحبها إلى الأثرة، وإلى حرمان ذوي الحقوق حقوقهم، ويدعو المؤمنين إلى أن يُحسُّوا بالمجتمع الذي يعيشون فيه، وأن يؤدُّوا ما عليهم له من حقوق.
 
ولما كان المال من العوامل الأساسية التي تدفع الإنسانَ إلى دائرة الفردية والأنانية، فقد عُنِي القرآنُ بمعالجة ذلك في أكثرَ من سبعين آيةً تحُثُّ على الإنفاق، وتحبِّب في البذل، وهذه الآيات كلها - على ما سنرى - تعمَلُ على إيقاظ عاطفة الخير في الإنسان، وعلى التقليل من حب المال، حتى يقلَّ خطر الفردية التي تنتهي بالإنسانِ إلى الأثَرة والأنانية.
 
ولقد سلك القرآن منهجًا تربويًّا سليمًا لنقل الإنسان من فرديتِه الآسرة إلى جماعيته الخيِّرة.
 
ففي السور الأولى التي نزلت بمكةَ، ساس النفس بسياستين حكيمتين، تكفي كل منهما لكي تصقل من النفس المؤمنة ما يكون قد شاع في شعابها من دواعي الأنانية التي تنميها البيئةُ والتربية الفاسدة.
 
الأولى: النص على المعرضين حبهم الشديد للمال، وعملهم الدائب لجمعه وكنزه، واعتدادهم البالغ به، وخديعتهم فيه، وظنهم أنه إله يُعبَد، وتكاثرهم ومفاخرتهم به، حتى ألهاهم ذلك عن طاعة الله.
 
ففي أول سورة نزَلت من القرآن رَدْعٌ شديد لِمن كفَر بنعمة الله عليه، فطغى حين كثُر ماله، وتهديد له بأن مرجعَه إلى الله وسيجازيه على طغيانه؛ ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ [العلق: 6 - 8]، وإذا كانت هذه الآيات نزلت في أبي جهل - كما قال المفسِّرون - فإن ذلك لا يمنَعُ أن يكون هذا شأنَ المعرض عن آيات الله، وأن الله يحذر كل من يُطغيه المال.
 
وفي السورة الثانية، وهي سورة "ن"، جعل المال أحد الأسباب التي تحمل الأحمقَ على التكذيب بآيات الله، وقد جاء هذا الحُكم على أحدِ كفَّار قريش بعدما وسَمه القرآنُ بمياسم من العيوب لم يصِفْ بها أحدًا قبله ولا بعده؛ فهو كثير الحلِف بالباطل، حقير، ذليل، مغتاب، يُكثِر من الطعن على الناس، والعيب فيهم، ويسعى بالنَّميمة للإفساد بينهم، وهو بخيل بالمال، مانع لكل خير، صادٌّ عن سبيل الله القويمِ، وهو ظلوم فاجر سيِّئُ الخُلُق، شديدٌ في الخصومة بالباطل.
 
﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [القلم: 10 - 15].
 
فهذا الصنيعُ الذي ينظِمُ البخل في جملة هذه الصفات الكريهة يُنبِّه الأذهان إلى شناعة البخل، ومن ثم إلى ما يجرُّه المال على صاحبه أن يقع فريسة له ولطغيانه.
 
وإذا كانت آيات سورة العلق وصَفت الإنسانَ بالطغيان إذا رأى نفسَه استغنى، وآيات سورة القلم أخبرت أن المال كان أحد سببين في التذكير بآيات الله، فإن آيات أخرى من سورة "الهمزة" أشارت إلى أن المالَ يحمِلُ صاحبَه على احتقار الناس، والعيب فيهم، وأنه يخدع صاحبه فيظنُّ أنه يخلَّد في الدنيا ولا يموت ليساره وغناه؛ ولذلك هدَّد القرآنُ أمثال هذا بالويل في أول الآيات، وبالنار التي تحطم العظامَ وتكسِرها في آخرها؛ ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾ [الهمزة: 1 - 4].
 
والهُمَزة: الذي يعيبك في الغيب، واللُّمَزة: الذي يعيبك في الوجه، وقال بعض المفسرين: المراد هنا النَّيْل من أعراض الناس، والغض منهم، والطعن فيهم.
 
ومن أوائل السور نزولاً سورة "العاديات"، وفيها وصف الإنسان بأنه شديدُ الحب للمال؛ ﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [العاديات: 8]، وسورة الفجر وفيها: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20]، والسياق في الموضعين يجعل هذا الحب للمال غيرَ محمود؛ ذلك أنه اقتَرن في السورة الأولى بجحود الإنسانِ لنعمة ربِّه، وفي الثانية يأكُلُ التراثَ أكلاً لَمًّا.
 
وحين امتنَّ الله على نبيّه في سورة "الضحى" بأنه لا يزال يُواليه بنِعَمِه وحبِّه، وبأنه وجَده يتيمًا فآواه إلى عمِّه أبي طالب، ووجَده ضالاًّ عن معالم النبوة وأحكام الشريعة فهداه إليها، ووجَده فقيرًا فأغناه بمال خديجة وما أعطاه من الرِّزق، حين امتنَّ عليه بذلك أوصاه باليتامى والمساكين والفقراء؛ فقال - عز وجل -: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [الضحى: 9، 10].
 
وبجانب الآيات السابقة نجد آياتٍ أخرى تبعَثُ الخوف والقلق في نفوس الأشحاء، وهي سورة المدثِّر: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ *قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴾ [المدثر: 38 - 46].
 
فالناس كلُّهم مأخوذون بذنوبهم، إلا أهلَ طاعة الله وخشيته؛ فهم يُنعَّمون في الجنات، ويسأَلون المجرمين عن الأسباب التي حبَسَتْهم في النار، فيُجيبهم هؤلاء بأن أسباب ذلك أربعة: تركهم الصلاة في الدنيا، وعدم تصدُّقِهم على المساكين، وخَوْضهم في الباطل، وتكذيبهم بيوم الجزاء، وجاء في سورة "البلد" تحريض الإنسان على أن يجاهدَ نفسَه، ويتحمَّل المشقَّةَ في إنفاق المال في وجوه الخير؛ ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 11 - 16].
 
ولعله قد وضَح لنا أن القرآنَ قد رسَم الطريق للحدِّ من طغيان المال على النفس البشرية حتى يظلَّ لها نقاؤُها واستعدادُها لفعل الخير والقربى إلى الله، وعندئذ يفوز الإنسانُ برضا المولى - سبحانه وتعالى - وهو خيرُ ما يتمنَّاه العاقل في الدنيا والآخرة؛ فاللهمَّ أنعِمْ علينا بفضلِك ورضاك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69433
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

فتنة المال Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتنة المال   فتنة المال Emptyالأربعاء 12 ديسمبر 2018, 2:42 am

تنوع إنفاق المال

 
الحمد لله الذي من علينا بالأموال وشرع لنا إنفاقها فيما هو مصلحة في الدين والدنيا ووعدنا على ذلك الخلف العاجل في الدنيا والثواب الجزيل في الأخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجود والإحسان والأفضال، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله الذي ينفق ماله لله ويعيش في نفسه عيش الفقراء ابتغاء مرضاة ذي الإكرام والجلال صل الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الأيام والليال وسلم تسليماً.

أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه على ما خولكم من هذه الأموال التي جعلها لكم قياماً يقوم بها دينكم ودنياكم وتصلح بها أحوالكم العامة والخاصة، واشكروه إن أنعم عليكم بها نعمة أخرى، حيث شرع لكم إنفاقها فيما فيه مصلحة لكم ووعدكم على ذلك الخلف والأجر، ولو شاء لم يشرع لكم إنفاقها ولم يتعبدكم بذلك فكان إنفاقها مغرماً، وليشكر الله من وفقه الله تعالى فقام بإنفاقها على الوجه الذي أمر به فلم يقصر في ذلك فيكون من الباخلين، ولم يغل في ذلك ويزد فيكون من المبذرين.
 
واعلموا رحمكم الله أن إنفاق الأموال على وجهين وجه يثاب عليه العبد ويؤجر ونوع يعاقب عليه ويوزر، أما الذي يثاب عليه العبد ويؤجر فهو أن ينفقها في طاعة الله وما أمر به، وأما الذي يعاقب عليه ويوزر فأن ينفقها في معصية الله وما لا فائدة فيه فإن ذلك من السفه والتبذير.

واعلموا أن إنفاق الأموال في طاعة الله له أبواب كثيرة، فمن ذلك إنفاق الأموال في الزكاة المفروضة التي هي أحد أركان الإسلام، ولا يكون العبد مسلماً حتى ينفقها في الوجوه التي أمر الله بصرفها فيها، ومن ذلك أن ينفق الإنسان على نفسه فإن إنفاقك على نفسك صدقة تثاب عليها لأنك مأمور بحفظ نفسك بالطعام والشراب واللباس وغيرها مما تطلبه حاجتك أو ضرورتك. فإذا أنفقت المال في ذلك فقد قمت بحفظ نفسك ونيلها ما أباح الله لها من الطيبات وهذا خير وأجر. ومن الإنفاق في طاعة الله أن ينفق الإنسان على أهله من الزوجات والأمهات والآباء والأولاد وغيرهم، فإن الإنفاق عليهم طاعة لله وبر وأجر، (قال النبي صل الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقد عاده في مرض ألم به واستشاره في الوصية فقال له: " واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك).

أيها الإخوان: إن بعض الناس يقصر أو يتثاقل في الإنفاق على أهله شحا وبخلا، والشح والبخل من أوامر الشيطان ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9] ولكن متى علم المؤمن أن الإنفاق على نفسه وأهله ليس بغرم وإنما هو مكسب وغنيمة، فالإنفاق فيما أمر الله به غنيمة لأنه زيادة في الإيمان وسبب لبركة المال ونموه وسبب للأجر المدخر عند الله، أما الإمساك عما أمر الله به فهو نقص في الإيمان وسبب لمحق بركة المال ونقصه ولعقوبة الله ومقته، ثم أن الممسك البخيل إن فاته المال ونزع منه في الدنيا فقد حرم خير الدنيا والآخرة، وإن بقي حتى مات صار لغيره غنمه وعليه غرمه وإثمه.

ألا وإن من إنفاق المال في طاعة الله أن تنفقه في الإحسان إلى القرابات الذين لا تجب عليك نفقتهم، إما لكون مالك لا يتحمل الإنفاق أو لغير ذلك، فهديتك على غنيهم هدية وصلة، وصدقتك على فقيرهم صدقة وصلة. وإن بعض الناس في هذه الناحية يقصر ويفرط، فتجده يقتصر على الإحسان إلى القرابة الذين يتبادلون معه الصلة وهذا في الحقيقة ليس بصلة، وإنما هي مكافأة للصلة أو مجلبة لها، فالواصل حقيقة هو الذي يصل من قطعه ويعطي من حرمه.

وأبواب إنفاق المال في الخير كثيرة، وكلما كان الإنفاق أنفع لعمومه أو شدة الحاجة إليه أو جلبه لمصالح أخرى كان أفضل وأجدى، وكل نفقة تبتغي بها وجه الله فأنت مأجور عليها لدخولها في الإحسان.
 
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].







تنظيم المال



المال عصب الحياة، وقيام الناس في الدنيا، يقوم بمعاشهم ويصلح أمورهم، لا يتم للأفراد ولا للأمم أمر إلا به،فإذا صفرت منه يد الفرد ضاقت عليه الأرض بما ربحت، وسدت في وجهه فجاجها، إن جاع لم يجد ما يقيم صلبه، أو يمسك حوباءه، وإن خلقت ثيابه لم يجد ما يستر به سوأته، أو يدفع به غوائل الحر والقر.

وإن خلت منه خزائن الدولة ضعف شأنها، واستهان بها أعداؤها، وطمع فيها من يليها ومن يبعد عنها، وعجزت عن الدفاع عن نفسها، وأصبحت لقمة سائغة لكل من يحاول ازدرادها. وحوادث الماضي تشهد بذلك وتثبته،وأحداث الحاضر تنطق به وتؤيده.

والإسلام هو الدين الخالد الذي أنـزله الله لينظم به شئون العالم إلى يوم القيامة؛ فلا تعجب إن رأيته يُعنى بالمال عناية بالغة: يحض على كسبه من كل وجه مشرع، وينظم تداوله بين الناس، وإنفاقه في الوجوه الصالحة، ويحرم إضاعته بغير نفع.

دعا الإسلام إلى العمل وكسب المال، حتى لا يكون المسلم عالة على غيره، وحتى يصون ماء وجهه أن يريقه بين أيدي الناس.

قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10].

قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك:15].

وقال عليه الصلاة والسلام: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه"[1]، إلى غير ذلك من النصوص التي تحض على كسب المال، والترفع عن ذلة السؤال.

ولكن النفس إذا ذاقت لذة المال وكسبه فتنت به، وأغرمت بجمعه، وأحضرت الشح، وولعت بالحصول عليه بكل وسيلة ومن كل سبيل، وحرصت عليه فلم تنفقه في وجوهه، وضنت بحق الله فيه فلم تخرج منه حق السائل والمحروم، ولم تطعم يتيمًا ولا مسكينًا، ولم تصل به رحمًا، ولم تؤت ذا قربى، فأراد الله أن يحد من شره النفوس ويقف من اندفاعها وجماحها؛ فنبهها إلى ما في الشح من سوء المغبة على النفس وعلى الجماعة،وإلى أن المال بلاء يمتحن الله به عباده ليتبين المصلح من المفسد، والكريم من الضنين، ويمتاز الشاكر من الكنود، فقال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195].

وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 15].

وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].

وقال تعالى: ﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].

وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 8 - 10].

وقال تعالى: ﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾ [الليل: 11].

وقال تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران:92].

وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنـزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنـزتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنـزونَ ﴾ [التوبة: 34 - 35].

وقال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾ [التوبة: 75 - 77].

والنصوص في هذا المعنى كثيرة، وكلها تهيب بالإنسان إلى أن يتحرر من أسر المال، وأن ينفقه في سبيل الخير ووجوه البر، ابتغاء مرضاة ربه.

وعلم الله أن من الناس من يأتيه المال عفوًا صفوًا لم يحرك لجمعه يدًا، ولم يتعب فيه بدنًا، فيكون هينًا عليه،فينفقه في شهوات الشيطان والنفس الأمارة ذات اليمين وذات الشمال من غير أن يتحرى به وجوه الحق والنفع والخير له أو لأمته، فأراد الله أن يعالج هذه الحال بالحكمة السامية والموعظة الحسنة، فنهى عن التبذير والإسراف، وأنذر بسوء المصير كل مبذر ومسرف.

قال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء:29].

وقال تعالى: ﴿ وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26 - 27].

ووضع دستورًا حكيمًا يعلم الناس القصد في المال.

فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].

وضرب على أيدي السفهاء الذين ينفقون المال في غير وجهه؛ ويعيثون فيه فسادًا، ولا يحسنون تدبيره،وسلبهم حرية التصرف وأمر بالحجر عليهم إرعاء على أموالهم، واحتفاظًا بمصلحتهم.

قال تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 5].

كما أمر الأوصياء بالحرص على أموال اليتامى وتثميرها، وحسن الرعاية لها حتى لا تذهب ضياعًا، فإذا تبين رشدهم، دفعت إليهم تامة موفورة، ونهاهم عن أن يظلموهم منها شيئًا.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء:10].

وقال تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 6].

وقد تضمنت هذه الآية الكريمة من الفقه المالي ما فيه بلاغ: دعت إلى امتحان اليتامى، إذا بلغوا سن الرشد،فإن تبين رشدهم وظهر بالاختيار حسن تصرفهم دفعت إليهم أموالهم، وإن تبين سفههم، وقلة خبرتهم بألوان التصرف، وفنون المعاملات لم تدفع إليهم، بل تظل في يد الوصي أو القيم، ينميها بالمعروف.

ونهت عن إتلاف أموال اليتامى بالإسراف فيها، والمبادرة إلى إضاعتها وأكلها واغتيالها قبل أن يبلغوا السن التي تمكنهم من المطالبة بها، ومحاسبة القائمين عليها.

كما أوصت الغني الذي بسط الله له في الرزق أن يتعفف عن هذه الأموال فلا ينال منها شيئًا، وأباحت للفقير الذي قدر عليه رزقه أن يأكل منها بالمعروف، بقدر ما يستحق من الأجر، جزاء عمله فيها ورعايته لها.

وأوصت بالإشهاد على اليتامى إذا دفعت إليهم أموالهم حين يستبين رشدهم، دفعًا لما عسى أن يقع من التغابن بين القصّر والأوصياء، وحسماُ للتنازع بينهما، وقضاء على كل ادعاء.

نهى الإسلام عن أن يخرج الإنسان من ماله كله، ولو في وجوه الخير والبر، فقد أمر رسول الله - صل الله عليه وسلم - كعب بن مالك لما أراد أن يخرج من ماله كله صدقة لله تعالى، حين تاب الله عليه.

فقال له "أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك"[2].
 
وروى البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "جاء النبي - صل الله عليه وسلم - يعودني - وأنا بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها - فقال: "يرحم الله ابن عفراء" قلت: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: "لا"، قلت: فالشطر؟ قال: "لا". قلت: فالثلث؟ قالSadفالثلث، والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس"[3].

فما أروعه من نظام، وما أعدله من تشريع.

جعل الإسلام في أموال الأغنياء نصيبًا مفروضًا للفقراء الذين لا يجدون ما ينفقون، إبقاء على كرامة المؤمنين أن تجرح بذل التكفف والسؤال، وتوثيقًا لأواصر الود بين الأغنياء والفقراء، حتى لا يحسدوهم على ما آتاهم الله من فضله، فيتعاونون على الإثم والعدوان عليهم، وانتزاع الأموال من أيديهم بغيًا وعدوًا، وسفك دماءهم عدوانًا وظلمًا.

ولا أظنك غافلًا عما أحدثت الاشتراكية الهدامة من الفساد في الأرض، والعدوان على الأبرياء، وانتهاك الحرمات، هذه الاشتراكية الجامحة التي برأ الله منها الإسلام والمسلمين، وجعل دونها سدًا منيعًا بما شرع من فريضة الزكاة المقدرة تقديرًا حكيمًا، هو أحكم ما يمكن أن يتصوره فكر إنسان عليم.

إن جزءًا من أربعين جزءًا من مال الغني الذي ظل في حراسة الله حولًا كاملًا لا يرزأ صاحبه شيئًا، إذا طابت به نفسه لأداء حق الله، وإعانة الفقراء والبائسين على أمر معاشهم، وقد ضمن الله تعالى إخلافه فضلًا منه ونعمه.﴿ والله واسع عليم ﴾.

لقد أظل المسلمين عصر كان الغني يحمل زكاته على كفه ثم يطوف بها على الفقراء، فغني أولئك الفقراء بالمال، وغنيت نفوسهم بالفضيلة، فما كانت أيديهم ولا أعينهم لتمتد إلى ما لا يحل لهم أخذه، ولا يجمل بهم تناوله، تعففًا وقناعة.

ذلك يوم كثر المال في أيدي المسلمين بما أفاء الله عليهم من الفتوح، وما غنموا من الغنائم، وما تدفق في خزائنهم من مال الجزية، وما كسبوا من مزاولة الأعمال الشريفة مع ما صبغت قلوبهم به من الرحمة والإحساس وحب الآخرة.

وصدق رسول الله - صل الله عليه وسلم - إذ يقول كما روى الإمام البخاري: "تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، ويقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، أما اليوم فلا حاجة لي بها"[4].
 
فهل رأت الدنيا عصرًا كهذا العصر الذي اغتنى فيه الناس بالمال والفضائل؟ يوم كان الناس مستمسكين بدينهم، حراصًا عليه، مستقيمين على سنته، فما أجمل الإسلام من دين، وما أعدل شريعته من شريعة.

وكانت هذه الأموال التي لا تجد راغبًا فيها ترد إلى بيت المال لتنفق في مصالح المسلمين: تؤمن بها السبل،وتشق الأنهار، وتُعبّد بها الطرق، وتقام الجسور، ويعد بها ما يستطاع من قوة ومن رباط الخيل، لإرهاب عدو الله وعدو المؤمنين. وما كان الأئمة مفتاتين بإنفاقها في هذا السبيل سبيل الله؛ لأنها من مصارف الزكاة التي أمر الله أن تصرف فيها. قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].

حرم الإسلام أكل أموال الناس بالباطل، فكل احتيال على إحراز المال بوسيلة لا يجني منها الناس نفعًا، ولا يستدفعون ضرًا فهو محظور شرعًا.

قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188].

ولعلك توافقني على أن من الباطل ما تأتيه الجماعات المتسكعة التي لا عمل لها إلا إفساد العقول والأفهام والعقائد، وغزو القرى الوادعة المطمئنة، تسقط عليها سقوط الجراد، وتحل بها حلول البلاء، فتقام لها الولائم التي ينفق فيها كل مدخر، ثم لا تنصرف إلا بعد أن تتقاضى ما تفرضه على القرية من جزية البركة، وعادة الشيخ وما إلى ذلك من الضرائب التي تخرب الدور العامرة، وتأتي على الثروات الطائلة، وما أكثر البيوت التي احتلها شبح الفقر بسبب هؤلاء الأقطاب الذين تدور عليهم رحى الخراب.

ولعلك توافقني على أن من الباطل حلوان الكاهن، وما يتقاضاه الدجالون ثمنًا لما يكتبون من التعاويذ والتمائم والصحاف التي يزعمون أنها تشفي المرض، وتدفع الأوصاب، وتجلب الأرزاق، وتؤلف بين القلوب، والله يشهد إنهم لكاذبون؛ وأنها من أفسق الفسوق، وما يؤخذ من المال في مقابلها هو السحت الذي هو أخبث المكاسب.

حرم الإسلام الربا تحريمًا لا هوادة فيه لأنه يفضي بالمال إلى أن يتجمع في أيدي فئة قليلة من الناس، وتجعله دولة بين الأغنياء منهم خاصة، والله يريد أن يكون المال دولة بين الناس جميعًا بقدر حظهم من الجد والنشاط، وقسطهم من السعي والعمل لا أن يسعى فريق من الناس ويجد ويكدح ليجني ثمرة جده وكدحه قوم كسالى عاطلون.

قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة 275-280].

وبذلك قضى الإسلام على الربا قضاء مبرمًا حتى لا يسيطر الأغنياء على الفقراء ويسلبوهم حريتهم، ويستطيلوا عليهم بأموالهم، فينضب معين الإخاء الإنساني؛ ويتقلص ظل المساواة بين الناس.

وما الاشتراكية الهادمة لكل قواعد العدل والنظم، إلا وليدة الربا والاستبداد برؤوس الأموال، وامتصاص دم العامل الفقير حتى انفجر ذلك العامل وقضى على كل نظام وأساس.

وحرم الإسلام الميسر لما فيه من الغرر، وإضافة المال، أو كسبه بغير عمل مثمر ينفع الأمة والأفراد والوطن،ولما يجره من الضغائن والإحن والأحقاد، وسريان روح الشر والفساد، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90 -91]..

وضع الإسلام نظامًا للمعاملات المالية هو أدق وأحكم من كل نظام وجد على الأرض منذ مشى في مناكبها الإنسان، لو راعاه الناس لاستقامت أمورهم، وصلحت أحوالهم:
نظم البيع، والرهن؛ والعارية، والوديعة، والوكالة، والكفالة، وسائر العقود والمعاملات.

ووضع للمداينات نظامًا يكفل حفظ الحق، وراحة المتداينين، وينجيهم من شر النـزاع المفضي إلى الفشل وذهاب الريح.

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282 - 283].

فهل رأيت أو سمعت بنظام أدق وأحكم من هذا النظام؟

إن الدين عند الله الإسلام
نظم انتقال الملكية بالميراث تنظيمًا هو أعدل ما عرفه البشر.

كان من العرب من لا يورث النساء، فجعل الله للنساء نصيبًا مفروضًا.

قال تعالى: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7].

ومن الأمم من يجعل التركة كلها لأكبر الأبناء دون غيره؛ ومنهم من يوصي بها لمن يشاء من أهله أو من غيرهم؛ ومن الشرائع ما كان يسوي بين البنين والبنات، فجاء الإسلام بتشريع قضى على كل حيف و جنف،وقسم التركة قسمة هي المثل الأعلى للعدالة، قال تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً [5] أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [النساء: 11 - 12].

وقال تعالى: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النساء: 176].

هذه هي العدالة الحقة التي دفعت معتنقي الديانات الأخرى إلى أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية، ويتركوا نصوص شرائعهم؛ لما ملأ قلوبهم من اليقين بعدل الإسلام ودقة أحكامه.

لعل بعض من في قلوبهم مرض يعترضون على أن الإسلام لم يسو في الميراث بين الذكر والأنثى.

ولو أنهم اصطنعوا الأناة، واستنجدوا العقل؛ لتبين لهم الحق، وعلموا أن في التسوية بينهما ظلمًا مبينًا تبرأ منه العدالة.

إن المرأة التي أعطاها الإسلام نصف نصيب الرجل، أوجب على زوجها أن ينفق عليها من خالص ماله مهما تكن ثروتها فهي مكفية المؤنة ليست مطالبة بشيء من تكاليف الحياة إلا في الأحوال النادرة التي ترجع فيها إلى هذا النصف الذي منحها.

وهذا الرجل الذي أعطى ضعف حظ المرأة له زوج ينفق عليها من خالص ماله، ومهما يكن غناها فلن يرزأها منه شيئًا، وله أولاد يعولهم ويربيهم، فهو سند غيره، ومادة لحياة سواه. والمرأة خفيفة الظهر يكلف بنفقتها كل أولي قرباها الأقرب فالأقرب عند فقدان الزوج، وذلك هو العدل الذي لا عدل بعده.

وكانت الشرائع السابقة تقضي على كل من يريد أن يقرب قربانًا لله تعالى ليكفر به عن إثم اقترفه أن يجعله طعمة للنار.

جاء في سفر اللاوين من أسفار التوراة: "وثور الخطيئة وكبش الخطيئة اللذان أتي بدمهما للتكفير في القدس يخرجها إلى خارج الحلة، ويحرقون بالنار جلديهما ولحمهما وفرثهما".

أما الإسلام فقد نهى عن مثل هذا العمل الذي يعتبر في تشريعه إضاعة للمال، وأمر بأن تعطى هذه النسائك للفقراء والمساكين؛ وأن يطعم منها القانع والمعتر، وفي ذلك من التوسعة على البائسين، وصيانة المال من التلف ما يشهد بسمو هذا التشريع الذي ليس له مثيل.

وكانت الغنائم التي يغتنمها المجاهدون من أعدائهم في الحروب تقدم كذلك طعمة للنار، ولكن الإسلام أبقى على هذه الأموال وصانها من التلف وأحلها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولخلفائه من بعده للمجاهدين في سبيل الله قال - صل الله عليه وسلم -: "أحلت لي الغنائم"[6].
 
وقد نظم الله توزيعها تنظيمًا هو آية العدل المطلق فجعل أربعة أخماسها للمجاهدين: للفارس سهمان وللراجل سهم، والخمس لله ورسوله.

قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [الأنفال: 41].

وأما الفيء الذي لم يوجف عليه المجاهدون بخيل ولا ركاب فهو لله ورسوله يضعه حيث أمره الله.
قال تعالى: ﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 6 - 8]

وبعد فأغلب يقيني أن ما سردته لك من الأدلة وما وقفتك عليه من النصوص قد أقنعك إقناعًا تامًا بأن التشريع الذي شرعه الإسلام لتنظيم المال وتداوله، هو أعدل وأحكم تشريع عرفه الناس منذ كان لهم مال يملكونه ويتبادلونه، ومنذ وضعت لهم شرائع تنظم معاملاتهم؛ وتضبط تصرفاتهم، فازددت اعتزازًا بدينك، وحبًا له،واستمساكًا به، وحرصًا على الجهاد في سبيله.

كما نسأله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا أسرار كتابنا وأن يوفقنا للعمل الصالح الذي يقربنا إليه، وأن يرزقنا الحلال الطيب الذي يعيننا على طاعته إنه واسع عليم.





[1] البخاري (1968).
[2] البخاري (2606).
[3] البخاري (2591)، ومسلم (1628).
[4] البخاري (1345).
[5] أي لا والد له ولا ولد.
[6] البخاري (427)، ومسلم (521).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
فتنة المال
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فتنة المال
» كتب المال والاقتصاد
» فتنة النساء
»  فتنة النساء
» متاهة "التاريخ" بين "حقيقة الحدوث" و"فتنة الرواية"

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث اقتصادية-
انتقل الى: