منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 بلاد النوبة القديمة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

بلاد النوبة القديمة  Empty
مُساهمةموضوع: بلاد النوبة القديمة    بلاد النوبة القديمة  Emptyالأربعاء 18 سبتمبر 2019, 9:21 pm

‏النوبه القديمه | Old Nubia‏ مع ‏ابراهيم الشرقاوي‏ و‏حسن عبدالرحمن‏.


خريطة بلاد النوبة القديمة وخرائط طبوغرافية مفصلة للقرى
تمتد بلاد النوبة من غرب أسوان ومنطقة الشلال فى مصر شمالا الى مدينة الدبة جنوب دنقلة فى السودان جنوبا
وبعد إبرام اتفاقية 1899 بين مصر وانجلترا بوضع الحدود بين مصر والسودان وبناء على تلك الاتفاقية تم تقسيم النوبة إلى قسمين ، قسم يقع بجنوب مصر ويضم الفاديجة وعرب العليقات والكنوز وقسم آخر يقع بشمال السودان ويضم الدناقلة والمحس والسكوت واهل حلفا
وتم تقسيم النوبة المصرية الى مركزين
مركز الدر ويكون مقره بناحية كروسكو، ويتبع له 22 بلدا من أدندان جنوبا إلى وادى العرب شمالا، حيث يكون امتداد 152 كيلومترا، وزمامه 9117 فدانا و10 قراريط و8 أسهم أطيان، و 254793 نخلة، وتعداد أهاليه 31703 نفسا
والثاني مركز الكنوز يسمى بمركز أبو هور، ومقره يكون بناحية أبو هور، ويتبع له 18 بلدا تبتدئ جنوبا من ناحية المضيق إلى ناحية الشلال شمالا، حيث يكون امتداده 144 كليومترا، وزمامه 8025 فدانا و5 قراريط أطيان و 110440 نخلة، وتعداد أهاليه 32319 نفسا
وقد انتقل مقر مركز الدر الى قرية الدر وفى عام 1933 انتقل مقر مركز الدر الى قرية عنيبة وفى عام 1942 تغير اسم مركز الدر الى مركز عنيبة
وبعد بناء وتعليات خزان أسوان وغرق الكثير من البيوت والأراضى النوبية وهجرة الكثير من النوبيين وخاصة من منطقة الكنوز تم ضم القرى الجنوبية من قرى الكنوز الى مركز عنيبة وضم باقى قرى الكنوز الى مركز أسوان



خريطة بلاد النوبة القديمة وخرائط طبوغرافية مفصلة للقرى
تمتد بلاد النوبة من غرب أسوان ومنطقة الشلال فى مصر شمالا الى مدينة الدبة جنوب دنقلة فى السودان جنوبا
وبعد إبرام اتفاقية 1899 بين مصر وانجلترا بوضع الحدود بين مصر والسودان وبناء على تلك الاتفاقية تم تقسيم النوبة إلى قسمين ، قسم يقع بجنوب مصر ويضم الفاديجة وعرب العليقات والكنوز وقسم آخر يقع بشمال السودان ويضم الدناقلة والمحس والسكوت واهل حلفا
وتم تقسيم النوبة المصرية الى مركزين
مركز الدر ويكون مقره بناحية كروسكو، ويتبع له 22 بلدا من أدندان جنوبا إلى وادى العرب شمالا، حيث يكون امتداد 152 كيلومترا، وزمامه 9117 فدانا و10 قراريط و8 أسهم أطيان، و 254793 نخلة، وتعداد أهاليه 31703 نفسا
والثاني مركز الكنوز يسمى بمركز أبو هور، ومقره يكون بناحية أبو هور، ويتبع له 18 بلدا تبتدئ جنوبا من ناحية المضيق إلى ناحية الشلال شمالا، حيث يكون امتداده 144 كليومترا، وزمامه 8025 فدانا و5 قراريط أطيان و 110440 نخلة، وتعداد أهاليه 32319 نفسا
وقد انتقل مقر مركز الدر الى قرية الدر وفى عام 1933 انتقل مقر مركز الدر الى قرية عنيبة وفى عام 1942 تغير اسم مركز الدر الى مركز عنيبة
وبعد بناء وتعليات خزان أسوان وغرق الكثير من البيوت والأراضى النوبية وهجرة الكثير من النوبيين وخاصة من منطقة الكنوز تم ضم القرى الجنوبية من قرى الكنوز الى مركز عنيبة وضم باقى قرى الكنوز الى مركز أسوان



[/url]بلاد النوبة القديمة  23722573_1356674697792853_6362472095519352223_n.jpg?_nc_cat=104&_nc_oc=AQnbg8PW0V8WskPQMsJThz4YOrLzxq_PwmIEdTgZUMKBXm9VEtc0INoeNuBxwWOFfAE&_nc_ht=scontent.famm6-1


بلاد النوبة القديمة  23843555_1356674924459497_602381300738997743_n.jpg?_nc_cat=109&_nc_oc=AQkSxo7N106i9M9IyitnN-ggsFaccEMZ-iCwhX5YMxk1EaPxqHG1QVo4Gm-fap9lD1g&_nc_ht=scontent.famm6-1


بلاد النوبة القديمة  23755117_1356674851126171_5821096264044469206_n.jpg?_nc_cat=100&_nc_oc=AQmcZr6IstA-bRYRNoo_RUj9xkF_ChdpWq7l3vTSK56wVvTw6uZ02BuIAPyFJ-qGAcs&_nc_ht=scontent.famm6-1


بلاد النوبة القديمة  23722747_1356674864459503_1736260318561153807_n.jpg?_nc_cat=111&_nc_oc=AQlEQY8_yM4FIY8RInYQvYzE7Tx0yXqdAcwNLmJziGIVcQDUMiQiAjZDiHSYIGPfEeE&_nc_ht=scontent.famm6-1



بلاد النوبة القديمة  23755117_1356674851126171_5821096264044469206_n.jpg?_nc_cat=100&_nc_oc=AQmcZr6IstA-bRYRNoo_RUj9xkF_ChdpWq7l3vTSK56wVvTw6uZ02BuIAPyFJ-qGAcs&_nc_ht=scontent.famm6-1



بلاد النوبة القديمة  23722573_1356674697792853_6362472095519352223_n.jpg?_nc_cat=104&_nc_oc=AQnbg8PW0V8WskPQMsJThz4YOrLzxq_PwmIEdTgZUMKBXm9VEtc0INoeNuBxwWOFfAE&_nc_ht=scontent.famm6-1



بلاد النوبة القديمة  22540021_1326732584120398_391859809802256328_n.jpg?_nc_cat=102&_nc_oc=AQn1h2n_r-pvm8ZlMAI2RtKnEDj8HDg8NWAgy4jr9JA7TPyAK2XYs-eoJBCiGZ80KyA&_nc_ht=scontent.famm6-1



بلاد النوبة القديمة  22552487_1326732574120399_5241671910932016416_n.jpg?_nc_cat=106&_nc_oc=AQmLlDhwcwH2yMbX7jA_xjJuSOl4MsrLS-ixtFQHx3wewVKz8rCdnLHeKmb3KUbbylY&_nc_ht=scontent.famm6-1
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

بلاد النوبة القديمة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بلاد النوبة القديمة    بلاد النوبة القديمة  Emptyالأربعاء 18 سبتمبر 2019, 9:25 pm

ما لا تعرفه عن مملكة "النوبة".. ملوك وقبائل

ما لا تعرفه عن مملكة "النوبة".. ملوك وقبائل23 نوفمبر 2016 - 09:44 ص
"النوبة" هي حضارة قديمة نشأت على ضفاف النيل جنوب مصر في محافظة أسوان، وأطلق اسم النوبة على جزء من وادي النيل يمتد من أسوان شمالًا وحتى السودان جنوبًا.

وكان لدى النوبيين دولة تسمى بـ"دولة النوبة" بسبب التراث الثقافي والحضاري لها على مر العصور.

ووفقًا لبعض الباحثين اسم النوبة مشتق من لفظ "نب" ومعناه في اللغة الفرعونية القديمة "ذهب".

الموقع القديم

أما موقعها الحالي يقع شرق مركز "كوم أمبو" و"دراو"، ويتعدى عدد القرى النوبية في أسوان إلى أكثر من 20 قرية نوبية من أهمها "المضيق، السيالة، بلانه، الدكة، عنيبه، خريت، المالكي، قورته، أبو سمبل".

والنوبة كانت تعرف لدى القدماء المصريين ببلاد "كوش" ويرجع تاريخ النوبة للعصر الحجري إلي ما قبل التاريخ.

ولـ"النوبة" ثلاث قبائل رئيسية هما "العرب" و"الكنوز" و"الفاديجا".

وهنا نلقي الضوء علي القبائل النوبية الثلاث..

" العرب"

والعرب يقطنون وسط منطقة النوبة، ويتحدثون اللغة العربية، وهم وموزعون علي قرية: "السنقاري، شاترمة، المالكي، السبوع"، بالإضافة إلى بعض القبائل التي هاجرت إلي بلاد النوبة وهي "بنو ربيعة، وجهينة".

"الكنوز" أو "الماتوكية"

ويقطنون الكنوز بالمنطقة الشمالية لأسوان، ويتحدثون باللهجة تسمى "الكنزية"، ولهم عادتهم وتقاليدهم الخاصة بهم.

"الفاديجا"

أما الفاديجا يقطنون المنطقة الجنوبية بأسوان، ويتحدثون باللغة النوبية القديمة، وتمسى "الفاديجا" وتنطق ولا تكتب.

وبعد أن تحدثنا على النوبة وموقعها والقبائل التي تنتمي إليها، نتحدث الآن عن لغتها..

"اللغة النوبية"

واللغة النوبية هي مجموعة لهجات من "اللغة النوبية" يمتد استعمالها من مصر إلى الدبة في السودان.

واللغة النوبية في آخر القرن العاشر كانت تكتب والحروف المستخدمة كانت الحروف اليوناني بالشكل القبطي وكان فيها 3 حروف نوبية.

وبهذه اللغة كتبت نصوص في الديانة المسيحية وذلك نهاية القرن العاشر.

وخرج من "النوبة" عدة ملوك حكموا مصر القديمة في فترة من الفترات ومن أهمهم وأشهر الآتي..

"مينا موحد القطرين"

فكان مع ظهور بلاد النوبة ظهور آخر لفرعون  ينتمي إليها وهو الملك الذي حكم مصر في فترة من فترات وعرف بالملك "مينا" موحد القطرين؛ لأنه وحد تاج مملكة شمال مصر وجنوب مصر وكذلك الآلة الفرعونية الخاص بهم، حيث كان لكل من المملكتين آلة خاصة وتاج مختلف.

الملكة نفرتاري

وهي من أشهر زوجات الفراعنة حيث تزوجت بالملك رمسيس الثاني، الذي عاش في الأسرة التاسعة عشرة.

الملك طهارقا

 وكان فرعون مصر وخامس ملوك الأسرة الخامسة والعشرين، وامتدت فترة حكمه من 664 قبل الميلاد إلي 690،  واستقر وعاش في طيبة " الأقصر" حاليًا.

"الملك كاتشا"

وهو أحد الفراعنة النوبيين الذين حكموا مصر في فترة من الفترات، وكان من الأسرة الخامس



معلومات تعرفها لأول مرة عن تاريخ النوبة .. مع م.محمد صلاح ببرنامج كنوز نوبية





تاريخ بلاد النوبة
وقد سيطر النوباديين على معظم مصر والنوبة السفلى لدى تفكك الدولة الرومانية ، 
لكنهم اخرجوا منها فاكتفوا بالسيطرة على النوبة السفلى جنوب أسوان.
 وتمتيزت البليمي بنوع من الفخار ، وتوجد آثارهم الآن في منطقة كلابشة.
 بعد انهيار مملكة مروي عام 300 م قامت مملكة النوباديين عام 375 م قرب الحدود السودانية المصرية


تحميل كتاب مصر و بلاد النوبة تاريخ وأثار النوبة pdf 2019

https://download-date-history-pdf-ebooks.com/15834-redirect

https://www.kutubpdfbook.com/kutubpdfcafe/cover/Alkottob-RZP23.jpg

الكاتب: وولتر إمري
قد نفهم من العنوان الأصلى للكتاب أنه يتناول آثار الحضارة المصرية فى منطقة بلاد النوبة فى العصور القديمة،
 فى حين أنه لا يتناول الحضارة المصرية فى الواقع إلا من حيث آثارها وتاريخها فى منطقة النوبة: السفلى، و العليا،
 فى العصور القديمة، كما يتناول إلى جانب ذلك حضارات نوبية مستقلة، مثل : حضارات كوش ، ناباتا، ومروى ، وغيرها.

https://www.dopdfwn.com/cacnoscana/scanoanya/Alkottob-RZP23.pdf
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

بلاد النوبة القديمة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بلاد النوبة القديمة    بلاد النوبة القديمة  Emptyالأربعاء 18 سبتمبر 2019, 9:26 pm

موجز تاريخ دولة النوبة

ليست الموادعة بين أهل مصـر والنوبة موادعة هدنة، وإنما هي هدنة أمان؛ نعطيهم شيئًا من قمح وعدس، ويعطوننا رقيقًا، ولا بأس بما يُشترى من رقيقهم. كان البقط المرتب على النوبة وهو الرسم على ما قُرر: في كل سنة أربعمائة رأس من الرقيق، وزرافة واحدة. لأمير المؤمنين ثلاثمائة وستون رأسًا، وللنائب بمصـر أربعون رأسًا. ويُطلق لرسله، إذا وصلوا بالبقط تامًا ألف وثلاثمائة أردب قمح، لرسله منها ثلاثمائة.
الفقيه والعالِم المصري يزيد بن أبي حبيب (ت 128هـ) متحدثًا عن اتفاقية «البقط» بين الفاتحين المسلمين والنوبة.

القواعد الثلاث!
كانت النوبة منذ ما قبل الفتح الإسلامي لمصر دولة مسيحية عاصمتها دنقلة وتقع في أعالي النيل، وكانت حدودها تمتد من بلاد الحبشة جنوبًا إلى تخوم أسوان شمالًا، وهذه الدولة انقسمت تاريخيا إلى مملكتين أقواهما مملكة الشمال التي كانت عاصمتها دنقلة والمتاخمة لمصر.

كانت العلاقة بين مصـر والنوبة منذ الفتح الإسلامي لمصر، تقوم على أُسس ثلاثة هي:

الأول: مدى التزام النوبيين باتفاقية البقط مع الفاتحين المسلمين الأوائل لمصر بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي السرح رضي الله عنه.

الثاني: مدى ضعف مصر وقوتها، واستغلال النوبيين لهذا الضعف للإغارة والتوسّع.

الثالث: مقدار الحرية الدينية المتاحة للمسيحيين في مصر أو التضييق عليهم الأمر الذي كان يضطر النوبيين إلى إحداث القلاقل والاضطرابات في الجنوب، لفك الضغط عن إخوانهم المسيحيين في مصر [1].

لقد استقر الحال بين المسلمين والنوبة على اتفاقية سُميت «بـالبقط» كان يتم بموجبها إرسال هدية سنوية مقررة من النوبة إلى مصر والعكس، قال يزيد بن أبى حبيب:

ليست الموادعة بين أهل مصـر والنوبة موادعة هدنة، وإنما هي هدنة أمان؛ نعطيهم شيئًا من قمح وعدس، ويعطوننا رقيقًا، ولا بأس بما يُشترى من رقيقهم. كان البقط المرتب على النوبة وهو الرسم على ما قُرر: في كل سنة أربعمائة رأس من الرقيق، وزرافة واحدة. لأمير المؤمنين ثلاثمائة وستون رأسًا، وللنائب بمصـر أربعون رأسًا. ويُطلق لرسله، إذا وصلوا بالبقط تامًا ألف وثلاثمائة أردب قمح، لرسله منها ثلاثمائة[2].
لكن العلاقات كانت تشهد تقلبًا في العصور التالية الأموية والعباسية والفاطمية، ونتيجة لذلك سمحت الحكومات العباسية والفاطمية بهجرات القبائل العربية إلى بلاد النوبة، واستقرت هذه القبائل في تلك البلاد، واشتغلت بالزراعة، وأدى ذلك إلى تملكها للأراضي الزراعية وتوريثها لأبنائهم من بعدهم، وترتّب على ذلك أن خالط العرب المهاجرون أهالي النوبة وتزوّجوا منهم واستفادوا من نظام الوراثة عندهم الذي يعطي حق الإرث لابن البنت أو ابن الأخت دون ولد الصُلب [3]!

حروب المماليك وإضعاف النوبة
واستمر الحال على ذلك حتى شهدت مصـر في بدايات عصـر السلطان المملوكي الظاهر بيبرس (حكم من 658 – 676هـ) هجومًا مباغتًا وقويًا من دولة النوبة، ويسوّغ بعض المؤرخين هذا الهجوم على مصـر بسبب من العصبية النوبية المسيحية؛ «فإنه كان من الصعب أن تمر موجة الحماسة الدينية التي عمّـت عصر الحروب الصليبية دون أن يلحق مملكة النوبة بعضًا من رذاذها، وإذا كان الصليبيون في بلاد الشام مسيحيين مخلصين يهددون الكيان الإسلامي، فإن النوبيين كانوا عندئذ أيضًا مسيحيين لا يقلون إخلاصًا لعقيدتهم، وتهديدًا للمسلمين في جنوب مصر عن الصليبيين في الشام»[4].

استغل داود ملك النوبة آنذاك فرصة انهماك بيبرس بحروبه ضد المغول والصليبيين والأرمن في شمال بلاد الشام، فهاجم جنوبي مصر سنة 671هـ، فتمكن من نهب أسوان وأسر جماعة من سكانها، كما هاجم ميناء عيذاب على شاطئ البحر الأحمر، وهو الميناء شديد الأهمية بالنسبة للتجارة المصرية المملوكية، فضلا عن كونه الميناء الرئيس آنذاك للحُجاج.

وبسبب انشغال بيبرس في حروبه الشامية لم يتمكن من قيادة الجيش المملوكي على المملكة النوبية، لقد أراد أن يقود الحملة العسكرية ضد النوبة كما كان يفعل في الشام وآسيا الصغرى والفرات لتأديبهم على هذه الخيانة والمباغتة، لكنه في نهاية الأمر أرسل حملة عسكرية بقيادة الأمير آقسُنقر الفارقاني، مستغلًا لجوء ابن أخت ملك النوبة «مشكد» – كما تسميه المصادر التاريخية – إلى جانب المماليك.

تحركت هذه الحملة في شهر شعبان سنة 674هـ، وكان الظاهر قد أمدّها بكل ما تحتاجه من المؤن والعتاد، واستصحبت معها مشكد ابن أخت شكنده بغرض تمليكه النوبة حتى يكون ولاؤه للظاهر بيبرس دون غيره.

وبالفعل استطاع هذا الجيش المملوكي أن يهزم داود ملك النوبة، ويتعقّب قواته في بلاده، فاستولى على المناطق المهمة في تلك البلاد مثل قلعة الدقم وبلاد الجبل التي أبقى آقسنقر على ملكها.

عقب هذه الهزيمة وتنصيب مشكد أو شكندة في المملكة النوبية، تمت اتفاقية بين المماليك وشكندة نصّـت على ما يلي:

أن يُرسل إلى القاهرة جزية سنوية مقررة عبارة عن: 3 فيلة و3 زرافات و5 فهود و100 فرس و100 رأس من البقر الجيد.
أن يكون نصف مال النوبة للسلطان المملوكي ونصفها الآخر لعمارتها.
أن تخضع بلاد العلى وبلاد الجبال وهي المناطق الشمالية من النوبة للسلطة المملوكية مباشرة لقربها من أسوان.
أن يدفع كل نوبي دينار سنويًا إلى السلطة المملوكية نظير جزية، وقد اختاروا هذا الشرط عوضًا عن الإسلام أو القتل.
أن يعاد تفعيل اتفاقية البقط القديمة بين الجانبين [5].
وهكذا نرى انتصارًا سياسيًا وعسكريًا ظافرًا للملك الظاهر بيبرس، ولو ظلَّ النوبة على اتفاقهم القديم الذي وقّعوه مع الصحابي الجليل عبد الله بن سعد بن أبي السـرح سنة 31هـ المعروف بالبقط لكان خيرًا لهم، ولأول مرة يتم إخضاع النوبة لسيادة دولة إسلامية هي الدولة المملوكية منذ ظهور الإسلام.

وسرعان ما قُبض على داود فأُتي به إلى القاهرة، واعتقله الظاهر بيبرس في قلعة الجبل فكان آخر العهد به.

والحق أن تدخل المماليك في شئون مملكة النوبة زمن الظاهر بيبرس، وتبعيتها السياسية لهم كان سببًا في تدهور أحوال تلك المملكة وضعفها السياسي والعسكري؛ إذ ساعدت على ظهور بعض الدول الإسلامية في غرب السودان مثل الكانم والبرنو وهي الدول التي بدأت ترتبط بالمماليك بعلاقات راسخة طيبة، جعل مملكة النوبة محصورة في نطاق من الدول الإسلامية المتعاونة.

لكن ذلك لم يمنع ملك النوبة سمامون عن تراجعه عن قرار عدم دفع الجزية التي قررها المماليك عليه في العقد الثامن من القرن السابع الهجري، لذلك أرسل السلطان قلاوون إليها جيشين الأول سنة 685هـ والآخر سنة 688هـ، واستطاع المماليك أن يهزموا النوبة في المرتين، مع إبقاء حامية صغيرة للإشراف على تنفيذ الاتفاقيات المسبقة [6].

وفي عام 704هـ سافر الملك النوبي «آياي» إلى القاهرة حاملًا معه الهدايا، وقد جدد ولاءه للسلطان الناصر محمد بن قلاوون وطلب منه مساعدة عسكرية ضد منافسيه من السودان في الجنوب، فاستجاب السلطان له وأرسل معه فرقة عسكرية بقيادة والي قوص الأمير سيف الدين طقصبا، وأنهت الحملة مهمتها وعادت في العام التالي، «بعد غيبتهم تِسْعَة أشهر، ومقاساة أهوال فِي محاربة السودَان وَقلة الزَّاد»[7].

وبعد ست سنوات ثار الأمير كرنبس على أخيه آياي وقتله وحل محله ملكا على النوبة , وشعر كرنبس أنه في حاجة إلى دعم المماليك فزار القاهرة وحمل معه الجزية والهدايا وأعلن ولاءه للسلطان الناصر سنة 711هـ [8].

بيد أنه انقلب على النفوذ المملوكي، مما جعل الناصر يرسل حملة عسكرية تأديبية بقيادة الأمير عز الدين أيبك جهاركس، وأرسل مع الجيش أميرا نوبيا كان قد أسلم وهو سيف الدين عبد الله برشنبو وهو ابن أخت الملك السابق داود، وعندما علم كرنبس بأمر الحملة أرسل ابن أخته كنز الدولة إلى السلطان مستفسرًا حول هذه الحملة، ومعه كتاب يسأله فيه أن يشمله بعطفه، ويوليه المُلك، وقال في رسالته للناصر: «إذا كان يقصد مولانا السلطان أن يولي البلاد لمسلم، فهذا مسلم، وهو ابن أختي، والمُلك ينتقل إليه من بعدي»[9]، لكن الناصر لم يجب كرنبس إلى طلبه، واعتقل كنز الدولة، ووصلت الحملة إلى دنقلة ففر كرنبس وأخوه أبرام، لكن الفرقة المملوكية استطاعت القبض عليهما، وعادوا بهما إلى القاهرة سنة 716هـ [10].

وتم تعيين عبدالله برشنبو ملكا على النوبة، لكن ذلك لم يلق قبولًا من النوبيين، والتفوا وراء كنز الدولة الذي عفا عنه الناصر, واستطاع كنز الدولة قتل الملك برشنبو, وأعلن نفسه حاكما على النوبة, ولم يقبل الناصر ذلك, فأفرج عن أبرام أخي الملك كرنبس، وأمر بالمسير والقبض على كنز الدولة، وقام الأخير بالتنازل عن الملك لأبرام، لكن أبرام عاد للملك ثانية بعد موت كنز الدولة بصورة فجائية!

لقد عدّ الناصر كنز الدولة ثائرًا متمردًا، فجرّد حملة عسكرية بقيادة الأمير علاء الدين بن على قراسنقر سنة 723هـ ومعه خمسمائة من أجناد الحلقة أو قوات الاحتياط المملوكية, ومعه كرنبس الذي أسلم أثناء فترة أسره؛ لينصّبه على عرش النوبة, وتمكنت الحملة من تنفيذ الهدف المقرر لها، لكن في النهاية استطاع كنز الدولة استرداد عرشه بعد مغادرة الحملة، وتعد هذه الحملة هي الحملة الأخيرة التي أرسلها المماليك إلى النوبة، وانشغل المماليك بمشاكلهم الداخلية في مصـر، وورث أولاد وأحفاد كنز الدولة وكانوا مسلمين العرش في دنقلة حتى العصـر العثماني [11].

انهيار دولة النوبة
الحق أن تدخل المماليك في شئون مملكة النوبة زمن الظاهر بيبرس، وتبعيتها السياسية لهم كان سببًا في تدهور أحوال تلك المملكة وضعفها السياسي والعسكري
وبهذا، قُضي على دولة النوبة المسيحية ذات العرق الواحد والدين المسيحي، ودخل أغلبهم الإسلام طواعية في العصرين المملوكي والعثماني.
لقد انتهت الحملات العسكرية المملوكية التي كانت تخرج بانتظام منذ الظاهر بيبرس، لأسباب عدة، ولعل السبب الأبرز أن كنز الدولة كان مسلمًا انحدر من أصل عربي صريح، ولم يقف الأمر عند اعتلاء ملك مسلم للعرش، وإنما أخذت بلاد النوبة منذئذ تصطبغ بالصبغة العربية الواضحة نتيجة لهجرة بعض القبائل العربية، ومن ثم لم يعد هناك مبرر لأن يقوم سلاطين المماليك بالتدخل في شئون دولة مجاورة ذات صبغة عربية يحكمها ملوك مسلمون، خاصة أن هذه الدولة في عهدها الجديد كانت قد جنحت إلى السلم، ولم تعد مصدر خطر على حدود مصر الجنوبية، وإذا كان سلاطين المماليك قد تمسّكوا فيما مضى بضرورة قيام ملوك النوبة بإرسال البقط، فإن هذه الضريبة صار لا مبرر لها أيضًا بعد أن غلب الطابع العربي الإسلامي عليهم، ويتضح ذلك من قول القلقشندي: «فبعث السلطان كرنبس إليهم فملكهم وانقطعت الجزية عنهم من حين أسلم ملوكهم»[12].

وسرعان ما تشرذمت دولة النوبة بسبب انتشار القبائل العربية وعلى رأسها جزء من قبيلة جُهينة «في بلادهم واستوطنوها، وعاثوا فسادا، وعجز ملوك النّوبة عن مدافعتهم فصاهروهم مصانعة لهم، وتفرّق بسبب ذلك ملكهم حتى صار لبعض جهينة من أمّهاتهم على رأي العجم في تمليك الأخت وابن الأخت، فتمزّق ملكهم واستولت جهينة على بلادهم، ولم يحسنوا سياسة الملك، ولم ينقد بعضهم إلى بعض، فصاروا شيعًا ولم يبقَ لهم رسم ملك، وصاروا رحّالة بادية»[13].

وبهذا قُضي على دولة النوبة المسيحية ذات العرق الواحد والدين المسيحي، ودخل أغلبهم الإسلام طواعية في العصرين المملوكي والعثماني، وخضعت هذه المناطق لنفوذ المماليك وبني كنز الدولة وهم من العرب الأقحاح ثم تحت الحكم العثمانيين ثم تحت سيطرة محمد علي وأسرته على هذه البلاد وضمها لمصر حتى استقلال السودان الحديث، ولا يزال النوبيون منتشرين فيما بين أسوان شمالاً وحتى شمال الخرطوم جنوبًا وسط أغلبية من القبائل العربية حتى الآن.

[1] عطية القوصي: تاريخ دولة الكنوز الإسلامية ص43- 46.[2] النويري: نهاية الأرب في فنون الأدب 30/348، 349.[3] القوصي: السابق ص46.[4] سعيد عبد الفتاح عاشور: العصر المماليكي ص80.[5] المقريزي: السلوك 2/94، والمنصوري: زبدة الفكرة ص149.[6] محمد حمزة إسماعيل الحداد: السلطان المنصور قلاوون ص96، 97.[7] المقريزي: السلوك 2/410. [8] محمد شعبان أيوب: تاريخ المماليك ص520.[9] النويري: نهاية الأرب 32/238.[10] المقريزي: السلوك 2/516.[11] المقريزي: السلوك 3/67، وجمال الدين سرور: دولة بني قلاوون ص156.[12] القلقشندي: صبح الأعشى 5/267، وسعيد عاشور: العصر المماليكي ص100- 102.[13] القلقشندي: صبح الأعشى 5/267.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

بلاد النوبة القديمة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بلاد النوبة القديمة    بلاد النوبة القديمة  Emptyالأربعاء 18 سبتمبر 2019, 9:26 pm

النوبة: أصل الحضارة المصرية!

أنيس منصور
منذ ست سنوات كنت مريضاً بمستشفى (أوتل ديو) في باريس، وكان الطبيب المعالج هو البروفسور روشمور، والرئيس مبارك هو الذي اختاره وقرر أن أسافر فوراً من غرفة الانعاش في القاهرة إلى غرفة الانعاش في باريس ـ وهي حكاية طويلة، والحمد لله.

وأكبر باقة ورد جاءتني كانت من صديقي الأمير فواز بن عبد العزيز أمير منطقة مكة سابقا، وباقة أخرى من نقابة النوبيين في باريس ولندن ومدريد، غريبة! واما الذي حمل لي هذه الباقة الضخمة فهو السائق وهو نوبي، لماذا ؟

لأنني كتبت كثيراً عن أهل النوبة وعن تاريخهم العظيم، وأنهم أصل الحضارة الفرعونية، وأن ملوكنا وملكاتنا الجميلات المحندقات نوبيات ـ فيما عدا نفرتيتي فتبدو انها من أصول غير مصرية، أما حتشبسوت ونفرتاري وتيتي حماة اخناتون وغيرهن فمن النوبة. وأنا أرى أن حماة اخناتون هي صاحبة أجمل شفتين في تاريخ مصر الفرعونية وأجمل أنف أيضاً، أما الوجنات فهي بارزة وهذا يدل على أصلها الأفريقي، وكتبت أيضاً أن بلاد النوبة كانت على صلة مباشرة بأوروبا، دون أن تتوقف عند مدن الوجه البحري والعاصمة منف، وفي الوثائق الاغريقية أن أهل النوبة ونبلاءها وملوكها هم أيضاً الذين علموا مصر والاغريق نظام الملك ونظام الترقي بين الوظائف.

ولم يكن ذلك مجاملة لأهل النوبة على حساب التاريخ، وانما هي الحقيقة، وما كتبه البروفسور وليام ادامز في كتابه (النوبة طريق إلى أفريقيا) ليس جديداً علينا، وأهل النوبة يشكون في مثل هذه الكتب التي تحاول أن تخلق انفصالاً أو صدعاً بين مصر والنوبة، فالنوبة مصرية وأهلها مصريون ما في ذلك شك، واذا كان بعض السياسيين الأميركان أو بعض رجال الكنيسة الكاثوليكية يشيدون بأهل النوبة وحاجتهم إلى العدل والانصاف، فليس حباً لهم، وانما تشجيعاً لهم على كراهية مصر والانفصال عنها، حتى الدراسات الأميركية عن الحضارة النوبية تلقى حذراً وخوفاً شديداً، والذي قاله البروفسور أدامز من أنه ذهب إلى النوبة بحثاً عن الانسان البدائي فوجد حضارة مستقرة، ليس جديداً.

وانما الحضارة والفكر عند النوبة قديمة وإذا كانت لهم شكاوى من مصر فبسبب السد العالي وبحيرة السد التي أغرقت بيوتهم القديمة، وقد تم بناء بيوت بديلة، فهم مصريون لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات، وهم على يقين من أنهم أولاد حضارة عريقة، ونحن أيضاً!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

بلاد النوبة القديمة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بلاد النوبة القديمة    بلاد النوبة القديمة  Emptyالأربعاء 18 سبتمبر 2019, 9:27 pm

نوبة السودان هم أصل الإنسان ... وأصل الحضارة الفرعونيةبحوث موثقة تؤكد أنّ:

الدكتور/ الصادق عوض بشير

ثلاثة أحداث هامة وخطيرة عن السودان الحالي هزت معظم الأوساط العلمية في العالم مؤخراً. الحدث (الأول) فجره عالم الوراثة الإيطالي البروفيسور لويجي لوكا كافللي سفورزا، الذي أجرى بحوثاً في غاية الأهمية وأصدرها في كتاب سماه "الإنسان في الشتات: تاريخ التنوع الوراثي والهجرات البشرية الكبرى" وأصدرته دار الوراق (2001). وعزز ذلك المسح الجيني لسكان السودان الذي قام به الدكتور هشام يوسف الحسن، وأُعلنت نتائجه في مؤتمر صحفي عام 2008م، وخُتِمَ كل ذلك بالبحوث التي قادت إلى رسم الخريطة الجينية للسودانيين عام 2013م. وكلها أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك بطلان أسطورة وخرافة النقاء العرقي والعنصري التي استغلها بذكاء النازيون الألمان وبعدهم المستعمرون الأوربيون وأشعلوا بسببها الحروب الطاحنة في إيهام البشر بنقاء جنس الرجل الأبيض، وأنّ الأفارقة والآسيويين والعرب، أقل ذكاءاً بسبب فساد أدمغتهم كمبرر لاستعمارهم وطمس هويتهم والاستيلاء على مقدراتهم ومواردهم. والغريب أنّ الكثير من هذه الشعوب بما فيهم بعض العرب صدّقُوا هذه الرواية التي نشأت عنها عقدة الخواجة الذي يفوقهم فهماً، فأفسحوا له المجال في بلادهم ليعلمهم كيف يتحضرون ويتطورون!

وصحب هذه الأسطورة، الترويج الفاضح للفكرة التي تقول بأنّ ثمة أجناس أفضل من أجناس أخرى، وأن أعراقاً وشعوباً بعينها مُهيئة بالفطرة ولها القدرة على السيادة والسيطرة على الآخرين، مما غذى الحملات الاستعمارية لاستعباد الشعوب والمتسترة وراء خزعبلات علمية ثبت بطلانها، وأفضى في نهاية الأمر للتمييز العنصري والاضطهاد العرقي (كما حدث في جنوب أفريقيا)، وللحروب الأهلية التي اشتعلت في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بسب هذا الاستعلاء.

وقد شرح البروفيسور منتصر الطيب أستاذ علم الوراثة الجزئية في جامعة الخرطوم (الذي ترجم كتاب العالِم الإيطالي سالف الذكر) هذه النتائج في كتابه المسمى "تشريح العقل العرقي" الذي صدر عن دار عزة (2007) ثم قدمها كمحاضرة علمية ملفتة للنظر مؤخراً في جامعة الخرطوم أمها عدد كبير من العلماء والباحثين. ويمكن تلخيص أهم وأخطر ما ورد في محاضرته في أربعة حقائق هي:

1) أنّ البشر .. كل البشر يولدون خاليين تماماً من العنصرية كمفهوم وفكرة .. لكنهم يملكون القدرة على تمييز اختلافات اللون البشري.

2) إن محاولة استخدام الجينات في تدعيم الأيدولوجية العرقية تعتبر علمياً محاولة باطلة لا أساس لها. وضرب مثلاً بما يسمى "علم تحسين السلالات البشرية" والذي ظهر الهوس به في أوربا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.

3) أن هذا الهوس العرقي استغل نظرية "الانتخاب الطبيعي Natural Selection" ووظفها في محاولة لإثبات أن عِرْقاً أو جنساً معيناً هو أحسن وأفضل من أعراق وأجناس أخرى، مما فتح الباب على مصراعيه لاستعباد الشعوب دون وجه حق.

4) والمؤسف أنه حتى بعض العباقرة من حَمَلَة جائزة نوبل روجوا لهذه الادعاءات العنصرية الباطلة. وضرب مثلاً بالعالِم ويليم شوكلي الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء في الستينات من القرن الماضي الذي دعا إلى تعقيم Sterlization الزنوج في أمريكا حتى لا يتسببوا في إفساد وتدهور العرق الأبيض أو ما سمي وقتها بالمستودع الوراثي للأمريكيين. والثاني هو العالم جيم واتسون مكتشف الـDNA والحائز على جائزة نوبل في الكيمياء والذي قال أن الأفارقة أقل ذكاءً من البيض بسبب نظرية الانتخاب الطبيعي. وحتى العربي ابن خلدون رائد علم المجتمع وقع في نفس الفخ واتهم ذوي البشرة السوداء بالغباء بسب فساد أدمغتهم بفعل الحرارة الشديدة في بلادهم.

أما الحدث (الثاني) الأكثر إثارة والذي كان نتيجة لأبحاث عالم الوراثة الإيطالي لوكافيللي سفورزا، سالف الذكر، فيقول أن أهمية الخريطة الجينية للسودانيين بالنسبة لبقية سكان العالم أجمع، تنبع من حقيقة أن أسلاف السودانيين يرجع إليهم، من ناحية جينية، كل البشر في العالم اليوم، وأن ما يميز هذه الخريطة الجينية هما عنصري القِدَمْ والتواصل المستمر، حيث ثبت أن تسعين بالمائة من النساء السودانيات يحملن مورثات "جينات" متصلة دون انقطاع منذ مائة ألف عام (أي منذ بداية نشوء النوع البشري على وجه الأرض). مما يعني أن أصل الإنسان في أرجح آراء معظم العلماء يعود إلى منطقة جزيرة "صاي" في شمال السودان الحالي وهي منطقة معروفة منذ القدم وحتى اليوم بأنها تضم السكان النوبيين (انظر الخريطة المرفقة) وهي تقريباً نفس المنطقة التي عثر فيها العلماء على أقدم الجينات البشرية وتحديداً منطقة "كرمة". وقد تأكد أنّ أي إنسان على وجه الأرض ترجع أصوله الجينية إلى هذه المنطقة السودانية .. والأصل لا يصنف لعدم وجود شيء يقارن به.

خلاصة الأمر الذي استقر عليه العلماء أنه إذا أردنا الوصول إلى فهم أدق وصحيح للجنس البشري فلا بد لنا من دراسة جينوم السودانيين. وقد صدر من العلماء ما يفيد بأنّ السودانيين لا يمكن تصنيفهم عرقياً كما نفعل مع الآسيويين وغيرهم من الأجناس حسب جيناتهم باعتبار أن السودانيين هم الأصل.

أما الحدث (الثالث) والذي لا يقل أهمية وإثارة عن الحدثين السابقين، فيتعلق بالبحوث والتنقيبات الأثرية التي قام بها عالم الآثار السويسري المعروف أوربياً شارلي بوني واستغرقت سنوات طويلة في كل من مصر والسودان، وقضى حوالي أربعين عاماً منها في كرمة بشمال السودان حيث اكتشف من خلالها ومن خلال بحوثه في مصر، أنّ هنالك حلقة مفقودة في تاريخ الحضارة الفرعونية في مصر، فبعد مصر ذهب لشمال السودان وقضى فيه تلك الفترة الطويلة حتى قاده بحثه المضني إلى نتائج غير مسبوقة حيث اكتشف أن الحلقة المفقودة تمثلت في أن الحضارة النوبية في السودان، التي أسسها الفراعنة السود هم الذين حكموا مصر والمصريين لقرابة 2500 عام وامتد حكمهم هذا حتى أرض فلسطين شرقاً. وأنّ الحضارة النوبية هي أول حضارة قامت على وجه الأرض وتعتبر أعرق حضارة شهدها التاريخ. وكانت مدينة "كرمة" في شمال السودان هي عاصمة أول مملكة في العالم.

وإذا ربطنا هذا الاكتشاف، بالاكتشاف الثاني الذي يؤكد أن الأصل الجيني للإنسان يعود إلى منطقة جزيرة صاي في شمال السودان والتي تقع تقريباً في نفس منطقة كرمة، يتضح لنا صحة هذه الاكتشافات المذهلة والتي قال عنها عالم الآثار السويسري شارلي بونيه أنها ظلت غائبة لأكثر من ثلاثمائة ألف عام، وأن الحضارة الفرعونية المصرية التي ملأ صيتها العالم مستمدة أصلاً من الحضارة النوبية السودانية، وأنّ فراعنة السودان هم الذي سادوا المنطقة حتى قبل ظهور مصر على وجه الحياة. فدولة السودان (وليس مصر) هي أم الدنيا بحق وبلا منازع.

الجدير بالذكر في نفس السياق أن شارلي بونيه هذا بعد أن قضى عشرات السنين في كرمة بحثاً عن الحقيقة الغائبة والحلقة المفقودة، والتي قال إن معظم الشعوب تجهلها بما في ذلك شعوب وادي النيل، هو الذي اكتشف تمثال الفرعون النوبي الأكبر الذي حكمت حضارته مصر 2500 سنة، وذلك في ديسمبر من عام 2013م، وسط فرحة وابتهاج السودانيين التي لا توصف، حيث رُفعت الأعلام السويسرية والسودانية واللافتات في منطقة الاستكشاف والتي تمجّد شارلي بونيه وفريق عمله على هذا الاكتشاف المذهل الذي حضره عدد من كبار المسئولين السودانيين والسويسريين وعلى رأسهم وزير داخلية سويسرا آنذاك باسكال كوشبا الذي أصبح فيما بعد رئيساً لبلاده.

وذكر شارلي بونيه أنه للأسف الشديد عندما استجمع فراعنة مصر بقيادة الفرعون نارمر Narmer قواهم فيما بعد، فكروا في العام 664 قبل الميلاد في مهاجمة ملوك وفراعنة النوبة في السودان، فدخل مدينة كرمة ودمر حضارتهم وهدم معابدهم وقلاعهم وتماثيل ملوكهم. وعرض شارلي بوني في فيلم منشور على الـYouTube مدته حوالي ساعة كاملة، التماثيل والقلاع والمباني الشاهقة التي دمرها فرعون مصر نارمر والتي كانت وقتها تعتبر أعلى مباني في العالم كله إذ بلغ ارتفاعها عشرون متراً مما يؤكد كما قال شارلي بونيه أنها كانت أول حضارة في العالم ووجد من كتاباتهم أنهم كانوا يسمون تلك المباني الشاهقة باللغة النوبية "Deffufa – ديفوفا".

وقد تم توثيق كل هذه الأحداث والتنقيبات والاكتشافات في الفيلم الذي تحدثنا عنه والذي قدمته القناة السويسرية الأولى الناطقة بالفرنسة TSR-06 في برنامج عن الحضارة النوبية وملوك النوبة الذين حكموا مصر لمدة 2500 سنة. وقُدمت تلك الحلقة التاريخية القيمة من خلال أشهر برنامج تلفزيوني على الساحة الإعلامية السويسرية يسمى Temps Present وتقديم أشهر مذيع هو إريك بوماد Eric Bumad والذي استمر لساعة كاملة دون انقطاع، الشيء الذي يؤكد أهمية الحدث والاكتشاف.

الجدير بالذكر أن شارلي بونيه ومساعده عالم الآثار الفرنسي أحبّا الشعب السوداني وأعجبا به إعجاباً شديداً ووجد منهم تقديراً لأعمالهما. وقال شارلي أنه دخل مع السودانيين في علاقات متميزة حتى أنه ومساعده من شدة تعلقهم بالسودانيين كانا يلبسان الجلابية السودانية المعروفة باستمرار.

لقد راجت أقوال تفيد بأن بعض علماء الآثار المصريين كانوا على معرفة ودراية بهذه الحقائق لكنهم لحسدهم أخفوها عن عمد عن الشعبين المصري والسوداني وشعوب العالم حتى لا تتأثر السياحة المصرية بهذه الحقائق وحتى لا يفسدوا للمصريين اعتقادهم الزائف بأنهم أهل الحضارة الفرعونية التي لا يوجد غيرها في وادي النيل .. وحتى يطمسوا عن عمد الحضارة النوبية السودانية التي كانت بكل المقاييس العلمية الموثقة هي أساس الحضارة المصرية الفرعونية والتي سبقتها بمئات القرون، حتى قيض الله لشارلي بونيه هذا الاكتشاف المزلزل والذي يتوقع له أن يخطف الأضواء العالمية وإلى الأبد من حضارة فراعنة مصر إلى حضارة فراعنة نوبة السودان.

كثيراً ما قرأنا عن العديد من المقالات التي دبجها كُتّاب ومثقفوا شعوب العالم عن السودانيين، لكونهم يتفردون كشعب بصفات وخصال وخصائص لا نظير لها. وقد حان الوقت للسودانيين لكي يبتهجوا بهذا الاستحقاق الذي صادف أهله ... لا غروراً ولا غمطاً لاستحقاق الغير، بل إرجاعاً للحضارة إلى صناعها الأصليين، وإحقاقاً للحق الذي طُمِسَ عن عمدٍ وسبق إصرار حتى أظهره الله.

وَصَفَ الصحفي السعودي مطلق العنزي بجريدة اليوم السعودية حُب السودانيين بالمتلازمة السودانية Sudanism وقال في مقالة له "لو أنّ عربياً قد فاز بجائزة التهذيب بين عشرين من العرب فالأرجح أنْ يكون سودانياً، ولو قيل أن عربياً قد فاز بجائزة نظافة اللسان بين عشرين من العرب، فالأرجح أنْ يكون سودانياً، ولو قيل أن عربياً قد فاز بجائزة الوفاء بين عشرين من العرب، فالأرجح أن يكون سودانياً. والشركات لا تعين مترجماً إلا إذا كان سودانياً لاشتهارهم بالترفع عن إفشاء الأسرار، والمرضى في المستشفيات يتزاحمون على عيادات الأطباء السودانيين لأنهم يتوسمون فيهم الشجاعة في مقاومة غرور النفس وعدم التجرؤ على ارتكاب اجتهادات مغامرة خطيرة فيما يجهلون. وعرب الخليج يميلون لتشغيل سائقين وطباخين ومرافقين من السودانيين لأنهم أقل جرأة على الانخراط في المؤامرات والخيانة وأكثر الناس حفظاً للأمانة والأسرار وحفظاً للود ونظافة اللسان والملبس. فالسودانيون بكرمهم الهطال ومشاعرهم اللطيفة يجعلونك تحني رأسك لهذا الجميل الذي لا يقاس ولا يقدر ولا يوزن ولا يكال.

وإذا أضفنا لذلك الاكتشاف الحقيقة الأخرى المُدعمة أيضاً بالوثائق والوقائع والتي اكتشفها كل من البروفيسور عبدالله الطيب والبروفيسور حسن الفاتح قريب الله بأن هجرة صحابة الرسول الأعظم الأولى والثانية كانت منطقياً وجغرافياً وتاريخياً إلى السودان الحالي وليس إلى الحبشة (والتي سأفرد لها مقالاً لاحقاً) يكون السودان بذلك قد تبوأ بالفعل مكانة تاريخية ودينية سامقة.

فإذا أحسنت حكومته ومؤرخوه ومثقفوه ترويج هذه الاكتشافات عالمياً وإسلامياً، سيكون للسودان شأن عظيم ويضع بذلك حدّاً للهوان وتضييع الفرص لتحل اليقظة والريادة محل الدوامة المفجعة الذي ظل يدور فيها منذ فجر استقلاله في يناير 1956م وحتى يوم الناس هذا ... فهنيئاً لنوبة السودان ... أصل الإنسان.

المراجع:

1) مقال (العنصرية وعلم الجينات – وهم النقاء العرقي) – لمحفوظ بشري – جريدة العربي الجديد 19/09/2014م.

2) مقال (فراعنة السودان حكموا مصر حتى فلسطين عدة قرون) – لعمر الفاروق – جريدة الراكوبة الالكترونية.

3) فيلم يوتيوب (حضارة كرمة) لشارلي بونيه، باللغة الفرنسية.

4) مقال (حب العرب للسودانيين) للصحفي السعودي مطلق العنزي – جريدة اليوم السعودية 26 أكتوبر 2014م.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

بلاد النوبة القديمة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بلاد النوبة القديمة    بلاد النوبة القديمة  Emptyالأربعاء 18 سبتمبر 2019, 9:28 pm

بلاد النوبة القديمة  300px-GD-EG-Cataractes_du_Nil







النوبة هي المنطقة الواقعة في جنوب مصر على طول نهر النيل حتى شمال السودان. تقع معظم النوبة في السودان ويقع ما يوازي 25% منها في مصر.


في العصور القديمة كانت النوبة مملكة مستقلة. وكان وادى الخوىّ، جنوب الشلال الثالث عبارة عن حوض قديم للنيل طوله حوالى 123 كم إلى الشرق من مجرى النيل الحالى. فمنذ الألفية الرابعة ق.م. كان حوضاً زراعياً غنياً ادي لظهور الجنمعات النيوليتية. اكتشف به جبانات كانت تجسيداً على الأرض للتنظيم الاجتماعي لمجتمعاتها إبان الألفية الثالثة ق.م.




النوبة وقدماء المصريين
كان قدماء المصريين يطلقون علي بلاد النوبة بلاد كوش التي تقع من جنوب أسوان وحتي الخرطوم حيث يعيش شعب النوبة ، وحيث قامت ممالك إمتد نفوذها علي وادي النيل بمصر حتي البحر الأبيض المتوسط شمالا . ويرجع تاريخ النوبة للعصر الحجري في عصر ما قبل التاريخ. ففي منطقة الخرطوم وجدت آثار حجرية ترجع لجنس زنجي يختلف عن أي جنس زنجي موجود حاليا .وفي منطقة الشخيناب شمال الخرطوم وجدت آثار ترجع للعصر الحجري الحديث من بينها الفخار والخزف. وكان النوبيون الأوائل يستأنسون الحيوانات.


وفي شمال وادي حلفا بمنطقة خور موسى وجدت آثار تدل علي أن الإنسان في هذه الفترة كان يعيش علي الصيد وجمع الثمار وصيد الأسماك .وكانت الصحراء هناك سافانا أصابها الجفاف في فترة لاحقة. حيث كان النوبيون يمارسون الزراعة. وقد قامت حضارة منذ 10 آلاف سنة في منطقة خور بهان شرقي مدينة أسوان بمصر (الصحراء الآن)، وكان مركزها في مناطق القسطل ووادي العلاقي حيث كان الأفراد يعتمدون في حياتهم على تربية الماشية إلا أن بعض المجموعات نزحت ولأسباب غير معروفة جنوبا وتمركزت في المناطق المجاورة للشلال الثاني حيث اكتسب أفرادها بعض المهارات الزراعية البسيطة نتيجة لاستغلالهم الجروف الطينية والقنوات الموسمية الجافة المتخلفة عن الفيضان في استنبات بعض المحاصيل البسيطة ، مما أسهم في استقرارهم هناك و قيام مجتمعات زراعية غنية على مستوى عال من التنظيم في منطقة القسطل. وهذا يتضح من التقاليد في المناطق الشمالية من النوبة.


وكانت متبعة في دفن الموتى وثراء موجودات المدافن مما يدعو إلى الاعتقاد بوجود ممالك قوية لبس ملوكها التاج الأبيض واتخذوا صقر حورس الشهير رمزا لهم قبل زمن طويل من ملوك الفراعنة في مصر العليا لأن التاج الأبيض وشعار حورس اتخذا فيما بعد رمزا للممالك المصرية التي نشأت في مصر لاحقا ، مما أدى إلى الاعتقاد بان هذا التقليد منشؤه ممالك مصر الفرعونية . ولكن في الواقع فإن وادي النيل الأعلى لم يكن قد عرف بعد الكيانات البشرية المتطورة في تلك الحقبة البعيدة من التاريخ عندما نشأت حضارة المجموعة الأولى كما يبدو من آثارها المنتشرة في المنطقة عندما إحتلت جزءا من وادي النيل امتد من جبل السلسلة ( في مصر العليا ) شمالا وحتى بطن الحجر عند الشلال الثاني في الجنوب .


وكان قدماء المصريون يسمون النوبة آنذاك تا سيتي أي ارض الأقواس نسبة لمهارتهم في الرماية ، و كانت بينهم نزاعات حدودية انتهت باحتلال النوبة للأجزاء الجنوبية من مصر العليا لفترة من الوقت . وساعد انتقال الخبرات النوبية إلى مصر على استقرار المجتمعات البشرية في شمال الوادي وتطورها مما كان له الفضل في قيام الممالك المصرية القديمة لاحقا .


وأهم ما يميز المجموعة الحضارية الأولى أنواع الفخار المميز ذو اللون الوردي والأواني المزركشة بالنقوش، وقد عثر على بعض الأنواع المشابهة لهذا الفخار في مناطق متفرقة من شمال السودان حتى أم درمان. كما تميزت هذه الحقبة بطريقتها المميزة في دفن الموتى حيث كان الميت يدفن في حفرة بيضاوية الشكل على جانبه الأيمن متخذا شكل الجنين ومتجها جهة الغرب.


ومع بدايات توحيد ممالك مصر العليا في مملكة واحدة متحدة واجهت النوبة قوة لا تقهر في الشمال بدأت تهدد وجودها واستقرارها. وبازدياد نفوذ وهيبة المملكة المصرية المتحدة اتجهت أطماعها جنوبا صوب النوبة ، في الوقت الذي بدأت فيه المجموعة الأولى تفقد قوتها العسكرية والاقتصادية مما جعلها عاجزة عن تأمين حدودها الشمالية التي بدأت تتقلص تدريجيا نحو الجنوب ، وقد بدا علامات الضعف والتدهور واضحة في آثار هذه الفترة مما دفع بعض العلماء إلى الاعتقاد بوجود مجموعة أخري تعرف باسم " المجموعة الحضارية الثانية " تلت المجموعة الأولى وكانت أضعف منها نسبيا




مملكة كرمة


وبحلول عام 2900 ق.م أصبحت النوبة السفلى بكاملها تحت السيطرة المصرية وخلت تماما من سكانها بعد تراجعهم جنوبا إلى منطقة النوبة العليا ليختلطوا بحضارة كرمة الوليدة ، وظلت النوبة السفلى بعد ذلك مهجورة لعقود طويلة وانقطعت أخبارها خاصة بعد تعرض آثارها ومدافنها الملوكية للحرق والتدمير من قبل جيوش المملكة المصرية . في نفس الوقت الذي كانت تشهد فيه منطقة أخرى من النوبة ميلاد حضارة جديدة ظهرت بوادرها في منطقة مملكة كرمة 3000 ق.م. – 2400 ق.م. )(مادة). وسيطرت مصر مابين 1950 ق.م وحتي 1700 ق.م. حيث كانت النوبة على امتداد تاريخها الطويل عرضة للاعتداءات المصرية على أطرافها الشمالية . وكان من أهم أسباب هذه الاعتداءات الرغبة في تامين الحدود الجنوبية و تأمين طرق التجارة التي كانت تربط مصر بإفريقيا عبر بلاد النوبة ، بالإضافة إلى الأطماع المصرية في ثروات المنطقة المختلفة.


لهذا تعددت المناوشات المصرية على حدود النوبة منذ عهود ما قبل الأسر في مصر ، واستمرت على امتداد التاريخ النوبي ، وكانت تنتهي في أحيان كثيرة باحتلال أجزاء منها ، خاصة منطقة النوبة السفلى.


وأول محاولة فعلية لاحتلال النوبة كانت في عهد الأسرة المصرية الثانية عشر عندما غزا المصريون النوبة حتى منطقة سمنة وبنوا فيها العديد من الحصون والقلاع لتأمين حدودهم الجنوبية. ومنذ ذلك التاريخ خضعت النوبة للنفوذ المصري لما يقرب من 250 عاما تمكنت خلالها من الاحتفاظ بخصائصها وهويتها الثقافية. وانتهت هذه السيطرة الأولي عندما تفككت المملكة المصريةالوسطى,وضعفت قوتها مما شجع مملكة كرمة على مد نفوذها شمالها وضم كل منطقة النوبة السفلى في عام 1700 ق.م. وكان عصر السيطرة المصرية الثانية منذ 1550 ق.م. وحتي 1100 ق.م. بعد طرد الهكسوس على يد أحمس مؤسس الأسرة الثامنة عشر حيث تجددت الأطماع المصرية في بلاد النوبة ، وتوالت المحاولات لغزو أطرافها الشمالية ، إلى أن تم إخضاع النوبة بكاملها حتى الشلال الرابع في عهد " تحتمس الثالث " وظل حتي 550 م. وعرف بحضارة إكس . عندما بدأت الثقافة النوبية في التغير اثر دخول مجموعات بشرية جديدة لوادي النيل حيث دفن الملوك في مدافن ضخمة مع قرابين من الرعايا والأحصنة والحمير والجمال وغيرها من الحيوانات . وأخبارهم غامضة لا يعرف عنها إلا القليل.


مملكة مروي


وقامت مملكتان في منطقة النوبة هذا العصر وهما مملكة البليمي (عند الإغريق) وهم قبائل سكنت شرق النيل وحتى البحر الأحمر وكان العرب يطلقون عليهم البدجا ومملكة النوباديين وهم القبائل المعروفة بالنوبة الآن. وقد سيطر النوباديين على معظم مصر والنوبة السفلى لدى تفكك الدولة الرومانية ، لكنهم اخرجوا منها فاكتفوا بالسيطرة على النوبة السفلى جنوب أسوان. وتمتيزت البليمي بنوع من الفخار ، وتوجد آثارهم الآن في منطقة كلابشة. بعد انهيار مملكة مروي عام 300 م قامت مملكة النوباديين عام 375 م قرب الحدود السودانية المصرية.


استمر النوباديين في عبادة الآلهة المصرية القديمة ، كما استخدموا الرموز الفرعونية في الكتابة . واتحد النوباديين مع البليمي لمقاومة الغزو المسيحي القادم من الشمال .ووجدت آثار ثراء دلت عليه موجودات معابدهم في القسطل وبلانة والمتألفة من المجوهرات والسيوف الأفريقية والتيجان والأسلحة . وكان المعبود الأول في النوبة هو الإله ابيدماك وهو مصور في آثارهم برأس أسد .وكانت الصناعة الأساسية في مروي هي صناعة الحديد، وقد دلت الحفريات على الأفران التي كانت مستخدمة في صهر الحديد.


مملكة كوش


بدأ الاحتكاك بالرومان عندما احتل قيصر مصر بعد هزيمة كليوباترا في العام 30 بعد الميلا، عندما أرسل قائده بترونيوس لمنطقة النوبة بهدف السيطرة على مناجم الذهب في عام 24 ميلادي، إلا أن الملكة النوبية أماني ري ناس تصدت له وتمكنت من إلحاق هزائم متلاحقة بجيشة في أسوان والفنتين . ولكن تفوق الجيوش الرومانية لم يمكنها من الصمود طويلا ، فانسحبت إلى الجنوب ليحتل الرومان النوبة السفلى بينما ظلت النوبة العليا تحت سيطرة مملكة مروي . كره النوبيون الرومان، ووجد تمثال لراس القيصر اوغسطس مدفونا تحت عتبة احد المعابد بعد عقد اتفاق مع الرومان في مصر أمكن للنوبة الاستمرار في مناطق أسوان ، مما أدى إلى تسهيل التجارة وانتقال الثقافة والفنون النوبية لمصر . ( أنظر : مروي . نباتة . كرمة .) وفي النوبة تطورت عبادة الإله آمون إلي أشكال آمون التشبهية بالإنسان وبرأس الكبش في المعابد النوبية ولاسيما في مملكة مروي (مادة) حيث ظهر التمثيل التشبيهى الإنسانى لآمون في الآثار الكوشيَّة حتى نهاية مملكة مروى نتيجة إقتباس هذا الشكل من التصوير الإيقونى له في طيبة بمصر ولاسيما عندما كانت كوش خاضعة للملكة الحديثة المصرية . وظهرت هذه الصورة البشرية للإله آمون في الأيقونات المروية المتأخرة.


وتؤكد هذه الصور حرص المصريين علي أن يوجدوا بكوش في جبل البركل عبادة روح (كا) آمون الطيبى، وأنهم إعتبروا آمون النباتي واحداً من الأشكال التعبدية لآمون طيبة بوصفه إله الدولة في مصر. وعد آمون في النوبة كاءً (روح) لآمون في طيبة إنما تدعم الفكرة القائلة بأن عبادته كانت تواصلاً منطقياً لعبادة آمون في مصر. وفي النوبة ظهرت أيقونات Icons لآمون الكبشى الرأس ولاسيما في أيقونات المعبد الرسمى مما يدل أنه أصبح إلها رسميا في عبادات النوبة . لهذا ظهرت تماثيله في شكل آمون الكبشى الرأس مع قرص الشمس والصل على الرأس في أبى سمبل و المعابد السودانية القديمة.وكان آمون في مصر قبل ظهور الأسرة 18 بها ،مرتبطاً بالأوزة أو الحيَّة لكن ليس بالكبش أبداً. الكشف في مقابر كرمة عن قرابين حملان، ونعاج، وكباش متوجة بموضوعات كروية أو بريش نعام بدأت تشير إلى أن تلك الحيوانات قد تكون ألهمت الشكل الكبشي الجديد لآمون . فقبل الإحتلال المصرى ظهرت عبادة محلية للكبش في النوبة ولاسيما في كرمة (مادة) .وظهور آمون كبشى الرأس يرمز لإتحاد آله مصر آمون مع إله كوش الكبش .وهذا الإتحاد أدي إلى خلق أشكال جديدة لآمون.


فظهرت في الإيقونات الرسمية والتماثيل منذ حكم الرعامسة في شكل آمون كبشى الرأس في كل من كوش ومصر. وتطورت عبادة آمون بعد دخولها للنوبة. ففي معبد أبوسمبل يلاحظ صل ضخم امام آمون .وهذاالشكل لم يلاحظ في المعابد المصرية . وأصبح الصل الضخم سمة نوبية مميزة لآمون في البيئة السودانية . و ظل آمون الكبشي معبودا محليا للنوبة ، بينما ظل آمون البشري معبودا بمصر الفرعونية .وعبادة آمون في النوبة تمَّ تطويرها عبر إستعارة العديد من الأفكار والسمات الإيقونية من الثيولوجيا المصرية؛ لكنه على كل ومع مرور الوقت تمَّ نسيان الأصل المصرى لآمون، وإختفت الكثير من أشكاله المصرية ووضع العديد من الصور الإيقونية الجديدة لآمون كوش (مادة) الكبشي في المعابد والبيئة السودانيَّة القديمة.


والتشابه القوى بين صور آمون في مصر والنوبة كانت سبباً للتاثير المتبادل وللإحلال المتبادل القادم من الجانبين. مارس آمون الكوشى تأثيراً على عبادة آمون في مصر. أتاح الخلق الجديد إمكان تركيب نظاماً ميثولوجياً جديداً عكس نزعات تطور الدولة السودانية القديمة. ومن ثم نجد أن العبادة بالنوبة كانت مرتبطة بتطور العبادات الفرعونية بمصر .لهذا مرت بمراحل مختلفة . ففي عهد أمنوحتب الأول أعاد إحتلال النوبة السفلي وشيد هياكل بالقلاع المصرية للإله حورس Horus ولما توسع بعد الشلال الثاني أوجد معبودا جديدا سماه حورس سيد النوبة . وأيام حكم حتشبسوت وتحتمس الثالث وأمنحوتب الثاني أدخلت معابد جديدة بالقلاع وخارجها ومن بينها المعبد المزدوج لآمون – رع ،و رع – حارختي . وتم إدماج حورس سيد النوبة مع آمون – رع . وغيرها من الآلهة الإندماجية التي صورت مراحلها علي المعابد المصورة ، وفي عهد رمسيس الثاني انتشرت صور لعبادة الملك وبجواره الآلهة الثلاثة الرسمية آمون – رع ، ورع - حاراختى، وبتاح - تاتجينان ، مع إنتشار الأشكال المقدسة للحاكم. . ففى أواخر الأسرة 18 والأسرة 19، اعتبر آمون-رع في النوبة بجنوب الشلال الثانى معبوداً رئيساً, حيث صورت آلهة مصر وآمون في المقدمة و يتبعه آلهة حورس في النوبة. وتعتبر الأربع مدن الكوشية الرئيسية القديمة مدنا حضارية حيث كان يمارس بها الطقوس الدينية. ينقسم النوبيين الحاليين إلى الكنوز، والفديجا، وأيضا نوبيين جبال النوبة.


النوبة القبطية


دخلت المسيحية إلي بلاد النوبة منذ القرن الأول الميلادي. ويذكر العلامة أوريجانوس إن القديس متي هو أول من بشر بالمسيحية السودان، ثم إثيوبيا، ويذكر أيضاً أن أول مسيحي سوداني كان من حاشية الملكة كنداكة، الملكة الأم في مملكة مروي عام 37.[3]


ويمكن تقسيم المراحل التي مرت بها النوبة القبطية إلى ثلاث مراحل:


العصر المسيحي المبكر، من منتصف القرن السادس إلى حوالي منتصف القرن التاسع، وكان عصراً انتقالياً نقلت فيه النوبة انجازات الحضارات المجاورة لها.
عصر الرخاء والازدهار، من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن الثاني عشر، وكان عصر تميز بالرخاء والاستقرار وازدهر فيه البناء والفنون بتأثيرات خارجية وخاصة من مصر.
العصر المسيحي المتأخر، وكان عصر امضحلال من حوالي منتصف القرن الثاني عشر حتى سقوك آخر الممالك النوبية في منتصف القرن الرابع عشر، وفيه انعزلت الحضارة النوبية وقامت فيه صراحات داخلية وكانت تحت حكم القوى الخارجية.
وبدء الدخول الرسمي للمسيحية في السودان في عهد الإمبراطور جستنيان الذي حكم (527-565) وكان علي المذهب الكاثوليكي وكانت زوجته الإمبراطورة ثيودورا تؤمن بالمذهب الأرثوذكسي وكان الإمبراطور ينوي إرسال بعثة تبشيرية ولكن سبقته الإمبراطورة وأرسلت بعثة يقودها الكاهن يوليانوس الذي نشر المسيحية وشرح نصوصها علي المذهب الأرثوذكسي ونتج عن ذلك إعتناق ملك النوبة وزوجته المسيحية ونستدل من ذلك علي إن البعثات التبشرية بدأت من الكنيسة القبطية وتركت أثارها هناك حيث تكتب اللغة النوبية بالأحرف القبطية مع زيادة ثلاث أحرف كما بينا سابقا ومن المعروف أنه عند وصول المسيحية كانت هناك ثلاث ممالك مسيحية تمتد من الشلال الأول وحتي منطقة سوبا الحالية والقريبة من الخرطوم وهذه الممالك هي:


مملكة نوباتيا وعاصمتها فرس
مملكة المقرة وعاصمتها دنقلا
مملكة علوة وعاصمتها سوبا
وإعتنقت مملكة نوباتيا وعلوة المسيحية علي المذهب الأرثوذكسي بينما إعتنقت مملكة المقرة المذهب الكاثوليكي علي أيدي البعثة التبشرية التي أرسلها جوستنيان ثم حدث إن توحدت نوباتيا وعلوة وغابت الكنيسة الغربية عن الساحة فتحولت مملكة المقرة للمذهب الأرثوذكسي. وبعد وفاة يوليانوس تم رسامة لونجينوس أسقفا علي للنوبة عام 566 الذي تحول علي يدي أهل المقرة للمذهب الارثوذكسي. وازداد عدد الأبرشيات حتي بلغ 17 أبرشية وكانت تعين لهم بابوية الإسكندرية الأساقفة. ويقول المؤرخ حنا السوري إن عدد الكنائس كان مائة وخمسين كنيسة بمملكة علوة. ويقول أبو صالح الأرمني أنه في منتصف القرن الثالث عشر كان عدد الكنائس في مملكة علوة 400 كنيسة.


ويذكر التاريخ إن ملوك النوبة كانوا حماة للكنيسة القبطية ففي عهد البابا خائيل البطريرك الواحد والأربعين طالبة حاكم البلاد المصرية وهو حفص بن الوليد بأموال كثيرة وسافر البابا للصعيد لجمع الاموال وعندما علم الملك قرياقوص ملك النوبة (744-768) قدم علي رأس مائة ألف من الفرسان ومثلها من الجمال ولما سمع والي مصر طلب من البابا أن يكتب للملك ان يرجع علي أن لن يعود ان يطلب من أموال مرة اخري وقد كان.


بعد دخول العرب مصر لم يستطيعوا السيطرة علي السودان ولكنهم لم يأسسوا فعاودوا حملاتهم علي الجنوب حتي وقعت مدينة بعد الأخري في أيديهم. وجاء الأتراك لينهوا علي البقية الباقية وقاموا بعزل كل حاكم مسيحي حتي لو كان حكمة علي قرية صغيرة وتعيين حاكم مسلم بدلا منه. وأنحسرت المسيحية في السودان وبقيت مجرد أثار في المتحف السودان القومي والمتاحف بالخارج.


النوبة الإسلامية
دخول الإسلام
لما فُتحت مصر، بعث عمرو بن العاص، عقبة بن نافع الفهرى إلى بلاد النوبة ليدعو أهلها إلى الإسلام، فلقى من أهل النوبة قتالاً شديداً، ورمى أهل النوبة المسلمين بالنَّبْل وكانوا فيه ذوى مهارة عالية فكثرت إصابات المسلمين، وفقد عدد منهم أعينهم، حتى أطلقوا على أهل النوبة رماة الحَدَقِِ لكثرة من أصيب من المسلمين، يومئذٍ، في عينه.[4]


وتوالت محاولات المسلمين لدخول النوبة، لكنها استعصت على الفتح نحو عشر سنين. ثم كانت ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح لمصر في عهد الخليفة الراشد الثالث، عثمان بن عفان فغزا النوبة وقاتل أهلها، حتى سألوه الصلح والموادعة، فأجابهم إلى هدنة اتُفِقَ فيها على أن يدفع أهل النوبة إلى المسلمين، ويدفع المسلمون إلى أهل النوبة، أموالاً متقابلة في كل سنة، وكان هذا الصلح في رمضان سنة 31 هـ وبه دخل الإسلام النوبة، فلم يمض إلا زمن قليل ليسلم أهل النوبة كلهم، وكان صلح عبد الله بن سعد بن أبي سرح مع أهلها فتحاً حقيقياً أبقى من كل قتال سبقه بين النوبة وبين المسلمين.


وقد روى أن المسلمين لم يروا قوما أشد في الحرب من أهل النوبة، ولا أمهر منهم في الرمى. قال أحد المقاتلين في حصار النوبة في زمن عمر بن الخطاب: «لقد رأيت أحدهم يقول للمسلم أين تحب أن أضع سهمى منك؟ فربما عبث الفتى منا (أى من المسلمين) فقال في مكان كذا، فلا يخطئه النوبى».


وأورد العلامة محمد حميد الله الحيدر آبادي نص المعاهدة بين عبد الله بن أبي سرح وبين أهل النوبة في كتابه "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخلافة الراشدة"، ومما جاء في هذه المعاهدة تحديد مساحة النوبة وأنها من جنوب أسوان إلى أرض علوة، وأن الأمان والهدنة يجريان بينهم وبين المسلمين ممن جاورهم من أهل صعيد مصر، وغيرهم من المسلمين وأهل الذمة، وأنهم آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد صل الله عليه وسلم لا يحاربهم المسلمون ولا يُعِدُّون لحربهم ولا يَغْزُونَهُم، وأن لكل من الفريقين أن يدخل بلد الآخر دون أن يقيم فيها، وأن على أهل النوبة حفظ من نزل بلدهم أو مر به من مسلم أو معاهد حتى يخرج عنهم، وعليهم أن يحفظوا المسجد الذى أنشأه المسلمون في مدينتهم ولا يمنعوا منه مصلياً (وهو مسجد أنشأه بعض من كان يمر ببلاد النوبة للتجارة وغيرها في غير أوقات الحرب بينهم وبين المسلمين، واتخذ مع الوقت مقرا لكل من يدخل من المسلمين بلاد النوبة). ثم ذكرت الوثيقة الأموال التى يتبادلها الطرفان في أثناء سريان هذه الهدنة.


والأصل أن الهدنة مؤقتة وأنها قابلة للتجديد، لكن التاريخ لا يحدثنا بشىء عن تجديد العهد مع أهل النوبة، إذ إن الزمن لم يَطُلْ بهم حتى دخلوا في الإسلام جميعا.


والثابت أن المسلمين صالحوا أهل النوبة على غير جزية، وإنما على هدايا يتبادلها الفريقان، بقيم متساوية، في كل عام.


اتفاقية البقط


دأ تاريخ النوبة الحديث مع غزو العثمانيين لمصر عام 1751 بعد الانتصار الذي أحرزه السلطان سليم الأول على المماليك في موقعة الريدانية، وبانتهاء حكم المماليك خضعت مصر ومعها النوبة للحكم العثماني، وقد عين سليم الأول حكاماً على النوبة أقاموا الحصون في أسوان وابريم وجزيرة صاي وغيرها من المواقع ووضع فيها حاميات من جنود البوسنة ومن سلالة هؤلاء لا يزال يوجد بعض النوبيين الذين يتميزون ببشرتهم البيضاء.[5]


مع ضعف الحكم العثماني خاصة في القرن الثامن عشر الميلادي زاد نفوذ المماليك الذين كانوا حكاما للسناجق في العصر العثماني وكانوا حكاما للبلاد قبل مجيء العثمانيين وأعرف الناس بشئونها فآلت إليهم أمور الحكم ومع تطلع هؤلاء الى السيطرة عانت النوبة مما عانته مصر من اضطراب نتيجة الصراع بين امراء المماليك بعضهم البعض من ناحية وبينهم وبين السلطة العثمانية من ناحية أخرى خاصة في منتصف القرن الثامن عشر في الفترة التي سيطر فيها على مصر إبراهيم بك ومراد بك (1775ـ1798). واستمر ذلك الاضطراب والنزاع بين زعماء المماليك على الحكم حتى كانت حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798.


فتحت الحملة الفرنسية على مصر صفحة جديدة في تاريخ مصر والنوبة وأفريقيا بصفة عامة. فقد كانت أول حملة أوروبية على العالمين العربي والإسلامي في العصر الحديث. وجاءت بعلمائها المزودين بكل ما يحتاجه البحث العلمي من كتب وآلات علمية وأدوات. وقد حرصوا في بحوثهم ودراساتهم على كشف النقاب عن تاريخ وآثار البلاد التى وقعت في قبضتهم، وبحثوا في مناخها وطبيعتها وحيواناتها وأجناسها وعادات أهلها.وقد زار علماء الحملة الفرنسية صعيد مصر وبلاد النوبة وجاءت دراستهم في كتاب وصف مصر الذي انتهى العمل فيه عام 1822، وتضمن دراسة النوبة والنوبيين وضعها العالم الفرنسي كوستاز تحدث فيها عن موقع بلاد النوبة الذي حدده بين مصر ومملكة سنار،وتَحدث عن سكانها وميزهم عمن جاورهم من شعوب سواء مصر في الشمال وزنوج سنار في الجنوب والقبائل المتجولة حولهم في الصحراوات الواقعة شرق النيل وغربه ،وقد وصف الشلال عند أسوان بأنه ليس شلالا لعدم وجود مساقط مائيه كثيرة ووصف وسائل انتقال النوبيين وتجارتهم مع مصر التى كانت تعتمد على المقايضة كما ذكر خضوع النوبة للسيطرة العثمانية وكان النوبيون يؤدون للسلطان ضريبة من التمور والرقيق الذين كانوا يشترونهم من قوافل سنار وكانوا لا يسترقون مطلقا رجالا من أبناء جلدتهم ووصف طبائع النوبيين ومعيشتهم السلمية مع من جاورهم ولطافة معشرهم واستقامتهم ووصفهم بالأمانة والإخلاص وتمسكهم الشديد بالدين الإسلامي مما جعلهم محلا للثقة وتحدث عن ملابسهم وعاداتهم ولغتهم وقارن بينها وبين العربية، غير أنه لم يجمع عن لغتهم المعلومات الكافية كي يقارن بينها وبين اللغات واللهجات الأفريقية الأخرى. وأهمية هذه الدراسة في كتاب وصف مصر تمكن في إنها ألقت الضوء للقارئ الأوروبي على بلاد النوبة التى كانت مجهولة بالنسبة لهم.


تتابع المسكتشفون والرحالة الى بلاد النوبة بعد الحملة الفرنسية، ومن الدراسات الهامة تلك التى كتبها الرحالة السويسري بوخارت بعنوان رحلات في النوبة والتي نشرت في لندن سنة 1819 بعد أن جاء الى مصر عام 1812. وترجع أهمية الدراسة في انها تعطى صورة صادقة الى حد كبير عن المجتمع النوبي وعن حياة العبابدة والبشارية في أوائل القرن العشرين ووصف بوخارت كثيرا من آثار النوبة ومعابدها وتحدث عن أصل النوبيين وأحوال معيشتهم وأوضحت دراسته الكثير مما كان غامضا آنذاك عن النوبة.


عندما وثب محمد علي على سدة الحكم في مصر عام 1805 تطلع الى فتح السودان فدخلت النوبة وسنار وكردفان في حوزة مصر فيما بين 1820-1823 . ويذكر المؤرخون دوافع عدة لفتح النوبة والسودان منها رغبة محمد على في تجنيد النوبيين والسودانيين في الجيش المصري النظامي لما اشتهروا من الشجاعة والصبر والطاعة ورغبته في التخلص من الفرق الباقية من غزوته لجزيرة العرب، وكذلك رغبته في القضاء نهائيا على المماليك الذين لجأوا الى النوبة بعد مذبحة القلعة فضلا عن رغبته في الاستحواذ على ذهب النوبة.وقد تقدم بنفسه عام 1815 على رأس الجيش الذي وصل الى دنقلة وقضى على فلول المماليك بها وأعلنت بلاد النوبة ولائها للحكم المصري .وزار محمد على النوبة مرة أخرى في أكتوبر 1838 وحقق الفتح المصري في بلاد النوبة والصعيد ونظر المصريون للسودان والنوبة كجزء لا يتجزا من مصر ووصلت حدود مصر الجنوبية الى جزيرة صاى.


بعد حروب محمد على مع السلطان العثماني وتدخل الدول الأوروبية الكبرى الذي انتهى بتسوية لندن المعروفة 1840 وفرمان فبراير 1841 وتأكيد اعتبار مصر ولاية تابعة للسلطان العثماني، ظل شطرالوادى الجنوبي مثل شطره الشمالي مقاطعة من مقاطعات الدولة العثمانية. وعانت بلاد النوبة والسودان من تلك التسوية باعتبارهما ملحقات لمصر، وجاء الى بلاد النوبة الرحالة والمستكشفون والتجار والمغامرون من الأجانب للانتفاع بالمزايا التى كفلتها لهم تلك التسوية، فجاء المستكشفون مع حملة إسماعيل بن محمد على وجاء التجار لاقتناص الرقيق وجمع العاج والتربح منه. عندما اشتعلت نيران الثورة المهدية في السودان قدر لبلاد النوبة أن تكون ميدانا للمعارك بين جيوش الدراويش من اتباع الثورة وبين الجيش المصري الذي أرسل لاسترجاع السودان تحت قيادة ضباط إنجليز. فانتهت الحملة بموقعة توشكى في أغسطس 1889، وتشتت جيش الدراويش وسعت إنجلترا الى استرجاع دنقلة وبقيت السودان ،وانتهت الأمور بالاتفاق الثنائي بين الحكومتين المصرية والإنجليزية في 19 يناير، وهو الاتفاق الذي أضر بوحدة السودان ومصر معا، حيث انفردت إنجلترا في الواقع بحكم السودان لتستغل مصادر الثروة فيه لمصلحتها الذاتية. وقد أضر الاتفاق كذلك بوحدة بلاد النوبة السياسية وقسمها الى قسمين رئيسيين :النوبة السودانية(النوبة العليا)وتمتد داخل السودان،والنوبة المصرية (النوبة السفلى)تمتدمن الحدود السودانية حتى أسوان هنا بالرغم من أن البلاد بقسميها تمثل وحدة جغرافية متميزة يسكنها شعب متماثل عرقيا وثقافيا واجتماعيا.


النوبة المعاصرة


تعلية سد خزان أسوان
كانت بداية هجرة أول نوبي مع بناء خزان أسوان عام ‏1902‏ الذي ارتفع معه منسوب المياه خلف الخزان ليغرق عشر قري نوبية وتحمل أهالي هذه القري وحدهم آثار بناء الخزان وقاموا بالهجرة طواعية ودون طلب من أحد فانتقلوا إلي قري في البر الغربي وإلي مختلف محافظات مصر، وبعد ذلك حدثت التعلية الأولي للخزان عام ‏1912‏ وارتفع منسوب المياه وأغرق ثماني قري أخري هي قورته والعلاقي والسيالة والمحرقة والمضيق والسبوع ووادي العرب وشاترمه، وبعد ذلك جاءت التعلية الثانية للخزان عام‏1933‏ وأغرقت معها عشر قري أخري وفي الخمسينيات بدأت الدراسات لإقامة السد العالي وتم ترحيل أهالي النوبة خلف السد عام ‏1963‏ إلي هضبة كوم أمبو‏.‏


وكانت لهجرة أبناء النوبة تبعات فقد بدأت مشاكلها مع بداية الحصر عام ‏1960‏ الذي صنفهم ما بين مقيم ومغترب وتم نقل ‏42‏ قرية بنفس أسمائها القديمة وأقيمت وحدات صحية وتعليمية وتم امدادها بالمرافق التي لم تكن موجودة في النوبة القديمة وهناك شكوي حاليا من أن البيوت لم تعد تتناسب معهم خاصة أن الأبناء يحتاجون إلي مساكن جديدة فبعد أن كانت تعيش الأسرة في بيت لا تقل مساحته عن الألف متر مربع بخلاف الأرض الواسعة التي كانوا يمتلكونها أصبحت كل أسرة تمتلك بيتا مكونا من حجرة واحدة أو أربع حجرات علي حسب عدد أفرادها‏.‏


نقل قرى النوبة والتهجير
أغلب قري النوبة التي هجرت تم نقلها إلي مركز نصر النوبة في صحراء كوم أمبو‏، الذي ما إن تصل إليه حتي تلاحظ معالم التنمية بكافة أشكالها فالشوارع الرئيسية مرصوفة والفرعية ممهدة تماما والبيوت تحتفظ بالروح النوبية مع أنها ليست مثل البيوت القديمة من حيث الشكل لكنها بنيت بطرز مختلفة وأغلبها من دور واحد وبعضها تم تطويره وتعليته لأكثر من دور وجميعها مقامة علي صف واحد ولا يوجد بها أي تشوه عمراني‏،‏ وأمام كل منزل عمود إنارة وبكل قرية وحدة صحية ومدرسة أو مجمع مدارس‏،‏ والنظافة العامة سمة من سمات القري النوبية الجديدة فالزرع الأخضر في كل مكان أمام البيوت وفي الشوارع‏.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

بلاد النوبة القديمة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بلاد النوبة القديمة    بلاد النوبة القديمة  Emptyالأربعاء 18 سبتمبر 2019, 9:34 pm

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية 




تاريخ النوبة
تقع بلاد النوبة فيما بين الشلال الأول والرابع، وقد أطلق عليها التاريخ أسماء كثيرة، فهي في التوراة بلاد الكوش، وكوش هذا — فيما تقول التوراة — هو جدُّ النوبيين، وأخو «مصرايم» جدِّ المصريين، وكلاهما من حام بن نوح. وأطلق عليها الإغريق اسم إيتيوبيا، ومعناه الوجه شديد السمرة، ويطلق هذا الاسم الآن على بلاد الحبشة.
أما اسم النوبة، فهو — فيما يقال — نسبة إلى كلمة نب، ومعناها في اللغة النوبية: الذهب، أي: بلاد النوبة هي بلاد الذهب، ولوفرة هذا المعدن في صحاريها.
وكان يسكن هذه البلاد قوم يجتمعون في نسبهم بقدماء المصريين، حتى ليذهب المؤرخ ديودور إلى القول بأن أصل المصريين جالية نوبية نزحت من الجنوب، ويؤيده في ذلك أن موتى المصريين — قبل عصور التاريخ — كانت تُدفن ورءوسها متجهة نحو الجنوب، وأن البخور كان يستعمل في العبادة المصرية منذ القدم، وما كان ذلك ممكنًا لو لم يكن المصريون قد جاءوا من الجنوب، وأن أشهر آلهة مصر من النوبة، مثل: أوزيريس الذي أنقذ مصر من الهمجية، وعلَّم أهلها الزراعة، ووضع لهم الشرائع، وشيَّد المباني في طيبة. ومثل زوجته إيزيس التي أخرجتهم من الوحشية، وصرفتهم عن أكل لحوم البشر، وعلَّمتهم قواعد الزواج الشرعي، وكذلك ابنهما حورس رب الوطنية والفروسية، الذي طهَّر مصر من آلهة الشر والفساد.
ويذهب آخرون إلى أن النوبيين نزحوا قديمًا من مصر إلى الجنوب، وحملوا معهم بذور الحضارة والعقائد المصرية، ويستدلُّ هؤلاء على ذلك بأن النوبيين كانت لهم حضارة قديمة، لا تختلف كثيرًا عن حضارة المصريين، كما أن الإله المصري أمون كان مقدسًا عندهم في نبته ومروى.
وسواء أكان المصريون جالية نوبية نزحت إلى الشمال، أم كان النوبيون جالية مصرية هاجرت إلى الجنوب، فإن مما لا شك فيه أنهما من عنصر واحد، فقد أثبتت الأبحاث العلمية التي أجراها العلامة إليوت سميث Elliot Smith في مقابر مصر والنوبة، أنه لا فرق بين المصري والنوبي في التكوين الجثماني، حتى ليتعذَّر من هذه الوجهة تعيين حدٍّ فاصل يميِّز أحدهما عن الآخر!
وقد١ وقعت في بدء الأسرات الملكية في مصر غزوات جاءت بكثير من الدماء الزنجية، فأثَّرت في الدم المصري والنوبي، وكانت أشد تأثيرًا في المنطقة الواقعة فيما بين جبل السلسلة والشلال الثاني.
أما قبائل النوبة التي تقطن بين الزنوج جنوب كردفان، فإنها لا تمت إلى الزنوج بصلة، وإنما وُجدت هنالك منذ القدم، فرارًا من التصادم بالموجات البشرية القوية التي تدفَّقت إلى تلك البلاد، ولا تزال هذه القبائل في مستوى أرقى من الزنوج، وتمتاز عنهم في تكوين الجسم والطباع.
وهناك عنصر حامي لم يختلط بالزنوج، كالنوبة، وهو المعروف بقبائل البجة، بل ظل محافظًا على بداوته في الصحراء، بينما كان العنصر النوبي يعيش على ضفاف النيل.
ولما جاء الفتح الإسلامي تدفقت سيول القبائل العربية إلى تلك البلاد؛ لانتجاع الرزق واستغلال مناجم الذهب، فاختلطت دماء النوبيين والبجة بدماء العرب، ونزلت هنالك بعض قبائل البربر، ثم جاء الفتح التركي بعنصر آخر، حتى صار النوبيون الآن خليطًا من عدة عناصر، أهمها: العربي، فالتركي، فالبربري، فالنوبي.

(١) مصر والنوبة

ويرتبط تاريخ النوبة ارتباطًا وثيقًا بتاريخ مصر، حتى ليصح القول بأن كلًّا منهما متمِّم للآخر؛ فإن وحدة الأصل والوطن والدين قد أحكمت بينهما أواصر القربى والجوار، فإذا هما شعب واحد في آماله وآلامه، على الرغم من اختلاف الإقليم والمناخ.
وللتاريخ النوبي أطوار عدة تبدأ منذ فجر التاريخ، حيث عهد البداوة والقبلية في النوبة، وبدء الحضارة والملكية في مصر، وفي هذا الطور قامت مصر بكثير من الحملات التجارية والحربية في بلاد النوبة، وبذل ملوكها جهودًا متوالية في فتح الطرق البحرية بين الجنادل، وإخضاع القبائل النوبية المجاورة التي كثيرًا ما كانت تُغِير على الحدود المصرية.
وكان من آثار ذلك نمو العلاقات بين مصر والنوبة، وتبادل المنافع والدماء، فقد غزا سنوفرو، آخر ملوك الأسرة الثالثة، بلاد النوبة، ثم توغل في الجنوب وعاد ومعه سبعة آلاف أسير من الزنوج والنوبة، ومائتا ألف رأس من الماشية، واستخدم هؤلاء الأسرى في استثمار مناجم الفيروز بطور سيناء، أو في تشييد قبره بدهشور، وبناء هرمه في ميدوم، واستطاع بيبي الأول أحد ملوك الأسرة السادسة — بعد أن بسط نفوذه على شمال النوبة — أن يجنِّد منها جيشًا هَزم به أمراء الوجه البحري.
ولما سهلت المواصلات بين مصر والنوبة، هاجر كثير من المصريين إلى تلك البلاد؛ للبحث عن مناجم الذهب، أو فرارًا من ظلم الولاة، فدخلت بلاد النوبة في طور جديد، ونمت فيها بذور الحضارة المصرية، وازدادت عناية الفراعنة باستعمارها، فأقام ملوك الدولة الوسطى هنالك الحصون والقلاع؛ للسيطرة عليها وتأمين الطريق.
وفي عهد الدولة الجديدة، تم الاستيلاء على تلك البلاد، وامتزج بها الدم المصري، وانتشرت المدنية المصرية، ثم استقلت النوبة عن مصر، وقامت فيها مملكة قوية عاصمتها «نبته» على مقربة من الشلال الرابع، بسطت سلطانها على مصر فيما بعد.
وقد أسفرت هذه الأطوار عن إيجاد رابطة قوية بين مصر والنوبة، فإن مملكة «نبته» لم تقم إلا على أساس الحضارة المصرية، وبرعاية كهنة أمون الذين هاجروا إليها بعد سقوط طيبة، كما أن أحمس أول ملوك الأسرة الثامنة عشرة تزوَّج بابنة ملك النوبة على عهده، فأمدَّه هذا الملك بجيش نوبي استطاع أن يطرد به الرعاة من مصر، وتزوج كاتشا ملك النوبة بابنة كاهن مصري، فأنجبت له بعض ملوك الأسرة الخامسة والعشرين.
ثم اضمحلت مملكة «نباتا» بعد سقوط هذه الأسرة، واستقلت كل من مصر والنوبة، وتعاقب على مصر الفرس والبطالسة والرومان، وقامت في النوبة مملكة مروى، فنالت في التاريخ شهرة واسعة لم تنلها نبته من قبل، وبعد أن زالت مملكة مروى ظهرت في النوبة ممالك أخرى، أشهرها: مملكة النوبة السفلى، من الشلال الأول إلى الرابع، وعاصمتها دنقلة العجوز، ومملكة علوة، من الشلال الرابع إلى أعالي سنار، وعاصمتها سوبة على النيل الأزرق، ومملكة أكسوم، وهي المعروفة الآن بالحبشة.
وحوالي القرن السادس الميلادي كانت المسيحية قد انتشرت في تلك البلاد، ولم يبقَ على الوثنية إلا قبائل البجة، وكان الإسلام إذ ذاك قد دخل مصر، وأحاط المسلمون ببلاد النوبة من الشمال والشرق، وكان لهم مع نصارى النوبة ووثنيي البجة وقائع كثيرة كانت تفرض فيها الجزية، وقلَّما تؤدى، حتى انتمى النوبيون إلى الإسلام حوالي القرن الثامن الهجري.
وقامت في المهاجر العربية في بلاد النوبة ممالك صغيرة، مثل: مملكة الشايقية، والدفار، ودنقلة، والحندق، وأرقو، وكانت على صغرها ذات بأس وقوة، حتى إن ملوك الشايقية كثيرًا ما كانوا يغزون ممالك النوبة ويفرضون عليها الجزية، ثم انقسمت بلاد النوبة بعد ذلك بين الفونج في الجنوب والكشاف في الشمال، حتى جاء الفتح المصري الأخير، فعادت كلها تابعة لمصر.
وقد ظهرت الحضارة هنالك منذ أربعة آلاف سنة، ثم أخذت تنمو وتزدهر وتصطبغ بالصبغة الفرعونية، حتى بلغت شأوًا بعيدًا في الدين والسياسة والفنون، فقامت هناك الأهرام والمعابد، وارتقت الفنون والصناعات، وانبسط سلطان النوبة على وادي النيل.
وقد وفِّقت هذه البعوث إلى كثير مما ترجوه، واستطاعت أن تجمع صورًا قيِّمة لتلك الحضارة؛ أهمها ما يختص بالعصر المروي، وهي بلا شك ثروة جديدة تضاف إلى نفائس التاريخ.
ولعل أقدم هذه الآثار ما وُجد في مقابر عنيبة، ويرجع تاريخها إلى ألفي سنة قبل الميلاد؛ منها مائتا آنية من الخزف والفخار، محفور عليها نقوش بديعة ملونة، وفي هذه المقابر أيضًا تماثيل صغيرة، كانت توضع مع الميت لتنوب عنه في أداء الأعمال الشاقة في الحياة الأخرى، وهذا لون من العقائد المصرية القديمة.
أما حضارة العصر المروي، فقد تأثَّرت بالفن المصري والروح البيزنطية، وفي مقابر فسطل وبلانة آثار ثمينة من الوجهة التاريخية والفنية، تمثل هذه الحضارة في أزهى عصورها، فهناك تيجان من الفضة المرصَّعة بالجواهر والتماثيل الصغيرة، ومجموعة ثمينة من الحلي والأسلحة والأطباق والملاعق، وتحف بديعة من البرنز على شكل مواقد ومباخر ومصابيح، ورقعة للشطرنج من العاج والأبنوس، وأطقم فاخرة من السروج والبراذع، مصنوعة من الجلد المصبوغ باللون الأزرق، ومطعَّمة بالفضة والأحجار الكريمة، ومحلَّاة بزخارف، هي مثل حي على رقي الفنون الجميلة في ذلك العهد.
بلاد النوبة القديمة  Figure9

من مشايخ أبي حمد والشلال وهم كأهل الصعيد.
وهذه المقابر خاصة بطبقة الملوك والأشراف، يُلبِسونهم التاج والحلي والسلاح، ويزوِّدونهم بالطعام والشراب، ويُودِعون قبر الملك تحفه الخاصة، ثم يشنق العبيد أنفسهم لديه، وتطهَّم خيوله حيث تُقتل داخل القبر؛ ليكون الجميع في خدمته في الحياة الأخرى!
وقد روى هيرودوت أن النوبيين كانوا يحنِّطون الميت، ويطلون جسده بالجصِّ، ويدهنونه بمادة تجعله قريب الشبه بالحياة، ثم يوضع في أسطوانة من البلُّور؛ بحيث يُرى الميت ولا تنبعث منه رائحة الموت، وتُحفظ هذه الأسطوانة لدى أقارب الميت سنة كاملة، يقدَّم له في خلالها الذبائح وبواكير كل شيء، حتى ينتهي العام فتُنقل هذه الأسطوانة إلى المقابر.
وفي المتحف المصري قسم خاص بالتاريخ النوبي، تمتلئ غرفه وأروقته بآثار ثمينة، تمثل الحضارة النوبية في كثير من العصور، ويوجد تمثال من المرمر للأميرة أمنرتيس Amenartais الزوجة المقدسة لأمون وحاكمة طيبة، وهو قائم على قاعدة من الجرانيت الأسود، بقدٍّ أهيف وقوام رشيق ووجه صبوح، يزيِّنه التاج على رأسها، والأساور العريضة في معصميها، والحجول الكبيرة في رسغيها، وعلى قاعدة التمثال منقوش اسم أخيها الملك شبكا.

(٢) مملكة نبته أو نباطا وملوك النوبة في مصر

ومن المحقق أنه نشأت ممالك بالنوبة، ولكن تاريخها غامض، وقد ثبت أن الملك أحمس أول ملوك الأسرة الثامنة عشرة قد استعان بملك النوبة على الرعاة الذين أرهقوا المصريين أكثر من ستمائة عام «٢٢١٤–١٦٠٠ق.م»، حتى تشتَّت كثير منهم في بلاد النوبة، وأسسوا فيها مهاجر كثيرة، وأمدَّه هذا الملك بجيش نوبي طرد به هؤلاء الرعاة من مصر.
ولما سقطت مملكة «طيبة» بعد عهد الرعامسة،٢ نفى الملك «سمنتوميامون»، أحد ملوك الأسرة الحادية والعشرين، كهنة أمون معبود طيبة من مصر، فلجأ هؤلاء إلى بلاد النوبة؛ لأنها كانت تعبد هذا الإله، وشملوا ملوك النوبة برعايتهم، وقوَّوا فيهم نزعة الحرية والسيادة، فإذا بمملكة «نباته» «أو نباطا» مملكة قوية ذات حضارة وسلطان، وإذا بها تبسط سيادتها على وادي النيل، وتعيد لأمون نفوذه وسلطانه.
ومن ملوك «نبته» قامت الأسرة الخامسة والعشرون «٧١٥–٦٦٤ق.م»، ولا يزال باقيًا من آثار هذه المملكة بعض المعابد والأهرام، فهناك — عدا المعابد — ثلاثة عشر هرمًا في جبل البرقل، وخمسة وعشرون تجاهه في نوري عند الشلال الرابع، وهي مبنية من الحجر الرملي على هيئة أهرام مصر إلا أنها أصغر منها حجمًا، وفي واجهة كل هرم إيوان كأواوين المعابد المصرية.
وقد استولى النوبيون على الصعيد، وانقسم الوجه البحري إلى عشرين ولاية بعضها مستقل عن بعض، وكان على ولاية سايس أمير قوي «تفنخت»، طمع في ضم الولايات الأخرى إليه، فاستعان على ذلك بجنود نوبية حارب بها الأمراء حتى تغلب عليهم، وتم استيلاؤه على مصر السفلى، فعُدَّ مؤسِّسًا للأسرة الرابعة والعشرين.
ولم تقف مطامع «تفنخت» عند هذا الحد، بل جرَّد جيشًا يحاول به استرجاع الصعيد من النوبيين، وكان على «نبته» في ذلك العهد ملك عظيم يدعى بيعنخي Piankhi، هاله أن ينتقص «تفنخت» من أطراف ملكه، فعبَّأ الجيوش لقتاله، وردَّه على أعقابه، واستولى على بلاده، ومن ثمَّ صارت مصر إيالة نوبية.
وقد أبقى «بيعنخي» لأمراء مصر امتيازاتهم، وأقام عليهم «تفنخت» ملكًا من قِبَله بعد أن أُخضع وتاب، ثم عاد إلى عاصمة ملكه ظافرًا منصورًا.
ولما توفي الملك «بيعنخي» خلفه الملك «كاتشا»، ولم يكن من أسرة ملكية، وإنما كان متزوجًا من ابنة كاهن مصري؛ ولذلك انقض عليه «تفنخت» وأجلى جنوده عن مصر، ثم توفي «تفنخت» وخلفه ابنه باكوريس، وكان قوي الإرادة، فاتخذ خطة أبيه، وجرَّد الأمراء من سلطانهم، وصار ملكًا مستقلًّا على مصر، وفي أثناء ذلك مات «كاتشا» ملك النوبة، وخلفه ابنه «شبكا»، فتوجه إلى مصر لقتال «باكوريس»، واستعان عليه بأمرائها الذين يبغضونه، وشاء القدر أن يقع «باكوريس» في قبضته بمدينة تانيس، فألقاه حيًّا في النار! وعادت مصر تابعة لملك النوبة.
ويعد الملك «شبكا» مؤسِّسًا للأسرة الخامسة والعشرين، وكان ملكًا عادلًا محِبًّا للإصلاح، فشاد الجسور، وحفر الترع، وأصلح بعض المدن والمعابد المصرية، وجعل الأشغال الشاقة بدلًا من عقوبة الإعدام، ونظَّم الإدارة المصرية، فجعل على كل إقليم رئيسًا تحت إشراف أمراء من النوبة، وأقام أخته الأميرة «أمنرتيس» حاكمًا على طيبة.
وحدثت بين شبكا وملك آشور معارك كثيرة في الشام، انتهت بهزيمته وهزيمة حلفائه، فعاد إلى مصر بعد ضياع ملكه، ومات تاركًا حكم الصعيد والنوبة لابنه «سبيخون»، وكان الوجه البحري تتنازعه فئتان من المصريين، وفاز «سبيخون»، وقام ضده أمير من النوبيين يدعى طهارقة Taharqa، فأغار عليه وقتله وتولى مكانه، ثم طهَّر مصر من العصاة، واستقر فيها أمره إلى أن غزا مصر آشور أخي الدين، وعاد طهارقة إلى غزو مصر، فاسترجع مدينة طيبة، وأبطل منها عبادة العجل أبيس.

(٣) مملكة مروى في عهد الرومان

تاريخ المملكة

ظهرت بعد دولة «نبته» أو «نباطا» مملكة «مروى» في الجنوب، و«مروى» هذه غير البلدة المعروفة الآن بهذا الاسم، فإن الأولى كانت تقوم قرب شندى، ولم يبقَ منها اليوم إلا أطلال دارسة، أما الأخرى، فتقع قرب آثار مدينة نباطا القديمة، وبين هذه وتلك طريق في الصحراء يبلغ طوله ١٨٠ ميلًا، وفي بداية الأسرة السادسة والعشرين في مصر، أنشأ الملك «إبسمتيك» حاميات قوية لحدود الدولة في جزيرة إلفنتين عند أسوان، وكان لهذا الملك جيش قوي من الإغريق، واغتاظ الجند المصريون وفرُّوا إلى النوبة، وانضموا إلى ملك «مروى»، فضم بعض القبائل النوبية إليه.
وكانت «مروى» معاصرة للفرس والبطالسة والرومان، ولها وقائع مع هؤلاء جميعًا، وكان سلطانها يمتد من الشلال الأول إلى الحبشة، وآثارها تلي آثار نباطا في القدم وتفوقها في الأهمية، من بينها هيكل للإله أمون، ومجموعة من الأهرام يبلغ عددها ثمانين هرمًا، وفي جزيرة مروى بركة يملؤها ماء الأمطار، وحولها آثار هياكل فخمة، وبين هذه البركة ومدينة شندى آثار هيكل يبلغ محيطه ألف ياردة، ولملوك مروى آثار في نباطا نفسها، وهيكل قائم في بلدة عمارة جنوبي الشلال الثاني بنحو مائة ميل، في دكة ودبود من النوبة السفلى.
وقد نهضت مملكة مروى حتى قيل إنها كانت تجهز للحرب جيشًا مؤلَّفًا من مائتين وخمسين ألف مقاتل، وكان فيها أربعمائة صانع، وأن للمرأة في عهدها رقيًّا وسيادة، فكان أكثر ملوكها نساء، ولقد عجز قمبيز عن غزو المملكة.
وفي عهد البطالسة، استولوا على جزء من النوبة السفلى حتى بلدة المحرقة، وكان الملك أرجيمنس ملك مروى معاصرًا لبطليموس الثاني «٢٨٥–٢٤٧ق.ب»، وقد حوَّر هذا الملك في الديانة النوبية، وأدخل في مملكته كثيرًا من النظم والقوانين الإغريقية، ومن آثاره: هيكل في دكة، أقامه على أطلال من عهد الأسرة الثانية عشرة، وأتمَّه البطالسة من بعده.
واشتهر في مروى بعده الملك «أذخر أمون»، وله في دبود هيكل صغير لا يزال قائمًا إلى اليوم.
وقد أرسل الإمبراطور الروماني أغسطوس قيصر، حوالي عام ٢٣ قبل الميلاد، حملة من مصر لغزو بلاد العرب، وكان على مروى في ذلك العهد ملكة تلقب بكنداكة — وهو لقب الملكات اللواتي تولين الحكم في مروى، وفتحت الصعيد، وقد هزمها النائب الروماني بترنيوس بجيش مؤلَّف من عشرة آلاف وثمانمائة فارس، فتقهقرت أمامه حتى أدركها قرب دكة، وطلب منها رد الأسرى والغنائم، فلم تجبه إلى ذلك، فحمل عليها حملة قاسية شتَّت جيشها، ففرَّت منهزمة أمامه شرَّ هزيمة، وامتنعت في قلعة قرب الشلال الرابع حتى استولى على حامية أبريم، ودمر نباطا، وقد قبلت كنداكة الصلح.
وظلت المحرقة حدًّا فاصلًا بين مصر والنوبة إلى عهد الإمبراطور الروماني ديوقليشيان «٢٨٤–٣٢٣ب.م»، حيث رأى أن خراج هذه المنطقة، فيما بين المحرقة وأسوان، لا يفي بنفقات الجنود اللازمة لجمعه، فنزل عنها للنوبيين، وأعاد الحدود المصرية إلى أسوان، ثم قوَّى حامية إلفنتين، وعقد مع النوبة والبجة معاهدة على حفظ الحدود، ظلت قائمة إلى عهد الإمبراطور مارشيان، حيث نقضها النوبيون وغزوا مصر العليا، وجلبوا منها كثيرًا من الأسرى والغنائم، فغزاهم القائد مكسيمينوس محافظ طيبة عام ٤٥١ للميلاد، وتغلب على النوبة والبجة معًا.
وكان لها معابد بيلاق «الفيلة» ودبود وكلابشة ودكة والسبوع وعمدة والدر وأبو سنبل الصغير وأبو سنبل الكبير وفريق.
بلاد النوبة القديمة  Figure10

معبد أبي سمبل في حدود مديرية أسوان ويرى لفيف أعضاء البعثة المصرية بالسودان أمامه سنة ١٩٣٥.
وما زال الرومان يعاملونهم بالحسنى حتى قام الإمبراطور جستنيان «٥١٧–٥٦٦ب.م» فأغلظ معاملتهم، وأمر نرفس قائد حامية بيلاق فعطَّل الهياكل، وسجن الكهنة، وأرسل تماثيل الآلهة إلى القسطنطينية، ولما زار المؤرخ إسترابون هذه الجزيرة، وجد أهلها من مصريين ونوبيين يعبدون صقرًا كبيرًا يؤتى به من النوبة، ولعل القبلة القائمة في الخلوة المقدسة كانت محلًّا لهذا المعبود.
وفي الجزيرة من آثار العهد المسيحي أطلال كنيسة لمارية العذراء، وأخرى للبطريق ماري أناطس، وكان فيها جامع ذو منارة لم يبقَ من آثاره الآن شيء، وقد كانت هذه الجزيرة أولى ضحايا خزان أسوان، يطغى عليها ماؤه أشهر الشتاء من كل عام، فتبدو في ذلك المنظر الرائع، وهي تصارع الفناء وتصمد له، حتى ينحسر عنها الماء أشهر الصيف، وقد ترك على معابدها أثر هذا الصراع الطويل.
وقد أنشأ رمسيس الأكبر معبد أبي سنبل الكبير، تذكارًا لانتصاره على الحيثيين، وهو منحوت في الجبل إلى عمق ١٨٥ قدمًا، ويزين صدره أربعة تماثيل عظيمة، تَهشَّم وجه أحدها، ويبلغ ارتفاع كل منهما ٦٥ قدمًا، وعرضه ٢٥ قدمًا، وهي تمثل رمسيس الأكبر جالسًا على عرشه، ينظر إلى النيل بتلك العظمة الخالدة منذ نيف وثلاثة آلاف سنة.
ويشتمل المعبد على ردهة واسعة، فيها ثمانية أعمدة على شكل تماثيل للإله أوزيريس، ارتفاع كل منها ١٧ قدمًا، وقد زُينت جدران الردهة بكثير من الصور الحربية، وحولها غرف مشحونة بالنقوش البديعة، وفي داخل المعبد ردهة أخرى تؤدي إلى مذبح فيه أربعة تماثيل ملونة، أحدها للإله هرماخيس، وآخر لرمسيس، وثالث للإله أمون رع، ورابع للإله بتاح، ويكاد يكون هذا المعبد سجلًّا شاملًا لفتوحات رمسيس ومواقفه المشهورة، فهو يشمل على نحو ألف ومائتي صورة تنطق بمجده وعظمته؛ منها صورتان كبيرتان على جانبي الباب من الداخل، تمثله في موقف رمزي وهو قابض بيده على شعور فوج من الأسرى الجاثين أمامه من مختلف الشعوب، وبيده مقمعة وهو متحفز لسحقهم بضربة واحدة، وأمامه الإله هرماخيس يقدِّم له حسام النصر، ويتلو عليه آيات المجد والفخار، وهناك لوحة أخرى تمثل وقائعه المشهورة مع الحيثيين، وقد جاء في وصف إحداها القصة الآتية:
«في العام الخامس من حكم رمسيس الثاني، كان جلالته في أرض الشاة على مقربة من قادش، وكانت الطليعة تراقب بانتباه شديد، ولما وصل الجيش إلى شمال مدينة شبتون، جاء إلى معسكر المصريين اثنان من عيون شاسو، وادَّعيا أنهما رسولان من قبل رؤساء القبائل لإخبار الملك رمسيس بأنهم غادروا ملك الحيثيين وهجروه، رغبة في عقد محالفة مع جلالته، وأنهم أصبحوا من ذلك الحين خاضعين لحكمه، ثم استطردا في الحديث مع جلالته وأخبراه أن زعيم الحيثيين في أرض حلب، وأنه يخشى الاقتراب من ملك مصر.
والواقع أن هذين الرجلين كانا جاسوسين أرسلا لكشف موضع رمسيس واستعداده الحربي، بينما كان زعيمهم على أهبة الهجوم.
وبعد ذلك بقليل جاء كشَّاف مصري إلى حضرة الملك وأخبره أن الجيش الحيثي قد ضرب معسكره خلف قادش، وأنه أفلح في ضم وحدات ومعدات كثيرة من الأقاليم المجاورة إلى جيشه.
عند ذلك جمع رمسيس رؤساء جيشه وأطلعهم على الأمر، وأنَّب فرقة الاستطلاع على تقصيرها في كشف مواطن العدو، ثم صدرت الأوامر للجيش بالزحف على قادش، وبينما هم يعبرون في النهر إذا بالجيش الحيثي وقد أطبق عليهم، فزأر رمسيس في جنوده زأرة أبيه مانتو ملك طيبة، وأسرع فسلَّح نفسه بالسلاح الكامل، وركب عجلته وانتقل بها في صفوف الأعداء، ولم يلبث أن وجد نفسه محصورًا بين الحيثيين، ومنفصلًا عن جيشه، فدعا أباه أمون أن يعينه على أمره، واستمات في الدفاع، فتكدَّست في طريقه جثث القتلى، ثم اتخذ لنفسه نفقًا بين صفوف العدو، وهو يصليهم بسهامه القاتلة، حتى نجا من الهلاك الذي كان محدقًا به من كل جانب.
وقد كانت مقدمة هذا المعبد مطمورة بالرمال المنهالة عليه من الجبال، فأزالت الحكومة هذه الرمال، وأقامت على سطح الجبل سورًا كبيرًا لمنع انهيالها عليه مرة أخرى، وقد عُثر هناك على آثار كثيرة نقلت إلى المتحف المصري منها مجموعة من الحجر الرملي تتألَّف من مسلَّتين صغيرتين، ومذبح كانت توضع عليه القرابين، وأربعة قردة تتعبد إلى الشمس وقت الشروق ووقت الغروب، وهيكل بداخله تماثيل بعض الحيوانات المقدسة.

....  يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

بلاد النوبة القديمة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بلاد النوبة القديمة    بلاد النوبة القديمة  Emptyالأربعاء 18 سبتمبر 2019, 9:36 pm

....  تابع


السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية 


تاريخ المسيحية في النوبة
يبدأ تاريخ المسيحية في بلاد النوبة حوالي عام ٥٤٥ للميلاد، حيث وصل إليها رسل من الإسكندرية يدعون أهلها إلى الدين المسيحي الجديد، وقد عطَّل الإمبراطور جستنيان معابد بيلاق، وسجن كهنتها، وأرسل تماثيل آلهتها إلى القسطنطينية، وفي عام ٥٧٧ قلب الرومان هيكل الإلهة إيزيس إلى كنيسة، وأقاموا فيها مطرانًا يدعى ثيودوروس، ومن ذلك العهد أخذت المسيحية تنتشر بسرعة في بلاد النوبة حتى عمَّتها في أواخر القرن السادس للميلاد.
وقد أرسل عمرو بن العاص إلى النوبة جيشًا من عشرين ألف مقاتل بقيادة عبد الله بن سعد بن سرح، حملهم على دفع الجزية ثم عاد إلى مصر.
ثم لما تولى هذا القائد على مصر بعد عمرو بن العاص، نقض النوبيون في أول ولايته الصلح الذي بينهم، فامتنعوا عن دفع الجزية، وأرسلوا سراياهم إلى صعيد مصر، فعاثوا فيه نهبًا وفسادًا، فغزاهم ابن أبي السرح عام ٣١ﻫ، وحاصر مدينة دنقلة، ورماها بالمنجنيق، فطلب ملكهم المدعو قليدورون الصلح، وخرج إليه في ذلة وخضوع، فتلقاه ابن أبي السرح بالعفو والإكرام، وعقد معه معاهدة هذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم، عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي السرح، لعظيم النوبة ولجميع أهل مملكته، عهد عقده على الكبير والصغير من النوبة، من حدِّ أرض أسوان إلى حدِّ أرض علوة.
إن عبد الله بن سعد جعل لهم أمانًا وصدقة جارية بينهم وبين المسلمين ممن جاورهم من أهل صعيد مصر وغيرهم من المسلمين وأهل الذمة: إنكم معاشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد النبي ﷺ أن لا نحاربكم، ولا ننصب لكم حربًا، ولا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم، على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه، وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه، وعليكم حفظ مَن نزل ببلدكم أو بطرفه من مسلم أو معاهد حتى يخرج عنكم، وإن عليكم ردَّ آبقٍ خرج إليكم من عبيد المسلمين حتى تردوه إلى أرض الإسلام، ولا تستولوا عليه ولا تمنعوا منه، ولا تتعرَّضوا لمسلم قصده وجاوره إلى أن ينصرف عنه، وعليكم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم، ولا تمنعوا منه مصليًا، وعليكم كنسه وإسراجه وتكريمه، وعليكم في كل سنة ثلثمائة وستون رأسًا، تدفعونها إلى إمام المسلمين من أوسط رقيق بلدكم غير المعيب، يكون فيها ذُكران وإناث، ليس فيها شيخ هرم ولا عجوز ولا طفل لم يبلغ الحلم، تدفعون ذلك إلى والي أسوان، وليس على مسلم دفع عدوٍّ عرض لكم ولا منعه عنكم، من حدِّ أرض علوة إلى أرض أسوان.
فإن أنتم آذيتم عبدًا لمسلم، أو قتلتم مسلمًا أو معاهدًا، أو تعرضتم للمسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم بهدم، أو منعتم شيئًا من الثلثمائة والستين رأسًا، فقد برئتْ منكم هذه الهدنة والأمان، وعدنا نحن وأنتم على سواء حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، بذلك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله محمد ﷺ، ولنا عليكم بذلك أعظم ما تدينون به من المسيح وذمة الحواريين، وذمة من تعظِّمونه من أهل ملتكم ودينكم، الله الشاهد بيننا وبينكم على ذلك.
كتبه عمرو بن شرحبيل في رمضان سنة ٣١ﻫ
وقد جرت العادة أن يكون البقط «أي: الجزية» ثلثمائة وستين رأسًا لفيء المسلمين، وأربعين رأسًا لوالي مصر، وكان الولاة يدفعون للنوبيين نظير ذلك مئات الأرادب من القمح والشعير، وكثيرًا من الهدايا والصدقات.
ولما انتقلت الخلافة من بني أمية إلى بني العباس، حوالي عام ١٣٢ﻫ، طورد الأمير عبيد الله بن مروان أمير مصر فيمن طورد من الأمويين، ففر بعبيده وأمواله إلى بلاد النوبة، ونزل في مدينة خاوية، فاستعمر بعض دورها، وأرسل إلى ملك النوبة يستجير به ويستأمنه على حياته، فقدم إليه الملك في عسكر عظيم، وتقدَّم إلى الأمير عبيد الله فقبَّل يده، فأشار إليه الأمير أن يجلس على فرش قد نضدت له، فأبى الملك إلا أن يجلس على الأرض، وقال كل ملك لا يكون متواضعًا لله فهو جبار متكبر عنيد! وأطرق الملك طويلًا ثم سأل الأمير: «كيف سُلِبتم ملكَكم وأُخذ منكم، وأنتم أقرب الناس إلى نبيكم؟
فأجاب أن الذي سلبنا ملكنا أقرب إلى نبينا منا.
فقال له: فكيف إنكم تمتُّون إلى نبيكم بقرابة وأنتم تشربون ما حُرِّم عليكم من الخمر، وتلبسون الديباج وهو محرم عليكم، ولم يفعل نبيكم شيئًا من هذا؟ وبلغنا أنك لما وُليت مصر كنت تخرج إلى الصيد، وتكلِّف أهل القرى ما لا يطيقون، كل ذلك في سبيل كركي تصيده.»
وصار ملك النوبة يعدِّد على الأمير جملة مساوئ وهو صامت لا يجيب، ثم قال له: «فلما استحللتم ما حرَّمه الله عليكم سُلِبتم ملكَكم، وأوقع الله بكم نقمة لم تبلغ غايتها منكم، وأنا أخاف على نفسي إن أنزلتك عندي أن تحلَّ بي تلك النقمة التي حلَّت بكم، فإن البلاء عام، والرحمة مخصوصة.»
ثم أمره بالرحيل عن بلاده، فعاد إلى مصر حيث قبض عليه عمال الخليفة المنصور، وبعثوا به إلى بغداد فسجن فيها إلى أن مات.
وفي عهد الدولة الأموية والدولة العباسية كان في أسوان كثير من العرب من قبائل قحطان وربيعة ومضر، وخلقٌ كثير من قريش، وكانت لهم ضياع في النوبة، فلما دخل المأمون مصر استعداه ملك النوبة على هؤلاء، وقال بأن هذه الضياع له، وأن بعض عبيده من النوبيين باعوها للمسلمين بغير حق، فأحال المأمون هذه الدعوى على والي أسوان، ورأى المسلمون أن يفسدوا على الملك محاولته، فأوصوا البائعين أن يقرروا أمام الوالي أنهم ليسوا عبيدًا للملك، وأن علاقتهم به إنما تكون كعلاقة المسلمين بملوكهم، ولمَّا جمع الوالي بينهم قرروا ذلك، فسقطت دعوى الملك، ومن ذلك العهد صار سكان تلك الضياع المجاورة لأسوان أحرارًا لا تسري عليهم شريعة ملك النوبة من حيث استعباد رعاياه، ومن ثم نشأت العداوة بين ملوك النوبة والمسلمين، فصاروا يتحيَّنون الفرص للإغارة على أسوان وبلاد الصعيد.
كانت أسوان مقر إمارة بيت كنز الدولة الذين هبطوا من الحجاز في خلافة المتوكل على الله — حوالي عام ٢٤٢ﻫ — وصاروا حكَّامًا على ذلك الإقليم من قبل الحكومة المصرية، ثم استقلوا بالحكم فترة من الزمن، وامتد نفوذهم فيها.
وفي أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع الهجري، كانت أسوان ضحية حروب طويلة بين العرب والحكومة المصرية، وبين العرب وهوارة، حتى أقفرت وصارت خرابًا بلقعًا، إلى أن استعمرت بعد الفتح العثماني من جديد.
وأشهر الغزوات التي وقعت بين مصر والنوبة في العهد المسيحي، غزوة ملك النوبة لأسوان عام ٣٤٤ﻫ / ٩٥٦م؛ حيث قَتَل وسَبى من أهلها خلقًا كثيرًا، فخرج إليه محمد بن عبد الله الخازن من قِبَل أنوجور الإخشيد، وزحف على بلاده في البر والبحر، حتى أدركه وأوقع به.
وهجم نائب ملك النوبة على أسوان عام ٣٥١ﻫ، فخرَّبها وأوقع بأهلها، وتوغل في صعيد مصر حتى مدينة أخميم، وكان ذلك عقب دخول القائد جوهر الصقلي أرض مصر، فلم يزد جوهر على أن دعا ملك النوبة إلى الإسلام وأداء ما عليه من الجزية، فلم يجبه إلى شيء من هذا، وإنما أكرم رسله وزوَّدهم بالهدايا.
وبعد سقوط الدولة الفاطمية، أراد السلطان صلاح الدين عام ٥٦٨ﻫ فتح النوبة، فجهَّز جيشًا بقيادة أخيه شمس الدولة والأمير كنز الدولة حامي أسوان، ففتح هذا الجيش بلاد النوبة إلى أبريم، ولمَّا لم يرَ صلاح الدين فائدة من الاستيلاء على تلك البلاد المجدبة، أعاد منها جيشه، وترك فيها حامية وأميرًا من الأكراد، ثم عاد فسحب هذه الحامية بعد غرق أميرها هناك، ونقضت النوبة عهدها مع صلاح الدين في عهد المماليك، فجرَّد عليها جيشًا عام ٥٧٤ﻫ أخضعها لشروطه.
وفي عام ٦٧٤ﻫ أغار داود ملك النوبة على أسوان، وأحرق سواقي كثيرة، وأراد التوغل في الصعيد فتصدى له الأمير نجم الدين عمر، أحد أمراء بيت كنز الدولة، ورده إلى النوبة، واتفق أنَّ سكندة ابن أخت داود ملك النوبة، قدم إلى السلطان الظاهر بيبرس مستجيرًا من بغي خاله، فتذرَّع السلطان بذلك وأراد الاقتصاص منه، فجهَّز جيشًا من المماليك والعرب وسيَّره إلى بلاد النوبة، ففتحها بعد معارك كبيرة، وأسر فيمن أسر الملك داود وأسرته، ثم أقيم سكندة ملكًا على النوبة، وتعهَّد بأداء الجزية المقررة، وجعل نصف إيراد النوبة لعمارة البلاد وحفظها، ونصفه للسلطان، ونزل له عن منطقة الجنادل لقربها من أسوان، وقرر إهداء مجموعة كبيرة من الفيلة والزراف والفهود والإبل والبقر، تُهدى إليه كل عام.
وأرسل السلطان المنصور قلاوون جيشًا إلى النوبة عام ٦٨٦ﻫ، بعد أن استنفر العربان أولاد أبي بكر وأولاد عمر وأولاد شريف وأولاد شيبان وأولاد كنز الدولة وجماعة من بني هلال، فاستولى على البلاد إلى جنوب دنقلة، وضرب عليها الجزية ثم عاد.
وفي عهد السلطان الناصر ابن قلاوون، هاجر إلى مصر أمير نوبي يدعى نشلى، فأسلم وأقام عند السلطان، وكان على النوبة إذ ذاك ملك اسمه كربيس قد امتنع عن أداء الجزية، فجهَّز إليه السلطان جيشًا عام ٧١٦ﻫ، وبعث معه نشلى ملكًا على النوبة، ففرَّ كربيس إلى أرض علوة، واستقر نشلى في الملك إلى أن تآمر عليه النوبيون وقتلوه بممالأة جماعة من العرب، وكان كربيس قد حُمل إلى السلطان في مصر، فأبقاه عنده وأسلم فحسن إسلامه، فلما قتل نشلى أرسله السلطان ملكًا على النوبة، ولم يلبث أن أسلمت جميع رعيته، فكان هذا آخر عهد المسيحية في بلاد النوبة.
وفي دنقلة العجوز جامع قائم على أطلال كنيسة، وعلى واجهته حجر من الرخام، منقوش عليه تاريخ افتتاح هذه العاصمة في ٢٠ من ربيع الأول سنة ٧١٧ﻫ و٩ من يونية سنة ١٣١٨م على يد سيف الدين بن عبد الله الناصر، وأحد أمراء بيت كنز الدولة.

وقائع البجة

في الصحراء الشرقية بين النيل والبحر الأحمر يقطن منذ القدم عنصرٌ حامي يُعرف بالبجة، وهو عنصر قوي شديد البأس، كان له مع قدماء مصر والنوبة وقائع كثيرة، وأشهر بلادهم مدينة عيذاب على البحر الأحمر تجاه جدة، وكانت فيما مضى مركزًا هامًّا لنقل الحجاج والتجارة، وتشمل بلاد البجة منطقة العلاقي، التي عرفت من أول عهد الفتح الإسلامي بهذا الاسم، كما عرفت قديمًا باسم أوكيتا، وفي هذه المنطقة تقع مناجم الذهب والزمرد التي استغلها الفراعنة عهودًا طويلة، ولا تزال بها بقية تعمل فيها بعض الشركات الأجنبية، وظل البجة عنصرًا مستقلًّا في تلك الصحراء إلى عهد الفتح الإسلامي؛ حيث وفد عليها كثير من القبائل العربية لاستغلال ما فيها من المعادن، واختلطت بسراة البجة في المعاملة والنسب.
وكان البجة كثيرًا ما يُوقِعون بالمسلمين الذين في المعدن، ويغِيرون على قرى النوبة والصعيد الأعلى، وهم في أمن ومنعة في الصحراء، فبعث إليهم المأمون جيشًا بقيادة عبد الله بن الجهم عام ٢١٦ﻫ، وكانت له معهم وقائع كثيرة، ثم فرض عليهم جزية قدرها مائة من الإبل أو ثلثمائة دينار في كل عام.
وأقام البجة على ذلك مدة قصيرة، ثم عادوا إلى غزو الصعيد والإيقاع بمسلمي المعدن، وكان ذلك في عهد المتوكل على الله «٢٣٢–٢٤٧ﻫ»، فاستشار الناس في أمرهم، فعلم أنهم ذوو قوة ومنعة في الصحراء، وأن الطريق إليهم يستغرق مسيرة شهر بين المهامة والجبال، ففترت همته عن غزوهم، ولكنهم أمعنوا في البغي والعدوان، واستطار شرُّهم في الصعيد، فولى المتوكل محمدًا بن عبد الله القمي على الصعيد الأعلى، وأمره بحرب البجة، فسار إليهم عام ٢٤١ﻫ بجيش عرمرم مؤلَّف من عشرين ألف فارس وراجل، ووجَّه إلى البحر الأحمر سبع سفن محملة بالمؤن والأقوات، وأمرها أن توافيه عند ساحل البحر مما يلي بلاد البجة، ثم زحف بجيشه حتى جاوز المعدن وانتهى إلى حصونهم، فخرج إليه ملكهم المدعو علي بابا في أضعاف جيشه، ودار بينهما القتال في غير حزم ولا بلاء، فقد كان ملك البجة يرمي إلى مراوغتهم حتى ينفذ ما لديهم من الزاد فيأخذهم بغير قتال! فلمَّا وصلت السفن واستولى المسلمون على ما فيها من الأزواد، ناجزهم البجة بصدق وجلاد.
وكانوا على إبل فارهة نفورة، فأمر القمي بوضع الأجراس في أعناق الخيل، وحمل بها على البجة، فذعرت الإبل وفرت هاربة بهم في الجبال والوديان، وأوسعهم المسلمون قتلًا وأسرًا، حتى طلب ملكهم الصلح والأمان، فصالحه القمي على أداء ما عليه من الجزية، وتمكين المسلمين من العمل في المعدن.
واتصل البجة بمهاجري العرب، واعتنق الحداربة الإسلام — وهم صفوة القوم — ثم تبعهم الرنافج بإسلام ضعيف، ومن ذرية هؤلاء قبائل العبابدة والبشارية.

(٤) القبائل العربية

وأول ما نزلت القبائل العربية بالنوبة إنما نزلت في صحرائها الشرقية، وعلى الأخص في وادي العلاقي؛ حيث معادن الذهب والزمرد، فإن المعاهدة التي بين النوبة والمسلمين كانت تحرِّم أن ينزل أحدهما في بلد الآخر إلا مجتازًا غير مقيم فيه.
وبسطت ربيعة نفوذها على البجة، وكفَّت عدوانهم عن ديار مصر؛ ولذلك كان لها السيادة على المعدن، والغلبة على باقي القبائل العربية، وكان رئيسها بشر بن مروان بن إسحاق — حوالي عام ٣٣٢ﻫ — يركب في ثلاثة آلاف من قبائل ربيعة ومضر وأحلافها من العرب، وثلاثين ألف حراب على النجب من الحداربة المسلمين!
بلاد النوبة القديمة  Figure11

أحد مشايخ العرب في السودان.
ولما خرب المعدن ونضب معينه تفرَّقت القبائل العربية على النيل، وانتشرت في النوبة السفلى والعليا، وتلاشى العنصر النوبي واللغة النوبية في النوبة العليا؛ لكثرة من هاجر إليها من العرب، ولأن أغلب أهلها كانوا من الزنوج الذين انسحبوا بإزاء هجرة العرب إلى الجنوب.

عرب العليقات

ونزل من القبائل العربية، في منطقة مستقلة بين بلدتي المضيق وكرسكو، عربٌ يُعرفون بعرب العليقات، نسبة إلى وادي العلاقي الذي نزلوا منه بعد خرابه، وهم يدعونه من النسبة إلى عقيل بن أبي طالب.
واشتهر من ربيعة بيتٌ لقِّب أمراؤه بكنز الدولة، وأول من حمل منهم هذا اللقب الأمير محمد بن عبد الله حامي أسوان، فإنه ظفر بأبي ركوة الأموي — حوالي عام ٣٩٧ﻫ — وكان أبو ركوة ثائرًا على الحاكم بأمر الله الفاطمي، فأكرمه الحاكم إكراما عظيمًا، وخلع عليه هذا اللقب الكريم، فصار من ذلك العهد علمًا على هذا البيت وأمرائه.
وقد ربض هؤلاء الأمراء على حدود مصر الجنوبية يردُّون عنها غارات النوبة وعدوان البجة، وبسطوا سلطانهم على الصعيد والنوبة بعد إسلامها، فقامت لهم دولة في سنار حوالي القرن التاسع الهجري، وصار نفوذهم في فترة من الزمن يمتد من جبال فازوغلي جنوبًا إلى حدود النوبة شمالًا، أما في مصر، فكان سلطانهم يمتد من أسوان إلى نهاية الأعمال القوصية مدى ستمائة عام.
ويذكر التاريخ لأمراء هذا البيت معارك كثيرة مع السلطان صلاح الدين وبعض الولاة وقبائل هوارة، وذرية هذا البيت منتشرون في النوبة والصعيد، ومن الخطأ تسمية النوبيين بالبرابرة.

 صحائف مطوية من تاريخ النوبة لمحمد كامل حتة، الأثر الجليل لأحمد نجيب بك، والعقد الثمين لأحمد كمال باشا.
٢  صحائف مطوية من تاريخ النوبة.




السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الأول)

عبد الله حسين
يؤرخ هذا الكتاب الواقع في ثلاثة أجزاء لتاريخ السودان منذ القدم حتى بدايات القرن العشرين، حيث يبدأ المؤلف رحلته التأريخية في الجزء الأول منذ عهد الفراعنة والبطالمة والرومان، ويستعرض في إطار ذلك ممالك السودان وسلطناته وإماراته وقبائله ودياناته، وهجرة القبائل العربية إليه، ومعاصرته للمماليك والأتراك، وحتى قيام الثورة المهدية. ثم ينتقل المؤلف في الجزء الثاني من الكتاب إلى أحداث القضاء على الثورة المهدية واتفاقية عام ١٨٨٩م. كما يتناول الأبعاد الجغرافية والزراعية والتجارية والمالية والتعليمية السودانية. ثم يعرِّج في الجزء الأخير من الكتاب على تراجم الأمير عمر طوسون حول السودان، والهيئات التي اشتركت في البعثة الاقتصادية المصرية إلى السودان، مع وصف رحلتها والنتائج التي توصلت إليها.
[ltr][/ltr]رشح هذا الكتاب لصديق[ltr][/ltr]شارك الكتاب على فيسبوك

تحميل كتاب السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الأول) مجانا


محتوى الكتاب


عن المؤلف

عبد الله حسين: محامٍ، وصحافيٌّ، ومؤرخ له العديد من المؤلَّفات التاريخية والأدبية والسياسية والاجتماعية.
وُلِد عبد الله حسين في محافظة القاهرة لأسرة قروية من بني عديات بمركز منفلوط. الْتحق في صِغَره بمكتب البارودي لتعليم القرآن، ثم واصَلَ تعليمَه النظامي بمدرسة فكتوريا، فمدرستَيِ الجمعية الخيرية الإسلامية والشيخ صالح أبي حديد، وعندما انتقل إلى المرحلة الإعدادية كان دائمًا ما يتصدَّر قائمةَ الأوائل. تخرَّجَ في مدرسة الحقوق الملكية (كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول)، وحصل على الدكتوراه من مدرسة الحقوق الفرنسية «شعبة العلوم السياسية والاقتصادية»، كما حصل على دبلوم معهد الدراسات الإيطالية، ودبلوم المعهد الألماني. أجاد عبد الله حسين عدةَ لغات، هي: الفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، والألمانية.
كان عبد الله حسين أحدَ أعضاء اللجنة الاستشارية العليا للتعاون، التي وضعت قانونَ التعاون في سنة ١٩٢٧م، وعضوًا في البعثة المصرية للسودان، كما أنه من مؤسِّسي جمعية نهضة القرى، ومؤسِّس جمعية الشبيبة المصرية، وجمعية الدراسات السودانية، وجمعية الدراسات الأفريقية، واتحاد ضاحية الأهرام. كما عمل عبد الله حسين محرِّرًا بجريدة الأهرام، وكان أستاذًا بقسم الصحافة في الجامعة الأمريكية حتى عام ١٩٤٢م.
وقد أتاحت له أسفاره وعمله الصحفي مقابَلةَ الكثير من كبار الرجال والزعماء في الشرق والغرب، أمثال: الزعيم الوطني سعد زغلول، والبابا ولبران، ولويد جورج، ومكدونالد، وتشمبرلين، وإيدن، وموسيليني، وبريان، وبلوم. كما عاصَرَ في صِباه العديدَ من أعلام الفكر، أمثال: محمد عبده، وعلي يوسف، وقاسم أمين، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وعبد العزيز جاويش.
وفي يوم ٣١ ديسمبر من عام ١٩٤٣م، تُوفِّي عبد الله حسين بعد أن صدمته سيارة يقودها مخمورٌ، فتسبَّب الحادث في بتر ساقه، وظل ينزف طوالَ الليل حتى فاضت روحه إلى بارئها.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
بلاد النوبة القديمة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أهم المدونات القانونية القديمة في بلاد الغرب
» بلاد الشام
» فتح النوبة ومعاهدة البقط
» معركة النوبة .. فتح من الفتوحات الرمضانية
» بلاد الاندلس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: دول عبر التاريخ-
انتقل الى: