أفلام ممنوعة ونجوم كبار في إجازة مفتوحة
في فترات سابقة كانت السينما المصرية تقيم وزناً لنجومها الكبار، من الذين تقدموا في السن وانسحبت عنهم الأضواء،
فالمنتجون والمخرجون كانوا يراهنون على بعض الأسماء التي كونت عبر مسيرتها الطويلة تاريخاً وتوثقت علاقتها
بالجمهور فباتوا علامات تجارية مميزة، حتى وإن لم تتوافر لهم فرص البطولة المطلقة، والأمثلة على ذلك كثيرة ربما في
مقدمتها فريد شوقي ومحمود المليجي وعادل أدهم وتوفيق الدقن ورشدي أباظة، فهؤلاء احتلوا الصدارة لعقود وحققوا
نجاحات غير مسبوقة وسجلوا أرقاماً قياسية على مستوى الإيرادات في شباك التذاكر.
وهناك أمثلة لأفلام مثل “الأرض” و”أيوب” و”بالوالدين إحسانا” و”قلب الليل” و”سعد اليتيم” و”
الحرافيش” و”عالم عيال في عيال” و”آه يا ليل يا زمن” لعب بطولتها النجوم المذكورين في مراحل متأخرة من
أعمارهم الفنية وما زالت إلى الآن علامات مهمة في مشوارهم لا يغفلها الجمهور ولا يمكن للنقاد أن يتجاهلونها.
وعلى مستوى البطولات النسائية،, فالقاعدة ذاتها تنطبق على الكثير من نجمات عشن طويلاً فوق القمة وتحت الضوء، ولم
يفقدن بريقهن بفعل الزمن ودوران الحركة السينمائية في الاتجاه المعاكس كفاتن حمامة ومديحه يسري وأمينة رزق
وزهرة العُلا وغيرهن، وإن كانت النماذج النسائية في هذا الصدد أقل بكثير من الرجال، لكن بينهن من استطعن المحافظة
على مكانتهن وتأثيرهن بشكل ملحوظ لأطول فترة ممكنة.
ولهذا بالطبع أسبابة ودواعيه، من أهمها حرص المنتجين على استثمار الأسماء الكبرى صاحبة الخبرة والنجومية، وكذلك
العمل على ترسيخ مبدأ الوفاء والعرفان بالجميل من جانب المخرجين الذين يعرفون قيمة الفنان والفنانة ويقدرون تاريخه
وتميزه.
هذه الظاهرة الإيجابية التي ظلت قائمة لوقت غير بعيد، نجدها الآن تتلاشى تدريجياً لتشمل نجوما ونجمات لم يفقدوا
حيويتهم ولا تأثيرهم، ولكنهم بحسابات السوق وبمقاييس الإيرادات الجديدة لم يعودوا جاذبين للجمهور بالمعيار الذي
يضمن نجاحهم بشكل مُطلق كما كانوا في الماضي، ومن ثم لم يطمئن المخرجون الجدد لفكرة توظيفهم في الأدوار اللائقة
بهم خوفاً من المنتجين الذين بات أغلبهم لا ينظر للسينما كفن وإنما يتعامل معها كسلعة هادفة للربح فقط، وهو المتغير
الجديد والأخطر الذي حول معظم نجوم الثمانينيات والتسعينيات إلى ضيوف شرف تتمثل قيمتهم التاريخية في الظهور
العابر في الأحداث، برغم أن هناك من يتغاضى منهم عن مسألة التقدير المادي مقابل الدور الجيد.
والحقيقة المرة والمؤسفة هي أن السينما المصرية قد خسرت الكثير من كفاءاتها نتيجة عمليات الإحلال والتبديل التي
أجريت داخل الوسط الفني فرفعت الصغار على حساب الكبار وغيرت المنظومة الفنية والإبداعية شكلاً وموضوعاً
فسحبت البساط كله من تحت أقدام الكبار نزولاً عند رغبة المنتجين وتجاوباً مع الآليات الجديدة لسوق الإنتاج والتوزيع،
وهذا الأمر لا يُلقي بظلاله الكئيبة على النجوم السابقين فقط بحسب تسميتهم وتصنيفهم، ولكنه يُضعف على الجانب الآخر
المنتج الفني المصري ويقلل من قيمته، غير أنه سيُمثل في المستقبل القريب مشكلة أخرى لنقابة الممثلين التي تضطلع
بحماية النجوم الكبار من البطالة ومواجهة الفقر والمرض وما يسببه التقاعد من أزمات نفسية شديدة الوقع والتأثير
السلبي من الناحية الصحية والبدنية.
ويمكننا في هذا المقام أن نعدد الشخصيات والقامات التي تعاني من العُطل الفني لمواهبهم بفعل فاعل ونتيجة العزل
القسري الذي شملهم بعد غروب شمسهم التي كانت بالأمس ساطعة، ولعلنا نتجه أول ما نتجه إلى شخصيات بعينها كأمثلة،
وبالطبع سيكون من بينها حسين فهمي ويحي الفخراني وعزت العلايلي ومحمود حميدة، مع الأخذ في الاعتبار أن حميدة
قدم أعمالاً مهمة خلال العامين الماضيين، كان من بينها فوتو كوبي وورد مسموم، وحصل بموجبهما على جوائز قيمة،
ولكنه لم يُستثمر كنجم بالشكل المطلوب.
ومن النجمات ليلى علوي التي لم تظهر على شاشة السينما منذ فيلمها الأخير، الماء والخضرة مع المخرج يسري نصر
الله قبل عدة سنوات، وأيضاً إلهام شاهين التي قدمت آخر بطولة من إنتاجها في فيلم “يوم للستات” منذ فترة طويلة ولم
تكررها، ويضاف لإلهام وليلى، هالة صدقي وأخريات كثيرات ظهرن واختفين في لمح البصر لتبقى المشكلة قائمة لأن
قانون العُمر الافتراضي للنجومية معمول به بغير هوادة ولا رفق!
ولم استثنينا عادل إمام من هذا القانون بوصفة الفنان الذي أمضى وقتاً أطول على القمة ولا يزال محل الرهان كنجم وفنان
كبير فإنه كحالة خاصة لا يمثل القاعدة ولا يمكن أن يكون مقياساً لغيرة، لا سيما أنه متوقف كذلك عن السينما لسوء
الأحوال الفنية.