منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69780
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي    المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي Emptyالخميس 5 ديسمبر 2019 - 23:08

 المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي
منارة تقاوم النسيان في إباء، وتتحدى الإهمال في شموخ (1)
 "ابن يوسف بمراكش أنموذجًا"


مقدمة:

في الوقت الذي كانت فيه أوروبا ترتع في رِبْقَةِ الجهل، وتتقلب في ظُلُمات الانحطاط والتأخر - كانت الحضارة الإسلاميَّة في أوج مَجدها وعظمتها في شَتَّى ألوان الآداب والعلوم والفنون، مؤلفة الكتب في كُلِّ علم، ومُسطِّرة التقدم في كل مضمار، ومُشيدة لتلك القصور والنَّوادي والمراكز والجوامع في كل صقع، فكان جامع القرمللى[1] بطرابلس، وجامعة القيروان، وجامع الزيتونة وتلمسان..

وعلى الرَّغم من البعد الجغرافي للمغرب الأقصى عن الشَّرق، فقد ظل حضاريًّا قريبًا منه، بفضل المراكز العلميَّة التي كانت مقصد طلاب العلم من مختلف الأصقاع، فاشتهرت بها الحواضر والمدن التي احتضنتها.

فإذا كانت مدينة "فاس" بالمغرب قد اشتهرت بجامع القرويين، فإنَّ مراكش عاصمة الجنوب قد اشتهرت أيضًا بجامع ابن يوسف، وابن يوسف هذا هو أبو الحسن علي، الابن الأكبر ليوسف بن تاشفين الصنهاجي اللمتوني، مُقعِّد قواعد دولة المرابطين، ومُؤسس مدينة مراكش الحمراء، الذي عرف بالحزم والصَّرامة، حيثُ باشر أمورَ المغرب الأقصى بقوة، بمجرد تسلُّمه مقاليد الحكم من أبيه، وكان في بداية حكمه شديدَ الحرص على توحيد جهات المغرب.

أولاً: في مفهوم الجامع وأهميته المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي 2(13)
ولا بُدَّ من الإشارة في البداية إلى أنَّ مصطلح الجامع دالٌّ على المسجد الكبير، الذي تقام فيه صلاة الجمعة، بَيْدَ أنَّه لم ترد هذه التسمية في القرآن الكريم، وإنَّما وردت فيه عبارة المسجد، فيقال: "مسجد مكة"، و"مسجد المدينة"، و"مسجد قباء"، وصفًا للمسجد، وجدير بالذِّكْر أنَّه ورد الجامع في الحديث؛ إذ ترجم البخاري في الصَّحيح: "باب الاستسقاء في المسجد الجامع".

لقد وجد في المغرب المسجد والجامع، واسْتُعْمِلَ فيه الاسمان معًا دون أن يكون بينهما حدٌّ فاصل، إلاَّ أن الجامع أخذ اهتمامًا أكبر في كتب التاريخ والحوليَّات والحوالات الوقفيَّة؛ لأهميته، وسعته، وتعدد مرافقه، وزخارفه، ووفرة ريع أوقافه في أغلب الأحيان.

وقد حقَّ ما قاله المستشرق (ليفي بروفنسال) عن أهميَّة الجامع في الحضارة الإسلاميَّة؛ حيثُ قال: المركز الحقيقي الذي يُعَدُّ قلب المدينة الخفَّاق هو المسجد الجامع، وما يلاصقه في أي مدينة إسلاميَّة لها شيء من الأهمية، ذو منزلة تُغني على كل إطناب، ذلك بأنه ليس بيت العبادة فحسب، ولكنَّه المركز الذي تدور حوله الحياة الدينية، والعقلية، والسياسية للمدينة.

إلى درجة قوله: المسجد الجامع - لا مَقَر الحكومة - هو الذي يَجب أن يتخذ مِفْتاحًا لكل دراسة طبوغرافيَّة أو تاريخيَّة، في أي مدينة إسلاميَّة، والواقع أنه من النَّادر أن يصف جغرافِيٌّ عربي مدينة دون أن يبدأ بجملة من الأخبار عن المسجد الجامع فيها.

وعليه؛ فالمسجدُ الجامع هو القلب النابض الذي تنطلق منه الدقات الحضارية؛ فهو مجال التعبد أولاً، ومكان التواصل والتآلف ثانيًا.

وعليه؛ فإنَّ الحديث عن مسجد ابن يوسف، كصرح شامخ، ومنارة للهدى عبر العصور، ومركز للإشعاع المعرفي، وحقل لصقل المواهب والعبقريَّات، وحرم جامعي خالد ومتميز - حديثٌ يستدعي الوقوف والتأمُّل لاستخلاص الدُّروس والعبر.

ثانيًا: ابن يوسف والتأسيس والإصلاحات
لقد جعلت بعضُ الوقائع التاريخيَّة الدولةَ المرابطيَّة في مواجهة من القوى الإقليميَّة الكبرى، وكان اللِّقاء التاريخي بموقعة الزلاقة الفاصلة، فزادَ الدَّولة بهذا النصر فخرًا آخرَ، ومكسبًا جديدًا، وقد أرادت الدولة المرابطية أن تعزز هذا السبق العسكري بسبق علمي ومعرفي، فكان التفكير في تأسيس معلمة تنبعث منها أنوارُ الهداية، وتَخرج منها المعارف الإسلاميَّة، ولم تَكُن ثَمرة ذلك سوى جامع ابن يوسف.

وقد اختلفت المصادر التاريخيَّة في سنة تأسيسه، فذهب ابن القطان والزَّركشي وصاحب الحلل إلى نهاية سنة 520 هـ.

بَيْدَ أنَّ ما يجعلنا نستبعد هذا التاريخ أنَّ صاحب "الحلل الموشية" نفسه يعودُ فيؤكد: أن محمدَّ بن تومرت نَاظَرَ فقهاء المالكيَّة مناظرته الشهيرة، بمسجد ابن يوسف سنة 515 هـ، وهذا يدُلُّ على أنه كان قائمَ الدَّعائم، قبل السنة التي حددتها تلك المصادر، ويُؤكد ذلك محمد بن عثمان المراكشي بقوله: "ولما انتهى الإمام المرابطي من تشييده سنة 514 هـ، زوَّده بحظ أوفر من عنايته، وجَلَبَ أهل العلم والفَضْل لساحته، وجمع رجالَ الفكرِ والأدب بجانبه، فوَطِئته أقدامُ الأندلس، وحلَّت به ركابه الأولى، وتدفق فيه علمها وآدابها.

كما استدل العلاَّمة الرحالي الفاروق على أنَّ سنة تأسيسه كانت سنة 514 هـ؛ استنادًا إلى ما ذكره ابن خَلْدون حول مناظرة المهدي، والفقهاء اللمتونيين، التي تَمَّت في ظل الجامع عام 515 هـ.

وعليه؛ فالرَّاجح أنَّ النواة الأولى لهذه الجامعة - جامع ابن يوسف - تأسست عام 514هـ، في وسط المدينة، على مساحة فسيحة تبلغ نحو 10000 متر مربع؛ ليكونَ دار علم ومعرفة، وتقلصت هذه المساحة مع مرور الزَّمن، ووصف الحسن الوزان المعروف بليون الإفريقي في كتابه "وصف إفريقيا" عن مشاهدة جامع ابن يوسف قائلاً : "إنَّه في غاية الحسن".

وقد عرف الجامع عدَّة إصلاحات وتجديدات عبر القرون؛ هَدَفَ بعضٌ منها إلى طمس معالم مؤسسه الأول، وفي هذا الصَّدد يذكر الحسن الوزان تبعًا لمؤرخين سابقين أن: "عبدالمؤمن بن علي مؤسس الدولة الموحدية هَدَمَ هذا الجامع، وأعاد بناءه؛ ليمحوَ اسمَ مُؤسسه علي بن يوسف، ويَجعل اسمه هو مكانه"، بَيْدَ أن عمله ذهب سُدًى، والدليل على ذلك أنَّه لا يجري على ألسنة النَّاس إلى الآن إلا الاسم القديم: "جامع ابن يوسف".

وقد تقلَّصت مساحته أثناء عمليَّة التَّرميم، وكان آخر من جدَّده السلطانُ المولى سليمان عام 1236 - 1820 بناه بناء ضخمًا، وأزال منارته الأصليَّة التي كانت له قديمًا، ولا زال آثارها ظاهرًا، وشيد منارة أخرى بديعة الحسن رائعة الصنعة - حَسَبَ تَعبير صاحب "الاستقصاء" - كما أنَّ الملك محمد الخامس أمر بتنظيم الدِّراسة فيه على غرار مسجد القرويين، وذلك في 1938م، وهو إلى اليوم يحتفظ بنفس الشكل الذي وصفه المستشرق الفرنسي كاستون دوفيردان Gaston Deverdun.

ثالثًا: ابن يوسف قِبْلَة أهل العلم وحاضن المناظرة الكبرى
لقد جعل جامع ابن يوسف من مراكش مَحجًّا للعلماء وطلاب العلم، بشكل جعل العاصمة المرابطيَّة منبرًا للدَّعوة إلى الله، وقلعة من قلاع الشريعة الإسلاميَّة، ونشرًا لمبادئها وأصولها، ومنهلاً للمعرفة، ومنتدًى للثقافة الإسلاميَّة، ومركزًا لإثبات دعائم الدولة الفَتِيَّة.

فقد شهد الجامع إجراءَ المناظرة التاريخيَّة الكبرى بين ابن تومرت المُسَمَّى بالمهدي وفقهاء المرابطين، التي أسفرت عن تطورات سياسية ومذهبية أشغلت الغربَ الإسلامي كُلَّه، طوال ثلاثة قرون، وأدَّت إلى قيام الدولة المعروفة في التاريخ بدولة الموحدين، والتَّخلي عن المذهب المالكي وإحراق كتبه، والاجتهاد في أمور الدِّين، وازدهار العلوم الفلسفيَّة والحكمية وسائر المعقولات.

ومن بين مَن وَفَد عليه وزاول مُهمة التدريس فيه منذ عهد التأسيس: علماء كبار من المغرب والأندلس؛ إذ من المعلوم أنَّ الإمبراطوريَّة المرابطية كانت تَمتد من حوض السنغال جنوبًا إلى شمال إسبانيا، وتشمل شرقًا معظم المغرب الأوسط، ومن أشهر الشخصيات العلمية التي عرفها جامع ابن يوسف في مراحله الأولى: أبو الوليد ابن رُشد الجد رأس فقهاء الأندلس، وحفيده أبو الوليد ابن رشد إمام الفلاسفة والحكماء، كما كانت جنبات الجامع تعجُّ بفطاحل العلماء من أمثال: ابن زهر، ومالك بن وهيب، وابن عطيَّة، وابن القصيرة، وابن أبي الخصال وغيرهم.

كما أنَّ الجامع خَرَّجَ عددًا من العلماء الكبار، هم مصدر فخر واعتزاز للذاكرة المغربية، من أمثال: أبي علي المراكشي، وعبدالواحد المراكشي، والقاضي عياض، وابن البناء العالم الرِّياضي، وابن طفيل الطبيب الأندلسي، والمنصور السعدي، والنبيل زيدان، وابن القاضي، واليفراني، وجماعة لا يستهان بهم من رجال العلم والأدب.

وبذلك أصبحت مدينة مراكش بفضل هذا الجامع الكبير قِبْلَةً لطلاب العلم والعلماء، شأنها في ذلك شأن باقي كُبْرَيات العواصم الإسلاميَّة في ذات الوقت، كما أصبحَ هذا الجامع مهبطًا لوحي الأفكار، وملتقى أهل المعرفة والأخبار، تنبعث منه أنوار الهداية والعرفان، ومنطلقًا إلى مختلف جهات المغرب وإلى الأقطار المجاورة؛ ليستَمِرَّ إشعاعُ المركز العلمي الأوَّل بمراكش مدة طويلة.

بل استَمَرَّ إلى العصر الحديث حيثُ ساهم جامع ابن يوسف في نشر وإذكاء الرُّوح الوطنية إبَّان فترة الحماية والاستعمار، بل إنَّه كان سبَّاقًا إلى إيقاظ الحس الوطني في نفس كل مواطن مغربي، في مختلف الشرائح الاجتماعيَّة؛ أساتذة وطلبة، وتجار، وحرفيين، وتكفي الإشارة إلى أنَّ علماء الجامع كانوا وراء تفجير شرارة الاحتجاج على ظهير 30 مايو 1930، وكان على رأس مُفَجِّريها: السيد التهامي المعروفي، والعلاَّمة المختار السوسي، إضافة إلى ما أقدم عليه طلبة مدرسة بن يوسف سنة 1937 بمناسبة زيارة المقيمِ العامِ لمدينتهم - من فضحٍ لأوضاع البُؤْسِ والحرمان والمعاناة، التي حاولَ حُكَّام مراكش إخفاءها عن عين المُقيم، وكان من نتائجها انتفاضة طلابية كان من نتائجها تعرُّض عدد منهم للاعتقال والنَّفي.

وكان ممن وقع على وثيقة المطالبة بالاستقلال، في 11 يناير 1944 من علماءَ وطلبةِ ابن يوسف: السيد مبارك الغراس، السيد الحسين الوزاني، السيد عبدالله إبراهيم، والطالب الغراس، والطالب عبدالنبي بن العادل.

خاتمة:
وفي كلمة أخيرة، يُمكن القول: إنَّ هذه المؤسسة لعبت دورًا رياديًّا في مجال العلم والمعرفة، وكانت بذلك إحدى أشهر جوامع العالم الإسلامي صحبة للمسجد النَّبوي، والحرم المكي، ومسجد قرطبة، وجامع الزيتونة.

وعليه؛ فيَحِقُّ لهذه المؤسسة أن تفخر بإنجابها لمختلف الأعلام العلمية، وبدورها البطولي في مقاومة الاستعمار، وتحقيق الحرية والاستقلال.


 ـــــــــــــــــــ
 [1]   نسبة إلى أحمد بن يوسف بن مصطفى القرمللي، نسبة إلى (قره مان) من بلاد الأناضول.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69780
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي    المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي Emptyالخميس 5 ديسمبر 2019 - 23:09

المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي
منارة تقاوم النسيان في إباء، وتتحدى الإهمال في شموخ (2)
"مدرسة ابن يوسف: الكتاب المفتوح لتأريخ الفن المغربي"


لابُدَّ من الإشارة إلى أنَّه لم تكد تخلو مدينة مغربيَّة من مدارسه العلميَّة البديعة، التي حَظِيَت بالعناية والاهتمام، ومن بين هذه المدارس مدرسة ابن يوسف، التي أخذت هذا الاسم لوقوعها بالقُرب من جامع ابن يوسف، وارتبطت به ارتباطًا وثيقًا، لدرجةٍ لا يُمكن الحديث عن المدرسة إلاَّ مقرونة بجامع ابن يوسف، الذي تعطَّلت مهامه زهاء الثَّلاثين سنة، من فترة الحُكم
 المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي 1(27) الموحدي، وهناك إشاراتٌ تاريخيَّة محدودة إلى تَعَرُّض جُملة من المساجد المُرابطيَّة للتَّخريب من قِبَل الموحدين، وبناء أخرى. 

ولَمَّا استعادت مراكش مركزها كعاصمة للدولة مع الشرفاء السَّعديين، جدَّدَ السلطان عبدالله الغالب مدرسة ابن يوسف، كما روى المؤرخ الإسباني مارمول كرباخال، وقد بالغ في زخرفتها وتأنيقها، بالشكل الرائع الذي توجد عليه الآن؛ تقربًا إلى الله - تعالى - وطلبًا للشفاء من مرض البطنة، وكتب اسمه في جدرانها؛ ليطمسَ أَثَرَ مؤسسها المريني الأَوَّل - مثلما فعل عبدالمؤمن من قبل - ولكنَّ الذَّاكرة الشعبية أَبَتْ إلاَّ أن تظلَّ وفيَّة للمُؤسِّس الحقيقي لأضخم مؤسسة تعليميَّة بعاصمة الجنوب بمراكش، ولا تُردِّد ألسنتُها حتَّى اليوم سوى جامع ابن يوسف ومدرسة ابن يوسف. 

وتَحتلُّ المدرسة مساحةً تُقَدَّر بحوالي 1680 مِتْرًا، وهي ذات شكل مربع، وكانت على امتداد أربعة قرون قِبْلَة العلماء وطلاب العلم، قبل أن تتحول في السَّنوات الأخيرة إلى مَزارٍ سياحي يَحرص زُوَّار مراكش على الاستمتاع بتحفه الأثريَّة الرَّائعة، وهي - حقيقةً - علامة شاهدة على الازدهار الحضاري الإسلامي بالمغرب.

وللإشارة؛ لم تكن الدُّروس تلقى بالمدرسة نفسها، ولكن بداخل مسجد بن يوسف المجاور، وهذا سِرٌّ من أسرار ارتباط المدرسة بالجامع؛ حيثُ كانت عبارة عن "حي جامعي"، بالمفهوم المتعارف عليه اليوم، لسكن الطلبة، وتضم حوالي 132 غرفة؛ حيثُ كان يعيش الطلبة ويراجعون دروسهم، في حين كان الجامع يُستعمل لأداء الواجب الديني والدروس.


معالم فنية آيات في السحر والجمال 
لم يكن التفرد في استقطاب العلماء وكبار الأساتذة من السِّمات المميزة لهذه المعلمة الحضاريَّة فقط؛ بل كان المعمار وجماليَّته أيضًا من سماتِها المميزة، فقبل الولوج إلى داخل بِنايَة المدرسة، تسترعي انتباه الزائر قُبَّة مزخرفة بالجبس و النقوش، أما باب المعلمة، فمغطى بالبرونز المنقوش، ويتمُّ الولوج إلى المدرسة عَبْرَ ممر مغطى تتخلله فتحات هندسية تضيء المكان، ثم يجد المرء نفسه بعد ذلك في دهليز يؤدِّي إلى مختلف أنحاء البناية. المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي 2(27)

أما في وسط المدرسة فتوجد قاعة الصلاة، ومكونة من ثلاث بلاطات عرضية، يفصلها صَفَّان من الأعمدة الرُّخامية، وتتوفر على خزانات خشبية كانت تستعمل مكتبات خاصة بنُزلاء المدرسة.

أما المحراب، فهو الآية البديعة، بموادِّها المتنوعة؛ مثل: الرخام، والخشب، والجبس بألوانه المختلفة، وهو مزود بشرفات خماسيَّة الأضلاع مُقوسة، ومدعومة بأربعة أعمدة صغيرة ومُزَيَّنة بالرخام، وتُغطيه قبَّة صغيرة مزينة بالجبس، ويُشكِّلُ المحراب - حقيقةً - أحدَ عناصر غنى هذه المعلمة الخالدة، وبجانبه عمودان منقوشان بالرُّخام الإيطالي؛ الذي استعمل بكثرة في المدرسة - أرضيَّة المدرسة وغرف الطلبة وصحونها - إلى جانب الجبس المنقوش يدويًّا؛ إذ لا تكاد جدران المدرسة تَخلو من لوحات فنيَّة، يكون الجبسُ بألوانه الزَّاهية مادتها الأساسية، وتزداد المعلمة رونقًا وجمالاً باستعمال الزليج بألوانه المتنوعة وأشكاله الهندسيَّة وتقنياته المختلفة؛ إذ يُغطي أسفلَ الجدران وكذا الأعمدة، وأمَّا الطَّابق العلوي، فيُفضَى إليه عَبْر درج تقليد البناية والهندسة، وهو يُفضي إلى غرف الطلبة.

أما قباب هذه المعلمة، فمصنوعة من خشب الأرز من جبال الأطلس بالمغرب، وتبقى قُبَّته الكبرى من المعالم التاريخيَّة، التي تكاد تكون الوحيدة في المغرب الباقية كاملة من العمارة المرابطيَّة؛ وهي تتكون من جزأَيْن: القبة التي تُغطي حوضًا مستطيلاً كان يُستعمَلُ للطهارة، ومجمعًا مائيًّا يضمُّ بقايا مراحيض، ومطفية لخزن الماء وتوزيعه، وقنوًا من الطين لتصريف هذه المياه، وتتميَّز هندسة القبة في كونها تُقدِّم مستطيلاً يتحول في الأعلى إلى مُربع داخلي، ثُم على شكل مُثَمَّن الأضلاع ترسو فوقه القبة، ومن الدَّاخل تكمُن روعة هذه القبة في مرور ثمانية أضلاع كبيرة على إفريز مَنقوش بالكتابة، وعلى توريق عربِي، تبرزها أربعة مَجالات فارغة في الزوايا.

إنَّ تنوع مواد البناء وتعدد الزخارف الهندسية يجعل هذه المعلمة تُحفة فَنِّيَّة من المعمار المغربي الإسلامي الأصيل، وسجلاً حيًّا يؤرخ لتتمازج اللَّمسات الفنية الأندلسيَّة بالمغربية، فابن يوسف مُنحدر من أم أندلسية، ومولود بسبتة؛ لذا حَضَرَ التخطيط الأندلسي في كثير من مبانيه المعمارية.

أما خزانة ابن يوسف الشهيرة حتَّى أيَّامنا هذه، فتعد ثاني الخزائن المغربية العتيقة، المليئة بالمخطوطات النَّفيسة، ويرجع تاريخُ تأسيسها إلى أوائل القرن الثاني عشر، حين شيد علي بن يوسف بن تاشفين، ثاني ملوك الدَّولة المرابطية، ومقعد قواعدها - الجامع الكبير بمراكش، وجعلت الخزانة العلميَّة بأحد مقاصيره، وبعد المرحلة الصَّعبة التي قطعها جامع ابن يوسف وخزانته في عهد الموحدين، الذين عملوا على طَمْس جميع آثار المرابطين - استعادت خزانة ابن يوسف مع الجامع حياة نشيطة، وازدهرت بالخصوص مع الشرفاء السَّعديين الذين اتخذوا من مراكش عاصمة لهم، وتنافسوا في تزويد الخزائن العلميَّة بحاضرتهم بمختلف المؤلفات الثَّمينة القديمة والحديثة.

وأخيرًا: اعتنى الحسن الأول ببناء مركز جديد لخزانة ابن يوسف، ووضع ابنه عبدالحفيظ عندما كان خليفة لأخيه السلطان عبدالعزيز بمراكش فهرسًا لهذه الخزانة الجديدة سنة 1953، وجهزت بالوسائل اللاَّزمة إلى أن نقلت سنة 1960 إلى قصر
 المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي 3(15) "الأكلاوي"، حيثُ ما تزال فيه حتى اليوم، ومخطوطاتها الباقية تناهز ألفي مخطوط، بعضها قديم لا يوجد في غيرها من الخزائن المغربية والأجنبية.

وهكذا تبقى مؤسسات ابن يوسف منذ تأسيسها - وعلى رأسها الجامع الكبير - لها الدَّور الكبير في الإشعاع العلمي والثقافي لمراكش، الذي تأرجح مجاله بالوضعية السياسية للمغرب، فعندما كانت الحاضرة العاصمة المركزية امتَدَّ إلى مَجالات قاريةٍ شاسعة، ثم تَحول الإشعاع إلى مُستوى إقليمي باضمحلال الإمبراطوريَّة المغربيَّة، وفقدان مراكش مكانتها كعاصمة سياسية للبلاد، بَيْدَ أن جامع يوسف ظلَّ على الدوام أحد المعالم العلميَّة والحضارية الشاهدة على عبقرية مؤسسيها ومُشيديها، وظَلَّت على مَرِّ العصور تدافع عن تراثِ الإسلام واللُّغة العربية في أقصى نقطة من غرب العالم الإسلامي، بتمسكها بالتعليم الأصيل تلقينًا وتكوينًا، كما قدمت لنا نماذج من كفاح أساتذتها وطُلاَّبها في سبيل إحقاق الحق، ضد الضلال والفساد، والعمل على نشر الخير والفضيلة، ونبذ ما يَمس القيم الإسلامية والمبادئ الإنسانية، والدعوة إلى التربية الإسلامية بالقدوة والعمل قبل القول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69780
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي    المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي Emptyالخميس 5 ديسمبر 2019 - 23:11

دار الغرب الإسلامي في سطور

 
تعدُّ دار الغرب الإسلامي من دور النشر العربيَّة الرائدة والمميَّزة، أسَّسها الكُتُبِي التونسي (الحبيب مسعود اللمسي) في بيروت سنة 1979م، كما كان أوَّلُ إصدارٍ لها سنة 1980م، وقد انتقلت إلى تونس في 2007م تقريبًا، وما لا تعرفونهُ عن صاحبها الثمانينيِّ أنَّ لديه مكتبة نافَ عددُ كتبها على ستين ألف كتاب، وقد سمعتُ بأنَّهُ قد تبرَّع بها مؤخَّرًا لإحدى المكتبات العامَّة بتونس، وليس في منزله تلفازٌ ألبتَّة، حتى إنَّهُ لا يعرفُ كيفية تشغيله، كما أنَّهُ لا يحسنُ قيادة السيَّارة، والأعجب من ذلك أنَّهُ لم يتزوَّج أبدًا، حتى قال عن نفسه: تزوجتُ الكتابَ ولم أعشق المرأة، وقد شرفت بمقابلته في معرض الدوحة للكتاب، وكذلك معرض الرياض، عدَّة مرَّات؛ إذ من عادته زيارة معارض الكتب؛ لمتابعة مشاركة دار نشره، ولشراء الجديد والنفيس من الكتب لضمِّه إلى مكتبته.
 
وعن طريق هذه الدار عرفتُ عشرات الكتب المميزة من تراثنا الإسلامي التي حظيت بتحقيقٍ من قِبلِ أساطين المحققين العرب، كما نشرت عشرات الكتب والأبحاث والدراسات الجادَّة والرصينة، فعادة هذه الدار في الغالب ألَّا تختار إلَاّ ما كان فيه إضافة علمية مثرية للمكتبة الإسلامية، وقد تُوفي رحمه الله يومَ الخميس 22 شعبان 1438 هـ الموافق 18 مايو 2017م، وبموته فقدت الأمَّة الإسلامية عَلَمًا أثرى المكتبة الإسلامية بكتب قيِّمةِ المحتوى، جميلة الإخراج والطباعة، وبذلك تُطوى صفحةٌ مشرقةٌ من تاريخ النشر والطباعة في الوطن العربي، فلعلَّ أحدَ محبِّيه أو العاملين معه في الدار ينشطُ لجمع سيرته ونشرها لينهل من معينها كلُّ متعطِّشٍ للقراءة[1]، رحم الله الحبيب اللمسي وغفر له وأسكنه فسيح جناته وجزاه على ما قدَّم خيرَ الجزاء[2].
 
وقد عُنيت دار الغرب الإسلاميِّ بنشر كتب الفقه المالكي، والكتب المتعلِّقة ببلاد الأندلس والمغرب العربيِّ، كما أنها قد طبعت كتبًا مميزةً في علومٍ متنوِّعة، وقد نشرت عشرات التآليف والتحقيقات لكوكبة رائدة من أعلام العلماء والأدباء العرب المعاصرين في عددٍ من الفنون؛ نذكرُ منهم:
1- إبراهيم بن مراد.
2- إبراهيم شبُّوح.
3- أبو القاسم سعدالله (ت: 2013م).
4- أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري.
5- إحسان عبَّاس (ت: 2003م).
6- أحمد الريسوني.
7- أحمد الشرقاوي إقبال (ت: 2000م).
8- إسماعيل الأكوع (ت: 2008م).
9- أنور الجندي (ت: 2002م).
10- بشار عواد معروف.
11- جليل العطية.
12- الحبيب الجنحاني.
13- حسن محمد الوراكلي.
14- سعيد أعراب.
15- السيد عبدالعزيز سالم (ت: 2003م).
16- شاكر الفحَّام (ت: 2008م)
17- عبدالحميد بن باديس (ت: 1940م).
18- عبدالرحمن بدوي (ت: 2002م).
19- عبدالرحمن سليمان العثيمين (ت: 2014م).
20- عبدالعزيز الثعالبي (ت: 1944م).
21- عبدالعزيز الدوري (ت: 2010م)
22- عبدالعزيز الميمني (ت: 1978م).
23- عبدالفتاح محمد الحلو (ت: 1994م).
24- عبدالله أحمد الجبوري.
25- عبدالله محمد الحبشي.
26- عبدالمجيد النجَّار.
27- عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان.
28- عز الدين عمر موسى.
29- علال الفاسي (ت: 1974م).
30- علي جواد الطاهر (ت: 1994م).
31- كوركيس عواد (ت: 1992م).
32- محمد أبو الأجفان (ت: 2006م).
33- محمد الأمين بو خبزة.
34- محمد البشير الإبراهيمي (ت: 1965م).
35- محمد الحبيب الهيلة.
36- محمد بن الخوجة.
37- محمد الشاذلي النيفر (ت: 1998م).
38- محمد العروسي المطوي (ت: 2005م).
39- محمد المختار السلامي (ت: 1998م).
40- محمد المنوني (ت: 1999م).
41- محمد اليعلاوي (ت: 2015م).
42- محمد بن شريفة.
43- محمد حجِّي (ت: 2003م).
44- محمد عزَّة دروزة (ت: 1984م).
45- محمود محمد الطناحي (ت: 1999م)
46- محمود علي مكِّي (ت: 2013م).
47- نجم عبدالرحمن خلف.
48- هلال ناجي (ت: 2011م).
49- وداد محمد القاضي.
50- يحيى وهيب الجبوري.
 
وغيرهم الكثير ممَّا لا يكفي المقالُ لذكرهم جميعًا، ويكفيهم تميُّزًا أنَّ دار الغرب الإسلامي التي تحرص على انتقاء الموضوعات واختيار المميَّز من الكتب - أنَّها قد نشرت لهم بعض نتاجهم العلمي.
 
وأمَّا أهمُّ ما نشرتهُ دار الغرب الإسلامي من الكتب والدراسات ممَّا هو لديَّ أو طالعتهُ في المكتبات، فنذكرُ منها:
أ‌- السنَّة وعلوم الحديث:
1- الجامع الكبير، الترمذي، تحقيق: د. بشار عواد معروف.
2- المسند المصنف المعلل، بشار عوَّاد معروف وآخرون.
3- موطأ مالك رواية علي بن زياد، تحقيق: محمد الشاذلي النيفر.
4- المعلم بفوائد مسلم، المازري، تحقيق: محمد الشاذلي النيفر.
5- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، جمال الدين المزِّي، تحقيق: د. بشار عواد معروف.
6- شمائل النبي صل الله عليه وسلم، الترمذي، تحقيق: د. ماهر ياسين الفحل.
 
ب‌- التفاسير وعلوم القرآن:
1- ملاك التأويل، ابن الزبير الغرناطي، تحقيق: سعيد الفلاح.
2- قانون التأويل، أبو بكر بن العربي، تحقيق: محمد السليماني.
3- القراء والقراءات بالمغرب، سعيد أعراب.
 
ج - الفقه المالكي:
1- المعيار المعرب والجامع المغرب، الونشريسي، تحقيق: محمد حجِّي وآخرون.
2- البيان والتحصيل، ابن رشد الجدُّ، تحقيق: د. محمد حجي وآخرون.
3- التفريع، ابن الجلَّاب البصري، تحقيق: سالم الدهماني.
4- المقدمات الممهدات، ابن رشد الجدُّ، تحقيق: د. محمد حجي وسعيد أعراب.
5- الذخيرة، شهاب الدين القرافي، تحقيق: د. محمد حجي وآخرون.
6- شرح التلقين، المازري، تحقيق: محمد المختار السلامي.
7- النوادر والزيادات، ابن أبي زيد القيرواني، تحقيق: د. عبدالفتاح الحلو وآخرون.
 
د - الفهارس والمسلسلات والمشيخات:
1- برنامج المجاري الأندلسي، تحقيق: محمد أبو الأجفان.
2- مشيخة ابن الجوزي، تحقيق: محمد محفوظ.
3- برنامج الوادي آشي، تحقيق: محمد محفوظ.
4- فهرست ابن عطية الأندلسي، تحقيق: محمد أبو الأجفان ومحمد الزاهي.
5- فهرس الفهارس، عبدالحيِّ الكتَّاني، تحقيق: إحسان عبَّاس.
6- الغنية (فهرست شيوخ القاضي عياض)، تحقيق: ماهر زهير جرار.
 
هـ - التراجم والتواريخ العامة:
1- تاريخ الإسلام، شمس الدين الذهبي، تحقيق: بشار عواد معروف.
2- تاريخ مدينة السلام، الخطيب البغدادي، تحقيق: بشار عواد معروف.
3- ذيل تاريخ مدينة السلام، ابن الدبيثي، تحقيق: د. بشار عواد معروف.
4- المقفى الكبير، المقريزي، تحقيق: محمد اليعلاوي.
5- الكواكب الدرية في مناقب المجتهد ابن تيمية، مرعي الكرمي، تحقيق: د. نجم عبدالرحمن خلف.
6- شذرات من كتب مفقودة في التاريخ، إحسان عباس.
7- فوات المؤلفين، علي جواد الطاهر.
8- بحوث إسلامية في التاريخ والحضارة والآثار، د. السيد عبدالعزيز سالم.
9- كتاب الردة، الواقدي، تحقيق: د. يحيى وهيب الجبوري.
10- الأعلام الشرقية، زكي محمد مجاهد.
11- معجم العلماء والشعراء الصقليين، د. إحسان عباس.
12- موسوعة أعلام المغرب، تحقيق: د. محمد حجي.
13- بحوث ودراسات في الأدب والتاريخ، د. إحسان عباس.
14- أوراق في التاريخ والحضارة، د. عبدالعزيز الدوري.
 
و - دواوين الشعر:
1- ديوان تأبَّط شرًّا وأخباره، علي ذو الفقار شاكر.
2- ديوان ابن هانئ، محمد اليعلاوي.
3- البسطي آخر شعراء الأندلس، محمد بن شريفة.
4- أنموذج الزمان في شعراء القيروان، ابن رشيق القيرواني، تحقيق: محمد العروسي المطوي وبشير البكوش.
5- مختارات من الشعر الأندلسي لم يسبق نشرها، د. إبراهيم بن مراد.
6- ديوان إبراهيم بن سهل، د. محمد فرج دغيم.
 
ح - التراجم والتواريخ الأندلسية:
1- البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، ابن عذاري، تحقيق: بشار عواد معروف.
2- جذوة المقتبس، الحميدي الميورقي، تحقيق: بشار عواد معروف.
3- الذيل والتكملة، ابن عبدالملك المراكشي، تحقيق: بشار عواد معروف.
4- الصلة، ابن بشكوال، تحقيق: بشار عواد معروف.
5- فهرسة ابن خير الإشبيلي، تحقيق: د. بشار عواد معروف.
6- المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي، ابن الأبَّار البلنسي، تحقيق: د. بشار عواد معروف.
7- تاريخ علماء الأندلس، ابن الفرضي، تحقيق: د. بشار عواد معروف.
8- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، ابن بسَّام الشنتريني، تحقيق: د. إحسان عبَّاس.
9- أعلام مالقة، ابن عسكر وابن خميس، تحقيق: عبدالله المرابط الترغي.
10- عيون الإمامة ونواظر السياسة، أبو طالب المرواني، تحقيق: د. بشار عواد معروف وصلاح جرار.
11- المنُّ بالإمامة، ابن صاحب الصلاة، تحقيق: د. عبدالهادي التازي.
12- المستملح من كتاب التكملة، شمس الدين الذهبي، تحقيق: د. بشار عواد معروف.
13- نوادر الإمام ابن حزم، أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري.
14- ابن حزم، أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري.
15- الأندلس في نهاية المرابطين ومستهلِّ الموحدين، د. عصمت عبداللطيف دندش.
16- مع القاضي أبي بكر بن العربي، سعيد أعراب.
17- ياقوتة الأندلس، حسن الوراكلي.
18- دراسات أندلسية، د. ناصر الدين سعيدوني.
19- ابن عبدربه الحفيد، د. محمد بن شريفة.
 
ط - كتب اللغة والمعاجم والدراسات الأدبية:
1- معجم الأدباء، ياقوت الحموي، تحقيق: د. إحسان عباس.
2- معجم المعاجم، أحمد الشرقاوي إقبال.
3- منهاج البلغاء وسراج الأدباء، حازم القرطاجنِّي، تحقيق: د. محمد الحبيب بن الخوجة.
4- أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة، محمد بن شريفة.
5- أشتات لغوية، كوركيس عواد.
6- في اللغة والأدب، د. محمود الطناحي.
7- بحوث وتنبيهات، المعصومي، تحقيق: د. محمد أجمل الإصلاحي.
8- محن الشعراء والأدباء، د. يحيى وهيب الجبوري.
 
ي - الجغرافية والرحلات:
1- وصف إفريقيا، الحسن الوزَّان الإفريقي، تحقيق: د. محمد حجِّي ود. محمد الأخضر.
2- ملءُ العيبة، ابن رشيد الفهري السبتي، تحقيق: د. محمد الحبيب بن الخوجة.
3- تاريخ الأدب الجغرافي العربي، كراتشكوفسكي، ترجمة: د. صلاح الدين هاشم.
4- الرحلة الحجازية، الولاتي، تحقيق: د. محمد حجي.
5- فيض العباب، ابن الحاج النميري، تحقيق: د. محمد بن شقرون.
6- الرحلة اليمنية، عبدالعزيز الثعالبي، تحقيق: حمادي الساحلي.
 
ك - الطب:
1- حديقة الأزهار، الوزير الغسَّاني، تحقيق: محمد العربي الخطابي.
2- الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية، محمد العربي الخطابي.
 
ل - تاريخ بلاد المغرب القديم والحديث:
1- الحلل السندسية في الأخبار التونسية، الوزير السرَّاج، تحقيق: د. محمد الحبيب الهيلة.
2- مظاهر يقظة المغرب الحديث، محمد المنُّوني.
3- الدولة الأغلبية، محمد الطالبي.
4- فاس قبل الحماية، روجي لوطورنو، ترجمة: د. محمد حجي ود. محمد الأخضر.
5- السلطنة الحفصية، محمد العروسي المطوي.
6- تاريخ الجزائر الثقافي، د. أبو القاسم سعدالله.
7- أعلام الفكر والثقافة في الجزائر المحروسة، د. يحيى بو عزيز.
8- تاريخ شمال إفريقيا، عبدالعزيز الثعالبي.
 
م - أصول الفقه:
1- إحكام الفصول في أحكام الأصول، أبو الوليد الباجي، تحقيق: د. عبدالمجيد تركي.
2- شرح اللمع، أبو إسحاق الشيرازي، تحقيق: د. عبدالمجيد تركي.
3- المنهاج في ترتيب الحجاج، أبو الوليد الباجي، تحقيق: د. عبدالمجيد تركي.
4- الجواهر الثمينة، حسن المشاط، تحقيق: د. عبدالوهاب أبو سليمان.
5- الضروري في أصول الفقه، ابن رشد الحفيد، تحقيق: جمال الدين العلوي.
6- الحدود في الأصول، ابن فورك، تحقيق: د. محمد السليماني.
7- إيضاح المحصول من برهان الأصول، المازري، تحقيق: د. عمار الطالبي.
 
ن - مناهج التحقيق:
1- منهج البحث وتحقيق النصوص، د. يحيى وهيب الجبوري.
2- في تحقيق النص، بشار عواد معروف.
3- تحقيق النصوص بين أخطاء المؤلفين وإصلاح الرواة، د. بشار عواد معروف.
4- محاضرات في تحقيق النصوص، هلال ناجي.
 
ص - آثار العلماء المجموعة والمذكرات والسير الذاتية:
1- مذكرات محمد عزَّة دروزة.
2- آثار العلامة البشير الإبراهيمي.
3- الذخائر الشرقية، كوركيس عواد، جمع: د. جليل العطية.
4- ابن باديس حياته وآثاره، عمار الطالبي.
5- حياتي في حكاياتي، د. حسن الشافعي.
6- أحلام ومحن، د. أحمد طالب الإبراهيمي.
7- محمود بيرم التونسي في المنفى، د. محمد صالح الجابري.




[1] كنت قد بدأت في كتابة هذه المقالة منذ أشهر، ثمَّ ذهلت عنها لانشغالي بأمور أخرى، ثمَّ عاودتُ النظرَ فيها لأنشرها.
[2] وللمزيد حول حياته وسيرته وشيءٍ من أخباره، فارجع إلى اللقاء الذي أجرته معه مجلةُ الفيصلِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69780
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي    المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي Emptyالخميس 5 ديسمبر 2019 - 23:12

دور المسلمين في التقدم العلمي



لم يمضِ أكثر من مائة عام على ظهور الإسلام، حتى شرع المسلمون في العِلم على تدوين العلوم الشرعيَّة ودراسة العلوم الطبيعية، حتى نبغ منهم علماء، أجمع المؤرخون في الشرق والغرب على السواء: أن دراساتِهم ومصنَّفاتهم كان لها أكبر الأثر في نموِّ الثقافة العالمية وازدهارها في عالمنا المعاصر.
 
فلما اتَّسعتِ الدولة الإسلامية، واستقرَّت أمورها في العصر العباسي الأول، وضمَّت إليها شعوبًا متعددة، أبرز علماءُ هذه الشعوب مواهبَهم، فأقبل الفرس - بعد أن أحسن الخلفاء العباسيُّون معاملتَهم - على بغداد بعد تأسيسها، وأقاموا واستقرُّوا فيها، وكان الفرس قد بلغوا درجةً كبيرة من التقدُّم في مضمارِ الحياة الثقافيَّة، ودفَعهم اعتناقُ الإسلام والاندماج في الحياة العامة إلى تعلُّم اللغة العربيَّة، فنقلوا خُلاصةَ معارفهم من الفارسية إلى العربية، وصنَّفوا مصنفاتٍ قيِّمة في العلوم العربية والدينية والطبيعية.
 
ومن أسباب تَقدُّم الحياة الثقافيَّة في الدولة الإسلامية أن أهل الذمة حظوا برعاية الخلفاء من بني العباس، وقدَّروا ذوي المواهب منهم، وبذلك أتيحت لهم الفرصة لإبراز مقدرتِهم العلميَّة، وكان لمعرفتِهم باللغات الأجنبية - خصوصًا اليونانيَّة والسريانية - سبب في اعتماد الخلفاء عليهم في حركة الترجمة إلى اللغة العربية.
 
ولما اتَّسع نِطاق العِلم، ظهرت الحاجة إلى الاستفادة من العلوم التي تَوصَّل إليها المسلمون في العصر العباسي الأول، فقسَّم العلماء العلومَ إلى نقليَّة تتَّصِل بالقرآن الكريم، وتشمل: (علومَ التفسير والقراءات، وعلم الحديث والفقه، وعلم الكلام، وعلوم اللغة: كالنحو والصرف والشعر والبيان، والنوع الثاني من العلوم يُسمَّى العلوم العقليَّة، ويشمل الفلسفة والطب، وعلم النجوم والكيمياء والتاريخ والجغرافيا والموسيقا والرياضيات).
 
كان الذي يتحمَّل نقلَ الشريعة القرَّاء - أي قراء كتاب الله والسُّنة المأثورة - لأنهم لم يعرفوا الأحكامَ الشرعيَّة إلا منه ومن الحديث الذي هو في الغالب تفسير وشرح له، وكانوا يَنقُلون معارفَهم شفاهة، ثم احتيج إلى وضْع التفاسير القرآنيَّة وتدوين الحديث؛ مخافة ضياعهما، واحتيج إلى معرفة الأسانيد والتأكُّد من صحتها، ثم احتيج إلى استنباط لأحكام من القرآن والسُّنة، يُضاف إلى ذلك فسادُ اللسان، فظهرت الحاجة إلى وضْع القوانين النَّحْوية، وصارت العلوم الشرعيَّة كلها مادة الاستنباط والاستخراج والقياس.
 
وقد تمَّ تدوين العلوم في مستهلِّ العصر العباسي الأول في كُتبٍ تَداولها الناس، وكان الورق الذي يُستعمَل في الكتابة البردي، ويُجلَب من مصر، ثم استُعمِل ورقٌ يُسمَّى (الكاغد) كان يُجلَب من الصين، وتَقدَّم فنُّ الوراقة في الدولة الإسلامية تَبَعًا للتقدم العلمي وإقبال العلماء على نشْر مؤلَّفاتهم، ويُقصَد بالوراقة نسْخ الكتب وتصحيحها وتجليدها، وكل ما يتعلَّق بإخراج الكتاب، وكان الورَّاقون يبيعون هذه الكتبَ في دكاكينهم، والمهتمون بالحياة الثقافية يتردَّدون على هذه الدكاكين؛ للقراءة أو لشراء ما يَلزَمهم من الكتب والمصنفات، ودكاكينهم كانت أشبه بالمكتبات العامة في يومنا هذا، ويُروى أن الجاحظ كان يَبيت في دكاكين الورَّاقين للقراءة، ولا يعلم بظهور كتاب إلا وبحث عنه.
 
ولم يكن في الدولة الإسلامية مدارس يتلقَّى فيها الطلاب تعليمهم، وإنما كانت بها كتاتيب يتثقَّف فيها الصبيان ثقافةً عامَّة: يحفظون القرآن الكريم، ويتعلمون القراءة والكتابة والحساب، ويتقاضى المعلم أجرًا على عمَله، والدراسة في الكتاتيب أشبه بالدراسة في المدارس الابتدائية في يومنا هذا.
 
أما الدراسة المتخصِّصة فكان مقرُّها المسجد، وضمَّتِ المساجد حلقاتٍ يَدرُس فيها الطلابُ مختلفَ العلوم، ويقوم بالتدريس فيها رجال العِلم من المشايخ؛ فهناك حلْقة للفقه وحلقة للتفسير وحلقة للحديث وحلقة لعلم الكلام، والطالب يتردَّد على الحلقة التي تتناسب مع ميوله للون معين من العلم، وشيخ الحلقة يتقاضى أجرًا نظير مهمَّته، ولم تكن الدولة تتدخَّل في هذه الدراسة، وما يجري فيها من مناقشات، واقتصر إشرافها فقط على عدم تَعارُض الدراسة وما يجري فيها من مناقشات مع تعاليم الدين أو مع سياسة الدولة العامة، وإذا كان شيخ الحلقة ميسورًا، فإنه يؤدي مهمته مجانًا ابتغاء مرضاةِ الله، فالإمام أبو حنيفة كان يعمل بزازًا - أي بائع أقمشة - وفي نفس الوقت يقوم بالتدريس، والطلاب الذين يتردَّدون على هذه الحلقات لا يستمرون فيها إلا إذا تأكَّد الشيخ من جديَّته وإقباله على الدراسة، وذلك من خلال مناقشته له، ولقد أظهرت هذه الحلقات مواهبَ كبيرة، فنبغ من حلقة الأمام أبي حنيفة القاضي أبو يوسف، والشيخ يُجدِّد المنهج الذي يُدرِّسه لطلابه في المسجد.
 
وبلغ من شغفِ الناس في الدولة الإسلاميَّة بالعلم أنهم كانوا يرحلون إلى المدن الكبرى للاتصال بالعلماء المشهورين؛ للاستزاده من عِلْمهم وفضْلهم، والناس يأخذون معارفهم تارة عِلمًا وتعليمًا، وتارة إلقاء ومحاكاة وتقليدًا بالمباشرة، فعلى قدْر كثرة الشيوخ تكون حصول المَلَكات ورسوخها، وهذا لمن يَسَّر الله له طرق العلم والهداية.
 
وهكذا رحل علماء الحديث واللغة والأدب لطلب العلم، فرحل علماء الحديث إلى البلاد المختلفة يُقيِّدون الحديثَ، ويقال: إن جابر بن عبدالله بلَغه حديث عن رجل من أصحاب رسول الله، فابتاع بعيرًا فشدَّ عليه رحلَه، ثم سار شهرًا، حتى قَدِم الشام، بل كان منهم من يرحل في حرف، وقال الشعبي: لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمة حكمة، ما رأيتُ أن سفره ضاع.
 
كذلك رحل الأدباء إلى نواحي المملكة الإسلامية يأخذون من أدبائها؛ فالخليل بن أحمد والأصمعي والكسائي وغيرهم يرحلون إلى البادية، ويسمعون من أهلها اللغة والأدب، ويُسجِّلون ما يستمعون إليه، ورحل طلاب الفلسفة والعلوم الطبيعية كالكيمياء والطب والصيدلة والرياضيات إلى القسطنطينيَّة لابتياع الكتب اليونانية التي تتضمَّن هذه العلوم وترجمتها إلى العربية والإفادة منها، وأرسل الخليفة المأمون بعثةً إلى القسطنطينية لإحضار كتب اليونان وترجمتها، ومن أبرز الرحَّالة حنين بن إسحاق الذي ذهب إلى بلاد الروم، وأجاد تعلُّم اليونانية ثم عاد إلى البصرة، ورحل في نواحي العراق وسافر إلى الشام والإسكندرية يجمع الكتب النادرة.
 
وكان أبو زيد البلخي شغوفًا بدراسة العلوم الطبيعية، غير أنه كان فقيرًا، فرحل إلى نواحي العراق راجلاً، وأقام هناك عدة سنوات ثم رحل إلى البلاد المجاورة، ولقي العلماء واستفاد منهم فائدة كبيرة، وتتلمذ على العالم والفيلسوف الكبير الكندي، وتتلمذ عليه في علوم الفلسفة والفلك والطب والأخلاق.
 
وهكذا رحل طلاب العِلم في مختلف أنحاء الدولة الإسلامية للدراسة والبحث لا يعوقهم فقرٌ، ولا يَفُتّ في عزْمهم صعوبةُ الطريق وأخطاره؛ أي: آمنوا وأيقنوا أن طلب العلم جِهاد، فمن مات في سبيله مات شهيدًا، وأصبح العِلم عند الكثيرين مقصدًا لا وسيلة، يُقصَد لذاته ويرغب فيه للاستمتاع به، سواء هُيِّئ لطالبه رغد العيش أو أدَّى به إلى الفقر.
 
ومن أسباب ازدهار الحركة العلميَّة في الدولة الإسلامية: انتشار المجالس التي تَضُم العلماء في القصور والدور والمساجد؛ حيث يَتناظرون فيها في فروع العلم المختلفة، وقد حرص الخلفاء على إقامة هذه المجالس، ومما لا شك فيه أن هذه المناظرات أدَّت إلى رواج الحياة الثقافية، وأن المناظرة إذا كانت تتم أمام خليفة أو أحد كبار رجال الدولة، فإن المشتركين فيها يَحرِصون على إتقان مادتهم العلمية، حتى يدعم رأيه بالأسانيد العلميَّة المعقولة والمقبولة، ويحظى بتقدير الحاضرين، وكان للخلافات في الرأي أثر كبير في تقدُّم الحركة العلمية؛ ذلك أنها شجَّعتِ العلماء على مواصلة الدرس والبحث.
 
شجَّع الخلفاء العباسيون الناسَ على الإقبال على الدراسة والبحث، فالخليفة الرشيد يأمر ولاته على الأقاليم في دولته برفع رواتب من يُقبِل على طلبِ العلم، ويَعمُر مجالس العلماء ومقاصد الأدب، وروى الحديثَ وتفقَّه في الدين، وبلَغ من تشجيع الرشيد الناس على التعلم أن الغلام في عهده كان يحفظ القرآن، وهو ابن ثماني سنين، ويستبحِر في الفقه ويروي الحديث ويُناظِر المعلِّمين وهو ابن أحد عشر عامًا.
 
وقد حذا المأمون حذو أبيه الرشيد في العلم على رواج الحركة العلميَّة، وأشرف على أضخم يقظةٍ فكريَّة في تاريخ الإسلام ووجَّهها خير توجيه، وكانت هذه اليقظة الفكرية كما يقول (ناثنج): من أهم اليقظات في التاريخ كله، حتى إن بغداد تحوَّلت في عصر المأمون إلى مركز العلم والثقافة في العالم كله في وقت لم يكن في استطاعة زعماء أوربا مجرد كتابة أسمائهم، فحبُّه العميق للعلوم والفنون حوّل بغداد إلى مركز للثقافة والعلم يفوق ما عداه في عالم يومه، فقام برعاية الشعر وعلوم الدين والفلسفة والفلك، وكان يُشجِّع رجال العلم على مواصلة البحث ويستورِد رجال العلم بغض النظر عن أديانهم وجنسيَّاتهم، هؤلاء جميعًا كانوا موضع رعاية وتكريم المأمون، وكان للمناخ المناسب الذي هيَّأه لهم هذا الخليفة سببًا في إبراز معارفهم وقدراتهم الخلاقة، وعلى ذلك ظهرت ثقافات متنوِّعة في الدولة الإسلامية.
 
ويرتبط بظهور الحركة العلميَّة ونشاطها في الدولة الإسلامية المحافظة على الكتب، ومن هنا أقيمت المكتبات في الدولة، ومن أهمها بيت الحكمة الذي كان يَضُم كتبًا في علوم مختلفة، وأضاف الخلفاء إلى بيت الحكمة كتبًا بلغات متعدِّدة، مِثل العربية والفارسية والسريانية واليونانية واللاتينية وبعض اللغات الهندية.
 
أنفق الخلفاء أموالاً طائلة لتزويد بيت الحكمة بالكتب القيِّمة، ويعمل في بيت الحكمة علماء تنوَّعت ثقافتهم ومعارفهم، وكان العلماء في الدولة الإسلامية يُودِعون نسخًا من مؤلفاتهم في بيت الحكمة، ويلحق ببيت الحكمة علماء تنوَّعت ثقافتهم، وصاحب بيت الحكمة يُشرِف على العاملين فيه، وعليه أن يرتِّبَ الكتبَ ويُفهرِسها ويُصنِّفها ويُشرِف على النساخ والناسخ، ويَنسخ ما يُطلَب منه نظير أجر، وعليه أن يُرتِّب أوراقَ كلِّ نسخة بعد جمعها أو إصلاح ما قد يظهر فيها من أخطاء، والخليفة يُعيِّن المترجمين في بيت الحكمة، ويُعيِّن لهم رئيسًا يتفقَّد أعمالهم، ويُراجعها ويُصحِّحها؛ وبذلك أسهم بيت الحكمة في ترجمة كتب في علوم مختلفة ولغات متعددة، وكان المترجم يُملي الكتابَ الذي ترجمه على عدد من النساخ حتى تتعدَّد نسخُ الكتاب الواحد، وتُجلَّد هذه الكتب وتُودَع نُسخ منها في بيت الحكمة حيث تتاح الفرصة للقراء للاطلاع عليها.
 
وقد انتشرت المكتبات في بيوت الأغنياء وكبار رجال الدولة والأدباء، فكان لدى إسحاق الموصلي - نديم الرشيد - ألف جزء من لغات العرب، ومحمد بن عمر الواقدي خلف بعد وفاته ستمائة قمطر كتبًا، كل قمطر منها حمل رجلين، وكان له غلامان مملوكان يكتبان له الليل والنهار، ولا يعلم أحد من الرواة وأهل العلم أكثر من كتب الجاحظ.
 
لم تَقتصِر جهود الخلفاء العباسيين على تشجيع العلوم الدينية، بل عُنوا بالعلوم الطبيعيَّة أيضًا، فالخليفة اليأس المنصور أول خليفة تُرجِمت له الكتب من اللغات الأجنبية إلى العربية، منها كتاب "كليلة ودمنة"، وكتاب "السِّند هند" في الفلك وكتب أرسطو وإقليدس وبطليموس وسائر الكتب القديمة، التي عُثِر عليها، وأخرجت إلى الناس بعد ترجمتها، فنظروا فيها وأقبلوا على دراستها.
 
وكان للسريان فيما بين النهرين - شمال العراق - نحو خمسين مدرسة لتعليم العلوم السريانيَّة واليونانية، وتَضُم هذه المدارس مكتبات، وكان بلاد العراق منذ أيام الإسكندرية متأثِّرة بالحضارة اليونانية، وكان في بلاد السريان كثير من الكتب المترجمة لا في الآداب النصرانيَّة وحدها، بل أيضا تَراجم لمؤلفات أرسطو وجالينيوس وأبقراط، إذا كان هؤلاء محور الدائرة العلميَّة في ذلك العصر، والسريان نقلته الثقافة اليونانية إلى الفرس قبل الإسلام، ولما شرع العباسيون في ترجمة كتب اليونان، كان السريان خير مَعين لهم في ذلك؛ إذ ترجموا الكتب اليونانية التي نقلوها من قَبْل للسريانية إلى اللغة العربية، وأضافت هذه الكتب إلى الثقافة العربية أبحاثًا جديدة في الطب والفلك والموسيقا والفلسفة والكيمياء والصيدلة، وأضاف العلماء العرب إلى هذه الكتب خلاصة معارفهم وتجارِبهم.
 
وهذا الازدهار الثقافي الذي شمل كافَّةَ فروع العلم والمعرفة، أبرز علماء موسوعيين برعوا في علوم متعدِّدة، وصنَّفوا مصنفاتٍ قيِّمة في العلوم الدينية والعربية والطبيعية، وبذلوا في سبيل ذلك جهودًا مضنية، مثل الإخوة محمد وأحمد والحسن أبناء موسى بن شاكر كانت لهم هممٌ عالية في تحصيل الكتب القديمة، وكتب الأوائل، وأنفذوا إلى البلاد مَن اشتراها لهم، وأحضروا المترجمين من الأصقاع الشاسعة والأماكن البعيدة، وترجموا لهم الكتب اليونانية؛ لذلك برع هؤلاء الإخوة، وبلغ من مقدرتهم العلمية أن قاموا بقياس محيط الكرة الأرضية مستنِدين إلى المراجع والكتب التي أفادوا من دراستها.
 
ولا يَسعُ الإنسان في خِتام هذا المقال إلا أن يُسجِّل إعجابه بالدور البنّاء الذي قام به هؤلاء العلماء المسلمون للنهوض بالعلم والثقافة، والتغلب على الصِّعاب التي واجهتهم، وتركوا للأجيال تراثًا خالدًا رفع من شأن الحضارة الإسلامية، واستفاد منهم الغرب في نهضتهم، وأواصل بحث هذا الموضوع في حلقات قادمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
المراكز العلمية والحضارية بالغرب الإسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دراسة في المستويات الاداريه والسياسية والحضارية للتغيير
» الموسوعة العلمية الشاملة
» المنجزات العلمية في عام 2016
» أسماء الأعشاب العلمية
» الموسوعة الثقافية العلمية عن جسم الأنسان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: