البورصات العالمية 2019.. عام المكاسب المذهلة
لم يكن 2019 عاماً سيئاً كسابقه للبورصات العالمية حين ضربتها خسائر فادحة في 2018، فقد استطاعت التعويض وبقوة عبر تحقيق مكاسب مذهلة، رغم الرياح المعاكسة، التي شملت تباطؤ النمو العالمي، وانكماش النشاط الصناعي في بكبرى الاقتصادات العالمية مثل الصين وألمانيا واليابان، والهجوم الأمريكي الضاري على منظمة التجارة العالمية، وتراجع الصادرات، واضطراب سلاسل التوريد العالمية، جراء اشتعال حرب تجارية طاحنة بين واشنطن وبكين.
في 2019، عاودت أسواق الأسهم العالمية كسر مستويات تاريخية، وأضافت أكثر من 17 تريليون دولار إلى قيمتها السوقية، فقد بدأت العام الحالي عند مستوى 70 تريليون دولار، لكنها تجاوزت حالياً 87 تريليون دولار.
وقادت البورصة الأمريكية أسواق العالم عبر تحقيق مؤشرات قوية؛ إذ ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بمعدل 24.21% منذ بداية 2019 صعودا من مستوى 23327 نقطة إلى 28645 نقطة، كما قفز مؤشر ستاندرد آند بورز 500 من 2507 إلى 3240 نقطة بزيادة قدرها 30.34%، وحقق مؤشر ناسداك التكنولوجي أداء مذهلا، متجاوزاً مستوى 9 آلاف نقطة لأول مرة في تاريخه، بصعوده 36.78% انطلاقا من مستوى 6635 نقطة إلى 9006 نقطة.
بشكل أساسي، دعم إنفاق المستهلكين وسوق العمل القوي في الولايات المتحدة الاقتصاد والأسهم الأمريكية، وعانقت “وول ستريت” أعلى مستوى في تاريخها خلال العام الجاري، ليس هذا فحسب بل سجلت أكبر وتيرة صعود سنوية منذ عام 2013.
رغم ذلك، مرت الأسهم الأمريكية بأيام عصيبة حيث نالت مخاوف الركود الاقتصادي من مكاسب الأسهم، وتراجع مؤشر “داو جونز” بأكبر وتيرة يومية خلال العام فاقداً 800 نقطة خلال جلسة 14 أغسطس، بعد أن فقد 760 نقطة في اليوم الخامس من ذات الشهر.
من جهته، تمكن مؤشر الأسهم الأوروبية “ستوكس 600” من تجاوز مستوى 419 نقطة لأول مرة في تاريخه بنهاية جلسة 29 ديسمبر، ليصبح عام 2019 ثالث أفضل عام للأسهم الأوروبية بعد عامي 1999 و2009، حيث يبدو أن رقم 9 هو تميمة الحظ لها، وصعد مؤشر يورو ستوكس لأسهم الشركات الأوروبية بنحو 24.84%، بينما ارتفع مؤشر البورصة الألمانية داكس إلى 13337 نقطة من 10359 نقطة بنمو بلغ 26.31 نقطة.
وأضاف مؤشر فوتسي 100 البريطاني إلى رصيده 13.53% إثر صعوده من 6728 إلى 7645 نقطة، وهو الأضعف أداءً بين مؤشرات البورصات الأوروبية الكبرى نتيجة التأثر بضبابية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وصعد مؤشر كاك 40 الفرنسي بقوة من مستوى 4730.7 إلى 6037.4 نقطة بزيادة قدرها 29.04%، وصعدت البورصة الإسبانية هي الأخرى في ضوء ارتفاع مؤشر إيبكس الإسباني بنسبة 14.21% منذ بداية العام من مستوى 8540 إلى 9700.5 نقطة.
يعتبر 2019 عام النجاة للبورصات الآسيوية، بعدما تباين أداؤها ما بين ارتفاع قوي ومحدود، وارتفع مؤشر البورصة اليابانية نيكي بمعدل 18.2% من 20015 إلى 23656.62 نقطة، ورغم الحرب التجارية الشرسة؛ إلا أن البورصة الصينية صعدت 20.5% في ظل ارتفاع مؤشر شنغهاي من 2494 نقطة إلى 3005 نقطة، وأسهمت الإعانات الحكومية للشركات الصينية في مكاسب الأسهم إذ زادت المساعدات بنسبة 15% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2019.
وغرد مؤشر سوق الأسهم الرئيسي هانج سنج بقوة، رغم الاضطرابات العنيفة التي شهدتها هونج كونج خلال 2019، مسجلاً ارتفاعاً بنحو 10.67% من مستوى 25845 نقطة إلى 28225 نقطة، فيما حققت بورصة كوريا الجنوبية مكاسب قدرها 8% بفضل انتعاش مؤشرها الرئيسي كوسبي من مستوى 2041 إلى 2204 نقاط.
تعتبر البورصة الروسية الأفضل أداءً في العالم بعدما سجلت مكاسب بنحو 40 المائة في العام الجاري، بفضل انتعاش أسعار النفط قرب 70 دولاراً للبرميل، بجانب ذوبان التوترات الجيوسياسية بين روسيا والغرب إلى حد ما ، الأمر الذي أدى إلى تزايد الإقبال على الأسهم الروسية، كما كانت موسكو على طريق التيسير النقدي أيضاً، حيث خفض البنك المركزي الفائدة 5 مرات خلال العام.
في المقابل، تعد بورصة تشيلي الأسوأ أداءً في 2019 بانخفاض 20 بالمائة نتيجة للاحتجاجات العارمة ضد السياسات الاقتصادية للحكومة وارتفاع تكاليف المعيشة، ما أدى إلى ابتعاد المستثمرين عن الأصول المالية الخطرة في البلاد.
عند هذه النقطة، يبدو السؤال المنطقي: ما الذي تغير في البورصات العالمية بين عامي، الخسائر الفادحة (2018)، والمكاسب المذهلة (2019)؟، هناك عدة عومل جوهرية أدت لبلوغ تلك المكاسب القوية، في مقدمتها، منهج التيسير النقدي الذي اعتمدته كبرى البنوك المركزية حول العالم، فقد خفض البنك المركزي الأمريكي معدل الفائدة الرئيسي ثلاث مرات هذا العام، وعمق البنك المركزي الأوروبي الفائدة السالبة على الودائع، بالإضافة إلى أن استئناف عمليات ضخ السيولة من قبل أكبر بنكين مركزين حول العالم (البنك المركزي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي) أدى إلى تيسير الأوضاع المالية، وانعكس ذلك على تداولات البورصات الأوروبية والأمريكية.
في 2019، لاقت البورصات العالمية دعماً من الإعلان عن توصل أكبر اقتصادين حول العالم إلى اتفاق بشأن صفقة تجارية جزئية والتي من المتوقع على نطاق واسع توقيعها رسمياً الشهر المقبل، وإقرار مجلس النواب الأمريكي اتفاق التجارة الجديد لأمريكا الشمالية، وإرجاء واشنطن التعريفات على واردات السيارات الأوروبية، بالإضافة إلى اتضاح الصورة أكثر بالنسبة لصفقة “بريكست” بعد الفوز الكاسح لحزب المحافظين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ما يجعل بوريس جونسون أكثر قدرة على إتمام الخروج الأوروبي في المدة المحددة بنهاية يناير.
الرئيسية 
البوابة 
