منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 منهج في نقد العلم الحداثي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69769
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

منهج في نقد العلم الحداثي Empty
مُساهمةموضوع: منهج في نقد العلم الحداثي   منهج في نقد العلم الحداثي Emptyالجمعة 17 أبريل 2020 - 5:09

للبروفسور وائل حلاق
كتاب قصور الاستشراق (1) منهج في نقد العلم الحداثي
معتز حسن أبو قاسم

(لابد أن نُقِرَّ أن القارئ صاحبُ محاولة في الفهم ثم في التأويل ثم إن شئت في العرض)..

مقدمة عامة حول الكتاب:

اعتاد قارئ حلاق أن ينتظر منه أن ينظر في المسكوت عنه في الساحة البحثية والذي بلغ أن يصبح بديهيا غير قابل لإعادة النظر فيه نظرةً تُدينه أو تنقضه من أصله. فحلاق يضع على مشرحة التحليل الجذري والبنيوي مفاهيمَ رائجة راسخة رسوخ بعض المفاهيم كـــ"التقدم" و"الدولة الحديثة" و"الحرية". وحلاق في كتابه هذا لا يُخلف عهده في تحسس المالوف البديهي لدينا من أجل أن يسائل الأفكار والقيم والمبادئ التي أضحت مسلمات خارج نطاق النقد ويستشكلها ويسائل الأشخاص الذي تحولوا إلى أيقونات مقدسة فوق النقد.

تصدر إدوارد سعيد قائمة الاسم الأكثر تكرارا في هذا الكتاب وذلك باتخاذه غرضا لنقد ونقض كثير من الأصول والفروع التي قامت مدرسة الاستشراق عليها عامةً و كتاب سعيد "الاستشراق" خاصةً، فكرَّ عليها حلاق وأظهر عوارها ومغالطاتها وما ترتب على تقريرات سعيد وتصريحاته من إخفاء وإهمال لجوانب هي أكثر أهمية مما صرح به وألصق بالمشكلة الاستشراقية مما ظنَّ سعيد، ثم قام حلاق يصوِّب قراءة موقعَ الاستشراق على الخريطة الحداثية اليوم ويحدد موضعه وقيمته بتتبعٍ ودقةٍ مدهشة، و أخذ يعكس على مرآة الاستشراق وهي مجليةً الواقع الحداثي وما أحدثه في الحقيقة وعلى أرض الواقع، ويظهر كذلك كم كان النص السعيدي "نصا" وبقي "نصا" بدون أي أداتية حقيقية، لقد بقي "كلاما" (بانتمائه لحضارة الكلام كما يسمي طه عبد الرحمن الحضارة الغربية) ولم يصل إلى أن يكون أداة تحليل مؤثرة، بل أصبح النص السعيدي بطريقة ما مُرسِّخا وداعما للكولونيالية التي ظنَّ سعيد أنه يدينها ويُظهر عوارها بكتابه "الاستشراق"، ولكن -مع الأسف-كلما اقترب سعيد من الجذور الأصلية التي صنعت الظروف الملائمة لهذه الكولونيالية والإبادية والإمبريالية كلما وجدناه يعود للوراء ليتستتر بنقد النص والتصوير الاستشراقي فقط.

عن مقدمات المترجم والمؤلف:

سوف أسوق هنا عددا من الملاحظات والتساؤلات:
-    يتناول الكتاب الغربَ واستشراقَه وكولونياليته ومعرفتَه.

-    ويتناول كذلك الفردَ الغربي أو الفرد الليبرالي العلماني وكيف تشكَّل أو عمليات تذويته (صناعة الذات الغربية).

-    كانت قراءة سعيد للاستشراق اختزال له في جانبه السياسي الاستعماري، وهو قصور شديد.

-    سوف نجد في الاستشراق أبعادا بنيوية عميقة أهم من الجانب السياسي.

-    الكتاب -بامتياز- دراسة في أصول المعرفة الحديثة.

-    إن فهم الأصول يعني فهم طريقتنا في النظر إلى العالم، وفهم هويتنا؛ من نحن؟.

-    يظهرُ أننا لم نُستَشر في الرؤية الجديدة المفروضة علينا، بل لقد نسينا أننا قد فُرض علينا ذلك.

-    من مواطن الأهمية في هذا الكتاب : طرح تساؤل حول ماذا جرى لنا، لم نعد نفهم هويتنا كأفراد شكلتهم الكولونيالية.

-    يُذكِّر حلاق بالمهمة الأولى التي تقع على مسؤوليتنا، وهي أننا دعاة ومُبلِّغين.

-    هناك تساؤل عن مفارقة: بينما أضحت علومنا وتكنولوجيتنا أكثر تقدما وتفوقا أمست مشاكلنا الصحية والاجتماعية والمالية والبيئية تزيد باضطراد.

-    يطالب حلاق المسلمين بضرورة طرح رؤيتهم الخاصة لعلاج مشاكل الواقع، وهو نفس المطلب الذي طالب به طه عبد الرحمن في "الحق الإسلامي" من وجوب وجود جواب إسلامي عن مآزق العصر.

-    يتخذ حلاق من مفهوم "الدولة الحديثة" موقف الناقد الصلب والجذري، ويبحث عن بديل فيرشح المسلمين ويطالبهم في أن يعيدوا النظر في الدولة الحديثة من أجل صياغة موقف فكري وعملي آخر للاجتماع البشري يتجاوز مآسي الدولة البنيوية الحديثة.

-    يلخص حلاق دعوة كتابيه (الدولة المستحيلة) و(قصور الاستشراق) بمطلبين: (1) إعادة التفكير والنقد لإيجاد حلول أفضل لحياتنا من خلال الانفتاح الواعي على الاحتمالات والمجالات المعرفية الممكنة. (2) إن بقاء النظر في "الدولة الحديثة" و"المعرفة الحديثة" باعتبارهما نموذجا مثاليا أو في أسوء الأحوال النموذج الوحيد هو بمثابة الدفاع عن الفظاعات التي ارتكبناها ضد أنفسنا وضد العالم الذي نعيش فيه.
-    نجد كذلك في (الشكر) ملاحظات وتنبيهات:

(1)    الاستشراق يُكني عن تساؤلات نظرية وموضوعية ترتبط بتكوين الذات الحديثة.

(2)    إن في نفس عملية تأسيس الاستشراق كوحدة تحليلية يخضع الاستشراق إلى عملية تقزيم وتضخيم في نفس الوقت.

(3)    يظل الاستشراق – مع النقد الشديد الموجه له- أظهر المعابر التي تمر من خلالها المعرفة عند الآخر.

(4)    يتناول الكتاب مكانة الذات الغربية في المشروع الحداثي والمخارج المحتملة.

(5)    يكمن التحدي الأهم للذات الغربية في التخلص من السيادة على كل ما هو موجود في هذا الكون.

-    مع أن الكتاب يتناول الغرب باستشراقه وكولونياليته ومعرفته والفرد العلماني الليبرالي بشكل محدد إلا إن حلاقا يراه ضروريا للعربي ولا يجيز له إهمال قراءته، فالنظر للاستشراق هنا مغاير للنظر الضيق الذي اعتاد العرب قراءته مع إدوارد سعيد حيث اكتفى في جانبه السياسي غير المرضي عند حلاق، فلقد تغاضى سعيد عن الأبعاد البنيوية العميقة والمهمة للاستشراق.

-    يُعد الكتاب ناقوس خطر مرتفع الصوت ينبهنا من غفلتنا عن مسؤولاياتنا عن العالم والبيئة والأجيال القادمة.

-    يفتتح الكتاب بتساؤل: هل الاستشراق مبحث علمي أكاديمي أم بناء أيدلوجي؟

-    يقرر حلاق أن كتاب سعيد عن الاستشراق خلق فرعا خطابيا حداثيا حجبَ بُنى أعمق مما يمكن تسميته الاستشراق غير الاستشراقي.

-    ناقش حلاق تقسيم البعض للاستشراق باعتبار أحدهما هو البحث الفكري الغربي المتواصل الموضوعي والآخر هو استشراق شركاتي متحيز، ولكنه تجاوز بسرعة هذا النقاش لأن ما شغله فعلا هو غموض مصطلح الاستشراق في الخطاب المعاصر.

-    كان يستلزم القول بتميز الإسلام رميه بالغرابة والمثالية.

-    بين لنا حلاق أن الاستشراق مفهوم أسيء فهمه، فلقد شوه تسييس مصطلح الاستشراق جوهر مضمونه وأفرغ مفهومه من معناه الحقيقي، مخفيا تواطأه في بُنى الفكر التحتية وقواها الفاعلة.

-    إن حشر سعيد للاستشراق في جانبه السياسي ضيَّق رؤيته وأدى إلى عزله عن بُنى الفكر التحتية التي أنتجته في المقام الأول.

-    إن أي نقد سياسي صحيح للاستشراق لابد أن يبدأ بالأسس التي خلقت ذلك (نجد شيئا من ذلك عند داود أوغلو في النموذج البديل).

-    إن أسلوب سعيد الأدبي أبعدنا عن أي قراءة عميقة لإشكاليات الحداثة المركزية.

-    انشغلت أشكال معارضة الحداثة المتأخرة بالصراعات الآنية وانشغلت عن العدو الرئيسي كما قرر فوكو.

-    من المعروف أن المثقف في نظر سعيد هو علماني لا غير.

-    الإنسانوية العلمانية مثبتة بإحكام في بناء فكري تحدده بالكامل أشكال من السيطرة السيادية، وهي تُبرر صناعة فرد معين يفهم العالم من خلال قوالبها الحديثة والمتميزة بصفات منها:

(1)    قوالب متحررة من مفهوم اندماج الإنسان مع الطبيعة.

(2)    وعاجزة أصلا عن فهم الظواهر غير الإنسانوية العلمانية فكريا، فضلا عن التعاطف معها.

(3)    ونزيد، المخالفة الأبدية كما هي عند (ماكنتاير) والتي تمنع أي معالجة من منظور أخلاقي جذري للإشكاليات والأزمات.

-    الذات الليبرالية بمنآى عن أي نقد مهما عظم جرمها وتورطها.

-    جرى الاحتفاء باستشراق سعيد كمثبت للحالة الليبرالية لا ناقدا لها.

-    أهمل إدوارد سعيد والخطاب الذي أنتجه الأسسَ البنيويةَ للعلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانوية ومظاهرها السياسية في المشروع الحداثي الأكبر (هذا من معاقد الكتاب).

-    وجَّهَ (كليفورد) لسعيد نقدا يتعلق بإغفاله نقد المسلمات الأنثروبولوجية.

-    لعبت التضحية البنيوية – المنهجية بــ"الاستشراق" ككبش فداء دورا أيدلوجيا في إنتاج سردية هدفت إلى كبت القوى الحقيقية التي تقف وراء الممارسات والسمات التي يُتهم بها الاستشراق.

-    لم يوضح سعيد قط كيف أسس هذا البناء الفوقي علاقات قوة محددة وملموسة مع الكولونيالية وأشكال السيطرة الأخرى.

-    فشل سعيد في فهم المدى الكامل لقدرة الاستشراق المدمرة باعتباره نسقا حداثيا من القوة.

-    الاستشراق لا يتوقف على مظهره الخطابي باعتباره إيجابيا أو سلبيا، ولكنه يتوقف على مقدار تشبثه ببنية فكر معينة.

-    تمثل الرأسمالية نطاقا مركزيا للحداثة الغربية.

-    يرى حلاق ضرورة أن نحدد فهما خاصا اــ"الأداتية" و"شروط الملائمة".

-    تهدف مراجعة شروط الملائمة اللغوية بدورها إلى إعادة وصل الخطاب الاستشراقي ببُنى الحداثة الأوسع التي تجاهلها سعيد، فلقد كان تعامل سعيد مع نصوص أدبية مغلقة لا صلة لها بالحداثة بمثابة تزييف لظاهرة الاستشراق.

-    قام سعيد بتجريد الحقل الاستشراقي من نطاقه المركزي الذي هو "الحداثة".

-    إن انطماس العلاقة الخاصة بين المعرفة والقوة في الحداثة هي نفسها محصلة للتشكلات الخطابية وليس مجرد نوع من التسطيح الفكري.

-    لا يوجد أسئلة حول كثيرٍ من المفاهيم الراسخة اليوم مثل : نشأة العلم الحديث، مدارس إدارة الأعمال، الصحافة، الهندسة، الأنثروبولوجيا، نشأة الاستشراق.

-    ما الذي يجعل هناك علاقة بين القوة والمعرفة؟

-    ليست القوة لازما معرفيا دائما، كما في الحضارة الإسلامية.

-    يؤكد حلاق خصوصية المعرفة الغربية الحديثة وابتدائها في القرن السابع عشر والثامن عشر. (ويدعم جزءا من هذا التصور إرنست كاسيرر في "فلسفة التنوير").

-    تم إنتاج أنواع معينة وجديدة من المعرفة جعلت نفسها طيِّعة بصورة موضوعية وأصلية لاستغلال القوة (تشكيل رعايا مدجنين عبر مؤسسات تهندس وتستخرج إمكاناتهم لا غير).

-    الاستعمار مظهر مميز للمعرفة الأوروبية.

-    النص الأدبي الاستشراقي متوضع أصلا فوق نص تأسيسي فهو نتيجة وليس مؤسِّس.

-    الاستشراق ليس مقتصرا على الشرق بل شامل لكل ضعيف.

-    الكولونيالية لا تحتاج إلى الحضور المباشر والمادي لكي تُفعِّل آثار قوتها السيادية.

-    قيام سعيد بتهميش "القوننة = صناعة القوانين" التي قامت بها الكولونيالية والاستشراق خطأٌ كبيرٌ.

-    إذا فشل "التذويت = صناعة الذوات المستَعمَرة" فالحل هو العنف والإبادة.

-    لا بد من ظروف ممهدة لنشأة الحداثة.

-    لا يمكن تفسير الطبيعة العدوانية غير الاعتيادية لعملية إعادة توظيف هذه التكتولوجيا على يد الأوروبيين إلا بالإشارة إلى رؤية كونية وبُنية فكر تميزت بهما أوروبا.

-    يعتقد حلاق بالرأي القائل : إن الكولونيالية ليست مجرد تفرُّع عن الحداثة، ولكنها تؤسس بُنى الحداثة نفسها وتعتمد بصورة تامة على الاختلاف الكولونيالي.

-    يعرض حلاق الكولونياليةَ بوصفها معرفة سيادية صنعها الاستشراق بدعم عام من مؤسسات التعليم الأكاديمي الأوروبية، وتقع في جدلية شاملة تقف فيها مشاريع الغزو السياسية والمعرفة الحديثة داخل تشكلات أكبر تلتحم أسسها بقوة مع نظرة معينة للطبيعة.

-    قام حلاق بتنقيح نظرية المؤلف – عند فوكو – أثناء دراسته حالة المستشرق " رينيه غينون ".

-    غفل سعيد عن الأسباب الأكاديمية الليبرالية المشاركة في مشروع السيطرة والسيادة.

-    قام سعيد بالمفاضلة والفصل بين الاستشراق والعلوم الأخرى.

-    يسعى حلاق للبرهنة على أن الوحدات الأكاديمية في النطاق المركزي كالعلم والاقتصاد والأعمال تضطلع بعملية تقسيم للنشاط المعرفي بهدف خلق معرفة وممارسة سياديتين.

-    تناول حلاق المعضلة الفلسفية الليبرالية التي تسعى إلى الكشف عن ورطة الليبرالية عندما تعمل على تكوين الذات، علاوة على استحالة نجاح أي عمليات لتكوين الذات الأخلاقية من داخل إطار الليبرالية.

-    الكتاب مقالة عن الأسس والبُنى الأخلاقية الجوهرية التي تقف من الحداثة موقف الدحض والنقد غالبا وموقف النقد الخلاق أحيانا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69769
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

منهج في نقد العلم الحداثي Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج في نقد العلم الحداثي   منهج في نقد العلم الحداثي Emptyالجمعة 17 أبريل 2020 - 5:10

للبروفسور وائل حلاق
محاولة تقريب "قصور الاستشراق - منهج في نقد العلم الحداثي" (2)
معتز حسن أبو قاسم

يفتتح حلاق الكتاب باستدراك على المبالغة الزمانية للاستشراق عند سعيد حيث قام سعيد بتوظيف تصور ضبابي للتسلسل التاريخي واللانهائي ثم المدى الجغرافي غير المحدود حيث يعود بالاستشراق إلى (إيسخيليوس) في القرن الخامس ق.م، وقد أشار (إعجاز أحمد) إلى شيء من هذا الخلط في كتابه "في النظرية"، وسعيد بذلك يجعل الجغرافيا هي المتسببة بهذا الاستشراق وليس أي ثقافة أو بنية فكرية ما.

ومشكلة سعيد الكبيرة بهذا التعميم وهذا التعليل أنها تطمس تحتها جميع البنى التحتية الأعمق التي تسببت حقيقة بهذا الاستشراق.

ثم تطرق حلاق لمناقشة "التصوير التمثيلي" عند سعيد وخاصة وجود "بصمة محددة – أي للمستشرق داخل الخطاب الفوكوي- حيث يبين لنا أن سعيد ظهر متناقضا، فبينما هو يؤيد وجود البصمة نجده في الواقع لا يحدد أي بصمة لأي مستشرق كان. بل يحشرهم جميعا في زمرة واحدة في حدود التراث الاستشراقي. فذلك الاستشراق في اعتقاد سعيد شخصية محددة متجاوزة للتاريخ.

ثم يقوم حلاق بالحديث عن "النماذج المعرفية" حيث يجب على الاستشراق أن يكون فاعلا في نطاق مركزي يُشكله ويتشكل من خلاله.

ومثل "كارل شميت" يرى حلاق أن "التقدم التقني " نموذج مركزي يمكِّن من تفسير نماذج معرفية أخرى، ذلك لأنه أضحى يمثل عقيدة.

ويمثل كذلك على "الرأسمالية" كنطاق مركزي مؤثر في الحياة الحديثة بل لديها القدرة على تشكيل المجالات الأخرى، فلقد شكلت الرأسمالية نظاما قيميا وبُنية فكرية ورؤية مادية للعالم تحدد تصورا معينا للربح والعمليات المالية وتُغذيه.

ونحن نعرف أن الراسمالية تقوم باستبعاد الآليات والتقنيات النفسية وتُبقي على القيمة المادية كما حصل مع الفنون الجميلة.

وبما أن أي نطاق مركزي لابد أن يشتمل بالضرورة على ثقافة عقلية وفكرية ومادية خاصة به فإن هذه الثقافة تبدل بدورها النطاقات الهامشية التي تجاورها.

وهذا التأثير من النطاق المركزي تسبب في عصر التنوير باستبدال قيم بقيم أخرى، فقد أبطل القيم المحلية والعرفية والتقليدية. وكل أشكال اليقين المفارق للمادة ووضع محلها معايير عالمية لتقييم كل المؤسسات والأفكار الإنسانية، متوسلة طبعا بنظام قيمي يقوم على العلمانية والإنسانوية والإلزام لكل البشر.

ومع توظيف حلاق لنظرية "شميت" في النطاقات إلا إنه يختلف عنه من جهة أن النطاقات الهامشية تساعد في دعم النطاق المركزي بعكس شميت الذي يرى أنها تُنزلها مرتبة دون.

أما (خطابية فوكو) فهي "عناصر تكتيكية" أو قوالب تعمل في حقل من علاقات القوة ويمكن خطابات مختلفة – بل متناقضة- أن توجد داخل الاستراتيجية نفسها. ومتى تحقق التجسيد الكامل لآثار القوة الخطابية نتج النطاق المركزي.

ويبقى النطاق مركزيا حتى تُحكم بعلاقات القوة المتناقضة التي في داخله فهو الذي يحدد شكل الصراع ويمكن هنا تحديد يصمة خاصة للمؤلف داخل هذا الخطاب.

ولكي يكون للبصمة المحددة فائدة تحليلية ذات قيمة لابد من النظر إليها من خلال العوامل المتعددة التي تشكل السياق الأكبر من النطاقات المركزية والهامشية التي تقع البصمة فيها، أي إن حقل الاستشراق بما يضمه من مستشرقين والنطاق المركزي بما يضمه من حقول معرفية منها الاستشراق والاقتصاد والإدارة والفن والموسيقى تتجلى من خلال بُنى تحتية أنتجتها جميعا.

وتبدأ البصمة غير محددة لتتطور بعد ذلك بصمة محددة ثم خطابا ثم نطاقا مركزيا، ويضرب مثالا من خلال ظهور فكرة "التمييز بين الحقيقة والقيمة " أو "بين ما هو كائن وما يجب أن يكون" معتبرا هذا المفهوم يشكل عمق البنية الحداثية الغربية اليوم ولكنه لم يتشيء – بالطبع- فجأة. بل تطور تدريجيا وذلك من خلال انتقاله من نطاق هامشي يصطدم مع الكنيسة والملكية –في عز حضورها- لتبدأ بصمات محددة للمؤلفين هنا وهناك بالظهور لتصبح خطابا يضم شيئا من القوة الأدائية ليتبلور بعد ذلك نطاقا هامشيا فمركزيا.

ويرى حلاق أن نظرية "موت المؤلف" مجاز غير صالح للتداول ولا التحليل العميق، فالنقد الذي يمارسه المؤلف داخل خطابٍ ما ليس هامشيا أبدا وليس مهدَّدا بسهولة بالموت.

وإذا كانت الحكومة هي ممارسة اجتماعية تُخضع الفرد بواسطة آليات القوة التي تدَّعي امتلاك الحقيقة، يصبح النقد هنا هو الحركة التي يقوم بها الفرد من خلالها بمساءلة الحقيقة في تأثيرها على القوة، والقوة في تأثيرها على الحقيقة – كما يرى فوكو-. وهذه ترتبط بقوة الأفكار وعدم موت المؤلف.

فمهما تعالت "الخطابية" عن الأشخاص فإنها غير ممكنة من دون وجود المؤلف وفكرته.

ملاحظة لابد منها لتشكل النظريات واكتمالها:

"أي نظرية لا تملك منظورا تاريخيا مناسبا – نعني بمناسب أن يعامَل الماضي باحترام معرفي ويتقبل منطقه الداخلي وأشكال عقلانيته وعدم اعتباره نمطا معيبا- تظل غير مكتملة وفاسدة، كما تظل بكل تأكيد قصيرة النظر وأسيرة تحيزات الحاضر".

وتأكيدا على دور المؤلف في الخطاب وبالطبع في النطاق المركزي – من خلال النظر إلى ماركس باعتباره قد اجترح خطابا جديدا بدون أن يكون ثمرة لمن سبقه بل انقلابا عليها- يجوز أن نقول أن التشكلات الخطابية تنتج تشكلات جديدة بدورها وهدامة للخطابية التي بداخلها.

فالمؤلف الفرد هو الشرط الوجودي لمؤسس الخطابية ومؤسس الهدمية على السواء.

ويمكن أن يحصل هذا مصادفة أو بشروط ملائمة كما هو عند جون أستن.

يعود حلاق لتحليل توصيف سعيد لحقل الاستشراق في نقاط:

(1)    إن سعيدا يعرض البعد المكاني – المسافة كوحدة معرفية صنعت حقائق وجودية معينة، مثل طبيعة الشرق الصامتة التي تدفع المستشرق ليعبر عنها.

(2)    يرى سعيد أن الشرق هو الشرق، لقد كان مختلفا، وترتب على الاختلاف توليد لازدراء وظهور الصور النمطية السلبية الراسخة.

(3)    الطبيعة المركبة للاستشراق كحقل علمي وتقليد في بُنى القوة السياسية والاقتصادية.

ويبين لنا حلاق أن انشغال سعيد بالإنتاج الثقافي والعلمي لمراكز الغرب الحضارية يجعله غير مستعدا لقبول الطرح القائل بأن كل المعرفة النموذجية الحداثية قوة، فذلك يستدعي أن الحداثية والاستعمار مُعرَّفان ببعضهما، وهذا يرفضه سعيد تماما.

وانشغال سعيد عن الجمالي والديني في الشرق إلا كموضوع مُدانٍ لأن مستشرقا –ماسينيون مثلا- قد وصف الشرق بأنه روحي – ديني يُظهر عداءً غريبا للدين ثم حكما قيميا علمانيا يرفض الدين كحامل ثقافي فاعل يستطيع أن يعالج أزمة الغرب.

ونجد سعيد لايرى أن الشرق قد عانى تحت الاستشراق والكولونيالية والإبادة البنيوية واقعيا، ذلك لأن سعيدا لا يرى في الاستشراق إلا نصا بدون واقع. ولا يبصر كذلك عوامل الفكر العميقة التي سببت أعمال الشركات والاقتصاد وظن أنها عائدة إلى مجرد عوامل مادية لا غير.

وحول غياب الشرق -كواقع عند سعيد- وبقائه صورة يلحظ حلاق بحق سببين لذلك:

(1)    إن إدانة سعيد لتصوير المستشرقين ستلزمه بالتصحيح، وقد قرر ألا يفعل ذلك.

(2)    إن اعترافه بذلك الشرق واقعا يلزمه بالتمعن في آرائه عن الشرق الحقيقي الذي هو غير علماني وتقليدي وبغيض ومستهجَن من منظور ليبرالي حداثي.

ووجه حلاق نقدا لاهتمام سعيد بالتصوير الاستشراقي وحديثه المبالَغ به في التركيز على الآثار الأدبية واللغوية لتلك الصور، وقد حشر الاستشراقَ بهذه الصور أولا ثم نفي الأداتية الحقيقية للصور على أرض الواقع وخاصة في إهماله القانوني، والتشوهات التي ساهم التصوير في جزء منها. فليس من المفيد تعريف الاستشراق باعتباره فقط مجرد إساءة تصوير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69769
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

منهج في نقد العلم الحداثي Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج في نقد العلم الحداثي   منهج في نقد العلم الحداثي Emptyالجمعة 17 أبريل 2020 - 5:10

للبروفسور وائل حلاق
(3) محاولة تقريب "قصور الاستشراق - منهج في نقد العلم الحداثي"
معتز حسن أبو قاسم

(المعرفة والقوة والسيادة الكولونيالية):

وقد اهتم هذا الفصل بالاستشراق وعلاقته بالقوة.
إن الأدوات التي ينتجها نطاق مركزي ما لا يمكنها المساهمة في إعادة تشكيل هذا النطاق، إذ تستطيع هذه الأدوات أن تقوم بأدوار إصلاحية أو تحسينية، ولكنها لا تستطيع أن تقوم بوظائف تتعارض نوعيا مع جهة النطاق نفسه وهدفه.( نجد هنا ردا ممكنا على الذين اتهموا حلاقا بمتابعته مدرسة فرانكفورت النقدية).
ويرى حلاق أن الزعم الذي يجعل من "النقد" موقفا حداثيا حتى لو واجه هذا النقد الحداثةَ نفسها بمثابة تحصين تقوم به الحداثة لنفسها، وهي بذلك تُسبغ الشرعية على وضعها القائم.
لاحظ حلاق أن سعيدا في كتابه" الاستشراق" وقراءته للاستشراق لا يتغلغل إلى البُنى المؤسِّسة، مما تسبب في إخفاء مشاكل أعمق في أشكال المعرفة الحديثة. وإنما يختزل سعيد المجموعة الكاملة من القوى الأوروبية في قوى وأنشطة سياسية لا معرفية، أي إن السياسي انحراف عن المعرفي النموذجي.
ثم نجد حلاقا يطرح سؤالا مهما: لماذا زاوجت أوروبا واستشراقها بين الاختلاف والضعف تحديدا؟ لماذا ظهر الاستشراق في الغرب فقط؟
وقابل حلاق الإمبراطوريات قبل الحداثة الغربية مثل الإسلام مع هذه الحداثة، وبيَّن أن اتجاه العلم كان إلى الداخل أي إلى الذات وتعلَّق بالحاجة إلى الالتزام بقواعد الشريعة القانونية - الأخلاقية، بينما عند الباحثين الأوروبيين -كالحملة الفرنسية - وما ضمَّت من باحثين كُثُر رؤوا نفسهم ملتزمين بفهم البلاد الخاضعة للكولونيالية وشعوبها وثقافتها بغرض الإدارة والسيطرة، وقد أبدى المؤرخ المصري (الجبرتي) دهشةً من جيش الباحثين مع نابليون، وهو شيء لم يوليه سعيد أي التفات ولا تساؤلات.
وحول ادعاء سعيد عالمية الكولونيالية - تصريحا أو لازما لمذهب سعيد - وأنها ممارسة تعم كل الحضارات، ولكن الفارق هو أن الأوروبي المستعمِر قد قدَّم مع الإمبريالية والعنصرية والتمركزية أشياءَ مفيدة أخرى، ويرد حلاق بخمسة نقاط على سعيد:
(1)    لو كان كلام سعيد صحيحا لاستنتجنا أن العنصرية ونظرياتها العلمية ظواهر عالمية.
(2)    لو كان كلامه صحيحا فلماذا أفرد الاستشراق والغرب بالنقد.
(3)    لو لم يكن الإسلام والهند والصين مجتمعات غير متقدمة للزم أن يكونوا إمبرياليين وعنصريين ومتمركزين حول إثنيتهم.
(4)    لو كان اشتغال سعيد بالاستشراق اضطرارا لقرب اهتمامه كباحث أدبي فلسطيني، فلماذا لا يُشير إلى حالات أخرى كنفوذ إسرائيل في فلسطين ونفوذ الصين في التبت.
(5)    لو كانت الظاهرة منتشرة بالقدر الذي قرره سعيد فلماذا لم يشر إلى وجود مماثل لتلك العنصرية والتمركزية الأثنية في الحقول الأكاديمية الأخرى.
لقد كان موقف سعيد نموذجيا لمفكر ليبرالي لم يستطع رؤية العالم بمعزل عن القيم الليبرالية، مهما بلغت درجة نقده لهذه القيم من ثقابة الذهن.
وأشار حلاق إلى إقامة سعيد للاستشراق ليكون موضوعا لاهتمامه النقدي على أسس خاطئة أدت إلى تشخيصه تشخيصا جزئيا وغير دقيق، وذلك بسبب غياب التمايزات الكيفية في كتابه.
ويطرح حلاق سؤالا على سعيد الذي بيَّن أن هناك علاقة بين الاستشراق كمعرفي والقوة السياسية هو: لماذا لم تنتج هذه العلاقة بين المعرفة والقوة هذا الرباط الشديد في مكان آخر، ليدلك بعد نفي وجود هذا الترابط قبل الحداثة على أن هذه العلاقة معيار حداثي، أي إن الاستشراق معيار حداثي.
ثم يأخذ حلاق عيِّنةً حضاريةً قبل غربية حداثية كالإسلام ليعرضها من خلال نظرية النماذج والأطر المركزية مجليا مغايرتها للحداثة الغربية.
فقرر في البداية أن أخلاقيات معينة - مجموعة رؤى عن العالم - حددت طبيعة الثقافات الإسلامية، ومن النطاقات المركزية في الإسلام التعليم القائم على التقاليد الجدلية، وهذه التقاليد تدخل في باب المناظرة والحوار والمحاججة، وهو "الأصل الأخلاقي كما عند محمود شاكر وطه عبد الرحمن " وعند علماء المسلمين قاطبة.
ونستطيع أن نقرر أن انصباب وتوجه العالم والمتعلم على المعرفة عن طريق التلقي والتوجيه كانت بمثابة تربية روحية وعقلية للمريد/الطالب مما يجعل أساس العملية التعليمية هو الفرد/الإنسان، فتصبح العلوم متوجهة لبناء الطالب العامل المتخلق.
بينما انكباب الحداثة الغربية على العلم بحد ذاته وإهمال التواصل والتحاجج بين الذوات جعل محور العملية التعليمية الآلة وليس الإنسان أصبح العلم صفة اعتبارية أقوى بوجودها من الإنسان مما رشح أن يكون التقدم هو الصفة الوحيدة للعلم ومبرره الوجودي وليس البُنى الأخلاقية أي قيمة.
كانت دراسة الشريعة تتم بطرق تهدف لتحقيق "تقنيات النفس = تسميها الدكتورة هبة عبد الرؤوف بـــ"التقوى"، ومهما كان الاختلاف في الأسلوب أو الموضوع فقد كانت الغاية تنشئة الفرد ليصبح ذاتا أخلاقية، فلم يحمل الشيخ العلمَ فقط بل كان نموذجا أخلاقيا للعيش في العالم. لقد كان العلم مطلبا أخلاقيا.
وتم دعم التعليم بواسطة الأوقاف فخرج التعليم من تحت سيطرة أي قوة سياسية. وقد أسس التصوفُ في الإسلام مجالا أدائيا نظَّم حياة المجتمع الروحية وأحيانا المادية. ما ميَّزَ الشريعة والتصوف عن أي منظومة خطابية حديثة هو اهتمامها الهائل بإنتاج تقنيات ذات أخلاقية، وهي تقنيات شخصية خاصة، ذات أبعاد نفسية ومعرفية داخلية لا يمكن لأي دولة أن تخلقها أو تنظمها أو تفرضها.
لم تكن الشريعة بحد ذاتها غايةً بل كانت أداة للأخلاقي لا غير فالشريعة هي النطاق المركزي، وبذلك كانت النطاقات الهامشية تعيَّر بحسبها.
أما العلوم التطبيقية كالرياضيات والفلك قد اتخذت في الإسلام طريقا مغايرا للغرب الحداثي إذ كشف العلم آيات خلق الله، فلم يهدد العلمُ الدينَ، فالواقع وافق وأكد "الواجب" كما عند طه عبد الرحمن.
وفي المعاملات قامت قواعد الشريعة الإسلامية وأخلاقها النافذة والمهيمنة بتنظيم الحياة الاقتصادية. فقد كان المجال الاقتصادي محكوما عُرفا وشريعة بالأخلاقية النموذجية كمرجعية ومعيارية.
وعلى الرغم مما كان يخترق الحضارة الإسلامية -كغيرها- من مآسي وانحرافات وخروقات إلا إن الشريعة بقيت دائما النظام المعياري وقانون البلاد واستمرت في إنتاج ذات تقيَّة داخليا قبل أن تكون مرغمة بقوة قانونية.
أي بقي النموذج الأخلاقي المركزي معيارا راسخا يمارس ضغطه على الواقع في اتجاه معين، وهو صناعة الفرد الأخلاقي في الواقع ( وهذا ما لم يدركه العروي في "مفهوم الدولة" ).
وعن "المعيارية" ضرب لنا حلاق بــ"الوقف الإسلامي" فهذه الشخصية الاعتبارية التي تمَّ تطويرها في الإسلام واعترفت بتجريد شخصية لها تطالب بحقوقها إلا إنها رفضت أن تنشيء شخصية اعتبارية محدودة المسؤولية عن طريق الشركات محدودة المسؤولية وذلك لأن مرجعية الإباحة والمنع مرتبطة بالمسؤولية الأخلاقية للفرد المؤمن. والتي سوف يُبطلها ويسيء إليها نظام المسؤولية المحدودة، فلم يكن يوجد أي مبرر مالي أو قانوني يمكن أن يضغط لتغيير المسؤولية الفردية أو حتى التخفيف منها. (يرتبط هذا بالمسؤولية أمام الله ومسؤولية كل فرد اتجاه الآخر ومراقبة الله واطلاعه الذي لا يخفى عليه خافية سبحانه). وبذلك نرى حضورا مستمرا للمسؤولية الفردية في سائر الحقول المعرفية والحياتية. ويقابل هذا التمنع الإسلامي نجد الإباحة والإقبال التي قامت به بريطانيا لنظام الشركات هذا مع علمها بمحاذيره المرعبة والمدمرة للمسؤوليات الفردية، وهذا لم يكن ليحصل لو أن هناك معيارا أخلاقيا "راسخا" كما الشريعة الإسلامية.
ولم يكن تصور الإسلام للعالم متمركزا حول الإنسان، بل إن السيادة لله فهو مالك كل شيء، ولو إن إرادة الدولة الحديثة السيادية ممثلة في القانون، فكذلك سيادة الله مجسدة في الشريعة من خلال المصالح الأهم للنظام الاجتماعي. وعلى خلاف المواطن الحديث الذي هو نتاج الدولة في المقام الأول أنتجت الذات المسلمة تشكلات اجتماعية أخلاقية ليست مرتبطة بالدولة. نظرا لأنها تعبير عن الاجتهاد الجمعي عبر الزمان والمكان، فباتت الشريعة فوق البُنى السياسية وتمنع القوة السياسية من تحديد القانون وفرضه.
لقد كان النظام التأويلي والتربوي والفقهي الذي هو الشريعة مشروعا ضخما لبناء مجتمع أخلاقي وقانوني يلخص دافعه التأسيسي والبنيوي سعي دائم لاستجلاء هدف الله الأخلاقي من خلال ما أمدنا الله به من عناصر أخلاقية.
وبينما تتحكم الدولة الحديثة في مؤسساتها الدينية وتنظمها وتخضعها لإرادتها القانونية، فقد حكمت الشريعة الإسلامية المؤسسات العلمانية ونظَّمتها وخضعت كل المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشريعة بما فيها السلطة التنفيذية والقضائية، وكانت الشريعة هي السلطة التشريعية. وبما أن فكرة مراجعة القضاء للقوانين لم تكن موجودة فلم يساهم القضاء مباشرة في عملية التشريع.
وكان الفرد في خطابات الشريعة والتصوف مختلف تماما عن فرد/مواطن الدولة الحديثة، فلقد فهم الفرد المسلم القوة الشرعية من منظور السلطة الأخلاقية والقيم.
وقد أظهرت دراسة الحالة الإسلامية أنه لا يمكن لنظام يكون قائما في جوهره على بُعد أخلاقي بنيوي أن يكون مُقَيَّدًا للسياسة. ولقد نأت المعرفة قبل الحديثة في الإسلام بصورة مبدئية عن الارتباط الموضوعي بالقوة السياسية، ومع أنه كان للسلطان أن يعين القضاة ويعزلهم وأن يضع حدودا لسلطتهم إلا إنه لم يستطع أن يقرر القانونَ أي الشريعةَ ولا طريقةَ تطبيقها وتنفيذها. وظل هذا مزية قانونية وأخلاقية وتعليمية للعلماء، فليس في الدولة الإسلامية هندسةً لمجتمع ومواطنيه كالتي مارستها الدولة الحديثة.
ويطرح حلاق سؤالا عن سبب تمكن الربط بين القوة والمعرفة في الحداثة ثم يجيب رادا ذلك لسببين:
(1)    نشأة الدولة الحديثة، التي طورت أنماطا من الحكم خاصة بالتنظيم.
(2)    مبدأ السيطرة على الطبيعة والممارسة الفعلية، وقد أدت إلى الفصل بين الواقع والقيمة ( فصل ما يجل وصله عند طه عبد الرحمن).

ويرى حلاق أن هناك مبررا لردِّ البذور الأولى لفكرة السيطرة على الطبيعة إلى الاعتقاد المسيحي الأوروبي الذي حوَّلته الحداثة إلى أشكال معلمنة:
(1)    بسبب وصفها بأنها منظومة اجتماعية وسياسية (سيطرة الإنسان على الإنسان) من خلال الإقطاع والكنيسة) (راجع جينولوجيا الدين لطلال أسد).
(2)    بسبب بذرة السيطرة الدينية، هي من زرع الفلاسفة الميكانيكيين والإلهيين ومفكري عصر التنوير الأوائل في سعيهم لتأسيس نظر معلمن قوي.
(3)    مثَّل تحوُّل أوروبا نفسه إلى نطاق علماني مؤشرا على الحاجة الملموسة لتحرير الذات الأوروبية من قيود المسيحية.

وبحلول القرن السابع عشر كانت المسيحية قد استنفذت قدراتها في عقلنة عمليتي الإبادة والإخضاع الجماعيتين ما فتح المجال لظهور حركة الإلهيين، وظهرت العلمانية كرؤية تريد أن تتخفف من الحمل الأخلاقي للمسيحية الذي باتت المسيحية تنوء تحته وتريد التخلص منه.
ثم يطرح حلاق سؤالين مهمين: الأول لماذا لم تؤد الذات الغازية! في الإسلام إلى الذات المبيدة؟ والثاني لماذا أفسح الطريق لهذا الطوفان المعلمن سريعا بعد القرن السادس عشر.
يرى حلاق أن " السيطرة على الطبيعة" لم يكن مجرد "حدثا" بل كانت بنية تفكير وعملية ممنهجة أو توجها جعل السيطرة أسلوب حياة وأساس النظرة إلى الكون.
وكرد على بعض من زعم أن لإبادة الطبيعة فعل مشترك في كل الحضارات قبل الحداثية يقول حلاق:
(1)    كانت الإساءة ما قبل الحديثة محدودة للغاية وتتعلق بأوضاع محلية.
(2)    ليس من الواضح تماثل نوعية المشروعات السابقة على الحداثة مع نظيراتها الحداثية، فلا يستوي مثلا إغراق بعض أحواض الأنهار أو حرق بعض الغابات مع طمر النفايات السامة في التربة والإبادة الممنهجة للغابات.
(3)    تقوم سرديتهم على توزيع عبء النزعة التدميرية التي هي جزء من عقيدة التقدم من أجل بقائها، فقد فشلوا في تحديد أي نظام فكري مماثل للمارسات الحداثية في الإبادة.

بعد ظهور المشروع الحداثي على أرض الواقع زعم هؤلاء العلمانيون حق الإخضاع -إخضاع العالم- واعتقدوا أن لهم حق تقرير الأحسن والأصلح ولكنهم فشلوا، ودليلنا هذا هو الدمار المرعب الذي لحق بالبيئة والإنسانية، (ويسمي طه عبد الرحمن هذا الزعم بوقاحة الإحاطة والإدراك).
وقد لفت حلاق انتباهنا إلى نص عزيز لـــــ(والتر وارين) حول السيطرة على الطبيعة وتداعيات هذا الفعل: " لم يفهم بيكون وأتباعه قط أن الصراع للسيطرة على الطبيعة في عالم تتقسمه الطبقات والأمم يصبح صراعا على السيطرة على البشر الآخرين... كلما زاد السعي على الطبيعة أصبح الفرد أكثر سلبية، وكلما زاد السيطرة على الطبيعة ضعف وضع الفرد في حضور المجتمع الطاغي".
ويلخص لنا وضع السيادة عند الفرد الغربي: ارتكزت الميتافريقيا الغربية على وعي بالذات وفهم للإنسان مختلفين بالكامل، أي اعتبار الإنسان كائنا ذا سيادة يعلو على الطبيعة كلها. وبعدما أصبحت نزعة السيطرة الملازمة هي العامل الأخلاقي الحاسم وظاهرة منهجية لاوقتية واتجاها قيميا مركزيا شكلت الأساس الذي قامت عليه دراسة الواقع، وأصبح الدافع من أسس النطاقات الحداثية المركزية. وكما يرى (نيتشة) امتلاك القوة ليس إرادة بل أصبح كينونة غربية تعلو على كل شيء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
منهج في نقد العلم الحداثي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي
» سورة العصر منهج حياة
» المرأة بين منهج الدين ومنهج الأخلاق.. أين هو الخلل؟!
» الفهم الصحيح للمنهج السلفى فهو منهج الإسلام
» المرأة بين منهج الدين ومنهج الأخلاق.. أين هو الخلل؟!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: