للبروفسور وائل حلاق
كتاب قصور الاستشراق (1) منهج في نقد العلم الحداثي
معتز حسن أبو قاسم
(لابد أن نُقِرَّ أن القارئ صاحبُ محاولة في الفهم ثم في التأويل ثم إن شئت في العرض)..
مقدمة عامة حول الكتاب:
اعتاد قارئ حلاق أن ينتظر منه أن ينظر في المسكوت عنه في الساحة البحثية والذي بلغ أن يصبح بديهيا غير قابل لإعادة النظر فيه نظرةً تُدينه أو تنقضه من أصله. فحلاق يضع على مشرحة التحليل الجذري والبنيوي مفاهيمَ رائجة راسخة رسوخ بعض المفاهيم كـــ"التقدم" و"الدولة الحديثة" و"الحرية". وحلاق في كتابه هذا لا يُخلف عهده في تحسس المالوف البديهي لدينا من أجل أن يسائل الأفكار والقيم والمبادئ التي أضحت مسلمات خارج نطاق النقد ويستشكلها ويسائل الأشخاص الذي تحولوا إلى أيقونات مقدسة فوق النقد.
تصدر إدوارد سعيد قائمة الاسم الأكثر تكرارا في هذا الكتاب وذلك باتخاذه غرضا لنقد ونقض كثير من الأصول والفروع التي قامت مدرسة الاستشراق عليها عامةً و كتاب سعيد "الاستشراق" خاصةً، فكرَّ عليها حلاق وأظهر عوارها ومغالطاتها وما ترتب على تقريرات سعيد وتصريحاته من إخفاء وإهمال لجوانب هي أكثر أهمية مما صرح به وألصق بالمشكلة الاستشراقية مما ظنَّ سعيد، ثم قام حلاق يصوِّب قراءة موقعَ الاستشراق على الخريطة الحداثية اليوم ويحدد موضعه وقيمته بتتبعٍ ودقةٍ مدهشة، و أخذ يعكس على مرآة الاستشراق وهي مجليةً الواقع الحداثي وما أحدثه في الحقيقة وعلى أرض الواقع، ويظهر كذلك كم كان النص السعيدي "نصا" وبقي "نصا" بدون أي أداتية حقيقية، لقد بقي "كلاما" (بانتمائه لحضارة الكلام كما يسمي طه عبد الرحمن الحضارة الغربية) ولم يصل إلى أن يكون أداة تحليل مؤثرة، بل أصبح النص السعيدي بطريقة ما مُرسِّخا وداعما للكولونيالية التي ظنَّ سعيد أنه يدينها ويُظهر عوارها بكتابه "الاستشراق"، ولكن -مع الأسف-كلما اقترب سعيد من الجذور الأصلية التي صنعت الظروف الملائمة لهذه الكولونيالية والإبادية والإمبريالية كلما وجدناه يعود للوراء ليتستتر بنقد النص والتصوير الاستشراقي فقط.
عن مقدمات المترجم والمؤلف:
سوف أسوق هنا عددا من الملاحظات والتساؤلات:
- يتناول الكتاب الغربَ واستشراقَه وكولونياليته ومعرفتَه.
- ويتناول كذلك الفردَ الغربي أو الفرد الليبرالي العلماني وكيف تشكَّل أو عمليات تذويته (صناعة الذات الغربية).
- كانت قراءة سعيد للاستشراق اختزال له في جانبه السياسي الاستعماري، وهو قصور شديد.
- سوف نجد في الاستشراق أبعادا بنيوية عميقة أهم من الجانب السياسي.
- الكتاب -بامتياز- دراسة في أصول المعرفة الحديثة.
- إن فهم الأصول يعني فهم طريقتنا في النظر إلى العالم، وفهم هويتنا؛ من نحن؟.
- يظهرُ أننا لم نُستَشر في الرؤية الجديدة المفروضة علينا، بل لقد نسينا أننا قد فُرض علينا ذلك.
- من مواطن الأهمية في هذا الكتاب : طرح تساؤل حول ماذا جرى لنا، لم نعد نفهم هويتنا كأفراد شكلتهم الكولونيالية.
- يُذكِّر حلاق بالمهمة الأولى التي تقع على مسؤوليتنا، وهي أننا دعاة ومُبلِّغين.
- هناك تساؤل عن مفارقة: بينما أضحت علومنا وتكنولوجيتنا أكثر تقدما وتفوقا أمست مشاكلنا الصحية والاجتماعية والمالية والبيئية تزيد باضطراد.
- يطالب حلاق المسلمين بضرورة طرح رؤيتهم الخاصة لعلاج مشاكل الواقع، وهو نفس المطلب الذي طالب به طه عبد الرحمن في "الحق الإسلامي" من وجوب وجود جواب إسلامي عن مآزق العصر.
- يتخذ حلاق من مفهوم "الدولة الحديثة" موقف الناقد الصلب والجذري، ويبحث عن بديل فيرشح المسلمين ويطالبهم في أن يعيدوا النظر في الدولة الحديثة من أجل صياغة موقف فكري وعملي آخر للاجتماع البشري يتجاوز مآسي الدولة البنيوية الحديثة.
- يلخص حلاق دعوة كتابيه (الدولة المستحيلة) و(قصور الاستشراق) بمطلبين: (1) إعادة التفكير والنقد لإيجاد حلول أفضل لحياتنا من خلال الانفتاح الواعي على الاحتمالات والمجالات المعرفية الممكنة. (2) إن بقاء النظر في "الدولة الحديثة" و"المعرفة الحديثة" باعتبارهما نموذجا مثاليا أو في أسوء الأحوال النموذج الوحيد هو بمثابة الدفاع عن الفظاعات التي ارتكبناها ضد أنفسنا وضد العالم الذي نعيش فيه.
- نجد كذلك في (الشكر) ملاحظات وتنبيهات:
(1) الاستشراق يُكني عن تساؤلات نظرية وموضوعية ترتبط بتكوين الذات الحديثة.
(2) إن في نفس عملية تأسيس الاستشراق كوحدة تحليلية يخضع الاستشراق إلى عملية تقزيم وتضخيم في نفس الوقت.
(3) يظل الاستشراق – مع النقد الشديد الموجه له- أظهر المعابر التي تمر من خلالها المعرفة عند الآخر.
(4) يتناول الكتاب مكانة الذات الغربية في المشروع الحداثي والمخارج المحتملة.
(5) يكمن التحدي الأهم للذات الغربية في التخلص من السيادة على كل ما هو موجود في هذا الكون.
- مع أن الكتاب يتناول الغرب باستشراقه وكولونياليته ومعرفته والفرد العلماني الليبرالي بشكل محدد إلا إن حلاقا يراه ضروريا للعربي ولا يجيز له إهمال قراءته، فالنظر للاستشراق هنا مغاير للنظر الضيق الذي اعتاد العرب قراءته مع إدوارد سعيد حيث اكتفى في جانبه السياسي غير المرضي عند حلاق، فلقد تغاضى سعيد عن الأبعاد البنيوية العميقة والمهمة للاستشراق.
- يُعد الكتاب ناقوس خطر مرتفع الصوت ينبهنا من غفلتنا عن مسؤولاياتنا عن العالم والبيئة والأجيال القادمة.
- يفتتح الكتاب بتساؤل: هل الاستشراق مبحث علمي أكاديمي أم بناء أيدلوجي؟
- يقرر حلاق أن كتاب سعيد عن الاستشراق خلق فرعا خطابيا حداثيا حجبَ بُنى أعمق مما يمكن تسميته الاستشراق غير الاستشراقي.
- ناقش حلاق تقسيم البعض للاستشراق باعتبار أحدهما هو البحث الفكري الغربي المتواصل الموضوعي والآخر هو استشراق شركاتي متحيز، ولكنه تجاوز بسرعة هذا النقاش لأن ما شغله فعلا هو غموض مصطلح الاستشراق في الخطاب المعاصر.
- كان يستلزم القول بتميز الإسلام رميه بالغرابة والمثالية.
- بين لنا حلاق أن الاستشراق مفهوم أسيء فهمه، فلقد شوه تسييس مصطلح الاستشراق جوهر مضمونه وأفرغ مفهومه من معناه الحقيقي، مخفيا تواطأه في بُنى الفكر التحتية وقواها الفاعلة.
- إن حشر سعيد للاستشراق في جانبه السياسي ضيَّق رؤيته وأدى إلى عزله عن بُنى الفكر التحتية التي أنتجته في المقام الأول.
- إن أي نقد سياسي صحيح للاستشراق لابد أن يبدأ بالأسس التي خلقت ذلك (نجد شيئا من ذلك عند داود أوغلو في النموذج البديل).
- إن أسلوب سعيد الأدبي أبعدنا عن أي قراءة عميقة لإشكاليات الحداثة المركزية.
- انشغلت أشكال معارضة الحداثة المتأخرة بالصراعات الآنية وانشغلت عن العدو الرئيسي كما قرر فوكو.
- من المعروف أن المثقف في نظر سعيد هو علماني لا غير.
- الإنسانوية العلمانية مثبتة بإحكام في بناء فكري تحدده بالكامل أشكال من السيطرة السيادية، وهي تُبرر صناعة فرد معين يفهم العالم من خلال قوالبها الحديثة والمتميزة بصفات منها:
(1) قوالب متحررة من مفهوم اندماج الإنسان مع الطبيعة.
(2) وعاجزة أصلا عن فهم الظواهر غير الإنسانوية العلمانية فكريا، فضلا عن التعاطف معها.
(3) ونزيد، المخالفة الأبدية كما هي عند (ماكنتاير) والتي تمنع أي معالجة من منظور أخلاقي جذري للإشكاليات والأزمات.
- الذات الليبرالية بمنآى عن أي نقد مهما عظم جرمها وتورطها.
- جرى الاحتفاء باستشراق سعيد كمثبت للحالة الليبرالية لا ناقدا لها.
- أهمل إدوارد سعيد والخطاب الذي أنتجه الأسسَ البنيويةَ للعلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانوية ومظاهرها السياسية في المشروع الحداثي الأكبر (هذا من معاقد الكتاب).
- وجَّهَ (كليفورد) لسعيد نقدا يتعلق بإغفاله نقد المسلمات الأنثروبولوجية.
- لعبت التضحية البنيوية – المنهجية بــ"الاستشراق" ككبش فداء دورا أيدلوجيا في إنتاج سردية هدفت إلى كبت القوى الحقيقية التي تقف وراء الممارسات والسمات التي يُتهم بها الاستشراق.
- لم يوضح سعيد قط كيف أسس هذا البناء الفوقي علاقات قوة محددة وملموسة مع الكولونيالية وأشكال السيطرة الأخرى.
- فشل سعيد في فهم المدى الكامل لقدرة الاستشراق المدمرة باعتباره نسقا حداثيا من القوة.
- الاستشراق لا يتوقف على مظهره الخطابي باعتباره إيجابيا أو سلبيا، ولكنه يتوقف على مقدار تشبثه ببنية فكر معينة.
- تمثل الرأسمالية نطاقا مركزيا للحداثة الغربية.
- يرى حلاق ضرورة أن نحدد فهما خاصا اــ"الأداتية" و"شروط الملائمة".
- تهدف مراجعة شروط الملائمة اللغوية بدورها إلى إعادة وصل الخطاب الاستشراقي ببُنى الحداثة الأوسع التي تجاهلها سعيد، فلقد كان تعامل سعيد مع نصوص أدبية مغلقة لا صلة لها بالحداثة بمثابة تزييف لظاهرة الاستشراق.
- قام سعيد بتجريد الحقل الاستشراقي من نطاقه المركزي الذي هو "الحداثة".
- إن انطماس العلاقة الخاصة بين المعرفة والقوة في الحداثة هي نفسها محصلة للتشكلات الخطابية وليس مجرد نوع من التسطيح الفكري.
- لا يوجد أسئلة حول كثيرٍ من المفاهيم الراسخة اليوم مثل : نشأة العلم الحديث، مدارس إدارة الأعمال، الصحافة، الهندسة، الأنثروبولوجيا، نشأة الاستشراق.
- ما الذي يجعل هناك علاقة بين القوة والمعرفة؟
- ليست القوة لازما معرفيا دائما، كما في الحضارة الإسلامية.
- يؤكد حلاق خصوصية المعرفة الغربية الحديثة وابتدائها في القرن السابع عشر والثامن عشر. (ويدعم جزءا من هذا التصور إرنست كاسيرر في "فلسفة التنوير").
- تم إنتاج أنواع معينة وجديدة من المعرفة جعلت نفسها طيِّعة بصورة موضوعية وأصلية لاستغلال القوة (تشكيل رعايا مدجنين عبر مؤسسات تهندس وتستخرج إمكاناتهم لا غير).
- الاستعمار مظهر مميز للمعرفة الأوروبية.
- النص الأدبي الاستشراقي متوضع أصلا فوق نص تأسيسي فهو نتيجة وليس مؤسِّس.
- الاستشراق ليس مقتصرا على الشرق بل شامل لكل ضعيف.
- الكولونيالية لا تحتاج إلى الحضور المباشر والمادي لكي تُفعِّل آثار قوتها السيادية.
- قيام سعيد بتهميش "القوننة = صناعة القوانين" التي قامت بها الكولونيالية والاستشراق خطأٌ كبيرٌ.
- إذا فشل "التذويت = صناعة الذوات المستَعمَرة" فالحل هو العنف والإبادة.
- لا بد من ظروف ممهدة لنشأة الحداثة.
- لا يمكن تفسير الطبيعة العدوانية غير الاعتيادية لعملية إعادة توظيف هذه التكتولوجيا على يد الأوروبيين إلا بالإشارة إلى رؤية كونية وبُنية فكر تميزت بهما أوروبا.
- يعتقد حلاق بالرأي القائل : إن الكولونيالية ليست مجرد تفرُّع عن الحداثة، ولكنها تؤسس بُنى الحداثة نفسها وتعتمد بصورة تامة على الاختلاف الكولونيالي.
- يعرض حلاق الكولونياليةَ بوصفها معرفة سيادية صنعها الاستشراق بدعم عام من مؤسسات التعليم الأكاديمي الأوروبية، وتقع في جدلية شاملة تقف فيها مشاريع الغزو السياسية والمعرفة الحديثة داخل تشكلات أكبر تلتحم أسسها بقوة مع نظرة معينة للطبيعة.
- قام حلاق بتنقيح نظرية المؤلف – عند فوكو – أثناء دراسته حالة المستشرق " رينيه غينون ".
- غفل سعيد عن الأسباب الأكاديمية الليبرالية المشاركة في مشروع السيطرة والسيادة.
- قام سعيد بالمفاضلة والفصل بين الاستشراق والعلوم الأخرى.
- يسعى حلاق للبرهنة على أن الوحدات الأكاديمية في النطاق المركزي كالعلم والاقتصاد والأعمال تضطلع بعملية تقسيم للنشاط المعرفي بهدف خلق معرفة وممارسة سياديتين.
- تناول حلاق المعضلة الفلسفية الليبرالية التي تسعى إلى الكشف عن ورطة الليبرالية عندما تعمل على تكوين الذات، علاوة على استحالة نجاح أي عمليات لتكوين الذات الأخلاقية من داخل إطار الليبرالية.
- الكتاب مقالة عن الأسس والبُنى الأخلاقية الجوهرية التي تقف من الحداثة موقف الدحض والنقد غالبا وموقف النقد الخلاق أحيانا.