منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  د. محمد الحموري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالثلاثاء 1 فبراير 2022 - 17:30

وفاة الفقيه الدستوري د. محمد الحموري
 د. محمد الحموري D8a7d984d8add985d988d8b1d98a00000

البوصلة – توفي، فجر الثلاثاء، مؤسس حزب الشراكة والانقاذ وامينه العام الاول. الفقيه الدستوري د محمد الحموري.
وقال الامين العام للحزب سالم الفلاحات، عبر حسابه على فيسبوك ناعيا الفقيد، “ذهب جدار وطني وعروبي كبير اخر والوطن باسد الحاجة اليه بعد ان سخر كل حياته في حله وترحاله وصحته ومرضه حتى”.
واضاف الفلاحات، “قبل ايام قليلة وهو في المستشفى دفاعا عن وطنه وحريته وكرامتهصادق العبارة واضح الموقف لا تأخذه في الحق لومة لائمرحمك الله ابا طارق ورفع درجتك في الجنة وعوض الامة والاردن واهلك الكرام وعوضنا خيرا وانا على ما عهدتنا عليه باقون ما استطعنا الى ذلك سبيلا ، نكمل رسالتك دفاعا عن الوطن والمواطن وقضايانا الكبرى ولا نقول الا ما يرضي ربنا انا لله وانا اليه راجعون”





محمد خليل الحموري

موجز السيرة الذاتية للدكتور محمد الحموري

مولود في قرية بيت راس – محافظة إربد – الأردن –
بكالوريوس وماجستير في القانون – جامعة القاهرة –
دبلومية القانون المقارن – جامعة كيمبردج – بريطانيا –
دكتوراه في القانون – جامعة كيمبردج – بريطانيا –
دبلومية المعهد القضائي الفيدرالي- واشنطن –
أستاذ في القانون والعميد المؤسس لأول كلية حقوق في الأردن – الجامعة الأردنية –
أستاذ زائر – كلية الحقوق – جامعة فرجينيا –
وزيراً للثقافة والتراث القومي، ثم وزيراً للتعليم العالي/ سابقاً –
نائب رئيس مجلس أمناء الجامعة الأردنية/ سابقاً –
عضو المجلس الإستشاري لجامعة هارتفورد – الولايات المتحدة الأمريكية/ سابقاً –
محاضر/ كلية الحقوق – جامعة فريبورغ – سويسرا –
محامٍ مترافع أمام القضاء الأردني وهيئات التحكيم الدولية –
مشارك في العديد من المؤتمرات الدولية –
عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي –
عضو الأمانة العامة للمنظمة العربية لمكافحة الفساد –
رئيس المركز العربي للتوثيق والملاحقة القانونية لجرائم الحرب التي ترتكب على الأرض العربية –
رئيس مكتب الحموري ومشاركوه للمحاماة والتحكيم والاستشارات القانونية –
له العديد من الكتب والأبحاث والدراسات في المجالات القانونية والسياسية ومجالات التقاضي المختلفة –
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: رد: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:03

المتطلبات الدستورية والقانونية لاصلاح سياسي حقيقي لماذا وكيف؟

https://www.goodreads.com/book/show/27247500

الحقوق والحريات بين اهواء السياسة وموجبات الدستور

https://www.goodreads.com/book/show/27247412

قراءات في المشهد اللبناني: بين الحقوق القانونية والمصالح السياسية والدولية


https://www.goodreads.com/book/show/27247552
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: رد: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:10

التنمية السياسية

 في ضوء نصوص دستورية غُيّبت وأخرى أُفرغت من مضمونها

من أين نبدأ وكيف نبدأ

تمهيد وتقسيم:

تقوم النظم الدستورية في الديمقراطيات المعاصرة، سواء أكانت نظما رئاسية أم نظما برلمانية، على قاعدة أساسية 

هي قاعدة الإلزام التبادلي بين السلطة من ناحية والمجتمع من ناحية أخرى. وقد تفرع عن هذه القاعدة ثلاثة مبادىء 

جوهرية هي مبدأ سيادة القانون ومبدأ المشروعية ومبدأ التلازم بين السلطة والمسؤولية. وقد جاءت القاعدة سابقة 

الذكر على أعقاب صراع طويل بين السلطان المطلق للحكام وبين الشعوب المتطلعة للحرية. وعلى مدى قرن ونيف 

من الزمان، أذكى نيران هذا الصراع لدى الشعوب فلاسفة يسمون فلاسفة نظرية العقد الاجتماعي. وكان من أبرز 

من أعطوا للنظرية شكلها المنظم ثلاثة أولهم: توماس هوبز في كتابه (المارد) عام 1651، وثانيهم: جون لوك في 

كتابه (الحكومة المدنية) عام 1690، وثالثهم: جان جاك روسو في كتابه (العقد الاجتماعي) عام 1762. وبصرف 

النظر عن الاختلاف في التفصيلات بين الفلاسفة، فإن موجز هذه النظرية هو أن الإنسان ولد حرا، وأن مصدر حريته 

هو آدميته الإنسانية. وبالنظر الى تفاوت قدرات الأفراد وملكاتهم، فإنه حتى لا يقوم القوي بابتلاع الضعيف وسيادة 

شريعة الغاب، فقد اتفق الأفراد على تكوين مجتمع يرأسه حاكم وسلطة في إطار دولة يتنازل لها الأفراد عن بعض 

حرياتهم البدائية من أجل أن يرعى الحاكم باقي الحريات. فإن اعتدى الحاكم على هذه الحريات يكون قد خرج على 

العقد الاجتماعي ووجب عزله وتبديله بحاكم جديد يلتزم بإطار ومضمون العقد الاجتماعي.

 ومن منطلق نظرية العقد الاجتماعي هذه قامت ثورات ثلاث فرضت قاعدة الإلزام التبادلي في دساتير دول تلك 

الثورات وهي الثورة الإنجليزية الثالثة عام 1770، والثورة الأمريكية التي وضع توماس جيفرسون ميثاق استقلالها 

عام 1776 وتم وضع دستورها عام 1787 ليبدأ تطبيقه اعتبارا من عام 1789، والثورة الفرنسية عام 1789.

 ولقد استوجب تطبيق القاعدة وتجسيد المبادىء التي تتفرع عنها على أرض الواقع، أن يوجد لتحقيقها داخل الدولة 

سلطات ثلاث هي، سلطة التشريع وسلطة التنفيذ وسلطة القضاء.

 واستقرت المبادىء الثلاث، التي تفرعت عن القاعدة، وكذلك السلطات الثلاث التي استوجب وجودها تحقيق تلك 

المبادىء في دساتير دول الثورات الثلاث، ومنها أخذت النظم الدستورية في العالم، سواء أكانت نظما رئاسية أم 

نظما برلمانية. وإذا كانت القاعدة والمبادىء الثلاثة ثم السلطات الثلاث المذكورة تشكل قاسما مشتركا بين النوعين 

من الأنظمة، النظام الرئاسي والنظام البرلماني، فقد أصبح لكل نظام أركان أساسية خاصة به تميزه عن النظام الآخر. 

وسوف نعرض فيما يلي بإيجاز للقاعدة والمبادىء والسلطات سابقة الذكر، في الحدود التي تخدم إيضاح أركان 

النظام البرلماني الذي ينتمي إليه الدستور الأردني، كمقدمات توصلنا الى تقدير مدى فاعلية مجلس الأمة في القيام 

بدور رقابي على الحكومات من خلال واقع ممارساتها وموقفها من العديد من الحقوق والحريات الدستورية ثم بعد 

ذلك الإجابة على التساؤلين من أين نبدأ وكيف نبدأ التنمية السياسية.


المدخل الأول:   في القاعدة والمبادىء:

1.      في القاعدة:

وفقا لقاعدة الالتزام التبادلي، فإن القواعد الدستورية التي تحكم تنظيم سلطة الحكومات تظل عديمة القيمة أو 

الجدوى إذا لم تكن تلك القواعد ملزمة في الممارسة والتطبيق. وإذا كانت سلطة الحكم هي أداة الإلزام بالنسبة 

للقواعد التي تحكم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع، تفرضها عليهم بالقوة عند الاقتضاء، فإن هذا المجتمع نفسه 

هو أداة الإلزام بالنسبة للقواعد التي تحكم سلطة الحكومات، يلزمها بها من خلال قضاء حر نزيه ومن خلال رأي عام 

مستنير تمكنه حرياته العامة التي كفلها الدستور من ذلك. إن مبدأ التوازن التبادلي هذا، في أداة الإلزام عند تطبيق 

هذين النوعين من القواعد، هو الأساس والمحصلة في آن معا للديمقراطية داخل الدولة في الديمقراطيات المعاصرة. 

لكن هذا التوازن التبادلي في أداة الإلزام قد تزايد اختلاله حتى أصبح مفقودا في العديد من دول الوطن العربي، 

عندما غدا المجتمع غير قادر على إلزام سلطات الحكم بالقواعد التي تحكمها، في الوقت الذي تستطيع هذه السلطات 

إلزام أفراد المجتمع بالقواعد التي تحكمهم. وقد ترتب على اختلال التوازن المذكور بل وفقدانه في العديد من الدول 

المذكورة، سيادة منطق الدولة البوليسية، التي لا تعرف معنى الديمقراطية، رغم كل الشعارات البراقة التي ترفعها 

وسائل إعلامها لتلميع المظهر الخارجي لتلك الدولة وسلطة الحكم فيها.

 
2.      في المبادىء المتفرعة عن القاعدة:

 أ.        في مبدأي سيادة القانون والمشروعية:

 وحتى لا تفتئت الحكومات على قاعدة الإلزام التبادلي، فقد استقر في الدساتير مبدأ يقضي بخضوع كل من الحاكم 

والمحكوم للقانون. ويقصد بالقانون هنا معناه الواسع، أي مجموعة القواعد العامة والمجردة، التي توضع قبل 

وقوع الحوادث التي تطبق عليها، وبصرف النظر عن الأشخاص الذين تسري عليهم، وبالتالي فإن القانون هنا يشمل 

الدستور والقانون بمعناه الضيق، والأنظمة والتعليمات والقرارات. ويسمى هذا  بمبدأ سيادة القانون. ووفقاً لهذا 

المبدأ، فإن قواعد القانون بمعناه الواسع لا بد وأن توضع لتحقيق المصلحة العامة، ولا بد أن يخضع لها كافة 

المخاطبين بأحكامها، أشخاصاً كانوا أم وقائع، ولا بد أخيراً في قواعد القانون أن تكون منسجمة في تدرجها، بمعنى 

أن لا تخالف القاعدة الأدنى القاعدة الأعلى منها مرتبة، بحيث لا يجوز للقرارات أن تخالف التعليمات، ولا للتعليمات أن 

تخالف النظام، ولا للنظام أن يخالف القانون، ولا للقانون أن يخالف الدستور، وهذا ما يعرف في الوقت الحاضر بمبدأ 

المشروعية.

ب.     في مبدأ تلازم السلطة والمسؤولية:

 إذا كان من حق الشعب أن يلزم سلطات الحكم بالقواعد التي وجدت لتحكمها، وأن يسري حكم القانون على الحاكم 

والمحكوم في آن معا ليسود مبدأ المشروعية، فقد استقر في الدساتير مبدأ يقضي بأن كل من يمارس سلطة يجب أن 

يتحمل المسؤولية ويكون محلا للحساب عن تلك الممارسة، بحيث لا ينجو من المسؤولية سوى الشخص الذي لا 

يمارس سلطة. وتمتد تلك المسؤولية وهذا الحساب على جبهة واسعة تشارك فيها الصحافة والأقلام الحرة والرأي 

العام فضلا عن البرلمان والقضاء. لكن مبدأ التلازم المذكور أصبح غائبا في العديد من الدول العربية، إذ واقع هذه 

الدول يؤكد أن هناك من يمارس السلطة، وأحيانا كل السلطة، لكنه لا يخضع لأي مساءلة أو حساب.

إن القاعدة والمبادىء السابقة تشكل الأساس للديمقراطيات المعاصرة، سواء أكانت دول تلك الديمقراطيات تأخذ 

بالنظام الرئاسي أو بالنظام البرلماني. وبالاستناد الى هذا الأساس، نستطيع أن نتبين مدى وجود الديمقراطية في دول 

وطننا العربي.

وأيا كان الأمر في الدول العربية، فقد اقتضى إعمال القاعدة والمبادىء المذكورة قيام سلطات ثلاث في الدولة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: رد: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:15

التنمية السياسية




المدخل الثاني:    السلطات الثلاث تأصيلا ومضمونا:


إن الهدف الأساسي لتنظيم السلطات، ولهيكل الدولة الغربي وشكلها، هو تحقيق الديمقراطية بما تشتمل عليه من 


متطلبات. وبمعناها المبسط، تعني الديمقراطية حكم الشعب بالشعب ولصالح الشعب. ولقد استقر في النظرية 


والتطبيق، مفاهيم معينة لكيفية الحكم، ووسائل اختيار الحاكم وسلطانه، والحدود التي لا يجوز لهذا السلطان أن 


يتخطاها، حتى لا يدخل إلى المناطق المقدسة والمحظور المساس بها، وهي الحقوق والحريات، ثم الضمانات لكل 


ذلك. ولما كانت السلطات كافة تعود في المفهوم الديمقراطي للشعب، فإن استحالة ممارسة الشعب كله لها، قد أدى 


الى أن يتطور في النظرية والتطبيق، تنظيما للدولة، وظيفته الأساسية تحقيق حكم الشعب بالشعب ولصالح الشعب. 


وهكذا أكّدت الدساتير المعاصرة، على أن سلطان الدولة، الذي يوزع جميعه على السلطات الثلاث، التشريعية 


والتنفيذية والقضائية، يقتضي من كل واحدة من هذه السلطات أن تمارس وظيفتها بطريقة متكاملة وذلك تحقيقاً 


لإرادة الشعب. ومن الناحية التنظيمية، فإن عملية حكم الشعب تبدأ في انتخاب السلطة التشريعية، وفقاً لإجراءات 


وأصول، تقوم على تمكين أبناء الشعب من ممارسة حقهم في الترشيح والانتخاب، من أجل اختيار من يتولون 


تمثيلهم، بحيث يصبح هؤلاء الممثلون، وكأنهم الشعب نفسه في تولي الحكم. ولقد استقر في الفكر الديمقراطي 


والدساتير الغربية المعاصرة بعد صراع دامٍ وتطور طويل المدى، أن تقوم عملية الانتخاب على أسس حزبية، حيث 


تطرح الأحزاب، وهي مباحة وفق أحكام الدساتير، فكرها وبرامجها على الشعب، ويترك للشعب حرية اختيار ممثلي 


الحزب الذي يناسبه من حيث فكره وبرامجه. وعلى الرغم من الفارق في الأسلوب بين النظامين الرئاسي والبرلماني، 


فإن الحزب الذي يحصل على الأغلبية هو الذي يتولى الحكم، وإذا لم يحصل حزب واحد على الأغلبية البرلمانية، فقد 


يتولى الحكم تحالف من حزبين أو أكثر يشكل نوابهم الأغلبية البرلمانية، في حين يقف حزب أو أحزاب الأقلية في 


صف المعارضة، والقيام بدور الرقيب على سلوك الأغلبية، لتنشأ بين الفريقين منافسة تنطلق من مصلحة الوطن 


والمواطن: فريق يسعى للبقاء في الحكم، وفريق معارض ورقيب، هدفه الوصول إليه. وفي بعض الدول مثل ألمانيا 


وفنلندا والسويد تقدم الدولة معونة مالية للأحزاب لتمويل تنافسها، وفي دول أخرى مثل بريطانيا تقوم الحكومة، 


ممثلة الأغلبية، بتمويل حزب الأقلية، وذلك من أجل إعانته على تغطية النفقات التي يقتضيها قيامه بدور المعارضة 


والرقابة. وقد يتمكن حزب الأقلية هذا، من إقناع الشعب بقدراته وببرامجه، وبأنه أكثر استشعارا لمصالح الناس 


وأكثر قدرة على تحقيقها، فيفوز في الانتخابات اللاحقة ويتحقق تداول السلطة بين الحزبين. وحتى لو لم يتحقق 


لحزب الأقلية هذا الفوز، فإنه في معارضته ورقابته للحزب الحاكم، يدفع هذا الحزب الى أداء أفضل وحرص أكثر، 


في ممارسته للسلطة كوسيلة وحيدة لبقائه في الحكم. وعلى هذا، فإنه إذا كان حزب الأغلبية يتولى السلطة، ويملك 


الأغلبية في الهيئة التشريعية، فإن وجود الأقلية المعارضة والرقيبة أو فتح المجال دائما لوجودها، من المستلزمات 


التي لا وجود للديمقراطية بدونها. أما عن السلطة القضائية، فإذا كانت وظيفتها الأساسية فض المنازعات بين الناس 


وتطبيق القوانين، فإن لها وظيفة أساسية أخرى، هي الرقابة على سلوك السلطتين التشريعية والتنفيذية معا. وفوق 


الرقابتين، رقابة الأقلية والسلطة القضائية، على سلوك الأغلبية في الهيئة التشريعية والسلطة التنفيذية، فهناك رقابة 


الصحافة الحرة والرأي العام الحر، باعتباره يمثل من الناحية الفعلية السلطة الرابعة.



وحيث أن الدستور الأردني ينتمي الى عائلة دساتير النظام البرلماني، فسوف نقصر حديثنا على هذا النظام مبينين 


أصوله والأركان الأساسية التي يقوم عليها وما يتفرع عن هذه الأركان من ولاية عامة للبرلمان، وبوجه خاص 


مجلس النواب، تمكنه من القيام بدور رقابي على ما تقوم به الحكومة ومؤسسات الدولة.



وقد أخذ الدستور الأردني الصادر عام 1952 أحكامه عن الدستور البلجيكي لعام 1921، وذلك أسوة بالدستور 


المصري لعام 1923. وكان أول دستور بلجيكي صدر هو دستور عام 1831. وقد أعيدت صياغة هذا الدستور في 


عام 1899 وتمت مراجعته عام 1921، وهي النسخة التي أخذ عنها الدستور الأردني. وكان الدستور البلجيكي قد 


أخذ أحكامه عن الدستور الإنجليزي الذي يتكون من أعراف وتقاليد استقرت في النظام السياسي الإنجليزي، فضلا 


عن نصوص شرعها البرلمان الإنجليزي.



ويعتبر الدستور الإنجليزي هو الدستور الأم لدساتير عائلة النظام البرلماني، حيث تكونت قواعد هذا الدستور على 


مدى قرون من الزمن، دفع الشعب الإنجليزي لتطوير هذه القواعد ضحايا ودماء، حتى استقرت وأصبحت مصدرا 


لنظام دستوري متميز ومتوازن تقتدي به الشعوب الأخرى الباحثة عن الحرية والديمقراطية، في حين أصبح 


الدستور الأمريكي وبعده الدستور الفرنسي نموذجا لعائلة النظام الرئاسي.



ولقد استقرت المعالم الأساسية للدستور الإنجليزي خلال فترة حكم جورج الثالث (حكم من عام 1760 الى عام 


1820). وبالتحديد فقد استقرت أهم القواعد عام 1770.



إن القاعدة الأساسية في النظام البرلماني هي أن الشعب/الأمة مصدر السلطة. وحيث أن الشعب لا يستطيع أن يباشر 


الحكم بنفسه، فإنه يختار ممثلين عنه ليمارسوا الحكم نيابة عنه. وقد فصلت دساتير النظام البرلماني كيفية ممارسة 


الشعب للسلطة وعلى نحو تؤكد فيه الطرائق والوسائل التي تجعل هذه الممارسة تجسيدا لاستمرارية كون الشعب 


مصدرا للسلطة. وتحقيقا لهذه القاعدة نصت المادة (24) من الدستور الأردني على ما يلي:



"(1) الأمة مصدر السلطات. (2) تمارس الأمة سلطاتها على الوجه المبين في هذا الدستور."



وقد بينت المواد (25-27) أن ممارسة الشعب للسلطة تتم من خلال ثلاث سلطات هي:



أ‌.                سلطة التشريع، ويتولاها الملك ومجلس الأمة (مادة 25).


ب‌.          سلطة التنفيذ، ويتولاها الملك بواسطة وزرائه (مادة 26).


جـ.  سلطة القضاء، وتتولاها المحاكم التي تصدر أحكامها وفق القانون باسم الملك (مادة 27).



وإذا كانت السلطات المذكورة توجد في دساتير الديمقراطيات المعاصرة جميعا، فإن هناك أركانا أساسية تميز النظام 


البرلماني الذي أخذ به الدستور الأردني عن دساتير النظام الرئاسي، بحيث يتفرع عن كل واحد من تلك الأركان 


قواعد وأحكام تفصيلية. وهذه الأركان الأساسية هي وجود مجلس تشريعي منتخب تكون له الولاية العامة في 


التشريع والرقابة، ثم منح الثقة للحكومة لتصبح ممارسة الحكومة لسلطاتها مشروعة، أو حجبها عنها أو سحبها 


منها لتستقيل على أعقاب ذلك، ومجلس وزراء يمارس إدارة شؤون الدولة في حدود الدستور والقانون له الحق في 


حل مجلس التشريع لتستقيل الحكومة على أعقاب هذا الحل، ثم رئيس دولة تصدر التشريعات بتوقيعه وباسمه، 


وتناط به سلطة التنفيذ بحيث يتولاها بواسطة وزرائه وفقا للدستور، وباستثناء استقالة الحكومة التي تحل مجلس 


النواب، فإن مثل هذه الأحكام تنص عليها الآن المواد (30-40) من الدستور الأردني.
 


ويطلق الدستور الأردني على مجلس التشريع مجلس الأمة. ووفقا لهذا الدستور، فإن مجلس الأمة يتكون من 


مجلسي الأعيان والنواب، لكن مجلس النواب هو الذي يجسد إرادة الأمة/الشعب، لأنه المجلس الذي انتخبه الشعب 


ليمثله في حكم نفسه. وإذا كان مجلس الأعيان يشارك في عملية التشريع، شأنه في ذلك شأن مجلس النواب، ومن 


حقه أن يحاسب الحكومة، شأنه في ذلك شأن مجلس النواب، فإن مجلس النواب هذا هو الذي يعطي الثقة للحكومة 


باسم الشعب من أجل أن تمارس سلطاتها، وهو الذي باسم الشعب يحجبها عنها أو يسحبها منها، إن فقد الثقة فيها، 


بصفته رقيبا على أدائها كممثل للشعب.



ويلاحظ هنا أنه إذا كان مجلس الأعيان يشكل جزءا من سلطة التشريع، فإن الغاية الأساسية لهذا النوع من المجالس، 


هي توفير كفاءات وخبرات لمجلس الأمة، وبشكل خاص استكمال أنواع من الكفاءات المتخصصة التي قد لا تفرزها 


الانتخابات في المجلس النيابي المنتخب، ليفيد الوطن من هذه الكفاءات والخبرات. لكن الواقع في الأردن أخرج دور 


مجلس الأعيان عن مفهومه في النظام البرلماني. وسوف نتبين كيف أن فهم الأعيان لدورهم ثم مخالفة الدستور في 


تشكيله، ساهمت في إضعاف دوره. وسنرى فيما بعد أن التعديلات التي جرت على الدستور افتأتت على مجلسي 


الأعيان والنواب في آن معا، وذلك إعلاء لشأن الحكومات وتضخيما لدورها وسلطاتها، حتى أصبح الواقع يقول أن 


السلطة التنفيذية قد أبقت للسلطة التشريعية دورا شكليا بعد أن استحوذت على دورها الموضوعي من الناحية 


الفعلية.
 


في ضوء المداخل السابقة، سنعرض للدور الرقابي لمجلس الأمة، بادئين بمجلس الأعيان وبعده مجلس النواب، 


مستعرضين وضع الحريات في ظل النصوص التي غُيِّبت وتلك التي أُفرغت من مضمونها من أجل إعلاء شأن 


الحكومات، وأثر ذلك على التنمية السياسية المطلوبة، مفصلين في موضوع مؤسستين لا غنى للتنمية السياسية 


عنهما، هما النقابات المهنية والأحزاب السياسية، والحرب الصامتة التي تُمارس ضدهما، وباحثين في قانون 


الانتخاب الذي يشكل وسيلة الديمقراطية وأداة النمو والانتشار للأحزاب، لنقول بعد ذلك من أين نبدأ وكيف نبدأ 



التنمية السياسية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: رد: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:15

الدور الرقابي لمجلس الأمة

أولا:    مجلس الأعيان:

أ.      دور مجلس الأعيان:

أصبح السائد لدى أعضاء مجلس الأعيان في العقود الأخيرة، مقولة يرددونها باللغة الإنجليزية في وصف أنفسهم، 

وهي أنهم يكونون الـ (Privy Council)، وبعد أن ينطقونها باللغة الإنجليزية يردفون باللغة العربية أنهم (المجلس 

الخاص للملك)، ثم بعد ذلك يفسرون الوصف بالقول أنهم المجلس الاستشاري الخاص للملك. وبهذا يريحون أنفسهم 

من عناء الاختلاف مع الحكومات في توجهاتها، سياسات وتشريعات، كجزء من السلطة التشريعية. ومن خلال هذا 

الوصف للذات وللدور وتكرار ترديده ثم الاعتقاد به، ألغى الأعيان دورهم، وعصفوا بالغايات الأساسية التي 

استهدفتها الدساتير من النص على تشكيل مجلسهم.

 والحقيقة أن عبارة (Privy Council) وترجمتها (المجلس الخاص)، التي اقتبسها أعضاء مجلس الأعيان من 

بريطانيا والمدلول الذي اعتقدوا بوجوده لها من أجل إراحة الذات، تطلق على مؤسسة قديمة يعرفها النظام الملكي 

البريطاني. وهذه المؤسسة كانت في الأصل مجلس تنفيذي يمارس بعض السلطات. وتتكون في الوقت الحاضر  من 

(500) شخصية عامة. ويدخل في تشكيلها أعضاء مجلس الوزراء البريطاني، وقادة الأحزاب الذين لأحزابهم نوابا 

يكفي عددهم لتكوين وحدة برلمانية يخصص لها وقت للكلام داخل البرلمان، واللوردات من القضاة في بريطانيا 

وويلز وايرلنده الشمالية، ووزيرين من وزراء نيوزيلنده، وبعض رجال الدين، و(15) شخصية من دول 

الكومنويلث. وظل يرأس هذه المؤسسة رئيس مجلس العموم البريطاني، ولكن اعتبارا من بداية عام 2003 أصبح 

يرأسها رئيس مجلس اللوردات. ويتفرع عن هذا المجلس محكمة عليا تستأنف إليها الأحكام الصادرة من المحاكم 

العليا في دول الكومنويلث، وذلك من أجل توحيد قواعد القانون العمومي (Common Law) التي تسود في تلك 

الدول. وهذه المحكمة هي محكمة قانون، مثلها في ذلك مثل محاكم النقض أو التمييز التي يطعن أمامها في أحكام 

محاكم الاستئناف، فتكون وظيفتها توحيد مفهوم نصوص القوانين ومدلولاتها داخل الدول. وهكذا، فإن وجد صاحب 

الشأن في جامايكا أو نيوزيلنده مثلا، أن المحكمة العليا في دولته (أي محكمة النقض أو التمييز في تلك الدولة) قد 

أصدرت حكما خالفت فيه قاعدة مستقرة في القانون العمومي (Common Law)، فإن من حقه أن يطعن في هذا 

الحكم أمام محكمة الـ (Privy Council) في لندن، التي يكون لها الحق في نقض الحكم من أجل أن تتبع محكمة 

جامايكا أو محكمة نيوزيلنده في المثال المذكور القاعدة المستقرة، أو تأييد الحكم المطعون فيه الذي خالف القاعدة 

المستقرة من أجل أن تستقر قاعدة جديدة بدلا من القاعدة التي خرج عليها الحكم، ومن ثم تصبح القاعدة الجديدة 

هي الأوْلى بالإتباع في دول الكومنويلث. ويبلغ عدد الدعاوى التي تنظرها محكمة (Privy Council) ما بين (65

ـ75) دعوى في السنة.

 
وقد طغى اصطلاح الـ (Privy Council) كمحكمة عليا في الاستخدام، حتى أصبح الاصطلاح يرتبط بالمحكمة 

وبالتقاضي، بعد أن أصبحت سلطات المجلس كجهة تنفيذية تتقلص تدريجيا، حتى أصبح في الوقت الحاضر مجلسا 

احتفاليا يمارس الرعاية لـ (400) مؤسسة اجتماعية وإنسانية. وفي الوقت الحاضر فإنه، إضافة الى الجانب 

الاحتفالي، يتركز نشاط رئيس الـ (Privy Council) الذي يطلق عليه (Lord President of the Council) 

في زيارات للجامعات الإنجليزية لينظر في شكاوى الطلبة ضد السلطات الجامعية.
 

وفي ضوء ذلك، فإن الاعتقاد الذي ساد لدى أعضاء مجلس الأعيان من حيث أن اصطلاح (المجلس الخاص) الذي 

أطلقوه على مجلسهم ليوحي بمدلول يريحهم من التصدي للحكومات، يشكل هروبا مرحبا به من واجبات دستورية، 

وتعطيلا لنصوص دستورية ليس لهم الحق في تعطيلها، وخروجا على الغايات التي استهدفتها الدساتير من وراء 

إيجاد مثل هذا المجلس في النظام البرلماني.


إن مجلس الأعيان هو جزء لا يتجزأ من السلطة التشريعية، ويتكون من عدد لا يزيد عن نصف عدد مجلس النواب. 

ووفقا لنصوص الدستور الأردني، فإنه يفترض أن يكون له دور في التشريع وفي الرقابة على الحكومات. ويفترض 

فيه أيضا أن يشكل دور العقل والحكمة في السلطة التشريعية. لكن الحكومات أرادت له غير ذلك، وصادف ما أرادته 

الحكومات هوى في نفوس أعضائه، فلم يدافعوا عن دورهم المسلوب ولا عن النصوص الدستورية التي أدى تعديلها 

الى جعلهم قابلين للعزل والفصل من العمل.

 
ب.    تشكيل مجلس الأعيان وأثره على دوره التشريعي والرقابي:


إن الممارسات الأخيرة في تشكيل مجلس الأعيان أخذت تتصاعد في خروجها على الدستور حتى وصلت في التشكيل 

الأخير حدا أفقد النصوص مدلولها ومعناها، وأصبح التشكيل لا صلة له بأحكام الدستور.

فالبند (ب) من المادة (75/1) من الدستور تحرم على الأردني الذي لديه جنسية أجنبية أن يكون عضوا في مجلس 

الأعيان. والمادة (64) من الدستور تشترط على سبيل الوجوب أن يتم اختيار عضو مجلس الأعيان من بين من 

شغلوا مواقع قيادية عامة قسّمها النص الدستوري الى ثماني طبقات عندما أكد على أنه:


"يشترط في عضو مجلس الأعيان .... أن يكون من إحدى الطبقات الآتية:

-              رؤساء الوزراء،

-              الوزراء الحاليون والسابقون، 

-              من أشغل سابقا مناصب السفراء والوزراء المفوضين، 

-              رؤساء مجلس النواب، 

-              رؤساء وقضاة محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف النظامية والشرعية، 

-              الضباط المتقاعدون من رتبة أمير لواء فصاعدا، 

-              النواب السابقون الذين انتخبوا للنيابة لا أقل من مرتين، 

-              من ماثل هؤلاء من الشخصيات الحائزين على ثقة الشعب واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة 

والوطن".

ويلاحظ أن النص الدستوري قد حدد طبقات سبع يتم اختيار أعضاء مجلس الأعيان من بينهم، ثم جاء بطبقة ثامنة 

حدد لها مواصفات توجب أن يكون من يتم اختياره من هذه الطبقة مماثلا لشخصيات الطبقات السبع الأولى.


ومع الاحترام، فإن من يستعرض أسماء الشخصيات التي يتشكل منها مجلس الأعيان الحالي، يجد أن هناك تواترا في 

الحديث لدى المهتمين بالشأن السياسي على أسماء بعض الأشخاص الذين يحملون جنسية أخرى غير الجنسية 

الأردنية. وإذا كان مثل هذا الأمر يشكل خطأ دستوريا يجعل تعيين هؤلاء الأشخاص باطلا، فإنه في غيبة الإثبات 

اليقيني لمن يتولى البحث في هذا الموضوع، يكون عليه أن يحمل التواتر على أنه خطأ محتمل.

 
لكن الإثبات اليقيني يتوافر في حالات أخرى، ومنها التالي:

-              إذا كان الدستور يجعل من رؤساء مجلس النواب طبقة والنواب الذين فازوا في الانتخابات النيابية لا أقل 

من مرتين طبقة أخرى، فإن هذا التحديد الواضح بالنسبة للنواب يستبعد من التعيين من يكون وسطا بين الطبقتين 

بحكم اللزوم الدستوري. ولذلك، فإن تعيين من فاز في عضوية مجلس النواب مرة واحدة فقط، عضوا في مجلس 

الأعيان يشكل مخالفة صارخة وعلى وجه اليقين لأحكام المادة (64) من الدستور ويصبح تعيينه باطلا، إن لم يكن 

منعدما. كما أن التعيين في مجلس الأعيان لمن رشح نفسه للانتخابات النيابية ولم يحالفه الفوز، يعتبر مخالفا 

للدستور، ويكون قرار تعيينه باطلا لا محالة وعلى وجه اليقين، إن لم يكن منعدما، من باب أولى. ولا يرد القول هنا 

أن مثل هؤلاء يندرجون تحت الطبقة الثامنة، التي سيأتي الحديث عنها، لأن مثل هذا القول يشكل تحايلا على النص 

من ناحية ويفقد الطبقات المحددة بالنص معناها من ناحية أخرى.

 -              أما بالنسبة للطبقة الثامنة، فقد وضع النص الدستوري لشخصياتها مواصفات أوجب أن تكون محصلتها 

مماثلة للطبقات السبع الأولى. فمواصفات الطبقة الثامنة هي مماثلة شخصياتها لشخصيات الطبقات السبع الأولى من 

حيث كونهم حائزين على ثقة الشعب واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة. ونؤكد القول هنا أن النائب الذي فاز في 

الانتخابات لمرة واحدة، ومن باب أولى الشخص الذي ثبت أنه رشح نفسه للنيابة ولم يفز، يستبعده النص بحكم 

التخصيص والتحديد، من عضوية مجلس الأعيان، ولا يجوز إدراجه تحت الطبقة الثامنة، وبغير هذا يصبح النص 

على طبقات سبع مسماة نصا عابثا لا قيمة له ولا وزن.


والتساؤل هنا هو: كم هو عدد الأعيان الذين دخلوا تحت عنوان الطبقة الثامنة؟ وكم منهم حاز على ثقة الشعب 

واعتماده بأعمال وخدمات قدمها للأمة؟ ومع كل الاحترام للأشخاص، فإنه لولا الحرج والخشية من أن يُحمل 

التفصيل في شرح النص الدستوري، في ضوء مصادره ومدلوله في دساتير نظم مماثلة أخرى، على أنه إساءة 

للأشخاص، لاستعرضنا الأسماء واحدا واحدا، لنرى كيف تكون القواعد النموذجية في الدستور عديمة الجدوى عند 

الحكومات في التطبيق.


على أنه إذا كان ما سبق يبين خطأ الحكومة في تشكيل مجلس الأعيان، فما هو أساس مسؤولية الحكومة عن هذا 

الخطأ من الناحية الدستورية؟


مع الاحترام للأشخاص الذين تقرر تشكيل مجلس الأعيان منهم، نجد أن الحكومة في هذا التشكيل، قد انتهكت أحكام 

الدستور على نحو صارخ. وهنا نقول الحكومة، لأن الإرادة الملكية التي تصدر بالتشكيل، ينبغي أن تكون موقعة من 

رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين وفقا للمادة (40) من الدستور. وبالنظر الى أنه وفقا للمادة (30) من 

الدستور الملك مصون من كل تبعة ومسؤولية، فإنه وفقا للمادة (51) من الدستور تكون الحكومة هي المسؤولة. 

ذلك أن هذه المادة تنص على ما يلي:


"رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة كما أن كل 

وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته."


ويؤكد مسؤولية الحكومة ما جاء في قرار المجلس العالي لتفسير الدستور رقم (1) لسنة 1956 (منشور في 

الصفحة 1149 من العدد 1255 من الجريدة الرسمية بتاريخ 5/1/1956)، ومبدأ تلازم السلطة والمسؤولية الذي 

يقوم عليه الدستور الأردني، كما هو الحال في دساتير النظام البرلماني. وبناء على ذلك تكون الحكومة مسؤولة عن 

الخطأ في تشكيل مجلس الأعيان ومخالفة الدستور، وليس من حقها أن تتستر خلف جلالة الملك وتحتمي بالإرادة 

الملكية لتنجو من المسؤولية. إذ وفقا للدستور الأردني، وكما هو الحال في دساتير النظام البرلماني، ليس من حق 

الحكومة التي أقسمت يمين المحافظة على الدستور أن تُنسِّب الى جلالة الملك قرارا فيه مخالفة للدستور وتطلب من 

الملك التوقيع عليه ليكون إرادة ملكية. فإن فعلت، فإنها وحدها هي التي تتحمل المسؤولية وفقا لأحكام الدستور 

وقرار المجلس العالي سابق الذكر. وليس من حق الحكومة، رئيسا ووزراء، أن يدّعوا بالسر أو بالعلن أن ما ورد 

في الإرادة الملكية التي وقّعوا عليها هو رغبة جلالة الملك، كوسيلة للتهرب من المسؤولية. ذلك أن المادة (49) من 

الدستور تنص على أن "أوامر الملك الشفوية أو الخطية لا تخلي الوزراء من مسؤوليتهم". ومؤدى هذا أن رئيس 

الوزراء وأي وزير في حكومته بصفتهم وحدهم المسؤولين عما يوقعون عليه، ويخضعون للمساءلة والحساب، 

يستطيعون أو يستطيع أي واحد منهم أن لا يوقع على القرار الذي تطلب الحكومة من الملك توقيعه ليكون بهذا 

التوقيع إرادة ملكية، إن وجدوا، أو وجد أي منهم أن ما ورد في القرار الذي سيصبح إرادة ملكية أمر يخالف 

الدستور أو غير مشروع، وأن توقيعه هذا سيحمّله المسؤولية. وامتناع رئيس الوزراء وأي وزير من الوزراء حق 

له وواجب عليه. فهو حق له حتى لا يتحمل المسؤولية عن الخطأ، وهو واجب عليه حتى لا يخالف الدستور الذي 

أقسم يمين المحافظة عليه.


وفي المحصلة نقول: إذا كانت العضوية في مجلس الأعيان الذي يشكل أحد مجلسي الأمة باطلة بالنسبة لعدد لا بأس 

به من الأعيان، وفقا لما أسلفنا، ألا يترتب على ذلك أن يصبح أي قانون صادر عن المجلس محلا للدفع بعدم 

دستوريته استنادا الى أنه صدر عن مجلس تشكل بالمخالفة لأحكام الدستور؟ أليس من حق صاحب المصلحة أو 

محاميه أن يثير هذا الدفع أمام أي قاض من قضاة الأردن، وأنه أمام جسامة المخالفة الدستورية على النحو السابق، 

فإن أي واحد من القضاة ينبغي أن لا يتردد في الامتناع عن تطبيق ذلك القانون بسبب عدم دستوريته؟
 

لمصلحة مَنْ هذا الخروج على الدستور وإحداث هذه البلبلة في نظامنا القانوني؟ ومن هو الذي أفتى بذلك؟ إنني 

أناشد كل مسؤول في الدولة أن لا يستمع الى أصحاب الفتاوى القانونية الجاهزة أو تلك التي يتم تفصيلها حسب 

الرغبة والطلب، فهؤلاء هم الذين قادوا مسيرة قتل الدستور، إما لجهلهم وإما لنيل أجر مدفوع أو مأمول حتى ولو 

كان مغموسا بدماء دستورنا، رحمه الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: رد: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:18

ثانيا:  مجلس النواب المنتخب:

أ.      الدور الرقابي المفترض من مجلس النواب:

إن انتخاب هذا المجلس، مجلس النواب، يشكل الخطوة الأولى على طريق الديمقراطية، وبناء النظام البرلماني، إذ 

هو يمثل الشعب الذي نصت المادة (24/1) من الدستور على أنه مصدر السلطات داخل الدولة، وجعلت من 

الصلاحيات التي يمارسها وفقا للدستور ركنا أساسيا في النظام البرلماني، ولا يقف في وجه حقه في الرقابة على 

تصرفات الحكومة وسلوكياتها أي حائل. وعلى الرغم من التعديلات التي أجريت على الدستور لإضعاف دور مجلس 

الأمة بوجه عام، إلا أنه بقيت بعض النصوص التي تمكّن مجلس النواب من القيام بدور الرقابة على الحكومات في 

مجالات عديدة، مثل حقه في حجب الثقة عن الحكومة أو سحبها منها فتستقيل، وحقه في استجواب الحكومة 

وتوجيه الأسئلة والاستفسارات لها، وفقا لما أسلفنا.


وبمعزل عن المخالفات الدستورية في تشكيل مجلس النواب الرابع عشر، كما سنرى، فإن المشكلة تكمن في 

الممارسات الواقعية لمجلس النواب في مجال الرقابة على الحكومات. وخير دليل على ذلك أنه كان أمام مجلس 

النواب الرابع عشر الحالي حكومة قارفت من المخالفات الجسيمة لأحكام الدستور حدا غير مسبوق من حكومة 

أخرى، حتى ولا الحكومات التي كانت تمارس سلطات عرفية على الشعب أيام سريان الأحكام العرفية، ومع ذلك، فإن 

مجلس النواب لم يحاسب هذه الحكومة على مخالفاتها الدستورية، بل أعطاها ثقة بأعلى نسبة من النواب حصلت 

عليها حكومة قبلها!


لقد كان بمقدور مجلس النواب مراقبة تلك الحكومة ومحاسبتها حسابا عسيرا، ليكون في هذا الحساب زجرا لها 

وردعا لغيرها من الحكومات حتى لا تسلك طريقها، لكنه لم يفعل، في وقت تعطيه نصوص الدستور حقا في تلك 

الرقابة والمحاسبة. ونبين فيما يلي بعض أوجه الرقابة التي يملكها مجلس النواب، وكيف يستطيع التصدي للحكومات 

من خلالها، مستخدمين مخالفات الحكومة السابقة كنماذج للمخالفات التي يمكن أن تقارفها الحكومات.

 
إن مجلس النواب هو الذي يمنح الثقة للحكومة وفقا للمادتين (53 و 54) من الدستور حتى تستطيع ممارسة 

سلطاتها على الشعب، وأن من حق مجلس النواب أن يسحب الثقة من الحكومة في أي وقت، وأن على الحكومة التي 

يحجب المجلس ثقته عنها أو يسحبها منها أن تستقيل حتما بقوة الدستور.
 
ومع معرفة مجلس النواب بحجم اعتداءات الحكومة السابقة على الدستور، إلا أن هذا المجلس منح تلك الحكومة 

الثقة بنسبة عالية من الأصوات غير معروفة في تاريخ الحكومات.


إن جميع مؤسسات الدولة تسكن تحت مظلات الوزارات والوزراء ورئيس الحكومة، وأن مجلس الوزراء مسؤول 

عن إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية بموجب المادتين (45، 47) من الدستور، ومن ثم فإنه من خلال توجيه 

الأسئلة والاستجوابات للحكومة أو أي وزير فيها، ومن خلال رد مشاريع القوانين ورد القوانين المؤقتة، يستطيع 

مجلس النواب أن يحقق الرقابة على الحكومات وسلوكياتها. بل إن أي نائب يستطيع زيارة الوزارات والمؤسسات 

وجمع المعلومات عن أي مسألة يرى أن الحكومة قد خالفت الدستور بشأنها، ويطرح ذلك أمام مجلس النواب، بحيث 

إذا وجد مجلس النواب أن الأمر يستدعي طرح الثقة بأي وزير أو بالوزارة، كان له ذلك.
 
لكن ذلك لم يحدث.
 

وفقا لأحكام الدستور، فإن المفروض أن مجلس النواب هو سيد نفسه، لا سلطان عليه إلا لضمير أعضائه، ولا حدود 

على سلطاته سوى تلك التي وضعها الدستور. ولذلك جعل الدستور في المادة (67) قانون الانتخاب، الذي يتم 

بمقتضاه انتخاب مجلس النواب، من القوانين المسماة تحديدا، بحيث تكون قوته كامنة فيه ونابعة منه، ومن ثم فلا 

ينبغي أن يصدر للانتخابات قانون مؤقت وفق المادة (94) من الدستور، لأن القانون المؤقت لا تكون قوته كامنة فيه 

ولا نابعة منه، وإنما تكون له فقط قوة القانون ويسرى مفعوله بالصورة التي يسري فيها مفعول القانون العادي. 

ومع ذلك، فقد استغلت الحكومة حل مجلس النواب الثالث عشر في 16/6/2001 وأصدرت للانتخابات قانونا مؤقتا 

في 19/7/2001، وأجرت الانتخابات لمجلس النواب الرابع عشر في 17/6/2003 بناء على القانون المؤقت 

المذكور.
 

لكن مجلس النواب لم يقم بممارسة سلطته الرقابية وردّ قانون الانتخاب المؤقت عند عرضه عليه في أول اجتماع له، 

رغم أن الأسباب الموجبة لإصدار هذا القانون تؤكد مخالفة إصداره للدستور وأن إصداره يشكل اغتصابا لدور 

السلطة التشريعية.

 
إن مجلس الأمة، ومجلس النواب أحد مجلسيه، هو صاحب الولاية العامة في التشريع وفقا للدستور، وأن الحكومة 

في مجال التشريعات ليس لها من السلطة وفقا للدستور سوى إصدار الأنظمة المستقلة، وهي الأنظمة التي تحدد 

التقسيمات الإدارية وشؤون الموظفين        (المادة 120)، وتنظيم المستودعات وتخصيص الأموال العامة وإنفاقها 

(المادة 114)، وصلاحيات مجلس الوزراء والوزراء (المادة 45/2). وفيما عدا هذه الأنظمة التي تستقل الحكومة 

بإصدارها، فإن الأنظمة الأخرى التي تصدرها تكون وفقا للمادة (31) من الدستور، أنظمة تنفيذية، أي أنظمة تفصّل 

ما أجمله القانون الذي يصدر عن مجلس الأمة ليس إلا، بحيث يصبح أي نص تدرجه الحكومة في النظام التنفيذي 

نصا باطلا لمخالفته للدستور، إذا كان في هذا النص ما يشكل إضافة أو تناقضا مع الأحكام الواردة في القانون.
 

وفي الوقت الذي أصدرت فيه الحكومة نظام تقسيم الدوائر الانتخابية، الذي يضيف نصوصا وقواعد الى القانون، 

بالمخالفة لأحكام المادة (31) من الدستور، مغتصبة هذه الحكومة بذلك سلطة مجلس الأمة، صاحب الولاية العامة 

في التشريع، فإن مجلس النواب لم يحرك ساكنا في مواجهة الحكومة رغم اغتصابها لسلطاته. ذلك أن الحكومة 

السابقة ابتدعت نوعا جديدا من الأنظمة التي يرفضها الدستور الأردني، هي الأنظمة التفويضية التي تعرفها نظم 

دستورية أخرى، وبمقتضاها يفوض مجلس الأمة الى الحكومة سلطة إصدار أنظمة لها قوة القانون. ومن منطلق 

هذه البدعة التي تشكل استهتارا بالدستور، فرضت الحكومة نصا في المادة (52) من قانون الانتخاب المؤقت 

فوضت فيه نفسها بإصدار نظام لتقسيم الدوائر الانتخابية، في حين أن تقسيم الدوائر ينبغي بحكم المادة (67) من 

الدستور أن يشكل جزءا لا يتجزأ من قانون الانتخاب، وأن مثل هذا التفويض لا يملك مجلس الأمة ذاته، وفقا 

للدستور الأردني، أن يعطيه للحكومة. والسبب هو أن الدستور الأردني اكتفى بإعطاء الحكومة في المادة (94) من 

الدستور سلطة إصدار قانون مؤقت وفق شروط محددة، وليس نظاما، تكون له قوة القانون.

 
وسكت مجلس النواب.

 إن الحكومة السابقة أوردت في قانون الانتخاب المؤقت نصوصا من شأنها تعطيل بعض أحكام الدستور. ومثال ذلك 

المادة (Cool من القانون المذكور التي عطلت فيها الحكومة مفعول العفو الخاص الذي تحكمه المادتان (75/1 و 38) 

من الدستور والمتعلق بحق من يصدر عنه مثل هذا العفو في ترشيح نفسه للانتخابات النيابية. ووفقا لهذا النص 

الذي أوردته الحكومة في قانون الانتخاب المؤقت، فقد حرمت بعض من تقدموا بطلبات لترشيح أنفسهم للانتخابات 

من الترشيح رغم صدور عفو خاص عنهم، الى حد أصبح نص القانون المؤقت بفضل تأثير الحكومة من حيث 

النتيجة والواقع، أولى في التطبيق من نصوص الدستور المذكورة.
 

وسكت مجلس النواب عند عرض القانون عليه وتنازل عن دوره الرقابي في هذا المجال.
 

تنص المادة (74) من الدستور على أنه: "إذا حلت الحكومة مجلس النواب لسبب ما، فإنه لا يجوز لها حل المجلس 

الجديد للسبب نفسه." ووفقا لما يجمع عليه الفقه الإداري وأحكام محكمة العدل العليا، فإنه ينبغي أن يكون لكل قرار 

إداري سبب، وهذا السبب قد يكون معلنا يسهّل الأمر على صاحب المصلحة في الطعن بالقرار فيستند إليه، وإما أن 

يكون السبب خفيا بحيث يكون على صاحب المصلحة إثباته، مع ما في ذلك من صعوبات لم تُخلّص محكمة العدل 

العليا الطاعنين منها أسوة بالقضاء الإداري المصري والفرنسي. لكن المادة (74) المذكورة إذ حرمت على وجه 

الالتزام حل مجلسي نواب متعاقبين لنفس السبب، فإن ذلك يوجب على الحكومة بحكم اللزوم الدستوري أن تبين سبب 

حل المجلس الأول من أجل أن لا تقوم بحل المجلس الجديد اللاحق لنفس السبب. والقول بغير هذا يعطي الحكومة 

حقا بإخفاء سبب الحل لتقوم بحل مجالس النواب المتعاقبة لنفس السبب دون رقابة، ضاربة عرض الحائط بما حرمته 

عليها المادة (74) من الدستور.
 

ومن هذا المنطلق نقول، إن الحكومة السابقة حلت مجلس النواب الثالث عشر في 16/6/2001، وأن هذا الحل قد تم 

قبل خمسة شهور من انتهاء مدته الدستورية، المحددة بأربع سنوات شمسية في المادة (68/1) من الدستور، وذلك 

دون ذكر السبب لهذا الحل. ومثل هذه المخالفة الجسيمة التي قارفتها الحكومة السابقة تحول دون إعمال الرقابة 

على السبب ومعرفة ما إذا كانت الحكومة ستقوم بحل مجلس النواب الرابع عشر للسبب ذاته أم لا.

 
إن التزام الحكومة بذكر سبب الحل هو استحقاق دستوري، ومن حق مجلس النواب، كسلطة رقابية، أن يسأل رئيس 

الحكومة التي حلت مجلس النواب عن سبب الحل، من أجل أن يعلم بحقيقة الحال قبل أن يعطي الحكومة ثقته، لكن 

مجلس النواب لم يفعل، ومنح الحكومة ثقته بإغلبية عالية، وكأن شيئا لم يكن.


وهكذا، فقد سكت مجلس النواب عن قتل الحكومة لنص من نصوص الدستور، متنازلا بذلك عن حقه في الرقابة.


والحكومة السابقة، أي حكومة علي أبو الراغب، إذ أصدرت قانون الانتخاب المؤقت في 19/7/2001 ونظام تقسيم 

الدوائر الانتخابية في 23/7/2001، قامت بعد أربعة أيام من إصدار قانون الانتخاب، وبعد يوم واحد من إصدار نظام 

تقسيم الدوائر، بتأجيل الانتخابات في 24/7/2001 الى أجل غير مسمى. وإذا كان مثل هذا التأجيل الذي لا يبيحه 

للحكومات أي دستور في الديمقراطيات المعاصرة، ولا أي دستور في دول النظام البرلماني، أباحته المادة (73/4) 

التي وُضعت في أعقاب احتلال إسرائيل للضفة الغربية من الأردن، بسبب استحالة إجراء انتخابات فيها، فإن هذه 

المادة تشترط لتأجيل الانتخابات توافر ظروف قاهرة تجعل إجراء الانتخابات متعذرا.
  

وإذا كان الشرط الذي ورد في المادة المذكورة يعبر عن الظرف الذي أدى الى تشريعها، فإن الحكومة قد استندت الى 

هذا النص، وأصدرت في 24/7/2001 قرارا نشرته في الجريدة الرسمية بتاريخ 30/7/2001 على الصفحة 

(3181) من عدد الجريدة رقم (4499) تقول فيه، إن تطبيق قانون الانتخاب المؤقت الذي أصدرته الحكومة نفسها 

يحتاج الى استعدادات تشكل ظرفا قاهرا يجعل إجراء الانتخابات أمرا متعذرا. ولا يخفى هنا على أحد من طلاب 

الصفوف الأولى في القانون وفي العلوم السياسية، أن الظرف القاهر هو حدث لا يمكن توقعه ويستحيل دفعه، وأنه 

لا يجوز بأي حال أن يكون من صنع من يستند إليه عذرا.
 

وهكذا، فإنه فضلا عن المخالفات الدستورية التي قارفتها الحكومة السابقة، وأعدادها لا تحصى، فقد عطلت تلك 

الحكومة الحياة النيابية في الأردن لعامين كاملين، ومع ذلك، فإننا لم نشهد أي مساءلة أو استجواب للحكومة أو 

حساب لها من قبل مجلس النواب الرابع عشر، بل على العكس من ذلك، فقد أعطاها هذا المجلس الثقة بنسبة من 

الأصوات أعلى مما حصلت عليه أي حكومة أخرى.

 
وفي موضوع الصحافة وحرية التعبير فيها، أصبح هناك حلفا غير مقدس بين الحكومة وبين المالكين للصحف 

اليومية أو القائمين عليها. وبمقتضى هذا الحلف، تعتمد الصحيفة أحد الموظفين فيها ليكون رقيبا ذاتيا على 

موضوعات النشر. وهنا يمارس الرقيب دور الجزار أو مسؤول مقصلة الإعدام، فيذبح أو يقتل كل رأي آخر يزعج 

الحكومة أو يمكن أن يزعجها. وكم من دراسة جزّ الرقيب روح الحقيقة منها، فظهرت مشوهة لا طعم لها ولا لون، 

تُظهر كاتبها بصورة شخص بليدٍ لا يعرف ما يقول. وكم من كتابة موزونة تلقتها الجريدة فيها تقييم لأداء الحكومة، 

يطري بعضه وينتقد بعضه الآخر، فيحذف الرقيب منها ما يشكل نقدا ويبقي ما فيه إطراء، فيظهر صاحب تلك الكتابة 

في صورة مداح للحكومة وحامل للمباخر التي ترغب في إحاطة نفسها بها، شكرا للرقيب. يقول بعض المسؤولين 

في الصحف اليومية، إذا كنا نستطيع احتمال معاقبة الحكومة لنا، فإننا لا نستطيع احتمال حجب إعلانات الحكومة 

عنا، لأن دخل هذه الإعلانات له أهميته الكبيرة عندنا. بل إن رئيس تحرير جريدة الرأي اعتذر لكاتب هذه السطور 

بأدب جم عن نشر دراسة مبسطة حول الدور الرقابي لمجلس النواب، قائلا: إن الحكومة هي المساهم الأكبر في 

الجريدة ودراستك تغضب رئيس الحكومة التي تعتبر المساهم الأكبر، والذي له اليد الطولى في تعيين المسؤولين في 

الجريدة !! وهكذا يشتري رئيس الحكومة بالمال العام وظائف الحراسة على رسمه في الصحف، ليظل جميلا يسر 

الناظرين !!
 

ورحم الله المادة (15/1) من الدستور التي تقول "تكفل الدولة حرية الرأي ولكل أردني أن يعبر بحرية عن رأيه 

بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون".

 
ونترحم على المادة الدستورية لأنه حل مكان عدم تجاوز حدود القانون، عدم تجاوز حدود رضا الحكومة. وأصبح 

على الأردنيين قراءة الفاتحة على روح المرحومة المادة (17) من الدستور التي تنص على أن "للأردنيين الحق في 

مخاطبة السلطات العامة فيما له من صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون".
 

واستحقاق روح المرحومة قراءة الفاتحة سببه أنه حل مكان "بالكيفية والشروط التي يعينها القانون" عبارة أخرى 

هي: "بالكيفية والشروط التي ترضي الحكومة".
 

9.               وفي مقابل التقييد الواقعي والمحاصرة الواقعية، بل والقمع الواقعي لحرية الرأي الصادق الذي 

يمارس النقد البنّاء، على النحو المنتمي لقضايا الوطن والأمة، نجد أن حرية المديح والإطراء وتزوير الحقائق 

مفتوحة الأبواب في المجالات كافة، حتى أصبحت السياسة فهلوة "وجدعنة" يمارسها، مسموعة ومقروءة، كل 

دجال مشعوذ، وغدا القانون سفسطة مملة، منطقه غير مسموع، إلا إذا كان صادرا ممن تخصصوا في تقديم 

الفتاوى التي تستخدم لتبرير المواقف وتلميع الوجوه.
 

ونقول بمرارة أنه من الظلم للأردنيين أن يغلب على الثقافة القانونية والسياسية الطافية على السطح طابعا انتهازيا 

لكثرة ما استخدمت وسيلة للتكسب، حتى غدا العديد ممن يكتبون في حقول القانون والسياسة والاقتصاد والاجتماع، 

من أصحاب الفتاوى الجاهزة يشكلون طبقة يتسابق أعضاؤها على تضليل المسؤول، فيبررون الخطيئة لا يهمهم 

ضحاياها، ويتاجرون بالكلمة كشعراء المديح لا تعنيهم الحقيقة، وإنما طرب من يمدحون. فهذا أستاذ جامعي يتسول 

بمقالات المديح يدفع بها الى الصحف لتنشر في الصباح، لكنه في جلسات المساء مع الرفاق يلعن الممدوحين، وذاك 

حامل دكتوراه يريد اختصار طريق الكفاح فيتقرب من السلطة بدراسات تعظيمية عن المسؤولين وآبائهم وأجدادهم 

فيبتدع لهم تاريخا مجيدا لا يعرفه الأبناء، ويحتقره أقرانه عليه، لكن عذره أمامهم ما يأمله بأن يجود الممدوحون 

عليه بأجر مدفوع أو موعود، وهذا كاتب لا يخجل من الكذب الذي يسميه التقية فيتخصص في قراءة الفكر السياسي 

أو الاقتصادي لدى المسؤول أو صبيانه، فينشر في الجريدة الحلقة تلو الأخرى عن ذلك الفكر عله ينال لقمة، ولو 

مغموسة بدم الكرامة التي لا يؤلمه جرحها،، في حين أن المسؤول يدفع للتعظيم بسخاء ولكن باحتقار واستهزاء، 

لأنه يعلم جيدا أنه ليس لديه أو لدى صبيانه شيئا من هذا الفكر المدّعى به.

 
أما عن البرامج السياسية في التلفزيون الأردني، فقد غدت وسائل لتلميع الحكومات وأشخاصها، وأصبح هناك 

متخصصين في إدارة ندوات وحوارات التلميع، ينالون الأجر والرضى، وفي مقابل ذلك يحشدون بأسلوب "

الفزعة"، ما تيسر من عشائر التلفزيون وعشائر المداحين من المتصلين بالتلفزيون بترتيب مسبق، وعشائر 

اللابسين للعباءات القانونية من أصحاب الفتاوى الجاهزة والمفصلة حسب الطلب، وغيرهم من عشائر المطربين 

القانونيين والسياسيين وحملة المباخر، لتضلل الأردنيين بإقناعهم بالقدرات الخارقة لأعضاء الحكومة وبسلامة ما 

يصدر عن الحكومة من تصرفات، وبأن المديونية قد انخفضت، وأن الوضع الاقتصادي في أحسن حال، وأن النمو 

الاقتصادي يتصاعد بنسب تفوق ما لدى الدول العظمى، في حين أن حقيقة ما يلمسه الناس هو أن الفقر قد تزايد 

والجوع ينهش البطون والطبقة الوسطى تآكلت وانتهت.

 
ونتساءل: هل يعيد مجلس النواب الرقيب على أداء الحكومة للأردنيين صدق تلفزيونهم ليصبح منبرا حرا لهم دون 

تمييز بين مداح وبين صاحب رأي، ما دام تمويل التلفزيون يخرج من جيوب هؤلاء الأردنيين؟ هل تعيد رقابة مجلس 

النواب للأردنيين كرامتهم وتوقف التدهور الذي يتزايد الاصطفاف في طابوره كل يوم؟

10.   إن قوانين الحريات منوط أمرها بسلطة التشريع، صاحبة الولاية العامة، فهل يسترد مجلس النواب، الرقيب 

وصاحب الولاية العامة، حريات الأردنيين التي طال تغييبها؟ فلينظر النواب في قانون الاجتماعات العامة المؤقت رقم 

(45) لسنة 2001. فهذا القانون من أهم قوانين الحريات التي تمس بشكل مباشر حقوق المواطنين وحرياتهم. وقد 

قررت حرية الاجتماع المادة (16/1) من الدستور عندما نصت على أن:

 
"للأردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون."
 

وبالنظر الى أن حق الاجتماع هذا يشكل أحد أعمدة الحريات والحقوق العامة، فإن النظم الدستورية تحرم تنظيمه 

بقانون مؤقت أو مرسوم بقانون تصدره الحكومات. ومع ذلك، فلم يكن عند الحكومة مانع من إصداره كقانون 

مؤقت.

 
ومن ناحية أخرى، فإنه فوق المخالفة الدستورية نجد أن أحكام قانون الاجتماعات العامة المذكور هي أحكام عرفية 

عقابية تفرغ الحق والحرية في الاجتماع من مضمونهما. فالمادة   (3) توجب للاجتماع تقديم طلب للحاكم الإداري 

للحصول على موافقته الخطية، فإن رفض يعتبر قراره نهائيا، أي غير قابل للطعن فيه أمام القضاء. وبصرف النظر 

عن عدم دستورية تحريم الطعن، فإن النص يعبر عن المنطق العرفي في فهم الحكومة للحق والحرية ومنطق 

الدستور. والمواد (5-10) تتحدث عن تقديم الطلب وتوقيعه ومسؤولية الموقعين عن أي ضرر يحدث من سلوك أي 

مواطن يشارك في الاجتماع أو المسيرة. والمسؤولية التي تحددها المادة (Cool عن التعويض هي مسؤولية تضامنية 

بين من وقعوا الطلب في دفع قيمة التعويض، في حين أن المادة (10) تنص على المسؤولية الجزائية عن أي 

مخالفة، ومؤدى هذه المسؤولية دفع مبلغ (3000) دينار غرامة والحبس (6) شهور. فأي حرية اجتماع دستورية 

بقيت أمام هذا المنطق العرفي الذي أرادته الحكومات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: رد: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:20

ب.   مجلس النواب ومدى توافر حالة الضرورة لإصدار قانون الانتخاب المؤقت و210 قوانين مؤقتة أخرى:

 
إن القوانين المؤقتة التي تصدرها الحكومة خلال فترة عدم انعقاد مجلس الأمة أو حله، تعتبر مخالفة للدستور إذا لم 

تتوافر حالة ضرورة لا تحتمل التأخير تستدعي إصدارها. وفي هذا المجال، تحدد المادة (13/1) من الدستور أنماط 

الأحداث التي تشكل حالة ضرورة عندما أعطت أمثلة لها "الحرب، وعند وقوع خطر عام، أو حريق أو طوفان، أو 

مجاعة، أو زلزال، أو آفات حيوانية أو حشرية أو نباتية أو أية آفة أخرى مثلها تعرّض سلامة جميع السكان أو 

بعضهم للخطر".

 
ومؤدى هذه الأمثلة التي طرحتها المادة الدستورية تأكيد نوعية الظروف التي تشكل حالة "ضرورة" في الدستور 

الأردني. ويكون للقضاء، كرقيب على مبدأ المشروعية، أن يبين ما إذا كانت "حالة الضرورة" التي تدعيها 

الحكومات متوافرة لإصدار القانون المؤقت بالقياس الى ما نصت عليه المادة (13/1) سابقة الذكر.

 

لكن هناك بعض الأصوات التي صدرت ولا تزال تصدر عن أشخاص بعينهم تحت عنوان "رأي قانوني"، يقولون فيه 

أن حالة الضرورة هي مسألة تنفرد بتقديرها الحكومة وحدها وليس للقضاء رقابة على تقدير الحكومة لتوافر أو عدم 

توافر حالة الضرورة. أما السند الذي تعتمد هذه الأصوات عليه، فهو أن أصحابها يحملون شهادات من كليات 

الحقوق وأن بعضهم يحمل لقب المحامي. أما لماذا ينظّرون لتسلط الحكومات وافتئاتها على الدستور، فذلك أصبح 

لديهم نهج حياة وأسلوب عمل، لا يهمهم خروج الحكومات على أحكام الدستور أو سلبها للحريات العامة التي كفلها 

الدستور، ما دامت الإذاعة والتلفاز تفتحان لهم أبوابهما، وما دامت الصحافة تعرض عليهم صفحاتها ليظهروا 

كمنظرين لخطايا الحكومات ومضللين لمواطنيهم مقابل أعطيات مغموسة بدماء الدستور.

 

فهل ما يقوله حملة المباخر سليما من الناحية الدستورية؟

 

إن الدستور الأردني هو صناعة إنجليزية بحتة أوجدت النظام البرلماني من خلال تطوير قواعد دستورية، أخذت من 

عمر الزمن ثلاثة قرون، ومن دماء عشاق الحرية أنهارا، حتى استقرت على نحو متوازن. وفي كل دولة من دول 

العالم المتحضر تحدث حالات ضرورة وتعالجها دساتيرها بنص موحد الصياغة والمضمون، حتى أصبح للضرورة 

مدلولا تسلسل عبر الزمن من خلال الواقع والرقابة الصارمة للقضاء واستقر هذا المدلول في الأمثلة التي فرضتها 

المادة (13/1) من الدستور الأردني. ويجمع الفقه العربي والأجنبي على التعريف التالي لحالة الضرورة:

 

"إنها الحالة التي تنتج عن توافر ظروف فجائية أو حالات شاذة أو خطر داهم يحدق بالوطن، يستوي في ذلك الخطر 

الناتج عن غزو خارجي أو عن عصيان مسلح أو نكبات عامة أو اضطرابات داخلية شديدة الخطورة، بحيث يتعذر 

دفع هذه المخاطر بالوسائل القانونية العادية، مما يضطر الإدارة الى اللجوء الى السلطات الاستثنائية، باعتبار أنها 

الإجراء الوحيد الذي لا بد منه للتغلب على هذه الظروف الشاذة ومواجهة هذه الأزمات الطارئة." (الدكتور هاني 

علي الطهراوي، نظرية الضرورة في القانونين الإداري والدستوري، رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق، جامعة 

القاهرة، 1992، ص56ـ64، ص375ـ376، والمراجع المشار إليها فيها، الدكتور سامي جمال الدين، لوائح 

الضرورة وضمانات الرقابة القضائية ، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1982، ص66 وما بعدها والمراجع المشار 

إليها فيها).

 

وفيما يلي أمثلة من أحكام القضاء في الدول المتحضرة التي راقب قضاؤها حالة الضرورة التي ادعت الحكومات 

توافرها عند إصدار القوانين المؤقتة:

 

ففي مصر، حكمت المحكمة الدستورية العليا عام 1985 بما يلي:

 
"وحيث أنه يبين من القرار بقانون رقم (44) لسنة 1979 (أي القانون المؤقت) المطعون عليه أن الأسباب التي 

استندت إليها الحكومة في التعجيل بإصداره في غيبة مجلس الشعب، هو الرغبة في تعديل قوانين الأحوال الشخصية 

بعد أن طال الأمد على العمل بها رغم ما استجدت من تغيرات في نواحي المجتمع وما يشوب التشريعات القائمة من 

قصور تحقيقا لإصلاح مرتجى، إلا أنه لا تتحقق بهذا الضوابط المقررة في الفقرة الأولى من المادة (147) من 

الدستور التي بموجبها تخول لرئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون لمواجهة حالة الضرورة التي 

لا تحتمل التأخير، ومن ثم لم تكن ثمة ضرورة ملحة بخصوص تعديل قوانين الأحوال الشخصية، بل كان من الممكن 

الإنتظار الى حين إجراء هذا التعديل بموجب تشريع عادي يصدر من البرلمان، ومن ثم فإن القرار بقانون (أي 

القانون المؤقت) رقم (44) لسنة 1979 إذ صدر إستنادا الى المادة (147) من الدستور وعلى خلاف الأوضاع 

المقررة فيها، يكون مشوبا بمخالفة الدستور ويتعين الحكم بعدم دستوريته برمته". (حكم المحكمة الدستورية العليا 

الصادر في 4 مايو 1985 في القضية رقم (28) للسنة (2) قضائية دستورية، مجموعة الأحكام التي أصدرتها 

المحكمة في الفترة من يناير 1984 وحتى ديسمبر 1986، الجزء الثالث ص195 وما بعدها).

 
وفي حكمها الصادر بتاريخ 7/12/1991 في القضية رقم (15) لسنة (Cool القضائية المنشور في الجريدة الرسمية، 

العدد رقم (52) بتاريخ 26/12/1991، تقول المحكمة الدستورية العليا في مصر عن حالة الضرورة:

 

"وحيث أن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءا بدستور سنة 1923 وانتهاء بالدستور القائم تفصح جميعها عن 

اعتناقها لنظرية الضرورة وتضمينها لأحكامها في صلبها تمكينا للسلطة التنفيذية ـ فيما بين أدوار انعقاد السلطة 

التشريعية أو حال غيبتها ـ من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة الزمنية وتلجئها الى الإسراع 

في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير في شأنها، ومن ثم يكون تدخلها بهذه التدابير، وتطبيقها لها، مبررا بحالة 

الضرورة ومستندا إليها، وبالقدر الذي يكون متناسبا مع متطلباتها، وبوصفها تدابير من طبيعة استثنائية ... وإذا 

كان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستثنائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها، تعين على كل سلطة في 

مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة وأن تردها الى ضوابطها الدقيقة التي عينها الدستور، وإلا وقع عملها مخالفا 

لأحكامه. إزاء ما قد تواجهه ـ فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها ـ من مخاطر تلوح نذرها أو 

تشخص الأضرار التي تواكبها ... ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية في هذا النطاق لا يعدو أن يكون 

استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي. إذ كان ذلك، وكانت التدابير 

العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حال الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في 

حومة المخالفة الدستورية، ذلك أن توافر حالة الضرورة ـ بضوابطها الموضوعية التي لا تستقل السلطة التنفيذية 

بتقديرها ـ هي علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة بل هي مناط مباشرتها 

لهذا الاختصاص وإليها تمتد الرقابة الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة للتحقق من قيامها في الحدود التي 

رسمها الدستور لها ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية ـ وهي من طبيعة استثنائية ـ الى سلطة تشريعية 

كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها أو انحرافها."

 

وفي بريطانيا، قرر القاضي الشجاع Croke J. عام 1637 ما يلي:

 

"إنني قانع بالقول أن المراسيم التشريعية التي أصدرتها الحكومة تحت ستار الضرورة، مخالفة للقانون العمومي 

Common Law، ومخالفة لقوانين الدولة التي تعطي للمواطن الحقوق والحريات، لأن هناك فارقا بين المواطن 

الحر وبين الرقيق Freeman and bondman. إنني على يقين أن مراسيم الحكومة التي انتهكت حريات 

المواطنين لا توجد ضرورة تبررها، وبناء على ذلك، وحيث أن أخذ صلاحيات البرلمان أمر غير جائز، وحيث أن هذه 

المراسيم لا يبررها قانون أو دستور، فإنني أقرر عدم صحتها."

 

وفي أمريكا، حكمت المحكمة العليا الأمريكية عام 1866 في السابقة القضائية الأولى في موضوع القوانين المؤقتة 

بما يلي:

 

"إن دستور الولايات المتحدة يشكل القانون الأعلى الذي يحكم الجميع حكاما ومحكومين في أوقات السلم وأوقات 

الحرب، وتشمل الحماية التي يقدمها الدستور جميع فئات الناس وتحت كل الظروف. ووظيفة سلطة التنفيذ هي تنفيذ 

قواعد القانون وليس خلقها وإصدارها. وإذا كانت الأمة الأمريكية ستضحي بالقواعد العليا التي تكفل الحقوق 

والحريات في كل مرة تعتقد سلطة التنفيذ أنها تمر في مرحلة ضرورة، فإنه لا يجوز لهذه الأمة أن تتوقع أن حكامها 

سيكونون دائما من ذوي الحكمة والاتجاهات الإنسانية، بل عليها أن تتوقع أن رجالا أشرارا من الكارهين للحرية 

سوف يتولون السلطة ويجلسون مكان جورج واشنطن وابراهام لنكولن. وإذا وافقنا على حق هؤلاء الحكام 

بممارسة سلطات استثنائية تأسيسا على وجود حالة الضرورة، فإن عدوانا كبيرا قد يرتكب ضد الحقوق والحريات 

الدستورية استثمارا للحروب والأزمات ... إن أمة ترتضي لنفسها التضحية بالحقوق والحريات التي تكفلها لها قواعد 

الدستور السامية، استجابة للذرائع التي تسوقها سلطة التنفيذ، أمة لا تستحق أن تعيش."

 

وفي السابقة القضائية الثانية والأخيرة حتى الآن، حكمت المحكمة العليا الأمريكية عام 1952 بما يلي:

"إن الصلاحيات التي يمارسها رئيس الجمهورية (كسلطة تنفيذية) يحددها الدستور الأمريكي وما يعطيه له 

الكونغرس من تفويضات. وممارسة الرئيس لكل واحدة من هذه الصلاحيات لها شروطها، بحيث لا يجوز له الخروج 

على هذه الشروط حتى ولو اعتقد أن في ذلك مصلحة الوطن. صحيح أن مسرح الحرب (Theater of War) 

القائمة يشكل حالة ضرورة، (المقصود الحرب الكورية التي كانت قائمة) لكنه لا يجوز التوسع في فهم اصطلاح 

الضرورة هذا، للتمادي على الحقوق والحريات. إننا كقضاة لا نكون مخلصين لدستورنا ولا لنظامنا الدستوري إن 

نحن سمحنا لرئيس الجمهورية بهذا التمادي. إن فهمنا للدستور نصوصا ونظاما أن رئيس الجمهورية، كسلطة 

تنفيذ، مسؤول عن رؤية القوانين قد نفذت بإخلاص، وهذا ينفي في نظرنا إمكانية أن يصبح الرئيس سلطة تشريع 

... إن آباء هذه الأمة (The Founders of this Nation) ائتمنوا صناع القانون من ممثلي الأمة في الكونغرس 

وحدهم ليكونوا سلطة تشريع في الأوقات الجيدة والأوقات السيئة في آن معا. وإذا ما تذكرنا الظروف التاريخية التي 

كان يواجهها آباء الدستور، وما كانوا يتخوفون منه من أن تفتئت السلطة في يوم من الأيام على الحرية، فإننا بيقين 

ننحاز الى الحقوق والحريات ونقرر أن مرسوم رئيس الجمهورية رقم (10340) مخالف للدستور".

 

وفي الأردن، فإنه ليس غريبا أن تحكم محكمتنا العليا قبل اثنتين وعشرين سنة، أي عام 1982 بأنه:

 

"يشترط للإحتجاج بحالة الضرورة ما يلي: 1. وجود خطر يهدد النظام العام، 2. أن يتعذر دفع هذا الخطر بالطرق 

القانونية العادية، ... وأنه يجب أن لا تضحي (الإدارة) بمصلحة الأفراد في سبيل المصلحة العامة إلا بمقدار ما تقضي 

به الضرورة، أي أن لا تتعسف الإدارة بإجراءاتها."

 

وأكثر من ذلك، ففي ضوء ما استقرت عليه مفاهيم الأمم والشعوب لمفهوم الضرورة، وما يؤكده دستورنا في 

الأردن، حكمت الهيئة العامة لمحكمة العدل العليا في قرارها رقم (226/1997) بتاريخ 26/1/1998 (منشور في 

مجلة نقابة المحامين لسنة 1998، ص389) ما يلي:

 

"يستفاد من المادة (94) من الدستور الأردني، بأن الدستور منح السلطة التنفيذية صلاحية إصدار القوانين المؤقتة 

بشرط أن تتوافر الشروط التالية: (1) أن يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحل. (2) وجود حالة ضرورة أي وجود 

أمور تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير. (3) أن لا تخالف القوانين المؤقتة الدستور. وعليه وحيث أن 

مجلس الأمة حين إصدار قانون المطبوعات والنشر المؤقت رقم 27 لسنة 1997 لم يكن منعقدا وأن حالة الضرورة 

المشار إليها في المادة أعلاه، وتتمثل في نشوء خطر جسيم يتعذر مواجهته بالطرق القانونية العادية، كالحرب 

والكوارث والفتن الداخلية، لم تكن متوفرة، فإن معالجة أوضاع الصحافة .... ليس خطرا جسيما داهما ولا وضعا 

طارئا ملحا شأنها شأن الكوارث أو الحروب التي تنشأ فجأة أو الفتنة التي تستوجب مجابهة سريعة لئلا ينتشر 

خطرها فتهدم كيان الدولة. ذلك أن حالة الضرورة تقاس بوجود أحداث مفاجئة تشكل خطرا جسيما، وبما أن 

الأوضاع التي عالجها القانون المؤقت المذكور قائمة منذ شهور سابقة فيكون عنصر المفاجأة والمداهمة قد انتفى 

وبالتالي انتفت حالة الضرورة ... والدليل على ذلك أن القانون المؤقت المذكور قد طلب من الصحف توفيق أوضاعها 

لتلائم نصوص القانون المؤقت خلال ثلاثة أشهر ومن ثم ثلاثة أشهر أخرى أي بعد ستة أشهر وهذا ينفي وجود 

حالة الاستعجال مما يعني إصدار هذا القانون كان يمكن تأجيله الى حين انعقاد مجلس الأمة وبذلك يكون مخالفا 

للدستور."

 

وبعد، فلعل أحكام القضاء السابقة تقول للحكومات الأردنية وأصحاب الفتاوى من حملة المباخر والمطربين من 

اللابسين للعباءات القانونية كفى استهتارا بهذا المجتمع وبهذا الوطن، وكفى تفريغا لنصوص الدستور من محتواها، 

بل وكفى تعميد شهادات الجهل بالقانون لتصبح أسواطا تجلد المبادىء العليا التي قام عليها الدستور وانتهاك 

الحقوق والحريات صباح مساء ثم الإفتاء بأنه ليس من حق القضاء الأردني مراقبة ادعاء الحكومات بتوافر حالة 

الضرورة.

 

وأخيرا فقد ذهب العميد ديجي شيخ القانونيين الدستوريين في فرنسا الى حد القول:

 

"أن من حق كل إنسان أن يقاوم تطبيق تشريع يتعارض مع المبادىء القانونية العليا (المتمثلة في الدستور) بكل 

أنواع المقاومة: بالمقاومة السلبية .... وبالمقاومة الدفاعية ... وبالمقاومة الهجومية ..."، ويضيف: "أن القوة 

الملزمة لمبادىء القانون الأعلى تأتي من أن الإخلال بهذه المبادىء يرتد أثره في الشعور العام، فيحس الجمهور أن 

العدل يقتضي تدخل السلطة العامة لقمع هذا الإخلال، وظاهر أن خطوة أخرى في هذا الطريق، تؤدي به الى أن 

يقول: إذا صدر تشريع باطل يخل بمبادىء القانون الأعلى الملزمة، وأحس الجمهور أن العدل يقتضي تدخل السلطة 

العامة لقمع هذا الإخلال، ولم تتدخل هذه السلطة، فإن الجمهور يستفزه هذا الإخلال شيئا فشيئا كلما تزايدت 

جسامته، حتى إذا أصبح لا يستطيع عليه صبرا تدخل هو بدلا من السلطة العامة وحل محلها في قمعه، وهذه هي 

الثورة". (مقتبس من السنهوري في بحثه، "مخالفة التشريع للدستور"، المرجع السابق ص153).

 

وأمام ما سبق، ولعدم توافر حالة الضرورة بالمعنى السابق، فإن إصدار الحكومة السابقة لقانون الانتخاب، كقانون 

مؤقت، وعلى نحو يشكل خطأ جسيما في الدستور، دون أن تجد أي رادع لها، جعلها تستمرىء هذا الخطأ وتتبعه بـ 

(210) خطيئة أخرى في صورة قوانين مؤقتة، أساءت فيها الى النظام القانوني في الدولة وعبثت به، وأفقدته 

لحمته وتماسكه، وعلى نحو يجعل عسيرا، إن لم يكن مستحيلا، على أي قانونيّ في بعض المجالات، أن يعرف ما 

هي النصوص التي ألغتها القوانين المؤقتة وتلك التي أبقتها على قيد الحياة، في وقت نسعى فيه الى اجتذاب 

مستثمرين يسألون إبتداء عن مدى استقرار القوانين ووضوحها وعن مدى سرعة البت في الدعاوى أمام القضاء.

 

ومع أن أصواتا جريئة في مجلس النواب أبدت احتجاجها وجأرت بالشكوى، إلا أن نسبة من أعطوا الثقة للحكومة 

من أعضاء هذا المجلس غطت على كل شكوى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: رد: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:21

ثالثا:  التنمية السياسية والنقابات المهنية: 

 

يبلغ عدد النقابات المهنية غير العمالية في الأردن (14) نقابة، ويبلغ عدد المنتسبين الى هذه النقابات       

(120.000) عضوا حتى منتصف شهر آب (أغسطس) عام 2003. وإذا كان كل منتسب يقوم على زوجة وأربعة 

أبناء في المتوسط، فتكون النتيجة أن هذه النقابات تقوم على ثلاثة أرباع مليون مواطن ومواطنة من الأردنيين. 

ومثل هذا العدد يشكل (15%) من سكان الدولة الأردنية. وإذا أدخلنا الوالدين تحت مسؤولية المنتسب للنقابة، فإن 

العدد يرتفع الى مليون مواطن أردني وتصبح النسبة 20%.

 

ومن ناحية أخرى، فإن النقابات المذكورة تشكل بيوت خبرة في المجتمع والدولة، اكتسبتها على مر السنين في 

مختلف حقول العلم والمعرفة، حيث زاوجت النواحي النظرية مع النواحي العملية والتطبيقية. وفي الوقت الذي ينتشر 

فيه المنتسبون والمستفيدون من النقابات على كل وحدة اجتماعية أو جغرافية، في المدن والأرياف والبوادي، 

ويشكلون قيادات تخصصية واجتماعية على الأصعدة كافة، فإنهم يكادون يشكلون العمود الفقري للمجتمع المدني 

في الأردن، ويرفدون مؤسسات الدولة بكفاءات وقيادات وظيفية، إبتداء من رئاسة الوزارة وانتهاء بحقول الإنتاج 

وميادينه المختلفة، مرورا بكراسي الوزراء والأمناء العامين وغيرها من المواقع الوظيفية.

 

لكنه خلال السنين الأخيرة، أثارت السياسة حول النقابات رياحا بدأت في الصالونات المغلقة، ثم عبرت أبواب هذه 

الصالونات الى المنتديات ومراكز صنع القرار، حتى تحولت الرياح الى أعاصير سياسية عاتية، أخذت تهزّ النقابات. 

وعندما وصل الإهتزاز الى أعماق كل مؤسسة نقابية، ولم يبق سوى العثور على وسيلة تباشر التهديم المنظم، كان 

الدستور هو الوسيلة الأكثر فتكا والأسرع تحقيقا للنتائج. وهكذا اجتمع المجلس العالي لتفسير الدستور، وأصدر 

قرارا نسب فيه الى نصوص الدستور تفسيرا مؤداه، أن هذه النصوص تمنع إنشاء النقابات، وبالتبعية تجعل وجود 

القائم من هذه النقابات وجودا يخالف الدستور. فلماذا حدث هذا من حكومات تدعي الديمقراطية، وكيف حدث هذا في 

وطنٍ إنسانه أغلى ما يملك، لكن الأغلى عند هذا الإنسان هو الحق والحرية، وما هي السلامة الدستورية لما حدث؟

 

لقد عُرض موضوع دستورية النقابات المهنية على المجلس العالي لتفسير الدستور عام 1993 بناء على طلب 

الحكومة، وذلك من خلال عرض مشروع قانون لإنشاء نقابة للمعلمين. ومع أن عدم دستورية وجود النقابات أو 

الانضمام الإلزامي لها لم يحصل على الأغلبية المطلوبة لإصدار القرار الذي تريده الحكومة، وكان المنطق القانوني 

يقضي باعتبار ذلك ردا لطلب الحكومة واعتبار وجود النقابات والنصوص الإلزامية في قوانينها متفقا مع الدستور، 

إلا أنه تم عرض الموضوع ثانية على المجلس عام 1994، بعد تغيير تشكيل المجلس ليصدر هذا المجلس قرارا 

بالإجماع يقضي بعدم الدستورية، وذلك في أعقاب تغيير القضاة لموقفهم المعارض لموقف الحكومة، وإخراج 

الأعيان المعارضين من عضوية ذلك المجلس.

 

ومن خلال تتبع التسلسل التاريخي للنصوص الدستورية التي أخذ عنها دستورنا، لا نجد تفسيرات أو مدلولات 

أعطيت لها، كتلك التي أعطاها المجلس العالي لنصوص دستورنا، ولا موقفا قانونيا أو سياسيا يعيب على النصوص 

الإلزامية للإنتماء للنقابات المهنية، مثل تلك التي تقارف في الأردن صباح مساء.

 

إن اصطلاح جمعية أو نقابة في الفقه الدستوري الإنجليزي يعبر عنه بكلمة واحدة هي               

(Association). وقد تضمنت النسخة الإنجليزية للدستور البلجيكي في صياغاته ومراجعاته المختلفة عبر السنين 

هذا الإصطلاح بذات مدلوله ومضمونه الدستوري الإنجليزي، حيث ظل قائما في هذا الدستور (البلجيكي)، منذ 

البدايات وحتى الآن. ولذلك تنص المادة (27) من الدستور البلجيكي القائم الآن على ما يلي:

 

“Belgians have the right to enter into associations or partisanships; and this right 

cannot be liable to any preventative measures”

 

وترجمة النص هي: "للبلجيكيين حق تكوين (الجمعيات/النقابات) والأحزاب السياسية، ولا يجوز اتخاذ أية إجراءات 

تمنع من ممارسة هذا الحق".

 

وقد جاءت المادة (21) من الدستور المصري، لسنة 1923، المقابلة للمادة (27) البلجيكية على النحو التالي:

"للمصريين حق تكوين الجمعيات. وكيفية استعمال هذا الحق يبينها القانون".

 

وهكذا وضع المصريون كلمة "جمعيات" ترجمة لكلمة "associations". لكنه، سواء في مصر أو في بلجيكا أو 

قبلهما في بريطانيا، فإن القواعد القانونية التي أنشأت النقابات أو الجمعيات ونظمت أعمالها، صدرت بمقتضى الولاية 

العامة التي تملكها السلطات التشريعية فيها وفي ظل نص يتضمن ذات الإصطلاح سواء باللغة الأجنبية 

"associations" أو باللغة العربية "جمعيات". وقد جرى العمل على هذا النهج في المادة (26) من الدستور 

الليبي لعام 1951 الذي كان ساريا في العهد الملكي، والمادة (13) من الدستور اللبناني لعام 1926 المعدل عام 

1947، والمادة (19) من الدستور الهندي لعام 1949، والمادة (9) من دستور ألمانيا الاتحادية لعام 1949 المعدل 

عام 1956، والمادة (21) من الدستور الياباني لعام 1963 حيث استخدمت هذه الدساتير جميعا اصطلاح "

جمعيات" ـ "associations" ليسري ذات الحكم على النقابات والجمعيات في آن معا. وفي حدود ما بذلناه من 

وقت وجهد، في الإطلاع على الفقه الدستوري والقانوني لدول الدساتير السابقة، فلم نعثر على رأي أو اجتهاد أو 

قرار قضائي، يتطلب إفراد اصطلاح دستوري خاص بالنقابات يخرجه من تحت عباءة اصطلاح جمعيات ـ 

associations، حتى يكون وجودها مشروعا.

 

وقد سارت المادة (16) من الدستور الأردني على نهج الدساتير السابقة ذاته، مستخدمة كلمة "جمعيات" عندما 

نصت على أنه "للأردنيين الحق في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية ...     ]وأن[ ينظم القانون طريقة تأليف 

الجمعيات والأحزاب السياسية ومراقبة مواردها".

 

ويلاحظ أن النص الأردني استخدم نفس العبارات التي استخدمها الدستور البلجيكي، من حيث الحق بإنشاء الجمعيات 

والأحزاب السياسية. وإذا كان الدستور الأردني قد وضع اصطلاح "جمعيات" ترجمة لاصطلاح associations 

البلجيكي، فإن اصطلاح الجمعيات يظل شاملا للنقابات، شأنه في ذلك شأن عائلته البرلمانية، الممثلة في الدساتير 

سابقة الذكر.

 

وأمام ما سبق، فمن غير الممكن أن تحتمل نصوص الدستور الأردني تفسيرا يلغي، أو يلقي بظلال الشك، على وجود 

النقابات المهنية، أو يسلب من السلطة التشريعية ولايتها العامة في إصدار القوانين المنشئة للنقابات والمنظمة 

لعملها، بما في ذلك نقابة المعلمين التي أجهض المجلس العالي ولادتها.

 

ومرة أخرى نؤكد أن النقابات المهنية في الديمقراطيات المعاصرة التي تنتمي دساتيرها الى عائلة النظام البرلماني، 

كما هو حال الدستور الأردني، تعمل في ظل نصوص دستورية مماثلة لتلك الواردة في دستورنا. كما أن الدساتير 

المذكورة أعطت الولاية العامة في التشريع للسلطة التشريعية، واستثناء للسلطة التنفيذية في مجالات محددة 

ومحصورة. ولم نعثر على تفسيرات تتوسع في إعطاء معان للنصوص الاستثنائية أو تقيس عليها أو تجعل من 

الاستثناء أصلا أو تقيد العام، أو المطلق، كما فعل المجلس العالي، أو تعتبر إلزامية الانتماء الى نقابة مهنية سلبا 

لحقوق أو حريات أصحاب المهنة. ويكفي في هذا الصدد أن نقتبس حكم مجلس الدولة المصري الصادر في 

26/12/1950 في ظل المادة (21) من الدستور المصري لعام 1923 المتطابقة كليا مع المادة (16/2) من الدستور 

الأردني.

 

"إن المستقر فقها وقضاء في شأن التكييف القانوني لنقابات المهن، ومنها نقابة المهن الهندسية، أنها، وإن لم تدخل 

في نطاق المؤسسات العامة، وهي المصالح الإدارية العامة ذات الشخصية المعنوية المستقلة عن الدولة، إلا أنها 

تعتبر من أشخاص القانون العام، وذلك لأنها تجمع بين مقومات هذه الأشخاص. فإنشاؤها يتم بقانون أو بمرسوم أو 

بأداة تشريعية أخرى، وأغراضها وأهدافها ذات نفع عام، ولها على أعضائها سلطة تأديبية، ولهؤلاء الأعضاء دون 

سواهم حق احتكار مهنتهم فلا يجوز لغيرهم مزاولتها. واشتراك الأعضاء في نقابتهم أمر حتمي، ولها حق تحصيل 

رسوم الإشتراك في مواعيد دورية منتظمة. ويترتب على ذلك أن قراراتها تعتبر قرارات إدارية مما تجوز الطعن فيها 

من بدعاوى الإلغاء أمام القضاء الإداري." (مجموعة مجلس الدولة، حكم 26/12/1950، ص321).

 

إن مجلس الدولة المصري يؤكد أن الانتساب الى نقابة المهنة أمر إلزامي ولا اختيار فيه لمن يرغب في ممارسة تلك 

المهنة، كما يؤكد أن للمنتسبين الى نقابة المهنة وحدهم حق احتكار ممارسة المهنة، لا فرق في ذلك بين من يعمل 

في القطاع الخاص أو في الوظيفة العامة منهم. وهذا ما يجري عليه العمل في الدول التي تأخذ دساتيرها بالنظام 

البرلماني.

إن الباحث عن الحقيقة لا يملك إلا أن يتساءل: ماذا يعني ذلك جميعه؟ ماذا يعني أن يتم التشكيك بدستورية وجود 

النقابات المهنية و/أو دستورية النصوص الملزمة بالانتساب إليها بعد أكثر من أربعين سنة من قيامها؟ وماذا تعني 

إيحاءات الحكومة في رسالة عرض الموضوع على المجلس العالي؟ بل وماذا يعني أن يتم التشكيك بدستورية وجود 

النقابات المهنية و/أو دستورية النصوص الملزمة بالانتساب إليها بعد أكثر من أربعين سنة من قيامها؟ بل وماذا 

يعني تغيير تشكيل المجلس العالي لتفسير الدستور وإخراج من سبق أن عارضوا القول بعدم الدستورية ثم عرض 

مشروع قانون نقابة المعلمين على هذا المجلس مرة أخرى بعد تغيير تشكيله ليصدر قرار عدم الدستورية بالإجماع، 

وذلك رغم أن محصلة ما توصل إليه المجلس بتشكيله السابق يعتبر رفضا للإستجابة لعدم الدستورية الذي ترغب 

فيه الحكومة؟ وماذا يعني أن يسحب ذات القضاة الذين وقّعوا على دستورية المشروع تواقيعهم ويغيروا موقفهم، 

ليكون القرار الجديد الذي حكم بعدم دستورية المشروع بالإجماع؟ بل وماذا يعني أن ينصب قرار هذا الإجماع على 

نتيجة لم تسبقها حيثيات أو تسبيبات تقود إليها كأي حكم أو قرار قضائي؟ إنها السياسة، قصيرة النظر، أرادت أن 

تنحني النقابات أمامها لتمرير سياسات معينة، فلم تجد وسيلة سوى القتل. ومع كل هذا التجاوز على الدستور، فإن 

قرار المجلس العالي رغم عدم سلامته في نظرنا، يظل جزءا من البناء القانوني في الدولة، حتى يعود المجلس عن 

قراره، ومن ثم فإنه أمام ما سبق، فإن على السياسة أن تأخذ درسا وعبرة من أخطائها فيما حدث، وتتعامل مع 

النقابات، ما دام القرار قائما، على أساس أن ما قرره المجلس العالي خاص بنقابة المعلمين وحدها ولا ينسحب على 

باقي النقابات. ومن جهة أخرى، فإن المقارنة بين المادتين (122) المتعلقة بقرارات المجلس العالي والمادة (123) 

المتعلقة بقرارات الديوان الخاص، تقطع بأن من حق النقابات المهنية أن تعتبر أن قرار المجلس العالي لا صلة له 

بوضعها الدستوري مهما اجتهدت السياسة بشأنه، وأن ما تعتبره السياسة سيفا مصلتا على أعناق النقابات هو سيف 

لا قيمة له في ضوء أحكام الدستور نصا وروحا، وأن على هذه النقابات أن تسير قدما في ممارسة دورها، وذلك 

حتى تساهم في تنمية المجتمع المدني وفي التنمية السياسية المطروحة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: رد: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:22

رابعا:   التنمية السياسية والحريات السياسية:

 

أ.       التنمية السياسية كشعار يبحث عن مضمون:

 

وفقا للمعروف والمألوف في علم الاقتصاد السياسي، فإن كلمة تنمية ترتبط بكلمة اقتصاد، ليصبح الاصطلاح السائد 

لدى الدول هو اصطلاح "التنمية الاقتصادية". وهذا الاصطلاح المستقر في الاقتصاد السياسي، أصبح له مفاهيم 

ووسائل تتبعها الدول، تتمثل في قطاعات اقتصادية محصلتها أرقام في مجال المال والعمل، يتم استخدامها لتحقيق 

غايات معينة خلال مدد زمنية محددة تتمثل في زيادة النمو بنسب مالية مأمولة. وإذا كانت الأسس العامة النظرية 

للتنمية الاقتصادية لا تختلف من دولة الى أخرى، فإن الاختلاف بين الدول لا يكون في نوع الوسائل والمعطيات، بل 

في درجة  توظيف هذه الوسائل والمعطيات وحجمها ومداها وفتراتها الزمنية لتحقيق زيادة على الوسائل والمعطيات 

التي شكلت الأساس، بالنسبة المئوية المأمولة. بعبارة أخرى، فإن التنمية الاقتصادية تعتمد في وسائلها بشكل 

جوهري على إحصاءات وطرائق وأرقام، عمادها الحساب والمنطق الرياضي.

 

أما اصطلاح التنمية السياسية، فيكاد يكون اصطلاحا تمت استعارته من علم الاقتصاد مجردا عن السياسة، عله يكون 

مفيدا عند استخدامه في علم السياسة مجردا عن الاقتصاد. ولذلك، فإن هذا الاصطلاح، التنمية السياسية، سيظل 

فترة من الزمن عنوانا يبحث في الأردن عن مضمون يستقر تحته. وبالنظر الى أن هذا الاصطلاح حديث الصنع، فإن 

فترة انتظار استقرار مضمونه قد تطول، إلا إذا كان هذا الاصطلاح قد تم طرحه ليخدم مرحلة لا تلبث أن تنتهي، 

فيختفي الاصطلاح ومعه أي حصيلة من المضمون تكون قد تجمعت له.

 

وعلى افتراض أن هذا الاصطلاح وجد ليستمر في العيش، فإنه يشكل عنوانا لموضوع اجتماعي يدخله في باب 

الحاجات الإنسانية، التي تبحث في حياتها اليومية الآنية وفي تطلعاتها المستقبلية عن توازن بين ما هو حق وما هو 

واجب، بين توازن في حاجات أفراد يشكلون مجتمعا تحكمه سلطة وبين السلطة التي تحكم هذا المجتمع. وإذا كانت 

شبكة القواعد والأنظمة التي تحكم ذلك المجتمع وأفراده، قد أُخذت عن دول حققت شعوبها في ظلها توازنا بين ما 

لهم من الحقوق والحريات في مواجهة السلطة في الدولة وما عليهم من الواجبات نحو تلك السلطة، فإن المفروض 

أن تكون غاية التنمية السياسية تحقيق ما وصلت إليه الشعوب المذكورة من توازن. وعلى هذا، فإن التنمية 

السياسية في الأردن ينبغي أن تعني تطلعا نحو تحقيق التوازن في المجتمع الأردني بين ما له وما عليه، بين حقوقه 

وحرياته في مواجهة سلطة الحكم داخل الدولة وبين واجباته نحو الدولة، وذلك أسوة بالشعوب والدول التي أُخذت 

عنها شبكة القواعد والأنظمة المذكورة. فالمواطن الإنجليزي أو الفرنسي أو الألماني، أو في العالم الغربي عموما، لا 

يعاني من فقدان التوازن بين ما له وما عليه، بين ماله من حقوق وما عليه من واجبات. ولقد بذل هذا الإنسان 

الغربي الكثير من أجل الوصول الى هذا التوازن. وللحفاظ على التوازن المطلوب فقد وضع له هذا الإنسان مبادىء 

وأطرا وقواعد تضبط تلك الحقوق والواجبات على نحو تفصيلي التزم بها من تخاطبهم من الطرفين، الأفراد والسلطة 

التي تحكمهم داخل الدولة، من خلال وسائل أُعطيت لكل طرف تكفي لإلزام الطرف الآخر بمقتضاها. وبتطبيق ما 

أخذناه عن العالم الغربي في الأردن، نجد أن التوازن الذي يتطلع إليه المواطن الأردني والمجتمع الأردني ينطلق من 

متطلبات أو مفترضات متتابعة تشكل سلسلة مترابطة الحلقات كل واحدة منها تشكل أساسا للتي تليها.

 

وبشكل جوهري، فإنه يُفترض في الدستور، أن يرسم التوازن بين حقوق الناس وحرياتهم من جهة، والتزاماتهم 

وواجباتهم من جهة أخرى، في صورة مبادىء عامة وقواعد كلية تضع تفصيلاتها قوانين يُفترض فيها أن تكون 

ناضجة ومتوازنة، تصدر عن برلمان يُفترض أن تشكيله قد تم وفقا للدستور وبناء على انتخاب حر يُفترض فيه أنه 

يمثل الإرادة الحرة للمواطنين، بحيث يُفترض في هذا البرلمان أنه صاحب ولاية عامة في التشريع يمارسها على نحو 

يُفترض فيه القناعة التامة بهذه الولاية وأن يمارس دوره في الرقابة على نحو يُفترض فيه أن يشمل الحكومات 

والمال العام والأجهزة دون خشية من أحد أو مقايضات بمصالح خاصة.

 

إنها متطلبات أو مفترضات سبعة، كل مفترض فيها يشكل متطلبا سابقا لمن يليه، ويؤدي تفاعلها المترابط الى تحقيق 

منتوج يسمى الحرية.

 

إن العقل هو الذي يشكل المحرك الأساسي في الحياة، وهذا العقل لا يستطيع أن ينتج نموا في أي مجال، إن كان 

خائفا. وهكذا، فإن الحرية هي المتطلب الأساسي للعقل الذي ينبغي أن ينتج النمو، لأنها هي التي تشكل المنطلق لكل 

نمو في كل ميدان. ومن هنا فإن دساتير الديمقراطيات المعاصرة تبدأ بالنصوص التي تبين الأحكام المتعلقة بحريات 

المواطنين وحقوقهم وواجباتهم كغايات وبعدها  تتحدث عن وسائل وصلاحيات السلطة كمفترضات تهدف ممارستها 

الى تحقيق تلك الغايات.

 

وإذا كان الدستور الأردني قد أخذ بنفس النسق الغربي، تنظيما وتأصيلا ونصوصا من حيث الجانب النظري، سواء 

في إبتدائه بالحقوق والحريات والواجبات، أو في تنظيمه بعد ذلك للسلطات ووسائلها وصلاحياتها كمفترضات، فإن 

قيام حياة سياسية متوازنة بالمضمون الغربي لم يتحقق في الأردن، وذلك بسبب غياب أو تغييب عناصر المفترضات 

السابقة. ذلك أن عدم تحقق أي مفترض من تلك المفترضات يغيب المفترض اللاحق له أو يدفعه الى السير في طريق 

أو قنوات لا صلة لها بالمطلوب، وتكون النتيجة أن تصبح الحقوق والحريات من الناحية الواقعية في واد وما تغيته 

النصوص الدستورية وما هدفت الى تحقيقه في واد آخر.

 

فالدستور الأردني ينص على حقوق وحريات للمواطن الأردني، ومنها على سبيل المثال حقه في الحرية، وفي حرمة 

المسكن، وحق التملك والعمل وحرية القيام بشعائره الدينية، وحرية الرأي والتعبير والنشر، وحرية الصحافة 

والطباعة، وحق الاجتماع، وحق تكوين الجمعيات والنقابات، والحق في تكوين الأحزاب السياسية، والحق في 

مخاطبة السلطات السياسية في أمورهم الخاصة والأمور المتعلقة بالشأن العام، والحق في سرية المراسلات، وفي 

تأسيس المدارس الخاصة، والحق في التعليم، وفي تولي المناصب العامة، والحق في الترشيح للمجلس النيابي، 

والحق في انتخاب ممثليه في المجلس النيابي وفق انتخابات حرة مباشرة وسرية، والحق في سلامة الانتخابات، 

والحق في تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات، والحق في عدم انفراد الحكومة في السلطة وعدم تغييب الحياة النيابية، 

والحق في قضاء عادل مستقل سليم من تدخل الحكومات في عمله والتأثير عليه لا سلطان عليه لغير القانون، والحق 

في أن يكون فرض الضرائب محققا للمساواة والعدالة الاجتماعية، والحق في أن لا تتجاوز الضرائب مقدرة 

المواطنين، والحق في وجود رقابة صارمة على إيرادات الدولة ونفقاتها، والحق في إخضاع المسؤول للحساب، 

والحق في سيادة القانون على الحاكم والمحكوم، والحق في عدم مخالفة أي سلطة من السلطات لأحكام الدستور 

والقانون.

 

تلك هي أمثلة من الحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور الأردني، شأنه في ذلك شأن الديمقراطيات المعاصرة. 

فهل هذه الحقوق والحريات قائمة وموجودة في الممارسة كما هو الحال في الديمقراطيات المذكورة؟

 

وقبل الإجابة على السؤال نقول، أنه فيما عدا حق تكوين الجمعيات والنقابات والأحزاب الذي يستمده المواطن 

الأردني من الدستور مباشرة، فإن باقي الحقوق والحريات ينبغي وفقا للدستور أن ينظمها ويضع التفصيلات بشأنها 

القانون، وهذا هو الحال في الديمقراطيات المعاصرة أيضا. لكنه إذا كان القانون في تلك الديمقراطيات قد شكل وسيلة 

لرعاية الحقوق والحريات المذكورة، ولفتح الآفاق الرحبة أمام ممارستها، ثم حماية هذه الممارسة من اعتداء 

الحكومات وأجهزتها عليها، فقد غدت بعض نصوص القانون عندنا أداة لتقييد الحقوق والحريات أو سلبها، في حين 

أن البعض الآخر من تلك النصوص أعطى للحكومات من الصلاحيات والوسائل ما يجعل من ممارسة تلك الحقوق 

والحريات رهينة بين يديها، لتكون هذه الممارسة كما تشاء الحكومات وحدها، وفي الحدود التي تشاء وحدها، وفي 

الوقت الذي تشاء وحدها، تقرر ما تريد لمن تريد، وتحجب ما تريد عمن تريد، حتى وصل الأمر بالحكومات الى جعل 

الحق المستند الى الدستور مباشرة في تكوين النقابات والأحزاب فارغا من مضمونه عن طريق القوانين التي 

أصدرتها الحكومات، رغم أن الدستور لا يتطلب أن يكون تنظيم هذا الحق بقانون، نظرا لأن المادة (16/3) من 

الدستور تنص على أن ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والأحزاب ومراقبة مواردها وليس الحق بإنشاء الأحزاب 

ذاته. ولقد وصل الأمر في ممارسات الحكومات لسلطاتها الى حد التعسف في حق السلطتين التشريعية والقضائية. 

ومع ذلك، لم تُحاسب على الخروج على الدستور حكومة، كما لم تحاسب على التغول على الحقوق والحريات 

حكومة، منذ نشأة الدولة الى وقتنا هذا. ومع تغييب الشعب عن الرقابة والحساب، وصل الأمر بالحكومات الى العبث 

بنصوص الدستور إلغاء وتبديلا وتعديلا، حتى يحظى انفراد الحكومات بالسلطة على حساب السلطات الأخرى، 

باستنادٍ الى نصوص جديدة أفقدت الدستور توازنه، وطردته من بيت العائلة البرلمانية شكلا ومضمونا، ليصبح 

مهجنا لا يعرف نسبا أو انتماء لأصل. وحتى النصوص الدستورية التي بقيت على حالها، فقد أُعطيت مضامين تخدم 

أغراضا مصلحية آنية وقصيرة النظر للحكومات.

 

 
 

ومؤدى ما سبق، فإنه جوابا على السؤال الذي أخّرنا إجابته، فإن الحقوق والحريات الدستورية، المأخوذة نصوصها 

من دساتير الديمقراطيات المعاصرة، غيبتها الممارسات في الأردن، وعندما وصل تدهور الحال خلال خمسين سنة 

من العبث بنصوص الدستور، والممارسات الحكومية الخاطئة، الى حدٍ انكشفت معه عورة الحكومات، ولم تعد تجد 

قضية أو حدثا أو أسبابا تتستر بها أمام شعب عضه ناب الجوع، رغم أن نسبة الحاملين للشهادات الجامعية والعليا 

فيه أكثر من مثيلتها في أية دولة غربية أو عظمى، تم طرح شعار التنمية السياسية. لقد كان لدى الحكومة الحالية 

من الشجاعة ما يجعلها تعترف بالحاجة الى التنمية السياسية، وتطرح الموضوع كعنوان يبحث عن مضمون. ولكن 

على الرغم من شجاعة الطرح والإقرار بالحاجة إليه، فإن أكثر ما نخشاه، هو أن تستحوذ على وضع مضامينه فئات 

بعينها، من أصحاب الفتاوى الجاهزة، التي تستوحي رغبات المسؤول لتكتبها، مع أن هذه الفئات ومثيلاتها هي التي 

أوصلت الحال الى حد انكشاف العورات عند الحكومات. كما أن ما نخشاه أيضا هو أن يكون طرح شعار التنمية 

السياسية وقتيا مرحليا، إنحناء أمام عاصفة يزول بزوالها، أو خاصا بحكومة قائمة يتنكر له من يأتي بعدها من 

الحكومات.

على أنه حتى لا يظل الحديث في إطار شرح أسباب طرح الشعار وعموميات المفترضات الغائبة أو المغيبة، فسوف 

نعرض لأمثلة من ممارسات حكومات أوصلت شعبها الى أودية سحيقة، تريد الحكومة القائمة أن تخرجهم وتنقذهم 

منها، بحيث يقترن مع هذا الطرح، مقترحات نقدمها لتندرج تحت الشعار علّها تشكل بعض الدرجات في سلم الخروج 

من الوادي كطريق للإنقاذ.

 

ب.   الترخيص الدستوري لتغوّل الحكومات:

 

إذا كان الدستور هو الذي يشكل أساس الحياة السياسية والممارسة السياسية داخل الدولة الأردنية ويشكل في ذات 

الوقت السقف الذي ينبغي لهذه الممارسة أن تصل إليه، ثم الأعمدة والمبادىء والقواعد التي تحمل تلك الممارسة، 

فضلا عن الجدران الفاصلة بين المباحات والمحظورات، فإن منطلق البداية في التنمية السياسية يبدأ من أحكام 

الدستور في صورته المتوازنة ولا شيء غيرها.

 

لقد صدر دستورنا الأردني في 1/1/1952، وتم نشره على الصفحة (3) من عدد الجريدة الرسمية رقم (1093) 

الصادر بتاريخ 8/1/1952. وقد أخذنا أحكام هذا الدستور وقواعده عن الدستور الإنجليزي المنشىء للنظام 

البرلماني في العالم من خلال الدستور البلجيكي لعام 1921، وتأثرنا بالترجمات العربية للعديد من الإصطلاحات 

الأجنبية المأخوذة من الدستور الإنجليزي، التي قامت بها مصر عند وضعها لدستورها عام 1923، ليرث هذه 

الترجمات الفكر الدستوري العربي نصوصا وفقها. يتكون الدستور الأردني من (127) مادة إضافة الى (4) مواد 

أخرى شكلية، وخلال الفترة الممتدة منذ صدوره في كانون الثاني عام 1952 وحتى كانون الثاني عام 1984، أي 

(32) سنة، جرى على الدستور (32) تعديلا.

 

وحيث أن نصوص الدستور وأحكامه، التي تحقق التوازن بين السلطات، ثم بين هذه السلطات وأبناء المجتمع، تشكل 

المفترض الأساسي والجوهري لكل حياة سياسية متوازنة، فلننظر إذن في أحكام هذا الدستور، كيف كانت وكيف 

أصبحت:

 

إن المادة (24) من الدستور التي تنص على أن: الأمة مصدر السلطات، وتمارس الأمة سلطاتها على الوجه المبين 

في الدستور، تشكل المفترض الأساسي والمنطلق الأول للحكم.
 

إن الأمة/الشعب لا تستطيع أن تمارس السلطة مباشرة بنفسها، ومن ثم فإن أول خطوة في ممارستها لسلطاتها، هو 

انتخاب من يمثلها في صورة مجلس نيابي يباشر سلطة التشريع، ويعطي للحكومة التي يتم تكليفها الثقة، ليصبح 

وجودها مشروعا وممارستها لسلطة التنفيذ مشروعة. ولضمان استمرار سلامة أداء الحكومة، يكون لهذا المجلس 

النيابي حقا دستوريا في استمرار مراقبة هذا الأداء، وعلى نحو يستطيع فيه أن ينهي حياة الحكومة عن طريق 

سحب الثقة منها، عندما يتبين أنها انحرفت أو أساءت أو تجاوزت حدودها. من هنا أوجبت المادة (54/3) من 

الدستور على كل حكومة أن تتقدم ببيانها الوزاري الذي يشكل خطة عملها الى ممثلي الشعب، مجلس النواب، من 

أجل أن يكون نيل الثقة على أساسه، وأن تكون المحاسبة استنادا إليه.
 

لكن التعديل الذي أجري على المادة في 4/5/1958 اعتبر خطاب العرش بيانا وزاريا إذا كان تشكيل الحكومة قد تم 

أثناء الفترة التي يكون فيها مجلس النواب غير منعقد أو منحلا.

 

ولقد وصل الأمر بالمجلس العالي لتفسير الدستور في موضوع حكومة تشكلت أثناء فترة عدم الانعقاد بتاريخ 

21/11/1991 وافتتح جلالة الملك الدورة العادية بخطاب العرش بتاريخ 1/12/1991، أي بعد عشرة أيام من 

التشكيل، نقول وصل الأمر بالمجلس في تفسيره للمادة (54/3) الى حد التأكيد بأن "خطاب العرش يعتبر حكما هو 

البيان الوزاري الذي يتوجب على الوزارة أن تطلب الثقة على أساسه" (قرار المجلس العالي رقم 3 لسنة 1991)، 

جاعلا بذلك من النص حكما آمرا لكل الحكومات، رغم أن منطق النص وحكمته لا تحتمل مثل هذا المدلول، وذلك 

كوسيلة لتجنيب حكومة بعينها مواجهة مجلس النواب وما يترتب على هذه المواجهة من تقييم للحكومة ونقدها من 

خلال مناقشة بيان وزاري ليس في النصوص الدستورية ما يمنعها من تقديمه.

 

وهكذا، فقد أصبح من شأن هذا التعديل ثم التفسير أن يضع الملك في مواجهة النواب، وتكون النتيجة إحراج النواب 

وبالتالي السكوت عن مناقشة خطاب العرش أو عدم نقده أو تقييمه، استنادا الى مقولة ابتدعتها الحكومات مقتضاها 

أن في النقد والتقييم المذكورين مساس بالملك، وبالتالي تحصل الحكومة على ثقة المجلس حرجا أو خجلا لا قناعة، 

في حين أن حكم الشعوب وممارسة السلطة عليها لا تتم عن طريق التخجيل وتجنب الإحراج!! وكنتيجة لذلك، فقد تم 

غض النظر عن إضعاف مجلس النواب من أجل تهيئة المزيد من الحرية للحكومات لتتغول على سلطة ممثلي الشعب.

 

وبالنظر الى أن مجلس الأعيان جزء من سلطة التشريع ويشكل مع مجلس النواب مجلس الأمة صاحب الولاية في 

التشريع، فقد كانت المادة (65) من الدستور قبل تعديلها تعطي للمجلس ولأعضائه ضمانات للقيام بدوره على أفضل 

وجه. فهذه المادة كانت تنص على أن مدة العضوية في مجلس الأعيان ثماني سنوات، ويتجدد نصف الأعضاء كل 

أربع سنوات، ويجري الاقتراع على من يجب خروجهم في نهاية الأربع سنوات الأولى، ويشمل الاقتراع رئيس 

المجلس بصفته عضوا. ويترتب على ذلك، أن أول مجلس أعيان يتشكل عند صدور الدستور تكون مدته ثماني 

سنوات، ولكن بعد أربع سنوات، يخرج بالاقتراع فيما بين الأعضاء نصفهم ويتم تعيين بدل هذا النصف أعضاء لمدة 

ثماني سنوات. وبعد مرور أربع سنوات أخرى على الأربع الأولى تكون قد انتهت مدة النصف الثاني من أعضاء 

المجلس فيتم تعيين النصف الثاني لثماني سنوات، وهكذا. ومؤدى هذا، أن يبقى دائما في مجلس الأعيان نصف عدد 

الأعضاء قدامى مضت عليهم أربع سنوات عند تعيين النصف الجديد الثاني، وبالتالي يكون في مجلس الأعيان دائما 

نصف أقدم، يسلم الخبرة المتراكمة والتقاليد المتراكمة الى النصف الأحدث. وإذا أضفنا الى هذا الأسلوب المستقر في 

دساتير النظم البرلمانية في استمرارية توفير تراكم الخبرة، أن الأشخاص الذين يعينون أعضاء في مجلس الأعيان 

يتم اختيارهم من بين فئات محددة بالدستور لتعويض نقص الخبرات والكفاءات والتخصصات في المجلس النيابي 

التي تسفر عنها الانتخابات النيابية، لأدركنا مدى حرص الدستور على الدور الذي يبتغيه من مجلس الأعيان. وفوق 

ذلك،فإنه لتعزيز هذا الدور، تكفلت المادة     (34/4) قبل تعديلها بإعطاء حصانة للأعيان تتمثل في عدم جواز حل 

مجلسهم أو عزلهم من العضوية أو إعفائهم منها، ومن شأن هذه الحصانة تمكين الأعيان من القيام بدورهم في 

التشريع، ومناقشة الحكومات والرقابة عليها، من خلال الأسئلة والاستجوابات التي يوجهونها لتلك الحكومات، دون 

خوف من العزل أو إنهاء العضوية لأي منهم.
 

 

 

لكن المادة (65) من الدستور عدلت في 1/11/1955 على نحو قصر مدة العضوية الى أربع سنوات، وتمت إضافة 

فقرة رابعة الى المادة (34) في 10/11/1974 أجازت للحكومة حل المجلس وعزل أي واحد من الأعيان، شأنه في 

ذلك شأن أي موظف يخضع للعزل من وظيفته، وذلك من خلال استصدار إرادة ملكية يوقعها رئيس الوزراء والوزير 

المختص بهذا الحل أو العزل. وهكذا تم إنهاء دور مجلس الأعيان كخبرة متراكمة تعوض نقص مثلها في مجلس 

النواب، عن طريق تقصير مدته، وإفقاده استقلاله، وإضعاف مركز أعضائه، وإنهاء دوره الرقابي على الحكومات، 

بعد أن أصبح قابلا للحل وأصبح أي واحد من أعضائه قابلا للعزل، حتى دون الحاجة الى سبب. وبهذا أفقدت 

التعديلات مبررات وجود مجلس الأعيان، خلافا لما يتطلبه التوازن المطلوب في النظام البرلماني، وزادت في سلطة 

الحكومات على حساب سلطة التشريع.

 

وترتيبا على إضعاف مجلس الأعيان وأعضائه في مواجهة الحكومات، وجعل استمرارية العضوية في مجلس الأعيان 

خاضعة لمزاجية الحكومات، فقد تم تعديل الدستور على نحو أفقد المجلس العالي لتفسير الدستور هويته القضائية 

وطابعه القضائي من أجل جعلها هوية سياسية تؤثر فيها الحكومات. فالمادة (122) من الدستور تعطي للمجلس 

العالي حق تفسير أحكام الدستور. وقد كانت المادة (57) تنص على أن يرأس المجلس العالي رئيس أعلى محكمة 

نظامية (أي محكمة التمييز)، لكن التعديل الذي جرى على المادة المذكورة في 4/5/1958 جعل رئاسة المجلس 

لرئيس مجلس الأعيان بدلا من رئيس أعلى محكمة. ولقد حققت الهوية السياسية المستجدة للمجلس العالي، بالإضافة 

الى العبث بتشكيلته كلما رغبت الحكومة بذلك، كما أسلفنا، الغاية التي استهدفتها الحكومات من ورائها، وقرارات 

المجلس العالي التي تعطي لنصوص الدستور المدلولات التي ترغب فيها الحكومات خير شاهد ودليل.
 

وهكذا تم اجتذاب المجلس العالي لتفسير الدستور الى حظيرة الحكومات، بعد إفقاد مجلس الأعيان الأم لدوره الرقابي 

على الحكومات وإضعاف دوره التشريعي.

 

وفقا للمادة (68) من الدستور، فإن مدة مجلس النواب أربع سنوات شمسية، ويجب أن يتم إجراء الانتخابات خلال 

الشهور الأربعة التي تسبق إنتهاء مدة المجلس. ومن أجل أن لا يكون هناك أي غياب للحياة النيابية، فقد أعطت حقا 

للملك في تمديد مدة المجلس لسنة أو سنتين. فإذا لم تكن الانتخابات قد تمت عند انتهاء مدة المجلس والتمديد لم 

يحدث فإنه حتى لا تغيب الحياة النيابية، أكدت المادة المذكورة على أن يبقى المجلس قائما حتى يتم انتخاب المجلس 

الجديد.
 

 
 

ومن جهة أخرى، فإنه بالنظر الى أن حق مجلس النواب في حجب الثقة عن الحكومة أو سحبها منها يستتبع 

استقالتها،  فإنه في مقابل ذلك، أعطى الدستور للحكومة الحق في حل مجلس النواب (مواد: 34، 73، 74) من 

الدستور. لكنه حتى لا تطول غيبة الحياة النيابية أوجب الدستور على الحكومة إجراء الانتخابات واجتماع المجلس 

الجديد بعد تاريخ الحل بأربعة أشهر على الأكثر، بحيث إذا لم يتم الانتخاب عند انتهاء الشهور الأربعة، يستعيد 

المجلس المنحل كامل سلطاته الدستورية، ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله الى أن يتم انتخاب 

المجلس الجديد (الفقرتان 1 و2 من المادة 73) من الدستور.

 

إن هذا الحرص في النصوص الدستورية على عدم غياب الحياة النيابية أو تغييبها لأكثر من أربعة شهور، قابلته 

الحكومات بالاستهتار الكامل، وتحايلت على النصوص لتغييب الحياة النيابية واغتصاب سلطة التشريع والإساءة 

للنظام القانوني للدولة.

 

ومع حرص الدستور، وفقا لما سبق، على عدم غياب أو تغييب الحياة النيابية، فقد حدث في أعقاب الاحتلال 

الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967 واستحالة إجراء الانتخابات فيها عند انتهاء مدة مجلس النواب التاسع 

واستنفاذ التمديدات الدستورية له، أن عالجت الحكومات الموقف عن طريق تعديل الدستور، حيث جمعت مجلس 

الأمة وأضافت الفقرة    (4) الى المادة (73) بتاريخ 7/2/1976، التي نصت على جواز تأجيل الانتخابات إن وجدت 

ظروف قاهرة. وأيا كان الرأي بسلامة هذا الأسلوب من العلاج، فقد أصبحت الفقرة المذكورة جزءا من الدستور. 

ومع أن الأسباب الموجبة لنص الفقرة معروفة للحكومات، وعلى الرغم من أن مضمون النص وشرط الظروف 

القاهرة الذي استوجب توافره قبل استخدامها، يبين متى يكون استخدامها، إلا أن هذه الفقرة استخدمت من قبل 

الحكومات على نحو يشكل وصمة عار في جبين الدستور والنظام البرلماني، عندما أجلت الحكومة الراحلة الانتخابات 

لمدة عامين، دون أن يوجد أي سبب أو أي ظرف قاهر أو غير قاهر لهذا التأجيل.

 

وهكذا، فقد تحولت الفقرة (4) من المذكورة الى سكين يذبح التوازن في الدستور الأردني، لتستحوذ الحكومة بعد 

الذبح على سلطة التشريع دون وجه حق، وتصدر (211) قانونا مؤقتا أفسدت فيها بنيان النظام القانوني برمته 

وأفقدته ترابطه وتوازنه الى عقد قادم من الزمان على أقل تقدير.

 

كانت المادة (74) من الدستور تنص على أن الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها تستقيل من الحكم خلال 

أسبوع من تاريخ الحل، على أن تتولى إجراء الانتخابات النيابية حكومة انتقالية. وهذه المادة تحديدا تشكل المحور 

الجوهري لإقامة التوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ولا يستغني عنها دستور في النظام البرلماني، 

بحيث إذا فقدت هذه المادة من دستور، خرج من عائلة النظام البرلماني لا محالة. ووجه الأهمية في هذه المادة، أن 

الاختلاف بين الحكومة ومجلس النواب من الأمور المألوفة في الحياة السياسية، فإن وصل الخلاف بين الفريقين حدا 

أصبح التعايش بينهما غير ممكن، كان لكل فريق أن ينهي وجود الآخر. وكما أن لمجلس النواب الحق في سحب 

الثقة من الحكومة ودفعها للاستقالة، ليصار الى تشكيل حكومة جديدة تتعايش معه، فإن للحكومة أيضا الحق في حل 

مجلس النواب أيضا ليصار الى الاحتكام للشعب مصدر السلطة، وإجراء انتخابات لمجلس نيابي جديد، مع ملاحظة أنه 

لا يجوز حل هذا المجلس الجديد لذات السبب الذي تم حل المجلس السابق استنادا إليه. وحتى لا تفيد الحكومة التي 

قامت بالحل من تصرفها وتؤثر على سير الانتخابات محاباة لأنصارها على حساب خصومها في المجلس المنحل، 

أوجبت دساتير النظام البرلماني على هذه الحكومة أن تستقيل، لتتولى إجراء الانتخابات حكومة انتقالية بريئة من دم 

الفريقين، كما كانت تنص المادة (74) المذكورة قبل التعديل، حيث يكون للشعب إما إعادة انتخاب النواب الذين 

اختلفوا مع الحكومة، فيكون ذلك حكما من الشعب على سوء تصرف الحكومة، وإما انتخاب آخرين مكان أولئك 

النواب، فيكون ذلك حكما من الشعب على سوء مسلك النواب.
 

لكن حكم المادة المذكور تم إلغاؤه من الدستور الأردني بموجب تعديل جرى على المادة (74) في 4/5/1958، 

لينهار بهذا الإلغاء التوازن الذي يوجبه أي دستور ينتمي الى النظام البرلماني، ولتصبح الحكومات سيدة السلطات 

تحكم كما تريد وتفتئت على مجلس النواب كما تريد. أما المادة (24) من الدستور التي تنص على أن الشعب مصدر 

السلطات ويمثله نوابه المنتخبون، فليرحمها الله من أجل أن تخلي طريق السلطات للحكومات بدلا من الشعب.

 

هذا، وعلى الرغم من أن نص المادة (74) بوضعها الحالي يمنع حل المجلس النيابي الجديد لذات أسباب حل المجلس 

القديم السابق عليه، إلا أن الحكومات لم يعد يعنيها في الواقع العملي ذكر أي سبب لحل مجالس النواب المتعاقبة، 

متجاهلة بذلك حكم النص القائم، تماما وكأن وجوده في الدستور لا يعنيها، وبالتالي لم يعد أحد يعرف لماذا يتم حل 

مجالس النواب قبل انتهاء مدة الأربع سنوات شمسية التي يؤكد عليها الدستور في نصوصه.

وفقا للمادة (78/3) من الدستور قبل تعديلها، فقد كانت مدة الدورة العادية لمجلس الأمة ستة شهور. ومنذ عام 

1954 تم تعديل المادة المذكورة لتصبح الدورة العادية لمجلس الأمة أربعة شهور بدلا من ستة، ولتصبح فترة عدم 

انعقاد المجلس ثمانية شهور في العام.
 

وهكذا، فإن الحكومات بتعديل المادة المذكورة، أصبحت تفلت من رقابة مجلس الأمة، ومجلس النواب بالذات، أطول 

فترة ممكنة في العام وهي ثمانية شهور، وغدت فترة أربعة أشهر الدورة غير فاعلة أو غير كافية لا لرقابة مجلس 

النواب على حكومات تتغول على ما عداها كل يوم، ولا لإعداد قوانين ناضجة في مجال الحقوق والحريات أو في 

غيرها.

 

كانت المادة (94) من الدستور قبل تعديلها تعطي للحكومة صلاحية إصدار قوانين مؤقتة لمواجهة طوارىء تتمثل 

حصرا في الكوارث العامة، وحالة الحرب والطوارىء، والحاجة الى نفقات مستعجلة لا تحتمل التأخير. وكانت المادة 

تشترط لممارسة الحكومة لهذه الصلاحية المحصورة أن يكون المجلس غير منعقد فحسب، مقتفية بذلك إثر المادة 

(40) من الدستور الأردني لعام 1928، والمادة (53) من الدستور الأردني لعام 1946. لكن هذه المادة تم تعديلها 

في 4/5/1958، وأضيفت الى عبارة غير منعقد عبارة أو منحلا، وأُلغي التحديد الحصري لحالتي الكوارث ثم الحرب 

والطوارىء، وأصبح شرط إصدار القانون المؤقت توافر حالة الضرورة.
 

 
 

ويلاحظ أن التعديل زاد من سلطات الحكومة على حساب مجلس الأمة. ذلك أنه وفقا للنص الأصلي للمادة (74/1) 

فإن الفترة التي يكون فيها مجلس الأمة منحلا لا يجوز أن تتعدى الشهور الأربعة. لكن الفقرة (4) من المادة (73) 

التي أصبحت تستخدم لتأجيل الانتخابات كما تريد الحكومات دون وجه حق، وبالتالي إطالة الفترة التي يكون فيها 

مجلس الأمة منحلا لسنوات، جعل لكلمة منحلا ميدانا واسعا أمام الحكومات لتعبث بالتشريعات كما تريد. ومن ناحية 

أخرى، فإنه على الرغم من أن المادة (13/1) من الدستور بينت ماهية حالات الضرورة عندما أعطت أمثلة لها 

كالحرب أو الخطر العام أو الحريق أو الطوفان أو المجاعة أو الزلزال ... الخ، وعلى الرغم من أن محكمة العدل العليا 

أخذت بالتحديد السابق لماهية حالة الضرورة، إلا أن الحكومات تجاهلت منطق الدستور، وأصبحت تعتقد أن حالة 

الضرورة هي ما تراه وما تعتقده تلك الحكومات، وليذهب نص المادة المذكور وأحكام القضاة وكل علم القانون الى 

الجحيم.

 

وهكذا، فإنه إذا أصبحت فترة عدم انعقاد المجلس ثمانية شهور في السنة، وأصبحت فترة حل المجلس تحددها 

الحكومات كما تريد رغم أنف الدستور، وأصبح مدلول شرط الضرورة هو ما تراه الحكومات نفسها، وفي جميع هذه 

الحالات أعطت الحكومة لنفسها سلطة إصدار التشريع، فماذا أبقت التعديلات الدستورية لمجلس الأمة ولمجلس 

النواب المنتخب الذي يمثل الشعب مصدر السلطات، وهل في ظل هذا الحال بقي توازن في الدستور أو دور لمجلس 

نواب يتولى إعداد تشريعات ناضجة في مجال الحقوق والحريات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: رد: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:24

خامسا:    التنمية السياسية والأحزاب السياسية:

 

أ.         ضرورة الحياة الحزبية لقيام الحكم الديمقراطي:

 

تعتبر الأحزاب السياسية المحور الأساسي للحكم والعمل السياسي عموما في دول الديمقراطيات المعاصرة 

ودساتيرها. ذلك أنه إذا كانت القاعدة أن الشعب هو مصدر السلطة، وكانت الانتخابات النيابية هي نقطة البداية في 

ممارسة الشعب لسلطة الحكم، فإن النواب الذين يختارهم الشعب في الانتخابات يصبحون ممثلين للشعب في ممارسة 

السلطة، فتصبح الثقة التي يعطيها ممثلو الشعب لأي حكومة أساس الشرعية لها لتتولى سلطة الحكم. وقد انتهت 

تجربة القرون في الديمقراطيات المعاصرة على أن أي حكومة تمارس السلطة سينتهي عملها الى الفشل، إن لم 

تنطلق من برنامج محدد إبتداء، يبين الأهداف التي جاءت الحكومة لتحقيقها، والوسائل التي سوف تستخدمها، 

والمدة الزمنية المحددة لتحقيق كل هدف. وهذا يقتضي أن يكون بين أعضاء فريق الحكومة توافقا وتكاملا في 

الرؤيا للأهداف والوسائل والمدد اللازمة لها. ولا يتحقق هذا إلا من خلال دراسة مسبقة للواقع ومشكلاته القائمة 

أولا ثم تحديد الواقع الأفضل المطلوب الانتقال إليه ثانيا والزمن اللازم لذلك ثالثا، ثم تحديد الأدوات والوسائل التي 

تمكن من الوصول الى المطلوب رابعا.

 

ومن ناحية أخرى، فإنه ينبغي على الفريق الذي يتولى الحكم لتحقيق المطلوب وفقا لما سبق، أن يعلم أنه يمارس 

العمل تحت رقابة مستمرة، تقيّم أداءه وتكشف تقاعسه وتجاوزاته، ليكون خاضعا للحساب أمام الشعب. ومثل هذه 

الرقابة لا يمكن أن تكون فاعلة ومؤثرة إن كانت فردية غير منظمة، إذ ينبغي أن تكون قائمة على تنظيم من 

الأشخاص في صورة فريق، أو حكومة ظل، توزع فيه الرقابة بين أعضاء هذا الفريق على قطاعات عمل الطاقم 

الحكومي كافة، يُخضعون أداء هذا الطاقم للدراسة والتقييم من خلال مقارنة محصلة الأداء المذكور، بما لدى الفريق 

الرقابي من طروحات واقتراحات وحلول للوصول الى الغايات المنشودة، وذلك من أجل إعلان النتائج تباعا على 

الشعب. والفريق الرقابي هذا هو الذي يطلق عليه المعارضة.

 

وسواء بالنسبة للطاقم الذي يحكم أو الفريق الذي يعارض، فإن قيام كل منهما بدوره أصبح يتولاه في الديمقراطيات 

المعاصرة أحزابا سياسية، أكسبها تراكم التجربة والخبرة قدرات وكفاءات تتزايد كل يوم في تطوير العمل الذي 

يهدف الى مصلحة الشعب الذي يتم حكمه. ومن ثم انتهت التجربة في الدول الغربية الى أن يتولى الحكم حزب 

الأغلبية في مجلس النواب، أي الحزب الذي له غالبية المقاعد في مجلس النواب، أو ائتلاف أحزاب الأغلبية عندما لا 

يحصل حزب واحد على أغلبية المقاعد، في حين يتولى حزب الأقلية أو ائتلاف أحزاب الأقلية دور المعارضة. 

وبمقتضى الأغلبية في مجلس النواب التي يملكها الحزب أو ائتلاف الأحزاب التي تشكل الأغلبية، يوكل تأليف 

الحكومة الى ذلك الحزب أو هذا الائتلاف لتولي السلطة. والسبب أن أي حكومة لا تستطيع أن تباشر الحكم إلا إذا 

حصلت على ثقة غالبية النواب، الأمر الذي يستوجب، بحكم الواقع، أن يوكل الى من يملك الأغلبية أن يقوم بتأليف 

الحكومة، هذا مع العلم أن حزب الأغلبية أو الأحزاب التي تشكل الأغلبية، لم تصل الى المقاعد النيابية إلا عن طريق 

اختيار الشعب لها، وفقا للبرامج التي تكون قد طرحتها عليه جميع الأحزاب لانتخاب النواب على أساسها، ومباشرة 

من يفوز منها واجبات الحكم على هذا الأساس.

 

وهكذا ينشأ بين الفريقين، فريق الأغلبية الذي يتولى الحكم وفريق الأقلية الذي يقوم بالمعارضة، منافسة تنطلق من 

مصلحة الوطن والمواطن: فريق يسعى للبقاء في الحكم، وفريق معارض ورقيب، هدفه الوصول إليه. وفي بعض 

الدول مثل ألمانيا وفنلندة والسويد تقدم الدولة معونة مالية للأحزاب لتمويل تنافسها، وفي دول أخرى مثل بريطانيا 

تقوم الحكومة، ممثلة الأغلبية، بتمويل حزب الأقلية، وذلك من أجل إعانته على تغطية النفقات التي  يقتضيها قيامه 

بدور المعارضة والرقابة. وقد يتمكن حزب الأقلية هذا، من إقناع الشعب بقدراته وببرامجه، وبأنه أكثر استشعارا 

لمصالح الناس وأكثر قدرة على تحقيقها، فيفوز في الانتخابات اللاحقة ويتحقق تداول السلطة بين الحزبين. وحتى لو 

لم يتحقق لحزب الأقلية هذا الفوز، فإنه في معارضته ورقابته للحزب الحاكم، يدفع هذا الحزب الى أداء أفضل 

وحرص أكثر، في ممارسته للسلطة كوسيلة وحيدة لبقائه في الحكم. وعلى هذا، فإنه إذا كان حزب الأغلبية يتولى 

السلطة، ويملك الأغلبية في الهيئة التشريعية، فإن وجود الأقلية المعارضة والرقيبة أو فتح المجال دائما لوجودها، 

من المستلزمات التي لا وجود للديمقراطية بغيرها. أما عن السلطة القضائية، فإذا كانت وظيفتها الأساسية فض 

المنازعات بين الناس وتطبيق القوانين، فإن لها وظيفة أخرى أساسية، هي الرقابة على سلوك السلطتين التشريعية 

والتنفيذية معا. وفوق الرقابتين، رقابة الأقلية والسلطة القضائية، على سلوك الأغلبية في الهيئة التشريعية والسلطة 

التنفيذية، فهناك رقابة الصحافة الحرة والرأي العام الحر باعتباره يمثل من الناحية الفعلية السلطة الرابعة.

 

ويسيطر على ممارسة السلطة في النظام الديمقراطي مبدأ جوهري لا وجود للديمقراطية بغيره، وهذا المبدأ هو مبدأ 

التلازم بين السلطة والمسؤولية كما أسلفنا. فكل من يمارس سلطة داخل الدولة، ينبغي أن يتحمل المسؤولية ويكون 

محلا للحساب، أيا كان شكل ممارسته لهذه السلطة. وتمتد تلك المسؤولية وهذه المحاسبة على جبهة واسعة تشارك 

فيها السلطة الرابعة، أي الصحافة والرأي العام فضلا عن البرلمان والقضاء، بحيث لا يفلت من ذلك سوى شاغل 

المنصب الذي لا يمارس سلطة.

 

وإذا كانت الديمقراطية في التطبيق تقتضي تعدد الأحزاب السياسية، فإن التعددية الحزبية ليست مقصودة لذاتها، 

وإنما الغاية الأساسية منها هي تداول السلطة على ما أسلفنا. ويعني تداول السلطة، أن من حق الحزب أو ائتلاف 

الأحزاب التي يكون له أو لها أغلبية المقاعد في مجلس النواب تشكيل الحكومة، ووضع البرامج التي تم اختيار نواب 

حزب الأغلبية أو ائتلاف أحزاب الأغلبية على أساسها، موضع التطبيق. والواقع أن هذه النتيجة تتحقق عمليا ومن 

خلال الممارسة، ذلك أن حصول أي حكومة على ثقة مجلس النواب شرط أساسي لبقائها، ومن ثم فإن تكليف حزب 

الأغلبية، أو ائتلاف الأحزاب التي توفر الأغلبية، بتشكيل الحكومة، أمر تفرضه متطلبات منح الثقة وبقاء الحكومة  

في السلطة. وفي مقابل ذلك، يقف حزب أو أحزاب الأقلية في المعارضة، وظيفتهم مراقبة تصرفات الحكومة في 

المجالات كافة، كما أسلفنا، من أجل كشف أي مخالفة للدستور أو القانون أو انحراف في استعمال السلطة أو اتباع 

سياسات لا تخدم المصلحة العامة، على أن يظل من حق حكومة الأغلبية والحزب أو الأحزاب التي تمثلها الرد 

والتوضيح والدفاع. وفي جميع الحالات لا يجوز أن تكون وسائل إعلام الدولة أدوات تحتكرها الحكومة، إذ ينبغي أن 

يكون هناك تكافؤ ومساواة في استخدام الحكومة والمعارضة لها، سواء في عرض المواقف أو السياسات من قبل 

الحكومة أو نقدها وعرض ما يمكن أن يكون بدائل أفضل لها من قبل المعارضة.

 

وهكذا فعلى النحو السابق، يختبر الشعب مواقف الأحزاب وبرامجها وسلوكها من خلال التطبيق، ويستطيع الشعب 

في الانتخابات التالية، أن يختار نوابه والحزب الذي يثق فيه، تبعا لما تسفر عنه التجربة السابقة.

 

والحقيقة أن التعددية السياسية من غير تداول السلطة على النحو السابق، تجعل من الديمقراطية أمرا نظريا، ذا أثر 

محدود على تشكيل الحكومات وسلوكها، بل وعلى حقيقة الأحزاب السياسية، وجدية برامجها وطروحاتها، ففي 

غيبة تداول السلطة، لا يستطيع أحد أن يعلم، ما هي القواسم المشتركة من الناحبة الموضوعية، بين وزراء الحكومة 

عند تشكيلها، ولا لماذا جاءت حكومة وذهبت أخرى، ولا متى تستبدل حكومة بغيرها، كما تصبح الحكومات أيا كانت 

كفاءات رؤسائها ووزرائها، سهلة المنال في النقد والتجريح، وقد لا يوجد من بين أعضاء المجالس النيابية، أو 

الكتل أو الأحزاب في هذه المجالس، من لديه الاستعداد أو المصلحة، للدخول في معارك مع قوى المعارضة للدفاع 

عن تلك الحكومة. حتى ولو كانت هناك قناعة بسلامة موقفها. ولذلك، فقد تلجأ تلك الحكومات الى تقديم الرشوة 

للنواب من أجل الوقوف معها، وذلك في صورة تسهيل مصالحهم الخاصة، والاستجابة الى وساطاتهم، والخروج 

على مبادىء المساواة والعدالة، والقواعد القانونية التي تنظم العمل داخل مؤسسات الدولة، كما قد تلجأ الى أسلوب 

الترهيب والوعيد والتخويف، ما استطاعت الى ذلك سبيلا، في مواجهة النواب المعارضين لها، خاصة وأنها تعتبر أن 

كل نائب بمفرده أقلية يسهل التعامل معه والتأثير عليه، ومن أجل هذا، فإن الحكومات في الديمقراطيات تستمد قوتها 

من الأغلبية الحزبية التي تتوافر لها في المجالس النيابية.

ب.     متطلبات نمو الحياة الحزبية كمفترض جوهري للتنمية السياسية في الأردن:

 

1.       في التأصيل التاريخي والدستوري للأحزاب كمفترض جوهري:

 

يطلق الأردنيون على فترة التسعينات من القرن الماضي اصطلاح "العهد الديمقراطي"، شكرا لوسائل الإعلام التي 

صاغت الاصطلاح، إستنادا الى تكوين الأحزاب خلال الفترة المذكورة، ليكون دارجا جاريا على الألسن.

 

ولكن قبل ذلك، عاش الأردن في أعقاب صدور الدستور عام 1952، حياة حزبية مصرحا بها مدة قصيرة، لم تكمل 

عقدا من الزمان. ولظروف وبواعث وغايات مختلفة، عوقبت الحياة الحزبية، وعوقب الحزبيون أبشع عقاب في 

أجسادهم وأموالهم ومصائر أبنائهم، واستمرت مطاردة الحزبين عقودا من الزمن، لا يشفع لهم حق من حقوق 

الإنسان ولا تحميهم حرية من الحريات التي يقدسها الدستور، حتى غدا المثقف وصاحب الموقف السياسي المعارض 

متهما الى أن يقوم بإثبات براءة نفسه. وعاش الوطن خلال فترة العقاب عقودا من الزمن، في ظل أحكام عرفية 

ومحاكم عسكرية، تسلم فيها سلطة التشريع العرفي من لا يعرف القانون، وانتقل لواء العدالة الى سيافين تحركهم 

متعة التسلط العرفي، وأُسكت القانون وشرعية الدستور، بعد أن تم تفريغ الكثير من مرتكزاته لمضامينها كما أسلفنا، 

وحُكم على القضاء بالصمت الحزين. وعلى مدى أربعين سنة سيطرت على حياة المجتمع والسلطة التي تحكمه قيم 

وأعراف شاذة المضمون، وتراكم النمو لتقاليد الخوف، والارتزاق بتقيةٍ عذرها الحاجة والجوع وتعليم الأبناء. 

واستمر أمل الأردنيين في أن يتبدل الحال، وما أن يتحسن حال الحريات من سيء الى أقل سوءا ليصبح في منطق 

التقية إنجازا مبهرا، حتى يعود السيء من جديد. وجاء عام 1989 ليشهد انتخاب مجلس النواب الحادي عشر 

ولينفرج الحال قليلا، لكنه كان انفراجا لم يُكتب له طول الحياة، إذ تبين أن الانفراج كان مجرد انحناءة أمام عاصفة 

جاءت بالمجلس المنتخب، فقام حقا بوضع قوانين ناضجة للحريات، ولكن بعد أن مرت العاصفة التي جاءت بالمجلس، 

ثم انتهاء مدته، أصبحت مخلفات هذا المجلس عبئا ينبغي إزاحته، إما بالتعديل أو من خلال التطبيق. ولقد أصبحت 

قيادات العهد العرفي بسبب تأهيلها الأمني، قيادات للعهد الديمقراطي، وحل مكان التعليمات العرفية قوانين عرفية، 

فساء حال الحريات وأنتج الجوع أو التجويع غاياته، واختفت الطبقة الوسطى محور المجتمع وحاملةُ قيمه. ومع 

هذه الأوضاع جاء شعار التنمية السياسية وتنشيط الحياة الحزبية. وعلى افتراض أن الطرح ليس انحناءة أمام 

عاصفة، فما هي متطلبات النمو للحياة الحزبية كفرض جوهري للتنمية السياسية ؟

 

إن الأحزاب التي عرفتها دول العالم شرقيها وغربيها، إما أحزاب عقائد وإما أحزاب برامج. وإذا كانت أحزاب العقائد 

قد ازدهرت إبان حياة الاتحاد السوفييتي، فقد أصبحت تتهاوى واحدا بعد الآخر بانتهاء هذا الاتحاد. وفي الوطن 

العربي، ومنه الأردن، فقد قامت أحزاب العقائد، وظلت لنصف قرن من الزمان، تقوم بدور التوعية، ولكن حَكَم هذا 

الدور الظروف الإقليمية والدولية، وانتهت تجربة من وصل منها الى الحكم بالفشل الذريع في تحقيق ما طرحته من 

شعارات وغايات. أما الآن، فقد تراجعت مرحلة أحزاب العقائد، سواء من حيث شموليتها أو من حيث طريقة تشكيلها 

أو أسلوب عملها، لتُخلي الطريق أمام أحزاب البرامج.

 

وإذا كانت أحزاب العقائد تبدأ بقيادة تطرح شعارات وفكرا عقيديا، ويكون على كل واحد من أعضاء القيادة تجنيد 

مجموعة تؤمن بالطرح، ثم يكون على كل مجند بعدها أن يجند مجموعته وفقا لسرية في العمل على الأغلب، 

وتسلسل في الحلقات والخلايا ليصبح تكوين الحزب مع الزمن هرميا، تأتي تغذيته الفكرية من أعلى وقوته الشعبية 

تأتي من أسفل، فإن تكوين أحزاب البرامج يختلف جذريا من حيث المضمون والمنهج وأسلوب العمل. ومن يتفحص 

تاريخ أحزاب البرامج في العالم الغربي يجد أن بداياتها قامت على مواقف قيادات واعية من قضايا وطنية وقومية، 

اجتذبت إليها أنصارا يؤمنون بها في وضح النهار، ثم تضامن الأنصار من أصحاب المواقف لتتسع بعد ذلك الدائرة 

وليتفرع عنها دوائر أخرى، مع كل موقف منتم جديد.

 

ويلاحظ هنا أن النظام البرلماني الذي ينتمي إليه الدستور الأردني، يتعذر قيامه أو استمراره من غير قيام أحزاب 

تتداول السلطة، ومن غير أن تكون هذه الأحزاب أحزاب برامج. بل إن هذا النظام البرلماني في وطنه الأم، بريطانيا، 

لم يصل الى درجة تكامل عناصره وأركانه إلا من خلال أحزاب فَصّلت النظام البرلماني على أساس وجودها. وبعبارة 

أخرى، فقد وُلدت الأحزاب في بريطانيا وعاشت لقرن أو يزيد من الزمان قبل أن يتكامل النظام البرلماني، وكانت 

الأحزاب نفسها هي التي وضعت أسس هذا النظام وعناصره وأركانه، وتكامل تنظيمها مع تكامله. وبتفصيل أكثر 

نقول، إن بريطانيا قبل بداية القرن العشرين عرفت حزبين ترجع بداياتهما الى عام 1637. ذلك أن شارلز الأول حل 

البرلمان الإنجليزي عام 1629، لينفرد في إصدار القوانين، ومنها القوانين التي لها المساس بالحريات والحقوق، 

وخاصة تلك الفارضة للضرائب وجمع المال من المواطنين، التي لم يكن البرلمان ليوافق عليها لو عرضت عليه. 

وعندما وصل الأمر الى القضاء طعنا بالقوانين الظالمة، عام 1637، أمر الملك بأن يشترك كبار قضاة الدولة الإثني 

عشر في نظر الموضوع، وأخذت أجهزة الدولة توجه الضغوطات عليهم، لإصدار الحكم ضد الطاعنين، حتى لا 

تسول لأحد نفسه في تقديم مثل هذا الطعن أمام قضاة حكموا كما يريد الملك، فيغلق باب مثل تلك الطعون مستقبلا. 

لكن الحكم صدر بأغلبية سبعة ضد الطاعنين في حين حكم خمسة لصالحهم، ودوّن كل واحد من هؤلاء القضاة 

الخمسة حكمه الرافض لتلك القوانين، الأمر الذي جعل القضاة ورجال القانون بعد زوال أسرة آل ستيوارت عام 

1714 يطلقون على القضاة السبعة وصف "القضاة الخونة" في التاريخ الإنجليزي، فيما أصبح القضاة الخمسة 

يوصفون بـ "فرسان الحق والعدل". وقد انتشرت أحكام القضاة الخمسة بين الناس عند إصدارها عام 1637، 

وخاصة بين أعضاء البرلمان والمعارضة بوجه عام. وفي عام 1640 دخل شارلز الأول في صراع مع رجال الدين، 

فاضطر الى إعادة البرلمان المنحل، الذي أطلق عليه فيما بعد البرلمان الطويل. وما أن وقفت أغلبية أعضاء البرلمان 

مع الملك، وانتهت الأزمة بانتصاره على رجال الدين، حتى عاد شارلز الأول الى إصدار القوانين المتعلقة بجباية 

المال من المواطنين رغم وجود البرلمان. وما أن حل عام 1649 حتى وصل الصراع الى حدوده القصوى، بين 

البرلمان الذي وقف في وجه تجاوزات الملك وما يمارسه من سلطان مطلق، وبين حاكم لا يريد أن يقبل حدودا 

لسلطاته. فقامت الثورة الإنجليزية الأولى في ذلك العام، أي عام 1649، بقيادة كرومويل، حيث تم إعدام الملك 

وزوجته وإعلان الجمهورية.

 

ومع وفاة كرومويل وعدم استطاعة ولده أن يباشر الحكم مكانه، عادت أسرة آل ستيوارت الى الحكم عام 1660.

 

وخلال الفترة من عام 1637 وحتى عام 1660 ظهر من خلال الطروحات المتعلقة بالشأن العام موقفان يقودهما 

برلمانيون، أحدهما يعارض أسرة آل ستيوارت وعرف فيما بعد بحزب الأحرار (Whigs)، والثاني يتعاطف مع أسرة 

آل ستيوارت وعرف فيما بعد بحزب المحافظين (Tory). وكانت طروحات المواقف داخل البرلمان هي الأساس 

الجاذب للأنصار، وبالتالي عودة قيادات المواقف الى البرلمان من جديد، ثم مرة أخرى عودة القيادات ومعها أنصار 

وحلفاء حملتهم تأثيرات تلك القيادات على الناخبين الى المجلس. لكن جيمس الثاني ابن شارلز الأول لم يتعظ من 

مصير والده وأخذ يمارس السلطان المطلق باعتباره حقا موروثا. وكان لا بد من الصدام لتقوم الثورة الإنجليزية 

الثانية. ومع قيام الثورة الثانية هذه عام 1688 وهروب جيمس الثاني ابن شارلز الأول، أحضر الإنجليز شابا هولنديا 

ليكون ملكا عليهم تحت اسم وليم الثالث (وليم اورانج) لكونه زوج ابنة جيمس الثاني، حيث وقع عام 1689 على 

لائحة الحقوق (Bill of Rights)، التي تنازل بمقتضاها عن العديد من سلطات الملك المتعلقة بإصدار القوانين 

والمساس بالحريات، لينتصر بذلك توجه الأحرار أمام مواقف المحافظين. وبعد وفاة الملك وزوجته، جاءت الملكة آن 

الإبنة الثانية لجيمس الثاني الى الحكم عام 1702، واستغل الأحرار ضعفها واستصدروا قانونا من البرلمان عام 

1706 رغم معارضة المحافظين، وأصبح محرما بمقتضاه على أي شخص من أسرة آل ستيوارت تولي الحكم بعد 

وفاتها. وعندما ماتت عام 1714 استورد الإنجليز شابا ألمانياً من هانوفر ليكون ملكا عليهم تحت اسم جورج الأول، 

لكونه ابن إحدى الأميرات الإنجليزية، ولتبدأ في حكم بريطانيا أسرة جديدة هي أسرة هانوفر.

 

وخلال فترة حكم جورج الأول وولده جورج الثاني، أخذت ملامح حزبي الأحرار والمحافظين في التكامل. وعندما 

جاء جورج الثالث عام 1760، طلب منه حزب الأحرار باعتبارهم حلفاء أسرة هانوفر تشكيل الحكومة بسبب وجود 

أغلبية برلمانية لهم، وأن يقتصر دور حزب المحافظين المتعاطف مع أسرة آل ستيوارت على المعارضة. ووافق 

جورج الثالث، وتنازل عن بعض سلطاته، إيمانا منه بطروحات كان يقول بها عندما كان وليا للعهد. لكن الملك، وتحت 

تأثير بطانته عليه، أعاد سيرة أسلافه وأخذ يمارس السلطات التي سبق أن تنازل عنها، ووقف الأحرار ضد هذه 

الممارسات. وتضامن المحافظون مع الأحرار في مواجهة الملك. وكان اقتراح الحزبين عليه الخيار بين أمرين: 

الأول، أن يمارس السلطة كاملة، وهنا عليه أن يلاحظ أنه سيكون من حق البرلمان تقييم أدائه ونقده، كما أن 

للصحافة والرأي العام مثل هذا الحق أيضا، وأنه إذا تبين أنه ارتكب مخالفات دستورية وقانونية فسوف يخضع 

للحساب من البرلمان ومن الرأي العام، إذ لا يجوز أن يمارس سلطة من غير تحمل المسؤولية. وقد تؤدي إقامة 

مسؤوليته الى قيام البرلمانيين تلقائيا أو بضغوط من المواطنين والرأي العام بعزله، وعندها ليس أمامه إلا 

الاستجابة. والخيار الثاني، هو أن يترك الحكم لحزب الأغلبية، وفي هذه الحالة فإن الحزب والحكومة التي يشكلها 

سوف تتحمل المسؤولية عندما تقارف الأخطاء، وإذا كانت إقامة مسؤولية الحكومة ستؤدي الى أن تفقد هذه 

الحكومة ثقة الشعب، فسوف يقوم ذلك الشعب بانتخاب الحزب المعارض في الانتخابات النيابية اللاحقة. وبمقتضى 

هذا الخيار الثاني سوف لن يكون الملك مسؤولا، لأنه لا يمارس سلطة لا دستوريا ولا واقعيا، ومن ثم سيصدر 

البرلمان قانونا يحميه من أي نقد أو تطاول عليه، باعتبار ذلك يشكل "جريمة إطالة اللسان". وفوق ذلك، فقد أكد 

الحزبان للملك، أن البرلمان لن يصدر أي تشريع إلا بموافقته وتوقيعه، وأنه سوف يظل من حقه رفض التوقيع، 

ولكن مع بيان الأسباب، فإن لم يقتنع البرلمان بالأسباب وأصر الملك على موقفه، يصبح التشريع نافذا من غير 

موافقته. كما أكدوا للملك، أن شؤون الدولة سوف تتم إدارتها باسمه، وأن الجوهري من القرارات سوف يحمل 

اسمه وتوقيعه فوق توقيع الحكومة، وأن أحكام القضاء سوف تصدر باسمه. ووافق الملك جورج الثالث على الخيار 

الثاني.

 

على أنه ما إن مضى بعض الوقت على موافقة جورج الثالث على الخيار الثاني، حتى أقنعته بطانته بأن الوسيلة 

السلمية لاستعادة سلطاته هي أن يمول الحملات الانتخابية لأشخاص يختارهم، من أجل تشكيل أغلبية برلمانية منهم 

عند الفوز، تكفي لإصدار القوانين الكفيلة بإعادة ما يريد من سلطات إليه. وهكذا، قام الملك ببيع بعض ممتلكاته 

وممتلكات قصره، لترجمتها الى أموال دفعها للحملات الانتخابية، وفقا لنصيحة البطانة. لكن المفاجأة في الانتخابات 

كانت تفوق حد الوصف، إذ لم ينجح أي واحد من الأشخاص الذين مولت أموال الملك انتخاباتهم. وكانت الصدمة 

كبيرة، حيث فقد الملك أعصابه وأصابته إغماءات لوثة عقلية خلّفت نوبات جنون، جعلته حبيس قصره منذ عام 

1770 حتى وفاته عام 1820. وهكذا خلت الساحة للحزبين ليتكامل تنظيمهما، وفي ذات الوقت ليتكامل النظام 

البرلماني ويستقر خلال هذه الفترة، أي فترة الخمسين سنة.

 

وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر سيطر الحزبان، الأحرار والمحافظين، على الحياة السياسية في بريطانيا، 

وأخذا يتناوبان على الحكم ويتداولا السلطة استنادا الى عدد المقاعد التي فاز فيها كل حزب في الانتخابات. وفي عام 

1859 أعيد تشكيل وتنظيم حزب الأحرار (Whigs) ليصبح اسمه الجديد (Liberals)، في مواجهة المحافظين 

(Tory) الذين أصبح اسم حزبهم (Conservatives).

 

وفي عام 1900 أخذ حزب جديد في الظهور هو حزب العمال البريطاني (Labour Party) وذلك من خلال نجاح 

نائبين في البرلمان أفرزهما تحالف جديد بين قيادات اجتماعية وقيادات من اتحاد العمال وقيادات من ذوي الاتجاهات 

الاشتراكية، وأصبح النائبان صوتا فاعلا في البرلمان الإنجليزي، يأخذ مواقف، ويطرح برامج يقيّم على أساسها عمل 

الحكومات. وعلى أساس هذه الطروحات والمواقف والبرامج، ارتفع عدد مقاعد الحزب عام 1906 الى 73 مقعدا ثم 

الى 179 مقعدا عام 1913. وما أن حل عام 1924، حتى حصل العمال على مقاعد في البرلمان تمكنهم من تشكيل 

الحكومة، وأصبح حزب العمال حزبا رئيسيا في الحياة السياسية والبرلمانية الإنجليزية، يتناوب على الحكم مع حزب 

المحافظين بعد أن أخذ في استقطاب المنتسبين لحزب الأحرار. وقد مكّن لهذا الحزب، حزب العمال، من النمو، 

الأسس والمبادىء والقواعد التي استقرت وترسخت للحياة البرلمانية والحزبية، وأصبحت تشكل أحكام الدستور 

النموذج للنظام البرلماني في هذا العالم، حيث أخذت عنه بلجيكا دستورها عام 1831، ومن هذا الدستور الذي 

أعيدت صياغته عام 1921 أخذ الدستور المصري لعام 1923 والدستور الأردني عام 1952. والجدير بالذكر الى 

أنه بالنظر الى أن الدستور الإنجليزي يتكون في غالبية أحكامه من أعراف وتقاليد غير مكتوبة، فقد كان أخذ 

البلجيكيين بتلك الأعراف والتقاليد ووضعها بشكل مكتوب ومقنن، أن أصبح الدستور البلجيكي هو معبر الدول 

المختلفة للأخذ بالنظام البرلماني الإنجليزي عن طريق اقتباس نصوص الدستور البلجيكي.

 

وكما أسلفنا، فإن أحزاب البرامج في الديمقراطيات المعاصرة قامت حول مواقف وطروحات، وعندما اتسعت دوائرها 

تمت ترجمة الطروحات والمواقف الى برامج، وهذه البرامج هي التي تعلنها على جماهير الناخبين لتتم المفاضلة بين 

الأحزاب على أساس برامجها.

 

2.     عود الى الأردن ومثيلاته من الدول دستورا وواقعا:

 

وما دام الذي يعنينا هو دساتير النظام البرلماني، فإننا نؤكد أن التجربة الإنجليزية القائمة على نشوء الأحزاب مع 

نشوء النظام البرلماني، وعلى تكامل التنظيم الحزبي الذي صاحبه نمو وتطور تزامن مع نمو فكرة النظام البرلماني 

وتطورها، ليتكامل التنظيمان على نحو متزامن، نقول إن التجربة الإنجليزية غير قابلة للتكرار عند الأمم والشعوب 

الأخرى. لكن هذه الشعوب الأخرى التي أخذت بالنظام البرلماني الإنجليزي وأوردت في دساتيرها ذات الأحكام الواردة 

في الدستور الإنجليزي، تكونت الأحزاب فيها حول مواقف وطروحات منتمية الى وطنها وشعبها أمام حكومات جُمع 

أعضاؤها عند بدايات تطبيق تلك الدساتير دون روابط حزبية أو برامج مدروسة. وسواء أكان الطرح وكانت 

المواقف من البرلمانيين داخل قبة البرلمان، أو من المفكرين والقيادات الاجتماعية ورجال السياسة من خارج القبة، 

فقد كانت صلابة هذه القيادات واحتمالها للاتهامات وقسوة الحكومات، ثم إحساس الناس بانتمائها، أقوى من كل 

العوائق التي حاولت الحكومات وضعها في وجهها. لكن الاتهام لهذه القيادات لم يصل كما يحدث في الأردن الى حد 

التشكيك بالانتماء أو التخوين بالعمالة الى جهات أجنبية. وأخذ انتصار نصوص الحريات في الدساتير يعقبه انتصارا 

آخر، وأصبحت اندفاعات الشعوب، المتطلعة الى التحرر والحرية ونيل الحقوق، تتجمع حول القيادات المذكورة، 

لتشكل البدايات الصحيحة لأحزاب البرامج، حيث أخذ يتزايد عدد الفائزين من تلك الأحزاب بالمقاعد النيابية، ومن ثم 

لتصبح تلك الأحزاب أغلبيات في البرلمانات تنبثق عنها الحكومات بمباركة الشعوب ودساتيرها.

 

ومن هذا المنطلق نما حزب الوفد في مصر، وحزب المؤتمر في الهند على سبيل المثال، في ظل دساتير برلمانية 

مماثلة للدستور الأردني، مكنت تلك الأحزاب من أن تصبح في المجالس النيابية أغلبية تشكل الحكومات. بل إن حرارة 

الشعوب وتطلعاتها نحو الحرية، اختصر عنصر الزمن على قيادات المواقف والطروحات في تشكيل الأحزاب في 

بعض الدول: ففضلا عن تجربة بريطانيا مع حزب العمال على النحو السابق، فهذه التجربة الألمانية وتلك التجربة 

الإيطالية التي بدأت أحزاب البرامج فيها من نقطة الصفر على أعقاب زوال القائد الأوحد وحزبه الشمولي فيهما مع 

انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولم يأخذ بناء الأحزاب التي تتولى الحكم الآن بأغلبيات برلمانية في تلك الشعوب أكثر 

من ربع قرن من الزمان.

 

وفي الأردن، فإن تجربته المريرة في أحزاب الخمسينات من القرن الماضي، كانت تجربة قاسية، أثرت سلبيا على 

تجربة التسعينات من ذات القرن، ولا يزال تأثيرها ممتدا حتى وقتنا هذا. ففي ضوء تجربة العشر سنوات الماضية، 

فإن النمو الشعبي للأحزاب الصغيرة وإمكانية إيصال مرشحيها لمجلس النواب بأعداد فاعلة، أمر ضعيف الاحتمال في 

المدى المنظور. ذلك أن الخوف القادم من عقود من الممارسات العرفية، وكيل الاتهامات التي لا تستند الى أساس، 

للأفراد والتجمعات والأحزاب السياسية، قد شكل ذكريات موجعة وتاريخا مؤلما لا يسهل محوه من أعماق الناس، 

وظلت بصماته الاجتماعية والإنسانية بقعا مَرضيّة في الوجدان، الأمر الذي جعل تكرار التجارب غير ميسور، قبل 

إعادة التأهيل للحكومات في تعاملها مع مجتمع لا يزال يجتر آلام الماضي ومآسيه. ومما زاد الطين بلة، أن الأحزاب 

التي أخذت تظهر، وزاد عددها حتى الآن على الثلاثين حزبا، بدت في معظمها وكأنها شركات وجوه أو أشخاص، 

تقوم عليها قيادات أفرزتها الوظيفة العامة وليس الحالة الشعبية، واستقطب العديد منها الباحثين عن فرصة عمل أو 

حماية في الوظيفة، ممن يعتقدون أنه يمكن أن توفرها لهم تلك القيادات، كما استقطب عدد آخر منها الباحثين عن 

وجاهات اجتماعية، معتقدين أنه يمكن اكتسابها من خلال الاقتراب من تلك القيادات. ومثل هذه الأحزاب، لا تستطيع 

بالمعطيات السابقة أن تعيش أو تستمر، والتجارب الماثلة خير دليل وبرهان.

 

إن ممارسة الحريات الدستورية على أكمل وجه، هي التي تشكل البيئة السليمة للعمل الحزبي، كما أن رفع الحظر عن 

حرية التعبير والنشر، ورفع القيود المفروضة على وسائل إيصال الآراء والطروحات الحرة المنتمية، الى المواطنين 

أصحاب الحق في تلقّيها، هي الطريق الوحيد للتفاعل الهادف البناء بين القيادات الاجتماعية والسياسية والفكرية 

المنتمية الى قضايا الوطن والمواطن التي تبرز داخل المجتمع بتلقائية طبيعية، وبين أبناء هذا المجتمع الذين ينص 

دستورهم على أنهم مصدر السلطات المبينة فيه. وفوق ذلك، فإن الوسائل الحكومية التي تستخدم في التعامل مع 

الكتل في المجالس النيابية سواء في الترغيب أو الترهيب، تحجر على أي طرح أو موقف يسعى الى النمو. وهكذا، 

فإن التقييد والحجْب الإعلامي المفروض، والأساليب المستخدمة مع المجالس النيابية، ستُبقي الحال على ما هو 

عليه، لتبقى الشعارات الجميلة المطروحة خالية من  المضمون.

 

إن البداية ينبغي أن تكون أولا حرية التفكير وحرية طرح محصلاته من خلال التعبير، وحق إيصال هذا التعبير الى 

الآخرين، ثم ثانيا حق الآخرين في أن يصل إليهم التعبير، وحريتهم في أن ينتموا أو لا ينتموا إليه، وعلى نحو تتفاعل 

الرؤى بين أولئك وهؤلاء. بعبارة أخرى، ينبغي أن تكون الحرية أولا ولا شيء غيرها.

 

 
 

فهل هذه الحرية قائمة؟ وإن لم تكن كذلك فمتى تقوم ؟

 

سؤالين تتوقف البدايات على الإجابة عليهما، وهذا التوقف يطرح تساؤلا بكلمة: لماذا؟ فعلينا إذن أن نمضي في 

طريق الاستقراء والشرح:

 

خلال النصف الثاني من القرن العشرين، أصبح الحاملون للشهادات الجامعية الأولى والعليا في الأردن، وفي الوطن 

العربي عموما، يشكلون من المواطنين نسبة تفوق مثيلتها في الدول الأوروبية والدول العظمى في بعض الأحيان. 

ونسبة لا بأس بها من هؤلاء الجامعيين تلقوا دراساتهم في دول الديمقراطيات المعاصرة، وعاشوا فيها سنين عددا، 

ونسبة عالية منهم تفوّقوا على أقرانهم الغربيين في مجالات التحصيل العلمي. وبوجه عام استشعر المتعلمون، أيا 

كان مصدر تعلمهم، محليا أو عربيا أو غربيا، طعم العلم والثقافة وحرية تلقيها وإرسالها للآخرين، وبشكل خاص 

أولئك الذين عاشوا في ديار الاغتراب.

 

وسواء شاءوا أم أبوا، فإن المحاكمات العقلية التي يجريها هؤلاء المتعلمون داخل الذات، وبوجه خاص ممن عاشوا 

حياة الديمقراطيات المعاصرة، في صورة مقارنات بين ما خبروه واستذوقوه في الاغتراب وبين ما عليهم أن يعيشوه 

داخل الأوطان، تُدخلهم في عالم التمنيات وهم صغارا، ثم في عالم المواجهات مع القائم من أجل التطوير مع تقدم 

سني النضج. يضاف إلى ذلك، أن وسائل الاتصال واستقاء المعرفة ثم مشاهدة ما يجري في العالم صباح مساء من 

خلال الفضائيات، وقراءة كل مستجد من خلال الانترنت، المشرعة أبوابها لمن يريد، قد وسّعت من باب المقارنات 

والتطلعات، وأصبح التعطش أكبر من حد الوصف، للاستماع والانتماء الى كل طرح يأخذ بالأيدي التي أعياها التوسل 

والابتهال الى الله لتبديل الحال، ولا من مجيب.

 

وأمام الآثار التي يمكن أن يرتبها التفاعل بين قيادات منتمية تسعى الى جماهير، وبين جماهير استصحبت من 

الماضي صدمات تتابعت ببعضٍ من قيادات ظهرت لها بثوب الانتماء، لكنها باعت طروحاتها عند أول أو ثاني سعر 

معروض، منصبا كان أم امتيازات، تضاعف العبء على القيادات الجديدة. فمن ناحية، أصبح على القيادات أن تتحمل 

النقد لها والتشكيك فيها، سواء أكان تلقائيا من الناس استصحابا لتجارب مُرّة سبقت مع آخرين، أو كان ناتجا عن 

تغذية للنقد والتشكيك من متخصصين يلبسون رداءا أمني الصنع يسمى الولاء. ومن ناحية أخرى أصبح على 

القيادات أن تواصل الطرح المنتمي ومواجهة العقبات، واتخاذ المواقف كل لحظة وساعة وتحمل التبعات، حتى تقنع 

المخاطبين بصدق ما تقول.

 

وهنا يتقاطع الأمني مع السياسي. ووفقا للواقع المعاش، فقد أسفرت النتائج عن انتصار الأمني على السياسي، 

لأسباب وبواعث شتى. فالسياسي المنتمي الى علم السياسة وفكر السياسة ومتطلبات التنمية السياسية، يكون عليه 

أن يفتح أذنيه وعقله لتفصيلات كل طرح ومعطيات كل موقف، ليدخلها بعد ذلك مطبخ التحليل السياسي الباحث عن 

عناصر إيجابية ليستخدمها في البناء، فلا يترك موقفا أو فكرة أو نقدا أو اقتراحا يفلت من التحليل لاستخلاص المفيد 

للقيام بواجبه. أما الأمني المنتمي الى مهنته، فيكون عليه أن يفتح أذنيه أولا لالتقاط التفصيلات والمعطيات والمواقف 

والأفكار والنقد، ثم بعد ذلك ليُعمل فيها عقله الأمني، بعد أن يدخلها الى مطبخ التحليل الخاص، الذي يستحوذ على 

عقل مهنته كأمني، لاستخلاص اصطلاحين أو ثلاثة على أحسن الفروض: موالي أو غير موالي عندما تكون المرحلة 

عرفية، وموالي، وغير واضح، ثم معارض، عندما تكون المرحلة ديمقراطية. وبعد أن يثبت التصنيف تبعا لطبيعة 

المرحلة، فلا أهمية ولا حاجة بعد ذلك لكفاءات أو قدرات أو مؤهلات، قد تتوافر لدى التصنيف الثاني و/أو الثالث، إذ 

الصنف الأول، وهو الموالي، يشكل المواطن الصالح وفقا لتحليلات المطبخ الأمني، وينبغي أن يدخل في قائمة رجال 

المرحلة. وعلى السياسي حتى المقبول أمنيا أن يصدع للأمر، لأنه حتى ولو اقترح اسم العالم فلان أو العبقري علان، 

لقيادة موقع أو مؤسسة بحاجة الى الإصلاح، فإنه يكون على هذا السياسي أن يسكت بمجرد أن يسمع الكلمة الغيبية 

التي لا تسمح باستفسار عن مضمونها: "لأسباب أمنية".

 

أما من هو الأمني الذي يملك هذا السلطان المطلق ولا يستطيع مراجعة ما يقوله أحد، فهو شاب أنهى على أحسن 

الفروض دراسته الجامعية، لكنه ليس من أبناء الذوات الذين ينتظرون دعوتهم للمواقع العليا، وليس من الوارثين 

لثروات، وتنتظر الشركات والأموال تخرجه ليشارك في إدارتها في مرحلة أولى، ثم يقفز على مواقع القيادة في 

مرحلة لاحقة. إن هذا الشاب الأمني هو على الأغلب من أبناء الطبقة الوسطى أو الفقيرة، التحق بوظيفة الأمني، إما 

لتعذر وظيفة غيرها وإما لأنه كان في عدادها أيام دراسته في الجامعة، يستعين بدخل يسير منها على متطلباته أو 

تحسين أحواله، هذا فضلا عن أولئك الذين التصقوا بها على كَبَر ممن يحملون شهادات عليا ودنيا وأثبتوا حسن 

نواياهم بتقارير تبرعية أوصلتهم في النهاية الى احتياجها دوريا أو ظرفيا. ومع التدريب المتواصل للأمني وإشعاره 

بأهمية دوره، ثم انكشاف الغطاء عن مقدار الأوزان والأحجام في المنظور الأمني للأسماء والمواقع التي كان يعتبرها 

سابقا هامة وكبيرة ولامعة، يدخل لديه استشعار الذات وبعده متعة السلطان. وعند هذا الحد، وفي بيئة اجتماعية 

تراكم لديها الاعتقاد، وفقا للتقاليد القادمة من القرون، ويؤكدها الواقع المعاش، بأن الأهمية الاجتماعية تتناسب 

طرديا مع مدى الاستحواذ على صلاحيات وسلطات تُعزّ وتُذل، تصبح المجاملة عند هذا الشاب منتظرة، ومع اتساع 

انكشاف الغطاء عن الأوزان والأحجام، تصبح هيبته ثم خشيته، مطلوبة منه كرجل شرقي يمارس السلطان، خاصة 

في مواجهة سياسي رسمي غير مؤطر من الناحية الفكرية والموضوعية. وحتى لو كان ذلك الشاب قانونيا درس 

الحقوق والحريات الدستورية وعرف مدى قداستها في الفكر ولدى بعض الشعوب، ومدى تعارضها مع المنطق 

العرفي، فإن إعطاء البعد الأمني الأولوية على ما عداه، يجعل هذا المنطق الأمني عند الشاب مبررا للإبقاء على تلك 

الحقوق والحريات حبيسة الكتب والكراريس. وما دام مفهوم الأمني لدى هذا الشاب ليس له تحديد، وليس له سقف 

أو حدود، فهو إذن سيد الساحة وصاحب الحق في البحث عن كل مستور وفحص كل شكل ومضمون، ويغدو وحده 

هو الأمين على النظام والمأمون. وبالطبع، فإن التطرف في الممارسة يتفاوت في المدى من شاب الى آخر، تبعا 

للخلفية البيئية والأسرية، والمعطيات والظروف التي ساهمت في تكوين الحالة النفسية. لكن القاسم المشترك بين 

الشباب الأمني، واحد لا يختلف، من حيث الحق في الرصد والبحث والتحري والفحص والاستخلاص والقيد في اللوح 

المحفوظ كأمين ومأمون. وهكذا، فإن هذا الشاب الأمني يحصل على المعلومة فيدونها، وعلى افتراض أنه تأكد من 

سلامتها، فإنها تدخل في اللوح الذي تحفظ فيه المعلومات. وبناء على ما تم تدوينه في اللوح الأمني المحفوظ، يجري 

التصنيف. وما دام مصدر التصنيف هو ما تم تدوينه في هذا اللوح، فإن الوصف الذي يعطيه هذا الشاب أو رئيسه أو 

رئيس الرئيس، يظل واحدا، موالي أو غير موالي، دون سؤال عن لمن تكون موالاته ولمن تكون معارضته وفي 

مصلحة مَنْ تصب. وهنا يكمن الخطأ. فالمطبخ السياسي أصبح معطلا، ثم مغلقا فلا يفرز قيادات للوطن، في حين أن 

المطبخ الأمني، وقد أصبح المسؤول عن إفراز قيادات الوطن بمقتضى تقييم وتصنيف أمني، غدا الشاب سابق 

الذكر، بالنتيجة، هو الذي يختار قيادات الوطن وفقا لمنطقه، ولا يهم بعد ذلك استبعاد أفضل الكفاءات من خدمة 

الوطن. وهكذا يجري على لسان العامة والمثقفين، بل وحتى السياسيين، أن زيدا نجح في الانتخابات بدعم من 

الأمني، وأن عبيد عيّن في المركز العالي برغبة من الأمني، وأن دريد قد استبعد بتوصية من الأمني!!! وعند هذه 

النتيجة يسود لدى صاحب القرار التنفيذي مفهوما مؤداه أنه لا يجوز لصوت الرأي الآخر، سواء تم تصنيفه معارضا 

أو غير موالي، أن يكون مسموعا في إذاعة أو تلفاز الدولة، أو مقروءاً في وسائل تعبيرها. وإذا كانت المادة (15) 

من الدستور تنص على أن:

 

 

"تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعبر بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير 

بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون [وأن] الصحافة والطباعة حرتان ضمن حدود القانون."

 

فقد حل مكان القانون رقباء في الصحف ووسائل التعبير المسموعة والمرئية، يستوحون الأمني بتطرف، رغم أنهم 

قد لا يكونون مجندين لديه. وهنا نتساءل: هل يستطيع الرأي الآخر، موقفا أو طرحا أو فكرا أن يصل الى جمهور أو 

متضرع الى الله أن يبدل الحال، حتى يتجمع حول هذا الرأي الآخر ويشكل تيارا أو توجها معه؟ وحتى لو وصل هذا 

الرأي الآخر الى المخاطب به، فهل يستطيع هذا المخاطب أن يرتب أثرا عليه في ظل خوف أو تخويف صاحَباه منذ أن 

أدرك الوعي، ولا يزالان يصاحبانه وهو يحمل أعلى الشهادات؟

 

لقد وصل الأمر في بعض الجامعات الحكومية الى حد أن تورد نصا في العقود التي تبرمها مع الموفدين في بعثات 

علمية للحصول على درجة الماجستير و/أو الدكتوراه بالكلمات والحروف التالية:

 

"المادة 18، يتعهد المبعوث وكفيله متضامنين، بدفع ورد جميع النفقات المالية التي تكبدتها الجامعة على بعثته (

مضافا إليها 100%، مائة في المائة من مجموعها) إذا أوصت الجهات الأمنية بعدم تعيينه في الجامعة بعد انتهاء 

بعثته وعودته من الإيفاد."

 

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه يدخل في النفقات المالية التي تكبدتها الجامعة، تذاكر السفر، ورسوم الجامعة والراتب 

الشهري أثناء الإيفاد، وأثمان الكتب، ونفقات العلاج، وذلك لمدة (3) أو (4) سنوات، فإن محصلة مجموع هذه 

المبالغ عندما تتضاعف، تزيد على ربع المليون دولار كحد أدنى. وهذا المبلغ الذي لا تستطيع دفعه عائلة الموفد أو 

عشيرته أو كل قريته، يجعل من السجن مصيرا للموفد الذي لا يستطيع الوفاء وفقا لقانون التنفيذ الأردني، ويصبح 

مصير الموفد معلقا على رضاء الأمني. ولكن كيف يحدث الرضا؟ عند هذا الحد لا أملك إلا القول: سكوتي بيان [ها 

هنا] وخطاب.

 

إن الأسرة الأردنية وفقا للأحكام الآمرة في الدستور لا تختلف على أمر واحد، وهو مؤسسة العرش. أما بعد ذلك 

،فمن حق الأردنيين الاختلاف. وإذا كان من حق المؤسسة الموكلة بأمن الوطن ومن واجبها أيضا، متابعة كل خارج 

على الأمن أو مفتئت على النظام لتقديمه الى العدالة، فإنه لا يجوز لها التطرف واختلاق أعداء من الأشباح 

لمطاردتهم في الصباح حتى تظهر بطولات كشفهم في المساء، ومن ثم لتصبح متابعة الانتصارات الوهمية في أغلب 

الأحيان، مؤهلات لاستمرار الجلوس على الكراسي، بحجة القدرة على حماية النظام ممن تطاردهم، ثم من هذا 

المنطلق، الاستحواذ على المطبخ السياسي ليصبح جزءا من البيت الأمني.

 

إن الأمني في بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا، أو إيطاليا، أو أمريكا، الذي يمارس عمله في ظل حريات دستورية مطابقة 

بحروفها وكلماتها للحريات المنصوص عليها في الدستور الأردني، لا تدخل في قاموس عمله كلمة "موالي"، ولا 

يخطر بباله تقسيم المواطنين الى موالين وغير موالين، ولا يتصور أنه سيكون مقبولا منه التشكيك في انتماء 

المواطنين.

 

لقد أدى استحواذ الأمني على السياسي عندنا الى استبعاد كفاءات ومؤهلات وطاقات منتمية الى خدمة الوطن 

والنظام والدولة، فكانت فداحة خسارة الوطن والدولة والنظام أكبر من حد الوصف، وقادت الثقة المطلقة بالأمني 

وحده الى أن يصبح هو الذي يقود السياسي ويوجهه، وانتهى الأمر الى أن تصبح الحقوق والحريات التي وضعها 

الدستور أمانة بيد السياسي، أسيرة حبيسة عند الأمني، يضع لها المضمون، ويرسم لها السقف والحدود. ومضى 

خمسون عاما على هذا الحال، يُستثنى منها جيب زمني قصير، يتمثل في مدة مجلس النواب الحادي عشر، وهي 

على أية حال مدة لم تكتمل.

 

وإذا كان عنصر الزمن في التجارب الإنسانية وممارساتها الواقعية، يعني تراكما من نماذج لنوعية السلوك، فإن هذه 

النماذج إن كانت مخالفة للمبادىء والقيم الدستورية العليا، ولم يغير منها الاحتجاج والرفض المصحوبين بالحركة 

من الناس شيئا، فإن الصمت الناتج عن الإسكات المفروض، يؤدي الى أن يصبح السلوك المتراكم تقليدا ومنهجا عند 

الأمني ثم حقا مكتسبا له، يقدّسه تقادم السنين عليه، وهذا هو ما حدث في الأردن تحديدا. أما ما يقوله القابعون في 

صوامع البحث العلمي والبحث المقارن مع دساتير مماثلة، من حيث أن الدستور والقانون يجعلان الأمني بصريح 

النصوص تابعا للسياسي، شأن مؤسسة الأمني في ذلك شأن أي مؤسسة أخرى، وأن السياسي وفقا لتلك النصوص 

يعتبر مسؤولا ويحاسب على أي تجاوز من أعضاء المؤسسة التي تتبعه، فإن مثل هذا القول هو "حكي أكاديمي"، 

يصدر عن أغبياء أو بلهاء، لا يفهمون شيئا عن الواقع. وعلى كل من يصدر عنه "حكي أكاديمي" أن يفهم أن 

قداسة سلوك الأمني المستند الى نصف قرن من الممارسة، أعطت لهذا الأمني حقا بأن يكون مستثنى أولا، ثم بالنظر 

الى أنه وحده الأمين والمأمون، أن يكون من الناحية الواقعية فوق السياسي ويقود هذا السياسي ثانيا. ولا يهم بعد 

ذلك أن يقول الأكاديمي الغبي أن القاعدة على النحو السابق تطبق بالشكل المعكوس: الفرع يقود الأصل ويسيطر 

عليه ويوجهه، ثم يحتج بأنه مضى على قيام هذا المعكوس عقودا تتلو العقود. والسبب أن مثل هذا الأكاديمي غير 

موالي، ومن ثم فعليه أن يسكت أو يترك الوطن للمخلصين!!

إن القرار الباحث عن تطوير العمل الحزبي كمفترض أساسي للتنمية السياسية، ينبغي أن يعطى ما للأمني للأمني وما 

للسياسي للسياسي، من أجل أن يعود الأمني الى حجمه الطبيعي ليكون مقودا للسياسي وتابعا له ومسؤولا أمامه، 

لأن هذا السياسي هو الذي يتحمل المسؤولية في مواجهة ممثلي الشعب مصدر كل سلطة. وبغير هذا لن تكون هناك 

تنمية سياسية ولا حزبية، وسنظل نراوح مكاننا، نكرر السنين والعقود الفائتة بمضامينها ونحن نستوحي الغيب 

ونتضرع الى الله أن يتحسن الحال، في حين أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: رد: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:28

سادسا:    التنمية السياسية وقانون الصوت الواحد:

 

أ.          لماذا جاء القانون وكيف جاء؟

 

إذا كانت فترة حياة برلمان 1956 تعتبر فترة حريات، فإن فترة حياة مجلس النواب الحادي عشر تعتبر فترة مضيئة 

في تاريخ الحياة النيابية في الأردن. وهذه الفترة هي الممتدة من أواخر عام 1989 حتى منتصف عام 1993. وقد 

جاء هذا المجلس في أعقاب عاصفة اجتماعية شعبية اجتاحت معان، إحدى مناطق المملكة، وكادت تمتد الى المناطق 

الأخرى، منذرة بمقدمات كان من اليسر على القيادة السياسية قراءتها بحسابات دقيقة. ومع أن هذه العاصفة اختلطت 

فيها الدوافع والمبررات المحلية مع تداخلات إقليمية ودولية، إلا أن مطالبها كانت إنسانية واجتماعية غير منكورة. 

وقد كان وقع العاصفة واندفاعها شديدا. فمن ناحية، انطلقت العاصفة من بيئة لا يستطيع أحد أن يزاود على ولائها 

وإخلاصها للنظام السياسي، ومن ثم كانت شدة العاصفة بمقدار ما أعطت تلك البيئة من الولاء والإخلاص. فكيف 

ولماذا بالحسابات إذن حدث ذلك؟ ومن ناحية أخرى فقد بدأت مطالب العاصفة محتجة على رفع أسعار الوقود، وهذا 

موضوع يسهل احتواؤه. لكنه ما إن بدأت الحركة، حتى ظهر ما في الدواخل وكوامن النفوس، وتبين أن هذا الذي 

كان مخبوءا هو محصلة تراكمات السنين، فكيف ولماذا إذن فات ذلك على المسؤول، المعني بحسابات حركة الشفاه 

وعبس الوجوه ونبض القلوب، في كشف هذا الذي كان مستورا ؟ لقد كان صمت الناس إذن ليس موافقة وقبولا 

استصحابا لولاء ظهر ردحا من الزمن وبعد ذلك تم افتراضه، ثم استمراره كمسلّمة غير قابلة للتغيير. فإذا كان "

عظام الرقبة" على هذا النحو، فما بال الأكتاف والأطراف إذن!! ومن ثم فقد تم التوصل الى أن هنالك خلل في 

الحسابات ما كان ينبغي أن يحدث.

 

بعبارة أخرى، فإن استحواذ الأمني على السياسي ثم اهتمام الأمني بما هو أمني ليجعل من كل شيء أمني، أغلق 

النوافذ والأبواب أمام التنفس السياسي، شكوى وتظلم، ثم تعبير وتأثير، فشكل احتكاك الأبعاد الاجتماعية والإنسانية 

لهذا المكبوت والمضغوط، عند حدود معينة، انفجارا سياسيا لا يستطيع الأمني بحكم تخصصه قراءة مكوناته.

 

وكان لا بد من الاعتراف بخطأ المسيرة والمسار في صورة انحناءة أمام العاصفة لتمر بسلام، ثم بعد ذلك امتصاص 

الدوافع والأسباب من خلال تغييرات ظاهرية في النهج تجعل الأمر وكأنه استجابة الى مطالب أصحاب الشأن ممن 

تحركوا أو ممن خطر ببالهم ذلك. وهكذا كان الإعلان عن انتخابات وميثاق وإخراج السياسيين والحزبيين من 

السجون، وإعادة المفصولين من وظائفهم بإرادة أمنية الى العمل. وفوق ذلك، فقد اقتضت الانحناءة، الاعتراف بأن 

الأحكام العرفية أصبحت غير مناسبة، وأن تعليمات الإدارة العرفية أصبحت ثقيلة وينبغي أن يسود مكانها حكم 

القانون العادي.

 

وكانت الانتخابات النيابية لمجلس النواب الحادي عشر سليمة الإجراء ويغلب على الانطباع العام وصفها بالنزاهة. 

ومع ممارسة المجلس لدوره، أخذ الإفراج عن الحقوق والحريات الحبيسة داخل الأحكام العرفية يتطلب فتح الأبواب، 

وأصبحت الرقابة على الحكومات مستغربة لحداثتها وعدم وجود تقاليد لها، شكرا لذريعةٍ أساسها استثنائية الظروف 

والأوضاع. وفي حياة المجلس الحادي عشر تشكلت أربع حكومات ترأس إحداها من هو قادم من خلفية دبلوماسية، 

فأعطى مع طاقمه المرحلة في الداخل استحقاقها، أما في الخارج فقد كانت السلطة لغيره. وتراجعت الأجهزة التي 

كانت تحكم وتدير الدولة من مكاتبها رغم وجود الوزراء والوزارات، وأصبحت ترقب وتسجل، لكنها مغلولة اليد، فلا 

تخفي ضيقها واحتجاجها، ولكن بهمس شبه مسموع. وإذا كان الانفراج والسمو بالحريات عند المجتمع نعمة، فقد 

كانت قراءة الأمني للمرحلة بأنها خطر ونقمة. ومع استمرار امتلاك الأمني لمفاتيح التخويف والتحذير، عاد منطق 

الموالي وغير الموالي ليصبح سيد الموقف. وترتب على ذلك أن تتشكل الحكومات الثلاث الأخرى برئاسات من 

خلفيات أمنية تستطيع الانحناء أمام الريح دون شك فيما تقوم به، وتقف لتواجه دون أن توصل الأمر حد الاشتباك، 

وهكذا كان كخطوة أولى للعودة الى الوراء.

 

وكانت تجربة أصحاب الخلفيات الأمنية صعبة وقاسية عليهم، فقد كان عليهم أن يستمعوا الى النقد القاسي 

لسلوكياتهم كرؤساء حكومات، والى كشفٍ لماضٍ كانوا يحرصون أن يظل مستورا، فضلا عن اتهامات لهم شتى، 

تمتد من التفريط بحقوق الوطن وحتى الإيحاءات بعدم نظافة اليدين. وكانت متطلبات الانحناءة لامتصاص العاصفة، 

تقتضي من الأمني المرتبك ومن السلطة الحكومية المنحنية، التحلي بالصبر وكتم الغيظ والسكوت. وفاز الصابرون 

عن طريق انقلاب أمني أبيض على السياسي المنتخب، ومع انتصار الأمني، تقرر أن تجربة المجلس الحادي عشر لا 

يجوز أن تعود. وتم وضع القرار محل التنفيذ. وهكذا تم حل هذا المجلس قبل أوانه بثلاثة شهور و(23) يوما، إذ تم 

الحل في 4/8/1993 في حين أن مدته الدستورية تنتهي في 27/11/1993. وبعد (13) يوما من حل المجلس، أي 

في 17/8/1993، أصدرت الحكومة قانون الصوت الواحد كقانون مؤقت، عدلت بمقتضاه قانون الانتخاب الصادر 

عن مجلس الأمة عام 1986 الذي جرت انتخابات المجلس الحادي عشر بمقتضاه.

 

ومع أن المادة (94) من الدستور توجب لإصدار قانون الصوت الواحد المؤقت توافر حالة الضرورة، وهي بالطبع 

حالة غير قائمة على الإطلاق، وبالتالي يصبح في هذا الإصدار للقانون مخالفة صارخة وجارحة للدستور، إلا أن 

تراكم تكرار المخالفات المستصحب من الماضي، جعلت جروح المخالفات للدستور أمرا مألوفا وعاديا، فغدا كل جرح 

مستجد لا يؤلم، فما لجرح بميت إيلام. وكما هي العادة عند إحداث الجروح للدستور، فقد كان على المواطنين 

والقانونيين، أمام العين الأمنية الحمراء واستصحاب ذكريات الماضي، أن يسكتوا ويصمتوا عن جرح الصوت 

الواحد.

 

هكذا، كان على هؤلاء الساكتين الصامتين انتخاب مجلس يعجب الصابرين، مكافأة لهم على صبرهم وكتمانهم 

لغيظهم، رغم مقاطعة المعارضين، فكان مجلس النواب الثاني عشر الذي أقر قانون الصوت الواحد المؤقت ليصبح 

دائما، بأغلبية تعارضها أقلية للتجميل الديمقراطي. ولا يزال القانون قائما في صورة القانون المؤقت الذي أصدرته 

الحكومة في 19/7/2001. وتلا المجلس الثاني عشر المجلس الثالث عشر ثم المجلس الرابع عشر، لتمنح هذه 

المجالس الثقة للحكومات، وتسبغ الشرعية على وجودها وممارساتها لسلطاتها، ثم لتقوم بدور الرقيب على هذه 

الحكومات، التي كان عليها أن تعود وتدخل تحت عباءة الأمني. وأصبحت المجالس النيابية طوع بنان الحكومات، 

وأصبح جورج الخامس هو الذي يأخذ الثقة من جورج الخامس ولا يحتاج جورج هذا الى رقابة نفسه، لأن الأمني 

الذي دخل جورج تحت عباءته هو الأمين والمأمون.

 

ب.      تفكيك لحمة المجتمع وقانون الصوت الواحد:

 

تمكنت الحكومة بمقتضى قانون الصوت الواحد، من تقليل عدد نواب حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يجسد الوجه 

الثاني لجماعة الإخوان المسلمين، بصفتهم يستحوذون على أكبر قاعدة منظمة للمعارضة مقارنة مع الأحزاب 

والتوجهات الأخرى، فانخفضت نسبتهم من 33% في مجلس النواب الحادي عشر الى 14% في مجلس النواب 

الرابع عشر. وحالت ظروف ومعطيات مصنوعة صاحبت تطبيق الصوت الواحد دون عودة كفاءات برلمانية جريئة 

ذات خلفيات قومية ويسارية للجلوس تحت القبة. أما الأحزاب، وقد وُلدت من رحم قانون الأحزاب لعام 1991 الذي 

أباح إنشاءها، فقد حجب الصوت الواحد بينها وبين أن توصل أحدا الى المقاعد النيابية. ونعتقد أنه إذا استمر وجود 

قانون الانتخاب الذي ينص على الصوت الواحد ويفتت الدوائر الانتخابية، فمن المتوقع، في ضوء الظروف 

الاجتماعية الأردنية، أن تموت الأحزاب الثلاثين واحدا بعد الآخر، قبل أن توصل نائبا واحدا الى مجلس النواب.

 

أما على المستوى الاجتماعي، فإن قانون الصوت الواحد، قد أعاد المجتمع الأردني الى عهد قبلي عشائري بذلت 

الدولة الأردنية ثلاثة أرباع القرن، وهي كل عمرها، من أجل أن توصل هذا المجتمع الى أواخر مرحلة التكوين 

لمجتمع مدني على درجة من التماسك. صحيح أن قانون الصوت الواحد قد تخلص من معارضة قائمة أو محتملة 

العودة، وأنتج مجالس نيابية مريحة للحكومات، مجالس ضعيفة لا تستطيع مواجهة الحكومات، لكنه في مقابل ذلك، 

مكّن الحكومات من أن تهدم بيدها، عن طريق التفكيك والتفتيت، تماسك مجتمع مدني تعاقبت الأجيال على بنائه. 

وبالتأكيد، فإن هذا الهدم لم يكن مقصودا ممن فكّر وخطّط لإصدار قانون الصوت الواحد، لأن ذهنيته وذهنية وظيفته 

الأمنية كانت متجهة فقط للتخلص من معارضين موجودين أو يمكن عودتهم الى مجلس النواب. لكن أي مطبخ 

سياسي منتم الى الوطن ومصلحته ولا يتصرف بتحريك وتلقين أمني، كان سَيُدخل هدم المجتمع كنتيجة محتملة 

يمكن أن تحدث كأثر للصوت الواحد، وعندها كان سيمتنع عن إصداره، ويقبل باستمرار الضرر الأصغر وهو نمو 

المعارضة، لتجنب الضرر الأكبر وهو هدم تماسك المجتمع.

 

ومع وضوح نتائج الهدم كمحصلة لعشر سنوات من مباشرته، وإفراز مجالس نواب ثلاثة أرادتها الحكومات ديكورا 

تستوفي به شكل السلطات الدستورية الثلاث، إلا أن أحدا لا يريد أن يعترف أن إصدار قانون الصوت الواحد كان خطأ 

استتبعته خطيئة، بل خطايا. ولنذكّر بالواقع الاجتماعي الذي عشناه في ثلاثة انتخابات أجريت في ظل قانون الصوت 

الواحد:

 

فأمام عدم جواز اختيار الناخب لأكثر من مرشح واحد ينتخبه، من بين قائمة المرشحين في دائرته الانتخابية، التي 

خصص لها القانون ثلاثة أو أربعة أو خمسة مقاعد، فإن المرشح للانتخابات، في غيبة الوجود الحزبي الفاعل، 

يضطر الى اللجوء الى أبناء عشيرته أو قبيلته يطلب نخوتهم وفزعتهم لإعطاء أصواتهم له في مواجهة أبناء 

العشائر الأخرى، دون أي اعتبار لكون أبناء هذه العشائر أكثر ثقافة وعلما وخبرة من هذا الذي يطلب النخوة 

والفزعة. واعتبارا من لحظة إعلان طالب الفزعة أنه سيرشح نفسه، يمتنع على أي مرشح من أية عشيرة أخرى أو 

حتى أقاربه، زيارة ديوان أو مضافة عشيرة طالب الفزعة، حتى ولو كانت لأسباب إنسانية، نسبا أو مصاهرة أو 

صداقة، لأن أي زيارة يمكن أن تُحمل على أنها سرقة أصوات يقارفها الزائرون من ناحية، وأنها تواطؤ وخيانة من 

أبناء عشيرة طالب الفزعة من ناحية أخرى. وما دام هذا الوضع مستجدا على البيئة الاجتماعية، ويجري على خلاف 

ما تعوّد عليه الأردنيون منذ نشأة دولتهم ولخمس وسبعين سنة لاحقة، فإن الخروج الاجتماعي على ما كان مألوفا 

يسبب إساءة وتفكيكا لعلاقات اجتماعية قام امتزاجها على عناصر من الجيرة والصداقة والمصاهرة والنسب ووحدة 

الثقافة الاجتماعية في البيئة والنمو في وحدة المفاهيم من حيث ضرورة توافر منطق الحق والعدل والكفاءة والجرأة 

وصدق الانتماء للوطن والأمة، كمؤهلات لمن ينبغي أن يتولى المسؤولية في تمثيل الناس في البرلمان. وهكذا تطغى 

العصبية الجاهلية على الموقف السياسي الواعي والمنتمي الذي لا يُبقي القانون فرصة لطروحاته. ويؤدي الانتماء 

الضيق الى عزل أو انعزال للعشائر عن بعضها، بل والى حروب ومواجهات صغيرة بين أفخاذ العشيرة الواحدة 

للوصول الى زعامة العشيرة من خلال كرسي البرلمان، لتصبح التراكمات بعد ذلك حيثيات للكره والحسد والشماتة 

والحقد، بين جزر اجتماعية يتزايد تفككها كل يوم لتكون منعزلة أو معزولة، انطلاقا من مفهوم قديم كاد يختفي، 

ولكن تم إحياؤه، وهو أن النيابة تشكل وجاهة اجتماعية للنائب وعشيرته، ومزية تتفاخر بها على العشائر الأخرى. 

أما قدرة نائب العشيرة على إعطاء النيابة استحقاقاتها، من حيث تمثيله للشعب وقضاياه الكبرى والهامة وليس 

القضايا الشخصية له ولأقاربه وأبناء حارته وأصدقائه، فذلك أمر لا يعني أحدا ولا يطرحه للتفكير أحد.

 

ومن ناحية أخرى، فحتى داخل العشيرة الواحدة، فقد تزايدت الى حد ملفت للانتباه، حالات انقسامها الى أفخاذ 

وفروع، كل يتبنى مرشحا، على أساس أن الشياخة أو الوجاهة أو الزعامة هي من الناحية التاريخية والاجتماعية 

لفرعه أو فخذه، ولا يجوز أن تخرج منه، وبالتالي فإنه ينبغي على أبناء الفروع والأفخاذ الأخرى التنازل له. أما أبناء 

الفروع والأفخاذ الأخرى، فمنطقهم يقوم على أنه يكفي القبول بزعامة أبناء فخذ الشياخة ردحا من الزمن، وحان 

الوقت لانتقال تلك الشياخة الى غيرهم لأن مطلبهم في استمرار استئثارهم بالزعامة هو احتقار للفروع الأخرى، 

وخاصة وأن التحصيل العلمي والكفاءة، ينبغي أن تكون المعيار ولا تتوافر في فرع الشياخة، وينبغي تنازل مرشحهم 

لأبناء الفرع الآخر. ومع هذا الانقسام كانت النتيجة أن أحدا لم يتنازل لأحد، واعتبار كل فرع سببا لفشل مرشح الفرع 

الآخر. ومع هذه النتيجة تبدأ الملامات وبعدها العداوات في التجذّر، ليؤدي ذلك الى تحول الفروع والأفخاذ الى جزر 

منعزلة أو معزولة داخل العشيرة الواحدة، ثم ليدخل المجتمع في طور آخر من أطوار التفكك الاجتماعي. وقد 

توصلت الفروع عند بعض العشائر، الى الاحتكام للانتخابات الداخلية بين أبناء العشيرة، يقومون بإجرائها بين 

الراغبين في الترشيح من بين أبناء الفروع، بحيث يتم إجماع العشيرة في الانتخابات النيابية على من يحصل على 

أعلى الأصوات. ولكن عندما تظهر النتائج، لا يرتضي بها أبناء بعض الفروع، فيرشحون أنفسهم للانتخابات وتكون 

النتيجة فشل الجميع. وكثيرا ما تم توجيه الاتهام للأمني، بأنه وراء إذكاء الصراع بين الفروع، وتشجيع مرشح أحد 

الفروع على مرشح الفرع الآخر، لأن هذا الآخر معروف بموافقة المعارضة للحكومات، فتكون النتيجة إفشال مرشح 

كان له أمل بالفوز عن طريق ترشيح قريب له فاقد الأمل فيه. وقد وصل التفكك بين فروع وأفخاذ العشيرة الواحدة 

حد الإعلان في الصحف، أو التهديد بالإعلان، عن براءة كل فرع من القرابة للفرع الآخر. وكثيرا ما تم توجيه كل 

فرع للآخر تهمة التعاون مع الأجهزة الأمنية ضده. وهكذا، لا يزال التفكك داخل المجتمع المدني للدولة مستمرا، 

شكرا لوصفة الصوت الواحد.

 

وترتب على هذا التفكيك أن يصل الى المجلس النيابي نوابا ينطلقون من مجتمع تسوء حالة تفككه كل يوم. ولقد 

استتبع هذا التفكيك تناحرا بين تكوينات اجتماعية زادت من ضعف المجتمع ومن قدرته أو قدرة نوابه على أخذ 

المواقف لمواجهة تسلط الحكومات وتجاوزاتها لحدودها الدستورية والتغول على الحقوق الحريات. والنائب القادم 

من بيئة كهذه، لا يستطيع أن يجد له سندا اجتماعيا أو حزبيا إن أراد الوقوف في وجه الحكومات، حتى ولو كان 

راغبا في هذا الوقوف. فكل نائب بمفرده أقلية ليس لرأيه أو موقفه وزن عند الحكومات، في حين أن الكتل البرلمانية 

التي تتشكل، آنية الغايات ولا يجمع بين أعضائها طروحات تميزها عن بعضها أو تعيد الرشد الدستوري الى 

الحكومات. ومن أجل ذلك، فإننا بمعزل عن نواب جبهة العمل الإسلامي الذين لهم نهجهم الخاص في الموافقة أو 

المعارضة للحكومات، لا نجد نوابا في كل واحد من المجالس الثلاثة الأخيرة يزيد عددهم على أصابع اليد الواحدة 

ممن لديهم الاستعداد لمراقبة ومحاسبة الحكومات. وقد يكون صوت مثل هذا العدد مرحبا به، أيا كان مضمونه، 

لاستكمال الصوت الآخر المفقود لإخراج المسرحيات الديمقراطية، بين مجلس النواب والحكومات، على النحو الشكلي 

المطلوب. ذلك أنه حتى ولو ارتفع سقف النقد للحكومات، فالملقن واثق أن النص الذي تجري أحداث كل مسرحية 

وفقا له، مدون فيه أن الثقة في الحكومة ستكون بالأغلبية العالية !! هكذا كان، وهكذا مع كل مجلس وحكومة يكون.

 

 

 

 

 

جـ.    قانون الصوت الواحد بين الأمني والسياسي:

 

إن الحياة النيابية وفقا للدستور الأردني ومنطق النظام البرلماني الذي يتبعه، لا يمكن أن تقوم من غير حياة حزبية، 

أي من غير وجود أحزاب تطرح برامج وتفرز الحكومات وتتداول السلطة. ونقطة البداية هي قانون انتخاب يشجع 

النمو الحزبي ويأخذ بيده، من خلال استشعار الظروف الاجتماعية والواقعية للأردن. ولا يتحقق هذا بدون دوائر 

واسعة تمكّن أصحاب المواقف من اجتذاب أصوات الأنصار وتمكّن الأحزاب من حشد أصوات منتسبيها، في تلك 

الدوائر، لإيصال مرشحها الى المقعد النيابي، وتخصيص مقاعد لكل دائرة، بحيث يستطيع كل ناخب أن يعطي صوته 

لذات عدد المرشحين المخصص للدائرة، أو لثلاثة منهم على الأقل، أحدهم ابن العشيرة إن أراد، والثاني ابن الحزب، 

والثالث صاحب الكفاءة والمواقف. أما العوائق التي يتبارى في اقتراحها وطرحها من يعتاشون على التنظير للتسلط 

والمتمثلة في الإبقاء على قانون الصوت الواحد ثم تفتيت الدوائر الانتخابية الى دوائر صغيرة ليكون لكل دائرة نائب، 

أسوة ببريطانيا وغيرها من الدول، فذلك تنظير لقتل أي نمو للأحزاب والإجهاز المبكر على أي خطوة نحو 

الديمقراطية، في ظل ظروف مجتمعنا ومعطيات تكوينه. أما بريطانيا والدول الأخرى التي يشير المنظرون إليها، فقد 

انتقلت الى النظام الذي يعطي لكل دائرة مقعدا في البرلمان بعد أن اكتمل نظامها الحزبي وتجذرت فيها الأحزاب في 

كل بقعة جغرافية ووحدة اجتماعية. إنه لمن العار على هؤلاء المنظرين القيام باستعارة كسرة من طوبة في بناء 

إنجليزي متكامل ويتجاهلوا باقي البناء ليجعلوا من هذه الكسرة وحدها هي البناء الأردني المطلوب. ونتمنى على 

هؤلاء المنظرين، إن كانوا لا يعلمون، أن يدرسوا النظام البرلماني في بريطانيا وفي الدول التي أخذت به وكيف 

تكامل بناؤه، ليدركوا بعدها في أي جهل يعمهون، ولأي تجهيل يسعون، ألا ساء ما يفعلون.

 

وفوق الدوائر الواسعة كمتطلب أساسي لنمو الأحزاب وفقا لما أسلفنا، فإنه يسير جنبا الى جنب مع هذا كمتطلب 

أساسي، عدم تدخل أي جهة في سلامة الانتخابات ونزاهتها. وبغير هذا، فلن تنمو أحزابا ولا مواقف وسيظل 

السياسي أسيرا للمطبخ الأمني.

 

وهنا نتساءل: هل هناك رغبة لدى حكومات تتحرك بإرادة أمنية، في نمو أحزاب وتحقيق حياة ديمقراطية؟ إذا كان 

إصدار قانون انتخاب متوازن والإفراج عن الحريات يؤدي الى تطور المواقف والطروحات لتصبح أحزابا تنمو وتكبر 

الى الحدود التي توصلها للأغلبية، أو كان فتح المجال للأحزاب الصغيرة يوصلها الى حد الأغلبية، بحيث يستطيع 

حزب الأغلبية هذا أن يسمي رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة، سواء من الناحية الواقعية أو الدستورية، فهل يقبل 

الأمني بمثل ذلك الإفراج أو بإصدار مثل هذا القانون؟ هل يقبل الأمني بالوسيلة الديمقراطية التي توصل الى المجلس 

النيابي أغلبية لا تدين له بوجودها، وتفرض رئيس حكومة لا يدين لها بوجوده، ثم وزراء لا دور للوح الأمني 

المحفوظ بجلوسهم على مقاعد الحكم؟ وفقا لمنطق الأمني فإن وصول الأمور الى هذا الحد، يعني حلول المطبخ 

السياسي محل المطبخ الأمني وتراجع دور هذا الأمني وصيرورته مقودا للسياسي، ليصبح هذا السياسي هو الذي 

يقرر ما هو الهام وما هو غير الهام مما تجمع لدى الأمني من معلومات، وذلك أسوة بكل دولة من دول 

الديمقراطيات المعاصرة.

 

لكن عقود الزمن الخمسة الماضية التي تراكم فيها تصاعد دور الأمني وطُرق استحواذه على مفاتيح كل الأبواب، بما 

فيها مفاتيح الأبواب التي يدخل منها العديد من رؤساء الوزارات والوزراء والأمناء العامون ومدراء المؤسسات 

ورؤساء الجامعات وكل مرشح للصعود، فضلا عن مفاتيح الأبواب التي يتم الإخراج منها لكل من هو غير مطيع، 

نقول إن مثل هذا التراكم قد يدفع الأمني الى عدم قبول التنازل عما وصل إليه!!! فإذا كان الأمني قد ترك انطباعا 

ومقولة مؤداها أنه لولاه لما كان هناك دولة أو أمن أو نظام، فهل تبقى هناك إرادة لتجريده من دور ولّد ذلك 

الانطباع وتلك المقولة من خلال أمثلة للإقناع لا يشهد عليها نوعاً وحجماً وتأثيراً سواه. ومن جهة أخرى هل يمكن 

أن يتنازل الأمني عما تجمع لديه من تراكمات الدور وسلطانه وطُرق الاستحواذ عليه، حتى يصل الأمر الى حكومة 

تجسد أغلبية برلمانية تحل مكان الشعب الذي انتخبها في ممارسة السلطات!! وإذا قيل كما يقال، أن الوصول الى مثل 

هذه الأغلبية يتقاطع مع مصالح محلية ودولية، ويتلاقى في هذه المصالح، الأمني مع المحلي والدولي، في الحدود 

المقبولة والحدود غير المقبولة، فإننا نتساءل، هل يبقى بعد ذلك أي مجال لتصبح الحقوق والحريات بمفهومها 

الوارد في الدستور نقطة الانطلاق للتنمية السياسية؟ وإذا قنعنا كبداية بمجرد التخفيف من الأضواء الحُمر والخُضر 

والصُفر التي يقبض الأمني على مفاتيحها ليضبط الحركة عند السياسي، فما هو السقف الذي يراد للتنمية السياسية 

أن تبلغه ؟؟

 

إن التنمية السياسية في الأردن ينبغي أن تتعامل مع واقع أردني كمنطلق، فتحدد معطياته القائمة وتتوصل الى 

الأسباب التي جعلته على هذا النحو من أجل إحلال أسباب مكانها تقود الى التنمية السياسية المطلوبة. ومن هذا 

المنطلق نقول إذا بقي قانون الصوت الواحد قائما، فإن الحديث عن تنمية سياسية يغدو رفاهية فكرية، تختلط فيها 

رؤى الباحث السياسي المنتمي مع تجار الفتاوى وشعر المديح.

 

إن الأردنيين لا يطلبون كثيرا إن هم طالبوا بالعودة الى قانون انتخاب كان ساريا أيام الأحكام العرفية وأيام قانون 

الدفاع هو قانون عام 1986. لماذا يكون هذا المطلب المتواضع الذي يشكل ركنا أساسيا من أركان التنمية السياسية 

صعب المنال على الأردنيين، إن كان رفع شعار التنمية السياسية مقصودا به التغيير؟؟ إن التنمية السياسية في ظل 

الواقع الأردني لا يمكن أن تقوم من غير أحزاب، وإن الأحزاب من غير إيصال من يعكس صوتها تحت قبة البرلمان لا 

تستطيع النمو، كما أن الأحزاب من غير قانون انتخاب يأخذ بعين الاعتبار ضرورة الانطلاق من معطيات أفادت من 

أخطاء الماضي سيجعلنا نراوح مكاننا استكمالا لمراوحات مضى عليها من الزمان العقود، ومن ثم فإنه من غير تعدد 

المرشحين الذين يحق للناخب اختيارهم ودوائر واسعة يلتقط منها الحزبي أصواته من قرى وبوادي وأحياء عن 

طريق المجهر عند البدايات، لإيصال مرشحه الى البرلمان، فلن تنمو أحزابا ولن تستمر، بل على العكس، سيكون 

الضمور والموت البطيء مصير كل منها كما يشهد واقع الحال.

 

لكن ما يطلبه الأردنيون لا يتحقق عن طريق التمنيات، لأن الحقوق والحريات ليست منحا يتم استجداؤها. إن الحقوق 

والحريات هي جزء لا يتجزأ من تكوين الإنسان وجبلته، من غيرها يصبح قِنّا أو عبدا، حتى ولو كان يلبس أحدث 

الموضات الباريسية ويشاهد جميع الفضائيات. إن على الأردني أن يعمل جاهدا لتطبيق نصوص دستوره التي تؤكد 

ما له من حقوق وحريات، وخلق معطيات واقعية يفرضها على نحوٍ يتجاوز الماضي لينطلق منها. إن على المواطن 

الأردني أن يعمل جاهدا لتلتزم حكوماته بحدود ما لها في الدستور من سلطات.

 

إن شعوب الديمقراطيات المعاصرة وصلت الى ما هي عليه الآن نتيجة تطور طويل، واستخدمت في هذا التطور 

وسائل أصبحت تشكل قانونا اجتماعيا للتطور السياسي ومفهوم الدولة والسلطة فيها. لقد كانت تلك الشعوب توصل 

ضغطها على الحكومات حدا لا مناص بعده إلا انحناء الحكومات أو المقاومة التي يعقبها انكسار، وفي الحالين كان 

المجتمع يتقدم خطوة. ومع كل خطوة تقدم كانت تلك الشعوب تكتسبها، كانت تحافظ عليها وتعتبرها نقطة انطلاق الى 

خطوة أخرى، وهكذا، حتى أصبحت تلك الشعوب مصدرا للسلطات حقيقة وفعلا.

 

وما دام الدستور الأردني يؤكد على ما للأردنيين من حقوق وحريات وحدود ما ينبغي أن يمارس عليهم من 

السلطات، وأنهم كشعب هم مصدر تلك السلطات، فإن عليهم أن يُفعّلوا دستورهم ولا يكتفوا بالتمنيات.

 

ولكن كيف يتم هذا؟ لماذا يبدأ الأردنيون من الدستور وكيف يبدأون؟

هذا ما سوف نراه الآن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70267
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 د. محمد الحموري Empty
مُساهمةموضوع: رد: د. محمد الحموري    د. محمد الحموري Emptyالأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:29

سابعا:     من أين نبدأ وكيف نبدأ:

 

إن موضوع التنمية السياسية بأي معيار هو الإعلاء من شأن الحقوق والحريات كأمر لا يجوز أن يفارق طبيعة 

الانسان وكوسيلة لا يستطيع بغيرها حكم نفسه بمنطق ديمقراطي من ناحية، ثم رد الحكومات الى حدود سلطاتها 

المباحة لها والمفروض عليها ممارستها من ناحية أخرى.

 

وهنا ينبغي أن نلاحظ أن التعديلات التي جرت على الدستور الأردني، كما أسلفنا، قد مكّنت الحكومات من الافتئات 

على السلطات الأخرى والتغوّل على الحقوق والحريات في آن معا. وفوق ذلك، فإنه عندما لم تستطع الحكومات أن 

تجد لافتئاتها وتغولها سندا من النصوص الدستورية التي عملت على تعديلها، فقد كانت تلجأ الى المجلس العالي عله 

يعطي لنصوص الدستور مدلولات تتجاوب مع رغباتها، وعند الاقتضاء، كان لا يهم تلك الحكومات أن تجد لتجاوزاتها 

سندا من دستور أو قانون. وفي الوقت الذي يستحق فيه الأردنيون عودة النصوص الدستورية الى الحالة التي 

شرّعها الآباء عام 1952، فإن احتياج تلك العودة الى فترة من الزمن، لا يجوز أن يشكل عائقا أمام البداية في 

التنمية السياسية المطلوبة للأردنيين.

 

لكن منطلق البداية ينبغي أن يكون من الدستور القائم الآن وحتى من نصوصه الموجودة والنافذة في الوقت 

الحاضر، رغم كل السلبيات التي أحدثتها التعديلات التي جرت على الدستور والمدلولات المصلحية التي أعطيت لعدد 

من نصوصه، وفي ذات الوقت الاستمرار في الضغط باتجاه عودة النصوص الغائبة الى مكانها. وما دامت النصوص 

القائمة تتحدث عن حقوق وحريات من ناحية ثم سلطات تتم ممارساتها لرعاية تلك الحقوق والحريات من ناحية 

أخرى، فإن البداية تقتضي إعمال النصوص وفقا لمدلولاتها في دول النظام البرلماني والالتزام بهذه المدلولات. 

ونبين فيما يلي من أين نبدأ وكيف نبدأ.

 

أ‌.              لماذا من الدستور نبدأ:

 

سبق أن بيّنا أنه إذا كان تحقيق التنمية السياسية يبدأ من تطبيق نصوص الدستور، فإن هذه النصوص القائمة 

والموجودة، منذ نصف قرن، تم إلغاء أو تعديل بعضها على نحو شكل تراجعا وإخلالا في التوازن الذي يقتضيه 

النظام البرلماني. أما النصوص التي بقيت على حالها، فلم تُقم الحكومات وزنا لمدلولاتها السليمة في كثير من 

الحالات. ذلك أن هذه الحكومات أعطت لنفسها الحق في أن تفهم مدلول جانب من نصوص الدستور على هواها وبما 

يخدم انفرادها بالسلطة، في حين أن العديد من النصوص الأخرى قد أُعطيت مدلولات مصلحية من قبل جهات رسمية 

أو استشارية شكلت فتاوى سلطانية للحكومات تم تفصيلها حسب الطلب.

 

وما دامت نصوص الدستور الأردني تتكون، كأي دستور آخر، من مجموعة من الأحكام متعلقة بالحقوق والحريات 

وأخرى متعلقة بالسلطات التي ترعاها من خلال ممارساتها، فإن التنمية السياسية ينبغي أن تتناول الأمرين معا وتعيد 

الى كل مجموعة مدلولاتها ومضامينها الحقة، كما استقرت لدى الشعوب التي أخذنا النصوص منها.

ففي مجال الحقوق والحريات الدستورية، استخدمت الحكومات، كما أسلفنا، نصوص القوانين العادية والمؤقتة 

لتفريغ العديد من نصوص الدستور من مضامينها المستقرة في الفكر الدستوري، إذ ما لم تستطع الحكومات تمريره 

من تلك القوانين من خلال سلطة التشريع، أصدرته كقوانين مؤقتة، وغدا تراكم القوانين المذكورة العابثة بالحقوق 

والحريات في الوقت الحاضر عبئا ثقيلا على الدستور وحياة المواطنين في آن معا. وما دامت الحكومة جادة في 

طرح شعار التنمية السياسية، فإن نقطة البداية ينبغي أن تكون بعودة تلك الحقوق والحريات الى مدلولاتها 

ومضامينها التي استهدفها الدستور.

 

وهكذا، فمن الحقوق والحريات الدستورية إذن نبدأ. ولكن يبقى التساؤل كيف نبدأ ؟ فلنؤجل الجواب قليلا.

 

ومن ناحية أخرى، فإن النصوص التي تحكم السلطات وصلاحياتها، وترسم الضوابط لها، قد أصبحت في العديد من 

الحالات مجرد ديكورات يتغنى بجمالها النصي حملة المباخر وغيرهم من المطربين السياسيين والقانونيين، لأن 

المدى الذي ذهبت إليه الحكومات في تجاوزاتها جعل النصوص الدستورية في واد ديكوري والممارسات الواقعية في 

واد آخر. وما دامت الحكومة جادة في طرح شعار التنمية السياسية، فإن نقطة البداية ينبغي أن تكون بعودة 

الممارسات عند السلطة الحكومية الى حدودها الدستورية لا تتخطاها. نقول السلطة الحكومية، لأن الحكومات تغولت 

على السلطتين التشريعية والقضائية. وإذا كانت الحكومات قد استحوذت بوسائلها المختلفة على توجهات السلطة 

التشريعية، أعيانا ونواب، فإن هذه الحكومات لا تزال تحاول الاستحواذ على كامل توجهات السلطة القضائية.

 

وهكذا، فمن عودة الحكومات الى حدودها الدستورية إذن نبدأ. ولكن يبقى التساؤل مرة أخرى، كيف نبدأ؟

 

 

 

 

ب‌.         كيف نبدأ:

 

إن إفراغ الحقوق والحريات من مضامينها الدستورية يتم بمقتضى قوانين تستغل الحكومات صلاحياتها بتنفيذها. وقد 

تكون هذه القوانين مؤقتة تستغل الحكومات عدم انعقاد مجلس النواب أو تغييب هذا المجلس من أجل إصدارها. 

وسواء أكانت القوانين عادية أم مؤقتة، فإن الحكومات تصدر لتنفيذ تلك القوانين، أنظمة و/أو قرارات تستعملها 

كأدوات للإفراغ المذكور. ثم عند مخالفة المواطن المخاطب بتلك القواعد لما تريده الحكومة، يكون العقاب جزاء وفاقا 

لتلك المخالفة، في صورة اعتقال أو حبس أو سجن أو غرامة أو عزل أو فصل أو حرمان أو تأديب. ومع تكرار 

العقاب على هذا النحو وتعدد الحالات، ثم تراكم ذلك بف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
د. محمد الحموري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإمام محمد عبده.. حين اتَّهم محمد علي باشا بتدمير مصر
» مقارنة بين محمد جواد ظريف وصائب محمد عريقات
»  بيت النبي محمد ﷺ من الداخل , داخل قبر الرسول محمد
» محمد المختار بن محمد سيد الأمين الشنقيطي
»  محمد الهندي نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي من بيروت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: اردننا الغالي :: شخصيات اردنيه-
انتقل الى: