منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا Empty
مُساهمةموضوع: حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا   حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا Emptyالسبت 06 يناير 2024, 5:33 pm

حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا 3-1703509114







حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا




دعوى استخدام حماس المدنيين دروعًا بشرية، هي أحد أبرز المزاعم في الحرب الإسرائيلية الجارية على غزة. فمنذ بدايات 


أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دأب المسؤولون الإسرائيليون خاصة، والغربيون عامة، على تَكرار هذه الدعوى في كل 


مناسبة؛ بوصفها جزءًا من إدارة الحرب الإسرائيلية (والأميركية والأوروبية) نفسها، وذلك من أجل ما سُمي: "حق إسرائيل 


في الدفاع عن نفسها"، الذي وجد ترجمته الوحيدة في قصف غزة قصفًا مكثفًا وواسعًا لنحو ثلاثة أشهر حتى الآن؛ بهدف 


القضاء على حماس وتدمير إمكانات المقاومة الفلسطينية.


وإذا كان مصطلح "الدروع البشرية" مصطلحًا عسكريًّا وقانونيًّا في الأصل، فإن استخدامه المكثف- في هذه الحرب على 


ألسنة المسؤولين العسكريين والسياسيين- شكّل غطاءً سياسيًّا غربيًّا للحرب؛ لصيانة أهدافها المادية: (العسكرية والأمنية)، 


بالرغم من كُلفتها الإنسانية الباهظة وغير المسبوقة.


ومناقشة مسألة "الدروع البشرية" مناقشة وافية، تستدعي استيعاب عدة منظورات تشمل المنظورين: السياسي والعسكري 


من جهة، والمنظورين: القانوني والأخلاقي من جهة أخرى. ولذلك سأخصص هذا المقال لإثبات أن استخدام السياسيين 


والعسكريين الإسرائيليين والغربيين مصطلحَ "الدروع البشرية" هنا هو جزء من الحرب (السياسيّة والعسكريّة)، على أن 


أخصص مقالًا آخر لإثبات أن الادعاءات الإسرائيلية والغربية -لو سلمنا بها – لا تسوّغ وقوع هذا العدد الهائل من الضحايا 


المدنيين الفلسطينيين، لا قانونيًّا ولا أخلاقيًّا.


تواطأ مختلف المسؤولين الغربيين -منذ حدث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023- على الادعاء بأن حماس تتخذ سكان غزة دروعًا 


بشرية، وسأشير هنا إلى بعض الوقائع الدالة.


ففي 13 أكتوبر/ تشرين الأول، أكد قائد في القوات الجوية الإسرائيلية لقناة"الحرة" الأميركية أن المقصود من القصف 


الواسع لغزة هو "حماية مواطني إسرائيل، وأن حركة حماس تستخدم المدنيين دروعًا بشرية". وفي 16 أكتوبر/ تشرين 


الأول حمّل أوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق حركة حماس المسؤولية الكاملة عن الضحايا 


الفلسطينيين؛ زاعمًا أن حماس تستخدم المدنيين دروعًا بشرية، وتمنعهم من النزوح إلى جنوب غزة.


في 2018 اتهمت نيكي هايلي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، حركة حماس باستخدام الأطفال "دروعًا بشرية"، وذلك 


إثر مقتل عشرات الفلسطينيين خلال تظاهرات في قطاع غزة، وهو السلوك الذي نشاهده في الحرب الجارية تمامًا


وفي 20 أكتوبر/ تشرين الأول، قال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي: "إن حماس تستخدم المدنيين دروعًا بشرية"، 


و"إن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها ضدّ هجمات حماس". وفي 27 أكتوبر/ تشرين الأول، قالت ليندا توماس 


غرينفيلد سفيرة الولايات المتحدة الأميركية -خلال جلسة طارئة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة -: "إن حماس لم تهتم 


يومًا لاحتياجات من تدّعي أنها تمثلهم أو مخاوفهم الحقيقية أو سلامتهم. لا تحترم حماس حكم القانون أو حياة الإنسان، 


فالمدنيون الفلسطينيون -برأيها- قابلون للاستبدال ومجرد دروع بشرية".


ويبدو أنه جرى التسليم بهذه الدعوى من قبل الجانب الغربي، مع كثرة تَكرار المسؤولين لها، حتى إن الاتحاد الأوروبي قد 


تبناها رسميًّا، واتفق وزراء خارجية دوله على ذلك. ففي 12 نوفمبر/ تشرين الثاني أدان الاتحاد الأوروبي حركة حماس؛ 


بزعم "استخدامها المستشفيات والمدنيين دروعًا بشرية في غزة"، بل إن الأمر وصل إلى الميدان الإعلامي، فقد نشرت 


صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية رسمًا كاريكاتيريًّا تحت عنوان: "دروع بشرية".


يصوّر الرسمُ شخصًا -يُفتَرض أنه حماس- يقول وقد ربط إلى جسده بحبلٍ امرأةً و4 أطفال: كيف تجرؤ إسرائيل على مهاجمة 


المدنيين؟!. ولكن الصحيفة اضطرت -فيما بعد- إلى حذف الرسم من موقعها الإلكتروني؛ بسبب انتقادات القرّاء، في حين بقي 


الرسم منشورًا في النسخة المطبوعة مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أي بعد أن جرى تعزيز هذا الادعاء على ألسنة 


المسؤولين الغربيين لنحو شهر كامل.


وثمة -على مستوى الوقائع- مفارقة تتمثل في أمرين:


الأمر الأول: أن المسؤولين الإسرائيليين والغربيين لم يكلفوا أنفسهم عناء إثبات تلك الدعوى أو مناقشتها أيضًا؛ شأنهم في 


ذلك هو شأنهم مع باقي الدعاوى والتسويغات التي دأبوا على تكرارها أثناء الحرب الجارية على غزة. وقد نفت حماس -


باستمرار- هذا الادعاء الذي دأب الإسرائيليون على تكراره في جميع حروبهم السابقة على غزة.
ففي 2010 -مثلًا- أعد روفين أرليتش، مدير مركز الاستخبارات والمعلومات الإرهابية الإسرائيلي، تقريرًا اتهم فيه حماس 


باستخدام الأطفال دروعًا بشرية، وإنشاء مراكز قيادة ومنصات لإطلاق صواريخ القسام على مقربة من نحو 100 مسجد، 


وعلى مقربة من المستشفيات.


ولم يكتفِ أرليتش بذلك، بل قد شنّ هجومًا حادًا على تقرير المحقق الدولي ريتشارد غولدستون؛ لأنه لا يؤيّد مزاعم إسرائيل، 


واتهمه بأنه "أحادي الجانب ومتحيّز وخادع؛ بما أنه يقبل ادّعاءات حماس". وفي 2015 أصدرت وزارتا الخارجية والعدل 


الإسرائيليتان تقريرًا يكرر المزاعم نفسها، ويصف "الإستراتيجية التي اتبعتها حماس" بأنها "نقلت القتال إلى المناطق 


المدنية المأهولة واستخدمت مدنيين دروعًا بشرية".


وكعادتهم، كرّر المسؤولون الأميركيون مزاعم المسؤولين الإسرائيليين؛ رغم أن هذه المزاعم صادرة من جهة هي طرف في 


الصراع وخصم. وفي 2018 اتهمت نيكي هايلي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، حركة حماس باستخدام الأطفال "


دروعًا بشرية"، وذلك إثر مقتل عشرات الفلسطينيين خلال تظاهرات في قطاع غزة، وهو السلوك الذي نشاهده في الحرب 


الجارية تمامًا.


الأمر الثاني: أنه -على العكس مما سبق- ثمة تقارير عديدة صادرة عن مؤسسات ومنظمات دولية ومستقلة تُعنى بحقوق 


الإنسان، وثّقت استخدام إسرائيل المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية في أنشطتها الأمنية والعسكرية السابقة، بل إن إسرائيل 


قد استخدمت -أيضًا- أطفالًا فلسطينيين في هجماتها على غزة والضفة الغربية المحتلة. وكانت منظمة "اليونيسيف" لحماية 


الطفولة ورعايتها، قد أعدت -قبل سنوات- مشروع تقرير في ذلك يدين إسرائيل، الأمر الذي أثار حفيظة إسرائيل كالمعتاد 


فشنت هجومًا شديدًا على المنظمة الأممية.
ففي الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005)، استخدمت القوات الإسرائيلية المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية في نحو 


1200 مناسبة، بحسب مسؤولين إسرائيليين ومنظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش. وفي حرب غزة 2008-2009 


اتهمت منظمة العفو الدولية ومنظمة "كسر الصمت" إسرائيلَ باستخدام المدنيين والأطفال دروعًا بشرية؛ لحماية تمركز 


القوات أثناء التوغلات في قطاع غزة، وللسير أمام الآليات العسكرية عند اقتحام منزل يُعتقد أنه مفخخ. وفي الحرب على غزة 


عام 2014 اتهم مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، إسرائيل بالاستمرار في استخدام الأطفال الفلسطينيين دروعًا 


بشرية، وإجبارهم على العمل مرشدين.


وبالرغم من ثبوت هذه الوقائع -وقد صدر في إحداها حكمٌ قضائي إسرائيلي بحق جنديين استخدما طفلًا فلسطينيًّا درعًا بشريًّا- 


جرى تكرار المزاعم الإسرائيلية وتبنيها من قبل المسؤولين الغربيين دون مساءلتها، ويرجع ذلك -كما سبقت الإشارة- إلى 


تحقيق أهداف سياسية وعسكرية، تتمثل في التحرر من القيود التي يفرضها القانون الإنساني الدولي في الحرب، وعلى 


رأسها مبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين؛ خصوصًا في حرب غير تقليدية تجري داخل المدن، وعلى حركة هي ليست 


دولةً ولا جيشًا نظاميًّا، وفي منطقة مصنفة ضمن قائمة المناطق الأكثر كثافة سكانية في العالم، ومن ثم شكلت دعوى "


الدروع البشرية" ضرورة بالنسبة للجيش الإسرائيلي وداعميه لتسويغ هذه الحرب، ومنح الجيش حرية أكبر في الحركة 


لتحقيق أهدافه المادية؛ بالرغم من وقوع آلاف الضحايا من المدنيين، وخاصة من الأطفال والنساء.


من يستخدم الدروع البشرية يلجأ إليها -عادة- لإجبار خصمه على الاحتكام إلى ضوابط ذاتية يفرضها على نفسه؛ لضمان 


الامتثال للقانون الدولي الإنساني، وبهذه الصورة يكبح جماح العمل العسكري المضاد، ويقلل من فاعلية سلوك العدو فيُعيقه 


عن تحقيق أهدافه المبتغاة، ويحمي نفسه، لكننا في غزة أمام لون جديد من الحرب، وهو استثمار حجة "استخدام الدروع 


البشرية"؛ لخدمة الأهداف السياسية والعسكرية، والتغلب على الصعوبات التكتيكية العسكرية المتمثلة في صعوبة التمييز 


بين المدني والعسكري؛ نظرًا لعدة خصائص تتمتع بها غزة ألخصها في الآتي:


الخَصِيصة الأولى: أن الحرب في غزة تجري في منطقة ذات كثافة سكانية عالية جدًّا، ومن ثم فإن أي عمل عسكري يستلزم 


كلفة إنسانية باهظة، خصوصًا أن الجيش الإسرائيلي يجبن عن المواجهة المباشرة، ويعتمد -بكثافة- على الترسانة 


العسكرية، والقدرة الفائقة على التدمير عن بُعد.
الخَصِيصة الثانية: أن المواجهة هنا مع "عدو" غير تقليدي، ومن ثم يصعب تمييز المقاتلين من المدنيين.
الخصيصة الثالثة: أن طبيعة السلاح البدائي ومحلي الصنع الذي تستخدمه حركات المقاومة، يَحرِم الجيش الإسرائيلي من 


معرفة تفاصيله وأماكنه، ومن ثم يفقد السيطرة في المعركة؛ خاصة بالنسبة لشبكة الأنفاق التي تحرم الجيش الإسرائيلي من 


إمكان التمييز بين المنشآت العسكرية والمنشآت المدنية. فليس هناك منشآت عسكرية فوق الأرض، كما لا يوجد منصات 


نظامية لإطلاق الصواريخ؛ لأنها بدائية ومتحركة.
تسهم هذه الخصائص مجتمعةً في تعقيد الحرب الإسرائيلية على غزة، ومن ثم تتسبب المشكلات العسكرية التكتيكية في 


مشكلات قانونية وأخلاقية. فالالتزام بمبدأ التمييز بين المدني والعسكري سيحول دون تحقيق الأهداف المادية للحرب؛ لأن 


تدمير شبكة الأنفاق -مثلًا- يعني تدمير الأبنية الكثيفة التي فوقها بمن فيها من البشر، ومن ثم كان الإسرائيليون وداعموهم 


بحاجة ماسّة إلى استثمار مصطلح: "استخدام الدروع البشرية" هنا؛ لتحقيق جملة أهداف تتلخص في الآتي:


الأول: التغلب على المشكلات العسكرية التكتيكية الخاصة بصعوبات الحرب وتعقيدات العدو وأرض المعركة، ومنح الجيش 


الإسرائيلي حرية أكبر في الحركة لتحقيق أهدافه العسكرية.
الثاني: الخروج على المعنى التقليدي والقانوني لفكرة "الدرع البشري"، وتسمية تكتيكات المقاومة -وأبرزها الأنفاق- "


دروعًا بشرية"؛ لمجرد أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على التمييز بين المدني والعسكري، أو تحديد الأهداف العسكرية 


للعدو؛ ومن ثم رمَى الكرة في ملعب حماس؛ ليغطي على عجزه العسكري والاستخباراتي.
الثالث: التترّس بغطاء قانوني وأخلاقي يتصور أنه يعفيه من مسؤولية قتل هذا العدد الضخم من المدنيين، وتحميل المسؤولية 


بالمقابل لحركة حماس؛ لأنها لا تقاتل بشكل واضح ومكشوف للجيش الإسرائيلي، بحيث يتسنى له استهدافها بسهولة، في 


حين أن المسألة متعلقة بفشل ذريع للجيش الإسرائيلي؛ لأنه غير قادر على تحديد أهدافه بدقة، ولا قادر على الالتزام بالقانون 


الدولي الإنساني في الحرب (وخاصة حماية المدنيين).
والنتيجة وقوع هذا العدد الهائل من الضحايا المدنيين والتسبب في كارثة إنسانية غير مسبوقة، ومن ثم اختلاق تعليلات عدة 


لاستهداف المنشآت المدنية، وخاصة المستشفيات والمدارس. من تلك التعليلات المختلقة مثلًا: إطلاق حماس صواريخها من 


مناطق مدنية. ومنها أيضًا: استخدام بعض المستشفيات لأغراض عسكرية.


ففي الحرب على غزة سنة 2014 كانَ مستشفى الوفاء أحد الأهداف الإسرائيلية؛ بحجة أنه "مركز قيادة" حماس، وفي الحرب 


على غزة سنة 2023 كان مستشفى الشفاء أحد أبرز الأهداف الإسرائيلية؛ بحجة أنه "مركز قيادة" حماس!


وكل هذه الذرائع والحجج الواهية يُقصد بها التغطية على فشل إسرائيل العسكري في مواجهة الصعوبات التكتيكية العسكرية 


في هذه الحرب. ولكن الكلفة الإنسانية العالية جدًّا في هذه الحرب تنقلنا إلى مستوى آخر من النقاش، وهو النقاش القانوني 


والأخلاقي فيما يخص "الدروع البشرية"، وهو ما سأعالجه في المقال القادم بإذن الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا Empty
مُساهمةموضوع: رد: حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا   حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا Emptyالسبت 06 يناير 2024, 5:34 pm

"الدروع البشرية" في غزة من منظور قانوني وأخلاقي


أوضحت -في مقال الأسبوع الماضي– كيف أن السياسيين والعسكريين الإسرائيليين والغربيين استثمروا -جميعًا- حُجة "


استخدام الدروع البشرية" بوصفها جزءًا من الحرب السياسيّة والعسكريّة على غزة. وفي هذا المقال أوضح كيف أن ذلك 


الاستثمار السياسي لمصطلح قانوني وعسكري هو: "الدروع البشري" (human shields) لا يُسوّغ -من الناحيتَين 


القانونية والأخلاقية- وقوع هذا العدد الهائل من الضحايا المدنيين الفلسطينيين.


ثمة -في هذا السياق- تعبيران يحملان المعنى نفسه من حيث اللغة، ولكنهما يحيلان -من منظور تاريخي ومفهومي- إلى 


أمرَين مختلفين. التعبير الأول: هو "الدروع البشرية"، والتعبير الثاني: هو "التترس" (اتخاذ تُرْس). فالأول عسكري 


وقانوني حديث يعبّر عن جريمة حرب، بينما الثاني فقهي وصفي يُطلب فيه الحكم المعياري، وثمة خلاف حول تفاصيله بين 


المذاهب الفقهية تاريخيًّا، وقد استخدمته جماعات العنف -في الزمن الحاضر- لتسويغ إصابة المدنيين المسلمين في معاركها 


مع الأنظمة السياسيّة الداخلية.


لا ينبغي للنقاش حول "الدروع البشرية" أن يتحول إلى نقاش تقني أو قانوني الطابع فقط؛ إذ إن القيمة المركزية هنا هي 


صيانة أرواح المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب


أمّا اتخاذ دروع بشرية، فهو أمر مجرّم في القانون الدولي، ويتضمن أمرين:


الأول: استخدام المدنيين بشكل مباشر في الحرب،
والثاني: الاستفادة من وجود المدنيين؛ لحماية هدف عسكري من الهجوم عليه، أو لإعاقة العمليات العسكرية للعدو.
أما التترس، فمعناه أن يحتمي العدو غيرُ المسلم بمن يَحرم قتله (من المسلمين أو أهل الذمة وَفق الاصطلاح التاريخي)، يريد 


بالتُرْس صدَّ المسلمين عنه لتحقيق غرض عسكري.


ونلحظ فوارق عدة بين مفهومي الدروع البشرية والتترس وهي:


الأول: أن التترس يتمحور -أساسًا- حول اتخاذ العدو غير المسلم ترسًا ممن يَحْرم قتله، ومن ثم انصرف النقاش الفقهي 


التاريخي إلى حكم المضي قدمًا في العمل العسكري؛ إذا كان سيؤدي إلى قتل الترس البشري (من المسلمين أو أهل الذمة أو 


نساء العدو نفسه وصبيانه الذين يَحرم قتلهم في الحرب).
ومن اللافت أن النقاش الفقهي حول التترس يستبعد -فيما أعلم- فكرة استعمال المسلمين أنفسهم الترسَ، ويبدو أنها لم تكن 


مطروحة ولم يسبق للمسلمين -فيما نعلم- أن استعملوا الترس البشري في الحروب، ولكن استعمله غيرهم قديمًا وحديثًا.


الثاني: أن التترس جزء من منظومة ما قبل الدولة الحديثة التي تصوغ تصورها الخاص حول من يَحرم قتله في الحرب، بينما 


تتمحور فكرة الدروع البشرية حول مبدأ أو قاعدة مركزية، وهي التمييز بين المدني والعسكري أولًا، وإعطاء حرمة متميزة 


للمدني وحمايته في الحرب ثانيًا، ومن هنا اعتُبر استخدام الدروع البشرية جريمة قانونية؛ لأنه يلغي هذه الفوارق ويهدر 


حرمة المدنيين الذين ليسوا جزءًا من الحرب ولا يساهمون فيها. وعلى هذا، فمفهوم "المدني" الحديث أوسعُ من التصورات 


الفقهية الكلاسيكية لمن يَحرم قتله في الحرب.
لننتقل الآن إلى الحرب على غزة لننظر فيما إذا كان يتحقق فيها مفهوم "الدروع البشرية"، كما يدعي الإسرائيليون 


والأميركيون وغيرهم من الأوروبيين؟


قلنا: إن المعنى القانوني للدروع يتضمن أمرين: الأول: "استخدام" المدنيين في الحرب لتحقيق أغراض عسكرية، والثاني: 


"الاستفادة" من المدنيين في الحرب.


فـ"الاستخدام" -وهو المعنى الأول- يمكن ضبطه بوضوح، ولم يثبت أن قامت به حماس، ولكن ثبَت أن قامت به إسرائيل 


عشرات المرات، كما أوضحت في مقال الأسبوع الماضي، وهو عمل مجرم في القانون الدولي.


أما "الاستفادة" من المدنيين -وهي المعنى الثاني- فيصعب ضبطها في حالة غزة؛ لثلاثة اعتبارات:


أولها: أننا أمام حرب شنتها إسرائيل على قطاع مدني شديد الكثافة السكانية، ومن الصعب تطبيق شرط تجنب وضع أهداف 


عسكرية داخل مناطق مكتظة بالسكان.
وثانيها: أن هذه الحرب هي حرب من طرف واحد، تدور بين جيش نظامي محتل وحركة مقاومة وطنية ليس لها صفة "


الدولة" ولا صفة "الجيش"، ومن ثم فهي غير قادرة على اتخاذ الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين والأهداف المدنية من 


آثار الهجمات.
ثالثها: أن هذه "الاستفادة" من المدنيين في غزة ليست اختيارًا، وإنما هي جزء من طبيعة المكان والسياق، ولهذا فإن طبيعة 


الاحتلال والجغرافيا والحصار الإسرائيلي المطبق على القطاع كلها عوامل فرضت إستراتيجية المقاومة وليس العكس.
أضف إلى ذلك أن شبكة الأنفاق التي تُستخدم في هذه المقاومة تقع خارج المفهوم القانوني التقليدي لـ "تمركز وحدات 


عسكرية مقاتلة في مناطق مأهولة بالمدنيين"، ومن ثَم فلا يمكن الحديث عن "وضع أهداف عسكرية داخل أو بالقرب من 


مناطق مكتظة بالسكان"؛ لأن التصورات التقليدية للحروب بين الدول تختلف عن حالة قطاع غزة، وإستراتيجية المقاومة 


التي تستعمل الأنفاق، ولا يمكن الحديث فيها عن وضع أهداف عسكرية على الأرض في مناطق مدنية.


ولا بد من إضافة بُعد آخر هنا لمفهوم الاستفادة من المدنيين، وهو تمويه الهدف أو تغيير مظهره من مدني إلى عسكري أو 


العكس، وقد قامت إسرائيل بذلك عدة مرات حين قامت -بشكل متكرر- بقصف المستشفيات وتدميرها؛ بذريعة كونها أهدافًا 


عسكرية، وهو ما لم يثبت حتى الآن!


توضح الاعتبارات الثلاثة السابقة تعقيدات تطبيق مفهوم "الدروع البشرية" على حالة غزة من الناحية القانونية، وتوضح 


-في الوقت نفسه- لماذا ليس لإسرائيل -أيضًا- حق الدفاع عن النفس من الناحيتَين؛ القانونية والأخلاقية، وهو أمر فصّلت فيه 


في مقال سابق.


فالشروط الموضوعة لتجنيب المدنيين الحربَ وضعت للظروف الطبيعية، وفرضت مسؤوليات على الدول بشكل رئيس، ولكن 


حالة غزة تنفرد بكونها أرضًا خاضعة للاحتلال والحصار معًا، وليس فيها دولة ولا قتال نظامي، وكونها صغيرةَ الحجم كثيفة 


السكان، وهذه اعتبارات مهمة في تحقق المتطلبات الواجب اتخاذها لحماية المدنيين من آثار الحرب من جهة، ومهمة أيضًا 


لإمكان الامتثال لها من جهة أخرى.


ولكن لا ينبغي للنقاش حول "الدروع البشرية" أن يتحول إلى نقاش تقني أو قانوني الطابع فقط؛ إذ إن القيمة المركزية هنا 


هي صيانة أرواح المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب، في حين أن ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة غالبيتهم من المدنيين، 


وخاصة من الأطفال والنساء، الأمر الذي لا يمكن تسويغه بذريعة استخدام حماس هؤلاء دروعًا بشرية، وذلك لثلاثة أمور 


رئيسة، هي:


الأمر الأول: مقصد حماية المدنيين في الحرب
سعى القانونيون -من وراء الاتفاقيات القانونية الصادرة بهذا الشأن- إلى تحقيق مقصد وحيد هو حماية المدنيين وتحييدهم 


أثناء الحرب، وفي كل الأوقات ومن قبل كل الأطراف. ويمكن أن نجد هذا المعنى في جميع الاتفاقيات؛ بدءًا من اتفاقية لاهاي 


لعام 1907 م (المادة 23) التي أُنجز فيها أول قانون عابر للدول فيما يخصّ مسألة الدروع البشرية والمدنيين، مرورًا بقانون 


إخلاء الأسرى من مناطق النزاع عام 1929م، وصولًا إلى القوانين الدولية الأخرى الصادرة في هذا الشأن، مثل؛ اتفاقية 


جنيف 1949، والبروتوكول الإضافي لها في 1977، ومعاهدة روما عام 1998.


ولتأكيد كون حماية المدنيين هي المقصد الرئيس، من المهم ملاحظة أمرين: أولهما: أن هذه القوانين جاءت على خلفية 


الانتهاكات بحق المدنيين التي شهدتها الحروب السابقة، وخاصة الحرب العالمية الثانية. وثانيهما: الحرص على ضبط 


مفهوم "المدني"؛ لحمايته ودرء أي أعمال عدائية مقصودة عنه من جهة، ولتحديد وصف الجريمة فيما لو وقعت من الناحية 


القانونية.


فالمدني هو غير المقاتل أو مَن لا يقدم العون العسكري في ميدان المعركة، وهنا يجب توضيح أن المدنيين -بحسب المنظور 


القانوني- يفقدون حصانتهم من الهجمات؛ إذا شاركوا مباشرة في الأعمال العدائية، وخلال هذه المشاركة فقط، وذلك استنادًا 


إلى مبدأَي حصانة المدنيين، والتمييز بين المدنيين والعسكريين.


بل إن إرشادات "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، توضح أن قوانين الحرب تميز أيضًا بين أفراد القوات المقاتلة المنظمة 


المنتمين إلى طرف غير تابع للدولة من جهة، والمقاتلين بدوام جزئي من جهة أخرى. فالفئة الأولى يمكن استهدافها في 


الحرب؛ ما لم تقع في الأسر أو ما لم تُصَب بالعجز، بينما أفراد الفئة الثانية يعتبرون مدنيين ولا يمكن استهدافهم؛ إلا عندما 


يشاركون مباشرة في أعمال عدائية وخلال تلك المشاركة فقط وليس بعدها. أما الأفراد الاحتياطيون في الجيوش الوطنية فهم 


-وفق التعريف القانوني- مدنيون؛ ما لم يلتحقوا بالخدمة، وفي تلك الحالة فقط يصبحون مقاتلين ويمكن استهدافهم.


الأمر الثاني: صيانة مبدأ التمييز بين المدني والعسكري
إنما جرى تجريم اتخاذ الدروع البشرية في الحرب؛ لأنه ينطوي على أفعال محرمة من الناحيتين؛ الأخلاقية والقانونية، ويمكن 


تلخيصها في ثلاثة أمور: أولها: أن اتخاذ الدرع البشري ينطوي على توسل المدنيين؛ أي جعلهم وسيلة من وسائل الحرب، 


وثانيها: أنه ينطوي على استغلال أحد الطرفين قوانينَ الحرب (عصمة المدنيين)؛ لتحقيق نصر عسكري بوسائل غير 


عسكرية من خلال استغلال أهداف مدنية. وثالثها: أن توسل المدنيين في الحرب سيجعلهم عرضة للقتل وجزءًا من أدوات 


المعركة، وهذا سيؤول إلى إلغاء الفارق بين المدني والعسكري، ومن ثم سيُضحى بالمبدأ الأساسي الذي يضبط الحروب من 


الناحيتين؛ الأخلاقية والقانونية، وهو التمييز بين المدني والعسكري.


ولكن لنفترض أن التدرّع بالمدنيين قد وقع بالفعل من أحد الطرفين، هل يسوغ ذلك قتل الدروع؟ هنا وقع تضليل الإسرائيليين 


والأميركيين في المسألة، ففضلًا عن أن تنزيل فكرة "الدروع البشرية" على حالة غزة هو محل إشكال من الناحيتين؛ 


الأخلاقية والقانونية، فإنه -على فرض أننا سلمنا بأنه جرى استخدام الدروع البشرية- ثمة اعتبارات أخرى يلزم تحقيقها في 


هذه الحالة وتُلزم الطرف الآخر في الحرب، وهي:


الأول: أن مبدأ المعاملة بالمثل لا يتحقق هنا؛ ومن ثم فإن انتهاك أحد الطرفين القانونَ لا يسوغ انتهاكه من الطرف الآخر. 


فانتهاك المبدأ من طرف واحد لا يُعفي الخصوم والأطراف الأخرى من التزاماتهم القانونية؛ لأن تسويغ ذلك يعني إلغاء مبدأ 


التمييز بين المدنيين وغيرهم.
الثاني: أن استخدام أحد الطرفين الدروعَ البشرية لا يبيح تعمّد استهداف الدروع أولًا. والواقع أن ثمة تعمدًا لقتل المدنيين (أو 


ما يقع موقع العمد)؛ لأن العمل العسكري يجري في مناطق سكانية كثيفة، ويقع على أهداف ومنشآت مدنية وبأسلحة فتاكة 


ذات تدمير شامل، ولأجل هذا لا يمكن الحديث هنا عن الضحايا المدنيين في غزة بوصفهم "آثارًا جانبية"، كما أوضحت في 


مقال سابق خصصته لهذا المفهوم.
ثم إن استخدام الدروع البشرية المزعوم لا يُعفي من مراعاة مبدأ "التناسب" بين الهدف العسكري وبين حق الدفاع عن 


النفس، لو سلمنا أن لإسرائيل هذا الحق، والأمر ليس كذلك، كما أوضحت في مقال سابق عن "حق الدفاع عن النفس". فلا 


يمكن تسويغ قتل نحو 22 ألفًا، وجرح عشرات الآلاف، كثير منها سبّبت عاهات دائمة، وتدمير مناطق سكانية شاسعة، بل 


نحن أمام جرائم حرب واضحة.


الأمر الثالث: المسؤولية المشتركة
على فرض استخدام حماس دروعًا بشرية في هذه الحرب، فإن الاتفاقيات القانونية تتحدث عن مسؤوليات مشتركة في 


الحرب، فثمة مادتان في البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف وتحديدًا المادتَين: 57-58. تقرر الأولى منهما "احتياطات 


المهاجم في قرار الاستهداف"، بينما تحدد الثانية "التزامات المدافع بإبعاد المدنيين والأهداف المدنية من جوار الاعتراضات 


العسكرية"، وكلتا المادتين تحددان معايير الاستهداف أو قرارات العمليات القتالية للامتثال للمبدأ الأساسي هنا، وهو التمييز 


بين المدنيين والعسكريين، وهو واجب على الأطراف المتحاربة، وفي الأوقات كافةً.


وبناءً على هذا لا يمكن اختزال المسألة في إلقاء اللوم على من اتخذ الدروع البشرية المزعومة من دون مساءلة أفعال الطرف 


العسكري الذي قتل نحو 22 ألفًا من المدنيين؛ بذريعة كونهم دروعًا بشرية.


صحيح أنه يجب على الجميع أن يتجنب وضع أهداف عسكرية داخل مناطق مكتظة بالسكان أو بالقرب منها، ولكن يجب على 


الطرف المهاجم -أيضًا- اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين والأهداف المدنية الواقعة تحت سيطرة الطرف الآخر من 


مخاطر العمليات العسكرية، وهو ما لم تقم به إسرائيل على الإطلاق.


تشمل تلك الاحتياطات -مثلًا- إخلاء المدنيين، وتنسيق خدمات الطوارئ، واتخاذ تدابير الدفاع المدني أو إذاعة تحذيرات أو ما 


شابه.


وقد اكتفت إسرائيل بالتذرع بإرسال رسائل تحذيرية تطلب تهجير الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه قطعت الإنترنت والكهرباء 


ومنعت المساعدات الإنسانية والطبية ولم توفر طرقًا آمنة ولا ملاجئ ولا خِدمات طوارئ؛ بالرغم من كون كل ذلك واجبًا 


عليها بوصفها قوة احتلال أولًا قبل أن توجبه قوانين الحرب!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا Empty
مُساهمةموضوع: رد: حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا   حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا Emptyالسبت 06 يناير 2024, 5:35 pm

حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا Pic-9623-1700680182





المسوغات "الأخلاقية" لقتل المدنيين في غزة




لا يمكن لأي دولة أو جهة أن تعترف -صِرَاحًا- في الحروب باستباحة قتل المدنيين أو غير المقاتلين بمن فيهم الأطفال 


والنساء، وذلك لأسباب مختلفة أولها قانوني؛ خوفًا من المساءلة، خصوصًا في الدول الديمقراطية التي للقانون فيها سُلطة. 


ولذلك يحتاج السياسيون والعسكريون إلى تقديم مسوّغات أخلاقية وقانونية لما يجري على الأرض، وخاصة في التصريحات 


الرسمية، وفي الإجابة عن أسئلة الصحفيين المُحرجة التي تواجههم بالوقائع والمبادئ الأخلاقية المتفق عليها.


وفي سياق الحرب الإسرائيلية على غزة التي خلّفت -ولا تزال- آلاف الشهداء من المدنيين، وخاصة من الأطفال والنساء، 


استعمل المسؤولون الأميركيون وغيرهم -بكثرة- مسوّغات أخلاقية لشرعنة موقفهم من وقوع هذا العدد الضخم من الضحايا 


المدنيين.


تعمدُ الإضرار بالمدنيين في الحرب هو جريمة قانونية وأخلاقية، وانتفاؤه يعفي السياسيين والعسكريين من المساءلة 


القانونية بتهمة ارتكاب جرائم حرب


ومن أبرز تلك المسوّغات- تعبيرًا- الأضرار الجانبية (Collateral damage)، والدروع البشرية (Human shields)؛ أي 


ادعاء أن حماس تتستّر بالمدنيين وتتخذهم دروعًا بشرية، ولعلي أخصص مقالًا لاحقًا لفكرة "الدروع البشرية"، ولكنني أودّ 


أن أقف هنا مليًّا عند مقولة: "الأضرار الجانبية".


أطلق تعبير "الأضرار الجانبية" -في السياق العسكري- على النيران الصديقة أو القتل غير المتعمّد للمدنيين، (أوغير 


المقاتلين)، وتدمير ممتلكاتهم ومرافقهم، وقد ابتُكر هذا التعبير بعد تطوير الأسلحة الموجّهة بدقة في السبعينيات من القرن 


الماضي.


وبما أن تعمد إصابة المدنيين في الحرب أمرٌ محظور في الحروب؛ يلجأ السياسيون والعسكريون -عادة- إلى استخدام تعبيرات 


مختلفة لنفي فكرة التعمّد؛ كالقول: إن الحروب تنطوي -بالضرورة- على ضحايا؛ لأن هذا جزء من طبيعتها، ولكن هؤلاء 


الضحايا هم مجرد "أضرار جانبية" في الحرب، أو كادّعاء القوات العسكرية أنها تبذل جهودًا كبيرة "لتقليل" الأضرار 


الجانبية.


وقد استخدم المسؤولون الأميركيون هذه الأساليب مؤخرًا في الحرب على غزة، ومنها حث إسرائيل على "تقليل الخسائر بين 


المدنيين". وقد استُخدم تعبير "الأضرار الجانبية" مرات عديدة في الحروب، من بينها حرب فيتنام بداية، وحرب الخليج عام 


1991، حيث استخدمته قوات التحالف، وحرب كوسوفا حيث استخدمته قوات الناتو، والآن في الحرب على غزة لتسويغ 


المذابح التي تقع في غزة منذ شهرَين، ولا تزال حتى وقت كتابة هذه السطور.


وتعبير "الأضرار الجانبية" هو – في الواقع – تعبير "تقني" صِيغ – في رأيي – لتحقيق ثلاثة أهداف:


الأول: التبرؤ من المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن نتائج العمل العسكري المباشر.
الثاني: التستر على فشل القيادة العسكرية في تجنب إيقاع إصابات بين غير المقاتلين.
الثالث: ضمان الاستمرار في العمل العسكري لتحقيق أهدافه من دون قيود قد تفرض أو تضغط باتجاه إيقافه.
فتعمدُ الإضرار بالمدنيين في الحرب هو جريمة قانونية وأخلاقية، وانتفاؤه يعفي السياسيين والعسكريين من المساءلة 


القانونية بتهمة ارتكاب جرائم حرب؛ لأن الحرب نفسَها فعل غير مجرّم، وتنطوي -بطبيعتها- على الإضرار ووقوع الضحايا، 


ومن ثم يصبح التعاطي مع مجرياتها وآثارها مسألة "تقنية" الطابع، محورها – فقط – هو نفي العمدية والتخفيف قدر 


الإمكان مما سمي "الآثار الجانبية" التي تشمل النفوس والممتلكات.


وفي هذا السياق، نفهم التصريحات المتكررة الصادرة عن المسؤولين الأميركيين، تارةً بالثناء على الجيش الإسرائيلي بأنه 


من أكثر الجيوش احترافية في العالم، وتارة بإطلاق القول -بثقة مفرطة-:  إن حماس تقصد إلى قتل المدنيين عمدا، بينما 


إسرائيل لا تقصد إلى ذلك وإنما يقتلون عرضا، وإن المسؤول عن قتلهم هو حماس أيضا؛ ما يعني ادعاء التفوق الأخلاقي 


لدولة إسرائيل، ولصق تهمة الإرهاب بحماس وتحميلها مسؤولية قتل المدنيين الذين قتلوا بالأسلحة الأميركية والإسرائيلية!.


ادعاء الصفة الأخلاقية عبّر عنه -صراحة- رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حين ادعى أن الجيش الإسرائيلي هو 


أكثر الجيوش أخلاقية في العالم، في الوقت الذي لا يزال هذا الجيش يرتكب المجازر كل يوم في غزة، حتى وصل عدد الشهداء 


ما يزيد عن 17 ألف شهيد، فضلًا عن آلاف الجرحى، والدمار الشامل الذي خلّفه القصف الإسرائيلي المستمر.


وتتأكد الطبيعة التقنية لمقولة "الأضرار الجانبية" من وجهين:


الأول: أن مقتل المدنيين أثناء ما يسمّى "النزاع المسلح" ليس – في ذاته – جريمة حرب؛ لأن القانون الدولي الإنساني 


يسمح للأطراف المتحاربة بتنفيذ "هجمات متناسبة" ضد أهداف عسكرية؛ حتى لو علمت -مسبقًا- أنها ستؤدي إلى إصابات 


بين المدنيين.
الثاني: أن هذا التعبير ينزع -في الواقع- صفة الإنسانية عن الضحايا (dehumanization)، ويجعل الآدميين مجرد أشياء أو 


أدوات في سبيل تحقيق أهداف عسكرية وسياسية. فالأضرار الجانبية هي -بحسب التعريف- ما يمس الأفراد أو الممتلكات أو 


المرافق، وهي مسألة ثانوية في قرار الحرب والعمل العسكري، ولأجل هذا يكتفي المسؤولون الأميركيون بادعاء الحزن 


لسقوط الضحايا في غزة؛ مع الاستمرار في دعم الحرب وإرسال الأسلحة التي تتسبب في قتل هؤلاء المدنيين، بل وتحميل 


حماس مسؤولية ذلك!.
ولكن استخدام تعبير "الأضرار الجانبية" في سياق الحرب على غزة مضلّل في الواقع؛ لاعتبارات متعددة:


الأول: أننا -هنا- أمام قوة احتلال وشعب محتل، وهذا من شأنه أن يغير مسار النقاش كليا.
الثاني: أننا لسنا أمام حرب بالمعنى الاصطلاحي أو التقليدي؛ أي الحرب التي تقوم بين الدول ويكون فيها أطراف متحاربة 


ومنشآت عسكرية يتم استهدافها؛ حتى لو تسببت في أضرار مدنية قد توصف بأنها "أضرار جانبية".
فليس في غزة أطراف متحاربة؛ بل حرب من طرف واحد، ومن قبل دولة على شعب؛ بحجة القضاء على حماس، كما أن جميع 


المنشآت في غزة هي منشآت مدنية، وهذا ما جعل هذه الحرب -بالنسبة للسياسيين والعسكريين- مسألة شديدة التعقيد؛ لأنه لا 


ينطبق عليها المعايير التقليدية التي تألفها الدول في الحروب، وهذا الأمر نفسه هو سبب اضطراب السياسيين والعسكريين 


في مواجهة آثار الحرب، والكلفة البشرية الهائلة لها التي لا يفتؤون يناورون في تسويغها والتهرب من تحمل تبعاتها 


الأخلاقية والقانونية.


الثالث: أن الحرب بالمعنى الاصطلاحي، تخضع لضوابط القانون الدولي الإنساني لتجنب وقوع جرائم حرب، وهذه الضوابط 


وثيقة الصلة بتعبير "الأضرار الجانبية" هنا. فوقوع الضحايا المدنيين لا يُعد – في ذاته وَفق القانون الدولي الإنساني – 


جريمةَ حرب، ولكن لا بد أن يتحقق فيه ثلاثة أمور: أن تفرضه الضرورة العسكرية، وأن يصعب التمييز بين المدني 


والعسكري، وأن يكون هناك تناسب بين الهدف العسكري و"الأضرار الجانبية".
فهذه ثلاثة مبادئ مهمة تحكم الاستخدام القانوني للقوة في النزاع المسلح، (ولا بد من التذكير هنا بأن ما يجري في غزة ليس 


نزاعا مسلحا). ومن ثم فإحداث أضرار جانبية مفرطة أو جسيمة؛ مقارنة بالهدف العسكري المتوقع والمباشر يقود -لا محالة- 


إلى جرائم حرب؛ خصوصًا إذا كانت تلك الأضرار واسعة النطاق وطويلة الأمد، في الأرواح، والممتلكات، والمرافق، وهذا 


يعيدنا – مجددًا – إلى أننا – في غزة – أمام قوة احتلال، وليس أمام حرب تخضع لتشريعات القانون الدولي.


الرابع: أن نفي العمدية مسألة مركزية في تعبير "الأضرار الجانبية" من الناحيتين: القانونية والأخلاقية، ولكن العمدية 


متحققة في الواقع في الحرب الجارية على غزة؛ نظرًا لطبيعة الأسلحة المستخدمة والتي يعرف مصنعوها ومزودوها 


ومستخدموها تأثيرَها بدقة من حيث مداها وإمكاناتها التدميرية، ونظرًا لطبيعة الأرض التي تُخاض فيها الحرب؛ فغزة ذات 


الكثافة السكانية العُليا في العالم، فضلًا عن استهداف المنشآت السكنية والصحية التي يُعرف – قطعًا – أنها ستوقع ضحايا من 


دون إنجاز أهداف عسكرية تتناسب مع تلك الأضرار.


تجعل هذه الاعتبارات الثلاثة من العمل العسكري الإسرائيلي في غزة عملا قصديا من النواحي الفقهية والأخلاقية والقانونية. 


فالعمدية وعدم العمدية مسألة متعلقة بالنوايا في الأصل، وبما أن النوايا مسألة مستترة وغير قابلة للقياس، جرى قياسها 


بناء على المعطيات المتعلقة: (1) بطبيعة الأسلحة، (2) وطبيعة الأرض والأهداف، (3) والنتائج الفعلية، وهذه الثلاثة كافية 


لجعل العمل العسكري الإسرائيلي في غزة نازلًا منزلة العمد على أقل تقدير. فيما لو افترضنا – بحسن نية – أن الجيش 


الإسرائيلي لا يتعمد فعلا قتل المدنيين.


ومن المفيد هنا، أن الفقهاء المسلمين نزلوا الآلة المستخدمة في القتل منزلة النية من القاتل، فالآلة التي تقتل غالبًا تقوم مقام 


النية لدى القاتل، فتجعل فعله قتلَ عمدٍ، والآلة التي لا تقتل غالبًا، تقوم كذلك مقام النية، فتجعل من الفعل قتلًا غير عمد؛ حتى 


لو أفضى الفعل إلى القتل حقيقة. أي لما تَعذر ضبط النية في التمييز بين العمد وغير العمد في القتل الصادر عن الأفراد أقاموا 


الآلة المستخدمة في الاعتداء مقام نيّة الفاعل.


وهذا القانون جار بدقة في الحرب الجارية على غزة للاعتبارات الثلاثة السابقة: الأسلحة، والأرض والأهداف، والآثار 


الفعلية، وهي قتل نحو عشرين ألف شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء.


يوضح هذا النقاش حول التماس السياسيين والعسكريين مسوّغات أخلاقية وقانونية لجرائم الحرب، أنَّ جوهر المشكلة لا 


يكمن في سوء الفهم أو نقص في المعرفة؛ بل هي تقنيات لفظية للتعبير -بأناقة دبلوماسية- عن السياسة الفعلية التي لا تجرؤ 


على التعبير عن نفسِها بعبارات صادقة ومباشرة، وتخشى في الوقت نفسه من المساءلة القانونية المحتملة.


وفي هذا السياق يبدو، مفهوما، زعم بعض المسؤولين الأميركيين عدم وجود "دليل" على "تعمد" إسرائيل قتل المدنيين؛ فلا 


مجال هنا للخوض في نوع الأدلة التي يبحثون عنها، وسبل إثباتها ومقارنة تحريهم الأدلةَ هنا مع إهمالهم الأدلة في أحكام 


عديدة كادعاء قطع حماس للرؤوس في حدث 7 أكتوبر، والعنف الجنسي تجاه الأسرى، والتشكيك في أرقام الضحايا المدنيين، 


وغيرها.


فالإنكار والتشكيك وادعاء غياب الأدلة أو عدم الوقوف على تفاصيل الواقعة، كلها تقنيات دبلوماسية للتهرب من الإجابة، كما 


أن "الأضرار الجانبية"، تعبير تقني للتبرؤ من المسؤولية عن القتل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا Empty
مُساهمةموضوع: رد: حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا   حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا Emptyالأحد 07 يناير 2024, 1:38 pm

حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا Doc-34994ca-1703965502







هكذا تستخدم إسرائيل تهمة الدروع البشرية وسيلة لقتل الفلسطينيين


يعد قتل المدنيين من الجرائم الكبيرة تحت القانون الدولي الإنساني، وحمايتهم تعد من أهم ركائزه التي بني عليها هيكله من العقوبات والمحاكمات والقوانين، وبالتالي، ليس لدولة أو جيش التصريح بقتل المدنيين علنا، ولذا يتفنن صناع القرار في إيجاد التبريرات لتفسير قتل المدنيين في الحروب.


وفي خضم العدوان الإسرائيلي على غزة الآن -الذي وصف من حقوقيين بأنه إبادة جماعية– يحاول جيش الاحتلال في كل مرة تبرير مقتل وجرح أكثر من 75 ألف فلسطيني، وادعى أن قتلهم لم يكن مقصودا أو أنهم كانوا مجرد أضرار جانبية.


ولكن الحجة المفضلة لدى السياسيين والإعلاميين المناصرين لإسرائيل لتبرير عدد المدنيين الفلسطينيين الذين قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي وصواريخه هي لوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وادعاء أنها تجعل من الفلسطينيين دروعا بشرية ضد الجيش الإسرائيلي.


ففي تصريحات لشبكة "سي إن إن" قالت كارين حاجيوف المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي "بصفتنا جيش يلتزم بالقانون الدولي والمعايير الأخلاقية، نخصص الكثير من الموارد لتقليل الأذى الذي يتعرض له المدنيون الذين غصبتهم حماس على أداء دور الدروع البشرية. فحربنا ضد حماس وليست ضد شعب غزة".


حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا %D9%A3%D9%A5%D9%A3%D9%A2-1704086537
على من تقع المسؤولية؟
ترسم تهمة الدروع البشرية صورة وحشية في خيال المستمع لرجال مسلحين يستخدمون النساء والأطفال لحماية أنفسهم، وبالتالي تبرر ضرورة استمرار القتال حتى إن أدى ذلك لقتل المدنيين، كما أن هذه الصورة هي محاولة لإسقاط المسؤولية التي يتحملها المهاجم.


ويشير المصطلح إلى أي "مدني يوضع أمام هدف عسكري، بحيث يردع كونه مدنيا العدو عن مهاجمة ذلك الهدف".


إن حماية المدنيين أحد أسس القانون الدولي الإنساني، وبالتالي تحظر مجموعة متنوعة من الصكوك القانونية استخدام الدروع البشرية بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949، كما تعد المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ونظام روما الأساسي استخدام الدروع البشرية جريمة حرب.


ولكن ما يغفل عنه الكثيرون هو أنه حتى إذا لجأ طرف ما في الحرب إلى استخدام الدروع البشرية، فإن الطرف المهاجم لا يزال ملزما بموجب القانون الدولي الإنساني بالتمسك بمبادئ الاحتياط والتناسب، أي أن على الطرف المهاجم أخذ كل معايير الاحتياط التي من شأنها تقليل عدد الضحايا المدنيين ويجب على الميزة العسكرية المرجوة من الهجوم أن تكون متناسبة مع قوة الهجوم التدميرية وحصيلة الأرواح الناتجة عنه.


وإن وجد الطرف المهاجم أن العملية العسكرية قد يفوق ضررها فائدتها فيجب عليه وقفها وتصبح الهجمة محظورة تحت القانون الدولي الإنساني، ويعني ذلك أنه في حين أن استخدام الدروع البشرية محظور، فمن الممكن لهجمة أن تكون قانونية إذا ما كانت متناسبة.


ماذا يقول القانون الدولي؟
وقانونيا، هناك نوعان من الدروع البشرية، طوعية وغير طوعية، وينطبق التصنيف الأول على المدنيين الذين يعرضون أنفسهم للخطر لحماية أشخاص أو مواقع أو أشياء قيّمة لديهم، أما الآخر فيشمل المدنيين الذين يستخدمهم طرف محارب لحماية نفسه.


وتنص مواد القانون الدولي على حماية المدنيين من أخطار العمليات العسكرية ما لم يشاركوا مباشرة في أعمال تضر بالعدو، ولكنه لا يوضح ما إذا كان جعل المدنيين من أنفسهم دروعا بشرية طوعية يعد مشاركة مباشرة في النزاع.


وفي العدوان على غزة، بررت إسرائيل هجومها على مشفى الشفاء، بالقول إن هناك مقرا لقيادة حماس تحته، وبأن الحركة استخدمت المدنيين فيه دروعا بشرية، ولكن وبعد دخول الجيش الإسرائيلي للمشفى، وُجد أن المزاعم الإسرائيلية لم تقدم حججا مقنعة تبرر الهجوم، وقصف المدنيين داخل المستشفى وقتلهم.


ولطالما سخّرت إسرائيل مفهوم الدروع البشرية لشرعنة هجماتها، رغم النقد العالمي المستمر لذلك، ويقول الباحث تشارلز أندرسون إن الجيش البريطاني استخدم الفلسطينيين دروعا بشرية في محاولته لقمعهم، وورث الجيش الإسرائيلي الممارسة بعد ذلك.




شهادات دولية
وإذا ما عاينا الأدلة نجد أن الطرف الوحيد في النزاع الحالي الذي استخدم الدروع البشرية بشهادة وتوثيق المنظمات الإنسانية والعالمية والحقوقية هو إسرائيل، ورغم قصص الضحايا التي لا تنتهي في كل حرب تشنها إسرائيل على غزة، يتعسر في كل مرة جمع الأدلة التي تدين الاحتلال رغم أنها تملأ المواقع، ومقاطع الفيديو، والكتب، والمقالات الأكاديمية.


وجعلت إسرائيل استخدام الدروع البشرية سياسة حربية معلنة لجيشها خلال الانتفاضة الثانية التي اندلعت في 28 سبتمبر/أيلول 2000، وكان أفراد جيش الاحتلال يقتحمون البيوت عشوائيا ويجبرون ساكنيها على مساعدتهم في تحقيق أهدافهم العسكرية.


وتضمنت الممارسات استخدام الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين دروعا بشرية في 2002  كإجبارهم على دخول بيوت الملاحقين للتأكد من وجودهم، ودخول المباني المشتبه بأنها مفخخة، وجعلهم درعا بين أنفسهم وبين جماهير الفلسطينيين الغاضبة لردع الطلقات أو الحجارة في اتجاههم، والاختباء وراء ظهورهم وإطلاق النار، وحبسهم في البيوت التي اقتحمها الجيش واتخذها مقرا لمنع المقاومة من الهجوم، وغصبهم على التقاط بعض الأشياء من الشارع المشتبه بأنها مفخخة.


تحايل والتفاف على القانون
وبعد مناشدات وتقارير قدمتها 7 مؤسسات حقوقية إحداها منظمة بتسيلم الحقوقية؛ حظرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية هذه السياسة، وعلقت "زهافا غال أون" نائبة حزب ميرتس اليساري قائلة: "لقد قضت المحكمة العليا بأنه لا يمكن لجيش في دولة ديمقراطية أن يتصرف تصرف العصابات الإرهابية".


واحتج الجيش الإسرائيلي على هذا الحكم لرغبته بالاستمرار في جعل الفلسطينيين دروعا بشرية، ولجأ لتغيير السياسة وجعلها تطوعية، أي أن الجيش المدجج بالسلاح يمكنه أن يطلب من السكان التطوع لخدمة مصالحه.


واستمرت الممارسة تحت غطاء قانوني مختلف، ورغم حظر المحكمة العليا الإسرائيلية استخدام الفلسطينيين في أي نشاط عسكري، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يلقِ لذلك بالا.


وعلى مدار المواجهات والاشتباكات والحروب التي خاضها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو غزة، فقد سجلت الهيئات الحقوقية الدولية حالات كثيرة استخدم فيها جنود الاحتلال المدنيين دروعا بشرية.


وفي المقابل، فقد نشرت منظمة العدل الدولية تقريرا مطولا قالت فيه "إنها لم تجد دليلا واحدا يثبت أن حماس اتخذت المدنيين دروعا بشرية رغم التهم المتراكمة التي وجهتها إسرائيل للحركة".






قنابل غير موجهة
وخلال العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة -وفقا للتقييمات الأميركية- فإن نصف الذخائر والقنابل التي ألقيت على القطاع غير موجهة.


ووفق تحليلات الخبراء التي جمعتها الصحفية جوليا فرانكل من وكالة أسوشيتد برس فإن حرب إسرائيل تعتبر من أكثر الحروب فتكا وخطرا من بين الحروب المعاصرة.


واستدلت فرانكل باستنتاجات الباحثين كوري شير، وجامون فان دين هوك من جامعة نيويورك وجامعة أوريغون، وهما خبراء في رسم الخرائط لتقييم الأضرار أثناء الحروب.


ووجد الباحثان أن إسرائيل قد حطمت ثلثي المباني في شمال قطاع غزة وربع المباني في جنوب خان يونس، وأعربا عن قلقهما من استخدام إسرائيل القنابل غير الموجهة على مساحة ضيقة ومكتظة سكانيا مع اليقين بأنها ستؤدي لقتل المدنيين.


ويعلق الباحث نيف غوردون في مقابلة مع مجموعة "مشروع البحوث والمعلومات حول الشرق الأوسط" قائلا إن إسرائيل عبر ادعائها المستمر بأن 20 ألف مدني كانوا دروعا بشرية، تحول المدنيين من أبرياء محميين إلى مشاركين غير مباشرين بالحرب.


وأضاف أن "ضم شعب بأكمله تحت مسمى الدروع البشرية ينخر بالعديد من الحدود القانونية التي وضعت لحماية المدنيين، ويوسع نطاق دائرة العنف الذي قد تستخدمه إسرائيل ضد الفلسطينيين".


ويرى خبراء حقوقيون أن تسمية 20 ألف مدني بـ"دروع بشرية" مع استمرار قصفهم بقنابل غير موجهة لقتلهم، هو مثال لكيفية استخدام بعض السياسيين المصطلحات القانونية لإضفاء جو من الشرعية على تصرفات تنتهك القانون الدولي الإنساني.


ويضرب آخرون مثالا لذلك، بقولهم إنه "إذا استخدم إرهابي المدنيين دروعا بشرية في مبنى في وسط باريس أو نيويورك مثلا، فهل من المنطقي تدمير المبنى بأكمله وسط المدينة؟ أو هل لأحد من عناصر الأمن أن يقترح حلا كهذا؟ عند طرح هذه الأسئلة يتبين للسامع مدى غرابة وفظاعة الافتراضات التي تحوم وراء هذه التبريرات".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تعرف على الصاروخ “تاو” المضاد لجميع الدروع والتحصينات
» استخدام الكمبيوتر
» هل حان وقت استخدام صواريخ “اس 300″؟
»  استخدام العبوات البلاستيكية
» بحث عن استخدام الكمبيوتر في التاريخ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: إسرائيل جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد-
انتقل الى: