منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 في إفراط اللاعدالة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

في إفراط اللاعدالة Empty
مُساهمةموضوع: في إفراط اللاعدالة   في إفراط اللاعدالة Emptyالسبت 20 يناير 2024, 9:02 pm

2024... حديث البدايات


لا يُقصَد بحديث البدايات هنا الكلمات المألوفة في مطلع كل سنة جديدة، أحاديث التهنئة والأمل أو أحاديث المراجعة واستخلاص الدروس والعِبر، فنحن نعيش، منذ أشهر، تحت ضغط أجواء الحرب العدوانية التي يمارسها الكيان الصهيوني بمعيّة حلفائه على الشعب الفلسطيني، حيث أقام في غزّة محرقة كبيرة، مُستهدفاً إبادة كل مظاهر الحياة بجنونٍ لم يعرفه تاريخ الحروب طوال القرن الماضي... ومنذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، وهو يقوم بتجريب أسلحةٍ عديدة على شعبٍ أعزل، يحرق ويهدّم ويقتل، من أجل خطّة الإبادة التي أعلن عنها، ويتصوّر أن بإمكان قوته أن تحققها!


نلتقط حديث البدايات ونسمعه، رغم خُفوته وانقطاعه، فهو يصل متقطعاً، تًقَطُّع الأصوات عندما تكون أفعالاً ومواقف قادرة على ترتيب مسارات وخيارات سياسية وحربية، ومن دون تردّد ولا تراجع. الحديث هنا لا يتكرّر، ولا يعيد ما تَمّ النطق به، حديث التصميم والعزم، ومواجهة مآلات الحاضر بالشجاعة المطلوبة والمنتظرة.. وهو حديثٌ يستوعب درجةً من الجرأة تفوق المقادير المرسومة حسابياً، ففي التاريخ والسياسة، تخضع العمليات الحسابية الدقيقة لمقتضيات الجرأة والإقدام، وتكون مطالبةً، أحياناً، بكسر القواعد المألوفة واستبدالها بقواعد جديدة.


يتّجه الحديث الذي نتصوّر عن البدايات للتفكير في جرائم الكيان الصهيوني، وجرائم الغرب الذي لا يتردّد في استعادة لغة الصهاينة في أثناء حديثه بروح انتقامية عن عودة المقاومة الفلسطينية إلى خيار مواجهة جبروته ومقاومة غطرسته، وهو يواصل استئناسه بأحلامه في استكمال احتلال الأرض الفلسطينية، بالضم والاستيطان والعدوان.


 اختلطت في "طوفان الأقصى" أحاديث النهايات بالبدايات، كما تختلط اليوم، في الحرب المشتعلة في فلسطين المحتلة، أحاديثُ البدايات والنهايات


تذكّرتُ، وأنا أفكّر في "طوفان الأقصى"، وقد رفع مجدّداً راية المقاومة والتحرير، تذكّرتُ أنني كتبت مقالة نُشِرت في العربي الجديد يوم 5 يناير/ كانون الثاني 2023، تمنّيتُ فيها أن تكون السنة التي ودّعنا سنة لمواجهة التطبيع، وعبّرت فيها عن أملٍ يرتبط بصور التراجع والجمود، التي آلت إليها القضية الفلسطينية والأحوال العربية. كما كنتُ أعبّر عن رغبةٍ تسمح بمواجهة الغطرسة الصهيونية، وقد تمادت في مواصلة استيطان الأرض الفلسطينية، وتحاول، في الوقت نفسه، اختراق مجتمعات عربية عديدة. وقد ساهم ما فجّره الطوفان بالصوت والصورة وبالصمت والكلمات، في تحقيق بعض ما كنتُ أتطلّع إليه.


كتبتُ، في المقالة المذكورة، أننا نحتضن الأيام الأولى من السنة الجديدة 2023، ونتطلع إلى أن تكون سنة مواجهة معاهدات التطبيع، التي منحت إسرائيل أدواتٍ لمواصلة تصفية المشروع الوطني الفلسطيني.. ولم أكن أعلم ماذا ستحمل السنة الجديدة في دواليب سيرورتها. ومرّت أشهرها الأولى حاملة جملة من الوقائع والأحداث، المرتبطة بسياقات التطوّر والتحوّل، كما تحدُث في التاريخ. كنتُ أحلم فقط بأن تكون سنةً تعود فيها المقاومة الفلسطينية، بالصورة التي تكون فيها قادرة على إعادة بناء خيارات التحرير الفلسطينية، وملاءمتها مع المستجدّات الحاصلة في عالمنا. كنت أتطلّع إلى عودة المقاومة، القادرة على تجاوز مختلف التراجعات والخيانات والانقسامات والأخطاء، التي حصلت في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني. بحكم إيماني بأن أغلب الضربات الموجعة، التي لحقت القضية الفلسطينية منذ عقود، لن توقف مشروع التحرّر والتحرير الفلسطيني، عن مواصلة أفعال مقاومة الاستعمار الاستيطاني، وكنتُ أدرك صعوبة الفعل الذي كنت أتطلّع إليه، إلا أنني لم أفكّر يوماً في استحالته.


لم يكن هدير المياه المنبعث من باطن الأرض، ومن مختلف جهاتها، في معركة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر، حديث بدايات المقاومة الفلسطينية العائدة. لم يكن يتحدّث اللغة المعتادة. كان صخبه وشكل اكتساحه اليابسة، ومن يقف عليها، يعبّر عن جوانب مهمّة من خلاصات تجارب فلسطينية عديدة، وأخرى حصلت قبلها أو عاصرتها في جغرافياتٍ أخرى في العالم. اختلطت في "طوفان الأقصى" أحاديث النهايات بالبدايات، كما تختلط اليوم، في الحرب المشتعلة في فلسطين المحتلة، أحاديثُ البدايات والنهايات، فقد تواصلت، بعد صاعقة الطوفان معارك قوية في قطاع غزّة، وهي تشمل اليوم مجموع أرض فلسطين المحتلة، بل إن أصداءها تملأ العالم أجمع، ونفترض أنه ستكون لنتائجها أحاديث أخرى.


لا يزال الشعب الفلسطيني يصنع ملامح تحرّره التاريخي وسماته، يغذِّي آمال التحرير، وأفق المشروع الوطني الفلسطيني


لن أتحدّث لغة البدايات المألوفة في زمن حَمَلَتنا فيه المقاومة العائدة إلى أفقٍ آخر في التاريخ كنا نتطلّع إليه، ولا نعرف كيف ومتى سيحلّ بأرضنا.. وقد انتبهنا يوم هجوم الطوفان إلى أن الكيان الصهيوني أصيب برجّة عنيفة أفقدته التوازن، وألحقت به وبحلفائه ومخطّطاتهم العدوانية المشتركة كثيراً من الاهتزاز، فلم يعد يستطيع لا الوقوف ولا النظر.. بدأ يُرَدِّد كلمة واحدة، إبادة الفلسطينيين.. أقام محرقةً كُبرى، وبدأ في قصف المدن والمخيّمات، فتحوّلت غزّة إلى مقبرة.. تسلّح بالشر المطلق، واكتشف أن مدبّري الطوفان وأبطاله يملكون من الصمود والعزيمة ما يؤهّلهم لمقاومةٍ طَويلةِ النَّفس، وقادرةٍ على إعادة الروح إلى المشروع الوطني الفلسطيني، الذي اعتقد الصهاينة بإمكانية محوِه وإبادته.


تمتزج، في حديثنا اليوم عن البدايات، جملة من المواقف والأحاسيس المتناقضة. إن جنون المحرقة والمقبرة التي نصب الكيان الصهيوني في غزّة، ومختلف صور الهذيان الصادر عن الناطقين باسم خلية الحرب، التي أطلقت، منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، في المدن والقرى والمخيّمات الفلسطينية حرباً انتقامية عمياء، تُشعرنا بعمق ما أصابه بفعل طوفان الأقصى. كما أن إبداع فعل الطوفان في زمن تصاعد فيه قهر الصهيونية الشعب الفلسطيني، وقد أصبح سجين إجراءات اتفاق مبادئ الحكم الذاتي الْمُعَطَّلَة، وسجين انقساماته، فأصيب بِتَصَلُّبٍ أوقفه عن مواصلة بناء ما يؤهّل مشروعه الوطني لمبادرات التحرّر والتحرير، الأمر الذي حَوَّل فعل الطوفان الجارف إلى لحظة إبداع فعليةٍ وصانعةٍ لعودة مقاومةٍ قادرةٍ على تركيب مكاسب سياسية تاريخية مباشرة.. مكاسب تتمثل في رَدِّ الاعتبار السياسي للقضية الفلسطينية، ثم كَسْر أوهام الصهاينة وإصابتهم بداء فقدان التوازن والنظر.


يحملنا حديث البدايات في حركة المقاومة الطوفانية، التي تُعَدّ خلاصة تاريخ متواصل من المقاومات، إلى تفكيك أسطورة التطبيع الهادفة إلى دمج الكيان الصهيوني في المحيط العربي.. إنها تكشف أمام العالم أن الشعب الفلسطيني لا يزال يصنع ملامح تحرّره التاريخي وسماته، إنه يغذِّي آمال التحرير، وأفق المشروع الوطني الفلسطيني. أما الخطابات الإسرائيلية عن السلام والتطبيع والاستقرار وصفقة القرن، فهي مجرّد حكايات تَنْسُجُها لتمرير ما يُعَزِّز شوكتها في أرض فلسطين، ويعزِّز حُلمها التوراتي "بأرض الميعاد".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

في إفراط اللاعدالة Empty
مُساهمةموضوع: رد: في إفراط اللاعدالة   في إفراط اللاعدالة Emptyالسبت 20 يناير 2024, 9:03 pm

في إفراط اللاعدالة %D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9%20%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%20%D8%B3%D9%85%D8%B1





حفرة لشهداء فلسطينيين في خان يونس (22/11/2023) وحفرة بألمانيا لسجناء أعدمهم النازي (1945)


في إفراط اللاعدالة


عبَرت الصورة مسرعةً داخل طوفان التشكيلات المرئية في الحرب على غزّة. خطفاً رُسمت الفاجعة، تسلّلت وتناثرت؛ روْعنا تلاشى، ورعبُنا صار بحاجة لمحفّزاتٍ جديدةٍ رهيبةٍ من نوع آخر!


صورةٌ تكرّرت في الذاكرة البشرية، حدثت قبلاً في سورية والعراق و... لكنّ الموقع واحد، والحفرة ذاتها؛ حفرة شبه أسطوانية هي، في حقيقة الأمر، قبرٌ جماعيُّ يضم أجساداً بشريةً مصفوفة ومتلاصقة، تم وضعها كإعلان مقاربة أو مفاضلة بين وحشياتٍ أنتجها البشر.


على الشقّ الأيمن صورة بالأبيض والأسود لضحايا يهود سقطوا سنة 1945 في أوروبا، يغلب على الصورة اللون الأبيض، لون العدم، وعلى الضفّة اليسرى مقبرة جماعية لضحايا فلسطينيين سقطوا سنة 2023. الجسد الفلسطيني مغلّفُ باللون الأزرق، أصل حيواتنا؛ البحر والسماء. ... تقول الصورة؛ انظروا من منّا الضحية ومن هو الجلاد؟ في الأصل تقول: هنا ما لا يُرى ولن يُرى إلا هنا .


لا يمكن إطلاق صفة كائنٍ حيٍّ من دون أن يتضمّن ذلك سيراً زمنياً نحو الموت


لو لم تكن في تلك الحالة التي تُفاضل بين صورتين من مشهديةٍ جنائزيةٍ كبرى لبَدَت أقلّ اصطناعاً! لكنّ وضعها ضمن هذه التفاضلية هو وحشيتها ذاته! لا مأساوية هنا في التحديق إليها، إنها نظيفة أكثر مما ينبغي للترويع. لا خريطة للجسد، الأبيض والأسود من فعل الامحاء وعدم الوضوح واليقين، والثانية تضع مسافةً بينها وبين دهشتنا، نحن الأحياء الذين نبحث عما وراء الأكفان الزرقاء، لا أحد يستطيع التدقيق مليّاً، ولا حتى التحديق في تلك الصورة، لتحديد ما تُخفيه خريطة الأجساد وتوثيقه.


يتراجع فعلُ التحديق والانقباض، نحن نحتاج لرؤية الدماء! هذا الموتُ مغلّفٌ بالخفاء. ورغم المعرفة بسياقه إلّا أنّه يحيل في مخيّلتنا إلى العادي، نعم! تغلّف الأكياس - الأكفان - أياً يكن مسمّاها، تغلّف الرّوْع.


رفاهية الصورة هي في إيجاد الوقت بين موتٍ وموت لحماية أجساد الضحايا من التحلّل في العراء وهذا ترفٌ لا تحظى به الأجساد عادة في الحروب. هذه المسافة المانعة عن التحديق لا تحمي الضحايا ولا تحفظ فقط حرمة الجسد البشري كما نردد، إنها تحمينا نحن الذين ما زلنا على قيد الحياة من رؤية الوجه الآخر لأجسادنا، أو حقيقتنا الكامنة في مواصلة عيشنا! الحقيقة التي تعني أنّ الحياة هي الموت، إذ لا يمكن إطلاق صفة كائنٍ حيٍّ من دون أن يتضمّن ذلك سيراً زمنياً نحو الموت. الذي يعيش سوف يموت، ونحن لا نريد رؤية ذلك على الأقل، إلى حين! عدا عن حماية أنفسنا من رؤية الفظاعة، فهذه الصورة التفاضلية الوحشية تصل إلينا ملساءَ مرقّطةً لا تضاريس فيها سوى إحالتها وسياق الحدث الذي تدور فيها، لا تفترض الصرخة عند رؤيتها ولا الشهقة. تمشي وتسيل بنعومةٍ لتنضمّ إلى ملايين الصور السائلة والناعمة للجسد الفلسطيني، حتى تصيب الرائي بالعمى.


المخفي في أحد وجوه تمثلات صورة الجسد الفلسطيني يتحوّل إلى فرجةٍ ومطحنةٍ يوميةٍ من الفاجعة؛ الموتُ قصفاً، جوعاً، تقطيعاً


في المقابل، الصورة القادمة من سردية الهولوكست، الأجساد القادمة من التاريخ، مَحميةٌ أكثر منها؛ هي باللونين الأبيض والأسود، بعيدةٌ وغائرةٌ في الزمن. وإذا أضفناها إلى السردية المرئيّة التي فرضتها الثورة الرقمية في المجزرة المستمرّة على أهل غزّة فإنها تتلاشى نهائياً.


العاديّ المهموم بالرؤية البصرية يُحيل إلى ما هو أبعد في انشقاق معنى الضحيّة عن الجلاد، صار هو الوحشي الذي غدا مألوفاً، وما تمّ إخفاؤه يكمن في سِيَر أولئك المجهولين للناظر وحيواتهم، وهذا أهون الشرور، لكنّ الصورة المخفية والعميقة، والتي تتسرّب في الزمن بعيداً عن أعين المتفرّجين، هي ذلك الشر الخفي المقنع كأفعى ناعمة ملساء تختبئ في أوكار التاريخ. أفعى تتسلّل في مسرح اللاعدالة، تلبس طاقية الإخفاء وتُسمّى تدوير العنف.


الصورة المخفيّة الملساء التي تشبه أجهزة هواتفنا وحيواتنا الظاهرية هي الصورة الأصل لتلك الأجساد، الصورة الأصلية تصير المسودّة، تضيع في أدراج اللاوعي، هي الصورة غير المنظورة والمخفية؛ صورة أبناء الضحايا اليهود، الصورة حكايةٌ ولا يمكن النظر إليها إلّا بوصفها امتداداً لملايين صور جزئيةٍ مشتقّة منها، هذا إذا استطعنا الوقوف عند هذه الحقيقة، كلّ صورة هي رواية، والرواية شبه الحقيقية لمآلات حيوات أحفاد الأجساد المرميّة في المقبرة اليهودية، صورةٌ لا تهمّ أحداً، فمصائر حيوات الأحفاد الذين نجوا من الإبادة في أربعينيات القرن الماضي، تدخُل في سياق العادي، هم تابعوا حيواتهم وانتشروا في بقاع الأرض، وعلى الأغلب هاجر معظمهم من بلدانهم الأصلية إلى البلد الموعود، حيث أعادوا إنتاج المجزرة بعيداً عن عين المتلصّص، إنهم نظيفون لمن يراهم عن بعد، بشوشون، ناجون، أهالوا التراب على الصورة التي حوّلوا فيها الآخرين إلى صورة مطابقة لمصائر أسلافهم، صنعوا نسخاً مكرّرة عن موت أهلهم، ومشوا فوق الأجساد الفلسطينية المطمورة داخل حفر جماعية بطمأنينةٍ، لا فضيحة في صورهم وحيواتهم، لا معنى للفداحة في أنهم بقوا على قيد الحياة عبر سرقة حيوات بشرٍ آخرين، لن تظهر صورُهم لتشير إليهم بالبنان: هؤلاء هم القتلة الجدد.


كلّ شيء قابلٌ للامحاء بالإعلان عنه، وكأنّ الصمت حماية، والصراخ انتهاك!


المخفيًُ في أحد وجوه تمثلات صورة الجسد الفلسطيني يتحوّل إلى فرجةٍ ومطحنةٍ يوميةٍ من الفاجعة؛ الموتُ قصفاً، جوعاً، تقطيعاً... الموتُ بكلّ تشكيلاته وفنونه اللامتناهية هنا في هذه الصورة الملساء، تحديداً يظهر في كتل زرقاء ملفوفة في أكياس بلاستيكية. يريد القتلة الجدُد احتلال حتى صورة الموت الفلسطيني عبر هذه التفاضلية، وهناك صمتٌ من نوع آخر يلفّ الضحية الفلسطينية، بإعادة تكرار انتهاكها اليومي. وللأسف، فهي الوسيلة الوحيدة الباقية للضحية للتعبير والقول: انظروا إلى موتنا، حدّقوا! الفرجة مجانيّة، صدّقونا، نحن نُباد! بين هاتين الصورتين تحديداً، تختفي صورة الأحفاد الأحياء الذين نجوا من الحفرة الجماعية (صورة الأبيض والأسود) لا تحيل إلا إلى معنى واحد لمن يريد أن يرى أبعد: انظروا هؤلاء قتلوا أهلهم مرّتين! مرّة عندما قتل النازيون أهلهم، ومرّة ثانية عندما أعادوا صناعة قتلهم وتمثيله وصناعة الفاجعة بالوحشية ذاتها عبر الجسد الفلسطيني.


الكارثة من نوع آخر قادمة، من تمثّلات الصور القادمة في المستقبل، صورة أحفاد الفلسطينيين أو أولادهم، الذين ننتظر أن يحدّقوا في صورة الأكياس الزرقاء التي كانت يوماً عائلة، ماذا لو فكّروا أنّ الوقت سيكون مناسباً دوماً لمنح عائلاتهم العدالة، وجعل من قتل آباءهم يعودون الى تلك الحفرة حتى ولو بعد حين، هذا أمرٌ طبيعيٌّ ما دامت الأفعى الملساء لا تنظُر إلى عين العدالة!


نحن ننظُر الآن إلى عالمٍ هويّتُه وسلعتُه الصور، وربما في عالم سرعة الضوء الذي نعيش فيه، كلّ شيء فيه قابلٌ للامحاء بالإعلان عنه، وكأنّ الصمت حماية، والصراخ انتهاك! وإذ نجد أنفسنا أمام غرابةٍ من نوعٍ جديدٍ وخرابٍ وفراغٍ كبيرٍ يقود العالم في هذه اللحظة، فربما هذا لا يعود فقط إلى أنّ الصورة المخفيّة، الصورة الانتقامية في ظلّ إفراط اللاعدالة ستُعيد إنتاج نفسها، لكن وربما في هذه الفوضى التي تستهلك كلّ شيء ولا يبقى أحيانا أمام رواية الكارثة سوى الوعد بمزيدٍ من الظلام والوحشية. يبقى النظر إلى الصورة المخفيّة في عالم ما بعد النيوليبرالية وهي تعيد إنتاج العنف، ما قد يمنحنا بعض الوقت تأمّلأ في الصور الصامتة، وربما التحديق فيها. صورة أولئك الأحياء الذين لن نراهم حتى يتحوّلوا إلى موتى وتلك الأفعى السامّة التي حكمت تاريخ وجودنا البشري والتي تُطبق فكّيها الآن على الجسد الفلسطيني.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
في إفراط اللاعدالة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث عسكريه-
انتقل الى: