ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 69628 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 77 الموقع : الاردن
| موضوع: العلماء المعتبرون والرؤوس الجهّال الأحد 09 فبراير 2014, 8:28 am | |
| العلماء المعتبرون والرؤوس الجهّال
للشيخ د. أحمد المنيعي المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم ، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد : فموضوعنا سيدور حول عدة مسائل : تعريف العلم : المسألة الأولى : تعريف العلم ، والعلم قد اختلف أهل العلم في تعريفه ، فمنهم من ذهب إلى أن العلم لا يُحَدّ لوضوحه ، ومنهم من ذهب إلى أن العلم لا يُحَدّ لعُسر تعريفه ، ومن أهل العلم مَن عرَّفه ، فقال : العلم في اللغة المعرفة ، وفي الشرع معرفة دين الإسلام ، بالأدلة . وأشار الحافظ ابن رجب إلى تعريف العلم ، في كتابه النفيس "فضل علم السلف على الخلف" فقال - رحمه الله تعالى - : نور يُقذف في القلب ، يفهم به العبد الحق ، ويميز به بينه وبين الباطل ، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد . والعلم يتضمن العلم بالغيبيات ، والعلم بالعمليات ، والعلم بالغيبيات هو العلم بالأخبار الغيبية عن الله - تعالى - واليوم الآخر ، والعلم بالعمليات هو العلم بالأحكام ، من الأوامر والنواهي ، المتعلقة بالعبادات والمعاملات ، وغيرها . فالعلماء المعتبرون يقررون العلم بالغيبيات ، ويدعون للإيمان بها ، على بصيرة وهدى ، من القرآن والسنة ، على وفق ما قرره السلف - رضي الله تعالى عنهم - ويقررون العلم بالأحكام ، من العبادات والمعاملات ، وغيرها على بصيرة ونور من الوحيين ، مقتفين أثر السلف الصالح - رضي الله تعالى عنهم - . منزلة العلماء : المسألة الثانية : منزلة العلماء ، فقد فضل الله - تعالى - العلماء في كتابه العظيم ، وسنة رسوله الكريم - صل الله عليه وآله وسلم - وجعل الله - سبحانه وتعالى - العلماء في أرفع مرتبة ، وأعلى منزلة ، ورفع الله - تعالى - للعبد ليس مِثلَ رفع المخلوق لمخلوق ، يقول الله - جل وعلا - ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [سورة المجادلة : الآية 11] ، ويقول - تبارك وتعالى - ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [سورة الزمر : الآية 9] ، وقال النبي - صل الله عليه وآله وسلم - : « من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا ، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ، ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يُوَرّثوا دينارًا ولا درهمًا ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر » ( 1) .
قال ابن حبان ( 2) عقب تخريجه لهذا الحديث : في هذا الحديث بيان واضح أن العلماء الذين لهم الفضل الذي ذكرنا ، هم الذين يعلمون عِلم النبي - صل الله عليه وسلم - دون غيره من سائر العلوم ، ألا تراه يقول : « العلماء ورثة الأنبياء » . والأنبياء لم يورثوا إلا العلم ، وعِلم نبينا - صل الله عليه وسلم - سُنَّته ، فمن تعرى عن معرفتها لم يكن من ورثة الأنبياء . وأخرج الشيخان عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال النبي - صل الله عليه وآله وسلم - : « من يُرِد الله به خيرا يفقهه في الدين » ( 3) .
مرتبة المنتسبين للعلم : المسألة الثالثة : مرتبة المنتسبين للعلم ، فهم مراتب ، من جهة علمهم بالكتاب والسنة ، ومراتب من جهة خشيتهم لله - تعالى - والمراد الإشارة هنا إلى شيء من مراتبهم ، من جهة علمهم بالكتاب والسنة ، فهناك طالب للعلم مبتدئ ، وآخر طالب للعلم متوسط ، يعني أنه يعتني بالعلم والعلماء ، ويستفيد ، ويحصل منهم ، وآخر طالب علم طالت ملازمته للعلماء ، وتقدم في التحصيل منهم ، فهو من المشتغلين بالعلم والبحث ، وله مشاركة فيه ، وهناك من له تمكن في العلم ، وهناك الراسخ في العلم . ثم إن الأمر ليس على إطلاقه في جميع علوم الشريعة ، بل كل واحد منهم له فن أو أكثر ، يتميز به ، فهناك من يرفع الله قدره بمعرفته لعلوم شتى في الشريعة ، فيكون من المشاركين في العلوم ، وهناك من يكون عالما متمكنا من العلوم ، وهناك من يكون عالما راسخا في العلوم ، إلى آخر تلك المنازل ، بل إن العلماء المجتهدين ليسوا على مرتبة واحدة ، فمنهم المجتهد المطلق ، وهو من يجتهد في المسائل بإطلاق ، وإليه المرجع في النوازل والمعضلات ، وإليه يرجع العلماء في الأمصار ، وهناك المجتهد المقيد ، وهو من يجتهد في النظر في الروايات والأقوال الواردة في مذهبه ، ومعرفة مأخذ إمام المذهب وأصوله ، عارف بها ، متمكن من التخريج عليها ، وقياس ما لم يُنص عليه في المذهب ، من غير أن يكون مقلدا لإمامه ، لا في الحكم ، ولا في الدليل ، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتيا ، ودعا إلى مذهبه وقرره ، فهو موافق له في مقصده وطريقه معا . وهناك المجتهد في مذهب من انتسب إليه ، مقرر له بالدليل ، متيقن من فتاواه ، عالم بها ، لكنه لا يتعدى أقوال المذهب وفتاواه ، ولا يخالفه ، وإذا وجد نص إمامه ، لم يعدل عنه البتة . صفات العلماء المعتبرين : المسألة الرابعة : صفات العلماء المعتبرين ، فللعلماء المعتبرين صفات يتميزون بها عن غيرهم ، منها صفات في علمهم ، وأخرى في ذاتهم ،
*ومن تلك الصفات الاستقلال باللغة العربية ، لأن شريعة النبي - صل الله عليه وآله وسلم – مصدرها الكتاب والسنة وآثار الصحابة ووقائعهم وأقضيتهم في الأحكام ، وكل ذلك بأفصح اللغات ، وأشرف العبارات ، فالعلماء الراسخون هم الذين ارتووا من العلم بالعربية ، لغة ونحوا وتصريف الكلام ، لأن ذلك هو الذريعة إلى مدارك الشريعة . *ومن صفاتهم معرفة ما يتعلق بأحكام الشريعة من آيات الكتاب ، والإحاطة بناسخها ومنسوخها ، وعامّها وخاصها ، ومطلقها ومقيدها ، ومبهمها وموضحها ، ومجملها ومفصلها ، وأيضا معرفة السنن ، فإن معظم أصول التكليف تلقاها العلماء من أقوال الرسول - صل الله عليه وآله وسلم - وأفعاله وأحواله ، ثم إنه لا يتقرر الاستقلال بالسنن إلا بالتبحر في معرفة الرجال ، أو الرجوع إلى المصنفات في ذلك ، ومعرفة الثابت من غيره . ومن ذلك أيضا معرفة مذاهب العلماء المتقدمين ، فعدم معرفته بالمذاهب وأقوال أهل العلم ، ربما حمله على مخالفة الإجماع . *ومن صفاتهم أيضا الإحاطة بالطرق والقياس ، ومراتب الأدلة ، يقول إمام أهل السنة الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن ، عالما بالأسانيد الصحيحة ، عالما بالسنن . وقال أيضا - رحمه الله تعالى - : لا تجوز الفتيا إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة . وقال أيضا : ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم ، وإلا فلا يفتي . *ومن صفات العلماء المعتبرين الوقوف مع الحجة والاستدلال ، يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى - عن هذا الصنف من العلماء : زاهدون في التعصب للرجال ، واقفون مع الحجة والاستدلال ، يسيرون مع الحق أين سارت ركائبه ، ويستقلون مع الصواب ، حيث استقلت مضاربه ، إذا بدا لهم الدليل بأخذته طاروا إليه زرافات ووحدانا ، وإذا دعاهم الرسول إلى أمر ، انتدبوا إليه ، ولا يسألونه عما قال برهانا ، ونصوصه أجل في صدورهم وأعظم في نفوسهم ، من أن يقدّموا عليها قول أحد من الناس ، أو يعارضوها برأي أو قياس ( 4) . *ومن صفات العلماء المعتبرين إجلال الصحابة ، ومعرفة قدرهم ، وتوقير من سبقهم من أهل العلم من السلف ، ثم من جاء بعدهم ، واعتبار ما روي عنهم . *ومن صفاتهم لزوم معتقد أهل السنة والجماعة ، في توحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، ولزوم الجماعة ، وتقرير السنة ، ومنهج السلف الصالح - رضي الله عنهم - والسير على سمت أهل العلم وطريقتهم . *ومن صفات أهل العلم ، التأني في الفتوى ، وإحالة المستفتي على غيره من أهل العلم. *ومن صفاتهم التوقف فيما لا يعلم ، أو ما غاب عنه من الأحكام ، لعلمه بعظم القول في دين الله بلا علم ، يقول الله - جل وعلا - ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [سورة الإسراء : الآية 36] ، أي لا تقل ما ليس لك به علم ، فمن قال في الشريعة بغير علم ، فقد قفا ما لا علم له به ، وعصى الله - عز وجل - ويقول الله - جل وعلا - ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف : الآية 33] . *ومن صفات أهل العلم ، عنايتهم بحفظ الجماعة ، وجمع الكلمة ، وتوحيد الصفوف ، وعنايتهم بالسمع والطاعة لمن ولاهم الله - تعالى - أمرهم ، وتأليف القلوب عليهم ، والدعاء لهم ، ونصحهم بالسر ، وبالتي هي أحسن وتليين قلوب الرعاة على الرعية ، والرعية على الرعاة ، حتى تستقيم الأمور ، ويتحقق المقصود . *ومن صفات أهل العلم المعتبرين ، قيامهم بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، بضوابطه الشرعية ، وسعيهم للنصح بالسر ، والتي هي أحسن ، وحرصهم على الجهاد في سبيل الله - بشروطه وضوابطه المقررة - وعدم المجازفة والتهور . *ومن صفاتهم ، مشاورة أهل العلم ومدارستهم في المسائل التي تحتاج إلى ذلك ، فقد كان عمر - رضي الله تعالى عنه - يجمع للمسألة الواحدة أهل بدر ، وربما بقي شهرا يستخير فيها ، بعد أن يستشير ، كما فعل عندما أراد أن يجمع السنة ، وهذا شأن الخلفاء من بعده ، وقد صح الخبر أن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - كانوا يتدافعون الفتوى ، حتى استقر في نفوس الناس تعظيم الشريعة . *ومن صفات أهل العلم ، تبليغ العلم ونشره ، والصبر على ذلك ، والاستمرار فيه بدروسهم ومحاضراتهم وفتاواهم . *ومن صفاتهم أيضا ، انشغالهم بالعلم والعمل ، بدءا بالأهم فالمهم ، فتجدهم لا يفتُرون عن تعليم الناس أصول دينهم ، والدعوة إليه ، والترغيب فيه ، والتحذير من مخالفته ، والغيرة عليه . *ومن صفاتهم القيام بحماية الدين ، والذب عن حِماه ، والذود عن حياضه ، وأول ذلك التوحيد والسنة ، حتى لا يقع الناس في الشرك ، أو البدع ، فمن أهم صفات العلماء الراسخين في العلم ، تقرير توحيد رب العالمين ، والاهتمام به والعناية بمسائله ، وترغيب الناس في ذلك ، والاستمرار على تقريره ونشره ، والتحذير من وسائل الشرك وذرائعه ، بيان الشرك وأقسامه وصوره ، كل ذلك حماية لجناب التوحيد ، ولا يرون أن غيره أهم منه ، وكذلك العناية بالاتباع ، ونشر السنن ، والدعوة إليها ، والاستمرار على ذلك ، والتحذير من البدع ، وبيان خطرها ، والوسائل والذرائع الموصلة إليها ، والغيرة على السنة ، فمن صفات العلماء الراسخين ، العناية بالتوحيد والاتباع ، والتحذير من الشرك والبدع . *ومما يميز العالم الراسخ عن غيره ، أن تعرف سيرته بالعلم منذ بداية الطلب ، حتى اشتهاره به ، وأن يعرف بحفظه للمتون ، والسير على طريقة العلماء المعتبرين ، ثم يشهد له بعد ذلك العلماء بالعلم ، ومات وهو على تلك الشهادة له ، ولا يكون ممن شَهِد له بعضهم ، وعارضه بتلك الشهادة آخرون أخْبَرُ به منهم ، أو ممن تراجع ممن شهد له عن شهادته . *ومن أبرز صفات العلماء الراسخين ، كونهم على منهج من سبقهم من العلماء وطريقتهم ، لأن الدين هو الدين ، وليس فيه جديد ، وإنما التجديد هو إحياء ما اندرس من معالم الدين ، ومن المقرر أن من أصول هذا الدين الاتباع ، وعدم الابتداع . *ومن صفات العلماء الراسخين ، العمل بالعلم ، فتجد العلماء المعتبرين عاملين بالكتاب والسنة ، متمسكين بالنوافل والسنن ، فضلا عن الواجبات ، مُجانبين المكروهات والشُّبه ، فضلا عن الحرام . *ومن صفاتهم الورع والتقوى ، فإن من لم يكن ورعا تقيا ، لم يوثق بأقواله ، ولا يعتمد في شيء من أحواله . *ومن صفاتهم الخشوع لله - تعالى - والخشية له ، والخوف والرهبة منه - سبحانه - والتوكل عليه ، والقيام بأمره ، فعن أبي الدرداء – رضي الله عنه - قال كنا مع رسول الله - صل الله عليه وسلم - فشخص ببصره إلى السماء ، ثم قال : « هذا أوان يُختلس العلم من الناس ، حتى لا يقدروا منه على شيء » . فقال زياد بن لبيد الأنصاري : كيف يُختلس العلم منا ، وقد قرأنا القرآن ؟ فوالله لنَقرأنّه ولنُقرِئنّه نساءنا وأبناءنا . فقال : « ثكلتك أمك يا زياد ، إن كنت لأعدّك من فقهاء أهل المدينة ، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى ، فماذا تُغني عنهم » . قال جبير : فلقيت عُبادة بن الصامت ، قلت : ألا تسمع إلى ما يقول أخوك أبو الدرداء ؟ فأخبرته بالذي قاله أبو الدرداء ، قال : صدق أبو الدرداء ، إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس : الخشوع ، يوشك أن تدخل مسجد جماعة ، فلا ترى فيه رجلا خاشعا ( 5) .
*ومن صفات العلماء الراسخين ، أن علمهم في القلوب ، وليس على الألسن ، قال الحسن - رحمه الله تعالى - : العلم علمان : علم على اللسان ، فذاك حجة الله على ابن آدم - كما في الحديث - : « القرآن حجة لك أو عليك » ( 6) . وعلم في القلوب ، فذاك العلم النافع . *ومن صفات العلماء المعتبرين ، قلة الكلام ، وترك المراء والجدال ، وكثرة المسائل ، قال ابن رجب في كتابه "فضل علم السلف على الخلف" : وقد ورد النهي عن كثرة المسائل ، وعن أغلوطات المسائل . وقد اعتنيت بذكر مراتب المشتغلين بالعلم ، وأيضا صفات المشتغلين بالعلم - لا سيما صفات العلماء المعتبرين - لأننا نسمع خلطا في مراتب المشتغلين بالعلم ، ونرى جهلا كبيرا بصفات المشتغلين بالعلم ، ومن ذلك ما نسمعه من العامة والشباب ، في كثير من المجتمعات ، حيث نسمع تسمية من يرقي المرضى شيخا ، والصواب أنه يسمى راقيا ، ويسمون من يجيد القراءة شيخا ، والصواب أنه يسمى قارئا ، ويسمون من يعلم القرآن شيخا ، والصواب أنه يسمى معلما للقرآن ، أو مقرئا ، ويسمون من يشتغل بالقصص شيخا ، والصواب أنه يسمى قاصًّا ، ويسمون من يعظ الناس شيخا ، والصواب أنه يسمى واعظا ، ويسمون من يجتهد في الخطب ، ويجيد الخطابة شيخا ، والصواب أنه يسمى خطيبا ، ويسمون من بدأ في طلب العلم شيخا ، والصواب أنه يسمى طالبا للعلم مبتدئا ، ويسمون من أمضى وقتا في طلب العلم شيخا ، والصواب تسميته طالب علم ، يستفيد ، ويعتني بالعلم ، ويلازم العلماء ، ويسمون طالب العلم المشتغل بالفقه ، أو الحديث شيخا ، أو عالما ، وربما بالغوا فقالوا : علّامة . والصواب أن يقال : مشتغل بالفقه أو الحديث ، ويسمون من طال اشتغاله بالفقه ، أو الحديث ، وغيره من العلوم شيخا ، أو عالما ، أو علّامة ، أو فقيها ، أو محدّثا ، أو غير ذلك من المبالغات ، والصواب أن يقال مشارك في الفقه ، أو الحديث ، ويسمون من رسخ في الفقه ، أو الحديث شيخا ، أو عالما ، والصواب أن يسمى فقيها ، أو محدثا ، أو حافظا ، ويسمون من طال رُسوخه في الفقه ، أو الحديث ، وصار له شأن ، وقول في فنّه شيخا ، والصواب أن يسمى إماما في الفقه ، أو إماما في الحديث ، أو إماما في التفسير ، وربما سُمي بعض من ذكرت علّامة ، وربما سمي إماما ، إلى غير ذلك من المبالغات . والواجب على العاقل الفطن اللبيب ، عدم الاندفاع والجرأة والحماس والمبالغة ، فإن المطلوب شرعا ، هو إنزال الناس منازلهم ، وهذا هو عين الحكمة ، فالحط من شأن الناس ، وهضم حقوقهم ظلم ، ورفعهم فوق ما يستحقون ، ظلم أيضا ، فينبغي إدراك من هم العلماء ، فليس كل من سمي عند الناس ، وبين الشباب ، وفي وسائل الإعلام عالما ، كان كذلك ، لأن هناك من يُرفع ويُلقب ويُشهر ويُوصف بالعلم ، والقصد من وراء ذلك التغرير بالعامة والشباب ، لتحقيق أهداف ليست واضحة لكثير من الناس . الخلط بين مراتب العلم والوظائف الأخرى : ويمكن الإشارة هنا إلى ما وقع فيه الناس اليوم ، من الخلط بين مراتب العلم والوظائف الأخرى ، من إدخال غير أهل العلم على العلماء ، وجعلهم منهم ، فخلطوا بين القارئ والراقي والواعظ والخطيب والداعية ، وطالب العلم المبتدئ ، ومَن كثُرت ملازمته ، والقائم بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والداعي إلى الله - عز وجل - والواعظ القائم بالأعمال الخيرية ، حتى أنتج ذلك الخلط ، أن تقمّص كثير من هؤلاء مراتب العلماء ، واعتدى على وظائفهم ومسئولياتهم ، إلى غير ذلك مما زينه الشيطان في قلوبهم . ومن آثار هذا الخلط ، حصول التساهل في القول على الله - تعالى - بلا علم ، واستشراف النفوس للشهرة والظهور ، والجرأة على منازل العلماء ووظائفهم ، والتجاسر على الأحكام والفتاوى ، بل بلغ بهم الأمر إلى الفصل في النوازل والفتن العظيمة ، دون تَروٍّ ، وفي هذا كثير من المفاسد ، سببها الخلط بين مراتب المشتغلين بالعلم ، والجهل بصفات العلماء المعتبرين ، فالواجب إنزال كل فرد منزلته التي يستحقها ، دون تأثر بعاطفة ، أو شهرة ، ولا بد أن يكون وصفه وإنزاله بناء على علم ومعرفة ، من غير خلط ، ولا مجازفة . ومن آثار ذلك الخلط ، ما تشاهدونه من رجوع الناس في الفتوى ، إلى غير أهلها ، فكل من تكلم في قناة من القنوات ، تهافتوا على سؤاله ، واستفتوه ، وكل من ألقى محاضرة ، أو طبع رسالة ، أو كتب مقالا ، أو كان باحثا ، أو عرف بالخطابة - وخاصة إذا كانت له أشرطة في الوعظ ، أو التربية ، أو القصص ، أو الرقائق والمواعظ - رجعوا إليه في أمورهم الشرعية ، ولم يقتصروا على العلماء ، والعاقل اللبيب لا يغتر بما يوصف به الشخص إعلاميا ، ولا يغتر أيضا ببلاغته وفصاحته وبيانه ، ولا يغتر بمرتبته وشهادته ، أو أنه يُنسب ، أو ينتسب للعلم ، فكم من الناس اليوم يفتقر إلى مصداقية العلم الشرعي الصحيح ، الذي يدعيه ، أو يُدعى به ، إلى معرفة واضحة في أي مراتب العلم هو ؟ وعن مَن أخذ العلم ؟ وهل أخذه من أهله الراسخين ، أو من غيرهم ؟ وهل عُرف في مجالس العلماء الراسخين ، وطول ملازمته لهم ؟ وهل علمنا تزكية أهل العلم الراسخين له ؟
فإن من الغريب في هذا الزمن ، الذي كثرت فيه الفتن ، وشاع فيه التغرير بالناس ، أن هناك شعارات علمية وشرعية وخيرية ، انطلت على عوام الشباب ، فانساقوا وراءها ، فحملتهم على منابذة أهل العلم الراسخين ، الذين كانوا يحذرون من تلك الهتافات والشعارات البراقة ، لأن العلماء الراسخين يدركون خطورة وضرر ما يخفى تحت تلك الشعارات والهتافات التي يساق الناس إليها ، ويعرفون مخالفتها للحق ، وما تؤدي إليه ، من الفتن والاختلاف ، ويعرفون أنها تُذهب السنن ، وتمكن البدع ، ولهذا لو تأمل المسلم الناصح المشفق على نفسه ، فيمن يسير الناس في ركابهم ، من بعض المشهورين بالخطابة ، أو الوعظ ، أو القصص ، أو المحاضرات ، أو المقالات ، أو الرسائل المطبوعة والبحوث ، أو غير ذلك من العلوم ، لو تأمل المسلم بإنصاف وتجرد ، وسأل نفسه عن منزلة كل واحد من أولئك في العلم الشرعي ، من جهة طلبه للعلم وتحصيله ، وكم أمضى فيه ؟ وعمن أخذ ؟ وما منزلته في ذلك الفن ؟ وما هي الفنون التي اطلع عليها وتعلمها ؟ وما هي التي يشارك فيها ؟ وما هي التي يجيد فيها ؟ وما منزلته من حفظ القرآن والحديث والقواعد والأصول ، التي قررها أهل العلم ؟ وما مدى استحضاره للأدلة ، وقدرته على الاستنباط والقياس ؟ وما مدى معرفته بالإجماع ، والناسخ والمنسوخ ، والمقيد من المطلق ، والخاص من العام ، والمفَصّل من المجمل ، ومعرفته بالسياسة الشرعية في الفتوى ، وطرق إنكار المنكر ، وفي وسائل الأمر بالمعروف ، وتعليم الناس ، والحكم في النوازل ، وفي الفتن ، إلى غير ذلك من الأمور ، التي يُعرف بها منزلة كل شخص من مراتب العلم بالشريعة ، فمن الناس من يكون لديه من العلم شيء ما ، ولا يحق له أن يتكلم في أمور الشريعة ، لأنه لم يبلغ من العلم مبلغا ، يصح له أن يقول في دين الله قولا ، ومنهم من يطلب العلم ، ولم يصل بعد إلى مرتبة الإفتاء ، ومنهم المبتدئ في طلب العلم ، ومنهم من لا ينتسب للعلم ، وهم العامة ، فمن تهاون في القول على الله - عز وجل - بغير علم ، سواء في موعظة ، أو قصص ، أو خطابة ، أو فتوى ، فقد عرّض نفسه لغضب الله - جل وعلا - وعرض نفسه لعذابه ومَقْته ، ومن أعانه بالتأييد ، أو الحضور ، كان عليه كِفْل من الإثم ، نسأل الله السلامة والعافية ، لأن الله - جل وعلا - يقول ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [سورة المائدة : الآية 2 ] . ولهذا أحب أن ألفت أنظار جميع المسلمين ، إلى أن يسألوا أنفسهم تلك الأسئلة السابقة ، عن كل من ينتسب إلى الشريعة ، ليعرفوا حقيقة منزلته . قبض العلم : المسألة الخامسة: إخبار النبي - صل الله عليه وآله وسلم - عن قبض العلم ، وعن قبض العلماء ، فقد أخرج البخاري في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنهما - قال سمعت رسول الله - صل الله عليه وآله وسلم - يقول : « إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبق عالما ، اتخذ الناس رءوسا جهالا ، فسُئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا » ( 7) .
وأخرج الإمام أحمد في المسند ، ومعمر في الجامع ، من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال قال رسول الله - صل الله عليه وآله وسلم - : « إِنَّ اللهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهُ ، وَلَكِنْ يَذْهَبُ بِالْعُلَمَاءِ ، كُلَّمَا ذَهَبَ عَالِمٌ ذَهَبَ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْعِلْمِ ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ لَا يَعْلَمُ ، فَيَتَّخِذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا ، فَيُسْتَفْتَوْا ، فَيُفْتُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَيَضِلُّوا وَيُضِلُّوا » ( .
رفع العلم ، وفُشو الجهل : المسألة السادسة : إخبار النبي - صل الله عليه وآله وسلم - عن رفع العلم ، وفُشو الجهل ، فقد أخرج الشيخان من حديث أنس - رضي الله تعالى عنه - قال قال رسول الله - صل الله عليه وآله وسلم - : « إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ، ويثبت الجهل ، ويشرب الخمر ، ويظهر الزنا » ( 9) .
وأخرج ابن حبان في الصحيح ، من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن رسول الله - صل الله عليه وآله وسلم - قال : « لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ، ويكثر الكذب ، و تتقارب الأسواق ، و يتقارب الزمان ، ويكثر الهرج » . قيل : و ما الهرج ؟ قال : « القتل » ( 10) .
وحيث قدر الله - تعالى - ذلك ، فقد جاءت الشريعة بالتحذير من الرؤوس الجهال ، وبيّن العلماء صفاتهم ، وأوضحوا خطرهم . صفات الرؤوس الجهال : المسألة السابعة : صفات الرؤوس الجهال ، والمراد بمعرفة ذلك ، الحذر والتحذير منهم ، فمن صفاتهم عدم عملهم بالعلم النافع ، وإن عملوا به فعلى باطل من معتقد ، أو طريق مخالف . *ومن صفاتهم ، الجهل بفقه السلف الصالح - رضي الله تعالى عنهم - والجهل بآثارهم وسيرهم ، وما كانوا عليه ، من الهدى والرشاد ، أو التقليل من شأنهم ، وعدم الاهتداء بهم . *ومن صفاتهم مخالفة السلف ومنازعتهم ، يقول الله - تعالى - ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [سورة النساء : الآية 115] ، ويقول الله - جل وعلا - ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [سورة التوبة : الآية 100] . *ومن صفاتهم التقليد الأعمى ، والاتباع للهوى ، وعدم الوقوف مع الحجة والاستدلال الصحيح ، مع نصوص الكتاب والسنة ، وفقه السلف الصالح - رضي الله تعالى عنهم - . *ومن صفات الرؤوس الجهال ، تقديم الرأي على الوحي ، والعقل على النقل ، والتسرع في الفتوى ، والجرأة عليها ، والتساهل فيها ، والاستشراف لها ، والقيام بها ، من غير أن يُكلَّف من قِبل إمام المسلمين . *ومن صفاتهم ، التستر بالغيرة على الدين ، وهم يرومون أهدافا أخرى . *ومن صفاتهم ، عدم العمل بما يدعون إليه ، فتجدهم يدعون إلى الجهاد ، من غير ضوابط ، ويحرضون عليه ، من غير بيان لشروطه ، ولا يقومون به ، فإذا وقع فيه من وقع من العامة والشباب ، قاموا بتبرير فتاواهم بما لا يُقبل ، ولا يُعقل ، فيدفعون بالرعاع والعامة والشباب إلى المهالك ، ثم يتنصلون من أفعالهم . *ومن صفات الرؤوس الجهال ، تهوينهم من أهل العلم الراسخين ، والتقليل من شأنهم ، وصرف الناس عنهم ، بوسائل متعددة تنطلي على كثير من العامة والشباب ، بل تنطلي على بعض الخاصة . *ومن صفات الرؤوس الجهال ، نبذهم لأهل العلم الراسخين ، وتلقيبهم بألقاب ، تُنفّر العامة والشباب منهم . *ومن صفات الرؤوس الجهال ، دعوتهم الناس للعناية بالسياسات الخارجية ، ومتابعة إعلام الغرب ، وتتبع أخبارهم ، وتحريضهم على الولاة ، نتيجة لما يدعون ، مما يسمونه فقه الواقع ، ولا يعنون به فقه النصوص الشرعية ، وتنزيلها على الوقائع ، وإنما يعنون معرفة أحوال الناس ، وأحوال الولاة في الخارج والداخل ، ومعرفة أحوال الغرب والشرق ، ليفتتن الناس بذلك . *ومن صفات الرؤوس الجهال ، التنقل من منهج إلى منهج ، لا يثبتون على طريقة ، إلا على مخالفة السنة ، ومنابذة أهل الرشاد . *ومن صفاتهم ، عدم التوفيق فيما يُسأل عنه ، مهما عظُم وجلّ ، فتجده يتكلم في مسائل ، لو سئل عنها أبو بكر ، أو عمر - رضي الله تعالى عنهما - لجمعا لها أهل بدر من أصحاب محمد - صل الله عليه وآله وسلم - وتجد ذلك الجاهل ، يتكلم بها ولا يبالي ، والعامة يظنون أن ذلك لسعة علمه ، أو شدة غيرته على الإسلام والمسلمين ، وهم لا يعرفون حقيقة الأمر . *ومن صفاتهم ، بُعدهم عن الخشية ، وضعف الخوف من الله - تعالى - . *ومن صفاتهم ، أنهم ينظرون إلى الأمور بناء على الهوى ، والمصالح الدنيوية القريبة التي توهموها ، دون التفات لنصوص الشرع ومقاصده ، ولا اكتراث لحكم الشارع ، ومقاصد الشريعة . *ومن صفاتهم ، حب الرياسة وطلبها والفرح بها ، والعمل لأجلها ، والسعي لذلك . *ومن صفاتهم ، كثرة الكلام والمراء والجدال . *ومن صفات الرؤوس الجهال ، تزيينهم الباطل للناس ، والاستدلال له ، فعن شداد بن أوس - رضي الله تعالى عنه - قال قال النبي - صل الله عليه وآله وسلم - : « إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، وإذا وُضِعَ في أمتي السيف ، لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة » ( 11) .
فالرؤوس الجهال ، يزينون الباطل الذي يدعون إليه ، وذلك إما بسبب جهلهم بالحق ، أو قصدهم الباطل ، أو طاعة للهوى ، أو طاعة لحزبهم ومذهبهم ، لتحقيق أهدافهم ، وغالب هؤلاء المضلين يَظهرون للناس بشخصيات وعبارات ، تزينهم وترغب الناس فيهم ، كأن يكونوا ذوي فصاحة وبيان ، أو قدرة على التأثير ، بزخرف القول ، وسحر الكلام ، أو يدخلون على الناس من باب فعل بعض الخير ، أو من جهة دفاعهم - بالقول فحسب - عن قضية من قضايا المسلمين ، أو الدعوة إلى إظهار وتأكيد أمر من أمور الشريعة ، لكنهم يتركون ما هو أهم وأولى ، ويخالفون الحق في أصول الإسلام ، ويرققون الدين في قلوب العامة ، من أوجه أخرى ، فترى كثيرا منهم يدعو إلى كثير من الضلالات التي لا تحصى ، لكنه يروج لنفسه من خلال الدفاع عن قضية فلسطين ، بالكلام ، والمظاهرات المبتدعة ، التي لا تغني شيئا ، وهو مع ذلك يفتي ويقول بالتقريب بين السنة ، وبعض الطوائف والفرق المخالفة للكتاب والسنة ، ويقول بجواز الغناء ، مع إباحة تمثيل المرأة ، وخروجها على ردهات المسارح ، أو أمام آلات التصوير ، وتمثيلها مع الرجال ، وتوليها المناصب القيادية ، بل يقول بجواز عمل المسلم في الخمارات ، في بلاد الكفر ، وذلك – في زعمه - من باب الضرورات ، بل يذهب إلى ما هو أخطر من هذا كله ، وهو عدم تحقيق أصل الإسلام وعماده ، وهو الولاء والبراء ، فضلا عن التمييز بين السنة ، والولاء لأهلها ، والبراءة ممن يخالف السنة ، وينابذ أهلها ، نسأل الله السلامة والعافية .
خطر الرؤوس الجهال : المسألة الثامنة : فقد قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم عن علمائهم وكبرائهم ، وذوى أنسابهم ، فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفلتهم ، فقد هلكوا . فعلى المسلم أن يكون حازما محتاطا ، يقف مع نفسه وقفة المحاسب لها ، في كل ما كلف به ، وأن يكون أكثر حزما ومحاسبة لنفسه ، فيما يتعلق بالمواقف الكبيرة والخطيرة ، والمواقف المصيرية التي تهم العامة والأمة ، وأن يقوم في ذلك كله على الدليل من الكتاب والسنة ، ومراعاة الحكمة والتأني ، وضبط التصرفات بالعقل الصحيح ، والحذر من العواطف التي توصل أهلها لعواصف من الفتن ، وسفك الدماء ، والهرج والمرج . وعلى العاقل أن يتنبه للأخبار الكاذبة ، التي تَروج في أوقات تتلائم مع قبولها ، من قبل السُّذج الذين يسمعون توجيهات مسمومة ، من قبل أناس ينتسبون إلى العلم زورا وبهتانا ، ويَدّعون الغيرة على الدين ، تغريرا وتمويها ، فالعاقل خصيم نفسه ، يأخذها بالحزم والمحاسبة ، يقول الله - تبارك وتعالى - ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الحشر : الآية 18] . يقول ابن كثير - رحمه الله تعالى (12 ) - في قول - سبحانه - ﴿ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ [سورة الحشر : الآية 18] : أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ، ليوم معادكم وعرضكم على ربكم . وصح عن النبي - صل الله عليه وآله وسلم - أنه قال : « لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه ما عمل فيه ، وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه » ( 13) .
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فإنه أهون لحسابكم ، وزِنُوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتزينوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية ( 14) . وقال الحسن البصري - رحمه الله تعالى - : إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائما ، يقول : ما أردت هذا .لم فعلت هذا ؟ كان هذا أولى من هذا ؟ أو نحو هذا الكلام .
وقال قتادة - رحمه الله تعالى - في قوله - تعالى - ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [سورة الكهف : الآية 28] أضاع نفسه وغبن ، ومع ذلك تراه حافظا لماله ، مضيعا لدينه .
وقال ميمون بن مهران - رحمه الله تعالى - : لا يكون العبد تقيا ، حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه . ولذا قيل : النفس كالشريك الخوّان ، إن لم تحاسبه ذهب بمالك .
وقال وهب بن منبه : قال في حكمة آل داود : حق على العاقل أن تكون له أربع ساعات : ساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يخلو فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوب نفسه ، وساعة يُخلي بين نفسه وبين شهواتها التي لا قِوام له إلا بها ، مما يحل ويحسن ، فإن في هذه الساعة عونا له على الساعات الأُخَر ( 15) . وقال الأحنف بن قيس : دخل عمر منزله ، ونحن معه ، فافتتح الصلاة ، فصلى ركعتين ، ثم جلس فقال : يا ابن الخطاب ، كنت وضيعا ، فرفعك الله ، وكنت ضالا ، فهداك الله ، وكنت ذليلا ، فأعزك الله ، ثم حملك على رقاب المسلمين ، فجاءك رجل يستعديك ، فضربته ، ما تقول لربك غدا إذا أتيته ؟ فجعل يعاتب نفسه معاتبة ظننت أنه من خير أهل الأرض . فإذا كان هذا فعل السلف ، مع تقدمهم في الأعمال الصالحة ، وشهادة رسول الله - صل الله عليه وآله وسلم - لبعضهم بالجنة ، فكيف بنا . ثمرات محاسبة النفس إنك إذا أخذت نفسك بالمحاسبة ، حصلت لك فوائد كثيرة ، منها :
أولا : نمو ملكة نقد النفس ، بمعرفة عيوبك ، ومواضع الضعف فيها ، فتجتهد بعد ذلك في إصلاح نفسك وتحصينها ، مما يسوؤها يوم العرض على الله . ثانيا : إذا أدمنت على محاسبة نفسك ، أورثك ذلك الإخلاص لله ، في جميع أفعالك وأقوالك . ثالثا : محاسبتك لنفسك تشغلك بنفسك عن غيرك . رابعا : توقظك المحاسبة من الغفلة ، التي وقع فيها المعرضون عن محاسبة أنفسهم .
خامسا : تكثيرك لخصال الخير في نفسك ، نتيجة للمحاسبة ، وتقلل من الصفات السيئة ، ونوازع الشر في النفس . سادسا : تذليل النفس وتأديبها ، بالتواضع والإنصاف ، وترك العدوان ، وتجنب حظوظ النفس . سابعا : تذكر النعم وشكرها ، لتزيد وتكثر ، ومعرفة ما يجلب النِّقَم ودواعيها ، وهي المعاصي ، فتجتنبها ، لتنصرف عنا البلايا والرزايا . ثامنا : حياء القلب واستحياؤه ، ثم أيضا ضياؤه ونوره ، ونفاذ بصيرته ، وصحة معرفته . تاسعا : استدراك ما نقص من الدين ، وترك ما وقع مما يخالف أمر الله – عز وجل - . عاشرا : الإنابة والتوبة وملازمة الاستغفار والندم ، واستدراك ما فرط فيه في الزمن الماضي ، والتحسر على ما فرط فيه . الحادي عشر : الاستعداد للموت ، والعرض على الله - تعالى –
الثاني عشر : تولّد خُلق الحياء من الخالق - سبحانه وتعالى - ثم من المخلوقين . الثالث عشر : دوام الخشية من الله - تعالى - وبذلك تحصل سعادته في الدنيا ، ونجاته في الآخرة . الرابع عشر : الإكثار من الأعمال الصالحة ، والتقليل من المعاصي والذنوب .
الخامس عشر : رد المظالم ، والتحلل من الخلق ، ونزع السخائم من القلب ، والتجمل بالآداب ، وحسن الأخلاق ، وجميل الخلال . السادس عشر : انكسار العبد بين يدي الله - تعالى - وكمال تذلـله لربه - سبحانه وتعالى - لما يرى من نفسه من النقص والزلل والتقصير . كل ذلك وغيره كثير ، نتيجة لأخذ العبد نفسه بالمحاسبة ، والتدقيق في أعمال القلوب ، ومراقبة النفس ومحاسبتها ، كأنها شريك خوّان ، فإذا رغبت في محاسبة النفس ، فاعلم أن محاسبة النفس تكون على مراحل : مراحل محاسبة النفس الأولى : البدء بالفرائض ، فإذا رأى نقصا بادر بتكميله . الثانية : النظر إلى المناهي ، فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئا تداركه بالتوبة والاستغفار ، والحسنات الماحية . الثالثة : محاسبة النفس على الغفلة ، فيتدارك ذلك بالذكر ، والإقبال على الله - تعالى - والتعلق به - سبحانه - . الرابعة : محاسبة النفس على حركات الجوارح ، من كلام اللسان ، ومشي الرجلين ، وبطش اليدين ، ونظر العينين ، وسماع الأذنين ، ماذا أردت بهذا ؟ وماذا استفدت منه ؟ وماذا نتج عنه ؟ إلى غير ذلك من الفوائد التي تحصل للعبد إذا أكثر من محاسبة نفسه . فيجب علينا أن نتأمل صفة العلماء الراسخين وعلاماتهم ، حتى لا نغتر بالرؤوس الجهال ، فإن مع كثرة وسائل الاتصال ، من القنوات الفضائية ، وشبكة المعلومات العنكبوتية ، المسماة بالإنترنت ، وكذلك كثرة الإذاعات ، والمجلات والصحف ، وغير ذلك من وسائل الإعلام ، وقنوات الاتصال ، حتى كثرت وانتشرت بين الناس لدرجة أنها وصلت إلى جيوبهم عبر الهاتف النقال ، فإن الفتن أصبحت تباشر الناس ، في أسماعهم وأبصارهم ، وحيثما اتجهوا وجدوها أمامهم . فالواجب على المسلم أن يحفظ دينه ، وأن يعلم أنه عما قريب ملاقٍ ربه ، فعليه أن يعرف العلم الشرعي وحَدّه ، وأن يعرف فضل العلم ، وفضل العلماء ، ومنزلتهم ومراتبهم ودرجاتهم ، وأن يفرق بينهم ، وبين من دونهم ، من طلاب العلم والباحثين والمشاركين في العلم ، وأن يعرف صفات العلماء المعتبرين ، وينظر في أخبار النبي - وآله وسلم – المتعلقة ببيان منزلتهم ومرتبتهم ، وينظر في أخبار النبي - وآله وسلم - الدالة على رفع العلم بقبض العلماء ، ونتيجة ذلك من انتشار الجهل والفتن والقول على الله - عز وجل - بغير علم ، وانتشار الرؤوس الجهال ، الذين يقومون بدعوة الناس وإفتائهم ، والفصل في النوازل والكلام في المعضلات . فبهذه الطريقة ينتشر الجهل ، وتضعف العناية بالعلم الصحيح السليم ، الذي دل عليه الكتاب والسنة ، فخطر الرؤوس الجهال ، وآثارهم عظيمة ، يجب علينا أن نَحذر منها ، وأن نُحَذّر منها ، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بملازمة أهل العلم الراسخين فيه . ومن نعم الله - عز وجل - علينا في هذه البلاد أن قامت هذه البلاد ، في حكمها وفتاواها وقضائها وتعليمها وحِسبتها ، وشئونها الإسلامية من تعيين الأئمة والمؤذنين والخطباء ، وغير ذلك على الكتاب والسنة ، فإن من فضل الله - سبحانه وتعالى - علينا في هذه البلاد ، أن أكرمنا بقيام الدعوة إلى التوحيد والسنة ، على أيدي العلماء الربانيين الذين اعتنوا بالتوحيد والسنة ، ودعوا إليهما ، وحذروا الناس مما يخالفهما . فيجب علينا أن نحرص على ملازمتهم ، وأن نرجع إليهم ، وألا نستعجل في تلقي الفتاوى من كل من هبّ ودبّ ، ممن تكلم في قناة ، أو إذاعة ، أو صحيفة ، أو مسجد ، أو غير ذلك . الواجب أن نعلم أن القضاء والفصل بين الناس موكول إلى إمام المسلمين ، وهو الذي يقوم فيه ، أو ينيب عنه من يقوم به ، كما هو الآن موجود من إنابة ولي الأمر للقضاة ، أن يقضوا بين الناس ، وأن نعلم أن الفتوى من مسئولية ولي الأمر ، وأنها منوطة به ، فيقوم بها ، أو ينيب من يقوم بها ، كما هو حاصل الآن من عناية سماحة مفتي عام المملكة ، وإخوانه من العلماء في اللجنة الدائمة للإفتاء ، وهيئة كبار العلماء . وكذلك التعليم موكول إلى جهات معينة ، فيوكل إلى وزراة التربية والتعليم ، ووزراة التعليم العالي ، هذا فيما يتعلق بالمدارس والجامعات ، وإلى وزراة الشئون الإسلامية ، فيما يتعلق بالمساجد والجوامع ، ونحو ذلك من الأمور الدعوية ، كمكاتب الدعوة وغيرها ، فالأمور مضبوطة ومنضبطة ، وأما إذا خولفت حصل بين الناس الفوضى ، وأصبح كل يفتي ، وكل يقضي ، وكل يعمل بقوله ، حتى يصل الأمر إلى عمل تنظيمات سرية ، ويصل الأمر بعد ذلك إلى حدوث بَيعات سِرّية ، غير بيعة الإمام المعلن الظاهر للناس ، وهذا قد حصل في قرون مضت ، والآن يحصل في بعض البلاد الإسلامية ، وهذا أمر ليس بخافٍ ، فهو معلن في وسائل الإعلام ، عندنا وعند غيرنا .
وقد بين خطورة ذلك علماؤنا - حفظهم الله تعالى - فالأمر خطير إذا خرج الرؤوس الجهال ، بسبب تسورهم لوظائف أهل العلم الراسخين ومراتبهم ، وظهورهم أمام الناس بأنهم هم العلماء ، فيلقبون العلماء بألقاب تنفر الناس منهم ، وتشوه صورتهم ، ويشيعون عنهم الأكاذيب ، فينصرف الناس إلى الرؤوس الجهال ، فيأخذون عنهم ما لديهم من فتن وضلالات . فالواجب علينا أن نلازم أهل العلم الراسخين القائمين المعروفين ، في هذه البلاد ، فنرجع إليهم ، ومن هؤلاء العلماء سماحة مفتي عام هذه البلاد ، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، ومنهم صاحب الفضيلة ، العلامة الشيخ صالح الفوزان ، ومنهم أيضا صاحب الفضيلة ، الشيخ عبد الله بن الغديان ، ومنهم أيضا صاحب الفضيلة العلامة الشيخ عبد المحسن العباد ، وغيرهم من أهل العلم كثير ، كصاحب الفضيلة العلامة ، الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ ، وصاحب الفضيلة ، الشيخ أحمد سير مباركي ، وغيرهم ممن لا يحضرني اسمه الآن ، علينا أن نرجع إليهم ، وأن نستفيد منهم .
ومن علامات العلماء الراسخين - كما تقدم - سيرهم على طريقة مَن سبقهم مِن علماء أهل السنة والجماعة ، والتمسك بغرزهم . ومن علاماتهم أيضا ، تشاورهم فيما بينهم ، وتدارسهم لما حل بالأمة من النوازل والمعضلات والأمور المدلهمة ، أما الرؤوس الجهال ، فتجدهم يتسرعون في القول على الله ، وفي دين الله ، نتيجة للهوى ، معتمدين في ذلك على تقارير غربية ، أو شرقية ، أو ظنون ، ثم يتعسفون في الاستدلال بآي القرآن ، وسنة رسول الأنام - عليه الصلاة والسلام - وآثار السلف الصالح ، فيحملونها على غير وجهها . فيجب علينا أن نحرص على معرفة صفات وعلامات العلماء المعتبرين ، وأن نربي أولادنا وأهلنا ، ومن نقوم على أمرهم ، على تبيين ذلك ، وأن نربطهم ونعيدهم ، ونرجعهم لأهل العلم المعتبرين الراسخين ، الذين من علاماتهم كثرة الاشتغال بالكتاب والسنة وتدريس ذلك للناس ، ونشره بينهم ، ولذلك تجد من علامات أهل العلم الراسخين ، ومن صفات تلاميذهم وطلابهم ، أنهم يدلون الناس على أهل العلم . أما الرؤوس الجهال وأتباعهم ، فتجدهم يدعون الناس ويحضونهم على الأخذ عن رءوسهم الجهالة ، الذين يغرسون الفتنة والشر بين الناس ، علما بأن هؤلاء يتظاهرون بمحبة الدين ، ويرفعون شعارات معينة ، تنطلي على كثير من الناس . *من صفات الرؤوس الجهال ، ومن صفات أتباعهم ، عنايتهم بمن كانوا على شاكلتهم ، وإعراضهم عن العلماء الراسخين ، ولذلك تجد في بعض البلاد ، عندما تدخل مكتبة أحد من هؤلاء تجد عنده كتبا لا علاقة لها بمنهج وطريقة أهل السنة والجماعة ، ومنهج السلف الصالح - رضي الله تعالى عنهم - وتجد عنده أشرطة عامة ليس فيها إلا مجرد حماسات ومهاترات ، ودفع للشباب إلى أمور ، يجب أن يعتنوا بما هو أهم منها . *وهنا مسألة مهمة ينبغي لنا أن نتنبه لها ، وهي من أوضح علامات أهل السنة والجماعة ، ومن أبرز علامات العلماء الراسخين ، وهي العناية بالتوحيد ، والعناية بالسنة ، فتجد أن العالم الراسخ لا يفتر ، ولا يقصر ، ولا يمل حتى يموت ، وهو يقرر التوحيد ، ويدعو إليه ويفصله ، ويبين مسائله وأنواعه ، ويبين ما يضاده من الشرك ، سواء الظاهر منه ، أو الخفي ، أو الأكبر ، أو الأصغر ، ولا يفتر عن ذلك ، حماية للدين ، وحرصا وغيرةً على إخوانه المسلمين . ومن علامات هذا العالم الراسخ أيضا ، أنه لا يفتر ، ولا يقصر إلى أن يموت ، وهو يدعو إلى اتباع الرسول - عليه الصلاة والسلام - ويبين ما يناقض ذلك ، من البدع والأهواء . فيجب علينا أن ندرك طرائق أهل البدع ، وطرق الرؤوس الجهال ، لنحذر منها ، فعندما يدخل الإنسان في بعض نشاطات هؤلاء يجد كثيرا من الأشرطة والكتب والرسائل والمنشورات والهدايا والمسابقات ، التي تقوم على ثقافات تخص هؤلاء الرؤوس ، ولا نجد أنهم ينشرون أشرطة أهل العلم ، ولا كتبهم . فأين أشرطة العلماء المعاصرين ؟ ولماذا لا تنشر بين الشباب وبين الفتيات ؟ ويحضرني قصة قصيرة جدا ، ذكرها لي أحد الإخوة من طلاب العلم ، وهو إمام وخطيب لأحد المساجد ، يدعو الناس إلى الخير ، وينشر العلم بين الناس ، نسأل الله - عز وجل - أن يتقبل منه ، يقول لي : إننا عملنا مسابقة على أشرطة لأحد المشايخ الفضلاء ، يشرح كتابا من كتب التوحيد ، فبدأ الناس يتهافتون علينا ، ويطلبون الأسئلة ، وعندما أخبرناهم أنها انتهت ، قالوا : لا نريد جوائز ، لكن نريد أن ندخل في هذه المسابقة ، لأننا كنا ندخل في مسابقات ، لا نستفيد من ورائها شيئا ، أما الآن فقد ذقنا طعم العلم ، وذقنا طعم الدين ، فنريد أن ندخل معكم في هذه المسابقة ، وهذا ما ينبغي أن يقوم به كل المسلمين ، وهو العمل على نشر هذا المنهج ، الذي به تستقيم الحياة ، وينصلح أمر الدنيا والآخرة ، بدلا من إشغال الناس بهذه الأفكار المنحرفة ، والآراء الضالة .
نسأل الله - عز وجل - أن يوفقنا لكل خير ، وأن يهدينا لكل طاعة ، وأن يجنبنا |
|