ما الذي يجعل الطائرات تهوي من السماء؟
بعد خمسة ايام على اختفائها يزداد لغز الطائرة الماليزية التي تحمل 239 راكباً غموضاً، مع عدم العثور على اي اثر لها.
وأمس، توسعت عمليات البحث إلى الساحل الشمالي الغربي من ماليزيا. حيث يتعقب رادار القوات الجوية إشارة مجهولة قبالة ولاية بينانج شمال غرب. وافادت بان الطائرة غيرت اتجاهها قبل ثوانٍ من اختفائها.
وأعلنت الحكومة توسيع نطاق البحث ليمتد إلى جنوب تايلند وبحر أندامان ونيكوبار طالبة من الهند المساعدة في تلك المنطقة.
ونفت الخطوط الماليزية اي خطأ لطاقم الطائرة، او ان يكون الطيار قد انتحر وكذلك مساعده، كما تميل الى استبعاد ان يكون الارهاب سبباً وهو ما يرجحه الاميركيون.
وازداد الغموض مع كشف أقارب عدد من الركاب أن هواتف أقاربهم ظلت ترن عقب الإعلان عن فقدانهم، ما جعل النقمة تزداد بين الاهالي ووسائل الاعلام الماليزية التي رفعت من حدة انتقاداتها للسلطات. يصدق المثل الشائع الذي يقول: ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع. وإذا ما طبقنا هذا المثل الشهير في عالم الطيران فسنجد أنه لا توجد طائرة في منأى عن السقوط أو الهاوية؛ وخير مثال اليوم وبكل أسف حادثة اختفاء طائرة الخطوط الجوية الماليزية، وسقوطها في مياه البحر بشكل مثير ومريع وغامض. على الرغم من أنها احدى أكثر الطائرات سلامة وشهرة وأمانا في العالم، وهي البوينغ 777 الأميركية الصنع؛ وما أشبه هذه الحادثة بحادثة سقوط إيرفرانس الرحلة 447 إيرباص 330 في 2009. إذا ليس الحديث هنا عن الأمر الذي ادى بتلك الطائرات للسقوط بقدر ما الأسباب التي تؤدي في الغالب بطائرات متقدمة كالبوينغ 777 وقبلها إيرباص 330 بالسقوط من ارتفاعات تحليقها الشاهقة والتناثر كزجاج فوق سطح المياه والأراضي؟ وهذا ما يدعونا إلى الخوض في تلك الأسباب.
تشير أغلب السجلات إلى أن أخطر مراحل الطيران هي في الإقلاع والهبوط وغالبا ما تحدث الحوادث أثناءها. ونادرا ما تحدث أثناء التحليق على ارتفاعات شاهقة (حادثة إيرفرانس استثنائية). لذا فإن أمرا ما قد يحدث للطائرة أثناء تحليقها على ارتفاع شاهق قد يؤدي بها إلى التحطم حتى قبل ملامسة الأرض أو سطح المياه، وهو قد يكون عملا إما إرهابيا أو متعمدا، أو في الغالب تصدع في بدن الطائرة. وهو ما بات مرجحا مع حادثة اختفاء الطائرة الماليزية؛ لكن نسبة تحطم الطائرة من على ارتفاع شاهق لا تتعدى %9 وهي نسبة ضئيلة جدا قياسا بمرحلتي الإقلاع والهبوط التي ورد ذكرها مسبقا.
تصدع البدن
تصدع البدن يعد من أخطر الحالات التي قد تتعرض لها الطائرات أثناء تحليقها في الجو، وإذا ما أخذنا أن معظم الطائرات حاليا مصنوعة من معدن الألومنيوم فإن تعرضها للتآكل وارد، ولذلك تخضع بين الحين والآخر إلى عملية فحص دوري لجميع أجزاء بدنها لتفادي حدوث مثل ذلك التصدع، خصوصا في المناطق التي تزداد فيها الرطوبة، ولطالما حدثت حالات من التصدع أدت إلى كوارث وحوادث مريعة، ولعل أشهر تلك الحوادث ما تعرضت له طائرة من طراز 737 تابعة لشركة طيران داخلية أميركية تدعى «ألوها إيرلاين» حيث انفصل جزء من سقف الطائرة لكنها تمكنت من الهبوط بسلام، إلا أن مضيفة تعرضت إلى السقوط من الطائرة أثناء انفصال ذلك الجزء نتيجة لاختلال الضغط وسحب الهواء. وهناك حادثة انفصال ذيل الإيرباص 300 التابعة لشركة أميركان إيرلاينز بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بشهر نتيجة لتآكل المواد المركبة المكونة للذيل وانفصاله، مما أدى لسقوط غير متحكم به ووفاة جميع من كانوا على متن الطائرة إلى جانب أناس كانوا على الأرض. واليوم تتعرض أحدث طائرة من صنع غير معدني (مواد مركبة من الكربون) هي البوينغ 787 لتشققات في البدن هي الأخرى مما قد يبرز خطر ذلك على ارتفاعات شاهقة، الأمر الذي دفع بالشركة المصنعة، وهي بوينغ، إلى تكثيف جهودها نحو معالجة ذلك.
عوامل الطقس
الطقس هو أكثر المؤثرات التي تتحكم بعالم الملاحة الجوية في العالم. كيف وهو يحيط بمجال التحلي من كل ناحية وفي كل جو. لذلك تولي المراكز الملاحية في العالم وفي الجهات الخاصة بالطيران عوامل الطقس أهمية قصوى في تخطيطها لأي طلعة أو رحلة جوية. أما من الناحية التصنيعية؛ فلابد من الإشارة إلى أن معظم الطائرات بنيت كي تتحمل أقسى ظروف الطقس ما أمكن لكن ربانها في الغالب مطالبون بتفادي تلك الظروف قيد الإمكان وإذا ما أخذنا ما حدث لطائرة إيرفرانس رقم 447 المشؤومة في 2009 والتي فقدت فوق المحيط الأطلسي؛ فإن تكون الجليد على أنابيب بيتوت لقياس السرعة الهوائية قد تسببت في حدوث كارثة، حيث أعطت قراءات خاطئة للسرعة مما جعل الطاقم غير الملم بالتعامل مع تلك المعضلة يتخذون قرارات غير صحيحة أدت إلى انهيار الطائرة من على ارتفاع شاهق لترتطم بالبحر متحطمة ومؤدية الى مقتل الجميع.
أعطال المحرك
معظم حالات تعطل المحركات التي تحدث في الجو أثناء تحليق الطائرة على ارتفاع عال نتيجة انخفاض معدل الزيت لأحد المحركات، وارتفاع حرارته عن المعدل الطبيعي، ويستدل الطيارون على ذلك عن طريق أضواء التحذير المثبتة في قمرة القيادة، والتي تخبرهم بأي خلل قد يحدث لأجزاء الطائرة الحيوية والأخرى. أما عند حدوث ما يعرف بحالة «اشتعال المحرك» أوEngine Surge وهو ما يصاحبه عادة صوت انفجار مدو مصحوب في بعض الأحيان بخروج لهب من العادم قد يثير فزع الركاب فهو يحدث نتيجة لاضطراب الهواء داخل ضواغط المحرك النفاث نتيجة قصور في أحد مكونات المحرك أو دخول جسم غريب قد يتلف تلك المكونات كتحطم أجزاء من ريش الضواغط وهو ما يفسر التلف الذي أصاب طائرة إيرباص 380 التابعة لكوانتس. وينبغي أن نلفت إلى أن هذا العطل أو العطب لحظي وفي الغالب تتم السيطرة عليه والهبوط بالطائرة في أقرب مطار اضطراريا. وهناك أعطال أخرى قد تكون صادرة عن تلوث الوقود الخاص بالطائرة وهو ما يحدث تقطع انسيابه للمحرك وبالتالي يتوقف المحرك عن الدوران، وهو ما قد ينجم عنه توقف كامل في جميع المحركات كما حدث في حادثة سقوط طائرة بوينغ 777 البريطانية عام 2008 والذي لحسن الحظ حدث بالقرب من المهبط، وإلا لكانت الأمور قد أخذت منحى آخر، ولم ينجم عن تحطم تلك الطائرة أي حالات وفاة عدا عن بعض الإصابات الطفيفة بين الركاب والطاقم.
فرضية الإرهاب والخطأ
لسنا هنا من دعاة نظرية المؤامرة؛ لكن الغموض الذي اكتنف حادثة الماليزية يبرز عدة فرضيات على الأفق؛ منها العمل الإرهابي استنادا لورود ركاب غامضين استخدموا جوازات سفر مسروقة على متن الطائرة المنكوبة؛ فلا بد من الإشارة هنا إلى أن ورود هذا العدد من الركاب دفعة واحدة قد يكون مؤشرا لعمل إرهابي يتلخص بوجود قنبلة على متن الطائرة؛ وقد لا يكون هذا إلا صدفة في وجود أربعة اشخاص بجوازات سفر مزورة لغرض الهجرة غير الشرعية. أما فرضية انتحار الطيار فهي واهية وإن كانت واردة حيث لا يوجد ما يبين أن هناك أي اضطراب عقلي أو سلوكي لدى الطيارين. الفرضية الثالثة قد تشير إلى حدوث حالة اختطاف من قبل أحد الركاب والتحكم بقمرة القيادة وإسقاط الطائرة عمدا بالبحر. أو إسقاط الطائرة بصاروخ معاد أو نتيجة الخطأ أو اعتراضها بواسطة طائرة معترضة وهو وارد لكن لا يوجد ما يشير إلى حدوث ذلك ووحده الحطام قد يكشف بعضا من تلك الفرضيات وهي تتلخص بالتالي: إذا كان الحطام بحجم كبير ومتناثرا بمسافات شاسعة فإن ذلك يعني أن قنبلة أو تصدعا في البدن السبب. أما إذا كان الحطام في بقعة ضيقة وبأحجام أصغر فإن ذلك قد يعني أن الطائرة قد هوت في البحر بسرعة هائلة مما يرجح فرضية الانتحار أو العمل الإرهابي المتعمد في انزال الطائرة بعد خطفها أو سيناريو مشابه لحادثة الإيرفرانس.
الصندوق الأسود
وحده الصندوق الأسود هو الذي لديه الإجابات عن كل تلك التساؤلات. فهل سيتمكن فريق البحث من العثور عليه كما فعل الفريق المكلف بالبحث عن ذلك الذي للإيرفرانس؟ أم غموض سيكتنف هذه الحادثة؟ وحدها الظروف ستيبن ذلك.
حوادث الطائرات فوق المياه
لعل أبرز الحوادث الجوية التي راح ضحيتها المئات من الركاب حصلت معظمها فوق المياه، فمع سقوط طائرة بوينغ 737 الاثيوبية بالقرب من الشواطئ اللبنانية، تزايدت التساؤلات حول أسباب تكرار مثل هذا السيناريو المخيف. وفيما تم التعرف على أسباب البعض منها، لم يتم الكشف عن الأخرى، وإن كان الجو العاصف في أغلب تلك الحوادث هو أبرز الدلائل المتاحة وعاملا رئيسيا في حصول مثل تلك الحوادث، لكن العنصر البشري له نصيب في ذلك، فحادثة سقوط كل من طائرات: طيران الخليج وأرمافيا الأرمينية وفلاش إير المصرية وآدم إير الاندونيسية قبل ذلك، كان لأطقم تلك الطائرات الجوية من الطيارين من ناحية فقدان التركيز والإحساس بالوضعية الصحيحة والاتجاه مع فقدان السيطرة على الطائرة دور في تفاقم الأمر، وليست حوادث كل من اليمنية والفرنسية (إير فرانس رحلة رقم 447) منها ببعيد، خصوصا أن جميع ما سبق ذكره قد تحطم في البحر.
الرئيسية 
البوابة 
