ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 68936 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 77 الموقع : الاردن
| موضوع: زمن من (طرابيش)! الجمعة 22 فبراير 2013, 9:07 am | |
| عاشته عمان عبر تقاليد الشرق .. زمن من (طرابيش)!
- من خلال كتاب «سيرة مدينة عمان في الأربعينات» للروائي الأردني السعودي العراقي الشهير عبد الرحمن منيف ، وهي عبارة عن ذكريات خاصة للمؤلف عاشها في عمان قديما ، وما يلفت الإنتباه تلك المعلومات النادرة حول عالم الطرابيش الرجالية التي كان يحرص على اقتنائها وارتدائها على رؤوسهم معظم تجار وشخصيات عمان في تلك الفترة . «مكتب عنبر» الذي كان بمثابة جامعة كبرى للكثيرين في بلاد الشام ، كان يمنح خريجيه الطربوش الاحمر عدا عن الشهادة والمنصب ، لذلك فإن معظم الذين تخرجوا من هذا المكتب و الذين تقلدوا مناصب في دمشق وبيروت وعمان وفلسطين ، كانوا يريدون الطرابيش . صحيح أن للطربوش تاريخاً أسبق من مكتب عنبر ، وأنه يعود إلى فترة عثمانية مبكرة ، لكن دلالاته « الغنية « ، خاصة في هذه المرحلة ، وبقدر تعلق الأمر بالوظيفة الرسمية ، فقد أصبح الطربوش أحد العناصر التي يجب توفرها قدر الإمكان فيمن يشغل وظيفة رسمية عالية .
رؤساء الوزارات الوزراء وكبار الموظفين اعتمدوا الطربوش زياً رسمياً وحرصوا على ارتدائه، ولا تزال عمان تتذكر وتبتسم حين تستعيد صور رجالاتها قبل الطربوش ثم بعد أن إرتدوه . أحمد الطروانة يبدو بالطربوش كأنه خائف ، وأحمد اللوزي يبدو أكبر من عمره بسنوات عديدة ، أما حين ارتدى رياض المفلح وفلاح المدادحة الطرابيش فلم يصدق أحد ، حتى من رأى الصور ، إلى أن شاهدهم الناس حقيقة بالطرابيش . ولم يقتصر الطربوش على ذوي الوظائف الرسمية الكبيرة وحدهم ، فالكثيرون من الشوام والنوابلسة كانوا يعتبرون الطرابيش للدلالة على الموقع الاجتماعي ، وللتعبير عن الأهمية أو الطموح .
المزاج في الطربوش وعبد الرؤوف منجو يعتبر طربوشه عبئاً زائداً ، لكن لا بد من ارتدائه، ولذلك حين يرتديه يتركه مسترخياً شديد الميلان على رأسه فهو يعبرعن فلسفة كاملة في الحياة . أما صبري الطباع فإنه يتعمد أن يميل طربوشه ، بشكل مدروس لكي لا يجعل من ينظر إليه يركز على طوله أو يكشف قصره ، ومحمد الجمعان لبس الطربوش خطأً ، إذ بعد أن زار القدس وصلى في الأقصى ، قرر أن يعود إلى عمان بالطربوش الموسوم بقطعة صفراء ، وحين رآه جماعته العقيل أنكروه فعز عليه الأمر مما اضطره إلى خلع الطربوش والعودة مرة أخرى إلى الحطة والعقال . وحين يتغير وضع الطربوش على الرأس فهذا يشير إلى : المزاج النفسي أو أهمية الطرف المقابل , وربما نوعية القضايا التي يجري بحثها . فالطربوش إن كان مستقيماً وثابتاً له معنى ، أما إذا كان مائلاً إلى الخلف فيدل على المزاج الرائق ، ولا يخلو من الرغبة في التوجه أو السخرية . وكان مدير الكلية العلمية الاسلامية بشير الصباغ بعد ان يشرف على تحية العلم ويدخل الطلاب يستقبل بعض التلاميذ المتأخرين في الادارة ، فان أزاح طربوشه الى الخلف فمعنى ذلك انه يريد أن يقدم النصح وان يكتفي باللوم والتنبيه ، دون اللجوء الى الضرب أما اذا كان طربوشه بوضع الاستعداد فلا بد عندئذ من توقع أقصى الاحتمالات . ويعقوب هاشم , رغم أنه قليل العناية بملابسه وشعره , كان يعتبر الطربوش عائقاً في حل المسائل الرياضية المعقدة ، ولذلك لا يتردد في أن ينزعه ، وعند ذاك يبدو غريب الشكل , أقرب إلى الذهول , لكن تصبح المسائل قابلة للحل السريع.
لا يمكن التخلي عنه ولا بد من التأكد هنا على فرق بين الطربوش ( الأصلي ) والطربوش الجديد، فالأول الذي يرتديه صاحبه منذ وقت طويل ، وأصبح جزءاً من شخصيته , لا يمكن التخلي عنه في أغلب الأوقات , صيفاً وشتاءً . أما الجديد فهو المستدرك ، الذي فرضته اعتبارات معينة , والذي تم ارتداؤه في وقت متأخر , الأمر الذي يجعل التخلي عنه وارداً في المناسبات الكبيرة أو الحزينة , في حالات الموت أو تقديم العزاء , وفي أيام الشتاء , أو أثناء زيارة الأهل في القرى البعيدة . ومثلما لوضعية الطربوش على الرأس دلالة لا تخفى , فإن نوع الطربوش يحدد الانتماء والمستوى الاجتماعي . فطربوش نابلس يختلف عن طربوش الشام . وقد لا يكون من المبالغة القول إن الطرابيش الشامية فرحة , تتكلم , وإن كلامها مفهوم أغلب الأحيان , ليس فيما بين الشوام وحدهم , وإنما مع الآخرين أيضاً ما يلبس من زي مرافق للطربوش يختلف تبعاً للوظيفة والموقع الاجتماعي . فالموظف , مهما كان موقعه , لا بد أن يلبس السترة والبنطال , وهذا هو الزي الرسمي , عدا الشيوخ الذين يمكن أن يلبسوا الطربوش مع القفطان . أما الملاكون وأصحاب المصالح فإن الهامش أمامهم واسع ، فالتجار الشوام الكبار , كالطباع وبدير والبيطار وشقير وآخرين , حسموا أمرهم بأن اختاروا الزي الإفرنجي – زي الأفندية – أي السترة والبنطال , وبلون واحد . أما من هم أقل ثراء , أو لا يحركهم طموح كبير فإنهم لا يأبهون لما بعد الطربوش . كانوا يلبسون القمباز , وكانوا يلبسون السترة والبنطال , بلون واحد أو بأكثر من لون , ولكنهم في كل الحالات يصرون على الطربوش.
طرابيش كثيرة وإذا كان لصاحب الدخل المحدود طربوش واحد , وفي أحسن الحالات اثنان , فللغني طرابيشه الكثيرة , والتي تتفاوت من حيث اللون والمقاييس وأوقات الاستعمال . ومعنى ذلك أن صناعة الطرابيش كانت مزدهرة ولها أربابها , ولعل أبرز هؤلاء كان الطرابلسي في شارع فيصل ، بالقرب من مكتب الاقتصادي «أبو قورة « ، كما كان كي الطرابيش وتنظيفها وإعادة شدها , أو صناعة الجديد منها تستهوي الأطفال , إذ يقفون لفترة طويلة أمام محلات الطرابلسي، يرقبون القوالب , يتابعون البخار ، ينظرون بدهشة إلى طريقة ربط الشراشيب . قد يكون حديث الطربوش طال أكثر مما يستحق , لكنه يبقى , مع ذلك , أحد المؤشرات في قراءة مجتمع , وما طرأ عليه من تغيرات , لأن الانتقال من زي إلى آخر تمليه اعتبارات كثيرة . |
|