منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Empty
مُساهمةموضوع: :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي   الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Emptyالأحد 25 مايو 2014, 12:29 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Captur10


 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة المؤمنون... لابد من أن نقف عند ذكرى الإسراء والمعراج، هذه الذكرى تمر على المسلمين مروراً يشبه أن تكون عادة من عوائدهم، يصوموا في هذا اليوم، ويشاهدوا الاحتفالات، ويستمعوا إلى الخطب، وانتهى الأمر، لذلك ترى أن المسلمين على كثرتهم، وهم يعدّون ألف مليون لا وزن لهم في الأرض، أما أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فعلى قلَّتهم كانوا هداةً للأمم، فالسؤال أنحن رجال وهم رجال ؟ النبي عليه الصلاة والسلام بشر ونحن بشر ؟!
 الإنسان حينما يرى هذه العظمة، وهذا الخلق العظيم، وهذه الرفعة وهذا الذكر العلي، كيف يفكر ؟ دائماً هناك تفكير واقعي، وهناك تفكير غير مجدي، لو تصورنا إنسان فقير وله قريب غني، قد يملأ الحديث كله عن  هذا القريب الغني ؛ كيف يأكل، أين يذهب، كيف يدعو الناس إلى ولائمه، كيف يسافر، كم ينفق، لباسه، بيته، فالحديث على هذا القريب الغني ماذا يجدي هذا الفقير ؟ الفقير هو هو، والغني هو هو، هذا التفكير غير واقعي. مهما تحدثت عن النبي عليه الصلاة والسلام هو هو ونحن نحن، ولكنك إذا عرفت أن هذا النبي العظيم كان قدوة لنا، كان هذا النبي الكريم هدفاً من أهداف الإنسان في الدنيا، إذا فكرت في مناسبات الإسراء والمعراج مثل هذا التفكير، احتفلت حقاً بذكرى الإسراء والمعراج.
 النبي عليه الصلاة والسلام جاء إلى الدنيا وشغلته معرفة الله عز وجل، فحينما كان صغيراً كان يدعى إلى اللعب، له كلمة مأثورة كان يقول عليه الصلاة والسلام حينما كان طفلاً: لم أخلق لهذا، كأن هدفاً كبيراً يشغله، كأن طموحاً كبيراً يملأ ساحته، كأن هماً كبيراً يحمله، لم أخلق لهذا، تعبَّد في غار حراء، انقطع عن الناس، غار حراء لو أنك ذهبت إلى الأماكن المقدسة، وأردت أن تصل إلى غار حراء، لاحتجت بعد ركوب السيارة مسافةً طويلة عن مكة، إلى مشيٍ شاق يزيد عن ساعتين أو ثلاثة ساعات، كي يصل إلى جبل اسمه جبل النور، كان عليه الصلاة والسلام يتعبَّد الأيام ذوات العدد، يوم ويمان وثلاثة، فهذا النبي عليه الصلاة والسلام، هكذا عرف الله عز وجل.
 فهل أحدنا له مع الله جلسة ربع ساعة باليوم ؟ هل له ذكره ؟ هل له تفكُّره ؟ هل له تلاوته ؟ هل ينقطع عن الناس ويقبل على الله عز وجل، الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج من هذا القبيل، هكذا كان النبي، باب البطولة مفتوح على مصراعيه، النبي عليه الصلاة والسلام بشر ونحن بشر، الإنسان ألا يطمح أن يكون إنسان عالي الشأن عند الله، أيكتفي أن يكون عالي الشأن في الدنيا، أيكتفي أن يكون همه بطنه، أن يكون همه الدرهم والدينار، أيكتفي بهذا !!
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)﴾
( سورة التوبة )
 النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعبَّد الليالي ذوات العدد في غار حراء، في الأربعين جاءه الوحي، يعني نظري، صار مؤهلاً للرسالة، صار مؤهلاً لنشر الحق، لهداية الخلق، جاءه جبريل، قال: اقرأ، قال: لست بقارئ، والقصة المعروفة، عرف النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الوقت وقت نزول الوحي، أنه مبعوث العناية الإلهية، هذه الهموم العالية، التي كان يحملها قلبه الكبير، هذه الأهداف الكبيرة أن يعم الأرض الهدى التي كان يطمح إليها، جاء الوحي مصداقاً لها، دعا قومه إلى عبادة الله عز وجل، حاربه قومه، ضايقوه، شددوا عليه، كذَّبوه، ائتمروا عليه، عذبوا أصحابه، أخرجوهم، هنا السؤال: الله سبحانه وتعالى أليس قادراً أن يخلقه في بيئة لا كافر فيها ؟ سؤال: لو أن النبي عليه الصلاة والسلام وجد في بيئة كلهم مؤمنون، كلهم آمنوا به، وأحبوه، وعظموه، وبجلوه، وأيدوه، وليس له عدو ؟

 النبي عليه الصلاة والسلام انطوى قلبه على كمالٍ عظيمٍ لا يظهر إلا بهذه المضايقات، جاءه جبربل، قال له: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين. قال: 

(( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله ))
 ضيق عليه قومه، ائتمروا على قتله، حاولوا أن يضيقوا على أصحابه، قاطعوه، هذا كله زاده صلابة:

(( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))
 الآن، أنا أصل إلى الإسراء والمعراج، حينما اشتدت عليه المحن، وحينما توفي عمه أبو طالب، وتوفي أقرب الناس إليه، عندئذٍ أسرى الله به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن المسجد الأقصى عُرج به إلى السماء، في السماء رأى من آيات ربه الكبرى..

﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)﴾
( سورة النجم )
 فيبدو أنه في الإسراء والمعراج عرف أنه سيد الأنبياء، وأنه سيد ولد آدم، وأنه باب الله، وهذا الباب لا ينبغي إلا لواحد من خلقه وهو النبي عليه الصلاة والسلام، النبي عليه الصلاة والسلام أكرمه الله عز وجل، فنحن ربنا عز وجل قال:

﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79)﴾
( سورة الإسراء )
 أنا الذي أريده من هذا الحديث عن الإسراء والمعراج شيءٌ واحد، ما علاقتنا نحن كمؤمنين بالإسراء والمعراج ؟ فهذه آية للنبي عليه الصلاة والسلام:

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ﴾
( سورة الإسراء: من آية " 1 " )
 هو آية كبرى له، أما نحن ما علاقتنا بالإسراء والمعراج ؟ نحن كبشر لا نرقى إلا إذا عرفنا الله سبحانه وتعالى، " ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء "، الناس غارقون في شهواتهم، غارقون في تجاراتهم، غارقون في أعمالهم، غرقون في أهوائهم، غارقون في ملذاتهم، لو كشف لهم الغطاء لأراهم خسارتهم، لوجدوا أنهم في خسارة لا تعوض، لذلك ونحن أحياء وقبل أن يفوت الأوان، الإسراء والمعراج يذكِّرنا بأن أثمن شيء في الدنيا أن تعرف الله، فإذا عرفته كشف الله على بصيرتك، زادك هدىً..

﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)﴾
( سورة الكهف )
 إذا عرفته رفع لك ذكرك، ما من إنسان رفع الله مقامه وذكره كالنبي عليه الصلاة والسلام، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله..

﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
( سورة الشرح )
 فأنت أيها الأخ الكريم، أنا هذا الذي أُلِحُّ عليه اليوم، أنت أنت إذا تعرفت إلى الله سعدت في الدنيا، وسعدت في الآخرة، وفتح على بصيرتك، فرأيت ما لم يرَ الناس، سمعت ما لم يسمعوا، شعرت بما لم يشعروا، أحسست بما لم يحسوا، أدركت ما لم يدركوا، ورفعك الله مقاماً علياً في الدنيا قبل الآخرة، فالشيء الذي يدعو للعجب، كيف يرضى الإنسان عن نفسه وهو مقصر ؟ ألا يقول في نفسه أهذا بشر وأنا بشر ؟ أهذا النبي العظيم الذي اصطفاه الله، والذي رفع ذكره وقربه وكرمه، أهذا بشر وأنا بشر ؟ لا أقول لك كن مثله، باب النبوة قد خُتِم، أقول لك كن على أثره، اقتدي به، اقتفي أثره، اجعله قدوةً لك، اجعله أسوة لك، اجعله أمامك، اجعله هدفاً من أهدافك، فالنبي عليه الصلاة والسلام صبر على الأذى، وتحمَّل المضايقات، وتحمل التكذيب، وتحمل المعارضات، وائتمر عليه كفار قريش، وهو صابر محتسب ما غير وما بدل، فأكرمه الله عز وجل.
 فأحياناً يتجلى الله على قلبك، فتنسى كل هموم الحياة، تنسى كل متاعبها، تنسى كل مشكلاتها، تحس أن لك عند الله شأناً كبيراً، تحس أن لك عند الله مقاماً، تحس أنك موضع عناية الله سبحانه وتعالى، تحس أنك في عنايته المشددة، فمغزى الإسراء والمعراج أنه ينبغي أن تتخذ النبي عليه الصلاة والسلام قدوة لك، أن تكون همومك سماوية لا أرضية، الآن تقعد مع واحد ما له هم إلا ارتفاع الأسعار، ومعاشه لا يكفي، هذه النغمة لا يوجد عنده غيرها بكل حياته، لا يوجد حديث يديره إلا على دخله قليل، والحاجات تغلى، وما في إمكان يعيش، وكيف يزوج أولاده، ينسى أنه لما تزوج لم يكن عنده بيت، ينسى أنه لما كان في سن الشباب لا يملك شيئاً من حطام الدنيا، والله سبحانه وتعالى أكرمه، فنحن لما تمر ذكريات عزيزة على قلب كل مسلم لا ينبغي أن تمر هكذا، لا ينبغي أن تمر كعادة من عاداتنا، يجب أن تقف عندها.
 ما الذي نستفيده نحن كما قلت قبل قليل: إذا إنسان فقير له قريب غني، جلس وحدثك عن هذا القريب ساعات طويلة، حدثك عن رحلاته، عن احتفالاته، عن ولائمه، عن بيته، عن ترتيب بيته، عن لبسه، وأنت، وهذا الفقير هو هو، فقير فقير، لكن لو تأمَّل هذا الفقير كيف صار قريبه غنياً ؟ ما الطريق الذي اتبعه ؟ ما الأسلوب الذي سلكه ؟ وبدأ يقتفي أثره إلى أن صار على شيء من الغنى، هذا تفكير صار مجدي، الآن هذا التفكير مجدي، إن وصفت لنا قريبك الغني، وأنت فقير أنت أنت وهو هو، ولكن إذا اتخذت من طريقته في تحصيل المال درساً لك، إن اتخذت من أسلوبه في جمع الثروة منهجاً لك، عندئذٍ يكون التفكير في هذا الموضوع مجدياً، هذا المثل للتوضيحي، إذا حدثتنا عن النبي عليه الصلاة والسلام فقط، هكذا كانت صورته، هكذا كان مربوعاً، هكذا كان أبيض اللون، كان أزهر، كان منطقه كذا وكذا، هذا الحديث على عظم شأنه، وعلى أنه يثلج الصدور، ولكنه غير مجدٍ لنا، لكنك إذا فكرت في النبي عليه الصلاة والسلام كيف عرف الله ؟ كيف أحبه ؟ كيف آثره على كل شيء ؟ كيف سخر كل إمكاناته لتعريف الناس به ؟ كيف صبر ؟ كيف ذكر؟ كيف شكر ؟ كيف كان عند الله ذا مكانة عليَّة ؟ إذا اتبعت سنته، واقتفيت أثره، فقد احتفلت بذكرى الإسراء والمعراج، قال عليه الصلاة والسلام:

(( الصلاة معراج المؤمن ))
(من شرح الجامع الصغير )
 النبي عليه الصلاة والسلام لعلو مقامه عرج من الأرض إلى السماء، وفي السماء تجلَّى الله على قلبه فأراه حقائق الوجود..

﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)﴾
( سورة النجم )
﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)﴾
( سورة النجم )
﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)﴾
( سورة النجم )
 الوصف صعب، فإذا واحد منكم بهذا العمر قرأ القرآن، ففاضت دموعه، وامتلأ قلبه رحمة، يعرف ما أقول، أحد العارفين بالله اسمه ابن عطاء الله الإسكندري، قال: " لا يعرف ما نقول إلا من اقتفى أثر الرسول " أي إذا كان تمكنت من أن تذوق طعم رحمته تصغر الدنيا في عينيك، هي، ومالها، ومتاجرها، ونساؤها، وبيوتها، ومزارعها، ووجاهتها، لا شأن لها عندك، مَن عرف الله زهد في نفسه، فالإنسان يحتاج إلى أن يجتهد، فإذا كان تمكن أ، يصلي بالليل ركعتين، ويتجه بهما إلى الله من كل قلبه، إذا تمكن أن يقرأ في اليوم صفحتين من كتاب الله ويتفاعل معها، أن يرى أمر الله فيعظمه، أن يرى نهي الله فيبتعد عنه، أن يقرأ قانوناً سنه الله لخلقه، فيتمسك به، ويبث في قلبه الطمأنينة، فكم الآن متاعب في الحياة، من مخاوف ؟ من مهلكات، إذا كان الإنسان قرأ قوله تعالى:

﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾
( سورة الطور: من آية " 48 " )
 إذا قرأ قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
( سورة الحج: من آية " 38 " )
 إذا قرأ قوله تعالى:

﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)﴾
( سورة النمل )
 إذا قرأ قوله تعالى:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
( سورة النحل: من آية " 97 " )
 إذا قرأ قوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96)﴾
( سورة مريم)
 إذا قرأ قوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30﴾
( سورة فصلت )
 هذا كلام إله، هذا الكلام الصحيح، هذا الكلام المعتمد، هذا الكلام الذي من عند خالق السماوات والأرض، اترك هذا الكلام، لا ترى لا ترى إلا شيئاً يبعث في النفس الضيق، والقلق، والخوف، والحزن، اللهم صل عليه كان أسعد الناس، فلو أنك اقتربت منه، لو أنك زرته، لو أنك شاهدته في الرؤيا، لبقيت الأسابيع تلو الأسابيع مغموساً في سعادةٍ لا توصف، لأنه كان مع الله عز وجل، فما علاقتنا نحن بالإسراء والمعراج، قال عليه الصلاة والسلام:

(( الصلاة معراج المؤمن ))
( من شرح الجامع الصغير )


((لا خير في دين لا صلاة فيه ))
﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا﴾
( سورة هود: من آية " 87 " )
 إذاً كان يصلي، سيدنا عيسى..

﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً (31)﴾
( سورة مريم)
 فالشيء الذي يميز المؤمن الصادق عن غير المؤمن هي الصلاة، غير المؤمن عنده كتب، يقرأ كتاب، يتناقش، يحفظه، يتكلم فيه، يحدثك حديث ممتع، يتفلسف أحياناً، يتكلم كلام منمَّق، مطالعاته واسعة جداً، وثقافته جيدة، وذاكرته قوية، وفي عندنا روح دعابة، ليس هذا الدين بل هذه ثقافة إسلامية، الدين أن تكون موصولاً بالله عز وجل، فالنبي عليه الصلاة والسلام حقق أعلى صلة ينالها مخلوق في الكون في الإسراء والمعراج، وأنت أيها المؤمن يجب أن تحقق نوعاً من الصلة، فأنت تصلي، وتصلي، تقول:

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) ﴾
 فهل قلبك شاكر لله ؟

﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾
( سورة الفاتحة )
 فهل أنت مع هذه المعاني ؟ مع معنى العبادة، معنى الاستعانة، معنى الدعاء، معنى الرحمة، معنى الحمد، هكذا أنت ؟ الصلاة معراج المؤمن، لا خير في دين لا صلاة فيه، الصلاة ميزان فمن وفى استوفى، أي من وفى الاستقامة حقها استوفى من الصلاة ثمراتها، سيدنا سعد رجل وأنت رجل ؟ قال: " ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها ". هذه البطولة، ألك صلة بالله بهذا المستوى ؟ إذا كان دخلت بالصلاة تشعر أن الله ينظر إليك، أنت بين يديه، تناجيه، تخاطبه، تتضرع إليه، ترجوه، تستغفره، تخاطبه، تناجيه، تدعوه، هكذا أنت في الصلاة؟ الصلاة معراج المؤمن.
 النبي عليه الصلاة والسلام لعلو مقامه عرج إلى السماء، ورأى من آيات ربه الكبرى، وعرف أنه سيد الخلق وحبيب الحق، وعرف أنه صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، عرف أنه لا إنسان فوقه في الوجود، هكذا، فأين أنت ؟ أين أنت من هذه المقامات؟ أنا مَن أنا، الله عز وجل إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، الباب مفتوح، يمكن أن يكون حجمك الاجتماعي متواضع جداً، عندك مصلحة صغيرة، وظيفة صغيرة، معك بكالوريا، لا أحد يعرفك، إذا واحد مشي بالطريق من عامة الناس، لا أحد ينتبه له، هؤلاء الأتقياء الأخفياء، ولكن لو أن لك عند الله مقاماً عظيماً، وشأناً كبيراً، وكنت محباً، مخلصاً، صادقاً، وأذاقك طعم قربه، قال له: يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبني ـ هكذا المناجاة ـ فوقع في قلب هذا المناجي: أن يا عبدي قد عاقبتك ولم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي. إذا واحد قام صلى صلاة شكلية، وإنسان ثاني صلى صلاة زاد قلبه حباً بالله، هذا مثل هذا ؟ هذا محروم، والثاني موصول.
 واحد أحب فتاة اسمها وصال، خطبها من أبيها، أبوها عالم، فقال له: مهرها أن تجلس في مجلسي ـ فالقصة رمزية، تقول لي: كيف أحبها ؟ قصة رمزية ـ فيبدو أنه جلس في المجلس، وصار له أحوال طيبة، ونسي وصال، التقت به فقالت له: أين الموعد ؟ قال: يا وصال كنت سبب الاتصال، فلا تكوني سبب الانفصال.
 فأحياناً الإنسان إذا اتصل بالله انتهت كل مشاكله، اتصل، هذا الصلح مع الله عز وجل، فالواحد لا يسمع ويمشي، العمر ثمين جداً، لا يسمع ويمشي بل يحاسب نفسه، له صلة مع الله ؟ إذا أحب يصلي قيام الليل ماذا يشعر ؟ قام صلى، لما يحس أنه بكي ذات مرة بالصلاة؟ ذرفت دموعه، اقشعر جلده، شعر أنه من أسعد الناس، في أخ ذهب للحج فلما جاءه زرته قال لي كلمة تركت بنفسي أثر قال لي: والله لم أجد من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني. أنت كذلك ؟ هل تقول أنا أسعد الناس ؟ لا شك لو كنت مع الله لقلت هذا، لأن الله لو تجلى على قلب الإنسان ينسيه كل متاعب الحياة.
 النبي عليه الصلاة والسلام ما كان من الذين أوتوا الدنيا، دخل عليه عمر، كان ينام على الحصير، وقد أثر في خده الشريف، بكى سيدنا عمر قال له: 
ـ يا عمر ما يبكيك ؟
ـ قال له

(( رسول الله ينام على الحصير، وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير ))
ـ قال
(( يا عمر أما ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا ؟ يا عمر إنما هي نبوة وليست ملكاً ))
 فالصلاة ميزان، فمن وفَّى استوفى، مَن وفى الاستقامة حقها استوفى من الصلاة ثمرها.
حديث آخر:

(( الصلاة نور ))
( من الدر المنثور: عن " أنس " )
 في بقلبك نور، نور كشَّاف، يريك الحق حقاً والباطل باطل، ترى المصلي لا يتورط ؛ كلامه سديد، نظره ثاقب، رؤيته صحيحة، إدراكه دقيق ، تفكيره عميق، دائماً في موقف كامل لماذا ؟ لأن الصلاة نور، الصلاة كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( طهور ))
 مصلي حاقد لا يوجد، مصلي متكبر لا يوجد، الصلاة نور الله سبحانه وتعالى الذي قذفه الله في قلب المؤمن في أثناء الصلاة محا منه الكبر، محا منه الأنانية، محا منه الاستعلاء، محا منه الحسد، محا منه الحقد، محا منه الضغينة، محا منه حب الذات، محا منه كل هذه الأمراض، لذلك الله عز وجل قال:

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
( سورة القلم )
 لماذا ؟ لأن إقبال النبي على الله عز وجل جعله طاهراً، طه يا طاهراً من الذنوب يا هادياً إلى علام الغيوب، هذه الصلاة، الصلاة طهور، الصلاة نور، الصلاة ميزان، فمن وفى استوفى.

(( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه في اليوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيئاً ؟ قالوا: لا يا رسول الله))

 ـ قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الذنوب والخطايا.
( من الدر المنثور: عن " ابن مسعود " )
 بهذه المناسبة المباركة مناسبة الإسراء والمعراج أتمنى عليكم أن الإنسان يعمل مراجعة لحساباته كلها، في مخالفة ببيته ؟ في مخالفة بعمله؟ في عليه حقوق للناس ؟ في تقصيرات ؟ في تقصير بالصلاة ؟ صلاته شكلية أم حقيقية ؟ غض بصره حازم أم شكلي ؟ إذا كان ماشي مع آخ تغض بصرك ولحالك تتطلع ؟ أهذا إيمان ؟ ألك وضع خاص في البيت، ووضع خاص من الناس، في البيت متساهل، ومع الناس متشدد ؟ أهذا إيمان ؟ أأنت في مستوى أن تكون ولياً لله عز وجل ؟ فالإنسان يعمل حساب لحاله، ما دام القلب ينبض فالباب مفتوح، كله يتعدل، الصلحة بلمحة، كله يتعدل، فالإنسان لا يسمع ويمشي، إذا سمع ومشي لم يستفد، يكون استهلك وقته استهلاك رخيص، ما دام العمل محدود، والهدف سامي، والطريق قصير فلابد من أخذ الحيطة قبل فوات الأوان، الصلاة معراج المؤمن، " الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين "، " بين الرجل المؤمن والكفر ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر "، فالنبي عليه الصلاة والسلام ربنا قال:

﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)﴾
( سورة النجم )
 وعد البلاط، لم يأتِ البلاط لم يأتي، وعده لم يأت لا حول الله، أول ما فتح عينه، " مَن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة" فأتمنى كما قال عليه الصلاة والسلام: شمروا فإن الأمر جد. شيء خطير جداً، شمر، قل يا رب، اعمل لحالك برنامج حازم، قراءة قرآن، ذكر، تفكر، عمل صالح، سجل، ابحث عن عمل صالح، لك أخت ساكنة بمنطقة التل، اطلع لعندها، ادعوها إلى الله، لها أولاد أكرمهم، لك جار يحتاج مساعدة ساعده، قدم له هدية، لعل يميل قلبه إليك، فتأتي به على الجامع، اهدي لك واحد، زوجتك لا تصلي صلاة متقنة..

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾
( سورة طه: من آية " 132 " )
 أولادك، بعملك في خلل، أصلحه، في بضاعة محرمة اخلص منها، في علاقة مشبوهة، علاقة بالبيع والشراء غير صحيحة تخلى عنها، قل: يا رب لا أعصيك مهما كلف الثمن. هذا المؤمن، فإذا كان في يوم ذكرى كالإسراء والمعراج تقلبه رأساً على عقب، والله هذه الذكرى الحقيقية، أما يمر الإسراء والمعراج، ويمر بعده خمسة عشر شعبان، ويأتي بعدها رمضان، ونسهر لأنصاف الليالي، ونتسحر وننام قبل صلاة الصبح، ونرى بعض البرامج، إكراماً لشهر رمضان المبارك نراها، هذه إكراماً لشهر رمضان، ونعيِّد، ونعمل سيران مختلط، وتمر أول سنة والثانية والثالثة..

﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾
( سورة البقرة: من آية " 74 " )
 تجد الله عز وجل ندعوه فلا يستجيب لنا، لماذا ؟ من إصرارنا على ذنوبنا، يقول العبد يا رب يا رب، ومأكله حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له. هذا الذي أردت أن أقول شمروا فإن الأمر جد، وتأهبوا، من يعرف متى المنية ؟ فما منا واحد إلا قطع مرحلة من العمر، إن كان عشرين، وإن كان خمسة عشر، وإن كان ثلاثين، وإن خمسة وثلاثين، إن كان أربعين، إن كان خمسة وأربعين، إن كان واحد وخمسين، إن كان اثنين وستين، ماذا يتأمل يبقى ستين سنة من عمره أخر ؟ مضى ستين إن شاء يبقى أمامه عشرين أخريات، مضوا ستين بقوا عشرين، مضوا أربعين صفي أربعين، مضوا ثلاثين صفي ثلاثين، فالشغلة ما معها لعبة، فهذه الساعة العصيبة، ساعة الوفاة، ساعة لقاء الله، إذا الإنسان اشتغل الآن يشعر نفسه بالجنة، لو جاء ملك الموت، شخص كان في حالة النزاع، دخل لعنده أولاده، وجدوه مستبشراً ضاحكاً، فقال لهم: بابا قم سلم على عمك. ما في أحد، عمك، قم فوراً قبل يده، ياما نحن كنا مع بعضنا، تعاوننا مع بعضنا، أكرمنا، ما في عم ولا يوجد أحد، الله عز وجل بعث له الملائكة بأحب الناس إليه، هكذا المؤمن، إذا كان جاءته المنية يأتيه ملك الموت بأحب الناس إليه.
 إذاً الإسراء والمعراج هذا رفع النبي عليه الصلاة والسلام إلى الأوج، رفعه إلى سدرة المنتهى، رفعه إلى مقام ما بعده مقام، رفعه إلى سيادة الخلق، أنا سيد ولد آدم ولا فخر، أنت اجعله قدوة لك، هذا الدي

﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً (31)﴾
( سورة مريم)
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
( سورة البينة )
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
( سورة العصر )
 إذا تمر المناسبات الدينية هكذا، نفهم جوهرها، هكذا، نفهم إن كان عرج بروحه أو جسده، هذه الخلافيات لا تقدِّم ولا تؤخر، هي آية له، الله أعلم..


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الإثنين 26 مايو 2014, 8:50 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي   الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Emptyالأحد 25 مايو 2014, 12:30 pm

﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا﴾
( سورة الإسراء: من آية " 1 " )
 نحن يعنينا أن نتخذ من الصلاة معراجاً لنا.
والآن إلى بعض شمائله صل الله عليه وسلم:
 إذا الإنسان أصلح الخلل باستقامته، وأصلح وجهته، وأخلص نيته وانضبط انضباط كامل، وفعل الأعمال الطيبة كل يوم، لازم يقول: أنا أسعد الناس، لازم يقول: أنا حققت الهدف الأسمى من خلقي. هذا الشيء بيدكم على قدر جهدكم ونشاطكم تقطفوا الثمار.
سيرته صلى الله عليه وسلم في سكوته. قال الحسين رضي الله عنه: " سألت أبي علياً رضي الله عنه كيف كان سكوته صل الله عليه وسلم ؟ "
 فقال: " كان سكوته على أربع ـ أي إذا سكت فهناك أربع حالات يسكت فيها، كيف أحياناً السكوت يرفع قيمة الإنسان، جالس بجلسة كله كلام سخيف، ظل هكذا ساكت، أنت فوق المستوى، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان سكوته على أربع ـ الحلم ـ واحد تطاول، تجاوز حده، ممكن ترد عليه بكلمة يرد عليك بعشرة، تحاكيه كلمة قاسية يتكلم أقسى، ليس من الحكمة أن ترد عليه السكوت، الحلم، إذا واحد سفيه، إذا نطق السفيه فلا تجبه، فخير من إجابته السكوت، إذا سكت اللهم صلي عليه فسكوته عن حلمٍ، وقد يسكت النبي عليه الصلاة والسلام عن حذر، فالنبي الكريم قال: احترس من الناس بسوء الظن..
احفظ لســانك أيها الإنســــان  لا يلدغنك إنه ثعبان 
كم في المقابر من قتيل لسانه  كانت تهاب لقاءه الشجعان
* * *
 السكوت عن حذر، قال عليه الصلاة والسلام:
(( احترسوا من الناس بسوء الظن))"
( من الجامع الصغير: عن " أنس " )
سوء الظن عصمة، الحزم سوء الظن، والتقدير، حالةٌ ثالثة كان يسكت فيها، فقد كان يفكر، أهذا الكلام مفيد أم غير مفيد ؟ مجدٍ أم غير مجد، كان يقدر الأمور وهو ساكت، والتفكر، شرب كأس ماء، نظر إلى ابنه، نظر إلى أرضية الغرفة، فيها سجادة من الصوف، يتذكر قوله تعالى:
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾
( سورة النحل: من آية " 5 " )
 السجاد يمنع الرطوبة، لابس رداء صوف مثلاً فذكر الله عز وجل، هذه الكنزة الصوف ذكر الله عز وجل، هذه الكنزة فضل من الله عز وجل، فالتفكر مثلما قال النبي الكريم:
(( أمرني ربي بتسع ؛ خشية الله في السر والعلانية، كلمة العدل في الغضب والرضا، القصد في الفقر والغنى، أن أصل مَن قطعني، أعفو عمن ظلمني، أعطي من حرمني، أن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرة ))
 شيء جميل: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر، في أربع حالات يجب أن تسكت.
 وجُمِعَ له صلى الله عليه وسلم الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، الحلم سيد الأخلاق، كاد الحليم أن يكون نبياً، لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، جمع له صل الله عليه وسلم الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيءٌ ولا يستفزه.
صحابي سرق ماله، قال: يا ب إن كان الذي أخذه عن حاجة فبارك له فيه، وإن كان قد أخذه بطراً، فاجعله آخر ذنوبه.
 صحابي جليل تهجَّم عليه أحد الناس، تطاول عليه، فقال: يا أخي إن كنتم صادقاً فيما تقول غفر الله لي، وإن كنت غير ذلك غفر الله لك. انتهى الأمر، لما الإنسان يكون له صلة بالله تجده مثل البحر، هادئ، لا يستفزه شيء، لا يغضبه شيء، لا يحزن على شيء، إلا على طاعة فاتته.
 وجمع له الحذر صلى الله عليه وسلم في أربع: أخذه بالحسن ليقتدي به، انتق الكلمة الحسنى، التفرق الحسن، النظرة الحسنى، الهيئة الحسنى، كان يأخذ بالحسن، أي بكل شيء حسن، ليقتدي به، وتركه القبيح ليتناهى عنه، واجتهاده الرأي فيما يصلح أمته، والقيام فيما جمع للدنيا والآخرة، أي له عمل يكسب رزقه، وإن كل عاقل إذا تدبر هذه الأوصاف الكاملة، والأخلاق الفاضلة، والخصال الحميدة، والمزايا الرشيدة التي تأصَّلت في سيدنا محمدٍ صل الله عليه وسلم، واجتمعت كلها فيه على أكمل وجوهها. النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه قال:
(( ليس كل مصلٍ يصلي..."))
( من كنز العمال: عن " حارثة بن وهب " )
ليس، يوم الجمعة تجد لا يوجد مكان بالمساجد، لو أن هؤلاء يصلون صلاة صحيحة لكنا في خير، لكنا في بحبوحة، لكنا في راحة نفسية، لكنا في طمأنينة، لكنا في يُسر، لكنا من سعداء الدنيا، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي: 
(( ليس كل مصلٍ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ـ أي عرفني حق المعرفة، فكر في آلائي، فكر في الكون، فكر في جسده، فكر في طعامه، في شرابه، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ـ وكف شهواته عن محارمي ـ وقافٌ عند كتاب الله، إن الله عز وجل أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي ـ ولم يصر على معصيتي ـ يعني إذا غلط، فعلى الفور يتوب، أما غلط يستمر، لم يعد مؤمن، لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ولم يصر على معصيتي ـ و أطعم الجائع، وكسا العريان ورحم المصاب وآوى الغريب... ))
 له عمل طيب، يطرق كل أبواب الخير، إطعام الطعام، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، إغاثة اللهفان، إقراض المحتاج، معوانة الضعيف
(( إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي وأطعم الجائع وكسا العريان ورحم المصاب وآوى الغريب، كل ذلك لي خالصاً لي))
 فإذا الإنسان ذاق طعم الإخلاص، لو أنه عمل صالح ما تكلم به إطلاقاً، لا يعلمه إلا الله، ماشي بالطريق مرت امرأة أمامه، غض بصره عنها غضاً حازماً، لا أحد يرى ذلك، لا أحد يحس عليه، لا أحد يثني عليه، إلا أن الله سبحانه وتعالى رأى منه هذا الورع وهذه العفة فأحبه، عبدي المؤمن أحب إلي من بعض ملائكتي، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب المؤمن يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي، كل ذلك لي
(( وعزتي وجلالي إن نور وجهه لضوء عندي من نور الشمس "))
(( لذلك سيماهم في وجوههم، لو أن الوجه الحسن رجلٌ لكان رجل صالحاً، ولو أن الوجه القبيح رجلٌ لكان رجل سيئاً، القبح والجمال ليس بالملامح، بالنور، سيدنا بلال كان جميل الصورة، في نور بوجهه، أحياناً تجد واحد في نور بوجهه آخاذ، أما بمقاييس الجمال دون الوسط، فالمقاييس النورانية في القلب ـ وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس على أن أجعل ـ بهذه الصلاة الصحيحة ـ الجهالة له حلماً والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلأه بقربي وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حاله ))
( من كنز العمال: عن " حارثة بن وهب " )
 بعد أن أمضينا دروساً كثيرة في شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، ليسأل كلاً منكم نفسه هذا السؤال: ماذا طبقتم من هذه الشمائل ؟ فهل أحدكم سمع شيء من أخلاق النبي العالية فاقتدى بها في حياته اليومية ؟ إذا واحد حقق شيء من هذه الأخلاق والله استفاد فائدة كبرى، أما إذا كان استمع ولم يطبق فقد خسر خسارة كبرى، لأن العلم علمان مطبوع ومسموع، العلم الذي على اللسان حجةٌ على ابن آدم، والعلم الذي في القلب ذلك هو العلم النافع.
والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي   الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Emptyالأحد 25 مايو 2014, 12:32 pm

حقيقة الإسراء والمعراج



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم


الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Israa2


( الإسراء 2 )

تتحدث هذه الآية الكريمة -بإجماع الآراء- عن موضوع الإسراء المحمدي العظيم. ولكن مسألة الإسراء في حد ذاتها تعتبر إحدى المعضلات التي اختلف المفسرون القدامى والمحدَثون حولها، وذلك لكثرة الأحاديث والروايات وتضارب الآراء حولها. ولقد جرت عادة غالب المسلمين أن يجمعوا بين واقعة إسراء الرسول وواقعة عروجه صل الله عليه وسلم فيحتفلون بذكراهما في وقت واحد باسم "ذكرى الإسراء والمعراج".. اعتماداً على بعض روايات جمعت بينهما. والحقيقة تحتاج إلى تدبر حتى تنكشف للعقول.


الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot حادثان منفصلان
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot زمن نزول سورة النجم
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot زمن الإسراء
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot فاصل زمني بين الإسراء والمعراج
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot سبب خلط الحادثين
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot تفاصيل عن المعراج
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot أنــواع الكشــف
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot المعجـــزة
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot وقفة بالأحداث
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot أين الترفيــه؟
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot ضرورة تأويل الأحداث
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot ثلاثة أنواع من الكشوف
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot مغــزى المعــراج
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot مغزى سدرة المنتهى
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot تعبير لأحداث أخرى
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot الإســـراء رؤيا
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot أنباء في هذا الكشف
الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Orange_dot أنباء تحققت بالهجرة

حادثان منفصلان

إن موضوع العروج مذكور في القرآن الكريم في موضع آخر غير هذه السورة، ومستقل عن الإسراء تماما، وذلك في سورة النجم حيث يقول عز وجل: 

{ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفُتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (النجم:5-19)

تشير هذه الآيات إلى عروج المصطفى (صل الله عليه وسلم) ويُستخلص منها ما يلي: 

(1) إن النبي (صل الله عليه وسلم) كان قاب قوسين أو أدنى، 
(2) أوحى الله له هناك، 
(3) رؤية الرسول (صل الله عليه وسلم) لله عز وجل وآياته الكبرى،
(4) وصوله (صل الله عليه وسلم) إلى سدرة المنتهى، 
(5) رؤية الجنة عندها،
(6) غطى السدرة شيء ما.

فإذا تأملنا الأحاديث المتعلقة بالمعراج نجدها تتحدث عن كل هذه الأمور.. فمثلا:

(1) في رواية عن أبي سعيد الخدري قال النبي (صل الله عليه وسلم) "فكان 
بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى".

(2) وفي رواية عن أبي هريرة “أنه لما بلغ عند سدرة المنتهى فكلمه الله 
تعالى عند ذلك”. وعن أنس بن مالك: “ثم إني رُفعتُ إلى سدرة المنتهى 
فقال الله لي: يا محمد..” (الخصائص الكبرى).

(3) عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي (صل الله عليه وسلم) لما ذكر سدرة 
المنتهى قلت: ماذا رأيت هنالك يا رسول الله؟ قال: “رأيت هنالك ما رأيت”. وذكرَت كان يعني الله عز وجل (خصائص ابن مردويه). وعن ابن عباس قال في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى} أنه (صلى الله عليه وسلم) رأى ربه بفؤاده مرتين. أما رؤيته (صل الله عليه وسلم) للآيات الربانية في المعراج فلا خلاف فيه، فلا داعي لذكره.

(4) في حديث أبي هريرة السابق قال “ثم انتهى إلى السدرة”، ولا سبيل لإنكاره، إذ رواه عنه ستة من الحفاظ هم: ابن جرير، ابن أبي حاتم، ابن مردويه، البزار، أبو يعلى، البيهقي، ابن عساكر. عن أبي سعيد الخدري الذي يذكر فيه وصوله (صل الله عليه وسلم) إلى سدرة المنتهى بعد رفعه إلى السماء والتقائه بالأنبياء. وعن مالك بن صعصعة في مسند ابن حنبل والبخاري ومسلم وابن جرير في حديث المعراج “ثم رُفعتُ إلى سدرة المنتهى”.

(5) في حديث أبي سعيد الخدري، “ثم إني رفعت إلى الجنة” (ابن جرير).

(6) في حديث أبي هريرة عن المعراج “فغشيها نور الخلاق عز وجل” (خصائص ابن مردويه).

وعن أنس: “فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت؛ فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها” (صحيح مسلم). من كل ذلك يتضح على الوجه القطعي أن آيات سورة النجم نزلت في أحداث المعراج وحده وليس لها دخل بالإسراء أو غيره من الأحداث. كما أن آية الإسراء لم تتناول شيئا مما وقع في المعراج، بمعنى أن سورة الإسراء تحدثت عن موضوع الإسراء وحده، وسورة النجم تناولت موضوع العروج وحده.

زمن نزول سورة النجم

التحقيق يدل على أنها نزلت حوالي السنة الخامسة من البعثة المحمدية الشريفة، أو قبلها بقليل. يتفق كل المؤرخين على أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر بعض أصحابه في هذه السنة بالهجرة إلى بلاد الحبشة بعد أن اشتد إيذاء كفار مكة لهم، حيث يجدون الأمان عند ملك لا يُظلم عنده أحد. فهاجروا إليه في شهر رجب من السنة الخامسة، وكان فيهم سيدنا عثمان وزوجته رقية بنت المصطفى (صل الله عليه وسلم) (الزرقاني). وفشل وفد قريش المكون من عمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعه في تحريض النجاشي ملك الحبشة على طردهم. 

وفي مقابلة مع جماعة من كفار قريش قرأ الرسول (صل الله عليه وسلم) سورة النجم، ولما وصل إلى موضع السجدة عند قوله تعالى: 

{ أَفَمِنْ هَذَا الحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا للهِ وَاعْبُدُوا} (النجم:60-63)

سجد النبي (صلى الله عليه وسلم) وسجد معه الجميع بما فيهم من حضر من كفار قريش.. ذلك من جلال الموقف ورهبة الآيات. فشاع أن زعماء قريش قد أسلموا، وذلك مكرا وخديعة لاستدراج المهاجرين للعودة من الحبشة. فلما عاد هؤلاء وجدوا أن الخبر كاذب. وقد علل كفار مكة سجودَهم مع الرسول (صل الله عليه وسلم) بفرية باطلة.. إذ زعموا أنه تلا بعد قوله: 

{ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} (النجم:20-21)

كلاما يمدح فيه آلهتهم. وقد وقع للأسف الشديد في هذا الفخ السخيف بعض المؤرخين فزعموا أن الشيطان -معاذ الله- ألقى على لسان المصطفى (صل الله عليه وسلم) عبارات عن الأصنام تقول: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لتُرْتَجَى. وهو قول فاضح الكذب؛ ولا مجال لدحضه هنا. 

وإذن من هذه الواقعة الشهيرة الواردة في أكثر كتب التاريخ والحديث.. يتضح أن سورة النجم التي تتناول موضوع (المعراج) قد قرأها الرسول في السنة الخامسة. أي أنها نزلت عندئذ أو قبلها بقليل.. أي قبل شوال من السنة الخامسة التي عاد فيها مهاجرو الحبشة. 

وجدير بالذكر أن بعض الأحاديث تبين أن عروج الرسول (صلى الله عليه وسلم) حدث أكثر من مرة. ففرضية الصلاة الواردة في بعض أحاديث المعراج قد حدثت في الفترة الأولى من البعثة المحمدية الشريفة.. أي في أوائل السنة الثانية أو منتصفها، كما أن آية النجم {ولقد رآه نزلةً أخري} تشير إلى أن المصطفى (صل الله عليه وسلم) رأى ربه عز وجل أكثر من مرة.

زمن الإسراء

نعود بعد ذلك إلى واقعة الإسراء. يقول المؤرخون أنها وقعت في أواخر الفترة المكية على أقوال منها: إنها حدثت في السنة الثانية عشرة بعد البعثة (المستشرق وليم) أو ربيع من السنة الحادية عشرة (الزرقاني) أو في ربيع قبل الهجرة بسنة (ابن مردوية عن ابن عمر، والبيهقي وابن سعد عن أم سلمة) و(الخصائص الكبرى).

كما أن هناك شهادة السيدة عاتكة بنت أبي طالب أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يبيت عندها ليلة الإسراء وأنها أول من رَوَى له المصطفى (صل الله عليه وسلم) رؤياه. وقد رَوَى عدد من الصحابة ما يؤيد ذلك. لقد ذهب الرسول عند السيدة عاتكة بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته أم المؤمنين السيدة خديجة.. وكل ذلك كان بعد السنة العاشرة من البعثة. أي أن الإسراء كان في السنة الحادية أو الثانية عشرة.

فاصل زمني بين الإسراء والمعراج

إذن هناك فاصل زمني بين المعراج والإسراء لا يقل عن خمس سنوات، وقد يصل إلى سبع سنوات. وأن المعراج هو الذي وقع أولاً وفيه فرضية الصلاة، ورؤية الله تعالى، والوصول إلى سدرة المنتهى والجنة. وأنه ذكر في سورة النجم التي لم يرد فيها أي ذكر للإسراء. أما الإسراء فقد وقع قُبيل الهجرة، وقد ورد في سورة الإسراء التي لم يرد فيها أي ذكر للمعراج. فهل يُعقل أن يجتمعا في رحلة واحدة؟ ولو كان بينهما ارتباط.. فهل يجوز ذِكر أحدهما في سورة دون إشارة تبين الرابطة بينهما؟

ثم نظرةٌ إلى حديث أم هانئ الذي رواه محمد ابن إسحاق، والذي جاء في سيرة ابن هشام، وقد رواه عنها سبعة من المحدِّثين بمتون مختلفة تدور جميعها حول رحلة الإسراء، ويتبين أنه لم يرد فيه أي ذكر للمعراج. وإذا كانت السيدة أم هانئ هي أول من سمع الخبر من الرسول (صلى الله عليه وسلم).. فهل يمكن أن يحكي لها الرسول (صلى الله عليه وسلم) جزءا من رحلته ويغفل أو يخفي عنها الجزء الأكبر والأهم؟ قالت: ما أُسريَ برسول الله (صل الله عليه وسلم) إلا وهو في بيتي - نائم عندي تلك الليلة، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا.

فلما كان قُبيل الفجر أهَبَّنا رسول الله (صل الله عليه وسلم). فلما صلى الصبح وصلينا معه قال: "يا أم هانئ: لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيتِ بهذا الوادي، ثم جئتُ بيت المقدس فصليت فيه، ثم صليت الغداء معكم الآن كما ترين. ثم قام ليخرج، فأخذت بطرف ردائه فتكشف عن بطنه -كأنه قبطية مطوية- فقلت له: يا نبي الله، لا تحدث بهذا الناسَ فيكذبوك ويؤذوك. قال: (والله لأحدثنهم)... إلخ الحديث.

وهنا لم يرد أي ذكر على لسان المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ولا على لسان أم هانيء عن وقائع المعراج. أليس هذا دليلا على أن العروج كان في مناسبة أخرى؟! وهل من المعقول أن ينسَى الرسول (صل الله عليه وسلم) أو تنسَى أم هانئ هذه الواقعة العظيمة؟ اللهم لا.. وإنما شتان ما بين الواقعتين. 
وعندما سمع أهل مكة حكاية الإسراء من الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، ماذا حدث؟ تقول السيدة عائشة: لما عرف الناس خبر إسراء النبي (صل الله عليه وسلم) ذهبوا إلى أبي بكر فقالوا: هل لك يا أبا بكر في صاحبك يزعم أنه قد جاء هذه الليلة إلى بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة؟ فقال لهم أبو بكر: إنكم تكذبون عليه؟ فقالوا: بلى! هاهو ذلك في المسجد يحدث به الناس. فقال أبو بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق. فما يعجبكم من ذلك؟ فو الله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدّقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه! (سيرة ابن هشام)

أليس في هذا الحديث ما يدل على أن العروج إلى السماء لم يرد في تلك المناسبة على لسان الرسول (صل الله عليه وسلم) وأن القوم لم يتحدثوا عنه وهو الأعجب والأبعد حسب قول أبي بكر الصديق، وهو الأدعى إلى التكذيب والسخرية من جانب الكفار!، واستدلال أبي بكر كان عن الخبر يأتي من السماء. فإذن موضوع العروج النبوي إلى السماء لم يكن واردا عندئذ.. وإلا لكان استدلال أبي بكر غير مناسب للمقام. 

أما وقد تبين بجلاء أن الإسراء شيء والمعراج شيء آخر ولم يجتمعا في رحلة واحدة بل ولا في سنة واحدة، وإنما يفصلهما عدد من السنوات يبلغ ستا أو سبعا.. فقد يتساءل البعض: لماذا إذن جمع بينهما بعض الرواة؟ مع أن القرآن الكريم لم يجمعهما في سورة واحدة ولو بمجرد الإشارة أو التلميح؟

سبب خلط الحادثين

لقد اختلط الأمر على بعض الرواة والمفسرين القدامى فأدخلوا روايات أحَدِهما مع الآخر وظنوا أنهما مرحلتان من رحلة واحدة للأسباب الآتية:

(1) وقعت حادثتا العروج والإسراء في الليل، ولما كان الإسراء يطلق على السير في الليل استعمل بعض الصحابة والرواة والمحدثين كلمة الإسراء للرحلتين، وصار الناس لا يفرقون بين هذا وذاك بما جعل الرواة يخلطون بينهما، وظنوا أن النبي (صل الله عليه وسلم) عرج به إلى السماء من بيت المقدس في نفس الليلة.. ولنتأمل الرواية التالية مثالا لذلك: 

روى ابن حنبل في مسنده عن مالك بن صعصعة أن النبي (صل الله عليه وسلم) حدثهم عن ليلة (أسريَ به) قال: بينما أنا في الحطيم -وربما قال في الحجر- مضطجعا إذ أتاني آتٍ فجعل يقول لصاحبه: الأوسط بين الثلاثة.. فأتاني فشق ما بين هذه وهذه- يعني من نحره إلى أسفل بطنه- فاستخرج قلبي. فأُتِيتُ بطستٍ من ذهب مملؤة إيمانا وحكمة، فغسل قلبي ثم حُشيَ ثم أعيد. ثم أُتيتُ بدابة دون البغل وفوق الحمار يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحُملتُ عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى بي السماء الدنيا.. الحديث 

ترى الراوي يذكر عبارة (أسريَ بي) مع أنه لا يتحدث عن رحلة الإسراء المعروفة إلى بيت المقدس، وإنما يحكي رحلة العروج السماوي. ولقد بدأت هذه الرحلة حسب هذه الرواية من مكة وليس من بيت المقدس، ومن جوار الحرم وليس من بيت السيدة أم هانئ.

وروى البخاري وابن جرير أن النبي (صل الله عليه وسلم) عرج ليلة الإسراء إلى السماء الدنيا. وبذلك يثبت جليا أنهم يذكرون كلمة الإسراء في الرحلتين. وهذا ما جعل بعض الرواة يسهون ويجمعون بين الرحلتين وأحداثهما.

(ب) اعتقد بعض الرواة أن الرحلتين شيء واحد بسبب وجوه المشابهة بين بعض الأحداث فيهما، ومنها.. سفر الليل، ركوب البراق، لقاء الأنبياء، أداء الصلاة، رؤية الجنة والنار، صحبة جبريل.. فهي كلها أمور مشتركة بين الرحلتين، ساعدت على وقوع بعض الرواة في خلط أجزاء عن العروج مع أجزاء من رواية عن الإسراء، ولم يستطيعوا الاحتفاظ بأصول أحاديث كل منهما على حدة. 

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي   الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Emptyالأحد 25 مايو 2014, 12:34 pm

حقيقة الإسراء والمعراج

ولو أننا تصفحنا الروايات التي تجمع بين الأمرين وتقول بعروج النبي (صلى الله عليه وسلم) من بيت المقدس بعد إسرائه ولقائه الأنبياء وصلاته معهم.. ظهر لنا أنها اختلطت في بعضها واضطربت اضطرابا شديدا، فمثلا يقول الرواة أن المصطفى (صل الله عليه وسلم) لقي الأنبياء ومنهم آدم وموسى وعيسى، وصلى بهم في بيت المقدس، وبعد فترة وجيزة صعد إلى السماء ولقيهم، ولكنه لم يتعرف عليهم وأخذ يسأل جبريل: من هذا؟ فيجيبه جبريل. وهذا أمر لا يسيغه الوجدان ولا يتقبله العقل. فكيف يغيب عن ذهنه وينسى وجوه أشخاص من أمثال هؤلاء الأنبياء العظام، قابلهم وصلى بهم منذ فترة قصيرة؟ وهذا، وإن كان دليلا واضحا على خلط الرواة بين الأحداث المتشابهة فهو أيضا دليل على الفارق الزمني بين المعراج والإسراء.

إن المصطفى (صل الله عليه وسلم) رأى الأنبياء أولا في عروجه ولم يكن يعرف حليتهم فسأل عنهم، لكن لم يرد سؤاله عنهم عند لقائه بهم في رحلة الإسراء..

وخلاصة القول إن ما سقناه من شهادات وأدلة نقلية وعقلية من داخل الروايات وخارجها لفيه الكفاية للدلالة على أن العروج رحلة بعيدة في زمنها عن رحلة الإسراء. وكل منها مستقل وقائم بذاته.

تفاصيل عن المعراج

والآن نتناول موضوع المعراج بشيء من التفصيل.. 

إن واقعة المعراج لم تكن انتقالا جسديا من الأرض إلى ما وراء عالم الأفلاك والمجرات -إن كان له في تصورنا وراء- ولم تكن انتقالا روحيا بمعنى أن الروح الشريفة غادرت الجسد وانتقلت إلى هذا المجال.. لأن الأرواح لا تفارق أجسادها مادام المرء على قيد الحياة.. ولم تكن حلما يمر برأس نائم يغط في فراشه. وإنما هي من قبيل الوحي الإلهي الذي يكلم به المولى تبارك وتعالى من يصطفيه من عباده.. إنه الكشف. والكشف أو الرؤيا.. تحدث للإنسان المصطفى وهو في حالة اليقظة الكاملة... يرى الشيء ويعي أحداث الكشف.. وحده في خلوة بعيدا عن الناس، أو أمام الناس ولا يدرون بما يجري معه، أو أمام الناس ومعهم ويشتركون معه.

أنــواع الكشــف

الكشف.. أو الرؤيا.. أو الوحي.. كلها أسماء لنفس التجربة، إنها درجات تختلف كثافة ولطفا حسب درجة الموحَى إليه. وهي بالنسبة للرسول (صل الله عليه وسلم) أعلى درجات الكشف بحيث لا يدانيه فيها مخلوق آخر من الأنبياء وغير الأنبياء. وتجدر الإشارة هنا إلى ما ورد في بعض الروايات (تنام عينه ولا ينام قلبه) [البخاري وأبو داود]

ومن الكشوف التي اشترك فيها الحاضرون مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما رَوته كتب الحديث عن الغريب الذي أتى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو بين جمع من صحابته، وجلس إليه يسأله عن الإسلام والإيمان ويصدقه بعد كل إجابة، وعجب الصحابة من أمره، يسأله ويصدقه. فلما انصرف أخبرهم المصطفى (صل الله عليه وسلم) إنه جبريل أتى ليعلمهم أمر دينهم. 

ومن الكشوف التي وقعت للرسول (صلى الله عليه وسلم) في حضور صحابته ولكنهم لم يشاهدوها معه، ما حدث يوم غزوة الخندق، عندما حاول بعض الصحابة من جند المسلمين كسر صخرة تعترض طريق الخندق، وقد حضر الرسول (صلى الله عليه وسلم) يشجعهم، وتطايرت الشرارات من المعول، وكَبَّرَ الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكبر معه صحبه الكرام. وبعد أن زالت الصخرة أخبرهم المصطفى (صل الله عليه وسلم) أنه مع لمعان الشرر أضاءت له قصور ملوك اليمن وكسرى وقيصر.

ومن الكشوف التي وقعت للرسول (صل الله عليه وسلم) في خلوته بينه وبين ربه عز وعلا.. رؤيا المعراج ورؤيا الإسراء ورؤيا دخول المسجد الحرام ورؤيا مصارع رؤوس الكفر يوم بدر. 

فكل هذه الرؤى من أنواع الوحي الإلهي.. أو الكلام الرباني.. الذي يختلف في شكله عن وحي القرآن.. لأن الأخير له صورة لفظية محددة.. تَوَلى تبارك وتعالى حفظها، أما الوحي الكشفي فهو يتسم بقدر من الرمزية، يزيد أو ينقص حسب حالة صاحب الكشف، ويحتاج إلى تأويل وتفسير وفهم بقدر ما فيه من مجاز. 

فرؤيا الرجل الغريب الذي جاء ليسأل الرسول (صلى الله عليه وسلم)وحي تعليمي، ويتضمن قدرا من الرمزية تفيد أن المصطفى (صل الله عليه وسلم)إنما يتلقى العلم الروحاني من الله تعالى وأنه صادق فيما يقول، حافظ ذاكر لكل ما نزل عليه. هذا بالإضافة إلى ما تحمله من معاني التعليم والتأييد والتصديق. وقد تمت هذه في حضور الناس. 

ورؤيا يوم الخندق كانت تحمل أنباء غيبية عظمى، شاهدها الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأخبر بها الحاضرين.. في وقت عصيب.. تحدى فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) كل الأخطار المتوقعة، وقدم البشرَى لجنود الإسلام.. ينفخ في أرواحهم قبسا من أنوار الطمأنينة والثقة واليقين بمستقبل الإسلام المشرق، في ظروف تدعوا إلى الخوف بل إلى اليأس. ولقد تحققت رؤياه (صل الله عليه وسلم) أصدق ما يكون التحقق.. وأضاءت أنوار الإسلام كل تلك البقاع التي رأى شرر المعول يضيئها. وهكذا تحول الرمز إلى حقيقة، وكان تأويل الرؤيا واضحا عندما سمعوها من فمه الشريف، وكان واقعها صادقا مع ما سمعوه منه، وشهدها الكثيرون منهم بعد سنوات قلائل.

وهناك العديد من الرؤى أو الكشوف، التي هي بحق من أعظم المعجزات التي جرت على يديه (صلى الله عليه وسلم) .. تُثبت أمام العالم صدقه في نبوته ورسالته وعلاقته برب هذا الكون الذي يدبر أموره ويدير أحداثه.. سبحانه وتعالى. وواقعة الإسراء من هذا القبيل، تحمل من أخبار الغيب -الذي استأثر الله بعلمه- ما كان مقدرا له أن يتحقق، ويعلن أمام العالم كله.. يشهدونه بأعينهم وحواسهم، ويعيشونه حقيقة وواقعا، أن محمد (صل الله عليه وسلم) قد جاء من الله عز وجل، وتحدث باسم الله عز وجل، وصدق فيما قال عن الله عز وجل. وبذلك يزداد الذين آمنوا إيمانا، ويعذر الذين تعاموا أو عموا عن الحق.

المعجـــزة

وينبغي أن نشير هنا إلى أن لفظة (المعجزة) ليست مصطلحا قرآنيا أو نبويا، وإنما هي من وضع رجال العلم، وقد عرّفوها بأنها: (العمل الخارق للعادة الذي يجريه الله على يد مدعي النبوة ليكون دليلا أمام قومه على صدقه في دعواه).

وهذا يقتضي أن يتم هذا العمل أمام قومه، يشهدونه وهو يقع، ويلمسون نتائجه بأنفسهم. وإلا فهو ليس بأمر معجز. فإذا ادعى شخص أن أمرًا حدث له وهو في خلوته -وكان ما يدعيه بعيدا عن المألوف وعما جرت به العادات كان ذلك مدعاة لتكذيبه، وللمكذبين عذرهم في ذلك.

وأود أن أبين من الآن، أن تكذيب واقعة وردت في القرآن الكريم أو في الحديث الشريف لأمر ما، يوقع المكذب في غيابه الجهل وظلمات الكفر. أما تكذيب أحداث الواقعة استبعادا لحدوثها بسبب غرابتها أو صعوبتها فربما كان ذلك أشد جهالة وأعظم كفرا.. لأن المولى تبارك وتعالى إذا أراد شيئا فلا راد لما أراد..

فلنترك هذا الافتراض ولا شأن لنا الآن بمن يكذب الرسول (صل الله عليه وسلم) أو يستبعد على الله -عز وجل- أمرا أراده. ولكن جدير بنا أن نضع في أذهاننا أن أعمال الله -جل وعلا- كلها هي من المعجزات.. بدءًا من جناح البعوضة إلى أعظم المجرات. فماذا بالله عليكم في هذا الكون ما هو ليس بمعجز لكل الكائنات؟ هل هناك شيء في هذا الكون هو أبدع من خلق الله؟ إن من يرى في ما يسمونه "خوارق" شيئا أكبر من شيء آخر فهو لا يعرف لله قدره. إن كل صغيرة أو كبيرة في هذا الكون معجزة كاملة بالنسبة لكافة المخلوقات.. وعجْزُ الناس عن خلق خلية أو ذرة واحدة هو مساوٍ بنفس القدر عَجْزَهم عن خلق بحر أو جبل أو قمر.

ولا بأس من أن نكرر مرة أخرى أن الآية الإلهية أو ما يسمونه "معجزة" لا يكون لها أي مغزى أو قيمة إذا كان شاهدها من جرت على يديه وحده، ذلك لأن المكذبين له سيمعنون في تكذيبه، والمصدقون له قد يفتن بعضهم ويقع في التكذيب، أما الموقنون به فهم يصدقونه من قبلها ومن بعدها ولا معنى لها بالنسبة لهم إذ أنهم لم يشاهدوها بأنفسهم لتترك أثرا ما.

كما أن المعجزة -أو ما يعتبرها البعض معجزة- إذا لم تكن عاملا بنَّاء في بيان صدق المدعي فإنها تكون عملا لا يتسم بالحكمة، لأنها عندئذ تعتبر عقبة في سبيل المدعي وفتنة شديدة لقومه. إنها لا تكون دليلا واضحا بل عاملا مربكا محيرا.

ومما يشار إليه هنا ما يزعمه بعض رجال الدين من أن هناك أمورا خارقة للعادة تشبه المعجزات، يسمونها (استدراجا)، لأنها تقع على يد الكاذب ليتمادى في كذبه. الحق إن مثل هذا القول افتراء على الله الرحمن الرحيم، الذي يعامل الناس بالرأفة ولا يريد بهم التضليل والكيد. كما أن مثل هذا الاستدراج يوقع الأبرياء في خطأ لا حيلة لهم في اجتنابه. 

يقول كثير من العلماء بأن القرآن الكريم هو معجزة رسول الإسلام (صل الله عليه وسلم) الكبرى، وهذا قول صحيح لأن القرآن -وإن كان بلسان العرب- إلا أنهم لم يستطيعوا ولم يقدروا.. وإلى اليوم عاجزون.. أن يأتوا بمثله في نظمه وأسلوبه وجماله البياني. ولكن الأهم من ذلك، لهم ولغيرهم، أن العالمين جميعا لا يستطيعون أن يأتوا بما في سورة واحدة من سوره -طويلة أو قصيرة- من تشريع كامل أو حكمة بالغة أو تعليم رشيد أو مثل دقيق أو عقيدة طاهرة أو تعريف بصاحب الملك والملكوت أو نبأ غيبي لا يتخلف.. أو.. أو.. مما نعلمه اليوم، وما يتكشف لنا في الغد، من كنوز القرآن التي لا تفنَى، وخزائنه التي لا تبلى. 

هذه هي المعجزة الحقة.. تغيب الشمس وتشرق، ولكن شمس القرآن باقية تملأ الدنيا هداية وسعادة، لمن أراد الهداية، ولمن طلب السعادة. إن حادثة الإسراء أو المعراج لو كانت بالجسد ما أضفت على مغزى الإسراء أو معنى المعراج مزيدا من الإعجاز.. ذلك لأن تحقق ما أشارت إليه أحداث المعراج، وتأويل ما ورد في واقعة الإسراء، تطَلَّبَ عَمَلَ آلاف مؤلفة من جند الله. إن روايات الحادثتين تحكي لنا أن جبريل وملكا أو اثنين هم الذين اشتركوا في واقعة شق الصدر ورحلة السماء ورحلة الأرض، ولكن الأحاديث تحكي لنا أن سبعين ألف ملك نزلوا مع سورة الكهف وعلى رأسهم ملك الوحي، يحرسون السورة حتى يتحقق ما أشارت إليه من أنباء الغيب. بل إن آلافًا من الملائكة نزلوا في معركة بدر الكبرى، ووعد الله المؤمنين بتأييد خمسة آلاف من الملائكة بعد معركة أحد. وفي هذا ما يكشف لنا عن أحداث تطلبت مددا سماويا أعظم بكثير مما تطلبته حادثة الإسراء أو حادثة المعراج.

وإذن فالمسألة ليست مسألة صعوبة أو غرابة أو إمكان حدوث، فحياة الرسول (صل الله عليه وسلم) زاخرة كل يوم بأحداث جسام، لا يمكن لإنسان أن يحققها وحده، ما لم تكن جنود العالم العلوي في ركابه. فمعركة الإصرار على كون الرحلتين بالجسد، أو إنكار الرحلة كليةً، باطلة بين طرفين لم يدركا حقيقة المعراج وحقيقة الإسراء، ومن ثم راحا يضربان بعضهما بالأدلة والبراهين التي قامت على مقدمات بعيدة تماما عن واقع الأمر وحقيقة الأحداث. 

إننا نقول لمن ينكر هذه الواقعات: إنها ليست أحداثا جسدية مادية فلا تتسرع بالإنكار، ولكنها إشارات روحانية تحمل إعجازا أعظم بكثير مما تنكره من حركات المادة. ونقول لمن يلمح على أنها رحلات بدنية: رويدك فإنك لا تضفي على محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) كرامة ولا سموا، لأن ما تتوهمه ليس في الواقع شيئا يذكر بجانب ما استحقه (صل الله عليه وسلم) من كرامة ومنزلة، وليس من شأن هذه الحركات الجسدية أن ترفع منازل المصطفين الأخيار، وإنما هي شيء كبير في عين أصحاب النظرة السطحية والهمم الضعيفة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي   الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Emptyالأحد 25 مايو 2014, 12:35 pm

حقيقة الإسراء والمعراج
وقفة بالأحداث

ولنتجول معا في بعض هذه الأحداث، ونتأمل ما فيها من تكريم حسب فهم أصحاب النظرية الجسدية. وإنا لا نعيب على هؤلاء إلا أنهم لفرط محبتهم للرسول (صلى الله عليه وسلم) يريدون أن يخلعوا عليه من فهمهم ما يجعله على المستوى الذي ترسمه لهم مخيلتهم.. متناسين أنه بشر.. وإن كان أكرم البشر، ومتغافلين عن وظيفة الرسالة التي يحملها بكونه رسول، وإن كان أعظم الرسل (صل الله عليه وسلم).

ولنبدأ بحادثة شق الصدر.. إذا كانت هذه حادثة جسدية مادية حقا، فما يكون فضل الرسول (صل الله عليه وسلم) على سائر البشر في مقاومة الشيطان.. واكتساب الحكمة والعلم؟ لقد أزالت الملائكة حظ الشيطان منه وغسلوا باطنه، وملأوا قلبه حكمة وعلما دون كسب أو جهد من جانبه، فهل هذا يُكسبه فضلا على أتباعه الذين جاهدوا حق الجهاد لاكتساب التقوى؟ 

عفوا يا رسول الله.. فإنك أطهر وأنقى وأحكم مَن ولدته أُم بحسن عملك وجميل اتباعك لهدى ربك. بذلت من دمك وجسمك وروحك وملكاتك ما استحققت به أعظم شهادة حصل عليها أحد من خَلق الله تعالى، فكان قوله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} شهادة يحفظها لك القرآن المجيد وسُنتك الطاهرة وسيرتك العبقة، وترويها الأجيال جيلا بعد آخر. إن حكمتك وعلمك وطهرك لا يكفيها طست أو بحر، ولكنها جهاد عمرك لحظة بلحظة ويوما بيوم وحركة بحركة، صل الله عليك حق الصلاة. 

ويقول المفسرون المحدثون.. إن الرسول (صل الله عليه وسلم) بعد أن ماتت زوجته السيدة خديجة عليها السلام ثم عمه أبو طالب، وبعد اشتداد قريش له، وبعد رحلته إلى الطائف التي لقي فيها منهم أسوأ استقبال وأسوأ رد.. أراد الله تعالى أن يُطيب خاطره ويجبر كسره، فأخذه إلى رحلة في الملكوت الأعلى بصحبة جبريل، حيث اجتاز السموات السبع ولقيَ بعدها ربه.

أين الترفيــه؟

إنه لقول طيب، يترك في نفس المسلم أثرا رائعا، ويتضمن في ذات الوقت حقيقة واقعة.. ولكنها غير ما أراده المفسرون بقولهم. فإن الرحلة الجسدية ترضي الإنسان العادي، الذي يجد متعته في تغيير المكان، ومشاهدة أماكن جديدة، ورؤية مناظر الطبيعة التي تريح بصره، وترفِّه عن مَلَلِه وتعبه، كما يذهب أحدنا إلى المصيف أو المشتى. ولو كان المصطفى (صل الله عليه وسلم) من هذا الصنف من الناس -وحاشا له أن يكون منهم- فما أحسبه رأى في هذه الرحلة لو كانت رحلة جسدية - أي نوع من الترفيه. فقد شاهد مناظر تقشعر لها الأبدان، من عصاة أمته الذين تُقرض ألسنتهم بالمقاريض، ومن يأكلون اللحم النيئ الخبيث، ومن يأكلون الضريع والزقوم الخ.. فأيُّ ترفيه في هذا؟

وإذا كانت الرحلة للتكريم، فمن رأى؟ جبريل؟ إنه يلقاه كل يوم. الأنبياء السابقين؟ إنهم هم الذين يُكرَمون برؤيته. رب العزة تبارك وتعالى؟ وهل هناك مكان أو موقع للقاء لله ورؤيته أيها الناس؟ إننا لا يليق بنا أن نقول إن محمدا (صل الله عليه وسلم) يلقى الله تعالى، بل إنه معه في كل حين.. متى غاب عنه حتى يراه؟ فأين التكريم وهو ينهل منه في لحظات حياته المباركة بلا حساب.

يقولون كانت الرحلة لترضيته! وهل لا بد من مغادرة الأرض لبضع ساعات أو لحظات ليرضي الله محمدا (صلى الله عليه وسلم)؟ هل نسيتم أيها الناس علاقة محمد بربه؟ هل تذكرون دعاءه: (إذا لم يكن بك علي غضب فلا أبالي). إن محمدا (صل الله عليه وسلم) لا يأبه لكل مصاعب الدنيا وإهانات الغوغاء وجهل الجاهلين، ما علم أن الله تعالى راض عنه. ولقد علم ذلك في التو واللحظة. ألا تذكرون ملك الجبال عندما جاءه يبلغه التحية من الله جل وعلا، ويعرض عليه تدمير قرية الشرك.. قرية الطائف؟ هل تذكرون جوابه.. 

ورحمته ورجاءه في أن يؤمن قومه؟ هل تنبهتم إلى معدن هذه النفس الطاهرة؟ هل ترضيها رحلة ليلية يرى أثناءها بعض المشاهد الرمزية؟
والحقيقة أن الرحلة السماوية كانت فعلا للتكريم والترفيه والترضية، لا لمحمد (صل الله عليه وسلم) وحده وإنما لأمته.. لمن معه ولمن بعده. لقد كانت آية سماوية له يشهد صدقها بنفسه، ويشهد صدقها صحابته ومتبعوه عبر الدهور. كانت معجزة رائعة، لا لأنها حركة بدنية لجسد واحد من البشر بين الأجرام الهائلة العدد تعبر أغوار الكون المحكم العظيم.. بل لأنها جاءت حقا وصدقا وواقعا ملموسا في محلها وتفصيلها، وسيتضح لنا ذلك عندما نتناول أحداث المعراج.

نعود إلى موضوع الكشوف والرؤى.. التي هي وحي الله في هيئة صور ومرائي، وهى على ثلاثة أنواع: 

الأول: ترى الأشياء والأمور مثلما تكون في العالم المادي بغير تبديل.
الثاني: تكون بعض المشاهد بحاجة إلى تأويل وتعبير.
الثالث: تكون كل المشاهد بحاجة إلى تأويل وتعبير.

ضرورة تأويل الأحداث

وسترى من تدبر ما ورد في أحاديث العروج والإسراء أن الحادثتين كانتا من قُبيل الكشف، لأن الكثير من تفاصيلهما تستلزم التأويل حتما. رُويَ عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله (صل الله عليه وسلم) قال: فُرِج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل، ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم، ثم جاء بطستٍ من ذهب ممتلئ حكمةً وإيمانا، فأفرغهما في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء. (مسلم)

ورُويَ أيضا عن أنس أن رسول الله (صل الله عليه وسلم) أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمهُ ثم أعاده إلى مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه -يعنى ظئره- فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون - قال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره. (مسلم)

لندع جانبا الخلاف الثانوي بين الروايتين، ولنتدبر النقطة الجوهرية، أعني واقعة شق الصدر والطست. وهنا نتساءل: ما هي تلكم العلقة، وما علاقتها بحظ الشيطان؟

إن الشيطان كما نعلم ونفهم من القرآن يأمر بالفحشاء ويسعى لتضليل الناس ويزين لهم العداوة والبغضاء وما إلى ذلك من الشرور. وكل هذه الأمور ليست بالأشياء المادية التي تشغل جانبا من قلب الإنسان العضوي، وليست مما يُزال بالغسيل من ماء زمزم. وهكذا نقول عن الحكمة والإيمان الذين كانا في طست من ذهب وأُفرغا في قلبه (صلى الله عليه وسلم) . ولا مناص من الإقرار بأن هذه الواقعة كانت كشفا يرمز إلى معنى سام، إذ يصور لنا مدى ما توفر للرسول (صل الله عليه وسلم) من حفاظة محكمة من أية مؤثرات أو نوازع سيئة بفضل ما أُوتيَ من حكمة سماوية وإيمان ثابت قويم.

ومما يسترعى الانتباه أن الروايتين السابقتين لشخص واحد؛ هو أنس بن مالك (رضي الله عنه)، وأن شق قلب الرسول (صل الله عليه وسلم) في إحدى الروايتين حدث وهو صغير يلعب، وفي الرواية الأخرى وهو ببيته في مكة، مما جعل بعض العلماء مثل الحافظ الذهبي يرى أن هذا الأمر حدث مرتين.
وقد رُويَ عن أنس بن مالك أيضا أن رسول الله (صل الله عليه وسلم) قال: (أُتيتُ، فانطلقوا بي إلى زمزم، فشرح عن صدري، ثم غسل بماء زمزم، ثم أُنزلت) (مسلم). وهنا لا ذكر للطست الذهبي؛ كما أن الغسل تم عند بئر زمزم.

كذلك تعرضت الروايات العديدة لكيفية الانتقال. فقيل إن جبريل أتى بالبراق إلى الرسول (صل الله عليه وسلم) ، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، حافره عند منتهى طرفة (البخاري ومسلم). وفي روايات أخرى اكتفى بأنه دابة بيضاء. 

ورُويَ عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن جبريل أخذ بيده فعرج به إلى السماء الدنيا (البخاري ومسلم)؛ وهنا يبدو أنه مضى دون حاجة إلى دابة يركبها. وكذلك اختلفت الروايات في وصف جبريل.. فعن ابن الزبير عن رسول الله (صل الله عليه وسلم) قال: إنه رأى جبريل يشبه دُحْية أو ابن رمح دحية بن خليفة (مسلم).

ورُويَ أن ذر بن حبيش سئل عن قول الله تعالى {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} فذكر أن ابن مسعود قال: إن النبي (صل الله عليه وسلم) رأى جبريل له ستمائة جناح، وفي رواية أخرى: رآه في صورته له ستمائة جناح (البخاري ومسلم).

ورُويَ عن عائشة عليها السلام أنها سُئلت عن قوله تعالى {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى.. الآية} فقالت: إنما ذلك جبريل. كان يأتيه في صورة الرجال، وأنه أتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته، فسد أفق السماء (مسلم). 

وجدير بنا ألا نفهم من اختلاف الروايات أنها باطلة يمكن طرحها جانبا، أو إنكار كل ما جاء فيها عن المعراج أو الإسراء. فهذا تسرع في الحكم دون تبصر، فإن من الممكن التوفيق بين بعض هذه الاختلافات، كما أن رواتها جماعة من المشهود لهم بالعلم والخلق، والمعروفين بالحرص الشديد على الاستقصاء والتدقيق. وغاية ما يمكن قوله عن تلكم الأحاديث التي وردت في المراجع الرئيسة بصفة عامة أن الذاكرة قد تخون راويًا من سلسلة الرواة فينسَى جزءا من تفاصيلها، أو يقدم أو يؤخر ترتيب بعض جزئياتها، فيحدث في الرواية نوع من القلب، أو قد يخطئ الناسخ في النقل.. وهذا أمر نجده في الكتب المطبوعة في عصرنا هذا على الرغم من توافر أسباب الضبط والتصحيح والمراجعة. ولا ننسى أن هذه الروايات كانت تُرْوَى ويتناقلونها في أغلب الحالات بالمعنى لا بالنص. 

ولنلق نظرة أخرى على ما رُويَ عن المطية التي ركبها الرسول (صل الله عليه وسلم) في سفره الروحاني. فبالإضافة إلى ما رويناه من الروايات عن البخاري ومسلم والحافظ الذهبي فقد رُويَ في تفسير الدر المنثور: (أُتيتُ ليلة أُسْرِيَ بي بدابةٍ فوق الحمار ودون البغل، خَطْوُها عند منتهَى طرفها، كانت تسخَّر للأنبياء قبلي).

وأخرج البيهقي عن أبي سعيد الخدري أن أصحاب الرسول (صل الله عليه وسلم) قالوا له: يا رسول الله، أخبِرْنَا عن ليلة أُسرِيَ بك.. وقال فيه.. (فإذا أنا بدابة يقال له البراق وكانت الأنبياء تركبه قبلي. يضع حافره مد بصره، فركبته).

ورَوَى البيهقي أيضا في حديث طويل قال فيه... ثم أُتيتُ بالمعراج الذي تعرج عليه الأرواح، فلم تر الخلائق أحسن من المعراج (تاريخ ابن عساكر). 
فحمل واقعة ركوب البراق على المعنى الظاهر يعني أن الأنبياء أيضا عرج بهم بالجسد العنصري، وكانت الدابة تحمل المؤمنين الصالحين بأرواحهم!! وهذا نوع من الخلط يبعث على التساؤل ويثير الاعتراضات. 

وأخرج ابن حنبل وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل وأيضا المختار بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (ليلة أُسرِيَ برسول الله (صلى الله عليه وسلم) دخل الجنة، فسمع في جانبها حسا، فقال لجبريل: ما هذا؟ فقال: هذا بلال المؤذن. فقال النبي (صل الله عليه وسلم) حين جاء إلى الناس: قد أفلح بلال، رأيت كذا) (الدر المنثور).

هذا وقد روَى البخاري ومسلم وغيرهما حديثا مشابها يتضمن وجود بلال رضي الله عنه في الجنة وإن لم يرد فيه ذكر المعراج.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صل الله عليه وسلم) قال لبلال عند صلاة الفجر: (يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام.. فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة. قال: ما عملت عملا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت ما كتب لي أن أصلي). [دف نعليك، رواية البخاري، خشف نعليك، رواية مسلم، والمعنى تحرك مشيك وصوته].
فلو سلمنا جدلا بأن المعراج كان بالجسد العنصري، فكيف ذهب بلال المؤذن إلى الجنة مع أنه كان نائما في مكة؟ وهل عُرج به هو أيضا إلى السماء ليلة معراج الرسول (صل الله عليه وسلم) ؟ 

الواقع إن تصور حدوث الإسراء أو المعراج بكيفية مادية يتعارض تماما مع ما تضمنته الروايات العديدة من وقائع وصِفات تنطق من نفسها بأن الحادثتين كانتا كشفا روحيا. 

وقد أورد ابن كثير في تفسيره نقلا عن ابن جرير ما يلي: 

لما جاء جبريل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالبراق، فكأنها حركت ذنبها فقال، لها جبريل: مه يا براق، فو الله ما ركبك مثله. وسار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال: ما هذه ياجبريل؟ قال: سِرْ يا محمد. فسار ما شاء الله أن يسير، فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق، فقال: هلم يا محمد، فقال له جبريل: لا تلتفت إليه. فسار ما شاء الله أن يسير، قال: فلقيه خلق من خلق الله فقالوا: السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: أردد السلام يا محمد، فرد السلام.... حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعُرض عليه الخمر والماء واللبن، فتناول رسول الله (صل الله عليه وسلم) اللبن، فقال له جبريل: أصبتَ الفطرةَ، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك..

ثم قال جبريل: أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا إلا كما بقيَ من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل، وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام).

وفي رواية أخرى قيل إن ما قُدم للرسول (صلى الله عليه وسلم) كان خمرا ولبنا وعسلا، وقيل كذلك أنهما اللبن والعسل، وفي روايات أخرى: خُيِّر النبي (صلى الله عليه وسلم )بين اللبن والخمر. وبعض هذه الروايات قدم فيها ذكر الخمر على العسل (راجع البخاري وابن حنبل وابن كثير ودلائل النبوة للبيهقي)، ولكن الثابت في هذه الروايات المختلفة أن النبي (صل الله عليه وسلم) اختار اللبن. 

ويبدو أن الحديث الأول - الذي ذكر الأشربة الثلاثة، وبترتيبها الوارد فيه الماء فالخمر فاللبن- هو الأولى بالاعتبار، ذلك لأن هذه الرواية تتضمن ثلاثة أشربة تقابل ثلاثة أمور رآها الرسول (صل الله عليه وسلم) في طريقه إلى بيت المقدس؛ فالمرأة العجوز أوّلها جبريل بالدنيا وقرب نهايتها، وكذلك الماء يُعبر عن الدنيا إذ أن حياة كل شيء حي فيها يتوقف على الماء وتؤدي ندرته إلى القحط والهلاك، كما قال تعالى: 

{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِكُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (الأنبياء 31) 

وذلك الذي نادى الرسول (صلى الله عليه وسلم) أوّلَهُ جبريل بأنه إبليس. وكذلك عبر جبريل عن امتناع الرسول (صل الله عليه وسلم) عن شرب الخمر بأنه نجى نفسه وأمته من الغواية.. فإبليس والخمر مشتركان في الغواية، وقد قال تعالى: 

{ إِنَّمَا الخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (المائدة 91}

أما اللبن فهو شراب فطري طاهر، وغذاء رئيسي للإنسان يشربه الطفل مدفوعا إليه بفطرته النقية التي برأه الله عليها؛ لونه البياض مَثَل للصلاح والفلاح... وقد عبر جبريل عن شربه بأنه إصابة للفطرة، ويناسب ذلك لقاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) للأنبياء وسلامهم عليه ورده عليهم. وفي ذلك إشارة إلى أن أمته (صل الله عليه وسلم) سوف تُصان من الهلاك، ولا يقطع عنها غذاء العلوم الإلهية الروحانية الطاهرة.

وللرد على من يعرض أن جبريل بدأ تعبيره بالحديث عن اللبن وقد ذُكر آخرا.. نقول بأن تأويل اللبن يحمل خبرا سارا فبدأ به ليبشر الرسول (صل الله عليه وسلم) ويطمئنه على أمته قبل أن يذكر له تأويل الخمر والماء.. 
ومن الشواهد الدالة على أن رحلة الإسراء لم تكن بالجسد العنصري تلك المشاهد التي احتاجت إلى التعبير.. والتي قَبِلَ بها الرسول (صلى الله عليه وسلم) دون اعتراض.. فلم يقل لجبريل مثلا: كيف تفسر لي العجوز بأنها الدنيا مع أني أراها بعيني رأسي امرأةً عجوزًا.. لقد اقتنع (صل الله عليه وسلم) بتفسير جبريل لأنه يعلم بأن ما يراه ليس من قبيل الرؤية الحسية بالعينين، وإنما أمر روحي من عالم الكشف. 

ولو قلنا غير ذلك.. لكان التعبير - لا سمح الله- لغوا لا معنى له، فلم نسمع ولم نقرأ في كتب الله مثلا أن الدنيا امرأة عجوز، وليس من المعقول أن من يشرب الماء يغرق أو يُقضى عليه بالغرق. لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد ذلك يشرب الماء ولم يحرمه على أتباعه، ولم يغرق (صل الله عليه وسلم) ولم يغرق أتباعه. وهل اللبن هو الفطرة والهداية؟ الكفار يشربون اللبن ربما أكثر من المؤمنين، ومع ذلك لم يهتدوا. ولا أعتقد أن أحدًا يختلف معنا في أن هذه المشاهد كلها كانت من قبيل الكشف الروحي ولم تكن واقعا ماديا. ومن ثَم فكيف تكون الرحلة بالجسد المادي وكل ما يجري فيها من قبيل الرؤَى والكشف؟ 

وما معنى أن يتحرك الجسد أو ينتقل من موضعه إذا كان في عالم الرمز، ولن يكون للجسد المادي دور ما فيما يجري من أحداث؟ 





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي   الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Emptyالأحد 25 مايو 2014, 12:40 pm

حقيقة الإسراء والمعراج
ثلاثة أنواع من الكشوف

ونكرر ما سبق من أن الكشوف تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم تُرى فيه الأشياء والأمور كما هي عليه في العالم المادي دون تبديل.. (مِثْلَ تجلية بيت المقدس للرسول (صل الله عليه وسلم) وهو جَالس عند الكعبة، يروي رؤيا الإسراء)، وقسم يحتاج جميع ما فيه من وقائع إلى التأويل والتعبير.. (رحلة المعراج إلى السماوات العلا)، وقسم يجمع بين سابقيه.. أي أن بعض أحداثه تحتاج إلى تعبير والبعض الآخر يمثل الأمور كما هي في عالم المادة.. وواقعة الإسراء من هذا القسم الأخير..

ولإيضاح ذلك نضرب مثلا بما رواه ابن الأثير في تاريخه (أنه بعد الإسراء قعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المسجد الحرام وهو مغموم خشية ألا يصدقه الناس، فمر به أبو جهل، فقال له كالمستهزئ: هل استفدت الليلة شيئا؟ فقال (صلى الله عليه وسلم) : نعم، أُسرِيَ بي الليلة إلى بيت المقدس. فقال أبو جهل: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟! فقال: نعم. فقال أبو جهل: يا معشر كعب بن لؤي، هلموا؛ فأقبلوا؛ فحدثهم النبي (صل الله عليه وسلم).

فمن بين مصدق ومكذب ومصفق وواضع يده على رأسه؛ وارتد الناس ممن كان آمن به وصدقه.. وقالوا: فَانْعَت لنا المسجد الأقصى. قال (صل الله عليه وسلم): فذهبت أنعت حتى التبس على.. فجيء بالمسجد وإني أنظر إليه فجعلت أنعته. قالوا: فأخْبِرنا عن عيرنا؟ قال: مررت على عير بني فلان بالروحاء وقد أضلوا بعيرا لهم وهم في طلبها، فأخذت قدحا فيه ماء فشربته، فسلهم عن ذلك. ومررت بعير بني فلان وفلان فرأيت راكبا وقعودا بذي مر، فنفر بكرهما مني، فسقط فلان فانكسرت يده فسلوهما. ومررت بعيركم بالتنعيم يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان، تطلع عليكم من طلوع الشمس.
فخرجوا إلى الثنية فجلسوا ينتظرون طلوع الشمس ليكذبوه، إذ قال قائل: هذه الشمس قد طلعت، فقال آخر: والله هذه العير قد طلعت يقدمها بعير أورق كما قال. فلم يفلحوا، وقالوا: إن هذا سحر مبين) (الخصائص، سيرة ابن هشام، مسند ابن حنبل).

فهذه الرواية تبين لنا أن ذلك الجزء من أحداث الإسراء من النوع الجلي الذي لا يحتاج إلى تأويل. ومعنى ذلك أن الإسراء كان كشفا، ولو كان بالجسد ورؤية العين البصرية ما اختلط الأمر على الرسول (صل الله عليه وسلم) وما اشتبه عندما أخذ يصفه للكفار، مع أنه لم يمض على عودته من هناك سوى مدة وجيزة.

ورُويَ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله (صل الله عليه وسلم) قال: رُفعتُ إلى سدرة المنتهَى في السماء السابعة، نَبْتُها مثل قلال هجر؛ وورقها مثل آذان الفيلة، يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان. فقلت: يا جبريل؟ ما هذه؟ قال: أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات (ابن حنبل).

هذا الحديث يدل كغيره على أن المعراج النبوي لم يكن رحله جسدية، والسبب واضح كل الموضوح. فهل غير الله الموقع الجغرافي لأنهار المنطقة، وجعل النيل والفرات ينبعان أو يصبان في أصل شجرة النبق ولا تدري بذلك الشعوب العديدة التي تسكن حولهما؟

أرأيتم أن فهم الحادثة على أنها من أعمال الجسد العنصري يجعل منها مجموعة من الخزعبلات والعياذ بالله. ولو سلمنا بأن هذه الأحداث إنما أمور رمزية مجازية، فما معنى أن يكون الجسد قد انتقل إلى هذا المكان الرمزي، وما معقولية هذا الفعل، وما مغزاه؟

مغــزى المعــراج

الواقع أن هذا الكشف الروحاني العظيم يتضمن الإشارة الإعجازية إلى ما سيقابل الإسلام من الانتشار خارج الجزيرة العربية، وسيبدأ ذلك في المنطقة بين نهري الفرات والنيل. وأن ازدهار الأمة الإسلامية ورفعة شأنها سيكون على يد هذه الشعوب، وأن الخير الخلقي والروحاني سوف يعم أهل المنطقة وهو نابع من ظلال الدوحة الروحانية العظيمة التي ارتقى إليها نبي هذه الأمة العظيم (صل الله عليه وسلم) ويربطهم بالفلاح الأخروي والازدهار الدنيوي.

إن إدراك أحداث المعراج إدراكا صحيحا يمكننا من تصور عظمة المعراج وحكمته ومغزاه ومراميه القريبة والبعيدة، وكل ذلك يصعب على من يظنون أن المعراج أو الإسراء كان رحلة بالجسد المادي؛ فضلا عما يثيره ذلك من اعتراضات يتعذر الإجابة عليها..

فمثلا يقال لأصحاب نظرية الرحلة الجسدية المادية: هل كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) بحاجة إلى رؤية النيل والفرات ليتحقق من آيات ربه الكبرى؟ أليس الأجدر بذلك جماعة من الكفار.. إذ أن إيمان الرسول (صلى الله عليه وسلم ) ما كان يشوبه أي نقص أو ضعف.. وما قيمة أن يرى المصطفي (صل الله عليه وسلم) سدرة المنتهى على صورة تخالف شجر النبق المألوف من حيث ضخامة الثمار وكبر الأوراق؟

مغزى سدرة المنتهى

إن الإجابة على كثير من التساؤلات التي من هذا القبيل لا تتأتى إلا إذا لجأنا إلى التأويل وسلمنا بأن سدرة المنتهى ليست نباتا دنيويا ماديا وإنما هي رمز إلى أمور أخرى روحانية. 

ولفظة سدرة مشتقة من (سدر). يقال سدر الشعر أي سدله، وسدر الثوب أي أرسله طولا، وسدر الرجل أي تخير، والسدر شجر النبق، والسدر البحر.
والمقصود من تجلي رب العزة تبارك وتعالى للمصطفى (صلى الله عليه وسلم) عند سدرة المنتهى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قريب إلى الله تعالى قربا يعجز الإنسان عن تصوره، أو يعني أن الوحي الإلهي للرسول (صلى الله عليه وسلم) بحر لا ساحل له يذخر بالمعارف والحقائق الإلهية، أو أن المعارف والعلوم الإلهية التي كشفت للرسول (صل الله عليه وسلم) هي كالدوحة العظيمة التي يستظل الإنسان بظلها فتحميه من شدة الحر؛ وينشد سالك الطريق الروحانية في جانبها الراحة ويطرح عن أطراف جسمه التعب والعناء.

كما أن من خصائص أوراق السدرة أنها تُستعمل في تحنيط جثة الميت للمحافظة عليها من الفساد، فالمعنى أن التعاليم التي جاء بها المصطفى (صل الله عليه وسلم) من وحي الله تعالى لا يتطرق إليها الضياع أو النسيان أو التلاعب في نصوصها لأنها في حفاظة الله تعالى مصونة من التحريف.. ومن ثم فهي بدورها تحفظ المتمسك بها من الفساد الخلقي والانحطاط الروحاني؛ وهى صالحة لذلك على مر العصور.

كما أن (سدرة المنتهى) تتضمن إشارة غيبية إلى صلح الحديبية الذي انتهى به الصراع الشديد بين المصطفى (صل الله عليه وسلم) والمؤمنين من جانب، وبين قريش من جانب آخر.

إن (سدرة المنتهى) التي ترمز إلى ما تفضل الله تعالى به على المصطفى (صل الله عليه وسلم) وأمته من تعاليم وإرشادات وحكم وشريعة إنما هي الطريق إلى الجنة.. جنة الدنيا من فلاح وازدهار وسعادة وارتقاء، وجنة الآخرة التي يعجز اللسان والبيان والتصور عن وصف ما أعده الله تعالى فيها من أسباب النعيم والسعادة. وكلما ازداد المؤمنون استمساكا وعملا بشريعة الله تعالى ازدادت حياتهم جمالا وكمالا ووجدوا من الله تعالى تغيرات وترقيات تجل عن الوصف.

وتقرر الآيتان: 

ٍ{ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (النجم:18-19) 

أن الكشف كان كشفا جليا، لم تكل بصيرة المصطفى (صل الله عليه وسلم) ولم تخطيء ولم تنحرف عن رؤيته. لقد كان كشفا يتضمن آيات ربانية عظيمة، بل هي العظمى بين الآيات.. لأنها تكشف له وللناس جميعا عن حقيقة محمد ورسالته؛ ومنزلته عند الله تعالى؛ ومكانة شريعته وكتابه بين الشرائع والكتب، ومستقبل دعوته ومصير أمته.

آيات سيشهدها الناس؛ ويراها الأعداء قبل الأتباع.. سيرى الجميع صدق رؤياه. وتبين لهم كماله الخلقي.. كمال تشريعاته.. كمال أتباعه.. فوزه والمعاصي التي تقع من بعض المنتسبين إلى أمته، العلاج الرباني لكل الشرور بإقامة الصلاة التي وإن قل عدد مراتها فإنها مباركة الأثر في ترقية أمة المصطفى (صل الله عليه وسلم) وصيانتهم من الزلل إن واظبوا عليها، وجعلوا منها صلة مستمرة مع رب العزة تبارك وتعالى..

نعم هذه هي الآيات الكبرى والدلائل العظمى على أن محمدا (صل الله عليه وسلم) له حديث وشأن مع الله تعالى.. لا يضاهيه فيهما إنس ولا جان.


تعبير لأحداث أخرى

هكذا الحال أيضا بالنسبة للأحاديث العديدة الخاصة بوصف الإسراء والمعراج علينا أن نفهم حقيقتها ومعانيها على ما يوافق تعبير الرؤيا..

فمثلا قد تعني رؤية بيت حصول الرائي على العز والفلاح؛ وتعني الدابة (أي البراق) أن الراكب سينال مرتبة عالية بعد سفره، ويعني الصعود إلى السماء الأولى أن حياة الرائي تمتد إلى الشيخوخة وأرذل العمر، وبلوغ السماء الثانية يرمز إلى أن الرائي يكون عالما حكيما، وتعني السماء الثالثة العزة والإقبال في الحياة الدنيا. وتعني السماء الرابعة قرب السلطان والحصول على السُلطة؛ وتعني السماء الخامسة الفزع والاضطراب والمخالفة والحرب، وتعني السماء السادسة حصول الرائي على الجاه العريض والسعادة الدائمة؛ ويرمز بلوغ السماء السابعة أن الرائي يبلغ درجة عالية من القدر والمنزلة الرفيعة بحيث لا يدانيه أحد. وعلى العموم فإن فتح أبواب السماء يدل على قبول ا لدعاء والبركة والخير.

وقد تحققت فعلا كل هذه الأمور والأنباء للرسول (صل الله عليه وسلم).
أما المشاهد الأخرى فهي لا تحتاج إلى تأويل، إذ أنها تصور بعض الخطايا التي سوف يقع فيها الضعفاء من أمة محمد (صل الله عليه وسلم)، أو التي يقع فيها معارضوه فعلا، أو التي ستقع من أعداء أمته في المستقبل.
وقد عُرضت المشاهد بطريقة رائعة تبين مدى ما تمثله هذه الخطايا من قبح في سلوك الإنسان، ومدى ما ينتظر مرتكبها من عقوبة دنيوية إذ ينفر منهم ذوو الطباع السليمة؛ ومدى ما يستحقونه من عقاب أخروي بسبب استبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير.

الإســـراء رؤيا

وفيما يتعلق بالإسراء.. فقد سماه القرآن المجيد في نفس سورة الإسراء (الرؤيا) حيث قال: 

{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} (الإسراء:61)
وإذا ادعى بعض المفسرين أن (رؤيا) تعني أيضا رؤية العين فان القرآن المجيد استعملها بمعنى الكشف في مواضع عدة: 

{لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} (يوسف:6)

{وَقَالَ يَآ أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} (يوسف:101) 

{وَنَادَيْنَاهُ أَن يَآ إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} (الصافات:105)

وجاء في لسان العرب وأقرب الموارد: الرؤيا ما رأيته في منامك. وفي مجمع البحار: الرؤيا ما رأيته في المنام. وقد ذهب بعض الصحابة رضى الله عنهم وعلماء الحديث إلى أن الإسراء كان كشفا ورؤيا فقط لا رؤية عين. وقد رَوَى ابن إسحاق وابن جرير عن معاوية إذ سُئِلَ عن مسرَى رسول الله (صل الله عليه وسلم) قال: (كانت رؤيا من الله صادقة) (المنثور ج 4).

ورَوَى ابن إسحاق قال: حدثني بعض آل أبي بكر أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: (ما فُقد جسد رسول الله (صل الله عليه وسلم) ولكن الله أسرَى بروحه) (التفسير الكبير).

أما كون هذه الرؤيا فتنة فقال ابن إسحاق: قال الحسن: وأنزل الله تعالى فيمن ارتد عن إسلامه لذلك - أي الإسراء:

{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} (سيرة ابن هشام ج 1).

ويقول البعض: لو كان الإسراء روحيا لما اعترض كفار قريش الذين حكى لهم الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟ ولكن فات هؤلاء الظروفُ التي حكى فيها المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وطبيعةُ الكشف. إن ما رآه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) كما ذكرنا من قبل ليس من قبيل الرؤيا المنامية التي يراها النائم.. وما كان له ليحكي ما يراه في منامه، وإنما ما رآه النبي (صل الله عليه وسلم) كان كشفا رآه وهو كامل الحواس.. لأنه وحي إلهي.. فهو أقوى في حقيقته مما يقع لغيره من الناس. كل ما في الأمر أنه لا تصحبه حركة مادية؛ وأن مشاهده رمزية تستلزم التعبير والتأويل.

ثم إن أم هاني رضي الله عنها.. وهي المرأة المؤمنة الحصيفة.. فهمت ما قاله الرسول (صل الله عليه وسلم)؛ ولم تجد فيه ما يدهشها. لكنها كانت تعرف عقلية كفار مكة وتلمُّسهم الأسباب للتهكم والسخرية، لذلك لما عزم على الخروج أمسكت بردائه، وقالت له تحذره من أن يحكي لهم رؤياه، لأنهم لن يدركوا مغزَى ما رأى، وسيتخذونه مادة للاستهزاء: “يا نبي الله! لا تحدث الناس -أي الكفار المعارضين، بهذا الحديث فيكذبوك ويؤذوك قال: والله لأحدثنهم”. 

وبينما المصطفى (صل الله عليه وسلم) عند الكعبة.. يمر به عدو الله أبو جهل فيسأله في سخرية هل من نبأ جديد؟

والآن لنتسائل فيما بيننا.. ما هي الأنباء التي كان يرويها الرسول (صل الله عليه وسلم) للناس ويتوقع سماعه أبو جهل؟! كانت أنباء الأمم السابقة وما حل بهم من عقاب إذا خالفوا أنبياءهم، وأنباء مستقبل الإسلام الباهر وما يحيق بأعدائه من عقاب.

وها هو الرسول (صلى الله عليه وسلم) يروي لهذا الساخر المستهزئ ما أراه له الله تعالى.. بلهجة الواثق مما رأى.. المطمئِن لوعد الله تعالى.. يروي بأسلوب من يحكي الأمر الواقع.. وحي الله تعالى: فقال (صلى الله عليه وسلم): نعم، أسريَ بي الليلة.. ولم يدعه عدو الله يكمل حديثه؛ بل أسرع يدعو الناس ليكونوا شهودا معه ويشتركوا معه في السخرية والتكذيب من أصدق البشر (صلى الله عليه وسلم) ولكنه لم يكن حلما، ولو قال ذلك -حاشا له أن يتهرب من الحق- لزادت سخريتهم وتمادوا في تهكمهم. إنه (صل الله عليه وسلم) يحكي ما رآه حقيقة وصدقا.. وهم لا يدركون تجربة الرؤيا التي يريها الله لعباده.. ويكشف لهم فيها كثيرا من عجائب آياته.

فلا بد وأن يروي لهم الكشف الذي رآه.. وليكذبه من يكذب.. فهذا دأبهم يكذبونه منذ أن قال لهم إنه رسول أمين من رب العالمين.. وليرتد ذوو الإيمان الضعيف الذين جمعوا بين الوهن وسوء الإدراك. أما المؤمنون.. من أمثال الصديق ومن على شاكلته وما أقلهم.. فقد أدركوا وصدقوا واطمأنوا إلى ما تحمله رؤيا رسولهم الكريم من خير عظيم.. تحقق بعد شهور قليلة.. وما انفك يتحقق حتى يومنا هذا.

نعم يا رسول الله، ما كان لك أن تخاف دهشة أبي جهل وأضرابه، فتجعل من الكشف الصادق والرؤيا الحقة حلما يراه النائمون منهم.. ولكنك رويت.. وكان حقا أنك رأيت.. وكان حقا تأويل ما رأيت.. ولقد أسرعت السماء لتكمل لك صدق رؤياك.. وتكرر لك مشهدا لم تركز عليه انتباهك.. وأنت منهمك في صلاتك ولقاء إخوانك.. فمن ينظر إلى الجدران ويذكرها وأمامه هذه المتعة الروحية العظمى.. 

نعم أسرعت السماء لتكشف لك ما سبق أن كشفته لك منذ ساعات قلائل.. ولتنبه أولئك الذين يظنون أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد ذهب بجسمه ورأى بعين بدنه بيت المقدس.. ثم تختلط عليه الصور المادية بعد فترة وجيزة لأمر بعيد الاحتمال. هذا، وإنّ طَلَبَ المعارضين من المصطفى (صلى الله عليه وسلم) أن يصف لهم بيت المقدس لأمر يدل على الغباء.. لأن الرحلة تمت في الليل.. ولا يتوقع من زائر الليل لفترة قصيرة أن يلاحظ مثل هذه الأمور.. فكان وصفه لها دليلاً آخر على أن ما رآه كان في حالة الكشف الصادق.. سواء فيما رآه النبي (صل الله عليه وسلم) ليلا؛ أو رآه أثناء حكايته لأحداث الرحلة.

كما أن وصف رسول الله (صل الله عليه وسلم) لِمَا شاهده من القافلة والعير ليس من الأمور التي يراها الإنسان ليلا وهو يمضى بسرعة البرق.. ولكن هذه التفاصيل الدقيقة تدل على أنه رآها فعلا في عالم الكشف.. وأن ما سمعه أصحاب البعير الضال، أو أصحاب الماء المشروب، هو أيضا على سبيل الكشف وإن لم يدركوه.

وجدير بالملاحظة أن جبريل لم يمنع الرسول (صلى الله عليه وسلم) من شرب مائهم مع أنه أخبره أنه لو شرب الماء لغرق وغرقت أمته، كما أن المصطفى (صل الله عليه وسلم) ما كان ليشرب من ماء أو يكشف إناء دون أن يستأذن من أصحابه.

ولقد جاء قدرٌ من كشف الإسراء من القسم الذي تُرى فيه الأمور كما هي في دنيا الواقع.. وهو ما رواه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) من مروره بعير بأحد الوديان ودلهم على جمل ضل، ومثل هذا القدر لا يحتاج إلى تأويل، وقد جعله الله تعالى برهانا فوريا على صدق رؤيا المصطفى (صل الله عليه وسلم) .

أنباء في هذا الكشف

أما المقصد الرئيسي من هذا الكشف والغرض منه فأمر عظيم. فقد أراد الله تعالى أن يخبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) ويريه المخرج القريب من تكذيب قريش ومعارضتها وتعذيبها لأتباعه من المؤمنين.. وذلك بهجرته (صل الله عليه وسلم) إلى المدينة المنورة؛ وما يتعلق بهذا الانتقال من ظفر وانتصار للإسلام.

والمراد من رؤية بيت المقدس هو المسجد النبوي الشريف الذي بناه في المدينة المنورة.. التي بارك الله فيها وما حولها، وأعطاها من المجد والسلطان والعلو في الدنيا والآخرة أكثر من بيت المقدس، ولقد رفع مسجده فيها على كل مساجد الأرض غير المسجد الحرام.
أما لقاؤه الأنبياء وصلاتهم جميعا خلفه فتعبيره أن شريعته ودينه ينسخان كل ما سبق من شرائع الأنبياء؛ وأنه سيكون رسولا وهاديا ومبشرا ونذيرا لكل أمم الدنيا؛ وفيه إشارة إلى أن دعوته تنتشر في أطراف الأرض من أقصاها؛ وأن هجرته إلى مهجره ستكون سببا ومفتاحا لذلك. وفيه النبأ بأنه (صل الله عليه وسلم) سيملك بيت المقدس وسيكون سيد ملوكها وعلمائها وأهلها أجمعين..

ولو اطلعنا على ما كتبه صاحب "تعطير الأنام" لوجدنا أن تأويل كشف الإسراء يتفق وما ذكرناه، فقد ورد فيه: (تدل رؤية كل مسجد على جهته والتوجه إليها كالمسجد الأقصى والمسجد الحرام ومسجد دمشق ومسجد مصر وما شاكل ذلك. وربما دلت على علماء جهاتهم أو ملوكهم أو نواب ملوكهم).

أنباء تحققت بالهجرة

ومن المناسب أن نطبق هذا التعبير في واقعة الهجرة ونتائجها على الآيات والواقعات:
لقد بدأ الله تعالى قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى}. وقوله {سُبْحَانَ} يُبيّن أن الإسراء ليس إلا رؤيا تتضمن نبأ عن أمر يكون في المستقبل ويظهر سبوحية الله عز وجل. وطبعا لا تثبت سبوحية الله بمجرد إسراء الرسول (صل الله عليه وسلم) إلى بيت المقدس، ولكنها تتجلى في الهجرة بصورة أعلى وأجلى.. إذ يتم هذا النبأ بواقعة الهجرة وكونها مدعاة لإتمام الأنباء القرآنية الأخرى، من جهاد وقتال وفوز ونجاح للإسلام، ودخول الناس في دين الله، وقيام حكومة ودولة إسلامية، وتأسيس مدنية دينية، واكتساح للشرك من جزيرة العرب.. فحصول كل هذه الأمور يدل على كون الله تعالى (سبوحا). وليس ثمة عاقل يداخله شك في أن أساس الفتوحات الإسلامية كلها هو الهجرة النبوية الكريمة.

أننا لو أمعنا النظر فيما جرَى ليلة الهجرة لتبين لنا أن الله حقا سبوح منزه من كل نقص وعيب؛ ينصر عباده المخلصين. فرغم ما دبره المشركون لقتله (صلى الله عليه وسلم) من حصار لبيته؛ فلقد نبه الله تعالى رسوله إلى الخطر المحدق به، وسهل له الطريق دون معرفة أعدائه، وأعمى عيونهم عنه، بل وحمَى عليًّا رضي الله عنه إذ عرَّض نفسه لخطر القتل لأيام في فراش النبي (صلى الله عليه وسلم) من أجل محبتة له. ولقد غشَّى الله أبصارهم عندما وصلوا إلى الغار، فلم يتمكنوا من رؤية الرسول (صل الله عليه وسلم) وصاحبه، مع أنهما كانا على قيد شبر منهم. أليست هذه من آيات الله الكبرى؟ أليس الله الذي أجرَى ذلك كله سبوحا؟ أليس لسان حالنا دائما يقول: سبحان الله رب العالمين!

أما قوله (ليلا) فمن المعروف أن المصطفى هاجر ليلا من مكة إلى المدينة، لقد كان جبريل مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في الإسراء، وكذلك كان أبو بكر رضي الله عنه مع المصطفى في هجرته، وهذا إشارة إلى رفعة شأن أبي بكر عند الله تعالى إذ أقامه مقام جبريل (عليه السلام) .. كصاحب ومعين للرسول (صل الله عليه وسلم) .

وما يجب ذكره أن موسى (عليه السلام) في رؤياه تلقى وحيا يشبه ما قاله الله تعالى عن إسراء الرسول (صل الله عليه وسلم) فقد قيل: 

{ فَلَمَا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن في النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (النمل:9)

وقيل في الإسراء: 

{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} 

فكما بارك الله لموسى في الأرض التي ستكون فيها شريعته، بارك لمحمد (صل الله عليه وسلم) في الأرض التي تقوم فيها شريعته.. وكلا الأمرين مصداق لسبوحية الله تعالى.
فبيت المقدس كان مركزا وسببا لتأسيس حكومة إسرائيل وقيام الشريعة الإسرائيلية، كذلك كانت المدينة المنورة والمسجد النبوي مركز الحكومة المحمدية ومهبط الشريعة الإسلامية التي أقامت دولة بني إسماعيل في العالم؛ لذلك نعتها الله.. أي المدينة المنورة.. بالمسجد الأقصى من حيث القدسية والبركة.

ولقد تم النبأ الإلهي {بَارَكْنَا حَوْلَهُ} في حق المسجد النبوي والمدينة المنورة، إذ أن الله باركها. فقد بارك المدينة المنورة وما حولها، وجعلها حرما بفضل دعاء نبيها (صل الله عليه وسلم) إذ قال: (إن إبراهيم حرَّم مكة ودعا لأهلها، وإني حرَّمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا إبراهيم لمكة). صحيح مسلم.

ثم قال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا) صحيح البخاري. وقال: (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة). صحيح البخاري.. وقال عن مسجده: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) (صحيح البخاري). وقال أيضا: (أنا آخر الأنبياء ومسجدي آخر المساجد -أي أفضلها-) (صحيح البخاري. وهكذا بارك الله في المسجد النبوي ومدينته كما بارك بيت المقدس في زمن بني إسرائيل، بل إنه بارك في المدينة المنورة عاصمة للإمبراطورية الإسلامية فكان الإسلام دائما آخذا في الرقي والانتشار.
ولكن لما غير الخلفاء المسلمون عاصمة الإسلام توقف رقي الإسلام وبدأ في الضعف والاختلال، وظهرت الاختلافات الذاتية والحروب الداخلية ولم تنته حتى يومنا هذا.
ومن مظاهر البركة التي نزلت بالمدينة بهجرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) إليها ما رَوته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (كان وباء الحمَّى بالمدينة قبل قدوم النبي (صلى الله عليه وسلم)- قيل في كتب اللغة أن المدينة كانت تسمى يثرب ومعناه البكاء والصراخ لكثرة بكاء أهلها على موتاهم من مرض الحمى - فلما قدم (صل الله عليه وسلم) إليها زال وباء الحمى بدعائه فسماها المدينة المنورة).

وأما قوله {لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا} فكما سبق أن أشرنا من كثرة الآيات والمعجزات الباهرات والغزوات القاهرة للشرك وأهله التي وقعت بعد الهجرة.. وظهور الإسلام على أعدائه وإعلاء كلمته في جزيرة العرب وغيرها.. أكبر آية من آيات ربه (صل الله عليه وسلم) ودونها الآيات الأخرى.

ولقد كشف الله كل هذه الآيات باختصار وجمال على طريق المثال في كشف الإسراء.. ولكنه ذكر أن وقوعها في عالم الحقيقة والواقع سوف يتم في المستقبل بالتفصيل والوضوح الذي رآه في الكشف، وسيكون ذلك بطريقة تدفع الدنيا إلى الأقرار بأن الله تعالى (سبوح).. وتحقق له {لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا} ولن يعمَى عن هذه الآيات إلا المعاند أو المتعصب.

والقسم الأخير من آية الإسراء {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} أيضا يؤيد رأينا لأن مشاهدة بيت المقدس وحده في اليقظة أو في المنام أو في الكشف، لا يدل على كونه تعالى سميعا بصيرا، وهذا يوجب الاعتراض على أن القرآن يأتي بألفاظ في غير محلها.. ولكن هجرة الرسول (صل الله عليه وسلم) لهي الدليل الأكبر على أنه تعالى هو السميع البصير.

لقد سمع دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم) وتضرعاته هو وأصحابه لخلاصهم من كيد الكفار وظلمهم، ولإعلاء كلمة الله وانتشار الإسلام.. ففتح لذلك باب الهجرة، وجعلها أساسا وأكبر ذريعة لنشر رسالة التوحيد والحضارة الإسلامية، وسمع أيضا دعاء أبيه إبراهيم (صل الله عليه وسلم) من قبل إذ قال: 

{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} (البقرة:129) 

إن الهجرة هي التي يسرت للرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يتلو على أتباعه آيات الله تعالى، ويزكي المؤمنين، ويعلمهم الكتاب والحكمة بحرية تامة. وهو -جل وعلا- بصير لأنه حمَى الإسلام والنبي (صل الله عليه وسلم) والمسلمين.. في المدينة وفي كل المواقع.. وحفظهم من مكائد الكفار في كل موطن، وهو حافظ ومازال حافظا للإسلام والقرآن. وكل هذا هو الدليل على أنه بصير يحيط بصره بكل شيء. فليعلم الذين لا يؤمنون بالحق حتى وبعد ظهور الآيات الكبرى، وليعلم المنافقون والضعفاء في الإيمان بأنه سوف يجازيهم حسب آثامهم ويحاسبهم حسابا شديدا.

والمسجد الأقصَى يشير أيضا إلى بيت المقدس نفسها، وتأويل ذهاب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) إلى هناك يحمل نبأ غيبيا بأنه (صل الله عليه وسلم) سيملك تلك البلاد، وسوف تكون من مراكز الإسلام الهامة.

ولقد تحقق هذا النبأ بعد سنوات معدودة.. وعلى يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل الإسلام بيت المقدس ومكث في أيديهم ثلاثة عشر قرنا. ورغم أنها ذهبت اليوم إلى أيدي النصارى واليهود.. إلا أن ذلك قد تم حسب نبأ أنبأه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) .. ولسوف تعود هذه البلاد المقدسة إلى أيدي المسلمين، إن عاجلا أو آجلا حسب نبوءته (صل الله عليه وسلم) .

وإذا أخذنا بتعبير رؤية المسجد، وهو علماء البلاد التي بها المسجد، فقد تحقق ذلك أيضا لأن بيت المقدس كانت مركزا عظيما لعلماء المسلمين ومحققيه. خرج منها الكثيرون من مشاهير الإسلام ومحدثيه.

هذا وإن إسراء الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى المسجد الأقصى يشير أيضا إلى أنه عندما تضعف شوكة الإسلام، وتغطي الأرض ظلمة الهجران لكتاب الله ودينه وشرعه، وعندما يلقي المسلمون بأنفسهم تحت سيطرة الغرب الصليبي.. تسري بركات المصطفى (صل الله عليه وسلم) إلى رجل من أمته.. هناك في أقصى بلاد الإسلام، ليكون مسجده مركزا لبركات العلم المحمدي، ومنارة لإشاعة الإسلام الصحيح، فينير العالم بفيوض الإسلام والقرآن، ليفيق المسلمون من غفلتهم ويرجعوا إلى الدين الصحيح، ويحوزوا نفس البركات والأنوار والمجد والحياة التي أعطيت لأتباع أنبياء بني إسرائيل؛ والتي أعطيت للمهاجرين والأنصار. وهناك يتحقق قول الله تعالى:
{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتُلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الجمعة:3)

وسوف تبدو عزة الله تعالى وحكمته في إحياء الإسلام وتجديده ببركة محمد صل الله عليه وسلم في بعثته الثانية وعلى يد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي   الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Emptyالأحد 25 مايو 2014, 1:00 pm

سيرة
الرسول صل الله عليه وسلم
للأطفال


 

[rtl]الإسراء والمعراج[/rtl]


الإسراء والمعراج :


المراد بالإسراء توجه النبي الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Pbuh ليلاً من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ، والمراد بالمعراج صعوده الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Pbuh إلى العالم العلوي ، وكان ذلك بجسده الشريف وروحه الأطهر .


والإسراء مذكور في القرآن في قوله – تعالى  : } سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ  { . [17:1]


أما المعراج فقيل : هو مذكور في سورة النجم من آياتها السابعة إلى الثامنة عشرة . وقيل :المذكور في هذه الآيات غير المعراج .


واختلف في وقت الإسراء والمعراج ، فقيل : هو السنة التي بعث فيها النبي الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Pbuh وقيل : سنة خمس من النبوة . وقيل : في 27 رجب سنة عشر من النبوة .


وقيل : في 17 رمضان سنة اثنتي عشرة من النبوة . وقيل : في المحرم ، وقيل : في 17 ربيع الأول سنة 13 من النبوة .


أما تفصيل القصة فملخص الروايات الصحيحة : أن جبريل – عليه السلام – جاء بالبراق – وهو دابة فوق الحمار ، ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه – والنبي الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Pbuh بالمسجد الحرام ، فركبه حتى أتى بيت المقدس ومعه جبريل ، فربطه بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ، ثم دخل المسجد ، فصلى فيه ركعتين . أم فيهما الأنبياء . ثم أتاه جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن . فاختار اللبن ، فقال جبريل : أصبت الفطرة ، هديت وهديت أمتك . أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك .


ثم عرج به من بيت المقدس إلى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبريل ففتح له ، فرأى هنالك آدم أبا البشر فسلم عليه ، فرد عليه السلام ، ورحب به ، وأقر بنبوته ، وعن يمينه أسودة إذا نظر إليهم ضحك – وهي أرواح السعداء – وعن يساره أسودة إذا نظر إليهم بكى . وهي أرواح الأشقياء .


ثم عرج على السماء الثانية فاستفتح له جبريل ففتح . فرأى فيها أبني الخالة يحيى بن زكريا ، وعيسى ابن مريم – عليهما السلام – فسلم عليهما ، فردا عليه ورحبا به وأقرا بنبوته .


ثم عرج إلى السماء الثالثة ، فرأى فيها يوسف عليه السلام . وكان قد أعطى شطر الحسن . فسلم عليه ، فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنبوته .


ثم عرج به إلى السماء الرابعة فرأى فيها إدريس – عليه السلام – فسلم عليه ، فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنوبته .


ثم عرج به إلى السماء الخامسة فرأى فيها هارون بن عمران – عليه السلام – فسلم عليه فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنبوته .


ثم عرج به إلى السماء السادسة فلقي فيها موسى بن عمران – عليه السلام – فسلم عليه – فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنبوته . فلما جاوزه بكى . فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : أبكي لأن غلاماً بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي .


ثم عرج به إلى السماء السابعة فلقي فيها إبراهيم – عليه السلام – فسلم عليه ، فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنبوته . وكان مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ، وهو بيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه .


ثم رفع إلى سدرة المنتهى ، فإذا أوراقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال – أي الجرار الكبيرة – ثم غشيها فراش من ذهب ، وغشيها من أمر الله ما غشيها ، فتغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها .


ثم عرج به إلى الجبار – جل جلاله  ، فدنا منه ، حتى كان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى . وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في كل يوم وليلة . فرجع حتى مر على موسى فقال : بم أمرك ربك ؟ قال : بخمسين صلاة ، قال : أمتك لا تطيق ذلك ، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فالتفت إلى جبريل . فأشار أن نعم إن شئت . فرجع فوضع عنه عشراً . ثم مر بموسى فسأله فأخبره فأشار عليه بسؤال التخفيف . فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله – عز وجل – حتى جعلها خمساً . ثم مر بموسى فأشار بالرجوع وسؤال التخفيف . وقال : الله لقد راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه ، فقال  الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Pbuh  : قد استحييت من ربي ، ولكني أرضى وأسلم . فلما بعد نودي أن قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ، هي خمس وهن خمسون ، لا يبدل القول لدي .


ثم رجع عليه السلام من ليلته إلى مكة المكرمة ، فلما أصبح في قومه أخبرهم بما أراه الله – عز وجل – من آياته الكبرى ، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه ، فمنهم من صفق . ومنهم من وضع يده على رأسه تعجباً وإنكاراً . وسعى رجال إلى أبي بكر الصديق ، وأخبروه الخبر . فقال : إن كان قال ذلك فقد صدق . قالوا : أتصدقه على ذلك ؟ قال : إني لأصدقه على أبعد من ذلك . أصدقه على خبر السماء في غدوة أو روحة ، فسمي الصديق .


وقام الكفار يمتحنونه فسألوه أن يصف لهم بيت المقدس . ولم يكن رآه قبل ذلك . فجلاه الله له حتى عاينه ، فطفق يخبرهم عن آياته ، يصفه لهم باباً باباً وموضعاً موضعاً ، فلم يستطيعوا أن يردوا عليه ، بل قالوا : أما النعت فو الله لقد أصاب .


وسألوه عن عير لهم قادمة من الشام . فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها ووقت قدومها ، وعن البعير الذي يقدمها ، وكان الأمر كما قال ، ولكن أبى الظالمون إلا كفورا .


وصبيحة يوم الإسراء جاء جبريل وعلم رسول الله الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Pbuh كيفية الصلوات الخمس وأوقاتها ، وكانت الصلاة قبل ذلك ركعتين في الصباح . وركعتين في السماء .


 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69420
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي   الدكتور - :ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي Emptyالأحد 25 مايو 2014, 1:07 pm

بــحـــثــــ حــــــولـــــــ الاسراء والمعراج

الاسراء والمعراج




المقدمة 
الحمد لله الذي لم يزل ولا يزال وهو الكبير المتعال – خالق الأعيان والآثار – ومكور النهار على الليل والليل على النهار – العالم بالخفيات – وما تنطوي عليه الأرضون والسموات – سواء عنده الجهر والإسراء – ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار – ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير . 
خلق الخلق بقدرته – وأحكمهم بعلمه – وخصهم بمشيئته – ودبرهم بحكمته – لم يكن له في خلقه معين – ولا في تدبيره مشير ولا ظهير – وكيف يستعين من لم يزل بمن لم يكن – ويستظهر من تقدس عن الذل بمن دخل تحت ذيل التكوين . 
ثم كلفهم معرفته – وجعل علم العالمين بعجزهم عن إدراكه إدراكا لهم – ومعرفة بتقصيرهم عن شكره شكرا لهم – كما جعل إقرار المقرين بوقوف عقولهم عن الإحاطة بحقيقته إيمانا لهم . 
لا تلزمه لم ولا يجاوره أين – ولا تلاصقه حيث – ولا تحله ما – ولا تعده كم – ولا تحصره متى – ولا تحيط به كيف – ولا يناله أين – ولا تظله فوق – ولا تقله تحت – ولا يقابله جزء – ولا تزاحمه عند – ولا يأخذه خلف – ولا يحده أمام – ولا تظهره قبل – ولا تفته بعد – ولم تجمعه كل – ولم توجده كان – ولم تفقده ليس . 
وصفه لا صفة له – وكونه لا أمد له – ولا تخالطه الأشكال والصور – ولا تغيره الآثار والغير – ولا تجوز عليه الحماسة والمقارنة – وتسجيل عليه المحاذاة والمقابلة – وإن قلت : لم كان ؟ فقد سبق العلل ذاته – ومن كان معلوما كان له غيره علة تساويه في الوجود – وهو قبل جميع الأعيان – بل لا علة لأفعاله – فقدرة الله في الأشياء بلا مزاج – وصنعه للأشياء بلا علاج – وعلة كل شئ صنعه - ولا علة لصنعه . 
وإن قلت : أين هو ؟ فقد سبق المكان وجوده – فمن أين الأين – لم يفتقر وجوده إلى أين – هو بعد خلق المكان غني بنفسه كما كان قبل خلق المكان – وكيف يحل في ما منه بدا – أو يعود إليه ما أنشأ . 
سبحانه من إله قادر مقتدر مقدر ، خلق الأشياء فقدرها تقديرا ، لا يقدر غيره على تغيير ما قدر . 
سبحانه من إله خلق المعجزات ليدل على قدرته ، وضعف غيره ، وإبراز من أراد إبرازه ، وإظهار من أراد إظهاره ، سبحانه من رب تنزه عن العجز والتقصير والضعف والغفلة والسنة والنوم ، له ما في السموات وما في الأرض ، سبحانه إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون . 
سبحانه أراد عبده محمد  أن يعرج إليه فعرج . 
سبحانه أراد أن يسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فسري ، ورأي من آيات ربه ما رأي ، فما زاغ البصر وما طغي . 
سبحانه هيأ لعبده الخافقين ، وجعل في خدمته الثقلين ، وجند لشخصه الدارين ، فالسموات والأرضون كانت أثناء رحلته الميمونة تحت إمرته بقدرة ربه وعزته وجلاله ، فما أعظمك يا رب ، وما أكرمك يا رب ، وما أكبر ملكك ، وأوسع آياتك . لك الحمد كله ولك الثناء كله ، ولك الأمر كله ، وصل الله على نبيك وخير خلقك وخاتم رسلك ، رحمتك المهدة ، ونفحتك المسداة محمد بن عبد الله  .
وبعد : فلقد كانت حادثة الإسراء والمعراج بمثابة منعطف خطير في تاريخ الدعوة الإسلامية ، لما حملته من شحذ لهمة الرسول الكريم  ، وتجديد لعزيمته ، وذلك بعد أن تحجرت قلوب أهل مكة ، فأعرضوا عن قبول الحق . 


المراد بالإسراء والمعراج 


يقول محمد الغزالي : 
يقصد بالإسراء : الرحلة العجيبة التي بدأت من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس . 
ويقصد بالمعراج ما عقب هذه الرحلة من ارتفاع في طباق السموات حتى الوصول إلى مستوي تنقطع عنده علوم الخلائق ، ولا يعرف كنهه أحد ، ثم الأوبة – بعد ذلك – إلى المسجد الحرام بمكة . 
وقد أشار القرآن الكريم إلى كلتا الرحلتين في سورتين مختلفتين ، وذكر قصة افسراء وحكمته بقوله : 
( سبحن الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي بركنا حوله لنريه من ايتنا إنه هو السميع البصير ) 
وذكر قصة المعراج وثمرته بقوله : 
( ولقد رءاه نزله أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشي السدرة ما يغشي ما زاغ البصر وما طغي لقد رأي من ءايت ربه الكبري ) 
فتعليل الإسراء – كما نصت الآية – أن الله يريد أن يري عبده بعض آياته . 
ثم أوضحت آيات المعراج أن الرسول عليه الصلاة والسلام شهد – بالفعل – بعض هذه الآيات الكبري . 




خلاصة قصة الإسراء والمعراج 
كان  مضطجعا فأتاه جبريل فأخرجه من المسجد ، فأركبه البراق ، فأتي بيت المقدس هناك ، واجتمع بالأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – وصلى بهم إماما ، ثم عرج به إلى السموات ، فاستفتحها جبريل واحدة فواحدة ، فرأي محمد  من آيات ربه الكبرى ما رأى 
وهكذا صعد في سماء بعد سماء ، إلى سدرة المنتهي ، فغشيها من أمر الله ما غشيها ، فرأي  مظهر الجمال الأزلي ، ثم زج به في النور ، فأوحي الله إليه ما أوحى ، وكلفه هو أمته بالصلاة في ذلك المكان المقدس ، فكانت الصلاة هي العبادة الوحيدة التي أوحاها الله بنفسه بلا واسطة . 
تلك خلاصة خالصة . أما وشيها وطرازها ، فباب عجيب من الرموز الفلسفية العميقة ، التي لا يقف عليها إلا كل من صفت نفسه ، وزكت روحه . 
أورد ابن كثير تلخيصا دقيقا لما أفادته آيات الكتاب العزيز ، وأحاديث النبي الكريم  بعيدا عن الأقوال المختلفة ، والأراء المتعددة ، فقال : 
والحق أنه عليه الصلاة والسلام ، أسري به يقظة لا مناما من مكة إلى بيت المقدس راكبا البراق ، فلما انتهي إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله ، فصلي في قبلته تحية المسجد ركتين ، ثم أتي بالمعراج ، وهو كالسلم ذو درج ، يرقي فيها ، فصعد فيه إلى السماء الدنيا ، ثم إلى بقية السموات السبع ، فتلقاه من كل سماء مقربوها ، وسلم على الأنبياء الذين في السموات بحسب منازلهم ودرجاتهم ، حتى انتهي إلى مستوي يسمع فيه صريف الأقلام ، أي : أقلام القدر بما هو كائن . 
ورأي سدرة المنتهي ،وغشيها من أمر الله تعالي عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة ، وغشيتها الملائكة . 
ورأي هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح ، ورأي رفرفا أخضر قد سد الأفق . 
ورأي البيت المعمور ، وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه ، والكعبة السماوية ، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ، يتعبدون فيه ثم لا يعودون إلى يوم القيامة ، ورأي الجنة والنار ، وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين ، ثم خففها إلى خمس ، رحمة منه ولطفا بعباده ، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها . 
ثم هبط إلى بيت المقدس ، وهبط معه الأنبياء ، فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة . ويحتمل أنها الصبح من يومئذ . ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء ، والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس ، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه . والظاهر أنه بعد رجوعه إليه ، لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدا واحدا ، وهو يخبره بهم ، وهذا هو اللائق ، لأنه كان أولا مطلوبا إلى الجانب العلوي ، ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالي ، ثم لما فرغ من الذي أريد به ، اجتمع هو وإخوانه من النبيين ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإقامة ، كذلك عن إشارة جبريل عليه السلام له في ذلك . 
ثم خرج من بيت المقدس ، فركب البراق ، وعاد إلى مكة بغلس ، والله سبحانه وتعالي أعلم 
وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل ، أو اللبن والخمر ، أو اللبن والماء ، أو الجميع فقد ورد أنه في بيت المقدس ، وجاء أنه في السماء ، ويحتمل أنه ههنا وههنا ، لأنه كالضيافة للقادم ، والله أعلم . 




الدروس المستفادة من الإسراء والمعراج 


يقول الدكتور أحمد شلبي : 
من الدروس المهمة المتصلة بالإسراء والمعراج : أن الله – سبحانه وتعالي – أتاح للرسول – عليه الصلاة والسلام – بها فرصة أن يري العوالم الكبرى ، فصغرت بذلك مكة في نفسه ، وما بها من عتاد ورجال ، وماذا تكون مكة ومن بها بالقياس إلى هذا العالم الفسيح ؟ وإلى صاحب القوة الجبارة التي صنعت معجزة الإسراء والمعراج ؟ 
ومن الدروس كذلك : وضع المسلمين قبل الهجرة في بوتقة اختبار لتنقيتهم من المترددين قبل أن يبدأ الشوط التالي ، الذي سيكون حافلا بالجهاد والتضحية بالمال والأهل والوطن بعد الهجرة إلى المدينة . 
ويقول الأستاذ ناصر محمد عطية : 
هذه الرحلة كانت درسا تربويا نفسيا لا بد منه لمحمد  حتى يواجه أعباء الرسالة ، ويتحمل مسؤلياتها ويرفع رايتها ، ويقف كالجبل الأشم لا يتزعزع ، ولا يتزلزل أمام هذه العواصف والمؤامرات 
ويقول الشيخ على فريج حسنين : 
وأنت تقرأ فواتح سورة الإسراء فلا تفرغ من الآية الأولي بمفردها حتى تقع في قصة موسى والتوراة وبني اسرائيل ، وكانت النفس تميل إلى تفصيل ما شاهده الرسول – عليه السلام – في رحلة العجائب التي مثلت له من هيئات الصالحين وأحوالهم ، ومن أحوال العاصين وما أعد لهم ، كما روته الأخبار الصحيحة ، ولكن القرآن أجمل تلك الآيات على عظمتها إجمالا ، وخلص سريعا إلى بيان الأهم . 
هذا الأهم هو : رسم الطريق وتوضيح الخطة ، والتحذير من المخالفة ، وبيان العاقبة ، وتحديد العقوبة ، فإن الشأن في الحقيقة أعظم من هذا القصص ، لأنه الدين كله ، وملك الإسلام أبد الدهر ، من محمد  إلى يوم القيامة ، وهذا كله ينطوي تحت الآيات التالية للآية السابقة ، ونستمع إلى ما يقول القرآن ( وءاتينا موسى الكتب ) 
وإنه وإن كانت القصة تحكي حال بني إسرائيل ، ولكنها في الحقيقة تستهدفها وتعنينا ، وهي تقصد إلى أن تقول لنا – نحن المسلمين – إنكم خلفتم بني إسرائيل في الدين والملك ، وقد كان القوم على دين فضلهم الله به على العالمين ، وكانوا على ملك بلغ من شأنه في عهد سليمان بن داود – عليهما السلام – ( أنه لا ينبغي لأحد من بعده ) وقد شدد الله ملكهم ، وبقي محافظا على عهده معهم ورعايته إياهم ما حفظوا هم عهده ، ووفوا بميثاقه ، واستقاموا على طريقته . 
فلما بدا لهم أن يضلوا السبيل ، ويخالفوا أمره ، ويخونوا أمانته بإهمال شريعته ، ونبذ الدين واتباع الشهوات ، والإفساد في الأرض ، رفع الله عنهم حمايته ، وسلبهم عنايته ، ووكلهم إلى أنفسهم الطاغية الباغية ، فداستهم الأمم ، وقهرتهم الدول ، وبعث الله عليهم المرة بعد المرة عبادا له أولي بأس شديد من البابليين والمصريين والفرس والروم ، فلم يزالوا بهم حتى أتوا على بنيانهم من القواعد ، فقوضوا دولتهم ، ونكسوا أعلامهم ، ومزقوهم شر ممزق ، وشردوهم في الأرض لا وطن لهم مدى الحياة . 
فحاذروا أيها المسلمين أن تكونوا مثلهم ، فتستنوا في الأمر سنتهم ، وتسيروا سيرتهم ، فإنكم إن فعلتم ذلك جرت عليكم سنة الله بما جرت عليهم ، وإنها سنة ماضية بحقها ، قاهرة بعدلها ، لا تحابى خليلا ، ولا تظلم فتيلا ، ولا يجد لها أحد من دون الله تحويلا ولا تبديلا ، وبهذا تلوح لنا الحكمة من الإسراء ، حيث جمع الله لرسوله العظيم في ليلة العيد – عيد التشريفة الكبري – جميع الأنبياء والمرسلين في حفل استقبال عام ، حيث أسلموا له الزمام ، وقام فيهم مقام الإمام في المسجد الأقصى المبارك ، وتحقق ميثاق الله المأخوذ على النبيين من أول الخليقة ، بالإيمان بالرسالة ورسولها الخاتم ، وهو ما جاء من سورة آل عمران في قوله تعالي : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ... ) 
وتم الاحتفال بختم النبوة والرسالة في الأرض ، وتولية خاتم الرسل والأنبياء محمد  إمامة الدين وسلطانه تحت رعاية القرآن ، وجمع التراث الدين كله إلى هذه الحوزة وتحت هذه الراية إلى يوم القيامة ، وإعلان ذلك في الأرض والسماء ، على ملأ من الملائكة والرسل والأنبياء ، وإيذان بنقل الأمر من بيت إسرائيل إلى بيت إسماعيل ، ولولا أن القصد هو هذه المبايعة التي ضمت تراث إلى حوزته وجمعت كلمتهم تحت رايته ، لما تجلت لنا في هذا الوضوح حكمة الإسراء إلى المسجد الأقصى ، ولكان عروجه من المسجد الحرام بمكة أقرب وأولى . 


ويقول الأستاذ أحمد زين : 
لو لم يكن غاية الإسراء والمعراج غير فرض الصلاة لكان في ذلك ما يكفي رضاء من الله على المسلمين ورسولهم ، ولكن الرحلة كانت لها غايات أخرى أثبتها السميع البصير في آية الإسراء ( لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) 
فأري الله تبارك وتعالي رسوله المصطفي في كربته ما يزيل الكرب ، ويشحذ العزم ، ويؤهله لمراحل الدعوة القادمة . 
أراه مكانته العليا التي أعدها له . 
وأراه آيات من ملكوته العظيم ، وكشفت الرحلة لرسول الله معاني كثيرة عن فضائل عديدة لها أثرها في الإسلام والدعوة إليه ، واستهدفت الرحلة غاية عظيمة وهي وحدة الأماكن المقدسة ، واتحاد النبيين والمرسلين على الإسلام ورب الإسلام . 
وبعد أن رأى مولانا رسول الله  الآيات طمأنه إلى نصر الله وقدرته وأنه على الحق المبين 
فعاد إلى قومه بأقوى عزم ، وتهيأ لرحلة الهجرة وللدعوة والجهاد والفتح ، فكانت السنوات التالية للإسراء ، سنوات مجد الإسلام وتمام نزول أحكامه ، ونشره على العالمين . 
ويقول الشيخ الشعراوي عن حكمة الإسراء والمعراج فأجملها بقوله : 
هي معجزة خرق الله فيها لرسوله قوانين الأرض وقوانين السماء ليريه من آياته الكبرى ويثبته ويفرض عليه أقدس العبادات وأقربها إلى الله – سبحانه وتعالي – وهي الصلاة . 




بعض الفوائد المستخلصة من أحاديث الإسراء والمعراج 


1- أن للسماء أبوابا حقيقية ، وحفظة موكلين بها . 
2- إثبات الاستئذان ، وأنه ينبغي لمن يستأذن أن يقول : أنا فلان ، ولا يقتصر على ( أنا ) لأنه ينافي مطلب الاستفهام . 
3- المار يسلم على القاعد ، وإن كان المار أفضل من القاعد . 
4- استحباب تلقي أهل الفضل بالبشر والترحيب والثناء والدعاء . 
5- جواز مدح الإنسان المأمون عليه الافتنان في وجهه . 
6- جواز الاستناد إلى القبلة بالظهر وغيره ، مأخوذ من استناد إبراهيم إلى البيت المعمور ، وهو الكعبة في أنه قبلة من كل جهة . 
7- جواز نسخ الحكم قبل وقوع الفعل . 
8- فضل السير بالليل على السير النهار ، لما وقع من الإسراء بالليل ، ولذلك كانت أكثر عبادته  بالليل ، وكان أكثر سفره  بالليل ، وقال  ( عليكم بالدلجة ، فإن الأرض تطوى بالليل ) . 
9- التجربة أقوي في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة ، يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي  : أنه عالج الناس قبله وجربهم . 
10- تحكيم العادة ، والتنبيه بالأعلى على الأدنى ، لأن من سلف من الأمم كانوا أقوى أبدانا من هذه لأمة ، وقد قال موسى في كلامه إنه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه . 
11- مقام الخلة مقام الرضا والتسليم ، ومقام التكليم مقام الإدلال والانبساط ومن ثم استبد موسى بأمر النبي  بطلب لتخفيف دون إبراهيم عليه السلام ، مع أن للنبي  
من الاختصاص بإبراهيم أزيد مما له من موسى ، لمقام الأبوة ، ورفعة المنزلة والاتباع في الملة . 
12- الجنة والنار قد خلقتا ، لقوله في بعض طرق الحديث ( عرضت علي الجنة والنار ) 
13- استحباب الإكثار من سؤال الله تعالى وتكثير الشفاعة عنده ، لما وقع منه  في اجابة مشورة موسى في سؤال التخفيف . 
14- فضيلة الاستحياء . 
15- بذل النصيحة لمن يحتاج إليها ، وإن لم يستشر الناصح في ذلك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
:ذكرى الإسراء والمعراج. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإسراء والمعراج
» رحلة الإسراء والمعراج
» الإسراء والمعراج .. دروس وعبر
» الإسراء والمعراج
»  الإسراء والمعراج

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: