منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 معركة مؤتة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة مؤتة Empty
مُساهمةموضوع: معركة مؤتة   معركة مؤتة Emptyالإثنين 10 نوفمبر 2014, 9:07 pm

غزوة أسامة بن زيد مؤتة

قالوا : لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه ووجد عليهم وجدا شديدا ; فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم ، وأمرهم بالانكماش في غزوهم . فتفرق المسلمون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر دعا أسامة بن زيد فقال يا أسامة سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك ، فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش فأغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الخبر ، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون أمامك والطلائع فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدي برسول الله صل الله عليه وسلم فصدع وحم . فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر عقد له رسول الله صل الله عليه وسلم بيده لواء ثم قال يا أسامة اغز بسم الله في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغدروا ، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا تمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم ولكن قولوا : اللهم اكفناهم واكفف بأسهم عنا فإن لقوكم قد أجلبوا وصيحوا . فعليكم بالسكينة والصمت ولا تنازعوا ولا تفشلوا فتذهب ريحكم . وقولوا : اللهم نحن عبادك وهم عبادك ، نواصينا ونواصيهم بيدك ، وإنما تغلبهم أنت واعلموا أن الجنة تحت البارقة

قال حدثني يحيى بن هشام بن عاصم الأسلمي عن المنذر بن جهم قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم يا أسامة شن الغارة على أهل أبنى

قال فحدثني عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن أزهر بن عوف عن الزهري ، عن عروة عن أسامة بن زيد أن النبي صل الله عليه وسلم أمره أن يغير على أبنى صباحا وأن يحرق

قالوا : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة امض على اسم الله فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي ، فخرج به إلى بيت أسامة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فعسكر بالجرف وضرب عسكره في سقاية سليمان اليوم . وجعل الناس يجدون بالخروج إلى العسكر فيخرج من فرغ من حاجته إلى معسكره ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ; وفي رجال من المهاجرين والأنصار عدة قتادة بن النعمان ، وسلمة بن أسلم بن حريش . فقال رجال من المهاجرين وكان أشدهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين ؟ فكثرت القالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض ذلك القول فرده على من تكلم به وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول من قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيد ؟ والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وايم الله إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي وإنهما لمخيلان لكل خير فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم ثم نزل صلى الله عليه وسلم فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول . وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنفذوا بعث أسامة ودخلت أم أيمن فقالت أي رسول الله ، لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل فإن أسامة إن خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذوا بعث أسامة فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد ونزل أسامة يوم الأحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل مغمور وهو اليوم الذي لدوه فيه فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان وعنده العباس والنساء حوله فطأطأ عليه أسامة فقبله ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يصبها على أسامة . قال فأعرف أنه كان يدعو لي . قال أسامة فرجعت إلى معسكري . فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره وأصبح ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا ، فجاءه أسامة فقال اغد على بركة الله فودعه أسامة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفيق مريح وجعل نساءه يتماشطن سرورا براحته . فدخل أبو بكر رضي الله عنه فقال يا رسول الله أصبحت مفيقا بحمد الله واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي فأذن له فذهب إلى السنح ، وركب أسامة إلى معسكره وصاح في الناس أصحابه باللحوق بالعسكر فانتهى إلى معسكره ونزل وأمر الناس بالرحيل وقد متع النهار . فبينا أسامة يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن - وهي أمه - تخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح ، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول . ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف المدينة ، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودا حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده فلما بويع لأبي بكر رضي الله عنه أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة وألا يحله أبدا حتى يغزوهم أسامة . قال بريدة : فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة ثم خرجت به إلى الشام معقودا مع أسامة ثم رجعت به إلى بيت أسامة فما زال في بيت أسامة حتى توفي أسامة . فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد عن الإسلام قال أبو بكر رضي الله عنه لأسامة رحمة الله عليه انفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صل الله عليه وسلم وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول وخرج بريدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول فشق على كبار المهاجرين الأولين ودخل على أبي بكر عمر وعثمان وسعد بن أبي وقاص ، وأبي عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد ، فقالوا : يا خليفة رسول الله إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئا ، اجعلهم عدة لأهل الردة ترمي بهم في نحورهم وأخرى ، لا نأمن على أهل المدينة أن يغار عليها وفيها الذراري والنساء فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه وتعود الردة إلى ما خرجوا منه أو يفنيهم السيف ثم تبعث أسامة حينئذ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا فلما استوعب أبو بكر رضي الله عنه منهم كلامهم قال هل منكم أحد يريد أن يقول شيئا ؟ قالوا : لا ، قد سمعت مقالتنا . فقال والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث ولا بدأت بأول منه ورسول الله ينزل عليه الوحي من السماء يقول أنفذوا جيش أسامة ولكن خصلة أكلم أسامة في عمر يخلفه يقيم عندنا ، فإنه لا غناء بنا عنه . والله ما أدري يفعل أسامة أم لا ، والله إن رأى لا أكرهه فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة ومشى أبو بكر رضي الله عنه إلى أسامة في بيته وكلمه أن يترك عمر ففعل أسامة وجعل يقول له أذنت ونفسك طيبة ؟ فقال أسامة نعم وخرج وأمر مناديه ينادي : عزمة مني ألا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صل الله عليه وسلم فإني لن أوتى بأحد أبطأ عن الخروج معه إلا ألحقته به ماشيا وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إمارة أسامة فغلظ عليهم وأخذهم بالخروج فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد .

وخرج أبو بكر رضي الله عنه يشيع أسامة والمسلمين فلما ركب أسامة من الجرف في أصحابه - وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فرس - فسار أبو بكر رضي الله عنه إلى جنب أسامة ساعة ثم قال أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ; إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك ، فانفذ لأمر رسول الله صل الله عليه وسلم فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه وإنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صل الله عليه وسلم فخرج سريعا فوطئ بلادا هادئة لم يرجعوا عن الإسلام - جهينة وغيرها من قضاعة - فلما نزل وادي القرى قدم عينا له من بني عذرة يقال له حريث ، فخرج على صدر راحلته أمامه مغذا حتى انتهى إلى أبنى ; فنطر إلى ما هناك وارتاد الطريق ثم رجع سريعا حتى لقي أسامة على مسيرة ليلتين من أبنى ، فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم وأمره أن يسرع السير قبل أن تجتمع الجموع وأن يشنها غارة .



==================================
=====================================






(في ذكرى تولية الرسول له: 29 من صفر 11 هـ) 

كان أول أمر أصدره الخليفة "أبو بكر الصديق" بعد أن تمت له البيعة بالخلافة أن قال: "لِيُتَمَّ بعث أسامة".. وكان قرارًا صعبًا صدر في ظروف أشد صعوبة وحرجًا؛ فالعرب قد ارتدّت عن الإسلام، واضطربت شبه الجزيرة العربية، واستفحل خطر مدَّعيي النبوة: "مُسيلمة الكذّاب" في اليمامة، و"طلحة بن خويلد الأسدي" في منطقة بذاخة، شرقي المدينة المنورة، و"سَجاح" التي ادعت النبوة في قومها، بني تميم.

القائد الصغير السن

وأسامة بن زيد هو قائد الجيش الذي أمر النبي (صل الله عليه وسلم) بتجهيزه وإعداده، وإمداده بكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار؛ لتأمين شبه الجزيرة من الروم ذوي البأس والقوة، وكان أسامة حدثًا لم يتجاوز العشرين من عمره عندما عقد له رسول الله (صل الله عليه وسلم) لواء القيادة في (آخر يوم من صفر سنة 11 هـ = 28 من مايو 632 هـ).

وقد سبق هذا البعث عدة حملات عسكرية لتأمين الحدود الإسلامية من مداهمة الروم لها، بعدما بزغ الدِّين الجديد، وصارت له دولة قوية، يخشى الروم من تزايد نفوذها وامتداد سلطانها، وكانت غزوة "مؤتة" التي استشهد فيها "زيد بن حارثة" قائدها ووالد أسامة، واحدةً من تلك الحملات، تبعتها غزوة "تبوك" في (غرة رجب من العام التاسع للهجرة)، وقد خرج النبي (صل الله عليه وسلم) على رأس جيش ضخم، بلغ تعداده ثلاثين ألفًا، بعدما جاءته الأنباء بأن الروم يُعدّون العدة للهجوم عليه، فلما بلغ "تبوك" تبين أن ليس للروم جموع بها، فأقام هناك ثلاثة أسابيع؛ رتب خلالها أوضاع المنطقة، وفرض سلطانه وهيبته عليها، وكانت هذه الحملة نذيرًا جعل الروم يتراجعون إلى ما وراء حدودهم دون قتال.

جدارة أسامة بالإمارة

لم تختلف مهمة أسامة كثيرًا عن الحملات السابقة؛ فقد أمره (صل الله عليه وسلم) أن يوطئ الخيل تخوم "البلقاء" و"الداروم" من أرض فلسطين، وأن يفاجئ العدو قبل أن يستعد لخوض المعركة، فتحلّ به الهزيمة، وتلحق به الخسائر؛ فتجَهّز الناس، وانضموا إليه.

وقد تحدث بعض الصحابة في شأن تولية أسامة قيادة جيش يضم كبار المهاجرين والأنصار من أمثال عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وقتادة بن النعمان؛ فقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين والأنصار؟ وبلغت هذه المقالة النبي (صل الله عليه وسلم) وهو في مرضه الأخير، وجيش أسامة مقيم بالجَرْف خارج المدينة يتأهب للمسير، فغضب النبي (صل الله عليه وسلم) وأمر نساءه أن يُرقن عليه الماء حتى تهدأ الحُمّى، ثم خرج إلى المسجد، وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟ فوالله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبل، وأيم الله إن كان للإمارة لَخَلِيقٌ، وإن ابنه من بعده لخليقٌ بالإمارة".

وكان أسامة حقًّا خليق بالإمارة؛ حيث كان شجاعًا مقدامًا منذ نشأته، فانضم إلى جيش المسلمين وهو في طريقه إلى "أُحد"، لكن النبي (صل الله عليه وسلم) ردّه لصغر سنه، ثم أبلى أحسن البلاء في "حُنَيْن"، وثبت فيها ثبات الأبطال.

إصرار أبي بكر على إرسال جيش أسامة

لم يتحرك جيش أسامة القابع في "الجرف" خارج المدينة حتى وفاة النبي (صل الله عليه وسلم) واشتعلت فتنة المرتدين، وأحدقت الأخطار بالمدينة، ورأى أسامة أن يؤجل خروج الجيش حتى تسكن الفتنة، وتهدأ الأوضاع وتعود إلى حالتها من الأمن والاستقرار، وأفضى بهذا الرأي للخليفة أبي بكر الصديق، وعزر من هذا الرأي أن كثيرًا من الصحابة كانوا يؤيدونه؛ نظرًا لضرورة بقاء الجيش في المدينة، لحمايتها من المرتدين الذين يحيطون بها من كل جانب.

غير أن الصدّيق حين سمع هذا الرأي ثارت ثائرته، وقال: "والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفتني لأنفذت بعث أسامة، كما أمر به رسول الله (صل الله عليه وسلم) ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته".

ثم قال لعمر بن الخطاب حين نقل إليه رسالة الأنصار بأن يولّي عليهم رجلاً أقدم سنًا من أسامة: "ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله (صل الله عليه وسلم) وتأمرني أن أنزعه".

تحرُّك جيش أسامة

أذعن الجميع لأمر الخليفة الذي أصرّ على إنفاذ جيش أسامة، وخرج إلى المعسكر ليودع أسامة ماشيًا على قدميه في (1 من ربيع الآخر 11 هـ = 27 من يونيو 632م)، وأمسك بخطام البغلة التي يركبها أسامة، فأحس أسامة بالحرج، وهو يرى الشيخ الوقور صاحب رسول الله وخليفته على المسلمين يفعل هذا، فقال: "يا خليفة رسول الله (صل الله عليه وسلم) لتركَبَنَّ أو لأنزلنَّ". فقال أبو بكر: "والله لا تنزل، ووالله لا أركب.. وما عليّ أن أغبّر قدمي ساعة في سبيل الله"، ثم أوصاه بوصية جامعة توضح في جلاء آداب الحرب في الإسلام قال فيها:"… لا تخونوا، ولا تغلُّوا، ولا تغدروا، ولا تُمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له…".

جيش أسامة يحقق هدفه

سار جيش أسامة حتى بلغ البلقاء؛ حيث تقع مؤتة، بعد عشرين يومًا من تحرُّكه من المدينة، وهناك نزل بعسكره، وأغار على "آبل"، وبث خيوله في قبائل "قضاعة"، وقضى على كل من وقف في وجهه من أعداء الله وأعداء رسوله، وأجبر المرتدين من قضاعة على الهرب إلى أماكن بعيدة عن طريق الشام؛ لأنهم لو بقوا في مواطنهم لازداد الخطر على المدينة؛ لأن المرتدين من قبائل عبس وذبيان - وكانت منازلهم إلى الشمال من المدينة - قد زحفوا على المدينة، بعدما ابتعد أسامة بجيشه، وكانت قضاعة من ورائهما تمثّل خطرًا داهمًا، إذا هي آزرت عبسًا وذبيان في زحفهما على المدينة.

وكان هرقل بحمص حين جاءته أنباء جيش أسامة، وما فعله بالقبائل العربية الموالية له في أطراف دولته على التخوم بينه وبين شبه الجزيرة العربية، فدعا بطانته، وقال لهم: "هذا الذي حذرتكم، فأبيتم أن تقبلوه مني، قد صارت العرب تأتي من مسيرة شهر فتُغِير عليكم، ثم تخرج من ساعتها ولم يصبها شيء". ثم أشار على أخيه بأن يبعث بحامية ترابط بالبلقاء، فلما تَزَل هناك حتى قدمت جيوش الفتح الإسلامية في الشام؛ فأَجْلَتها عن موضعها، وفتحت مدن الشام.

عودة الجيش الظافر

عاد أسامة بجيشه، وما إن بلغ مشارف المدينة حتى خرج لاستقباله أبو بكر الصديق ومعه جماعة من كبار المهاجرين والأنصار، وكلهم فرح وبِشر، ودخل أسامة المدينة، وقصد من فوره إلى المسجد النبوي الشريف؛ حيث صلى لله شكرًا على ما أنعم به عليه من نصر وما حققه من نتائج، حيث ألقت الفزع والهلع في قلوب القبائل العربية التي مرّت عليها في شمال شبه الجزيرة العربية، وقالوا: "لو لم يكن للقوم قوة لما أرسلوا جيوشهم تُغِير على بُعد عنهم القبائل القوية"؛ ولذا كانت حركة الردة في تلك المناطق أضعف منها في أي مكان آخر.

من مصادر الدراسة:
ابن الأثير (عز الدين) ـ الكامل في التاريخ ـ دار صادر ـ بيروت ـ بدون تاريخ.
أحمد عادل كمال ـ الطريق إلى دمشق ـ دار النفائس ـ بيروت ـ (1405 هـ = 1985).
محمد حسين هيكل ـ الصِدِّيق أبو بكر ـ مطبعة مصر ـ القاهرة ـ 1361هـ.
عبد الشافي محمد عبد اللطيف ـ عصر النبوة والخلافة الراشدة ـ سفير ـ القاهرة ـ 1996م.
عبد الحميد بخيت ـ عصر الخلفاء الراشدين ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ 1967م


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأحد 22 مايو 2016, 11:39 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة مؤتة Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة مؤتة   معركة مؤتة Emptyالإثنين 10 نوفمبر 2014, 9:17 pm

معركة مؤتة Z

معركة مؤتة Preview_html_4cb22e57
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة مؤتة Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة مؤتة   معركة مؤتة Emptyالإثنين 10 نوفمبر 2014, 9:19 pm

الحبّ بن الحبّ
جلس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقسّم أموال بيت المال على المسلمين..
وجاء دور عبدالله بن عمر, فأعطاه عمر نصيبه.
ثم جاء دور أسامة بن زيد, فأعطاه عمر ضعف ما أعطى ولده عبدالله..
وذا كان عمر يعطي الناس وفق فضلهم, وبلائهم في الاسلام,
فقد خشي عبدالله بن عمر أن يكون مكانه في الاسلام آخرا, وهو الذي يرجو بطاعته, وبجهاده, وبزهده, وبورعه,
أن يكون عند الله من السابقين..
هنالك سأل أباه قائلا:" لقد فضّلت عليّ أسامة, وقد شهدت مع رسول الله ما لم يشهد"..؟
فأجابه عمر:
" ان أسامة كان أحبّ الى رسول الله صل الله عليه وسلم منك.. 
وأبوه كان أحب الى رسول الله من أبيك"..!
فمن هذا الذي بلغ هو وأبوه من قلب الرسول وحبه ما لم يبلغه ابن عمر
, وما لم يبلغه عمر بذاته..؟؟
انه أسامة بن زيد.
كان لقبه بين الصحابة: الحبّ بن الحبّ..
أبوه زيد بن حارثة خادم رسول الله صل الله عليه وسلم الذي آثر الرسول على أبيه وأمه وأهله,
والذي وقف به النبي على جموع أصحابه يقول:
" أشهدكم أن زيدا هذا ابني, يرثني وأرثه"..
وظل اسمه بين المسلمين زيد بن محمد حتى أبطل القرآن الكريم عادة التبنّي..
أسامة هذا ابنه..
وأمه هي أم أيمن, مولاة رسول الله وحاضنته,
لم يكن شكله الخارجي يؤهله لشيء.. أي شيء..
فهو كما يصفه الرواة والمؤرخون: أسود, أفطس..
أجل.. بهاتين الكلمتين, لا أكثر يلخص التاريخ حديثه عن شكل أسامة..!!
ولكن, متى كان الاسلام يعبأ بالأشكال الظاهرة للناس..؟
متى.. ورسوله هو الذي يقول:
" ألا ربّ أشعث, أعبر, ذي طمرين لا يؤبه له, لو أقسم على الله لأبرّه"..
فلندع الشكل الخارجي لأسامة اذن..
لندع بشرته السوداء, وأنفه الأفطس, فما هذا كله في ميزان الاسلام مكان..
ولننظر ماذا كان في ولائه..؟ ماذا كان في افتدائه..؟ في عظمة نفسه, وامتلاء حياته..؟!
لقد بلغ من ذلك كله المدى الذي هيأه لهذا الفيض من حب رسول الله عليه الصلاة والسلام وتقديره:
" ان أسامة بن زيد لمن أحبّ الناس اليّ, واني لأرجو أن يكون من صالحيكم, فاستوصوا به خيرا".
كان أسامة رضي الله عنه مالكا لكل الصفات العظيمة التي تجعله قريبا من قلب الرسول.. وكبيرا في عينيه..
فهو ابن مسلمين كريمين من أوائل المسلمين سبقا الى الاسلام, ومن أكثرهم ولاء للرسول وقربا منه.
وهو من أبناء الاسلام الحنفاء الذين ولدوا فيه, وتلقوا رضعاتهم الأولى من فطرته النقية,
دون أن يدركهم من غبار الجاهلية المظلمة شيء..
وهو رضي الله عنه على حداثة سنه, مؤمن, صلب, ومسلم قوي, يحمل كل تبعات ايمانه ودينه, 
في ولاء مكين, وعزيمة قاهرة..
وهو مفرط في ذكائه, مفرط في تواضعه, ليس لتفانيه في سبيل الله ورسوله حدود..
ثم هو بعد هذا, يمثل في الدين الجديد, ضحايا الألوان الذين جاء الاسلام ليضع عنهم أوزار التفرقة وأوضارها..
فهذا الأسود الأفطس يأخذ في قلب النبي, وفي صفوف المسلمين مكانا عليّا,
لأن الدين الذي ارتضاه الله لعباده قد صحح معايير الآدمية والأفضلية بين الناس فقال:
( ان أكرمكم عند الله أتقاكم)..
وهكذا رأينا رسول الله صل الله عليه وسلم يدخل مكة يوم الفتح العظيم ورديفه هذا الأسود الأفطس أسامة بن زيد..
ثم رأيناه يدخل الكعبة في أكثر ساعات الاسلام روعة, وفوزا, وعن يمينه ويساره بلال, وأسامة..
رجلان تكسوهما البشرة السوداء الداكنة, ولكن كلمة الله التي يحملانها في قلبيهما الكبيرين
قد أسبغت عليهما كل الشرف وكل الرفعة..
وفي سن مبكرة, لم تجاوز العشرين, أمر رسول الله أسامة بن زيد على جيش, بين أفراده وجنوده أبو بكر وعمر..!!
وسرت همهمة بين نفر من المسلمين تعاظمهم الأمر, واستكثروا على الفتى الشاب, أسامة بن زيد,
امارة جيش فيه شيوخ الأنصار وكبار المهاجرين..
وبلغ همسهم رسول الله صل الله عليه وسلم, فصعد المنبر, وحمد الله وأثنى عليه, ثم قال:
" ان بعض الناس يطعنون في امارة أسامة بن زيد..
ولقد طعنوا في امارة أبيه من قبل..
وان كان أبوه لخليقا للامارة..
وان أسامة لخليق لها..
وانه لمن أحبّ الناس اليّ بعد أبيه..
واني لأرجو أن يكون من صالحيكم..
فاستوصوا به خيرا"..
وتوفى رسول الله صل الله عليه وسلم قبل أن يتحرّك الجيش الى غايته ولكنه كان قد ترك وصيته الحكيمة لأصحابه:
" أنفذوا بعث أسامة..
أنفذوا بعث أسامة.."
وهكذا قدّس الخليفة أبو بكر هذه الوصاة, وعلى الرغم من الظروف الجديدة التي خلفتها وفاة الرسول,
فان الصدّيق أصرّ على انجاز وصيته وأمره, فتحرّك جيش أسامة الى غايته,
بعد أن استأذنه الخليفة في أن يدع عمر ليبقى الى جواره في المدينة.
وبينما كان امبراطور الروم هرقل, يتلقى خبر وفاة الرسول
, تلقى في نفس الوقت خبر الجيش الذي يغير على تخوم الشام بقيادة أسامة بن زيد,
فحيّره أن يكون المسلمون من القوة بحيث لا يؤثر موت رسولهم في خططهم ومقدرتهم.
وهكذا انكمش الروم, ولم يعودوا يتخذون من حدود الشام نقط وثوب على مهد الاسلام في الجزيرة العربية.
وعاد الجيش بلا ضحايا.. وقال عنه المسلمون يومئذ:
" ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة"..!!
وذات يوم تلقى أسامة من رسول الله درس حياته.. درسا بليغا, عاشه أسامة,
وعاشته حياته كلها منذ غادرهم الرسول الى الرفيق الأعلى الى أن لقي أسامة ربه في أواخر خلافة معاوية.
قبل وفاة الرسول بعامين بعثه عليه السلام أميرا على سريّة خرجت للقاء بعض المشركين الذين يناوئون الاسلام والمسلمين.
وكانت تلك أول امارة يتولاها أسامة..
ولقد أحرز في مهمته النجاح والفوز, وسبقته أنباء فوزه الى رسول الله صل الله عليه وسلم وفرح بها وسر.
ولنستمع الى أسامة يروي لنا بقية النبأ:
".. فاتيت النبي صل الله عليه وسلم, وقد اتاه البشير بالفتح, فاذا هو متهلل وجهه.. فأدناني منه ثم قال:
حدّثني..
فجعلت أحدّثه.. وذكرت أنه لما انهزم القوم أدركت رجلا وأهويت اليه بالرمح, فقال لا اله الا الله فطعنته وقتلته.
فتغيّر وجه الرسول صل الله عليه وسلم وقال:
ويحك يا أسامة..!
فكيف لك بلا اله الا الله..؟
ويحك يا أسامة..
فكيف لك بلا اله الا الله..؟
فلم يزل يرددها عليّ حتى لوددت أني انسلخت من كل عمل عملته. واستقبلت الاسلام يومئذ من جديد.
فلا والله لا أقاتل أحدا قال لا اله الا الله بعدما سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم".
هذا هو الدرس العظيم الذي وجّه جياة أسامة الحبيب بن الحبيب منذ سمعه من رسول الله
 الى أن رحل عن الدينا راضيا مرضيّا.
وانه لدرس بليغ.
درس يكشف عن انسانية الرسول, وعدله, وسموّ مبادئه, وعظمة دينه وخلقه..
فهذا الرجل الذي أسف النبي لمقتله, وأنكر على أسامة قتله, كان مشركا ومحاربا..
وهو حين قال: لا اله الا الله.. قالها والسيف في يمينه, تتعلق به مزغ اللحم التي نهشها من أجساد المسلمين..
قالها لينجو بها من ضربة قاتلة, أو ليهيء لنفسه فرصة يغير فيها اتجاهه ثم يعاود القتال من جديد..
ومع هذا, فلأنه قالها, وتحرّك بها لسانه, يصير دمه حراما وحياته آمنة, في نفس اللحظة, ولنفس السبب..!
ووعى أسامة الدرس الى منتهاه..
فاذا كان هذا الرجل, في هذا الموقف, ينهى الرسول عن قتله لمجرّد أنه قل: لا اله الا الله..
فكيف بالذين هم مؤمنون حقا, ومسلمون حقا..؟
وهكذا رأيناه عندما نشبت الفتنة الكبرى بين الامام علي وأنصاره من جانب, ومعاوية وأنصاره من جانب آخر, يلتزم حيادا مطلقا.
كان يحبّ عليّا أكثر الحب, وكان يبصر الحق الى جانبه.. ولكن كيف يقتل بسيفه مسلما يؤمن بالله وبرسله
, وهو لذي لامه الرسول لقتله مشركا محاربا قال في لحظة انكساره وهروبه: لا اله الا الله..؟؟!!
هنالك أرسل الى الامام علي رسالة قال فيها:
" انك لو كنت في شدق الأسد,
لأحببت أن أدخل معك فيه.
ولكن هذا أمر لم أره"..!!
ولزم داره طوال هذا النزاع وتلك الحروب..
وحين حاءه بعض أصحابه يناقشونه في موقفه قال لهم:
" لا أقاتل أحدا يقول لا اله الا الله أبدا".
قال أحدهم له: ألم بقل الله: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)..؟؟
فأجابهم أسامة قائلا:
" أولئك هم المشركون, ولقد قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله"..
وفي العام الرابع والخمسين من الهجرة.. اشتاق أسامة للقاء الله, وتلملمت روحه بين جوانحه, تريد أن ترجع الى وطنها الأول..
وتفتحت أبواب الجنان, لتستقبل واحدا من الأبرا المتقين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة مؤتة Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة مؤتة   معركة مؤتة Emptyالأحد 22 مايو 2016, 11:37 am

أحداث معركة مؤتة
د. راغب السرجاني


معركة مؤتة وساعة الصفر

معركة مؤتة 11595_image002اصطف المسلمون في مؤتة وقد اقتربت ساعة الصفر لأشرس موقعة في تاريخ السيرة النبوية، حيث أمواج بشرية هائلة من الرومان ونصارى العرب تنساب إلى أرض مؤتة، ورجال كالجبال من المسلمين يقفون ثابتين في وجه أقوى قوة في العالم آنذاك.
وها هي قد ارتفعت صيحات التكبير من المسلمين، وحمل الراية زيد بن حارثة معركة مؤتة T_20، وأعطى إشارة البدء لأصحابه، وقد اندفع كالسهم صوب الجيوش الرومانية، وكان قتالاً لم يشهد المسلمون مثله قبل ذلك.
ارتفع الغبار في أرض المعركة في ثوانٍ معدودات، وما عاد أحد يسمع إلا أصوات السيوف أو صرخات الألم، ولا يتخلل ذلك من الأصوات إلا صيحات تكبير المسلمين، أو بعض الأبيات الشعرية الحماسية التي تدفع المسلمين دفعًا إلى بذل الروح والدماء في سبيل إعلاء كلمة الإسلام.
وقد سالت الدماء غزيرة في أرض مؤتة، وتناثرت الأشلاء في كل مكان، ورأى الجميع الموت مرارًا ومرارًا.

استشهاد زيد بن حارثة

كانت ملحمة بكل المقاييس، سقط على إثرها أول شهيد للمسلمين، وهو البطل الإسلامي العظيم والقائد المجاهد زيد بن حارثة معركة مؤتة T_20، حِبّ رسول الله معركة مؤتة R_20، سقط مُقبِلاً غير مدبر بعد رحلة جهاد طويلة بدأت مع الأيام الأولى لنزول الوحي.
فكان معركة مؤتة T_20 من أوائل من أسلم على وجه الأرض، وقد صحب الرسول معركة مؤتة R_20 في كل المواطن، وكان هو الوحيد الذي ذهب معه إلى الطائف، ووالله لكأني أراه وهو يدافع بكل ما أوتي من قوة عن حبيبه معركة مؤتة R_20 حتى شُجّت رأسه، وسالت دماؤه غزيرة معركة مؤتة T_20.
رأيناه في العام السادس من الهجرة يقود السرية تلو السرية في جرأة عجيبة، وكأنه يُعِدّ نفسه لهذا اليوم العظيم، يوم أن يلقى ربه شهيدًا مقبلاً غير مدبر. لا يبكيَنَّ أحد على زيد بن حارثة، فهذه أسعد لحظة مرت عليه منذ خلق.

استشهاد جعفر بن أبي طالب

حمل الراية بعد زيد بطل آخر هو جعفر بن أبي طالب معركة مؤتة T_20، ذلك البطل الشاب المجاهد ابن الأربعين عامًا آنذاك، وقد قضى معظم هذه السنوات الخوالي في الإسلام، حيث أسلم في أوائل أيام الدعوة، وقضى ما يقرب من خمس عشرة سنة في بلاد الحبشة مهاجرًا بأمر الرسول معركة مؤتة R_20، ثم عاد منها إلى المدينة المنورة في محرم سنة سبع من الهجرة، كان الرسول معركة مؤتة R_20 حينها في خيبر، فلم يَقَرّ له قرار حتى ذهب ليجاهد معه برغبة حقيقية صادقة في البذل والتضحية.
ثم كانت هذه المعركة الهائلة، وقد حمل الراية بعد سقوط أخيه في الإسلام زيد بن حارثة، وقاتل قتالاً لم يُرَ مثله، وأكثر معركة مؤتة T_20 الطعن في الرومان حتى تكالبوا عليه.
كان معركة مؤتة T_20 يحمل راية المسلمين بيمينه فقطعوا يمينه، فحملها بشماله فقطعوا شماله، فحملها معركة مؤتة T_20 بعضضيه قبل أن يسقط شهيدًا، ليأخذ الراية من بعده بطل ثالث، هو عبد الله بن رواحة معركة مؤتة T_20.
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما -كما جاء في البخاري-: "وقفت على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعددتُ به خمسين، بين طعنةٍ وضربة، ليس منها شيءٌ في دبره"[size=15][1]. أي: ليس منها شيء في ظهره؛ يعني أنه قاتل دائمًا من أمام، لم يفر ولو للحظة واحدة معركة مؤتة T_20.

ومن أرض المعركة إلى الجنة مباشرة، لا يسير فيها، بل يطير بجناحين، فقد روى الحاكم والطبراني بإسناد جيد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله معركة مؤتة R_20 قال: "رَأَيْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَلَكًا فِي الْجَنَّةِ، مُضَرَّجَةً قَوَادِمُهُ بِالدِّمَاءِ، يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ"[2].
وروى البخاري أيضًا أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا حيَّا ابن جعفر قال: "السلام عليك يابن ذي الجناحَيْنِ"[3].
فقد أبدل الله جعفر بن أبي طالب معركة مؤتة T_20 بدلاً من يديه اللتين قطعتا في سبيله بجناحَيْنِ يطير بهما في الجنة.
حياة جهادية طويلة، والمكافأة هي الجنة.

استشهاد عبد الله بن رواحة

حمل الراية بعد جعفر عبد الله بن رواحة الخزرجي الأنصاري معركة مؤتة T_20، ذلك المجاهد الشاب الذي شارك في كل الغزوات السابقة، وجاهد -كما ذكرنا- بسيفه ولسانه، وهو الذي كان يحمِّس المسلمين لأخذ قرار الحرب، وهو الذي كان يتمنى ألاّ يعود إلى المدينة، بل يُقتل شهيدًا في أرض الشام.
حمل الراية، وقاتل قتالاً عظيمًا مجيدًا حتى قُتل في صدره معركة مؤتة T_20، ما تردد قَطُّ كما أشيع عنه، وكيف يتردد من يدفع الناس دفعًا إلى القتال؟! كيف يتردد من يحمس الناس على طلب الشهادة؟ كيف يتردد من يثق به رسول الله معركة مؤتة R_20، فيجعله على قيادة هذا الجيش الكبير؟! كيف يتردد من شهد له معركة مؤتة R_20 أنه شهيد؟! ومن دعا له معركة مؤتة R_20 قبل ذلك بالثبات؟!
وهذا التردد الذي أشيع عنه لم يتفق عليه عامَّة أهل السير، ولم ينقله الكثير من كُتَّابهم، فلم ينقله موسى بن عقبة في (مغازيه)، ولم ينقله المقريزي في (إمتاع الأسماع)، ولم ينقله ابن سعد في (الطبقات)، وإنما روى ذلك فقط ابن إسحاق -رحمه الله- في (سيرته).
وفي هذه الرواية تناقض شديد بين أول الرواية وآخرها؛ ففي أولها جهاد وتحفيز على الشهادة، وفي آخرها تردد، وهذا لا يستقيم.
أما ما ورد في سيرة ابن إسحاق أيضًا من أن هناك ازورارًا في سرير عبد الله بن رواحة في الجنة، فهو حديث منقطع السند، وضعفه ابن كثير والبيهقي، وقد عارضه أيضًا ابن كثير بحديث أنس بن مالك في البخاري، والذي ذكر فيه أن عبد الله بن رواحة قُتل شهيدًا، ولم يذكر ترددًا، ولم يُشِرْ إلى ذلك قَطُّ[4].
ولعل الذي أشاع أن عبد الله بن رواحة قد تردد هو ما نُسب إليه من شعر في هذا الموقف، لكن هذا الشعر -إن صحت نسبته- لا يحمل أبدًا معنى عدم الإقدام، إنما يحمل معنى تحميس النفس على شيءٍ خطير، يحمل على بذل الروح والتضحية بالنفس.
إن تحمل آلام الضرب بالسيف، والطعن بالرمح ليس أمرًا سهلاً أو هينًا في حياة الإنسان، فإذا قال الإنسان لنفسه بعض الكلمات التي تصبِّره على تحمل الآلام، وتصبره على فراق الأحبة، وتدفعه إلى الموت لا إلى الحياة، فما الضرر في ذلك؟! إن هذا أمر محمود، بل وقد يكون مطلوبًا، وقد كان من شعره يومئذٍ:
[/size]
يَا نَفْسُ إِنْ لَمْ تُقْتَلِي تَمُوتِـي *** هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صُلِيتِ
[size]
وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَـدْ أُعْطِيـتِ *** إِنْ تَفْعَلِـي فِعْلَهُمَا هُدِيـتِ[size=15][5][/size]
يحدِّث نفسه: إن تفعلي كما فعل زيد وجعفر -رضي الله عنهما- هديت. وبالفعل كان قتاله شديدًا، وجهاده عظيمًا حتى طعن في صدره معركة مؤتة T_20، وتلقى الدماء بيديه ودلَّك بها وجهه، وأصيب شهيدًا كما ذكر معركة مؤتة R_20 في مسند أحمد، وسنن النسائي، والبيهقي عن أبي قتادة معركة مؤتة T_20 بسند صحيح.
فهذه كلها روايات صحيحة في حق هذا البطل الذي شُوِّهت صورته بهذا الأمر الذي لا يستقيم في حقه أبدًا، وهو الذي دفع المسلمين هذا الدفع في هذه المعركة الهائلة.
سقط القادة الثلاثة شهداء ليثبتوا لنا وللجميع أن القيادة مسئولية، وأن الإمارة تكليف وليست تشريفًا، وأن القدوة هي أبلغ وسائل التربية.
فثباتهم -لا شك- كان سببًا في ثبات الجيش الإسلامي، وجهادهم لا بد أنه قد دفع الجيش الإسلامي لأنْ يُخرِج كل طاقته، فما يفر الجنود إلا بفرار القادة، وما تسقط الراية إلا بهوانها على حاملها، لكن في مؤتة ما سقطت راية المسلمين قَطُّ، ولا لحظة من لحظات القتال.

خالد بن الوليد.. القائد الرابع

بعد استشهاد البطل العظيم عبد الله بن رواحة معركة مؤتة T_20، حمل الراية الصحابي الجليل ثابت بن أقرم البدريّ (ممن شهد بدرًا) معركة مؤتة T_20، فقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم. فقالوا: أنت تحمل الراية. فقال: ما أنا بفاعل. ثم تقدم إلى خالد بن الوليد معركة مؤتة T_20، القائد المعجزة، فدفع له الراية، وقال له: أنت أعلم بالقتال مني. فقال خالد -وعمره في الإسلام ثلاثة أشهر- متواضعًا: أنت أحق بها مني، أنت شهدت بدرًا.
فنادى ثابت: يا معشر المسلمين. فاجتمع الناس على خالد، وأعطوه الراية، فحمل خالد الراية، وجاهد جهادًا عظيمًا يُكفِّر به عن العشرين سنة الماضية.
هذا أول مواقفه في سبيل الله، ولا بد أن يُرِي الله معركة مؤتة U1_20 منه بأسًا وقوة وجلدًا وإقدامًا، قاتل خالد بن الوليد كما لم يقاتل من قبلُ، حتى قال -كما في صحيح البخاري-: "لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية"[6].
تسعة أسياف تكسَّرت في يديه معركة مؤتة T_20 وهو يحارب الرومان، فتخيل كم من البشر قتل بهذه الأسياف، ومع ذلك فقد استمر في قتاله يُغيِّر سيفًا بعد الآخر، ويقاتل في معركة ضارية، لكنه ثبت ثباتًا عجيبًا، وثبت المسلمون بثباته معركة مؤتة T_20.
وعلى هذا الحال استمر القتال يومًا كاملاً، ما تراجع المسلمون فيه لحظة واحدة، وإنما وقفوا كالسدِّ المنيع أمام طوفان قوات التحالف الرومانية العربية، واستمر الحال على هذا الوضع حتى جنَّ المساء. ولك أن تتخيل قتالاً منذ الصباح وحتى المساء، وثلاثة آلاف في مقابل مائتي ألف.

خطة عبقرية !

لم يكن من عادة الجيوش في ذلك الوقت أن تقاتل ليلاً، فكان أن تحاجز الفريقان، واستراح الرومان ليلتهم هذه، لكن المسلمين لم يركنوا إلى الراحة، وإنما كانوا في حركة دائبة؛ فقد بدأ خالد بن الوليد في تنفيذ خُطَّة عبقرية بارعة للوصول بجيشه إلى برِّ الأمان، وكان هدفها إشعار الرومان بأن هناك مددًا كبيرًا قد جاء للمسلمين؛ وذلك حتى يتسلل الإحباط إلى داخل جنود الرومان والعرب المتحالفين معهم، فهم أمْسِ كانوا يتقاتلون مع ثلاثة آلاف وقد رأوا منهم ما رأوا، فكيف إذا جاءهم مدد؟!
ولتنفيذ هذه الخطة قام خالد بن الوليد معركة مؤتة T_20 بالخطوات التالية:
أولاً: جعل الخيل طوال الليل تجري في أرض المعركة لتثيرَ الغبار الكثيف؛ فيُخيَّل للرومان أن هناك مددًا قد جاء للمسلمين.
ثانيًا: غَيَّر من ترتيب الجيش، فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة، وجعل المقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة، وحين رأى الرومان هذه الأمور في الصباح، ورأوا الرايات والوجوه والهيئة قد تغيَّرت، أيقنوا أن هناك مددًا قد جاء للمسلمين، فهبطت معنوياتهم تمامًا.
ثالثًا: جعل في خلف الجيش وعلى مسافة بعيدة منه مجموعةً من الجنود المسلمين فوق أحد التلال، منتشرين على مساحة عريضة، ليس لهم من شغل إلا إثارة الغبار لإشعار الرومان بالمدد المستمر الذي يأتي للمسلمين.
رابعًا: بدأ خالد بن الوليد في اليوم التالي للمعركة بالتراجع التدريجي بجيشه إلى عمق الصحراء، الأمر الذي شعر معه الرومان بأن خالدًا يستدرجهم إلى كمين في الصحراء، فترددوا في متابعته، وقد وقفوا على أرض مؤتة يشاهدون انسحاب خالد، دون أن يجرءوا على مهاجمته أو متابعته.
ونجح مراد خالد بن الوليد، وسحب الجيش بكامله إلى عمق الصحراء، ثم بدأ الجيش في رحلة العودة إلى المدينة المنورة سالمًا.
د. راغب السرجاني
[/size]

[size]
[1] البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة من أرض الشام (4012).
[2]
 المتقي الهندي: كنز العمال، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1989م، 11/663، رقم الحديث (33205).
[3]
 البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي معركة مؤتة T_20 (3506).
[4]
 ابن كثير: السيرة النبوية 3/463.
[5]
 البيهقي: السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز - مكة المكرمة، 1414هـ- 1994م، 9/154، رقم الحديث (18254).
[6]
 البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة من أرض الشام (4017).
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة مؤتة Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة مؤتة   معركة مؤتة Emptyالأحد 22 مايو 2016, 11:38 am

ما سبق معركة مؤتة
د. راغب السرجاني


الجيش الإسلامي يصل (معان)

معركة مؤتة 11594_image002ما إن وصل الجيش الإسلامي إلى منطقة (مَعَان) بالأردن في جمادى الأولى لسنة ثمانٍ من الهجرة في رحلة طويلة وشاقة، حتى وجد في انتظاره مفاجأة غير متوقعة بالمرة، فقد وجد أن الدولة الرومانية قد ألقت بثقلها في هذا الصراع، وأعدت جيشًا هائلاً يبلغ قوامه نحو مائة ألف مقاتل، ليس هذا فحسب، بل إن العرب النصارى الموالين للرومان كانوا أيضًا قد أعدوا نحو مائة ألف أخرى، ليصل مجموع جيوش العدو إلى مائتي ألف مقاتل، وهو رقم مهول ولا يمكن تخيله، وخاصةً إذا علمنا أن الجيش الإسلامي قوامه ثلاثة آلاف مقاتل فقط.
وإن تجمع الرومان بهذه الأعداد كان أمرًا عجيبًا حقًّا، وليس العجب في كثرة عددهم، إنما العجب في كيف يُجمع هذا العدد المهول لحرب ثلاثة آلاف مقاتل فقط؟!
ويمكن تفسير هذا بأكثر من وجه؛ فمن الممكن أنهم لم يدركوا عدد المسلمين فأعدُّوا عددًا كبيرًا لجميع الاحتمالات، أو أنهم أدركوا بالفعل عدد المسلمين، وأرادوا من وراء ذلك استئصالهم تمامًا حتى لا تقوم لهم قائمة بعدُ، أو أن هرقل لكونه يدرك أنه يحارب نبيًّا أو أتباع نبي أراد أن يُعِدَّ قوة خارقة لعله يهزم هذا الجيش المؤمن، أو لعل السبب كان كل الأوجه السابقة مجتمعة، غير أن ذلك قد وقع بالفعل.
وإذا كان هذا التجمع غريبًا من الرومان فهو أيضًا غريب من العرب؛ حيث لم يكن من عادتهم التجمع أو الاتحاد، ولم تجمعهم قضية واحدة مطلقًا، بل كان يحارب بعضهم بعضًا، ورغم ذلك فقد استطاعوا أن يجمعوا مائة ألف في منطقة واحدة، وليس لهذا إلا تفسير واحد وهو إشارة هرقل لهم بالنهوض معه؛ إذ الكثير من القبائل والدول العربية لا تتحرك عند داعي القتال إلا إذا أخذت إذنًا سابقًا من القائد الأعظم للدولة الأولى في العالم، عندها يهُبُّ الجميع لتنفيذ الأمر {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [size=14][المعارج: 43].

ومهما يكن من أمر فقد تجمع في أرض مَعَان مائتا ألف مقاتل، غالبهم من النصارى سواءٌ من الرومان أو من العرب، وقد باتوا ينتظرون قدوم الجيش الإسلامي القادم من المدينة المنورة، حيث كان هذا العدد وذاك التجمع بالنسبة له مفاجأة بكل المقاييس.

رد فعل الجيش الإسلامي

ما كان من المسلمين إزاء هذا الوضع الخطير إلا أن عقدوا مجلسًا استشاريًّا كعادتهم، وبدءوا في عرض مقترحاتهم لمواجهة تلك المعضلة، وقد تمخض عن هذا الاجتماع وذاك التبادل للرأي ظهور ثلاثة آراء مختلفة:
الرأي الأول: كان يرى أن يرسل المسلمون رسالة إلى الرسول معركة مؤتة R_20 بالمدينة يخبرونه فيها بالخبر، فإما أن يمدهم بمدد، وإما أن يأمرهم بالقتال أو الانسحاب.
وهذا الرأي -لا شك- لم يكن واقعيًّا؛ فالمسافة بين مَعَان والمدينة تستغرق ذهابًا فقط أسبوعين على الأقل، ومعنى هذا أن الجيش الإسلامي سيظل شهرًا كاملاً قبل اتخاذ أي قرار، وهو الأمر الذي إن قَبِله جيش المسلمين فلن تقبله قوات التحالف الرومانية العربية.
الرأي الثاني: وكان يرى أن ينسحب زيد بن حارثة (قائد الجيش) بالجيش، ولا يدخل في أي قتال، وقد قال أصحاب ذلك الرأي لزيد بن حارثة: "قد وطئت البلاد، وأخفت أهلها، فانصرف؛ فإنه لا يعدل العافية شيء"[1]. إذ رأى أصحاب هذا الفريق أن هذه الحرب مهلكة، ومن ثَمَّ فلا داعي إلى الدخول فيها.
الرأي الثالث: وكان يرى المواجهة والدخول في حرب فاصلة ودون تردد، وكان صاحب هذا الرأي هو عبد الله بن رواحةمعركة مؤتة T_20، حيث قام وقال في غاية الجدية والوضوح: "يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادةَ، وما نقاتل الناس بعدد ولا بقوة ولا كثرة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين؛ إما ظهورٌ وإما شهادة"[2].
فقد لخص عبد الله بن رواحة في كلمته القصيرة تلك أساسيات الجهاد في سبيل الله، فليس الجيش المؤمن إلا طالب شهادة وحريص عليها، وأن النصر لا يتأتى بعددٍ ولا عُدَّة، إنما هو من عند الله معركة مؤتة U1_20. وإن هذا ليس معناه أن يترك المسلمون الإعداد، ولكن يجب أن يستنفذوا ما في وسعهم، وما في طاقاتهم، ثم بعد ذلك سينصرهم الله معركة مؤتة U1_20، وهو ما قام به المسلمون بالفعل في إعداد جيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل.
ومن كلام عبد الله بن رواحة أيضًا نعلم أن العُدَّة الرئيسية للمسلمين في القتال هي دين الإسلام، فقد قال: "وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به".
ومن كلامه أيضًا نعلم أن نهاية المعركة عند المسلمين أحد شيئين، إما نصر وإما شهادة، أما الرضا بالهزيمة فليس اقتراحًا مطروحًا عند المسلمين.
وحين قال عبد الله بن رواحة هذه الكلمات، وسبحان الله! كأنها حسمت الموقف تمامًا، واستقر الرأي على قرار القتال، ولنا مع هذا القرار وقفة.

وقفة مع قرار الحرب

لا شك أن إقدام الصحابة معركة مؤتة Y_20 على هذا الأمر بهذه الصورة الجماعية، لهو خير دليل على أنهم طلاَّب آخرة وليسوا طلاب دنيا، وأن الصدق والإخلاص والتجرد يملأ قلوبهم جميعًا، وأن شجاعتهم كانت بالغة، وأن قوتهم النفسية والقتالية كانت فوق حدود التصور.
لا شك في كل ذلك، لكننا نريد أن نتفهم قرار الحرب هذا في ضوء القياسات المادية التي رآها الصحابة معركة مؤتة Y_20، وهو سؤال مهم جدًّا: هل كان قرار الحرب هذا قرارًا صائبًا؟ أو هل كان من المفترض أن يقاتل المسلمون أم لا؟
والإجابة قبل أن يذهب الذهن هنا أو هناك هي: نَعَمْ كان صائبًا، ولا شك في ذلك؛ والدليل هو أن الرسول معركة مؤتة R_20 لم يعلق أي تعليق سلبي على هذا الأمر، ولم يعنِّف الصحابة عليه لا من قريب ولا من بعيد، ولم يذكر أنه كان أولى ألاّ يقاتلوا، والرسول معركة مؤتة R_20 لا يسكت على منكر؛ إذ سكوته إقرار، وإقراره سُنَّة.
ومعنى هذا أنه لو تعرض المسلمون لنفس هذا الحدث بكل تفصيلاته، فإن قرار الحرب آنذاك يكون قرارًا صائبًا، لكن كيف يمكن الجمع بين هذا القرار وعدم جواز إلقاء الجيش الإسلامي في التهلكة؟
فهذا القرار الذي أشار به عبد الله بن رواحة معركة مؤتة T_20 لم يلقَ أي معارضة من الجيش، رغم وجود طاقات عسكرية هائلة فيه، وعلى رأسهم البطل الإسلامي الفذّ خالد بن الوليد معركة مؤتة T_20، وقد كان -كما علمناه- عبقريًّا وواقعيًّا، ولم يكن يرى بأسًا أو حرجًا في الانسحاب إذا رأى أن الحرب مهلكة.
ويجب أن نضع في الحسبان أن هذا الجيش الإسلامي الكبير ليس ملكًا لأفراد بعينهم يضحون به إن شاءوا ذلك، وإنما هو مِلْك للدولة الإسلامية. وإذا كان حب الشهادة أمرًا عظيمًا إلا أنه إذا غلب على ظنِّ القادة أن الجيش سيهلك بكامله، فيصبح الإقدام هنا مفسدة؛ إذ كيف يضحي القادة بثلاثة آلاف مقاتل هم كل عماد الدولة الإسلامية في ذلك الوقت؟
ومن هنا فلا بد أن المسلمين كانوا يرون أن القتال أمر ممكن، وأن النصر أمر محتمل، وأنه وسيلة واقعية لمجابهة الظرف الصعب الذي وضعوا فيه.
لكن كيف يُعَدّ لقاء ثلاثة آلاف بمائتي ألف أمرًا واقعيًّا؟!
إن تفسير هذا عندي له ثلاثة احتمالات:
الاحتمال الأول: أن المسلمين كانوا قد أخفقوا في الحصر الدقيق لأعداد المقاتلين الرومان والعرب، فقدروهم مثلاً بخمسة أضعاف، أو عشرة أضعاف، أو أكثر من ذلك أو أقل.
وقد وجدوا أن القتال مع صعوبته أمرٌ ممكن؛ إذ كل معارك المسلمين السابقة كانت بأعداد أقل بكثير من أعداد المشركين، والله معركة مؤتة U1_20 يقول في كتابه الكريم: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].
وقد ذكر أيضًا I في سورة الأنفال أن الجيش المؤمن قادر على مواجهة عشرة أضعافه إن كان قويَّ الإيمان، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65].
نَعَمْ نزل التخفيف بعد ذلك، وجعل المسلم باثنين من الكفار، لكن من الممكن أن يصل المسلم الواحد إلى عشرة من الكفار، بل قد يزيد على ذلك ويصبح الرجل بألفٍ منهم، كما قال الصِّدِّيق معركة مؤتة T_20 في حق القعقاع بن عمرو التميمي وفي حق عياض بن غَنْمٍ، وكما قال عمر بن الخطاب في حق عبيدة بن الصامت وفي حق الزبير بن العوام، ومَسْلَمة بن مُخَلَّد، والمقداد بن عمرو، فقد قالا عنهم: إن الواحد منهم بألف.
وقد كان واضحًا منذ أول لحظة أن هذا الجيش الإسلامي في مؤتة من المؤمنين الصادقين، الواحد منهم يعدل عشرات بل مئات من الكافرين. ومن هنا كان قرار الحرب مقبولاً عند المسلمين، وخاصة -كما ذكرنا- أنه من المحتمل أنهم قدَّرُوا أعداد النصارى بنحو عشرين أو ثلاثين ألفًا فقط، وهذا أمر محتمل؛ لأن تقدير هذه الأرقام الهائلة قد يكون مستحيلاً في هذه الظروف، إضافةً إلى أنهم في أرض مجهولة للمسلمين لا يعرفون خباياها، ولا كمائنها، ولا طرقها، ولا غير ذلك.
الاحتمال الثاني: هو أن يكون هناك مبالغة في أعداد الرومان والعرب، وأنهم بالفعل أقل من الأرقام الضخمة التي ذكرت في المصادر التاريخية، لكن -لا شك- في أنهم كانوا أضعاف أضعاف المسلمين.
الاحتمال الثالث: وهو أن قادة المسلمين رأوا أن الانسحاب لن ينجيهم من جيوش التحالف الرومانية العربية، وأنهم إن بدءوا في الفرار فإنهم سيحاصرون من كل الجهات، وفي هذه الحالة ستكون المعركة عبارة عن مجزرة حقيقية يُذبح فيها الجيش الإسلامي بكامله، ومن ثَمَّ كان الأفضل هو الثبات والمقاومة؛ لأن ذلك سيعطي دفعة نفسية إيجابية، كَوْن الجيش المسلم يهاجم ويضع الخطط لهزيمة الأعداء بدلاً من أن يفكر في الهرب والدفاع فقط، وعكس ذلك سيكون بالنسبة لقوات التحالف الرومانية والعربية، حيث إنها قد تهتز من رؤية أناس يطلبون الموت، الأمر الذي يكون فيه نجاة للطرف المسلم.
ويؤيد هذا أن فكرة الانسحاب ليس فيها شيء من ناحية الشرع، وقد ذكرها الله معركة مؤتة U1_20 في كتابه الكريم فقال: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} [الأنفال: 16].
ففي هذه الآية حدد الله معركة مؤتة U1_20 سببيْنِ للانسحاب لا يأثم المسلم فيهما؛ الأول: هو أن ينسحب كخُطَّة حربية ليعاود الحرب من جديد.
والثاني: أن تعود فرقة من الجيش إلى الفرقة الأم لكي تستعد بصورة أكبر للقتال، ثم تعاود القتال من جديد. وكانت فئة المسلمين في هذه المعركة أو الجيش الأم لهذا الجيش في المدينة المنورة.
ومن هنا فإن انسحاب الجيش الإسلامي سواء إلى مكان آخر في الأردن أو في الجزيرة العربية، أو حتى عودته إلى المدينة المنورة، ليس فيه خطأ شرعي؛ ولذلك كان أخْذ الصحابة بهذا الرأي أمرًا ممكنًا إن وجدوا أنه يفيد المسلمين، وعلى العكس منه فليس من المقبول شرعًا أن يدخل المسلمون معركة يعلمون أنهم جميعًا سيستشهدون فيها، ويَفْنى الجيش الإسلامي بكامله؛ لأن هذا يُعَدّ تهورًا وليس إقدامًا.
ومن هنا نستطيع أن نقول: إن الجيش الإسلامي وجد أنه لا أمل في الانسحاب، ولا أمل في الفرار، وأنهم يجب عليهم أن يواجهوا هذه العقبة بشجاعة وإيمان؛ حتى يخرجوا منها بأقل خسائر ممكنة، فكان قرار الحرب وعدم الانسحاب.
ومن المحتمل أن يكون قد تحققت الاحتمالات الثلاثة، أي يكون قادة المسلمين قد قدروا أعداد الرومان والعرب بأقل من عددها الحقيقي، وأن هذه الأعداد بالفعل أقل من مائتي ألف، وأن يكون المسلمون وجدوا فرصة الانسحاب منعدمة وغير ممكنة عسكريًّا، ومن ثَمَّ فقد أخذوا قرار الحرب.
أضف لكل ما سبق أن سمعة الدولة الإسلامية كانت -ولا شك- ستتأثر سلبًا إذا انسحب المسلمون من المعركة، خاصةً بعد أن قطعوا هذا الطريق الطويل (ألف كيلو متر)، الأمر الذي كان معه قرار الحرب حفاظًا على كرامة الدولة الإسلامية.

مؤتة واستراتيجية اختيار المكان

معركة مؤتة 11594_image003أخذ المسلمون قرار الحرب بإجماع، وانطلقوا حتى يختاروا مكانًا للقتال قبل أن يختاره الرومان. وبالفعل وصل المسلمون إلى منطقة مؤتة، فقرروا إقامة المعسكر هناك والاستعداد للقتال.
ومنطقة مؤتة هذه تقع في الأردن جنوب محافظة الكرك الآن، وقد زرتها بالفعل حتى أرى ذلك المكان الذي وقعت فيه تلك المعجزة الإسلامية، فوجدتُ المكان عبارة عن سهل منبسط، ليس فيه جبال ولا عوائق طبيعية، وإنما فيه من المزايا ما ييسر على المسلمين عملية القتال، وذلك كالتالي:
أولاً: كون السهل منبسطًا يحرم الفريقين من المناورة، ووضع الكمائن، وهو الأمر الذي لو فعله الرومان لكان كارثة بالنسبة للجيش الإسلامي.
ثانيًا: أن السهل عبارة عن أرض صحراوية، وكان العرب يحسنون القتال في مثل هذه المناطق بحكم تعودهم عليها في بيئتهم، وذلك بخلاف الجيوش الرومانية التي تعوَّدت القتال في الأراضي الخضراء في الشام وتركيا، وغيرها مما بها من أشجار وتضاريس أخرى.
ثالثًا: أن السهل كان مفتوحًا من جنوبه على الصحراء الواسعة، الأمر الذي يجعل الرومان قد لا يجرءون على التوغل في هذه الصحراء، ومن ثَمَّ يستطيع الجيش الإسلامي الانسحاب إذا ما أراد ذلك.
رابعًا: في جنوب هذا السهل -أي في خلف الجيش الإسلامي- بعض التلال، التي من الممكن أن تستغل في إخفاء الجيش الإسلامي وراءها، إذا ما أراد الانسحاب ليلاً.
خامسًا: أن هذا السهل ليس فيه عوائق طبيعية، ليس هناك أي نوع من الحماية للجندي إلا أن يحتمي وراء سيفه ودرعه، ومن ثَمَّ -في هذا المكان المفتوح- فستظهر عوامل الشجاعة والإقدام والتجرد.
وهذا الجانب -بلا شك- يتفوق فيه الجانب الإسلامي تمامًا؛ إذ الجنود في الجيش الإسلامي يقاتلون من أجل قضية وهدف سامٍ، وعيونهم على الموت في سبيل الله، في حين يفتقر الجنود الرومان إلى الهدف والقضية، وما هم إلا قطيع لا يدري لماذا يُقاتل، ولا يدري ماذا سيجني من وراء القتال، فالأمر قد صدر من القيادة العليا وليس لهم إلا التنفيذ، وإن كان هناك نصر فالذي سيحفل به ويسعد هم القادة والقيصر، وإن كان هناك هزيمة فالجنود هم مَن يدفع الثمن من أرواحهم ودمائهم.
وكان هذا شأن الجيوش الرومانية، وهو شأن كل الجيوش العلمانية في العالم، أما العرب النصارى المشاركون في المعركة فلم يشاركوا فيها حبًّا في القتال، ولا رغبة في ثواب أو في جنة، إنما كان طاعة لهرقل؛ إذ غاية أحلامهم أن يرضى عنهم هرقل، وشتَّان بين من يبحث عن رضا هرقل وبين من يبحث عن رضا رب العالمين I، بين من يقاتل ليعيش وبين من يقاتل ليموت.
وإن اختيار الأرض منبسطة بهذه الصورة سيجعل اليد العليا للشجاع على الجبان، وللمُقدِم على المُدبِر، وهذا كله في صالح المسلمين.
د. راغب السرجاني
[/size]

[size]
[1] ابن عساكر: تاريخ دمشق، تحقيق علي شيري، دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ- 1998م، 2/15.
[2] ابن كثير: السيرة النبوية، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة - بيروت، 1396هـ- 1971م، 3/459.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة مؤتة Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة مؤتة   معركة مؤتة Emptyالأحد 22 مايو 2016, 11:42 am

هل ما حدث في مؤتة هزيمة أم نصر ؟
د. راغب السرجاني

تساؤل..!!


معركة مؤتة 11596_image002

مع تلك الموقعة ومع هذا الموقف الذي رأيناه، كان هناك وقفة مهمَّة نتساءل فيها: هل كانت موقعة مؤتة هزيمة للمسلمين أم كانت نصرًا لهم؟ وهل كانت مجرد انسحاب ناجح؛ لأن هذا أفضل النتائج التي من الممكن أن نتوقعها في مثل هذه الظروف، أم أنها كانت نصرًا جليلاً للمسلمين وهزيمة منكرة للرومان؟!
 
وفي معرض الإجابة على هذه الأسئلة، فإن آراء المحللين القدامى حول هذه المعركة قد تباينت تباينًا عظيمًا، فكان منهم من رأى أن المعركة كانت انتصارًا للمسلمين، وممن رأى ذلك موسى بن عقبة في (مغازيه)، والزهري، والواقدي، وقد رجَّح ذلك أيضًا البيهقي وابن كثير.
 
فكل هؤلاء رأوا أن المسلمين انتصروا انتصارًا جليلاً في موقعة مؤتة.
 
وكان منهم من عدَّها هزيمة منكرة للمسلمين، كما أشار بذلك ابن سعد في (طبقاته). ثم كان منهم من رأى أن كل فئة قد انحازت عن الأخرى، يعني شبه تعادل بين الكفتين، وقد مال إلى ذلك ابن إسحاق في (سيرته)، وابن القيم في (زاد المعاد).
 
والحقيقة أني أميل بشدة إلى الرأي الأول، الذي يرى بأن هذه المعركة كانت انتصارًا حقيقيًّا للمسلمين، وعندي من الأدلة ما يقوِّي هذا الرأي ويعضده، والتي منها:
 
الدليل الأول: ما جاء في البخاري عن أنس معركة مؤتة T_20، يحكي عن معجزة من معجزات الرسول معركة مؤتة R_20 وهو يخبر أصحابه نبأ أهل مؤتة قبل أن يعودوا إلى المدينة المنورة، فقد قال معركة مؤتة R_20: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ". يقول أنس -وعيناه تذرفان (يعني يبكي معركة مؤتة R_20 على استشهاد الثلاثة وكانوا جميعًا من أحبِّ الناس إلى قلبه): "حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ".
 
فجملة "حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ" لا تحتمل معاني كثيرة، وهي هنا تحمل معنى النصر والفتح والعلو؛ إذ إن الله معركة مؤتة U1_20 لا يفتح عليهم بمجرد الانسحاب، لكن الواضح أن المسلمين انتصروا وفتح الله عليهم، ثم قرر خالد بن الوليد معركة مؤتة T_20 أن ينسحب، وأن يكتفي بهذا الانتصار دون محاولة متابعة الجيش الروماني؛ وذلك لأن خالد بن الوليد كان واقعيًّا لأبعد درجة، وقد علم أنه لا يستطيع أن يتوغل في أرض الروم بهذا الجيش الإسلامي الصغير، فكان هذا بالفعل فتحًا من الله معركة مؤتة U1_20 على المسلمين، كما ذكر الرسول معركة مؤتة R_20.
 
ولو أراد الرسول معركة مؤتة R_20 أن يذكر أنهم انسحبوا فقط دون انتصار، لكان من اليسير أن يقول كلمة تُفهِم هذا المحمل، مثل: حتى أنجاهم الله، أو نحو ذلك من الكلمات؛ فهو معركة مؤتة R_20 أبلغ البشر، وأوتي جوامع الكلم، ويستطيع أن يصف بكلمة واحدة الحدث تمامًا كما وقع في أرض مؤتة.
 
الدليل الثاني: روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح، عن أبي قتادة معركة مؤتة T_20، أن رسول الله معركة مؤتة R_20 قال لأصحابه قبل أن يعود أهل مؤتة إلى المدينة: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ هَذَا الْغَازِي، إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَأُصِيبَ زَيْدٌ شَهِيدًا، فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ"، فاستغفر له الناس. "ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَشَدَّ عَلَى الْقَوْمِ، حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، أَشْهَدُ لَهُ بِالشَّهَادَةِ، فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَأَثْبَتَ قَدَمَيْهِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الأُمَرَاءِ، هُوَ أَمَّرَ نَفْسَهُ"، ثم رفع رسول الله معركة مؤتة R_20 إصبعيه فقال: "اللَّهُمَّ هُوَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِكَ فَانْصُرْهُ". وفي رواية: "فَانْتَصِرْ بِهِ"[size=15][1].

 
فهذا دعاء من رسول الله معركة مؤتة R_20 لسيف الله المسلول خالد وللجيش الإسلامي بالنصر، ودعاؤه معركة مؤتة R_20 مستجاب. وهذا الحديث من معجزاته يخبر به عن الغيب، ومحال أن يتحقق خلاف ما ذكره معركة مؤتة R_20 للصحابة؛ لأنه ذكره على سبيل الحجة الدامغة لنبوته معركة مؤتة R_20، والحجة الدامغة لإنبائه بالغيب، فحين يدعو فيه بالنصر فلا بد أن يحدث، وهذا تصريح في هذه الرواية، وهي رواية صحيحة.
 
الدليل الثالث: وهي ملاحظة مهمة جدًّا، إذ كم تتخيل وتتوقع أن يكون عدد شهداء المسلمين في هذه الموقعة الطاحنة؟
 
إنه رقم لن تتخيله مطلقًا مهما فكرت فيه؛ إذ لن يوصلك تفكيرك إلى أنهم اثنا عشر شهيدًا فقط، منهم الأمراء الثلاثة.
 
اثنا عشر شهيدًا فقط من جملة ثلاثة آلاف في مواجهة مائتي ألف مقاتل.
 
وهذا دليل دامغ على انتصار المسلمين؛ وذلك لأن الجيش المهزوم من المستحيل أن يموت منه اثنا عشر فقط، وخاصة إذا كان مهزومًا من مائتي ألف.
 
ولا حتى يكون متعادلاً؛ لأن قتلى الرومان أضعاف ذلك، ويكفي في هذا الذين قتلهم خالد بن الوليد معركة مؤتة T_20 بأسيافه التسع التي اندقت في يده. وإذا كان شهداء المسلمين أقل من قتلى الرومان، فهذا من أبلغ علامات النصر.
 
الدليل الرابع: غَنِم المسلمون في مؤتة غنائم عدة، ولا يغنم إلا الجيش المنتصر، بل إنهم غنموا ممتلكات بعض كبار القادة الرومانيين، ومعنى هذا أنهم قتلوا بعض القادة الرومان، وأخذوا أسلابهم.
 
وقد روى ذلك أبو داود وأحمد عن عوف بن مالك الأشجعي معركة مؤتة T_20، إذ يروي أن أحد المسلمين قتل روميًّا يحمل سلاحًا مذهَّبًا، ويركب فرسًا أشقر، وقد أخذ المسلم كل هذا[2]، وهذا يُعَدّ غنيمة عظيمة، خاصةً إذا علمنا أنه لا يحمل الذهب في المعارك إلا القادة الكبار، وليس عامَّة الجند.
 
الدليل الخامس: لم نسمع بعد هذه الغزوة عن شماتة شعرية من شعراء قريش، أو فخرًا من عرب الشمال، وقد كانوا لا يتركون مثل هذه الأحداث أن تمر دون قصائد شعرية.
 
فلو هُزِم المسلمون ما تركهم أعداؤهم في قصائدهم الشعرية، إلا أننا لم نسمع عن مثل هذا، بل كان العكس هو الصحيح، حيث سمعنا فخرًا من المسلمين على لسان كعب بن مالك، وحسان بن ثابت -رضي الله عنهما- في موقعة مؤتة، وهذا لا يأتي إلا إذا كان هناك نصر.
 
الدليل السادس: تركت هذه الموقعة أثرًا إيجابيًّا هائلاً على عرب الجزيرة، خاصةً على المناطق الشمالية من الجزيرة، ورأينا بعد هذه الموقعة وفود القبائل التي طالما كادت للإسلام والمسلمين تأتي مذعنة إلى المدينة المنورة؛ لتعلن إسلامها بين يدي الرسول معركة مؤتة R_20.
 
ولو كانت مؤتة هزيمة لما فعلوا ذلك، ولو كانت تعادلاً لانتظروا ردَّ فعل الرومان، لكن مسارعة هؤلاء تنبئ عن شعورهم بالرهبة والإجلال لهذه الدولة التي وقف جيشها هذه الوقفة أمام جحافل الروم والعرب.
 
ولو كانت الغلبة في هذه الموقعة للرومان والقبائل المتحالفة معها، لكان التسابق لطلب وُدِّ الرومان وغسان هو السمة الغالبة، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث.
 
وقد حدث شيء غريب بعد مؤتة من سلوك بعض القبائل التي أتت إلى المدينة، فقد ازداد انبهار قبائل غطفان -وراجع ما سبق في الحديث عنها وفي حربها- بقوة المسلمين، وقد أتت بعد ذلك لتبايع على الإسلام، ولا يمكن أن يحدث هذا بعد الهزيمة المزعومة للمسلمين في مؤتة.
 
وكذلك أتت بنو سليم وأشجع وذبيان وفزارة وغيرهم، كل هؤلاء أتوا يبايعون على الإسلام، وقد اشتركوا بعد ذلك -كما سنبين- في فتح مكة، ولا يمكن أن يحدث مثل ذلك بعد هزيمة.
 

توضيحات أخرى

ما سبق كان أدلة وحججًا قوية في أن مؤتة كانت نصرًا كبيرًا للمسلمين. أما ما قيل من استقبال الجيش بكلمة: يا فُرَّار! أفررتم في سبيل الله؟!
 
فهذه الرواية سندها ضعيف، وحتى لو صحت فالرسول معركة مؤتة R_20 نفسه في هذه الرواية يدافع عن الصحابة، ويقول مخبرًا أن ما يتوهمه الناس من عودة الجيش دون احتلال مواقع الرومان، أو أخذ غنائمهم ليس فِرارًا، فقال: "إِنَّهُمْ لَيْسُوا بفُرَّارٍ، وَلَكِنَّهُمْ كُرّارٌ إنْ شَاءَ اللّهُ"[3]. هذا إن صحت الرواية.
 
والحقيقة الواضحة وضوح الشمس هي أن موقعة مؤتة كانت انتصارًا بكل المقاييس؛ كانت انتصارًا للإنسان على نفسه، إذ أرغم نفسه على خوض غمار المصاعب والمشاق، بل والموت دون أدنى تردد.
 
كانت انتصارًا على الدولة الرومانية في أول لقاء بينها وبين المسلمين، وسيكون هذا بداية لسلسلة مضنية من الحروب، التي ستكون فيها اليد العليا دومًا للمسلمين.
 
كانت انتصارًا على القبائل العربية الشمالية التي سارعت بعد عام واحد من هذه الأحداث إلى الدخول في دين الإسلام، وذلك بعد أن رأت قوته وبأسه، وكانت قد رأت قبل ذلك حكمته وأخلاقياته، وأيقنت تمامًا أن هذا الدين من عند ربِّ العالمين I.
 
وكانت انتصارًا على كل عدوٍّ للدولة الإسلامية حتى على قريش في مكة؛ فحين رأت قريش هذه الأحداث حَارَتْ في أمرها، ولم تدرِ ماذا فعل المسلمون مع الدولة الأولى في العالم، وكان ذلك سببًا في هزيمة نفسيَّة لأهل مكة، مهدت بعدها لما سيأتي بعد ذلك من فتح مكة، وفتح البلاد المحيطة بها.
 
هذه هي موقعة مؤتة.
 
وهؤلاء هم الأمراء الشهداء الثلاثة.
 
وهذا هو خالد بن الوليد سيف الله المسلول على أعداء المسلمين، والإضافة الرائعة للدولة الإسلامية في الأشهر الثلاثة السابقة.
 
وهذا هو الجيش الإسلامي الذي يُكتب له النصر.
 
وهذا هو الدليل العملي الواقعي على أن الله معركة مؤتة U1_20 ينصر من نصره، ويقف مع من جاهد في سبيله، ويدافع عن الذين آمنوا، ويمحق الكافرين.
 
د. راغب السرجاني
[/size]

[size]
[1] رواه أحمد (22604، 22619) ترقيم النسخة الميمنية، وصححه شعيب الأرناءوط.
[2] رواه أبو داود (2719)، وأحمد (24033، 24043)، وصححه شعيب الأرناءوط.
[3] الألباني: دفاع عن الحديث النبوي والسيرة، مؤسسة ومكتبة الخافقين، دمشق، ص31.


[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69619
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة مؤتة Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة مؤتة   معركة مؤتة Emptyالثلاثاء 24 مايو 2016, 12:24 am

أحداث معركة مؤتة
د. راغب السرجاني




معركة مؤتة وساعة الصفر

معركة مؤتة 11595_image002اصطف المسلمون في مؤتة وقد اقتربت ساعة الصفر لأشرس موقعة في تاريخ السيرة النبوية، حيث أمواج بشرية هائلة من الرومان ونصارى العرب تنساب إلى أرض مؤتة، ورجال كالجبال من المسلمين يقفون ثابتين في وجه أقوى قوة في العالم آنذاك.
وها هي قد ارتفعت صيحات التكبير من المسلمين، وحمل الراية زيد بن حارثة معركة مؤتة T_20، وأعطى إشارة البدء لأصحابه، وقد اندفع كالسهم صوب الجيوش الرومانية، وكان قتالاً لم يشهد المسلمون مثله قبل ذلك.
ارتفع الغبار في أرض المعركة في ثوانٍ معدودات، وما عاد أحد يسمع إلا أصوات السيوف أو صرخات الألم، ولا يتخلل ذلك من الأصوات إلا صيحات تكبير المسلمين، أو بعض الأبيات الشعرية الحماسية التي تدفع المسلمين دفعًا إلى بذل الروح والدماء في سبيل إعلاء كلمة الإسلام.
وقد سالت الدماء غزيرة في أرض مؤتة، وتناثرت الأشلاء في كل مكان، ورأى الجميع الموت مرارًا ومرارًا.

استشهاد زيد بن حارثة

كانت ملحمة بكل المقاييس، سقط على إثرها أول شهيد للمسلمين، وهو البطل الإسلامي العظيم والقائد المجاهد زيد بن حارثة معركة مؤتة T_20، حِبّ رسول الله معركة مؤتة R_20، سقط مُقبِلاً غير مدبر بعد رحلة جهاد طويلة بدأت مع الأيام الأولى لنزول الوحي.
فكان معركة مؤتة T_20 من أوائل من أسلم على وجه الأرض، وقد صحب الرسول معركة مؤتة R_20 في كل المواطن، وكان هو الوحيد الذي ذهب معه إلى الطائف، ووالله لكأني أراه وهو يدافع بكل ما أوتي من قوة عن حبيبه معركة مؤتة R_20 حتى شُجّت رأسه، وسالت دماؤه غزيرة معركة مؤتة T_20.
رأيناه في العام السادس من الهجرة يقود السرية تلو السرية في جرأة عجيبة، وكأنه يُعِدّ نفسه لهذا اليوم العظيم، يوم أن يلقى ربه شهيدًا مقبلاً غير مدبر. لا يبكيَنَّ أحد على زيد بن حارثة، فهذه أسعد لحظة مرت عليه منذ خلق.

استشهاد جعفر بن أبي طالب

حمل الراية بعد زيد بطل آخر هو جعفر بن أبي طالب معركة مؤتة T_20، ذلك البطل الشاب المجاهد ابن الأربعين عامًا آنذاك، وقد قضى معظم هذه السنوات الخوالي في الإسلام، حيث أسلم في أوائل أيام الدعوة، وقضى ما يقرب من خمس عشرة سنة في بلاد الحبشة مهاجرًا بأمر الرسول معركة مؤتة R_20، ثم عاد منها إلى المدينة المنورة في محرم سنة سبع من الهجرة، كان الرسول معركة مؤتة R_20 حينها في خيبر، فلم يَقَرّ له قرار حتى ذهب ليجاهد معه برغبة حقيقية صادقة في البذل والتضحية.
ثم كانت هذه المعركة الهائلة، وقد حمل الراية بعد سقوط أخيه في الإسلام زيد بن حارثة، وقاتل قتالاً لم يُرَ مثله، وأكثر معركة مؤتة T_20 الطعن في الرومان حتى تكالبوا عليه.
كان معركة مؤتة T_20 يحمل راية المسلمين بيمينه فقطعوا يمينه، فحملها بشماله فقطعوا شماله، فحملها معركة مؤتة T_20 بعضضيه قبل أن يسقط شهيدًا، ليأخذ الراية من بعده بطل ثالث، هو عبد الله بن رواحة معركة مؤتة T_20.
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما -كما جاء في البخاري-: "وقفت على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعددتُ به خمسين، بين طعنةٍ وضربة، ليس منها شيءٌ في دبره"[size=15][1]. أي: ليس منها شيء في ظهره؛ يعني أنه قاتل دائمًا من أمام، لم يفر ولو للحظة واحدة معركة مؤتة T_20.

ومن أرض المعركة إلى الجنة مباشرة، لا يسير فيها، بل يطير بجناحين، فقد روى الحاكم والطبراني بإسناد جيد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله معركة مؤتة R_20 قال: "رَأَيْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَلَكًا فِي الْجَنَّةِ، مُضَرَّجَةً قَوَادِمُهُ بِالدِّمَاءِ، يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ"[2].
وروى البخاري أيضًا أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا حيَّا ابن جعفر قال: "السلام عليك يابن ذي الجناحَيْنِ"[3].
فقد أبدل الله جعفر بن أبي طالب معركة مؤتة T_20 بدلاً من يديه اللتين قطعتا في سبيله بجناحَيْنِ يطير بهما في الجنة.
حياة جهادية طويلة، والمكافأة هي الجنة.

استشهاد عبد الله بن رواحة

حمل الراية بعد جعفر عبد الله بن رواحة الخزرجي الأنصاري معركة مؤتة T_20، ذلك المجاهد الشاب الذي شارك في كل الغزوات السابقة، وجاهد -كما ذكرنا- بسيفه ولسانه، وهو الذي كان يحمِّس المسلمين لأخذ قرار الحرب، وهو الذي كان يتمنى ألاّ يعود إلى المدينة، بل يُقتل شهيدًا في أرض الشام.
حمل الراية، وقاتل قتالاً عظيمًا مجيدًا حتى قُتل في صدره معركة مؤتة T_20، ما تردد قَطُّ كما أشيع عنه، وكيف يتردد من يدفع الناس دفعًا إلى القتال؟! كيف يتردد من يحمس الناس على طلب الشهادة؟ كيف يتردد من يثق به رسول الله معركة مؤتة R_20، فيجعله على قيادة هذا الجيش الكبير؟! كيف يتردد من شهد له معركة مؤتة R_20 أنه شهيد؟! ومن دعا له معركة مؤتة R_20 قبل ذلك بالثبات؟!
وهذا التردد الذي أشيع عنه لم يتفق عليه عامَّة أهل السير، ولم ينقله الكثير من كُتَّابهم، فلم ينقله موسى بن عقبة في (مغازيه)، ولم ينقله المقريزي في (إمتاع الأسماع)، ولم ينقله ابن سعد في (الطبقات)، وإنما روى ذلك فقط ابن إسحاق -رحمه الله- في (سيرته).
وفي هذه الرواية تناقض شديد بين أول الرواية وآخرها؛ ففي أولها جهاد وتحفيز على الشهادة، وفي آخرها تردد، وهذا لا يستقيم.
أما ما ورد في سيرة ابن إسحاق أيضًا من أن هناك ازورارًا في سرير عبد الله بن رواحة في الجنة، فهو حديث منقطع السند، وضعفه ابن كثير والبيهقي، وقد عارضه أيضًا ابن كثير بحديث أنس بن مالك في البخاري، والذي ذكر فيه أن عبد الله بن رواحة قُتل شهيدًا، ولم يذكر ترددًا، ولم يُشِرْ إلى ذلك قَطُّ[4].
ولعل الذي أشاع أن عبد الله بن رواحة قد تردد هو ما نُسب إليه من شعر في هذا الموقف، لكن هذا الشعر -إن صحت نسبته- لا يحمل أبدًا معنى عدم الإقدام، إنما يحمل معنى تحميس النفس على شيءٍ خطير، يحمل على بذل الروح والتضحية بالنفس.
إن تحمل آلام الضرب بالسيف، والطعن بالرمح ليس أمرًا سهلاً أو هينًا في حياة الإنسان، فإذا قال الإنسان لنفسه بعض الكلمات التي تصبِّره على تحمل الآلام، وتصبره على فراق الأحبة، وتدفعه إلى الموت لا إلى الحياة، فما الضرر في ذلك؟! إن هذا أمر محمود، بل وقد يكون مطلوبًا، وقد كان من شعره يومئذٍ:
[/size]
يَا نَفْسُ إِنْ لَمْ تُقْتَلِي تَمُوتِـي *** هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صُلِيتِ
[size]
وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَـدْ أُعْطِيـتِ *** إِنْ تَفْعَلِـي فِعْلَهُمَا هُدِيـتِ[size=15][5][/size]
يحدِّث نفسه: إن تفعلي كما فعل زيد وجعفر -رضي الله عنهما- هديت. وبالفعل كان قتاله شديدًا، وجهاده عظيمًا حتى طعن في صدره معركة مؤتة T_20، وتلقى الدماء بيديه ودلَّك بها وجهه، وأصيب شهيدًا كما ذكر معركة مؤتة R_20 في مسند أحمد، وسنن النسائي، والبيهقي عن أبي قتادة معركة مؤتة T_20 بسند صحيح.
فهذه كلها روايات صحيحة في حق هذا البطل الذي شُوِّهت صورته بهذا الأمر الذي لا يستقيم في حقه أبدًا، وهو الذي دفع المسلمين هذا الدفع في هذه المعركة الهائلة.
سقط القادة الثلاثة شهداء ليثبتوا لنا وللجميع أن القيادة مسئولية، وأن الإمارة تكليف وليست تشريفًا، وأن القدوة هي أبلغ وسائل التربية.
فثباتهم -لا شك- كان سببًا في ثبات الجيش الإسلامي، وجهادهم لا بد أنه قد دفع الجيش الإسلامي لأنْ يُخرِج كل طاقته، فما يفر الجنود إلا بفرار القادة، وما تسقط الراية إلا بهوانها على حاملها، لكن في مؤتة ما سقطت راية المسلمين قَطُّ، ولا لحظة من لحظات القتال.

خالد بن الوليد.. القائد الرابع

بعد استشهاد البطل العظيم عبد الله بن رواحة معركة مؤتة T_20، حمل الراية الصحابي الجليل ثابت بن أقرم البدريّ (ممن شهد بدرًا) معركة مؤتة T_20، فقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم. فقالوا: أنت تحمل الراية. فقال: ما أنا بفاعل. ثم تقدم إلى خالد بن الوليد معركة مؤتة T_20، القائد المعجزة، فدفع له الراية، وقال له: أنت أعلم بالقتال مني. فقال خالد -وعمره في الإسلام ثلاثة أشهر- متواضعًا: أنت أحق بها مني، أنت شهدت بدرًا.
فنادى ثابت: يا معشر المسلمين. فاجتمع الناس على خالد، وأعطوه الراية، فحمل خالد الراية، وجاهد جهادًا عظيمًا يُكفِّر به عن العشرين سنة الماضية.
هذا أول مواقفه في سبيل الله، ولا بد أن يُرِي الله معركة مؤتة U1_20 منه بأسًا وقوة وجلدًا وإقدامًا، قاتل خالد بن الوليد كما لم يقاتل من قبلُ، حتى قال -كما في صحيح البخاري-: "لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية"[6].
تسعة أسياف تكسَّرت في يديه معركة مؤتة T_20 وهو يحارب الرومان، فتخيل كم من البشر قتل بهذه الأسياف، ومع ذلك فقد استمر في قتاله يُغيِّر سيفًا بعد الآخر، ويقاتل في معركة ضارية، لكنه ثبت ثباتًا عجيبًا، وثبت المسلمون بثباته معركة مؤتة T_20.
وعلى هذا الحال استمر القتال يومًا كاملاً، ما تراجع المسلمون فيه لحظة واحدة، وإنما وقفوا كالسدِّ المنيع أمام طوفان قوات التحالف الرومانية العربية، واستمر الحال على هذا الوضع حتى جنَّ المساء. ولك أن تتخيل قتالاً منذ الصباح وحتى المساء، وثلاثة آلاف في مقابل مائتي ألف.

خطة عبقرية !

لم يكن من عادة الجيوش في ذلك الوقت أن تقاتل ليلاً، فكان أن تحاجز الفريقان، واستراح الرومان ليلتهم هذه، لكن المسلمين لم يركنوا إلى الراحة، وإنما كانوا في حركة دائبة؛ فقد بدأ خالد بن الوليد في تنفيذ خُطَّة عبقرية بارعة للوصول بجيشه إلى برِّ الأمان، وكان هدفها إشعار الرومان بأن هناك مددًا كبيرًا قد جاء للمسلمين؛ وذلك حتى يتسلل الإحباط إلى داخل جنود الرومان والعرب المتحالفين معهم، فهم أمْسِ كانوا يتقاتلون مع ثلاثة آلاف وقد رأوا منهم ما رأوا، فكيف إذا جاءهم مدد؟!
ولتنفيذ هذه الخطة قام خالد بن الوليد معركة مؤتة T_20 بالخطوات التالية:
أولاً: جعل الخيل طوال الليل تجري في أرض المعركة لتثيرَ الغبار الكثيف؛ فيُخيَّل للرومان أن هناك مددًا قد جاء للمسلمين.
ثانيًا: غَيَّر من ترتيب الجيش، فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة، وجعل المقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة، وحين رأى الرومان هذه الأمور في الصباح، ورأوا الرايات والوجوه والهيئة قد تغيَّرت، أيقنوا أن هناك مددًا قد جاء للمسلمين، فهبطت معنوياتهم تمامًا.
ثالثًا: جعل في خلف الجيش وعلى مسافة بعيدة منه مجموعةً من الجنود المسلمين فوق أحد التلال، منتشرين على مساحة عريضة، ليس لهم من شغل إلا إثارة الغبار لإشعار الرومان بالمدد المستمر الذي يأتي للمسلمين.
رابعًا: بدأ خالد بن الوليد في اليوم التالي للمعركة بالتراجع التدريجي بجيشه إلى عمق الصحراء، الأمر الذي شعر معه الرومان بأن خالدًا يستدرجهم إلى كمين في الصحراء، فترددوا في متابعته، وقد وقفوا على أرض مؤتة يشاهدون انسحاب خالد، دون أن يجرءوا على مهاجمته أو متابعته.
ونجح مراد خالد بن الوليد، وسحب الجيش بكامله إلى عمق الصحراء، ثم بدأ الجيش في رحلة العودة إلى المدينة المنورة سالمًا.
د. راغب السرجاني
[/size]

[size]
[1] البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة من أرض الشام (4012).
[2]
 المتقي الهندي: كنز العمال، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1989م، 11/663، رقم الحديث (33205).
[3]
 البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي معركة مؤتة T_20 (3506).
[4]
 ابن كثير: السيرة النبوية 3/463.
[5]
 البيهقي: السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز - مكة المكرمة، 1414هـ- 1994م، 9/154، رقم الحديث (18254).
[6]
 البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة من أرض الشام (4017).
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
معركة مؤتة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» معركة ديو البحرية
» معركة وادي المخازن أو معركة الملوك الثلاثة
» معركة ذي قار
»  معركة ذي قار
» معركة الشجاعية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: معارك اسلاميه-
انتقل الى: