منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 التاريخ إلاسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:40 am

التاريخ إلاسلامي

يمتد التاريخ الإسلامي على فترة زمنية طويلة تغطي معظم العصور الوسيطة على مساحة جغرافية واسعة تمتد من حدود الصين في آسيا إلى غرب آسيا وشمال إفريقيا وصولا إلى الأندلس. ويمكن اعتبار التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على النبى محمد بن عبد الله ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة مرورا بالدولة الأموية في دمشق التي امتدت من حدود الصين حتى جبال البرانس شمال الاندلس ثم الدولة العباسية، بما تضمنته هذه الدول الإسلامية من إمارات وسلطنات ودول مثل السلاجقة والبويهيين وفي المغرب الأدارسة والمرابطون ثم الموحدون وفي الشام الحمدانيون والزنكيون وغيرهم ،أخيرا في مصر الفاطميون وفي الشام ومصر مثل - الأيوبيون والمماليك ثم سيطرة الإمبراطورية العثمانية التي تعتبر آخر الإمبراطوريات التي كانت تحكم باسم الإسلام على امتداد رقعة جغرافية واسعة.


الدين والدولة في الإسلام

منذ البداية تميز الإسلام بأنه أكثر من دين ينظم العلاقة بين الإله كخالق وبين الإنسان كمخلوق كما تفعل معظم الأديان الأخرى، فقد قام رسول الله في الإسلام محمد بن عبد الله منذ بداية نزول الوحي (القرآن الكريم) بتأسيس المسلمين بشكل جماعة برزت منذ أيام الاضطهاد المكي لتتطور إلى مجتمع وما يشابه الدولة في المدينة المنورة. وهناك في المدينة تتابع نزول الوحي منظما علاقات الأفراد المسلمين (مهاجرين وأنصار) بين بعضهم ومع أفراد الأديان الأخرى (اليهود في المدينة)، وكل هذا يجعل من الإسلام دينا جماعيا بامتياز حتى أن عباداته بمجملها تقوم على فكرة الجماعة والتضامن في المجتمع، إضافة إلى تحديد علاقة الإنسان مع الخالق والطبيعة، مما يجعله دينا ذا جانبين : روحي ديني، واجتماعي سياسي.[بحاجة لمصدر]
تفسير التاريخ الإسلامي

تختلف وجهات النظر التي تحاول شرح وتفسير التاريخ الإسلامي بكل تعقيداته وزخمه بالأحداث والثورات والقلاقل، حسب الخلفيات الإيديولوجية التي يتبناها المحللون والأدوات التحليلية التي يستخدمونها.

في العصر الحديث بعد ما يسمى بعصر الصحوة كانت هناك توجهات واضحة من قبل المؤرخين المعروفين بالقوميين لتفسير التاريخ الإسلامي على أنه تاريخ عربي محض، في ذات الحين نرى أيضا مؤرخين شيوعيّين يميلون لرؤية التجاذبات السياسية والعسكرية في مجمل التاريخ الإسلامي بوجهة نظر ماركسية تغلب العوامل الاقتصادية والصراع الطبقي فوق كل اعتبار آخر، أما المؤرخون العلمانيون فكانوا يحاولون جهدهم لمنع إدخال العامل الديني ضمن تفسير الأحداث وكانت جهودهم تتركز على إعادة استكشاف ما يدعى بالتاريخ الجاهلي باعتبار أن بذور النهضة العربية بدأت في ذلك العصر وما الإسلام إلا بذرة التطور في الفكر العربي.[بحاجة لمصدر]

بين كل ذلك الاختلاف على تفسير الأحداث بقي المؤرخون ذوو التوجه الإسلامي يناضلون لإثبات تفرد الإسلام كدين أحدث ثورة اجتماعية وحضارية منحت العرب دولتهم وحضارتهم وهذه حقيقة لا جدال فيها ويؤكدون على تسامح الإسلام ووصول العديد من الأعراق الإسلامية الأخرى إلى سدة الحكم. كما يؤكد هؤلاء المؤرخون على أن بعثة النبي محمد بن عبد الله كانت نقطة فارقة أحدثت انقلابا في تاريخ المنطقة ككل بشكل خاص والعالم بشكل عام. لكن نقطة الضعف الأساسية أنهم يقدمون بعد ذلك توصيفا للأحداث بدون تفسيرها فبعض السنة تؤكد على عدم الخوض في تفاصيل أحداث فتنة مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان والخلاف بين معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب باعتبار الإثنين من الصحابة وكلاهما مغفور لهما، أما الفريق الآخر من أهل السنة والجماعة فيؤكد خطأ معاوية في الخروج على علي ويثبتون أحقية علي بدلالة انتخابه وبيعته. على الطرف الآخر النقيض يقف الشيعة موقفهم المعروف من دعم علي وآل بيته في خلافة المؤمنين بتقرير رسول الله محمد بن عبد الله، جاعلين الخلافة شأنا شرعيا بخلاف نظرية السنة التي تجعل الخلافة أمرا سياسيا يتفق عليه المسلمون وينعقد بالبيعة.

يتفرد الدكتور عبد العزيز الدوري بطرح تفسير مبكر للتاريخ الإسلامي يعتمد على عدة نظريات ويعتمد مزيج عدة عوامل في تفسير التاريخ الإسلامي، وهذا المزج وتعدد العوامل المفسرة يمنح نموذجه التفسيري مرونة أكثر وقدرة تفسيرية أوسع.

يمكن تصنيف العوامل التي تلعب دورا رئيسيا حسب تفسير الدكتور الدوري إلى :

* عوامل عقدية : تلعب فيها أمور الدين والعقائد دورا أساسيا،
* عوامل ثقافية : فالثقافات والعادات المختلفة سواء الموجودة مسبقا عند العرب مما يدعى بالعادات القبلية والبدوية أو العادات التي صادفوها عند انتشارهم في الأقاليم المجاورة مثل الموروث الفارسي والكسروي والموروث الروماني واليوناني،
* عوامل حضارية فلسفية : تشكل مجموع العلوم والفلسفات التي تلقاها المسلمون عند اختلاطهم بالشعوب الأخرى وهي أساسا : الفلسفات الهندية والفارسية واليونانية،
* عوامل اقتصادية : فالمال والثروة طالما كانت ذات دور رئيسي في الكثير من الحروب والنزاعات التي رسمت تاريخ الجنس البشري.

يعتمد الدكتور عابد الجابري تصنيفا مشابها في كتابه العقل السياسي العربي : حيث يقوم بدراسة التاريخ الإسلامي حسب محاور ثلاثة : (العقيدة، القبيلة، الغنيمة) كما يدخل أيضا المدخلات الغريبة من عادات حكم وتقاليد فارسية ويونانية رومانية.
ظهور الإسلام

الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام كانت مجموعة من الأعراب (البدو الرحل) أو المدنيين (أهل القرى وسكان المدن الصغيرة) ينتظمون في قبائل. ويعتبر الولاء للقبيلة وتحالفاتها الأساس في تنظيم المجتمع العربي (البدوي بشكل غالب) (مفهوم العصبية). كانت الغالبية العظمى تدين بالوثنية إضافة لأقليات يهودية ومسيحية وكانت مكة مركزا دينيا يؤمه العرب من كل صوب لأداء الحج إلى البيت الحرام الذي بناه إبراهيم.

في هذا الجو ظهر محمد ليجهر بالإسلام، وكان أهم تأثير سياسي للإسلام أنه استطاع إقامة دولة في المدينة المنورة يسودها تشريع يحكم الجميع، ووثائق ومعاهدات مع الأقلية اليهودية التي كانت تسكن المدينة. لاحقا استطاع المسلمون هزم المشركين في عدة معارك وفتحت مكة قبل وفاة رسول الله بعامين فحطمت أوثان العرب التي كانت موجودة في الكعبة وأعلن التوحيد.

التوحيد الذي جاء به الإسلام لم يكن دينيا روحيا فقط بل كان أيضا اجتماعيا سياسيا، فالجزيرة العربية كلها دخلت في عقيدة واحدة وأصبح لها كيان واحد وقبلة واحدة وإله واحد هو الله. في حين ضعفت العصبيات القبلية والمطامع المادية في تلك الفترة مؤقتا قبل أن تعود للظهور بعد أن حقق المسلمون انتصارات مهمة لإسقاط دولة الساسانيين وفتح بلاد الشام.
عصر الخلافة الراشدة

توفي النبي محمد بن عبد الله في عام 632 ميلادي، وقد ترك للمسلمين دينا واضحا وكتاب الله القرآن، لكن قضية إدارة شؤون الأمة السياسية لم تكن واضحة ومتّفقا عليها عند الجميع، لذلك فإن أول مشكلة كانت ستواجه المسلمين هي قضية الخلافة أو قيادة الأمة وهي قضية ما زالت موضع خلاف حتى اليوم بين الفريقين العريضين :الشيعة والسنة.

كان البعض من أنصار علي بن أبي طالب يرون أن عليا (ابن عم الرسول وزوج ابنته وهو أول من أسلم من الصبيان دون البلوغ وأبو بكر أول من أسلم من الرجال وخديجة أول من أسلم من النساء كما حققها ابن كثير في البداية والنهاية) هو الأحق بخلافة الرسول لكن آراء أخرى كثيرة كانت مطروحة فالأنصار كانوا يطالبون بالخلافة لهم لنصرتهم للرسول وإيوائهم المهاجرين باختيار خليفة منهم، وأغلبية المهاجرون كانت ترى أن هذا الأمر لا يمكن أن ينعقد إلا لشخص من قريش، وانتهت المفاوضات في سقيفة بني ساعدة إلى مبايعة أبي بكر الصديق خليفة.
خلافة أبو بكر وحروب الردة

استلم أبو بكر خلافة الأمة في مرحلة دقيقة، فغياب الرسول محمد بن عبد الله شجع الكثير من القبائل العربية التي أعلنت ولاءها للإسلام إلى إعلان العصيان ومحاولة الخروج عن سلطة المدينة عن طريق رفضها دفع الزكاة في حين أعلن البعض الآخر ارتداده عن الإسلام وظهر العديد من مدعي النبوة في أرجاء مختلفة من الجزيرة العربية. عرف أبو بكر مباشرة أن مثل هذه الحركات تهدد وحدة الأمة والدين وكان رده مباشرة عن طريق مجموعة حملات عسكرية على القبائل المرتدة عرفت بحروب الردة.

لم تستمر خلافة أبي بكر إلا سنتين وثلاثة أشهر وثمانية أيام استطاع خلالها إخماد حركة الردة والخروج عن سلطة المدينة. وقبل موته عادت مشكلة الخلافة من جديد فما كان من أبي بكر إلا أن حلها بالوصية إلى عمر بن الخطاب الذي أصبح خليفة....
خلافة عمر بن الخطاب

استمر حكم عمر بن الخطاب عشر سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوما تمت خلالها معظم أوائل الفتوحات الإسلامية خصوصا فتح بلاد الشام و بلاد الرافدين ومصر داحرين الوجود البيزنطي والساساني في كلا من بلاد الشام والعراق ومصر. اقتحم المسلمون غمار البحار في عهد عمر بن الخطاب وهزموا البيزنطيين في معركة ذات الصواري. كل هذا جعل من الدولة الإسلامية تتحول إلى بداية إمبراطورية مترامية الأطراف تشمل العديد من الأراضي والأقوام والشعوب. تدفقت الأموال على المدينة المنورة وانتعشت الحياة الاقتصادية مما أثار فعليا مخاوف أمير المؤمنين الذي عرف بزهده وعدله، ورغم ما عرف به عمر من عدل يتجلى في قصص كثيرة (قصة ابن عمرو بن العاص مع القبطي : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) فإن انهيار الدولة الساسانية الكامل شكل غيظا شديدا عند بعض الفرس، مما سيجعل ابن الخطاب يلقى حتفه على يد أبو لؤلؤة.
خليفة عمر بن الخطاب

قبل وفاة ابن الخطاب يفطن إلى طريقة جديدة في اختيار الخليفة القادم تخلصه من مسؤولية الاختيار والتي ستكون تطبيقا فريدا لمبادئ الشورى التي يحض عليها الإسلام : ما كان من عمر إلا أن اختار مجموعة من ستة أشخاص (هم من بقي من العشرة المبشرين بالجنة) أي إنهم أشخاص قد حازوا رضا الله ورسوله وأمرهم أن يجتمعوا بعد موته لاختيار خليفة المسلمين.

انحصر أمر الخلافة بعد أول جلسة شورى بين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعثمان بن عفان رضي الله عنه، مما دفع بالأمر لإجراء استفتاء في المدينة قام به عبد الرحمن بن عوف وكانت نتيجته لصالح عثمان بن عفان، ويشير الكثير من المؤرخين أن الناس كانت قد ملت سياسات ابن الخطاب التقشفية وكانت تخشى أن زاهدا جديدا مثل ابن أبي طالب سيستمر بزجرهم من الاستمتاع بالثروات الجديدة، أما ابن عفان فهو ثري أصلا وتقوا فهو لا يرى ضيرا من التمتع بما آتاه الله من نعم.[بحاجة لمصدر]
خلافة عثمان بن عفان

يقسم عادة المؤرخون خلافة عثمان بن عفان (اثنتا عشر سنة) إلى قسمين : ست سنوات جيدة وست سنوات في اضطربات وفتنة. الست سنوات الأولى توبعت فيها الفتوحات واستمر تقدم الجيوش الإسلامية في شمال إفريقيا وآسيا الوسطى، أما الست السنوات الأخيرة فقد تميزت بظهور الاضطرابات سيما في مناطق مثل العراق ومصر. وعلى ما يبدو أن أمورا اقتصادية والتعقيدات الاجتماعية الجديدة الناشئة عن تشكل مجتمعات جديدة : قبائل عربية وافدة، سكان أصليين، جيوش إسلامية، حضارات سابقة في الأراضي المفتوحة الجديدة قد بدأت بإفراز تأثيراتها في هذه السنين الست. المحتجون على سياسة عثمان كانت تشير إلى امتيازات يحصل عليها أقرباؤه من بني أمية إضافة إلى مجموعة من الإنتقادات الشرعية، استمرت هذه الإعتراضات إلى أن انتهت بفتنة مقتل عثمان وهي أول فتنة داخلية تلم بالمسلمين.
خلافة علي بن أبي طالب وفتنة مقتل عثمان

تسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مقاليد الخلافة بعد بيعة سريعة في المدينة ليواجه وضعا متأزما في الدولة الإسلامية بعد مقتل عثمان. والمشكلة الأساسية أن معاوية بن أبي سفيان اتهم بعض أنصاره بالمشاركة في مقتل عثمان. ولهذا السبب لم يبارك معاوية بن أبي سفيان عن بيعة علي، وقد كان واليا على بلاد الشام وشمل نفوذة في عاصمته دمشق وما حولها.

بعد فترة وجيزة، نقل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مركز قيادته إلى الكوفة حيث يتجمع أنصاره، مبتعدا عن المدينة المنورة، وبعد ذلك سيدخل في نزاع مع طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ومعهم عائشة في معركة الجمل، منتصرا في النهاية رغم كراهيته لهذا النصر. يحاول علي أن يستعيد السيطرة على الشام عن طريق مواجهة معاوية بن أبي سفيان في معركة صفين التي ستنتهي دون حسم والاتفاق على مسألة التحكيم بين معاوية وعلي. لكن مسألة التحكيم التي كان ممثلا الخصمين فيها : أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص، وبعدها تخرج هذه المجموعة من جيش ابن أبي طالب وسيدعون لاحقا بالخوارج الخارجين على إجماع المسلمين.

سيتحول الخوارج لاحقا إلى ألد خصوم علي كرم الله وجهه الذي سيهزمهم بعدة معارك أهمها معركة النهروان، لكنه في النهاية سيلقى مصرعه على يد رجل منهم يدعى عبد الرحمن بن ملجم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:40 am

الجدول الزمني

حروب الردة

(11هـ. – 13هـ./632م. – 634م.) حروب الرّدّة هي الحروب التي حدثت بعد وفاة رّسول الإسلام محمد بسبب ارتداد غالبيّة العرب عن الإسلام، فلم يبقَ مواليًا لحكم أبي بكر سوى القبائل المحيطة بالمدينة بالإضافة إلى سكان المدينة، ومكة، والطائف. لقد قرّر الخليفة أبو بكر الصّديق مقاتلة جميع المرتدّين ولم يترك أحدًا منهم رغم توجّه بعد الصّحابة إليه أن يترك من امتنع عن دفع الزّكاة من القبائل. فأرسل الجيوش الإسلاميّة بقيادة عكرمة بن أبي جهل لمحاربة لقيط بن مالك في دبا فحاربه حتى قتل في المعركة. ومن ثم خالد بن الوليد لمحاربة مسيلمة الكذاب. وإنتصر خالد على مسيلمة في معركة اليمامة التي كانت من أقسى المعارك التي خاضها المسلمون.

أسباب الرّدّة

1. إدّعاء قسم من القبائل النبوّة بسبب العصبيّة القبليّة حيث اختارت كل قبيلة شخصًا منها ليكون نبيًّـا.
2. عدم تعوّد قسم من القبائل الخضوع للنظام الذي اقرّه الإسلام من تحريمات مثل: تحريم الخمر، والميسر والزّنا والربا وغيرها.
3. رفض قسم من القبائل دفع الزكاة حيث اعتبرتها ضريبة واعتبرت دفعها خضوعًا مهينًا لها.
4. اعتقاد قسم من القبائل أنّ ولائهم السّياسي للرسول محمد كان ولائًا شخصيًّا ينتهي بوفاة الرّسول محمد بن عبد الله.

الأحداث
وفاة الرسول

لما توفي محمد بن عبد الله صل الله عليه وسلم رسول الدين الإسلامي، اتسع نطاق الردة في كل مكان إلا ما كان من المدينة ومكة والطائف [بحاجة لمصدر]، ثم إن المناطق التي تقع إلى الشمال من المدينة، قد خاف أهلها بإرسال جيش أسامة، وقالوا: لو لم يكن للمسلمين قوة لما أرسلوا مثل هذا الجيش، فلنترك الأمر إلى قتالهم مع الروم، فإن انتصر الروم فقد كفونا القتال، وإن انتصر أسامة فقد ثبت الإِسلام، وهذا ما جعل الردة تنكفأ في تلك البقاع.

وكان المرتدون فريقين، أولهما قد سار وراء من أعلنوا نبوتهم أمثال مسيلمة وطليحة والأسود، وآمنوا بما يقولونه، وثانيهما بقي على إيمانه بأركان الدين الإسلامي بأن آمن بالله وشهد بنبوة محمد وأقام الصلاة، إلا أنه قد رفض تأدية فريضة الزكاة وعدّها ضريبة يدفعها مكرهاً، وقد أرسل هذا الفريق الثاني وفداً إلى المدينة لمفاوضة خليفة الرسول محمد بن عبد الله، وقد نزل على وجهاء الناس في المدينة، عدا العباس بن عبد المطلب، وقد وافق عدد من كبار المسلمين على قبول ما جاءت به رسل الفريق الثاني، وناقشوا في ذلك الأمر أبا بكر، ومنهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة، وغيرهم، إلا أن أبا بكر قد رفض منهم ذلك، وقال قولته المشهورة "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لجاهدتهم عليه".

وقال عمر لأبي بكر ما: كيف تقاتلهم وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: أَمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله. فقال أبو بكر : والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً (الأنثى الصغيرة من الماعز) لقاتلتهم على منعهم.

وهكذا رأى أبو بكر أن الاسلام كل لا يتجزأ وليس هنالك من فرق بين فريضة وأخرى، والزكاة وإن كانت من النظام الاقتصادي، إلا أنها ركن من أركان الاسلام، وعبادة بحد ذاتها، ولا يمكن تطبيق جزء من الإِسلام وإهمال آخر. ورأى الصحابة أن الأخذ باللين أفضل إذ زلزلت الأرض بالردة والنفاق.وقال عمر : يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم، فأجابه أبو بكر : رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك؟ أجبار في الجاهلية وخوار في الإِسلام؟ إنه قد انقطع الوحي، وتمَ الدين، أوَ ينقص وأنا حي؟ أليس قد قال رسول الله صل الله عليه وسلم إلا بحقها، ومن حقها الصلاة وإيتاء الزكاة، والله لو خذلني الناس كلهم لجاهدتهم بنفسي.

وردّ أبو بكر وفد المنافقين الذين امتنعوا عن دفع الزكاة، مسفهاً رأيهم، مستمسكاً بالحق في إجبارهم على الخضوع الصحيح للدين فعاد رجال الوفد إلى قبائلهم وأخبروهم بقلة عدد المسلمين - وكان جيش أسامة قد انطلق - وأطمعوهم بغزو المدينة.
الدفاع عن المدينة المنورة

وكان أبو بكر عندما عاد إلى المدينة بعد أن شيعَ جيش أسامة قد جعل كبار الصحابة على منافذ المدينة إلى البادية، ومنهم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، وطلب من أهل المدينة أن يكونوا في المسجد استعداداً لكل طارئ، وقال لهم: إن الأرض كافرة، وقد رأى وفدهم قلة، وإنكم لا تدرون أليلاً تؤتون أما نهاراً وأدناهم منكم على بريد، وقد كان القوم يأملون أن نقبل منهم ونوادعهم، وقد أبينا عليهم، ونبذنا إليهم عهدهم، فاستعدوا وأعدّوا.

كان أبو بكر يريد أن يؤخر قتال المنافقين والمرتدين حتى يعود جيش أسامة، لذا كان يستقبل الرسل ويبعث بآخرين، إلا أنه في الوقت نفسه أراد بعض المنافقين أن يستغلوا الفرصة ويهاجموا المدينة قبل عودة الجيش الإِسلامي من بلاد الروم، وقبل استكمال المسلمين لقوتهم. فلم تمض أيام ثلاثة على عودة أبي بكر إلى المدينة من تشييع أسامة حتى داهمت المدينة غارة ليلاً، وقد اطمأن المغيرون إلى أن الجيش الإِسلامي قد ابتعد عن المدينة وأوغل في البعد.

وصلت الغارة إلى المدينة المنورة وقد خلفت وراءها قوةً ردءاً لها في ذي حسى(موقع قرب المدينة)، وعندما طرقت الغارة الأنقاب وجدت عليها المقاتلة، ووراءهم أقوام أشبه بالمراسلين، فأوصلوا الخبر إلى أبي بكر في المسجد، فأرسل أبو بكر إلى المقاتلة عن الأنقاب أن اثبتوا، وسار بأهل المسجد إلى الأنقاب، فانهزم المغيرون وولوا الأدبار، ولحقهم المسلمون على إبلهم حتى (ذي حسى)، فوجدوا الردء هناك، وقد نفخوا الأنحاء(ضروف السمن)، وربطوها بالجبال، ودهدهوها(دفعوها) بأرجلهم في وجه إبل المسلمين، فنفرت الإبل ورجعت بالمسلمين إلى المدينة، فأرسل المنافقون إلى إخوانهم في ذي القصة (مكان يبعد 35 كيلو متراً عن المدينة) بالخبر، فأسرعوا إليهم، وحضر أبو بكر ليلته، ثم خرج في آخر الليل ماشياً، وعلى الميمنة النعمان بن مقرن، وعلى الميسرة عبد الله بن مقرن (أخو النعمان)، وعلى الساقة سويد بن مقرن (أخو النعمان)، فلما أصبح الصباح لم يشعر المنافقون إلا والمسلمون يعجلون فيهم السيف. فلما كانت ضحوة ذلك النهار ولّى المنافقون الأدبار، ووصل المسلمون إلى (ذي القصة)، ترك أبو بكر النعمان بن مقرن في عدد من المسلمين، ورجع هو بالناس إلى المدينة.

ارتفعت معنويات المسلمين في هذا النصر، وثبت مسلمو القبائل على دينهم، وجاء نصر آخر إذ وصلت إلى المسلمين أموال الصدقات من عدة جهات، فقد جاء صفوان بن صفوان بصدقات بني عمرو وذلك في أول الليل من جهة النقب الذي عليه سعد بن أبي وقاص. وجاء الزبرقان بن بدر في وسط الليل بصدقات من غطفان من جهة النقب الذي عليه عبد الرحمن بن عوف وجاء عدي بن حاتم الطائي في آخر الليل بصدقات قومه من جهة النقب الذي عليه عبد الله بن مسعود، وكان ذلك بعد مسير جيش أسامة بن زيد بشهرين كاملين، ثم كان النصر الثالث إذ لم تمض عشرة أيام حتى رجع جيش أسامة غانماً ظافراً، فاستخلف أبو بكر أسامة بن زيد على المدينة، وقال له: أريحوا وأريحوا ظهركم، ثم خرج في الذين خرجوا إلى (ذي القصة) والذين كانوا على الأنقاب، فقال له المسلمون : ننشدك الله يا خليفة رسول الله، أن تعرض نفسك، فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام، ومقامكم أشد على العدو، فابعث رجلاً فإن تصب أمرت آخر، وجاء علي بن أبي طالب بزمام راحلة وقال له: أقول لك ما قال لك رسول الله صل الله عليه وسلم يوم أحد: شمّ(اغمد) سيفك ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للإِسلام بعدك نظام أبداً فقال : لا والله لا أفعل، ولأواسينكم بنفسي. فخرج إلى (ذي الحسى) و(ذي القصة)، والنعمان بن مقرن وأخواه كما كانوا في التشكيل السابق، ثم نزل أبو بكر بمن معه إلى الرَبَذة بالأبرق وقاتل المنافقين وغلبهم، فولّوا الأدبار، ورجع أبو بكر إلى المدينة، وجاءت صدقات كثيرة إلى المسلمين تزيد على حاجاتهم.
البعوث

بعدما ارتاح جند أسامة، عقد أبو بكر أحد عشر لواءً لقتال المُرْتدِّيْن في كل أنحاء الجزيرة العربية وهم:

1. خالد بن الوليد: وأرسله إلى طليحة بن خويلد الأسدي فإذا فرغ منه سار إلى مالك بن نويرة اليربوعي التميمي بالبطاح (منزل لبني يربوع، وقيل ماء في ديار بني أسد بن خزيمة، وتقع جنوب وادي الرقة في بعض الأودية المتجهة إليه من الجنوب).
2. عكرمة بن أبي جهل: وأرسله إلى مسيلمة الكذاب الحنفي في اليمامة.
3. شرحبيل بن حسنة: وأرسله دعماً إلى عكرمة بن أبي جهل في اليمامة.
4. المهاجر بن أبي أمية: وبعثه لقتال أتباع الأسود العنسي في اليمن، فإذا فرغ سار إلى حضرموت.
5. عمرو بن العاص: وسيره إلى قضاعة في الشمال.
6. خالد بن سعيد بن العاص: ووجهه إلى مشارف الشام.
7. حذيفة بن محصن: وأمره بالحركة إلى أهل دَبا.

وبعد أن قاتل أبو بكر الصديق عبس وذبيان (بالأبرق) من أرض (الرَّبّذة) وهزمهم، اتجه قسم منهم إلى (البزاخة)، وهي ماء لبني أسد، وهناك طليحة بن خويلد الأسدي، فلما عقد أبو بكر الألوية، طلب من خالد أن يسير إلى أرض طيء لتنخذل طيء وعبس وذبيان، وأظهر أن أبا بكر سيتجه إلى خيبر ومن هناك سيرفد خالداً في بلاد طيء.
طليحة بن خويلد

سار خالد بن الوليد إلى بلاد طيء ولكن عدي بن حاتم طلب من خالد أن يمهله ثلاثة أيام ليكسب إليه قومه ففعل، ومن بلاد طيء، نزل خالد إلى (بُزاخة)، وقتلت طليعته عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم، ولما التقى الجماعة هزم عيينة بن حصن مع قومه فزارة، فانفصل عن القوم، وفرّ طليحة بعدها نحو بلاد الشام، وكان طليحة قد ارتد في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فارسل إليه ضرار بن الأزور، فنزل المرتدون في (سميراء) وبدأ عددهم بالتناقص، وفي هذه الأثناء توفي رسول الله صل الله عليه وسلم، فزاد عدد المرتدين وانضمت غطفان بإمرة عيينة بن حصن إلى بني أسد، وكانوا قد خالفوا طيئاً (عوف وجديلة وغوث)، فلما انضمت غطفان إلى أسد فرّ ضرار بن الأزور ببعض من معه إلى المدينة، وانفضت جموعه. وعندما جاء خالد وهزم أعداءه في البزاخة أسلمت أسد وعامر وغطفان.
سجاح

بعد انتهاء خالد من بني أسد وأحلافهم اتجه بأمر من الخليفة إلى بني يربوع في تميم في البطاح وعليهم مالك بن نويرة. وكان الخلاف في بني تميم على أشده وقد جاءتهم سجاح من الجزيرة بتغلب فدخلت بلادهم. ولما عادت سجاح إلى الجزيرة، تحير بنو تميم الذين وادعوها، وندموا على ما كان منهم، ولم يلبثوا طويلاً حتى وصلت إليهم جيوش خالد بن الوليد، فعندما جيء برؤسائهم إلى خالد، جادلهم وشهد جماعة عل<بن
مسيلمة الكذاب

سار عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة الكذاب في اليمامة، وتبعه شرحبيل بن حسنة، ولكنه لم يدركه، وكان عكرمة قد أسرع فهزمته جموع بني حنيفة فبقي شرحبيل ينتظر المدد، وجاء أمر أبي بكر لعكرمة بالانتظار أيضاً، وإذا فرغ سار إلى حذيفة بن محصن وعرفجة بن هرثمة لقتال المرتدين في عمان حتى يلتقوا مع المهاجر بن أبي أمية الذي يكون قد فرغ من اليمن وسار إلى حضرموت.

وكان خالد قد عاد إلى المدينة والتقى بأبي بكر وذلك بعد الانتهاء من البطاح، فاعتذر لأبي بكر فرضي عنه، وأرسله إلى مسيلمة الكذاب، فسار إلى البطاح والتقى بجنده هناك وانتظر حتى جاءه المدد، فقام إلى مسيلمة. ولما وصل إليها كان شرحبيل بن حسنة قد سابقه في قتال القوم فهزم، وكان يساعده بعض بني حنيفة بإمرة ثمامة بن أثال، فلام خالد شرحبيل في تسرعه: وعسكر مسيلمة في بني حنيفة في عقرباء في أعلى وادي حنيفة - وتسمى اليوم الجبيلة - وسلك خالد ثنية في جبل اليمامة (طويق) وعلى المجنبتين زيد بن الخطاب أخو عمر، وأبو حذيفة بن عتبة، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس.

وكان ضرار بن الأزور قد سار في قسم من الجند من ثنية من الشمال، ونزلوا من جهة (ملهم) (قرية من قرى اليمامة، ولا تزال معروفة حتى يومنا، تقع إلى الشمال من الرياض على بعد ستين كلم منها) إلى عقرباء، وجرت معركة حامية الوطيس تراجع المسلمون في أولها حتى دخل بنو حنيفة على خالد في فسطاطه، ثم حمل المسلمون حملة رجل واحد أزالت المرتدين عن مواقعهم، وأجبرت مسيلمة الالتجاء إلى حديقة عرفت باسم حديقة الموت، وفيها صرع مسيلمة الكذاب وعدد كبير من جنده، واستشهد من المسلمين عدد من القراء ووجهاء الناس، منهم زيد بن الخطاب وثابت بن قيس وغيرهم كثير.
عمان

وفي عمان ظهر لقيط بن مالك الأزدي، وغلب عليها، واضطر جيفر وعباد ابنا الجلندي صاحبا عمان الإلتجاء إلى الجبال وعلى سواحل البحر، وأرسل جيفر إلى أبي بكر يستنجده، فبعث أبو بكر حذيفة بن محصن إلى عمان وعرفجة بن هرثمة إلى مهرة، وأوصاهما إذا التقيا أن يبتدئا بعمان، وإذا اقتربا منها راسلا جيفرا وعبادا، ثم أتبعهما بعكرمة بن أبي جهل الذي كانت وجهته اليمامة، فلما هزم طلب من الخليفة أن يسير بمن معه إلى عمان.

اتجه عكرمة في أثر حذيفة وعرفجة فأدركهما قبل الوصول إلى عمان، وهناك راسلوا جيفرا وعبادا، وعسكر المسلمون في صحار (قصبة عمان مما يلي الجبل، وهي طيبة الهواء والخيرات والفواكه، مبنية بالآجر والساج، كبيرة ليس في تلك النواحي مثلها. ولا تزال قائمة إلى الآن بين مسقط والفجيرة).

تجمعت جموع لقيط في دبا، وجرت معركة بين الطرفين كاد ينجح فيها لقيط لولا النجدات التي وصلت للمسلمين من البحرين وغيرها، فانتصر المؤمنون، وهزم لقيط، واستولى المسلمون على الغنائم، وارسلوا الخمس مع عرفجة إلى أبي بكر الصديق، وبقي حذيفة يدير شؤون عمان، وسار عكرمة إلى مهرة. وكان القوم فيها قد ارتدوا، إلا أنهم اختلفوا فقسم منهم في السواحل مع (شخريت) وهم أقل عدداً، وبدأ بهم عكرمة، فدعاهم للإِسلام، فوافقوا، الأمر الذي أضعف القسم الثاني الذين كانوا في المناطق المرتفعة مع (المصبح)، فهزموا أمام المسلمين الذين حازوا على الغنائم، فأرسل عكرمة الخمس مع (شخريت) إلى المدينة المنورة.
اليمن

أما اليمن فقد كان عليها عدد من الولاة كلٌ على جزء، وقد ادعى فيها النبوة الأسود العنسي، وأرسل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسل والكتب، واستمر ذلك حتى مات وهدأت الأمور باليمن، فلما انتقل رسول الله صل الله عليه وسلم انتقضت اليمن، فالتجأ عمال النبي إلى المسلمين إلا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بن العاص فإنهما عادا إلى المدينة.

ووصل الخبر إلى أبي بكر فحارب المرتدين بأن أرسل إليهم الرسل والكتب كما كان يفعل رسول الله صل الله عليه وسلم فلما رجع جيش أسامة من غزوه، وعقد أبو بكر الألوية، بعث (عَتَّابُ بن أسيد) عامل مكة أخاه خالد بن أسيد إلى المرتدين في تهامة فغلبهم، وبعث عثمان بن أبي العاص على الطائف ابن ربيعة إلى شنوءة فقهرهم. وتحرك كذلك بتهامة اليمن الأخباث من عك والأشعريين فسار إليهم الطاهر بن أبي هالة، وأخبر بذلك أبا بكر، فانتصر الطاهر قبل أن يصل إليه كتاب وجواب أبي بكر. وأرسل أبو بكر جرير بن عبد الله البجلي إلى بجيلة وخثعم فانتصر عليهم، وأقام بنجران حسب أوامر الخليفة.

وأرسل أبو بكر كتاباً إلى طاهر بن أبي هالة يأمره بأن يسير إلى صنعاء لمساعدة المسلمين، كما كتب إلى عبد الله بن ثور أن يجمع إليه من استجاب له من أهل تهامة، وينتظر التعليمات.

أرسل أبو بكر المهاجر بن أبي أمية إلى اليمن، فسار عن طريق مكة، فمشى معه خالد بن أسيد، ومرّ بالطائف، فمشى معه عبد الرحمن بن أبي العاص، ثم انضم إليه جرير بن عبد الله البجلي بالسراة، وعبد الله بن ثور بتهامة، كما أنضم إليه من نجران فروة بن مسيك، فأوثق المهاجر عمرو بن معد يكرب، وقيس بن عبد يغوث المكشوح وهما من المرتدين، وأرسلهما إلى أبي بكر. ووصل المهاجر إلى صنعاء ودخلها، ولاحق شذاذ القبائل الذين هربوا.
حضرموت

وارتدت حضرموت، وكان عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها عكاشة بن محصن وزياد بن لبيد البياضي ثم أرسل إليها المهاجر بن أبي أمية، ولم ينطلق من المدينة بعد حتى توفي رسول الله صل الله عليه وسلم فسيَّره أبو بكر إلى اليمن، وهو في طريقه إلى عمله الجديد، فوصل إلى صنعاء ودخلها، وكان عمال أبي بكر ينتظرون والي حضرموت الجديد.

وسار المهاجر إلى حضرموت، كما سار إليها عكرمة بن أبي جهل، فالتقيا في مأرب، فاقتحما حضرموت، وأرسل خمس الغنائم إلى أبي بكر ومعها الأشعث بن قيس الكندي أسيرا، وبقي في المدينة حتى خرج مجاهداً إلى العراق، واختار المهاجر بن أبي أمية العمل في اليمن فكان هو وفيروز، وبقي في حضرموت زياد بن لبيد البياضي وعبيدة بن سعد.
البحرين

وأما البحرين فكان فيها بنو عبد القيس وبنو بكر، وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن ساوى، وتوفي في المدة التي مات فيها رسول الله صل الله عليه وسلم، فارتدت البحرين، أما بنو عبد القيس فقد ثبتت على الإسلام بفضل الجارود وأما بكر فثبتت على ردتها.

أما الجارود فكان رجلا نصرانياً، وقد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم، وبقي بالمدينة حتى فقه في الدين، ثم رجع إلى قومه فلم يلبث إلا يسيراً حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتد قومه وقالت بنو عبد القيس: لو كان محمد نبياً لما مات، وبلغ ذلك الجارود فجمعهم وقال لهم: يا معشر عبد القيس، إني سائلكم عن أمر فأخبروني به إن علمتموه ولا تجيبوني إن لم تعلموا. قالوا: سل عمّا بدا لك، قال: تعلمون أنه كان لله أنبياء فيما مضى؟ قالوا: نعم، قال: تعملونه أو ترونه ؟ قالوا: لا بل نعلمه، قال: فما فعلوه؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمداً صل الله عليه وسلم مات كما ماتوا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وَأن محمداً عبده ورسوله، قالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك وأفضلنا، وثبتوا على إسلامهم، وحصرت جماعته في مكانين، وقاد المرتدين الحطم بن ضبيعة.

وأرسل أبو بكر العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وكان من قبل أميراً عليها من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما اقترب من البحرين التحق به ثمامة بن أثال من مسلمة بني حنيفة وذلك بأمر رسول الله صل الله عليه وسلم، فكان الجارود ومن معه من عبد القيس يقاتلون الحطم بن ضبيعة، والعلاء ومن معه يقاتلون المرتدين في جهة هجر، ونصر الله المسلمين وأيدهم وخذل الكافرين وهزمهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:41 am

الفتوحات الإسلامية

الفتوحات الإسلامية هي عدة حروب خاضها المسلمون بعد وفاة الرسول صل الله عليه وسلم ضد بيزنطة والفرس والقوط في السنوات مايين (632–732) في العهدين الراشدي والأموي، كان من نتائج الغزوات سقوط مملكة الفرس وفقدان البيزنطينيين لإقاليمهم في الشام وشمال أفريقيا ومصر نشر الإسلام ونشر اللغة العربية معه ومن ثم ظهور الحضارة العربية الإسلامية.

بعد وفاة رسول الإسلام محمد بن عبد الله(صل الله عليه وسلم) في المدينة المنورة بويع أبو بكر بالخلافة وحارب قبائل العرب في حروب الردة وبعدها فتح المسلمون بلاد الروم البيزنطيين والفرس الساسانيين. ففتحوا الشام ومصر والعراق وفارس. بعدها ازدهرت الحضارة الإسلامية في الدول التي دانت بالإسلام ودانت له طواعية تحت ظل الخلافة الراشدة وحكم الدولتين الأموية والعباسية. ولقد ظلت الخلافة الراشدة ثلاثين عاما (632 – 661 م). وكان الخليفة عمر أول من أقيمت المدن الإسلامية في عهده كالكوفة وفسطاط ومدن إسلامية عديدة.

تأسست الدولة الأموية (661 - 750 م) وكانت عاصمتها دمشق وحكمت حوالي قرن. وكانت تمتد من غربي الصين إلى جنوب فرنسا حيث كانت الغزوات الإسلامية وقتها تمتد من شمال أفريقيا إلى إسبانيا وجنوب فرنسا بغرب أوروبا, وبالسند في وسط آسيا وفيما وراء نهري جيحون وسيحون. واقيمت المؤسسات الإسلامية والمساجد والمكتبات في كل البقاع التي غزاها الأمويون.

وحاول الخلفاء الأمويون بدمشق غزو مدينة القسطنطينية عام 717 م. وإبان حكمهم غزوا جميع البلاد في شمال أفريقيا. وكان أول نزول لقوات الدعوة الإسلامية في عصر الدولة الأموية وضمت أرض الأندلس بشبه جزيرة إيبريا (أسبانيا والبرتغال). فكان أول انتصار للمسلمين هناك عام 92 هجرية (711 م) في معركة وادي البرباط, لتبدأ مسيرة الغزوات الإسلامية بجنوب إيطاليا وصقلية. فلقد بلغت الدعوة الإسلامية برنديزي والبندقية بإيطاليا على بحرالأدرياتيك. وخضعت كل جزر البحر الأبيض المتوسط من كريت شرقا حتى كورسيكا غربا للحكم الإسلامي [بحاجة لمصدر].

وكانت الخلافة الأموية الثانية بالأندلس 756 – 1031 م عاصمتها قرطبة التي شيدها الأمويون على غرار عاصمتهم دمشق. وكانت أكبر مدينة في أوروبا. وحكموا الأندلس زهاء قرنين. وكانت هذه الخلافة منارة للحضارة في الغرب حتى قسمها المعتدون من الطوائف لدويلات أدت، لسوء الحظ، إلى سقوط الحكم الإسلامي. ولاسيما بعد سقوط مملكة غرناطة بيد المعتدين عام 1492 م علي يد الملك فريناندو والملكة إيزابيلا. وعندما كانت الحضارة الأندلسية في عنفوانها, كانت موقعة بواتييه قرب تولوز بوسط فرنسا قدأوقفت المد الإسلامي الكاسح لشمالها. حيث لم ينتصر عبد الرحمن الغافقي على الفرنجة عام 114 هجرية (732 م) عندما قتل بها في معركة بلاط الشهداء. لكنهم رغم هذه الهزيمة, واصلوا غزواتهمم حتي أصبحت تولوز وليون ونهر اللوار تحت السيادة الإسلامية ولكن كان احتلالهم لتولوز لفترة قصيرة تبلغ ثلاثة أشهر نجح بعدها الدوق أودو (الذي يعرف بيودس) الذي ترك المدينة للبحث عن المساعدة من العودة مع جيش لينتصر على الجيوش العربية في معركة تولوز في 9 يونيو، 721. وكان الفاتحون قد بلغوا نهر السين وبوردو وجنوب إيطاليا (أطلقوا عليه البر الطويل).

وما بين سنتي 910 و1171 م، وكان ظهور السلاجقة في المشرق والفاطميّون بالقاهرة والأيوبيّين والمماليك في الشام ومصر. وكانت الحملات الصليبية على سوريا وفلسطين ومصر والسيطرة على القدس. وفي عام1187 م سيطر صلاح الدين على بيت المقدس من الصليبيين.

وكان إحراق المغول التتار لبغداد عام 1258 م بعدما كانت عاصمة الخلافة العباسية خمسة قرون. ثم بعدها رجعوا لديارهم وكانوا وثنيين. لكنهم أسلموا عند عودتهم. فكانوا للإسلام داعين ومبشرين له بين قبائلهم. وأقاموا تحت ظلاله الإمبراطوريات والممالك الإسلامية بأفغانستان وباكستان وشبه القارة الهندية وبالملتان والبنغال وآسيا الوسطي وأذربيجان والقوقاز والشيشان وفارس وغيرها من بلدان المشرق الإسلامي. حيث أقاموا الحضارة الإسلامية المغولية والتركية التي ما زال أوابدها ماثلة حتي اليوم. وكان تيمورلنك قد أقام الإمبراطورية التيمورية عام(1379 - 1401 م) وكانت العاصمة سمرقند بوسط آسيا. وقد حكم إيران والعراق والشام وحتى الهند. وكانت وقتها طرق القوافل التجارية العالمية تحت سيطرة المسلمين. سواء طريق الحرير الشهير أو تجارة المحيط الهندي بين الشرق الأقصى وشرق أفريقيا. وكان السقوط الأخير للقسطنطينية(عام 1453 م), عاصمة الإمبراطورية البيزنطية(الروم). وكان هذا السقوط علي يد محمد الفاتح العثماني. وأطلق عليها إسلام بول (إستانبول) بعدما جعلها عاصمة للخلافة العثمانية (الإمبراطورية العثمانية) (1350 - 1924 م). وكان لسقوط القسطنطينية صداه في العالم الإسلامي كله حيث أقيمت الزينات بدمشق والقاهرة وشمال أفريقيا لأن هذا النصر كان نهاية للكنيسة الشرقية ولاسيما بعد تحويل مقرها إلي أيا صوفيا. ثم أستطاع العثمانيون غزو رومانيا والصرب والبوسنة والهرسك والمجر والبانيا واليونان وجورجيا وكرواتيا واجزاء شاسعه من روسيا (القوقاز) واوكرانيا (القرم)[بحاجة لمصدر].ولقد حاصروا فيينا قلب أوروبا المسيحيه ثلاث مرات أيضا وما كانوا سيهزموا لولا حدوث خيانه في قيادة الجيش العثمانيً. وحشد البابا في الفاتيكان قوات أوروبا لوقف هذا الزحف الإسلامي وأستطاع أن يرد العثمانين بعد بقائهم لمدة شهرين فقط في معركة فيينا في 1683. ومن بعدها كان خبز الكرواسون ومعناه الهلال (بالفرنسية) يصنع على هيئة الهلال ليأكله الأوربيون في أعيادهم للإحتفال بالإنتصار على العثمانيين الذي كان علمهم يحتوي على هلال وكل هذا فضلا عن بلوغ التتار المسلمين القوة التي مكنتهم من محاصرة موسكو وغزوها لولا ان قبل اهلها بدفه الجزية للتار المسلمين.

في ظلال الحكم الإسلامي ظهرت مدن تاريخية منها ماهو كان قائم وازدهر ومن ما هو جديد كالكوفة وحلب وحمص والبصرة ودمشق وبغداد والرافقة الرقة والفسطاط والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وقرطلة وغيرها. كما خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كإستانبول بمساجدها ودمشق بعمائرها الإسلامية والقاهرة وحلب والمهدية والقيروان بتونس وبخاري وسمرقند وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية ومرسية وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الإسلامية. وفي القارة الأفريقية نجد أن60% من سكانها مسلمون[بحاجة لمصدر]. وفي العالم نجد المسلمين يشكلون حاليا أكثر من ربع سكان أهل الأرض.

لم تكن الدعوة لتقف في أرض معينة، فالأرض كلها ساحتها وميدانها، وإذا توقفت قليلاً بعد وفاة رسول الله صل الله عليه وسلم فذلك بسبب الردة، فلما انتهت الردة كان لابد من أن تعاود نشاطها، وتسير بشكل طبيعي، ويقاتل كل من يقاتلها باغياً وعدواناً وهذا هوالجهاد.

وانتهت حروب الردة، وكان لا بدّ من الجهاد، فالفرس يقفون في وجه الدعوة، ويحاولون دعم أعدائها، ومدّ المرتدين عليها، والروم يحاربون الدعوة، وينصرون خصومها، ويحرضون القبائل المتنصرة ضدها، وكان لا بدّ من قتال الطرفين، والاستعانة بالله عليهما وبالإيمان القوي بأن النصر من الله يؤتيه من يشاء ممن استقام على منهجه، وإذن كان على المسلمين أن يقاتلوا على جبهتين لم تكونا متفقتين وهذا ما ساعدهم على القتال وحرية الحركة دون الخوف من الطرف الآخر.


الجبهة الفارسية

كان الفرس يسيطرون على مناطق واسعة تبدأ من بادية الشام في الغرب، وشمال جزيرة العرب من الجنوب، وتتوسع منطقتهم في الغرب وتتناقص حسب انتصارهم على الروم، أو هزيمتهم أمامهم، فتارة يتوسعون وقد وصلوا إلى سواحل البوسفور ثم ارتدوا حتى حدود الفرات، وكان عدد من القبائل العربية تقيم في المناطق التي يسيطر عليها الفرس سواء في منطقة السواد أم على ضفاف الفرات والجزيرة، ومن هذه القبائل تغلب وبكر وشيبان وربيعة وطيء، وبعضها كانت مُتنصرّة في أغلبها كتغلب، وكانت طيء تعلو ويقيم رئيسها في بلدة الحيرة على مقربة من الفرات، ويعمل للفرس على توطيد سلطانهم في تلك الأنحاء، وكان من بني شيبان فارس مقدام قد دخل في الإِسلام هو المثنى بن حارثة الشيباني، وقد طلب من أبي بكر بعد أن انتهى من حروب المرتدين في البحرين أن يؤمره على قومه وعلى من دان بالإِسلام في تلك الجهات ليجاهد الفرس، ويقاتل أعداء الله، فأمره أبو بكر فصار يناوش الفرس، وينتصر عليهم وقعة بعد وقعة إلا أنه في عدد قليل من المجاهدين، والفرس كثير، ومعهم عدد كبير من العرب المُتنصّرة، والقوة ستتناقص مع الأيام أمام الكثرة فكان لا بدّ من إرسال المدد للمثنى. وانتهى خالد من حرب اليمامة، فجاءه الامر من أبي بكر بالتوجه إلى العراق ليدعم المثنى بن حارثة الشيباني وليكن دخوله من الجنوب على حين يدخلها عياض بن غنم من جهة الشمال، وليكن لقاؤهما في الحيرة ومن سبق إليها كانت له الامرة على صاحبه. وكان ذلك في مطلع العام الثاني عشر للهجرة. وأمد خالداً بالقعقاع بن عمرو التميمي، وأنجد عياض بن غنم بعبد ابن عوف الحميري.

سار خالد بن الوليد مباشرة باتجاه الحيرة، والتقى في طريقه ببعض القريات (ألّيس) وما جاورها فصالح صاحبها (بَصْبَري بن صلوبا)، ثم اتجه نحو الحيرة، وكان عليها من قبل الفرس هانئ بن قبيصة الطائي، فقال له خالد : إن أدعوكم إلى الله وإلى عبادته، وإلى الإِسلام، فإن قبلتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم فقد جئناكم بقوم يحبون الموت كما تحبون أنتم شرب الخمر. فقالوا : لا حاجة لنا في حربك، فصالحهم على تسعين ومئة ألف درهم. وكان المثنى بن حارثة الشيباني يقاتل تارة في جهات كسكر وأخرى في جهات الفرات الأسفل، يقاتل الهرمزان في تلك البقاع، فاستدعى خالد المثنى ونزلوا إلى جهات الأُبُلّة لتجميع قوات المسلمين، وكانوا في ثمانية عشر ألفاً، وقد سار المثنى قبل خالد بيومين، وسار عدي بن حاتم وعاصم بن عمر التميمي بعد المثنى بيوم، وأعطاهم خالد موعداً في الحفير. وقد التقوا بهرمز في أرض الأُبُلّة، وكانت المعركة وأراد هرمز أن يغدر بخالد إلا أن القعقاع بن عمرو قتل هرمز، والتحم مع حماته الذين أرادوا أن يغدروا بخالد، وركب المسلمون أكتاف أعدائهم حتى غشاهم الليل، وكان الفرس قد ربطوا أنفسهم بالسلاسل لذلك سميت هذه المعركة ذات السلاسل... وأرسل خالد بن الوليد المثنى بن حارثة في أثر القوم، وبعث معقل بن مُقرّن إلى الأَبلّة ليجمع المال والسبي، وسار المثنى حتى بلغ نهر المرأة، فحاصرها في الحصن الذي كانت فيه وكان على مقدمته أخوه المعنّى، فصالحت المرأة المثنى، وتزوجها المعنّى، أما المثنى فقد استنزل الرجال من الحصون، وقتل مقاتلتهم، وأقر الفلاحين الذين لم ينهضوا للقتال مع الفرس.

كان أردشير قد أمر بجيش كبير بقيادة (قارن بن قريانس) فلما وصل إلى المذار(على ضفة نهر دجلة اليسرى تقع شمال القربة ب 37 كلم، بين البصرة وواسط، وهي قصبة ميسان) وصل إليه خبر هزيمة هرمز ومقتله، فتجمع هناك، فسار إليه خالد، ونشبت معركة قتل فيها معقل بن الاعشى القائد الفارسي (قارن)، وقتل عاصم بن عمرو خصمه (الانوشجان) وقتل عدي بن حاتم عَوه (قُباذ) وقتل يومذاك من الفرس عدد كبير وصل إلى ثلاثين ألف مقاتل. وبعدها وزع خالد الغنائم وقسّم الفيء.

وتجمع الفرس ثانية في (الولجة) مع ما جاءهم من مدد قوامه جيشان الأول بقيادة (الأندرزعر) والثاني بإمرة (بهمن جاذويه) فسار إليهم خالد، وقد خلّف سويد بن مقرن في الحفير، وقد هزمت الفرس هزيمة منكرة أيضاً في هذه الجولة.

وتأثر نصارى العرب من هذه الانتصارات فكاتبوا الفرس وتجمّعوا في ألّيس، فأسرع إليهم خالد وانتصر عليهم انتصاراً مبيناً وقتل منهم ما يقرب من سبعين ألفاً، ثم اتجه نحو الحيرة ثانية.

ولما انتهى خالد من الحيرة ولّى عليها القعقاع بن عمرو، وخرج يريد دعم عياض بن غنم الذي كلف بشمال العراق، فنزل خالد إلى الفلّوجة ومنها إلى كربلاء فولى عليها عاصم بن عمرو، وكان على مقدمته الأقرع بن حابس، أما المثنى فكان يناوش الفرس على شواطئ دجلة. وسار خالد إلى الأنبار ففتحها ثم استخلف عليها الزبرقان بن بدر، وقصد عين التمر، فهزم جموع أهلها الذين هم من العرب المُتنصّرة والعجم، ثم حصرها فنزلوا على حكمه، فقتل من قتل منهم وأسر وسبى. واستخلف على عين التمر عويم بن الكاهل، وسار باتجاه عياض بن غنم الذي علم أنه لا يزال في دومة الجندل(وهي في شمال جزيرة العرب، ومكانها اليوم مدينة الجوف) وقد كتب إليه يستنجده، فكتب إليه خالد "من خالد إلى عياض إياك أريد".

ولما علم أهل دومة الجندل مسير خالد إليهم استنجدوا بالقبائل المُتنصّرة من العرب من كلب وغسان وتنوخ والضجاعم فأمدوهم. ولما اقترب خالد من دومة الجندل اختلف رئيساها وهما : أكيدر بن عبد الملك، والجودي بن ربيعة، فاعتزل الأكيدر، وهَزم الجودي ومن معه ومن جاءه من الدعم الذين لم يتسع لهم الحصن. وأقام خالد بدومة الجندل، وأرسل الأقرع بن حابس إلى الأنبار، وبعد مدة لحق خالد بالحيرة.وخرج خالد من الحيرة وولّى عليها عياض بن غنم، وكان على مقدمة خالد الأقرع بن حابس... ثم بعث وهو بالعين أبا ليلى بن فركي إلى الخنافس والقعقاع إلى حُصيد. فانتصر القعقاع في حصيد، وفر من بالخنافس إلى المصَيّخ إذا لم يجد أبو ليلى، بالخنافس كيدا. وسار خالد وأبو ليلى والقعقاع إلى المصيخ وكان قد اجتمع فيه من هرب من الخنافس والحصيد، وهناك انتصر المسلمون انتصاراً مبيناً. ثم ساروا إلى الثني (مكان بالجزيرة الفراتية يقع إلى الشرق من الرصافة في سوريا ه بنو تغلب) والزُّمَيْل(موقع إلى الشرق من الرصافة) فانتصروا على أعدائهم، ثم ساروا إلى الرضاب(موقع إلى الشرق من الرصافة، أو مكانها قبل أن يعمرها هشام بن عبد الملك)، وبها هلال بن عَقَة، وقد انفض عنه أصحابه عندما سمعوا بدنو خالد وجيشه، ثم ساروا إلى الفراض (موضع بين إلى الشرق من البو كمال على بعد 40 كيلاً منها، قريبة من الحدود بين سوريا والعراق اليوم) وهي على تخوم الشام والعراق والجزيرة وذلك في شهر رمضان، وتعاون الفرس والروم ضد المسلمين، والتقت الجموع على نهر الفرات فقتل من الفرس والروم والعرب المُتنصّرة أكثر من مئة ألف...

أقام خالد بن الوليد عشرة أيام بالفرائض، ثم اذن بالرجوع إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بالناس، وأظهر خالد أنه في الساقة، وسار مع عدة من أصحابه إلى مكة يؤدي الحج، ورجع من الحج، فوصل إلى الحيرة ولم تدخل الساقة البلدة بعد، ولم يدر الخليفة أبو بكر بما فعل خالد إلا بعد مدة، فعتب عليه، وصرفه عن العراق إلى الشام.

وصل كتاب أبي بكر إلى خالد وهو بالحيرة وفيه : أن سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك، فإنهم قد شجوا وأشجوا، وإياك أن تعود لمثل ما فعلت، فإنه لم يشْجِ الجموعَ من الناس بعون الله شجاك، ولم ينزع الشجى من الناس نزعك، فليهنئك أبا سليمان النية والخطوة، فأتمم يتمم الله لك، ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل، وإياك أن تدل بعمل، فإن الله له المن، وهو ولي الجزاء.

وجاء فيما كتب أبو بكر لخالد : أما بعد فدع العراق وخلّف فيه أهله الذين قدمت عليهم، وهم فيه، وامض مختفياً في أهل القوة من أصحابك الذين قدموا معك العراق من اليمامة وصحبوك في الطريق، وقدموا عليك من الحجاز، حتى تأتي الشام فتلقى أبا عبيدة ومن معه من المسلمين، فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام.

سار خالد من الحيرة في العراق، وقد استخلف المثنى به حارثة الشيباني على جند العراق، وسار هو إلى دمشق الشام إلى أبي عبيدة : أما بعد فإني أسأل الله لنا ولك الأمن يوم الخوف والعصمة في دار الدنيا من كل سوء، وقد أتاني كتاب خليفة رسول الله يأمرني بالمسير إلى الشام وبالقيام على جندها والتولي لأمرها، والله ما طلبت ذلك قط ولا أردته إذ وليته فأنت على حالك التي كنت عليها لا نعصيك ولا نخالفك ولا نقطع دونك أمراً، فأنت سيد المسلمين، لا ننكر فضلك، ولا نستغني عن رأيك تمم الله بنا وبك من إحسان ورحمنا وإياك من صلي النار والسلام عليك ورحمة الله.

سار خالد من الحيرة إلى دومة الجندل، وخرج منها من جهة وادي السرحان إلى الشمال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:42 am

الفتح الإسلامي لبلاد الشام

كانت سوريا قبل الإسلام من أهم مناطق الدولة البيزنطية وكانت مدنها مراكز دينية هامة في الشرق القديم، في بداية عصر انتشار الإسلام كانت سوريا (بلاد الشام) تشكل مركز الامبراطورية الرومانية الشرقية ولها أهميتها في الامبراطورية، وفي عهد الخليفة أبو بكر الصديق أرسل الحملة التي كان أعدها الرسول بقيادة أسامة بن زيد لصد هجمات الروم على حدود شبه الجزيرة العربية في سوريا حيث قال له: "لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا ولا امرأة ولا تقعروا نخلا ولا تحرقوه ,ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بعيرا..." وفي هذه الحملة نجح أسامة في صد هجمات الروم. ثم طلب أبوبكر الصديق من خالد بن الوليد التوجه لقيادة الجيوش الأربعة إلى الشام وهم: الجيش الأول بقيادة يزيد بن أبي سفيان، الجيش الثاني بقيادة شرحبيل بن حسنة، الجيش الثالث بقيادة أبو عبيدة بن الجراح، الجيش الرابع بقيادة عمرو بن العاص. وفى معركة أجنادين (13هـ - 634 م) نجح خالد بن الوليد في تنظيم جيشه المكون من أربعون ألف مقاتل واستولى على شرق وشمال فلسطين.

وفى عهد عمر بن الخطاب استطاع المسلمون فتح بلاد الشام بأكملها بعد معارك في محيط كافة المدن في مناطق سوريا وكافة بقاع الشام، وفى معركة اليرموك (15هـ - 636م) التي كانت قرب نهر اليرموك جنوب سوريا وكانت بقيادة خالد بن الوليد واستمرت لمدة ستة أيام فقاوم المسلمون الروم في أول أربعة أيام وأسلم على يديهم جورج قائد أحد جيوش الروم، ثم طلب منهم ماهان قائد أحد جيوش الروم هدنة ثلاثة أيام لكن خالد بن الوليد رفض وتحول موقف المسلمين من الدفاع إلى الهجوم فأستولوا على بلاد الشام ضمت بصرى وبعلبك وحمص والبلقاء والأردن وأجزاء من فلسطين في جنوب سوريا، وفي هذه الفترة تم فتح دمشق قلب بلاد الشام بعد حصار طويل للمدينة المحصنة بأسوار منيعة إلى ان تم الدخول للمدينة من عدة جهات والسيطرة عليها وأضطر هرقل الأول ملك الروم إلى مغادرة مدينة حمص وبلاد الشام بعد ذلك. ثم حاصر المسلمون بيت المقدس أربعة أشهر بقيادة عمرو بن العاص حتى فتحوها (17هـ - 638 م) وحضر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وتسلم بيت المقدس بنفسه (17هـ - 638 م).

بعد الفتوحات في بلاد الشام عقد مؤتمرا برئاسة أمير المومنين حضره قادة الجيوش الإسلامية أكد فيه المبادئ التي جاءت في القرأن وأهمها عدم أجبار أحد على الدخول في الإسلام وعدم انتزاع الأراضى أو الكنائس[من صاحب هذا الرأي؟] وبالفعل قام الخليفة عمر بن الخطاب بتأمين المسيحيين في سائر مدن الشام مثل دمشق وبيت المقدس وغيرها من المناطق لممارسة حرياتهم وديانتهم وممارسة شعائرهم وعدم المساس بكنائسهم أو أراضيهم. وقام بما يعرف بالعهدة العمرية والتي كتبها عمر بن الخطاب لأهل إيليا القدس وكانت واحدة من أعظم العهود[1]:
« بسم الله الرحمن الرحيم

"هذا ما أعطى عبدُ الله عمرُ أميرُ المؤمنين، أهلَ إيليا من الأمان :

أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملته؛ أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا يُنتقص منها ولا من حيِّزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود.

وعلى أهل إيليا أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن.

وعليهم أن يُخرِجوا منها الرومَ واللصوصَ.

فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم.

ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثلُ ما على أهل إيليا من الجزية.

ومن أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعَهم (أي كنائسهم) وصُلُبَهم(أي صلبانهم)، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعِهم وصُلُبهم حتى يبلغوا مأمنهم.

ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعد وعليه مثلُ ما على أهل إيليا من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رحل إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم.

وعلى ما في هذا الكتاب عهدُ الله، وذمّةُ رسوله، وذمّةُ الخلفاء، وذمّةُ المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.

شهد على ذلك: خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان

وكتب وحضر سنة خمس عشرة للهجرة[1]»

بعد أن رجع خالد بن سعيد بن العاص من اليمن أمره أبو بكر أن ينزل بتيماء وأمره ألا يبرحها، وأن يدعوا من حوله بالانضمام إليه، وألا يقبل إلا من لم يرتد، ولا يقاتل إلا من قاتله، حتى يأتيه أمره. فأقام فاجتمعت إليه جموع كثيرة، وبلغ الروم عظم ذلك العسكر، فاستنفروا العرب الذين بالشام على المسلمين، فاستنفرت كلب وتنوخ ولخم وجذام وغسان، فكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بذلك،
[عدل] مراسلات أبي بكر وخالد بن سعيد

فكتب إليه أبو بكر : " أن أقدم ولا تحجم واستنصر الله "

فسار إليهم خالد بن سعيد، فلما دنا منهم تفرقوا، فاتخذ موقعه مكانهم، وكتب إلى أبي بكر بذلك،

فكتب إليه أبو بكر : أقدم ولا تقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك.

وحدث قتال، وطلب خالد ابن سعيد من أبي بكر المدد، فأمده بالوليد بن عتبة وعكرمة بن أبي جهل، وانتصر على (ما هان) قرب القدس، وانتقل ماهان إلى دمشق فلحق به خالد بن سعيد، فلما كان بمرح الصفر جاءت جموع كبيرة من الروم لتنضم إلى قيادة (ماهان) الأمر الذي جعل خالد بن سعيد يتراجع إلى ذي المروة على حين وقف عكرمة ابن أبي جهل يحمي المتراجعين، ووصل المجاهدون من اليمن، وكانت قد دخلت السنة الثالثة عشرة،

استدعاء أبي بكر لكبار الصحابة

فطلب أبو بكر استبدال عمال الصدقات. ومنهم عمرو بن العاص الذي كان قد سيره في السنة الحادية عشرة إلى قضاعة، ثم استدعاه فولاه ما كان رسول الله صل الله عليه وسلم قد ولاه على صدقات عمان ثانية.

وكتب إليه أبو بكر : إني كنت قد رددتك على العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكه مرة، وسماه لك أخرى، ومبعثك إلى عُمان إنجازاً لمواعيد رسول الله صل الله عليه وسلم، فقد وليته ثم وليته، وقد أحببت - أبا عبد الله - أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك.

فكتب إليه عمرو : إني سهم من سهام الإِسلام، وأنت بعد الله الرامي بها، والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئاً إن جاءك من ناحية من النواحي.

وصل خالد بن سعيد بن العاص إلى ذي المروة هرباً من جند (ماهان)، ووصل الخبر إلى أبي بكر فكتب إليه : أقم مكانك، فلعمري إنك مقدام محجام، نجّاء من الغمرات، لا تخوضها إلا إلى حق، ولا تصبر عليه. ولما كان بعد، وأذن له في دخول المدينة - كما سنرى -.

عبأ أبو بكر الصديق الجيوش إلى الشام في مطلع السنة الثالثة عشرة فسار :

1. يزيد بن أبي سفيان في سبعة آلاف بعد عزل خالد بن سعيد، وكانت وجهته دمشق، وكان أول الأمراء الذين ساروا إلى الشام، وكان في جنده سهيل بن عمرو. ثم أمد أبو بكر يزيد بن أبي سفيان بأخيه معاوية بجند كثير، ولما مرّ معاوية بذي المروة أخذ من بقي من جند خالد بن سعيد، وسمح بعدها الصدِّيق لخالد بالعودة إلى المدينة.
2. عمرو بن العاص وكانت وجهته فلسطين.
3. شرحبيل بن حسنة وسار إلى الأردن، وقد استعمل على جند الوليد بن عقبة، وأخذ عندما مر بذي المروة جمهور جند خالد بن سعيد وبقي عكرمة في ستة آلاف من الجند ردءاً لجيوش المسلمين

استعدادات الروم

وعلم الروم بما عبأه المسلمون، فانتقل هرقل إلى حمص، وجمع جموعاً غفيرة من جنده، وأرسل أخاه (تذارق) ليواجه عمرو بن العاص، وبعث (جرجة ابن توذرا) نحو يزيد بن أبي سفيان، ووجه (الدُّراقص) نحو شرحبيل بن حسنة، وأعطى أوامره لـ (الفيقار بن نسطوس) أن يسير نحو أبي عبيدة بن الجراح، وصل عدد الروم يومذاك إلى 240 ألف مقاتل على حين كان المسلمون 21 ألفاً و6 آلاف مع عكرمة بن أبي جهل في المؤخرة دعماً لجموع المسلمين.

هاب المسلمون الروم لما رؤوا كثرتهم فكتب قادتهم إلى عمرو بن العاص يستشيرونه، فاقترح أن يجتمع المسلمون في مكان يلتقون فيه مع الروم، ولن يهزموا من قلة حينذاك، كما كتبوا إلى الخليفة أبي بكر وطلبوا منه المدد، فكان رأيه الاجتماع كما رأى عمرو، وأضاف أن يكون مكان المعركة في موقع يسهل الاتصال فيه مع المدينة قاعدة الحكم، ووافق على اللقاء باليرموك، وكتب إلى خالد أن يقدم إلى اليرموك لدعم المسلمين هناك وأن يكون هو الأمير.
خالد بن الوليد قائداً

سار خالد بن الوليد من الحيرة إلى قراقر حيث شيعه إليها المثنى بن حارثة، ومنها إلى سوى، ثم تحرك إلى دومة الجندل، وأغار خالد على مصيخ بهراء ثم تحرك نحو الشمال مع وادي السرحان إلى شرقي جبل حوران (الدروز) في سوريا حتى وصل إلى أرك(مدينة صغيرة قرب تدمر وسط سوريا، وهي ذات نخل وزيتون وبساتين، وكل أهلها كانوا من النصارى) ومنها إلى تدمر فالقريتين (قرية كبيرة من أعمال حمص، وهي التي تدعى حوارين). ولما علمت غسان بذلك، اجتمعوا له بمرج راهط (يقع إلى الشمال من دمشق، والمسافر من دمشق إلى حمص ما كان على يساره فهو مرج راهط، ومن كان على يمناه فهو مرج عذراء حتى الثنايا (ثنية العقاب))، فسار إليهم، وعليهم الحارث بن الأيهم، فانتصر عليهم، ثم سار إلى بصرى الشام(مدينة بحوران، من قواعد الغساسنة، وكانت مدينة رومانية شهيرة، وفيها سوق دائمة للعرب. ولا تزال فيها آثار رومانية، منها المدرج الروماني الشهير)، وكانت أول مدينة افتتحها من بلاد الشام، ثم ذهب إلى اليرموك فوصل إلى المسلمين في تسعة آلاف وغدا جند المسلمين ستة وثلاثين ألفاً. وفرح المسلمون بوصول خالد لأن الروم كانوا قد وصلتهم إمدادات بإمرة ماهان ومعه القساوسة والمطارنة والرهبان من أجل تشجيع المقاتلين.
تخطيط خالد

وربما يتساءل المرء لماذا هذه الطريق الطويلة التي قطعها خالد بن الوليد ؟

إنه أراد ألا يصطدم مع الروم قبل الالتقاء بالمسلمين وبخاصة أنه أصبح أمير المقاتلين في الشام فلا بد من الوصول إلى جنده ليقودهم في القتال، وإن خطة المسلمين كانت تقضي أن يكون القتال مجتمعين لا متفرقين ليتمكنوا من قتال الروم الذين يملكون أعداداً كبيرة تفوقهم بعشرة أمثال، وللروم ثغور وسط البادية حيث كانت من قبل مسرحاً للمعارك الدائرة بينهم وبين الفرس، فلو سار من الحيرة مباشرة نحوالغرب لاصطدم بتلك الثغور، ولأضاع على المسلمين تجمعهم في اليرموك وقيادته لهم، ولهذا اضطر أن يسير نحو الجنوب ليتجاوز تلك الثغور عن طرق دومة الجندل ثم اتجه شمالاً، وعندما وصل إلى الشرق من بصرى الشام وجد نفسه أما جبل حوران (جبل الدروز اليوم) البركاني الصعب الاجتياز، فأراد الالتفاف حوله فوجد نفسه بسرعته المعروفة في منطقة تدمر، لذا عاد فرجع إلى الغرب عن طريق القريتين فثنية العقاب (الثنايا) فشرقي دمشق إلى بصرى ففتحها ومنها سار إلى اليرموك في هذا من جهة ومن جهة ثانية

فإن لخالد بن الوليد طريقته الخاصة في القتال وهي التحرك بسرعة في عمق العدو والاغارة على مواقع خصمه المتأخرة، ثم الانسحاب للخوض في معركة حاسمة، وعندها يشعر العدو أن مجموعات من خصمه لا تزال تعمل خلف خطوطه الأمامية، وستداهمه في الوقت المناسب الأمر الذي يضعف معنوياته، ويبقى جزء من جنوده خارج المعركة لصد أي هجوم مرتقب من الخلف، وهذا ما رأيناه في قتاله في العراق إذا وصل إلى نقاط بعيدة من أرض العدو على حين لم تطهر أرض السواد بعد بل ولا منطقة الحيرة نفسها، ولم يأمن جانب المصالحين بشكل صحيح إذا سنراهم ينقضون العهد بعد ذلك. كما أن حركته كانت خلف ثغور الروم الأمر الذي يجعل الروم لا يستطيعون ترك مواقعهم خوفاً من أن يكون هناك اتفاق بين المسلمين والفرس وبخاصة أن خالداً كان في أرض فارس، كل هذا يجعل حركة خالد سهلة ويتنقل بحرية كأنه يقوم بمناورة معروفة الخطة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:43 am

معركة اليرموك
معركة اليرموك (15 هـ - 636 م) بين العرب المسلمين والإمبراطورية البيزنطية، يعتبرها بعض المؤرخين من أهم المعارك في تاريخ العالم لأنها كانت بداية أول موجة انتصارات للمسلمين خارج جزيرة العرب، وآذنت لتقدم الإسلام السريع في بلاد الشام. المعركة حدثت بعد وفاة الرسول عام 632م بأربع سنوات.

قررت الجيوش الإسلامية الإنسحاب من الجابية بالقرب من دمشق إلى اليرموك بعد تقدم جيش الروم نحوهم. تولَّى خالد بن الوليد القيادة العامة للجيش بعد أن تنازل أبوعبيدة بن الجراح، كانت قوات جيش المسلمين تعدّ 36 ألف مقاتل في حين كانت جيوش الروم تبلغ 250 ألف مقاتل.

د الاطاحة بفوكاس. في هذه الأثناء غزا الفرس الساسانيون منطقة الجزيرة (شمال العراق) وفي سنة 611م اكتسحوا سوريا ودخلوا الاناضول محتلين مدينة مزاكا القيصرية. تمكن بعدها هرقل من إزاحة الفرس من الاناضول، إلا أنه تعرض لهزيمة نكراء عندما قام بهجومٍ كبيرٍ على سوريا ضد الفرس سنة 613م. خلال العقود التالية استطاع الفرس غزو كل من فلسطين ومصر. وفي هذه الأثناء اعد هرقل العدة لهجومٍ مضادٍ وقام بإعادة بناء جيشه. حيث قام هرقل بهجومه أخيراً بعد تسع سنين اي في 622م. بعد انتصاراته الحاسمة على الفرس وحلفائها في القوقاز وارمينيا، قام هرقل في 627م بهجوم شتوي ضد الفرس في منطقة الجزيرة محققاً فوزاً ساحقاً في معركة نينوى. وعلى هذا النحو أصبحت عاصمة الفرس مهددة أيضاً. شعوراً بالخزي والعار من هذه الهزائم تمت إزاحة خارسو الثاني وقتله في انقلاب قاده أبنه كافاد الثاني، الذي جنح إلى السلم فوراً، حيث وافق على الانسحاب من جميع الاراضي البيزنطية المحتلة. وأعاد لهرقل الصليب الحقيقي – الذي كان يعتقد بأن النبي عيسى () قد صُلب عليه – ومن ثم تم إرجاعه إلى القدس بإحتفالٍ ملكي مهيب سنة 629م.

وفي هذه الأثناء كانت تطورات سياسية سريعة تحدث في الجزيرة العربية، حيث كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يزال ينشر الإسلام، وبحلول سنة 630 كان قد استطاع بنجاح توحيد معظم الجزيرة العربية تحت سلطة سياسية واحدة. وحين توفي النبي(صلى الله عليه وسلم) في حزيران 632، انتُخب أبو بكر خليفة للمسلمين خلفاً للرسول الكريم(صل الله عليه وسلم). وحالما تولى أبو بكر الخلافة انبثقت مشاكل عندما ثارت جهراً العديد من القبائل العربية ضد أبو بكر (رضي الله عنه)، والذي أعلن الحرب ضد المتمردين. والتي عرفت لاحقاً بحروب الردة. بعدها أستطاع أبو بكر من توحيد الجزيرة العربية تحت السلطة المركزية للخلافة الإسلامية ومركزها المدينة المنورة. حالما تم تطويع التمرد، بدء أبو بكر عهد الفتوحات، مبتدئأ بالعراق، المحافظة الاغنى للإمبراطورية الفارسية. وبإرسالة اكثر جنرالاته عبقرية ودهائاً وهو خالد بن الوليد، تم فتح العراق بسلسلة من الحملات الناجحة ضد الفرس الساسانيين. نمت ثقة أبو بكر، وحالماً تمكن خالد من تأسيس معقل قوي في العراق، اعلن أبو بكر نداء التسلح لغزو الشام في شباط/فبراير من سنة 634. كان الغزو الإسلامي للشام عبارة عن سلسلة من العمليات العسكرية المخططة بعناية والمنسقة جيداً والتي استخدمت الستراتيجية بدلاً من القوة المجردة للتعامل مع مقاييس الدفاع البيزنطية. على أية حال تبين للجيوش الإسلامية بأنها اقل من الازم للتعامل مع الرد البيزنطي، وطلبت قاتدتها التعزيزات. ارسل خالد من العراق إلى الشام مع التعزيزات ولقيادة الغزو. في تموز/يوليو 634، هُزم البيزنطيون على نحو حاسم في معركة اجنادين. وسقطت مدينة دمشق في أيلول/سبتمبر 634، وتبعها معركة الفحل حيث هزمت وهلكت آخر المعاقل العسكرية المهمة للبيزنطيين في فلسطين. توفي الخليفة أبو بكر الصديق في سنة 636. وقرر خلفه عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) اكمال توسع الخلافة الإسلامية اعمق إلى الشام. بالرغم من أن حملات سابقة ناجحة قادها خالد بن الوليد، إلا أنه تم استبداله بأبو عبيدة. بتأمين جنوب فلسطين، تقدمت القوات الإسلامية الآن إلى الطريق التجاري حيث سقطت طبريا وبعلبك من دون عناء كبير وبعدها غزا المسلمون مدينة حمص بأوائل 636. وعليه اكمل المسملون غزوهم عبر الشام.


الهجوم البيزنطي المعاكس

وبأحتلالهم لمدينة حمص، كان المسلمون على بعد مسيرة واحدة للوصول إلى حلب، ومن المعقل القوي للبيزنطيين في أنطاكيا، حيث يقطن هرقل. انذرت سلسلة النكسات على نحو خطير هرقل الذي حضر لهجوم مضاد لإستعادة المناطق الضائعة. في 635 يزجرد الثالث – امبراطور الفرس – ابتغى تحالفاً مع الامبراطور البيزنطي. زوج هرقل ابنته(طبقاً للتقاليد، حفيدته) مانيانة إلى يزجرد الثالث وهو تقليد روماني لعقد التحالف. بينما تحظر هرقل لهجوم عظيم في الشام، كان من المفترض أن يقوم يزجرد بهجوم مضاد في نفس الوقت في العراق، في ما كان من المفروض أن يكون جهداً منسقاً. على أية حال، عمر بن الخطاب كانت له بصارة في هذا التحالف، حيث اشغل يزجرد الثالث في مفاوضات للسلام، حيث دعاه بوضوح إلى اعتناق الإسلام. عندما اطلق هرقل هجومه في آيار/مايو 636، لم يتمكن يزجرد من التنسيق مع المناورة بسبب الظروف المضنية في حكومته. الامر الذي أضاع ما كان ليكون خطة محكمة. ربح عمر بن الخطاب نصراً حاسماً ضد هرقل في معركة اليرموك، واستخدم ستراتيجية عظيمة في اشغال يزجرد وايقاعه في الفخ. وبعد ثلاثة شهور خسر يزجرد الثالث جيشه الامبراطوري في معركة القادسية في أيلول/سبتمبر 636، وانتهاء الحكم الساساني في غرب بلاد الفرس.

بدأت استعدادات البيزنطيين في اواخر سنة 635 ومع حلول شهر آيار/مايو 363 كان هرقل قد جمع قوة كبيرة في أنطاكيا في شمال سوريا. تألف الجيش المركب من قبائل السلاف والفرنجة والجورجيون، والارمن والعرب المسيحيون. نُسّقت هذه القوة إلى خمس جيوش، القائد العام ثيودور تريثوريوس - شقيق القيصر-. وماهان من الارمن والقائد العسكري السابق لمدينة حمص، والذي قام القيادة الميدانية الاجمالية، والذي يوجد تحت قيادته جيش خالص من الارمن. قناطير الامير السلافي قام بقيادة السلاف. جبلة بن الأيهم، ملك العرب الغساسنة، قام بقيادة قوة من العرب المسيحيين حصراً. والقوة المتبقية كانت كلها من الاوروبيين وضعت تحت قيادة غريغوري ودريجان. وقد اشرف هرقل شخصياً على العملية من مدينة أنطاكيا. ذكرت مصادر تاريخية بيزنطية بأن ابن الجنرال الفارسي شهرباراز كان احد القادة أيضاً إلا انه غير معروف اي جيش كانت تحت قيادته.

وكان جيش المسلمين مقسماً إلى اربعة مجاميع: واحد تحت قيادة عمر بن العاص في فلسطين، وواحد تحت قيادة شرحبيل ابن حسنة في الاردن، والاخر تحت قيادة يزيد ابن أبي سفيان ضمن منطقة دمشق، والآخير تحت قيادة أبو عبيدة بن الجراح جنباً إلى جنب مع خالد بن الوليد في مدينة حمص. وكون الجيوش المسلمة كانت مقسمة جغرافياً، حاول هرقل استغلال هذا الوضع وخطط لشن الهجوم. حيث إنه لم يرغب بالأشتباك في معركة ملتصقة واحدة بل لاستخدام تكتيك الموقع المركزي ومحاربة جيوش المسلمين كلٌ على حدة بتركيز قوة كبيرة ضد كل فرقة من فرق المسلمين قبل أن يتمكنوا من توحيد جنودهم. وذلك بأجبار قوات المسلمين إما على الانسحاب أو بتدميرها على حدة. ومن ثم يستوفي استراتيجيته بإستعادة الاراضي المفقودة. ارسلت تعزيزات إلى مدينة قيسارية تحت قيادة قسطنطين الثالث – ابن هرقل – على الارجع لدحر قوات يزيد التي كانت تحاصر المدينة. تحرك الجيش الامبراطوري البيزنطي من أنطاكيا إلى شمال سوريا في وقت ما من حزيران/يونيو 636م. الجيش الامبراطوري البيزنطي كان ليعمل على النحو التالي: جيش جبلة بن الأيهم خفيف التدريع من العرب المسيحيين أن يطلق إلى حمص من حلب عبر حماة ويحتجز الجيش الرئيسي للمسلمين في حمص. أن يقوم ديرجان بتحركات ملتوية ما بين الساحل وطريق حلب حيث يصل إلى حمص من الغرب مغيراً على الجناح الايسر للمسلمين في الوقت الذي هم يجابهون من الامام عن طريق جبلة بن الأيهم.و كان المسلمون بقيادة محمد. أن يغير غريغوري على الجناح الأيمن للمسلمين ويصل إلى حمص من الشمال الشرقي عبر منطقة الجزيرة. وأن يندفع قاناطير بمحاذاة الطريق الساحلي ويحل بيروت، التي منها يهاجم مدينة دمشق ضعيفة التحصين من الغرب ويفصل الجيش الرئيسي للمسلمين في حمص. وتعمل فرفة ماهان كقوة احتياطية وتصل حمص عن طريق حماة.
استراتيجية المسلمين

اكتشف المسلمون استعدادات هرقل عن طريق الاسرى الرومان. مما اطرق الإنذار من احتمالية أن يمسكوا في قوات منفصلة والتي من الممكن هزيمتها. دعى خالد إلى مجلس الحرب. حيث نصح عبيدة لسحب القوات من فلسطين ومن شمال ووسط سوريا ومن ثم جمع جميع جيوش المسلمين في مكان واحد. أمر أبو عبيدة بتجميع الجنود في السهل الواسع قرب جابيا، حيث التحكم بالمساحة تجمع هجمات الخيالة ممكنة وأيضاً تمهد لوصول التعزيزات من الخليفة عمر بن الخطاب. وهكذا فإن قوة موحدة قوية ممكن أن تجابه في الميدان الجيوش البيزنطية. وتميز الموقع أيضاً من قربه من مركز قوة الدولة الإسلامية في نجد في حال حدث الانسحاب. وكانت تعليمات قد اعلنت بإعادة الجزية التي دفعت إلى أصحابها. على أية حال، بالتجمع في منطقة جابيا. كانت المسلمون عرضة لهجوم قوات الغساسنة حلفاء البيزنطيين. وبالتخييم في المنطقة كان أيضاً امراً خطيراً لأن قوة بيزنطية قوية كانت لا تزال موجودة في قاسارية والتي من الممكن ان تهاجم المسلمين من الخلف بينهما هم منشغلين مع البيزنطيين من الامام. وبناءاً على نصيحة خالد، انسحبت قوات المسلمين إلى الدارة ودير أيوب، مغلتين الهوة بين حلق اليرموك وسهل حراء البركاني، وبنوا خط من الخيام في الجزء الشرقي من سهل اليرموك. كانت هذه نقطة دفاع قوية وهذه المناورات جرت المسلمين والبيزنطيين إلى مواجه حاسمة، الامر الذي أراد الأخير تجنبه. خلال هذه المناورات الستراتيجية لم تكن هناك مواجات ماعدا مناوشة صغيرة بين فرقة صفوة الخيالة الخفيفة لخالد وطليعة الجيش البيزنطي.

ساحة المعركة

تقع ساحة المعركة على حوالي 65 كيلومتر جنوب غرب مرتفات الجولان، ما بين سوريا والاردن وشرق بحيرة طبريا. حديث المعركة على سهل اليرموك، الذي تغلق حافته الغربية اودية عميقة تعرف بوادي الرقاق، يصل عمقها إلى حوالي 200م. هذه الوادي يلتقي أخيراً بنهر اليرموك، الذي يعود إلى نهر الاردن. مجرى النهر له ظفة شديدة الانحدار، تتراوح ما بين 30 إلى 200م في الارتفاع. في الجهة الشمالية يوجد طريق جابيا وإلى الشرق توجد تلال عزرا، بالرغم من أن هذه التلال كانت إلى الخارج فعلياً من ساحة المعركة. ستراتيجياً كان هناك بروز واحد فقط في ساحة المعركة: ارتفاع يبلغ 100م يعرف بتل الجمعة، بالنسبة للجنود المسلمين المتجمعين هناك، اعطى التل رؤية جيدة لسهل اليرموك. الوادي في جهة الغرب من ساحة المعركة كان قابل للعبور في مناطق قليلة سنة 636، وكان له معبر رئيسي واحد: برج قرب القرية التي تعرف حالياً بكفر الماء. منطقياً، كان لسهل اليرموك ماءً كافياً ليدعم صمود كلا الجيشين. وكان السهل مثالياً لمناورة فرق الخيالة.
نشر الجنود

اكثر الحسابات الإسلامية قدماً تضع حجم الجيوش الإسلامية ما بين 24.000 و 40.000 وحجم القوات البيزنطية بين 100.000 و 200.000. حسابات حديثة لحجم كلا الجيشين تتنوع: تقديرات للجيش البيزنطي غالباً ما بين 80.000 و 120.000، مع بعض التقديرات تصل إلى 50.000 و 15.000 – 20.000. وتقديرات الجيش الإسلامي بين 25.000 و 40.000. تأتي هذه الارقام من القدرات المنطقية للمقاتلين، واستدامة اساسات العمليات، والقوة البشرية الاجمالية حصر التأثير كلا الرومان والعرب. على اية حال، الاجماع على أنه الجيش البيزنطي وحلافئه يفوقون جيش المسلمين بهامش ضخم.
جيش المسلمين

أثناء عقد مجلس الحرب، نقل أبو عبيدة قيادة جيش المسلمين إلى خالد وجعله القائد الأعلى لجيش المسلمين. قام خالد بعد توليه القيادة بنظيم جيش المسلمين إلى 36 كتيبة مشاة واربعة كتاب للخيالة، وتولى هو قيادة صفوة الخيالة المتحركة وجعلها كقوة احتياطية. نظم خالد الجيش على تشكيل الطابعة وهو تشكيل دفاعي قوي لقوات المشاة. اصطف الجيش الإسلامي على طول 12 كيلومتر مواجهة الغرب، وجناحه الأيسر إلى جهة نهر اليرموك على مسافة ميل واحد من بداية اودية وادي العلن. جناح الجيش الأيمن على جهة طريق الجابية إلى الشمال بمحاذات مرتفعات تل الجمعة، ومع وجود فراغات بين الفرق العسكرية بحيث تتطابق واجهة الجيش مع الجيش البيزنطي على طول 13 كيلومتر. مركز الجيش كان تحت قيادة أبو عبيدة بن الجراح الذي تولى قيادة (الوسط الايسر) وتولى شرحبيل ابن حسنة قيادة (الوسط الأيمن). وكان (الجناح الأيسير) تحت لواء يزيد بينما (الجناح الأيمن) تحت قيادة عمرو بن العاص. المركز وكلا الجناحين اسندت برق الخيالة لتستخم كقوة احتياطية أثناء الهجوم المعاكس في حالة التراجع تحت ضغط الجيش البيزنطي. وخلف المركز تقف الخيالة المتحركة تحت القيادة الشخصية لخالد بن الوليد. وفي حالة انشغال خالد في قيادة الجيش الاساسي، يتولى ضرار بن الازور قيادة فرقة الخيالة المتحركة. عبر مسار المعركة، يستخدم خالد قوته الاحتياطية الراكبة في استخدامات حاسمة وحرجة. قام خالد بإرسال عدة جوالة لأبقاء البيزنطيين تحت المراقبة. في اواخر تموز/يوليو 636، ارسل ماهان جبلة بن الايهم مع قوته الخفيفة من العرب المسيحيون للقيام باستكشاف إجباري لجيش المسلمين إلا انه تم صد هذه القوة من قبل الخيالة المتحركة. بعد هذه المناوشة لم تحديث اي مناوشات أخرى خلال الشهر.
التسليح

استخدمت خوذ بعضها ذهبية مشابهة للخوذ الفضية لجيش الامبراطورية الفارسية. وكان استخدام الدروع شائعاً لحماية الوجوه والرقبة. وكان استخدام الدروع الجلدية السميكة نموذجياً لدى الجنود المسلمين الأوائل كما هو الحال في الجيش البيزنطي. تضمن التدريع صفائع سميكة من الجلد أو الدرع الجلدي lamellar armor - وهو درع مكون من صفائح جلدية سميكة مربطة مع بعضها البعض - ودرع شبكي mail armor - وهو درع مكون من حلقات معدنية صغيرة مترابطة في نمط معين لتشكل شبكة - كان المشاة افضل تدريعاً بكثير من الخيالة. حيث استخدمت ستائر خشبية كبيرة. استخدم المسلمون الرماح الطويلة، حيث زود المشاة برمح طوله 2.5 م والفرسان برماح طول 5.5 م. استخدم المشاة سيوف قصيرة شيبه بالسيوف البيزنطية الكلاديوس؛ واستخدمت الفرسان عادة السيوف الفارسية الطويلة. وبلغ ذراع الاقواس 2م في حالة الرخاء، مشابه في حجمه القوس الانكليزي المشهور اللونغ بو (longbow)، أقصى مدى مؤثر للقوس بلغ 150م. كان النبالة المسلمين من المشاة الذين برهنوا تأثيرهم الفعال ضد فرسان العدو.
الجيش البيزنطي

بعد أيامٍ من تخييم المسلمين في سهل اليرموك، استهل الجيش البيزنطي جيش جبلة بن الأيهم الخفيف التسليح، والذي تقدم وخيم إلى الشمال من وادي الرقاد. كان الجناح الأيمن للجيش البيزنطي في النهاية الجنوبية من السهل قرب نهر اليرموك وعلى بعد حوالي ميل واحد قبل اودية وادي العلن. وكان الجناح الأيسر في الشمال، على مسافة قريبة من بداية تلال جابيا، حيث كان مكشوفاً نسبياً.نشر ماهان جيشه الامبراطوري مواجهاً الشرق، مع خط امامي بطول 13 كيلومتر، حيث اراد ان يغطي كل المسافة بين منخفض اليرموك في الجنوب والطريق الروماني المؤدي إلى مصر في الشمال، وتركت مسافات كبيرة بين كتائب الجيش البيزنطي. كان الجناح الأيمن بقيادة غريغوري والأيسر لقاناطير. وتشكل الوسط من جيش ديرجان وجيش الارمن لماهان. وكلاهما تحت القيادة العامة لديرجان. ضم الرومان فرق الخيالة الثقيلة، فرقة الدرع، التي وزعت بالتساوي بين الجيوش الرومانية الاربعة، ووضع كل جيش المشاة في المقدمة، والفرسان كقوة احتياطية في الخلف. نشر فاهان جيش العرب المسيحيين والذي يمتطي الخيول والجمال كقوة للمناوشات، التي تحجب الجيش الرئيسي لحين وصوله. ذكرت مصادر إسلامية قديمة بأن جيش غريغوري كان قد استخدم سلاسل لربط اقدام الجنود الذين اخذو عهداً بالموت. كانت السلاسل بطول عشر رجال واستخدمت كدليل على الشجاعة التي لا تهز، كسمة من سمات الرجال، والذين اضهروا بذلك رغبتهم في الموت وعدم الانسحاب ابداً. عملت هذه السلاسل أيضاً كضمان لعدم حدوث أي ثغرة ممكن ان تحدث من قبل فرسان العدو. على كل حال، فقد ذكر مؤرخين معاصرين بأن الجيش البيزنطي تبنى التشكليل العسكري المسمى تستودو Testudo الروماني، حيث يقف فيه الجنود كتفاً لكتف وتُمسك الدروع إلى الأعلى ونسق من 10-20 رجل بحيث يكونون محميين من كل الجوانب من مقذوفات العدو، ويوفر كل جندي غطاء للجندي المجاور له.
التسليح

تسلح الفرسان البيزنطيين بسيوف طويلة معروفة بسباثيون spathion. بالإضافة إلى رمح خشبي خفيف يسمى كنتاريون Kontarion وقوس توكساريون Toxarion مع اربعين سهم في الرف، يتدلى إما من السرج أو من حزام الجندي. المشاة الثقيلة المعروفة بسكوتاتوي Skoutatoi تسلحت بسيوف ورماح قصيرة. وحمل النبالة البيزنطيين تسليح خفيف ودروع صغيرة، ويتدلى القوس من الكتف إلى الظهر مع حفنة من السهام. اشتمل تدريع الفرسان على الدرع الشبكي armor mail وخوذة وقلادة pendant (حامية للرقبة) واهداب ناتئة من الخوذة لحماية اجزاء الوجه. وكان للمشاة تدريع مماثل مع خوذة ودرع للصدر وللساق. واستخدمت أيضاً الدروع الجلدية السميكة lamellar وصفائح مدرعة scale armor - وهي دروع تتكون من العديد من الصفائح الصغيرة المرتبطة مع بعضها البعض كمواد داعمة للدروع الجلدية أو الملابس -.
توتر في الجيش البيزنطي

اجبرت استراتيجية خالد الانسحاب من الاراضي المحتلة وجمع كل الجنود لمعركة واحدة حاسمة البيزنطيين على جمع جميع جيوشهم في جيش واحد كرد فعل طبيعي. وكان البيزنطيون يتجنبون لعقود الاشتباك في معارك حاسمة ذات واسعة النطاق، وخلق تجميع قواتهم سوية توتر لوجستي والذي كانت لم تكن الامبراطورية مستعدة له. كانت دمشق القاعدة اللوجستية الاقرب، ولكن لم يتمكن امير دمشق منصور من دعم الجيش البيزنطي الهائل الذي تجمع في سهل اليرموك. لهذا فإن عدة اشتباكات قيل أنها حدثت بين الجيش البيزنطي والسكان المحليين لدعم الجيش، حيث كان الصيف في نهايته انخفاض في رعاية الماشية. اتهمت مصادر في القصر البيزنطي فاهان بالخيانة العظمى كونه عصى اوامر هرقل بعدم خوض المعركة بنطاقٍ واسع مع العرب. وبإعطاء الاثر البعيد لجيوش المسلمين في اليرموك، رغم ذلك، لم يكن لدى فاهان الكثير من الخيارات إلا أن يرد بلطف. كانت العلاقات بين القادة البيزنطيين مفعمة بالتوتر أيضاً. حيث كان هناك صراع على القوة بين تروثوريوس وفاهان وجاراجس وقناطير. وقد تم تجاهل جبلة ابن الايهم قائد العرب المسيحيين بشكل كبير، الامر الذي اضر بمعرفة البيزنطيين بطبيعة الأرض المحلية. ولهذا فقد ساد جو من عدم الثقة بين اليونان والارمن والعرب.
تحالف جيوش الإمبراطورية البيزنطية

كان جيش البيزنطيين يتألف من خمسة جيوش، حيث قاد ماهان (أو فاهان) ملك أرمينية جيشه الأرمني، وقاد الأمير "قناطير" (Buccinator) السلافي، أو الروسي، جيشه من الشعوب السلافية، وكان ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم الغساني على رأس جيش المسيحيين العرب (كلهم من راكبي الخيول والجمال)، وكانت الجيوش الأوروبية كاملة تحت قيادة غريغوري ودريجان، حيث تولى دريجان قيادة الجيوش مجتمعةً. كما شارك تيودوروس، شقيق القيصر هرقل في المعركة، وهو "تذارق" بالمراجع العربية، وكذلك "دارقص أو سقلاب"، وكان خصي لهرقل قاد الآلف من المقاتلين الروم.

كان جند غريغوري على ميمنة جيوش الروم وقد ربطوا أرجلهم بالسلاسل تعبيراً عن تصميمهم على الصمود تحت كل الظروف، ورمزا للشجاعة، كما أن السلاسل يمكن أن تستخدم ضد خيول المسلمين في حال حدوث خرق في صفوف جيش غريغوري. وهذا ماجعل حركة الجنود بطيئة على كل الأحوال.
أرض المعركة وجيش المسلمين

أعاد خالد تنظيم الجيش بعد توليه لقيادة الجيش، فجعل ربع جيش المسلمين من الخيالة، وكانوا حوالي 10 آلاف فارس، وقسم الجيش إلى 36 كتيبة من المشاة وزعت على أربعة ألوية مشاة (اثنان في القلب بقيادة أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، وجناحان الميسرة بقيادة يزيد بن أبي سفيان والميمنة بقيادة عمرو بن العاص). وتشكل كل لواء منهم من تسعة سرايا كانت منظمة على أساس التجمع القبلي أو العشائري، بحيث يقاتل كل واحد إلى جانب أخيه المسلم من عشيرته أو قبيلته، ومن أمراء الكراديس يومذاك:

* مذعور بن عدي.
* عياض بن غنم.
* هاشم بن عتبة بن أبي وقاص.
* سهيل بن عمرو.
* عكرمة بن أبي جهل.
* عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.
* حبيب بن مسلمة.
* صفوان بن أمية.
* سعيد بن خالد بن العاص.
* خالد بن سعيد بن العاص.
* عبد الله بن قيس.
* معاوية بن حديج.
* الزبير بن العوام.

وجعل لكل لواء مجموعة من الاستطلاع بحيث يتم مراقبة أرض المعركة كاملة، وكانت خط الجبهة يمتد على 11 ميلاً بحيث يتجه المسلمون غرباً في مواجهة الروم وإلى الجنوب إلى يمين الجيش الرومي يمر نهر اليرموك وشمالاً على بعد أميال بإتجاه الجنوب الغربي هناك طرف وادي الرقاد.

وكلف كل من قيس بن حبيرة وأمير بن طفيل وميسرة بن مرزوق بقيادة فرق الخيالة التي تلعب دور الوحدات الإحتياطية للتدخل في حال أي تراجع ممكن للألوية الإسلامية.

وكان ضرار بن الأزور ينوب عن خالد بن الوليد بقيادة الوحدة المتنقلة في حال انشغال خالد في الأعمال القتالية في المعركة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:44 am

...تابع معركة اليرموك
المعركة في سطور

دامت المعركة ستة أيام، كان المسلمون فيها يردون هجمات الروم في كل يوم، حيث كان خالد بن الوليد يستخدم "سرية الخيالة المتحركة السريعة" التي يقودها بنفسه ليتحرك بسرعة خاطفة من مكان إلى آخر حيث يكون جيش المسلمين في تراجع تحت ضغط الروم، ويعود كل من الجانبين في نهاية النهار إلى صفوفه الأولية قبل القتال أو إلى معسكراته.

وجرى الأمر كذلك خلال الأربعة أيام الأولى كانت فيها خسائر الروم بالأعداد أكبر من خسائر جيش المسلمين، وفي اليوم الخامس لم يحدث الشيء الكثير بعد رفض خالد "هدنة ثلاثة أيام" التي عرضها الروم بقوله المشهور لرسول الروم "نحن مستعجلون لإنهاء عملنا هذا" حسب النسخة الإنجليزية من هذه الصفحة.

وفي اليوم السادس تحولت إستراتيجية خالد من الدفاع إلى الهجوم، وتمكن بعبقريته الفذة من شن الهجوم المجازف على الروم واستخدام الأسلوب العسكري الفريد من نوعه آنذاك وهو الاستفادة الصحيحة من إمكانيات "سرية الفرسان سريعة التنقل" ليحول الهزيمة الموشكة للمسلمين إلى نصر مؤزر لهم.

وقاتلت نساء المسلمين من خلف الجيوش (في معسكرات المسلمين الخلفية) في هذه المعركة، وقتلن عدداً كبيراً من الروم وقتلت خولة بنت الأزور على سبيل المثال، وكن يضربن من انهزم من المسلمين بالحجارة ويزجرنهم، وفق تعليمات خالد عند قدومه وتنظيمه لجيش المسلمين، ويصرخن قائلات: "أين تذهبون وتدعوننا للعلوج"، وعندئذ يرجع المنهزمون، وقد تكرر ذلك في كل يوم من أيام المعركة، حتى قيل أن بعض المقاتلين عندما كانوا يهمون بالفرار إلى الخلف كانوا يقولون "مواجهة الروم ولا مواجهة نسائنا" وبعدها يكر المسلمون لشن الهجوم المعاكس.
من احداث اليوم الأول
Day-1 Battle

بدءت المعركة في يوم 15 آب/اغسطس 636. مع حلول الفجر اصطف كلا الجيشين للقتال يفصلهما اقل من ميل واحد. قد سجل في يوميات المسلمين بأن قبل أن تبدأ المعركة اتجه جورج القائد في فرقة الوسط الأيمن في الجيش البيزنطي إلى جيش المسلمين ودخل الإسلام، وثم وقتل في نفس اليوم محارباً إلى جانب المسلمين. كانت البداية بإرسال البيزنطيين ابطالهم مع المبارزين المسلمين في قتال ثنائي. كان المبارزين المسلمين مدربين بشكل خاص على السيوف والرماح لقتل أكبر عدد ممكن من قادة العدو من اجل تثبيط عزيمتهم. وفي منتصف النهار، وبعد خسارة عدد من القادة في القتال الثنائي، امر فاهان بهجوم محدود من ثلث قوات جيشه من المشاة لتجربة قوة استراتيجية جيش المسلمين، وإذا ما امكنه احداث ثغرة في اي منطقة ضعيفة في المعركة. على اية الحال، افتقد الهجوم البيزنطي إلى الاصرار؛ الكثير من جنود الجيش الامبراطوري لم يكونوا معتادين على القتال ولم يتمكنوا من لممارسة الضغط على الجنود المسلمين المحنكين. كان القتال بصورة عامة معتدل، بالرغم من انه في بعض الأماكن كان شديداً. لم يقم فاهان بدعم مشاته المتقدمين، حيث بحلول الغروب كسر كلا الجيشين التماس عاد كلاً إلى مخيمه.
من أحداث اليوم الثاني
الهجوم البيزنطي

قرر ماهان شن الهجوم المباغت عند الفجر، عندما يكون جيش المسلمين غير مستعد ولكن خالد كان قد وضع نقاطا دفاعية قوية متقدمة خلال الليل سراً مما افقد عنصر المفاجئة التي كان يخطط لها البيزنطيون، ودارت المعركة وتراجع كل من جانبي الجيش المسلم، الميمنة والميسرة،
المرحلة الأولى من الهجوم المعاكس

حيث تدخل خالد بفرقته السريعة التنقل مرة في الميمنة ليوقف تقدم الروم، وبعدها في الميسرة،
المرحلة الثانية من الهجوم المعاكس

حيث قسم خالد هنا وحدته المتنقلة السريعة ليرسل قسما منها بقيادة ضرار بن الأزور إلى قلب جيش الروم من الجهة اليمنى له، حيث تمكن ضرار في هذا الهجوم من قتل القائد البيزنطي دريجان رغم أن ألفين من الفرسان الروم البيزنطيين كانوا بحراسته.

وترك مقتل دريجان وفشل خطة ماهان الأثر المدمر على نفسية المقاتلين الروم بينما كان لنجاح خالد بصد الهجوم الأثر الأقوى لتعزيز معنويات الجند المسلمين.
من أحداث اليوم الثالث
الهجوم البيزنطي

بعد أحداث اليوم السابق ومقتل دريجان أحد كبار قادة الروم، تركز في هذا اليوم هجوم الروم على نقطة محددة لفصل الجيش الإسلامي، وهي النقطة بين الميمنة التي كانت تحت قيادة عمرو بن العاص يقابله "قناطر" قائد السلاف، وقلب الجيش الإسلامي من الجانب الأيمن تحت قيادة شرحبيل يقابله ماهان، وبدأ الهجوم على لواء عمرو بن العاص الذي استطاع في البداية الصمود قبل أن يلعب التفوق العددي للروم دوره ليتراجع جنود عمرو بن العاص إلى الوراء بإتجاء معسكرهم، كما بدأ جنود شرحبيل في اللواء المجاور بالتراجع،
الهجوم المعاكس

وتدخلت سرايا الخيالة المسلمين لصد الهجوم بالإلتفاف عن يسار الروم، أي من الطرف الشمالي لكل لواء، وبعدها تدخل خالد مجدداً بمجموعته سريعة التنقل ليهاجم جند ماهان المتقدمين ضد لواء شرحبيل. وتم صد الهجوم وتراجع الروم إلى أماكنهم الأصلية كما كانت قبل بداية المعركة. وجاء المساء لينتهي هذا اليوم.
من أحداث اليوم الرابع

تم صد هجوم مماثل على الجهة نفسها، بسبب إنهاكها في اليوم السابق، كما فكر وخطط ماهان، فقد تراجع شرحبيل أمام جيش الأرمن المدعم بشكل قوي من الخيالة العرب المسيحيين بقيادة جبلة، كما تراجع عمرو بن العاص أمام جيش "قناطر" السلافي. وتعرض شرحبيل للضغط الشديد وبدأت علائم الإنهاك على جنده.
الهجوم البيزنطي في اليوم الرابع

وقبل أن يتدخل خالد بفرقته السريعة التنقل ليشارك برد الزحف الرومي أمر أبا عبيدة بن الجراح ويزيد ببدء الهجوم على الجيش لإشغاله في القطاعين المقابلين لهما القسم الأيمن من القلب والميمنة الرومية وعدم تمكينهم من القيام بالهجوم الشامل.

وتمكن خالد بن الوليد من القيام بمناورات ذكية أدت إلى تراجع الأرمن، ودام ذلك طوال بعد الظهر، وبعد فقدان الدعم الأرمني تراجع كذلك السلاف بقيادة "قناطر" ليعود الجميع إلى أماكنهم.

على الجانب الآخر استعر قتال الروم مع جيشي أبي عبيدة بن الجراح ويزيد وتعرض الجند المسلمين إلى رمي عنيف بالنبال أدى إلى فقدان الكثير لبصرهم نتيجة إصاباتهم في عيونهم، منهم: أبو سفيان والمغيرة بن شعبة وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص والأشعث بن قيس وعمرو بن معد يكرب وقيس بن مكشوح والأشتر النخعي، وسمي ذلك اليوم بيوم خسارة العيون، وتراجع الجيشان المسلمان، جيش عبيدة وجيش يزيد إلى الخلف.
هجوم المسلمين المعاكس

ولاحت علائم الهزيمة ولكن عكرمة بن أبي جهل نادي مجاهدين للقسم على النصر أو الشهادة، فلبى نداءه 400 من المقاتلين المجاهدين وقاتلوا محاولين وقف الروم، وأوقفوا زحف الروم بعد مقتلهم جميعاً، ولكنهم قتلوا عدداً أكبر بكثير من 400 مقاتل بيزنطي، وأصيب عكرمة وإبنه عمرو إصابة مميتة في هذه الوقعة، وعرف عكرمة بنجاح المسلمين بصد الهجوم وحمد الله قبل أن يموت متأثراً بجراحه، ليحل الظلام وينتهي ذلك اليوم.
من أحداث اليوم الخامس

كما ذكرنا سابقاً فقد رفض خالد عرضا لـ "ماهان" بوقف القتال بضعة أيام، وعرف خالد بن الوليد أن عزيمة الروم على القتال لم تعد كالسابق، وكان المسلمون حتى الآن قد إتخذوا إستراتيجية دفاعية في الأعمال القتالية، فقرر الآن خالد التحول إلى الهجوم، وأجرى تغييرات على تشيكلاته، حيث جمع كافة فرق الخيالة إلى سرية قتالية موحدة، وجعل وحدته السريعة في قلبها، وخطط خالد باستخدام هذه السرية الجديدة لمهاجمة الفرسان الروم بغرض عزلهم عن المشاة الروم، بحيث يصبح المشاة الذين يشكلون نواة الجيوش البيزنطية دون أي حماية من الفرسان تقيهم من الهجمات الجانبية والخلفية، وفي نفس الوقت خطط لشن هجومٍ على الميسرة البيزنطية لردها بإتجاه الجرف إلى الغرب.
من أحداث اليوم السادس

بينما بدأت ميسرة جيش المسلمين بقيادة يزيد بن أبي سفيان والقسم الأيسر من القلب بقيادة أبو عبيدة بن الجراح بالقتال على جبهتيهما هاجم خالد بسرية الخيالة الموحدة الميمنة البيزنطية، وفي الوقت نفسه شطر قِسماً من مجموعة الخيالة لمهاجمة الطرف الأيسر من الميسرة البيزنطية 
المرحلة الأولى من الهجوم

بينما قام عمرو بن العاص، قائد الميمنة، في الوقت نفسه بشن الهجوم على الميسرة الرومية البيزنطية ذات الأكثرية السلافية التي كانت بقيادة قناطر.

وقد صمدت الميسرة البيزنطية بقيادة قناطر أمام الهجومين من الأمام ومن اليسار، ولكن بفقدان الدعم من فرق الخيالة البيزنطيين، الذين إنشغلوا بصد هجوم الفرسان المسلمين، تراجعت قوات قناطر بإتجاه القسم الأيسر من قلب الجيش الرومي حيث يقاتل الأرمن بقيادة ماهان.

بعد رؤية هذا التحول إستغل عمرو بن العاص قائد الميمنة الإسلامية تلك اللحظات ليشن هجوماً على الجانب الأيسر من قلب جيش الروم من جهته اليسرى، فوقع القسم الأيسر من قلب الجيش البيزنطي باختلال في التوازن بسبب ضغط أعداد الجنود السلاف المتراجعين.
المرحلة الثانية من الهجوم

وفي الوقت نفسه شدد شرحبيل بن حسنة قائد القسم الأيمن من قلب الجيش الإسلامي من هجومه على القلب البيزنطي من الأمام.
المرحلة الثالثة من الهجوم

الآن تقهقر الجناح الأيسر للجيش البيزنطي وراح المسلمون يستغلون ذلك ويتابعون تقدمهم، هنا، أوعز خالد للفرسان بترك القتال الرئيسي الدائر والعودة إلى الوحدة الرئيسية لعزل الخيالة البيزنطيين عن مشاتهم وإبعادهم عن الجيش البيزنطي بشكل كامل بإتجاه الشمال.
المرحلة الرابعة من الهجوم

عندما رأى ماهان ذلك دعى كافة الخيالة الروم للتجمع خلف قلب الجيش البيزنطي لتنظيم هجوم معاكس ضد الخيالة المسلمين، ولكن ماهان لم يكن سريعاً بالشكل الكافي فقد تقدم خالد سريعاً لمهاجمة الخيالة أثناء تجمعهم وذلك من الجهتين الأمامية والجانبية بينما كانوا في مناورات التحضير للهجوم المعاكس، وكان الفرسان المسلمين المسلحين بشكل خفيف مؤهلين أكثر بل متفوقين من حيث سرعة التحرك والمناورة، حيث كانوا يستطيعون الهجوم والتراجع بسرعة والعودة للهجوم مرة أخرى، وسارع الخيالة البيزنطيين إلى الهرب بإتجاه الشمال في وسط من الفوضى والعشوائية تاركين المشاة لمصيرهم، وكان بينهم كذلك قوات جبلة الراكبة، حيث تشتت بإتجاه دمشق.
المرحلة الخامسة من الهجوم

بعد تشتت فرق الخيالة البيزنطيين، تحول خالد إلى نواة جيش الروم البيزنطيين، الأرمن بقيادة ماهان، لمهاجمتهم من الخلف. وكان الأرمن من المقاتلين الأشداء الذين كانوا على وشك النصر على المسلمين قبل يومين عندما قاموا بإختراق جيش المسلمين، ولكن تحت هجمات من إتجاهات ثلاثة في آنٍ واحد، فرقة الخيالة بقيادة خالد من جهة الخلف، وجنود عمرو من اليسار وجنود شرحبيل من الأمام وبدون دعمٍ من الفرسان الروم، إضافة إلى الإختلال الذي أحدثته في صفوفهم جنود السلاف بقيادة قناطر المتراجعة، لم يكن للأرمن أي فرصة بالصمود فهزموا.
مرحلة الحصار

بعد هزيمة الأرمن هُزمت الآن كافة الجيوش البيزنطية، فتشتت البعض بشكل عشوائي مرعوبين، والبعض تراجع بإنتظام بإتجاه الغرب نحو وادي الرقاد.

ولكن عندما وصلت قوات البيزنطيين إلى المعبر الضيق على النهر واجهت مجموعة من فرسان المسلمين بقيادة ضرار بن الأزور بإنتظارهم. كجزء من خطة خالد كان قد أرسل في الليلة السابقة سرية من الخيالة ً تقدر بـ 500 رجل لسد المعبر الضيق الذي يبلغ عرضه 500 متر فقط. في الحقيقة فقد كان هذا الطريق هو الذي كان يرغب خالد بن الوليد للروم أن يسلكوه في تراجعهم في حال نجحت خطته.
المرحلة النهائية وحسم المعركة

والآن يتقدم جنود المشاة المسلمون من الشرق وفرسان خالد بن الوليد من جهة الشمال ليصلوا إلى الوحدة الخيالة المسلمين التي تراقب المعبر الضيق من جهته الغربية. وإلى الجنوب كان هناك الجرف العميق التابع لنهر اليرموك والتي تراجعت إليه القوات البيزنطية وبدأ الإنحصار.

وبدأت المرحلة النهائية من المعركة عندما اندحر القسم الأكبر من القوات البيزنطية بإتجاه الجرف تحت تأثير القتاك من جهة الأمام، بينما كانوا يتراجعون بإتجاه المركز نتيجة الهجوم من الجانب، حيث نجم عن ذلك اختلال التوازن في الجيش.

عند ذلك فقد الجيش البيزنطي المتحالف كل المعلومات والإرتباطات، ووصل إلى النقطة التي يتجنبها كل القواد العسكريين، وهي عندما تصبح وحداتهم عبارة عن حطام أو ركام مُسلح، فقد إنحصر الجيش البيزنطي بشكل لم يعد يستطيع فيه الجنود استخدام سلاحهم بشكل طبيعي، ولذلك فقد هزموا بسرعة محاولين إيجاد طريق للهرب عبر الجرف وبدون نجاح، فبعضهم هوى في الجرف، بينما سقط الآخرون قتلى أو أسروا لتنتهي بذلك معركة اليرموك.

لم يتواجد خالد بن الوليد مساء اليوم السادس بعد إحراز النصر وانتهاء المعركة في معسكر المسلمين، بل شوهد مساء اليوم التالي في المعسكر، فقد تابع خالد بن الوليد وفريقه فلول ماهان المتجهة إلى دمشق واشتبك معهم ليقتل ماهان على يد أحد المقاتلين المسلمين، فقد قطع رأسه وصرخ والله قد قتلت ماهان. وكانت العادة السائدة آنذاك أن المعركة تنتهي بهرب الجيش المنكسر، ولذلك فكان آخر ما توقعه هامان وجنوده المنهزمون هو متابعة خالد لهم.
عاقبة المعركة

تحرك خالد بن الوليد شمالاً حالماً انتهت العملية ملاحقاً الجنود البيزنطيين المنسحبين؛ حيث لاقاهم قرب دمشق وقام بمهاجمتهم. وهنالك قُتل القائد العام للجيش الامبراطوري فاهان والذي كان قد هرب من المصير المحتوم الذي لاقاه بقيه جنوده أثناء المعركة. وفتح بعدها خالد مدينة دمشق ويقال أن سكانها رحبوا به. وعندما وصلت أخبار الهزيمة المأساوية إلى هرقل في مدينة أنطاكية، أصبح محطماً غائظا والقى باللوم على السيء من افعاله كزواج ابنه اخته مارتينا الذي اجبرها عليه سبباً لخسارته. ولو امتلك هرقل الموارد الازمة ربما لقام بمحاولة أخرى لإستعادة فتح الحافظات التي خسرها. ولكنه لم يعد بعد يملك الرجال ولا المال الكافي ليدافع عن مناطقة. وبدلاً عن ذلك قام بالانسحاب إلى كاتدرائية أنطاكية طالباً الشفاعة. وقام باستدعاء مستشاريه في الكاتدرائية للتمعن في أسباب الهزيمة، حيث اُعلم بالاجماع بأن الخسارة هي قرار من الرب ونتيجة لذنوب الشعب، وهو من ضمنهم، وقد قبل بهذا التفسير. وبعدها نُقل هرقل على متن سفينة إلى القسطنطينية ليلاً، وقيل بأنه القى توديعةً أخيرةً إلى الشام عندما ابحرت سفينته، حيث قال: "الوداع، وداعاً اخيراً يا سوريا، يا محافظتي الجميلة، انت درة العدو الكافر الآن، فالتنعمي بالسلام يا سوريا، اي ارضٍ جميلة ستكونين لهم" هجر هرقل سوريا آخذاً معه الاثر المقدس - الصليب الحقيقي True Cross -، مع آثار أخرى من اجل الحفاظ عليها من العرب الغزاة، والتي كانت محفوظة جميعها في مدينة القدس. حيث نقلها بارثيا Parthia القدس سراً عبر البحر. وقيل بأن الامبراطور كان يخشى البحر، لذا بنوا له جسراً عائماً عبر بحر البسفور للوصول إلى القسطنطينية. وبعد أن تخلى عن الشام، بدء بتجميع ما تبقى له من قوات من اجل الدفاع عن الاناضول ومصر بدلاً عنها. ولم يبذل المسلمون جهوداً تذكر لاحتلال الاناضول، إلا انها ظلت تخضع لغارات سنوية، مما أدى إلى تدمير النشاطات الاقتصادية الاجتماعية لمنطقة شرق الاناضول. وسقطت أرمينية البيزنطية على يد المسلمين سنة 638-39 والتي قام بعدها هرقل ببناء منطقة صدّ في وسط الاناضول بعد أن امر باجلاء جميع الحصون الواقعة شرق مدينة طرطوس. وأخيراً وفي سنة 639-642 قام المسلمون بغزو وفتح مصر البيزنطية، بقيادة عمر بن العاص – قائد الجناح الايمن لجيش المسلمين في معركة اليرموك.
بعد المعركة

كانت معركة اليرموك من أعظم المعارك الإسلامية، وأبعدها أثرا في حركة الفتح الإسلامي، فقد لقي جيش الروم (أقوى جيوش العالم يومئذ) هزيمة قاسية، وفقد زهرة جنده، وقد أدرك هرقل الذي كان في حمص حجم الكارثة التي حلت به وبدولته، فغادر سوريا نهائيا وقلبه ينفطر حزنا، وقد ترتب على هذا النصر العظيم أن استقر المسلمون في بلاد الشام، واستكملوا فتح مدنه جميعا، ثم واصلوا مسيرة الفتح إلى الشمال الإفريقي.
تقييم

يمكن النظر إلى معركة اليرموك كمثال في التاريخ العسكري عندما تستطيع قوة عسكرية صغيرة تحت قيادة حكيمة التغلب على قوة عسكرية تفوقها عدداً. لقد سمح قادة الجيش الامبراطوري لعدوهم بأختيار أرض المعركة التي يريدها. وحتى ذلك الحين لم يكن لديهم ضعف تكتيكي كبير. لقد عرف خالد منذ البداية بأنه أمام قوة كبيرة جداً وحتى اليوم الأخير من المعركة ادار خطة دفاعية فعالة ملائمة لمصادره المحدودة نسبياً. وعندما قرر قرر الهجوم في اليوم الأخير من المعركة، فقد قام بذلك على درجة من التخيل وبعد النظر والشجاعة الامر الذي لم يتصوره أي من القادة البيزنطيين. وبالرغم من انه قاد قوة صغيرة عددياً وكان بأمس الحاجة إلى كل الرجال الذين يمكن جمعهم، كانت لديه الجرءة وبعد النظر لشطر فرقة من خيالته في الليلة التي سبقت هجومه لتأمين الطريق الحيوي لأنسحاب عدوه.

كان خالد بن الوليد واحداً من أجود قادة الفرسان في التاريخ، حيث اظهر استخدامه للقوة الراكبة طوال المعركة مدى فهمه لإمكانيات وقوة جنود الفرسان. حيث قامت فرقة خيالته المتحركة بتحركات سريعة من نقطة إلى أخرى، محوّلةً دائماً مجرى الاحداث في المكان الذي تقدم عليه، وثم تعدوا بسرعة إلى مكان آخر من ارض المعركة لتغير بشكل فعال المسار الذي تذهب إليه المعركة. لم يتعامل فاهان ولا قادته العسكريين ابداً بشكل فعال مع قوة الفرسان، حيث لم تلعب فرق خيالتهم اي دور مهم في المعركة بل حُفظت كقوة احتياطية ساكنة معظم أيام المعركة. ولم يدفع البيزنطيين ابداً بهجوم حاسم حتى عندما حققوا ما كان ممكن ان يكون اختراقاً حاسماً في اليوم الرابع، ففشلوا في استغلاله. فقد ظهر جلياً افتقاد جميع القادة البيزنطيين القدرة على إيجاد الحلول، ويعود السبب إلى الخلافات الداخلية فيما بينهم والتي اوجدت صعوبات في القدرة على قيادة الجيش. واكثر من ذلك، فإن كثيراً من جنود القوات العربية المساندة في الجيش البيزنطي كانوا قد جُندوا كعملٍ بديلٍ عن دفع الضرائب، بينما كان الجيش العربي الإسلامي مكوناً في الجزء الأكبر منه من مقاتلين متمرسين.

لقد احتاجت الاستراتيجية الاصلية لهرقل للقضاء على جنود المسلمين في الشام السرعة في التنفيد وفي نشر الجنود، لكن لم يلتزم القادة على الأرض ابداً بهذه المقومات. ومن المثير للسخرية أن خالداً قاتل بقوة تكتيكية صغيرة الحجم وهي خطة هرقل التي لم تنفذ، وذلك من اجل الحصول على سرعة في نشر الجنود وسرعة في المناورة. لقد استطاع خالد جمع قوة كافية مؤقتاً في أماكن محددة على ارض المعركة من اجل هزم الجيش البيزنطي كل جزء على حدة. بينما لم يتمكن فاهان ابداً من الاستفادة من تفوقه العددي، ويعود ذلك إلى حد ما إلى التضاريس الغير ملائمة والتي منعت الميزان الكبير في نشر الجنود. على اية حال، فإن فاهان لم يحاول في اي مرحلة من المعركة جمع قوة كبيرة لاجل تحقيق اختراق حاسم في صفوف الجيش المسلم. على الرغم من أنه كان في حالة الهجوم طوال الأيام الخمسة الأولى، بحيث أن خط جنوده بقي مستقر على نحو كبير. بينما حدث ذلك وفي مقارنة تامة في الخطة الناجحة جداً التي قام بها خالد في اليوم الأخير من المعركة. عندما اعاد تجميع عملياً كل خيالته وقادهم عبر مناورة عظيمة والتي ادت إلى الظفر بالنصر. وقد وصف جورج نافزيكر George F. Nafziger في كتابه الإسلام في الحرب المعركة، قائلاً: "بالرغم من أن معركة اليرموك لا تحظى بشهرة كبيرة اليوم، إلا أنها واحدةٌ من اكثر المعارك الحاسمة في تاريخ البشرية..... ولو حققت قوات هرقل النصر، لكان العالم الحديث مختلفاً جداً وغير محدد المعالم"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:45 am

الفتوحَات في عَهْدِ عمَر

يبدو أن القيادة الإِسلامية في المدينة المنورة بعد أن انتهت من حروب الردة وقررت مواجهة الدولتين العظميين آنذاك، كانت الخطة الموضوعة أن تفتح المعركة بكل ثقلها على جبهة، وتقوم بدور الدفاع على الجبهة الثانية، وتعتمد على سرعة الحركة بالانتقال من جبهة إلى أخرى حيث تبقى الدولتان في ذعر شديد وضعف معنوي كبير يحول دون التفاهم بينهما، إذ تستمر المعركة قائمة على الجبهتين معاً حيث تخاف كل دولة على وجودها فلا تحرص أن تتفق الواحدة مع الأخرى وإزالة ما كان بينهما من آثار الحرب.

ومع انتهاء حروب الردة كانت الدولة الفارسية هي التي تشكل الخطر الأكبر بالنسبة إلى المسلمين إذ كان الفرس يدعمون المرتدين، ويحاولون القضاء على المسلمين، ويمدون كل متنبئ كذاب أو مرتد خارج على الحكم بكل ما يمكنهم من دعم، لذا كانت الخطة البدء بالقتال على الجبهة الفارسية، لذا وافقت قيادة المدينة المنورة على طلب المثنى بن حارثة الشيباني بالتحرش بالفرس ومنازلتهم. وعندما انتهى خالد بن الوليد من حروب الردة طلبت منه القيادة التوجه إلى العراق لدعم المثنى بن حارثة، كما طلبت ذلك من عياض بن غنم، وأعطته قوة يتحرك بها نحو شمالي العراق.

استطاع خالد بن الوليد أن ينتصر على الفرس، وأن تجوس خيله منطقة السواد وجزءاً من أرض الجزيرة، هذا بالإضافة إلى مناطق غربي الفرات وبادية الشام، وهذا ما جعل الفرس يشعرون بقوة الجيش الإِسلامي وإمكاناته القتالية والتعبوية - على عكس ما كانوا يظنون - الأمر الذي جعلهم يستعدون الاستعداد الكبير للمعركة الحاسمة المقبلة، وحشد الجنود لذلك. وفي هذا الوقت كانت القوة الإِسلامية على الجبهة الرومية تقوم بالدفاع فقط حيث كان خالد بن سعيد بن العاص يرابط بقواته قرب مناطق سيطرة الروم والقبائل العربية المتنصّرة المتحالفة مع الروم. ثم جهز الخليفة الصديق الجيوش وأرسلها إلى الشام - كما رأينا - إلا أن الروم كانوا يستعدون لذلك، ويتوقعون حرباً عامة شاملة، لذا فقد جمعوا أعداداً كبيرة وبعثوها باتجاه الجيوش الإِسلامية الأربعة، كما نقل هرقل مقر قيادته إلى حمص لتكون على مقربة من ساحة المعركة، ولما رأى المسلمون ذلك طلبوا المدد من المدينة والدعم، وكان على القيادة الإِسلامية أن تنقل المعركة الرئيسية من العراق إلى الشام إذ كان الفرس في حالة من الضعف بعد الهزيمة التي منوا بها، وهم بحاجةٍ إلى مدة للاستعداد والتفاهم على الحكم بعد الخلاف الواقع بينهم، لذا طلب الخليفة من خالد بن الوليد أن ينتقل بمن معه من الجند الذين كانوا معه في نجد والذين جاءوه دعماً من المدينة واليمن إلى الشام لدعم المسلمين هناك.

انتقل خالد بن الوليد إلى الشام ومر في مناطق سوريا وبعد فتح (بصرى) وصل إلى اليرموك وجرت معركة اليرموك بين الروم والمسلمين، وكانت معركة حاسمة، ولم تبدأ حتى كانت الخلافة قد آلت إلى عمر بن الخطاب، وبعد انتهاء المعركة كان استعداد الفرس قد تم، واتفاقهم قد حصل بعد اختلاف، وقرروا تصعيد القتال ضد المسلمين، الأمر الذي جعل القيادة الإِسلامية في المدينة تطلب من القيادة العسكرية في الشام إعادة قسم من الجند بإمرة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى العراق، هذا بالإضافة إلى إعلان النفير في جزيرة العرب للسير ودعم قوة المسلمين هناك وبدأت الامدادات تصل،. أما في الشام فقد تمّ طرد الروم وهزيمتهم وإنهاء الوجود البيزنطي فيها بعد عددٍ من المعارك، وهذا ما نلاحظه في خلافة عمر بن الخطاب. وبدأت المعارك في العراق ثم الشام وانتقلت إلى فارس حتى قضي على الدولة الفارسية، ولم ينته عهد الفاروق بعد. وبانتهاء المقاومة على الجبهة الشرقية عاد القتال إلى الجبهة الغربية، إذا انتقل القتال إلى شمالي إفريقية وجزر البحر المتوسط، واستمر ذلك في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان.
معركة اليرموك

تولى عمر بن الخطاب الخلافة في بداية القتال العنيف على الجبهة الغربية، إذ كان المسلمون قد تجمعوا في اليرموك في منطقة حوران أمام تحشدات الروم الهائلة.

كان تجمع المسلمين في المنطقة الغربية من مدينة درعا في سوريا، وقد أخطأ كثير من المؤرخين، فجعلوا نهر اليرموك المنطقة الفاصلة بين المسلمين والروم، ومن يجول في تلك البقعة يدرك مباشرة أنه لا يمكن لهذا الوادي السحيق أن يكون ميداناً لمعركة أو تكون جنباته ساحة لها، هذا بالإضافة إلى أن الخليفة الصديق كان قد طلب من القيادة العسكرية في بلاد الشام أن يكون تجمع جندها في مكان يسهل معه الاتصال مع المدينة لإمكانية وصول الإِمدادات وسهولة الاتصال، ولو قطع المسلمون الوادي قبل احتدام المعركة وانتقلوا منه إلى الجهة الثانية وبصعوبة كبيرة لما أمكن وصول الامدادات إليهم، ولما أمكن الاتصال مع المدينة بعد نشوب الحرب، فكيف بالانتقال والحركة السريعة أثناء القتال كما يحلوا لبعض المؤرخين أن يخططوا ذلك، لهذا كله فقد جعل المسلمون مؤخرة جندهم إلى الشمال الغربي من درعا، لتكون درعا طريقاً لوصول الدعم إليها والاتصال مع المدينة، حيث يمكن في هذا المكان قطع الوادي بسهولة. هذا مع العلم أن خالد بن الوليد قد انتقل إلى اليرموك من بصرى الشام فيكون طريقه عن درعا أو إلى الشمال قليلاً منها. وتكون معركة اليرموك قد وقعت على جانبي أحد روافد اليرموك وهي إما (الرقاد) أو (العلق)، ويكون عمر بن العاص الذي كان على ميمنة المسلمين إلى الشمال، ويزيد بن أبي سفيان الذي كان على الميسرة في الجنوب، على مقربة من نهر اليرموك وأبو عبيدة بينهما ما بين منطقة الجولان ومنطقة حوران.

وخرج المسلمون على راياتهم وعلى وكانو 5 فرق في الميمنة عمر بن عاص وعلى القلب الأول شحبيل بن حسنة وعلى القلب الثاني أبو عبيدة وعلى الميسرة يزيد بن ابي سفيان، وفي خلف الجيوش الاربعة كان خالد بن وليد بجيش احتياطي وكانت هذة الفكرة سبب من أسباب النتصار في المعركة وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعلى الخيالة خالد بن الوليد وهو المشير في الحرب الذي يصدر الناس كلهم عن رأيه، ولما أقبلت الروم في خيلائها وفخرها قد سدت أقطار تلك البقعة سهلها ووعرها كأنهم غمامة سوداء يصيحون بأصوات مرتفعة، ورهبانهم يتلون الانجيل، ويحثونهم على القتال، وكان خالد في الخيل بين يدي الجيش، فساق بفرسه إلى أبي عبيدة فقال له : إني مشير بأمر فقال : قل ما أمرك الله أسمع لك وأطيع. فقال له خالد : إن هؤلاء القوم لا بدّ لهم من حملة عظيمة لا محيد لهم عنها، وإني اخشى على الميمنة والميسرة، وقد رأيت أن افرق الخيل فرقتين وأجعلها وراء الميمنة والميسرة حتى إذا صدّوهم كانوا لهم ردءاً فنأتيهم من ورائهم. فقال له : نعم ما رأيت. فكان خالد في أحد الخيلين من وراء الميمنة، وجعل قيس بن هبيرة في الخيل الأخرى، وأمر أبا عبيدة أن يتأخر عن القلب إلى وراء الجيش كله حتى إذا رآه المنهزم استحى منه ورجع إلى القتال، فجعل أبو عبيدة مكانه في القلب سعيد بن زيد أحد العشرة م. وساق خالد إلى النساء أن يكنّ من وراء الجيش ومعهن عدد من السيوف وغيرها، فقال لهن : من رأيتموه مولياً فاقتلنه. ثم رجع إلى موقفه.

ولما تراءى الجمعان وتبارز الفريقان وعظ أبو عبيدة المسلمين فقال : عباد الله انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، يا معشر المسلمين اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار، ولا تبرحوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدؤوهم بالقتال، واشرعوا الرماح، واستتروا، والزموا الصمت إلا من ذكر الله في أنفسكم حتى آمركم إن شاء الله وخرج معاذ بن جبل على الناس فجعل يذكرهم ويقول : يا أهل القرآن والكتاب وأنصار الهدى والحق، إن رحمة الله لا تنال، وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتي الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادق المصدق، ألم تسمعوا لقول الله "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم..." الآية، فاستحيوا - رحمكم الله - من ربكم أن يراكم فراراً من عدوكم، وأنتم في قبضته وليس لكم ملتحد من دونه ولا عز بغيره.

وقال عمرو بن العاص : يا أيها المسلمون غضوا الأبصار، واجثوا على الركب، واشرعوا الرماح، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا إليهم وثبة الأسد، فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه، ويمقت الكذب، ويجزي بالاحسان إحساناً - لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفراً كفراً(المزرعة) وقصراً وقصراً، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم، فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير أولاد الحجل.

وقال أبو سفيان : يا معشر المسلمين أنتم العرب، وقد أحجمتم في دار العجم منقطعين عن الأهل، نائين عن أمير المؤمنين وامداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بازاء عدو كثير عدده، شديد عليكم حنقه، وقد وترتموهم في أنفسهم وبلادهم ونسائهم، والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم، ولا يبلغ بكم رضوان الله غداً إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة، ألا وإنها سنة لازمة وأن الأرض وراءكم، بينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة المسلمين صحارى وبراري، ليس لأحد فيها معقل ولا معدل إلا الصبر ورجاء ما وعد الله فهو خير معول، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا ولتكن هي الحصون. ثم ذهب إلى النساء فوصّاهن، ثم عاد فنادى : يا معشر أهل الإِسلام حضر ما ترون، فهذا رسول والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم. ثم سار إلى موقفه.

وقد وعظ الناس أبو هريرة أيضاً فجعل يقول : سارعوا إلى الحور العين وجوار ربكم عز وجل في جنات النعيم. ما أنتم إلى ربكم في موطن بأحب إليه منكم في مثل هذا الموطن، ألا وإن للصابرين فضلهم.

ولما تقارب الناس تقدم أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان ومعهما ضرار بن الأزور، والحارث بن هشام، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو إلى معسكر الروم، ونادوا : إنما نريد أميركم لنجتمع له، فأذن لهم في الدخول، وإذا هو جالس في خيمة من حرير. فقال الصحابة : لا نستحل دخولها، فأمر لهم بفرش بسط من حرير، فقالوا : لا نجلس على هذه، فجلس معهم حيث أحبوا... وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يقبلون الاستهانة بشيء من حرمات الله مهما قل، ومع أنه ليس فيه اللباس إلا أنهم رغبوا أن يأخذوا أنفسهم بالشدة، ورفض هذه الأمور وأمثالها، الأمر الذي جعلهم يعظمون في عين أعدائهم فيسايروهم، ويرتفعون في أنفسهم. وهذا ما وضعهم حيث وضعوا هم أنفسهم، وتميزوا بشخصيتهم فكان لهم ما تمنوا.

وعرض الصحابة على الاعداء : الإِسلام، أو الجزية، أو السيف، وكان من تعنت الروم ان كان لابدّ من القتال.

وطلب ماهان خالداً ليبرز إليه فيما بين الصفين فيجتمعا في مصلحة لهم، فقال له ماهان: إنا قد علمنا أن ما أخرجكم من بلادكم الجهد والجوع، فهلموا إلى أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاماً وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها، فقال خالد : إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنا قوم نشرب الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك. فقال أصحاب ماهان : هذا والله ما كنا نحدث به عن العرب، وهكذا كلمة واحدة بعزة النفس تميت معنويات الخصم.

تقدم خالد إلى عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو - وهما على مجنبتي القلب -أشار لهما أن ينشبا القتال، وهكذا بدأت المعركة. وكان ذلك في أوائل شهر رجب من السنة الثالثة عشرة، وحملت ميسرة الروم على ميمنة المسلمين فمالوا إلى جهة القلب، وكان معاذ بن جبل يقول : اللهم زلزل أقدامهم، وأرعب قلوبهم، وأنزل السكينة علينا، وألزمنا حكمة التقوى، وحبب إلينا اللقاء، وأرضنا بالقضاء. وانكشفت زبيد، ثم تنادوا فتراجعوا، وحملوا على الروم وأشغلوهم عن اتباع من انكشف، وردت النساء من فرّ، فرجع الناس إلى مواقعهم.

وقال عكرمة بن أبي جهل : قاتلت رسول الله صل الله عليه وسلم في مواطن وأفر منكم اليوم ؟ ثم نادى من يبايع على الموت ؟ فبايعه ضرار به الأزور، والحارث بن هشام عم عكرمة وعدد من المسلمين ووصل عددهم إلى أربعمائة رجل من أعيان الناس، وقاتلوا أمام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جرحى، وقتل منهم عدد كبير منهم ضرار بن الأزور. ويذكر أنهم استسقوا ماء وهم جرحى فجيء إليهم بشربة ماء، فلما قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر، فقال : ادفعها إليه، فلما دفعت إليه نظر إليه الآخر، فقال : ادفعها إليه، فتدافعوها كلهم من واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعاً، ولم يشربها أحد منهم.

ثم حمل خالد بن الوليد بالخيل على ميسرة الروم التي حملت على ميمنة المسلمين، فأزالوهم إلى القلب، وقتل المسلمون في حملتهم هذه ستة آلاف من الروم، ثم حمل بمائة فارس على ما يقرب من مائة ألف من الروم فانهزموا أمامهم بإذن الله، وتبعهم... ولما عاد المسلمون من حملتهم جاء البريد - الذي ذكرنا - يحمل وفاة الصديق وبيعة عمر وتولية أبي عبيدة إمرة القتال.

وخرج من بين الروم أحد أمرائهم الكبار وهو (جرجه) واستدعى خالد ابن الوليد إلى بين الصفوف حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال جرجة : يا خالد أخبرني فاصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم ؟ قال : لا ‍‍‍ قال : فبم سميت سيف الله ؟ قال : إن الله بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعاً، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا كذبه وباعده، فكنت فيمن كذبه وباعده، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه، فقال لي : أنت سيف من سيوف الله سلّه الله على المشركين. ودعا لي النصر، فسميت سيف الله بذلك فأنا أشد المسلمين على المشركين.

فقال جرجه : يا خالد إلى ما تدعون ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله والإِقرار بما جاء به من عند الله عز وجل : قال : فمن لم يجبكم ؟ قال : فالجزية ونمنعهم. قال : فإن لم يعطها ؟ قال : نؤذنه بالحرب ثم نقاتله. قال : فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم ؟ قال : منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا، شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا. قال جرجه: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر والذخر قال : نعم وأفضل. قال : وكيف يساويكم وقد سبقتموه ؟ فقال خالد : إنا قبلنا هذا الأمر عنه وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء، ويخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقةٍ ونيةٍ كان أفضل منا، فقال جرجه : بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ؟ قال : تالله لقد صدقتك وأن الله ولي ما سألت عنه. فعند ذلك قلب جرجه الترس ومال مع خالد وقال : علمني الإِسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه فسن عليه قربة من ماء ثم صلى به ركعتين... فحملت الروم عند ذلك على المسلمين حملة أزالوا بها المسلمين عن مواقعهم إلى المدافعين أمثال عكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث بن هشام.

وحمل خالد وجرجه بالمسلمين على الروم حتى هزموهم بإذن الله... وقتل جرجه ولم يصل سوى هاتين الركعتين مع خالد، وصلى المسلمون يومذاك صلاة الظهر والعصر إيماء، وأخّروا صلاة العشاءين. وفرّ الروم ليلاً إلى الواقوصة، وسقط الذين ربطوا أنفسهم بالسلاسل.

وكان ممن شهد اليرموك الزبير بن العوام، وهو أفضل من هناك من الصحابة، وكان من فرسان الناس وشجعانهم، فاجتمع إليه جماعة من الأبطال يومئذ فقالوا : ألا تحمل فنحمل معك ؟ فقال : إنكم لا تثبتون، فقالوا : بلى فحمل وحملوا، فلما واجهوا صفوف الروم أحجموا وأقدم هو فاخترق صفوف الروم حتى خرج من الجانب الآخر وعاد إلى أصحابه. ثم جاءوا إليه مرة ثانية ففعل كما فعل في الأولى، جرح يومئذ جرحين في كتفه. وقتل عكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث بن هشام، وابنه عمرو بن عكرمة، وسلمة بن هشام، وعمرو بن سعيد، وأبان بن سعيد، وهشام بن العاص، وعمرو بن الطفيل بن عمرو الدوسي. وانهزم يومذاك عمرو بن العاص في أربعة حتى وصلوا إلى النساء فزجرنهم فعادوا. وانكشف شرحبيل بن حسنة وأصحابه فتراجعوا فوعظهم الأمير فرجعوا. وثبت يزيد بن أبي سفيان وقاتل قتالاً شديداً، وذلك أن أباه مرّ به فقال له : يا بني عليك بتقوى الله والصبر فإنه ليس رحل بهذا الوادي من المسلمين إلا محفوفاً بالقتال، فكيف بك وبأشباهك الذين ولّوا أمور المسلمين ؟ أولئك أحق الناس بالصبر والنصيحة، فاتق الله يا بني ولا يكونن أحد من أصحابك بأرغب في الأجر والصبر في الحرب ولا أجرأ على عدو الإِسلام منك. فقال : افعل إن شاء الله، فقاتل يومئذ قتالاً شديداً وكان من ناحية القلب.

وروى سعيد بن المسيب عن أبيه قال : هدأت الأصوات يوم اليرموك فسمعنا صوتاً يكاد يملأ العسكر يقول : يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين، قال : فنظرنا فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد.

وروي أن الأشتر قد شهد اليرموك ولم يشهد القادسية، فخرج يومئذٍ رجل من الروم، فقال: من يبارز ؟ فخرج إليه الأشتر، فاختلفا ضربتين، فقال للرومي : خذها وأنا الغلام الايادي، فقال الرومي: أكثر الله في قومك مثلك ‍‍ أما والله لو أنك من قومي لآزرت الروم، فأما الآن فلا أعينهم.

وروي أن هرقل قال وهو على إنطاكية في شمال سورية لما قدمت منهزمة الروم : ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشراً مثلكم ؟ قالوا : بلى. قال : فأنتم أكثر أم هم ؟ قالوا : بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن. قال : فما بالكم تنهزمون ؟ قال شيخ من عظمائهم : من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنا نشرب الخمر، ونزني، ونركب الحرام، وننقض العهد، ونغضب ونظلم ونأمر بالسخط وننهى عما يرضي الله ونفسد في الأرض. فقال : أنت صدقتني.

وروي أن أحد أمراء الروم وهو (القُبُقلار) بعث رجلاً عربياً من قضاعة عيناً له بين المسلمين، وقال له : ادخل في هؤلاء القوم فأقم فيهم يوماً وليلة، ثم ائتني بخبرهم. قال : فدخل في الناس رجل عربي لا ينكر، فأقام فيهم يوماً وليلة، ثم أتاه فقال له : ما وراءك ؟ قال : بالليل رهبان، وبالنهار فرسان، ولو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رجم، لإِقامة الحق فيهم. فقال له القبقلار : لئن صدقتني لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها، ولوددت أن حظي من الله أن يخلي بيني وبينهم، فلا ينصرني عليهم، ولا ينصرهم علي.

وفقد عدد من المسلمين عيونهم في يوم اليرموك منهم : أبو سفيان وكان قد فقده عينه الأولى يوم حنين والثانية في اليرموك، وعاش بعدها ضريراً، والمغيرة بن شعبة، وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، والأشعث بن قيس، وعمرو ابن معد يكرب، وقيس بن المكشوح وغيرهم.

وبعد معركة اليرموك التي فر منها الروم، وتابعهم المسلمون، صالح أهل دمشق وأهل حمص، إذ خلت أكثر هذه المناطق من الجنود الروم، كما أن هرقل قد انتقل من مقره في مدينة حمص إلى إنطاكية التي اتخذها قاعدة له يسير فيها الجند، وتصدر عنه الأوامر.

وانتقل أبو عبيدة بالجيش من اليرموك إلى مرج الصفر ببقية الجيش الذي لم يلاحق الروم، وفي المرج وصل إليه الخبر بأن الروم قد تجمعوا بفحل بغور الأردن، فتوقف لا يدري بأي الأمرين يبدأ، أبمدينة دمشق التي يتركزّ قيادة جيش المسلمون فيها أم يعود إلى فحل ؟ فكتب إلى أمير المؤمنين يصف له الموقف، ويستشيره بالأمر، وجاء الأمر من أمير المؤمنين أن ابدأ بدمشق فإنها حصن الشام وبيت مملكتهم واهما، فانهد لها، وأشغلوا عنكم أهل فحل بخيول تكون تلقاءهم، فإن فتحها الله قبل دمشق فذلك الذي نحب، وإن فتحت دمشق قبلها فسر أنت ومن معك واستخلف على دمشق، فإذا فتح الله عليكم فحل فسر أنت وخالد إلى حمص واترك عمراً وشرحبيل على فلسطين لتستكمل فتح بلاد الشام.

معركة فحل

بعث أبو عبيدة عمارة بن مُخِشَ إلى فحل، فوجد أن الروم يقاربون ثمانين ألفاً، وقد طوفوا المياه في المنطقة إلا أن المسلمين استطاعوا بإذن الله إحراز النصر ودخول (فحل) و(بيسان)، وذلك قبل المعركة الكبرى وفتح دمشق أهم مدن الشام.
فتح دمشق

أرسل أبو عبيدة أبا الأعور السلمي إلى طبريا الواقعة إلى جنوب غرب دمشق ليفتحها وليكون ردءاً للمسلمين المتجهين إلى دمشق، وحائلاً دون وصول إمدادات رومية إلى دمشق، وكذلك إلى حمص، وتجهز الروم بقوة كبيرة للحفاظ على المدينة نظرآ لأهميتها وموقعها في قلب بلاد الشام، وتحرك جيش المسلمين في المنطقة الداخلية من بلاد الشام وكان لوجود الحياة القبلية في بعض المناطق التي ساعدت كثيرا جيش المسلمون، بينما كانت المناطق الساحلية والجبلية أكثر صعوبة امام تحرك الجيش والدفاع عنها يكون كبيراً من قبل الروم لذلك السبب، وعند وصول المسلمون إلى المناطق الشمالية الغربية من سوريا من الجهات الساحلية وجدوا أرضي جبلية وعرة المسالك وجبال عالية، إضافة إلى المقاومة الكبيرة في المنطقة الساحلية، وكان فيها المردة والجراجمة، وهم من قدامى السكان، وبعضهم من بقايا العمالقة، ولهم ارتباطات كبيرة بالروم أيضاً.

سار أبو عبيدة باتجاه -(دمشق) -، وقد جعل خالد بن الوليد في القلب، وسار هو في الميسرة، وعمرو بن العاص في الميمنة، وكان عياض بن غنم على الخيل، وشرحبيل بن حسنة على الرجالة. وفي الوقت نفسه بعث ذا الكلاع في فرقة لترابط بين دمشق وحمص لتحول دون وصول الامدادات من جيش الروم إلى دمشق من جهة الشمال، كما جعل أبا الدرداء في فرقة أخرى لتكون في برزة على مقربة من دمشق ردءاً للجيش الإِسلامي الذي يحاصر المدينة المحصنة بشكل كبير.

وبعث أبو عبيدة طليعة تتألف من ثلاثة عناصر أحدهم وأميرهم أبو أمامة الباهلي الذي يقول : فسرت فلما كنا ببعض الطريق، أمرت أحد من معي أن يكمن، وبعد مسافة أمرت الآخر فكمن هناك وسرت أنا وحدي حتى باب البلد، وهو مغلق في الليل وليس هناك أحد، فنزلت وغرزت رمحي بالأرض ونزعت لجام فرسي، وعلقت عليه مخلاته ونمت، فلما أصبح الصباح قمت فتوضأت وصليت الفجر، فإذا باب المدينة بقعقع فلما فتح حملت على البواب فطعنته بالرمح فقتلته، ثم رجعت والطلب ورائي، فلما انتهينا إلى الرجل الذي في الطريق من أصحابي ظنوا أنه كمين فرجعوا عني، ثم سرنا حتى أخذنا الآخر وجئت إلى أبي عبيدة فأخبرته بما رأيت، فأقام أبو عبيدة ينتظر كتاب عمر فيما يعتمده من أمر دمشق، فجاءه الكتاب يأمره بالمسير إليها، فساروا إليها حتى أحاطوا بها، واستخلف أبو عبيدة على اليرموك بشير بن كعب في خيل هناك.

ولا شك فإن الإيمان وحده هو الذي كان سبب نصر المسلمين في معاركهم التي خاضوها ضد أعدائهم على الرغم من قلتهم وقلة إمكاناتهم، وبالإِيمان نفسه استطاع هذا الصحابي أبو أمامة أن ينطلق منفرداً إلى أحد أبواب مدينة دمشق، وأن يبيت ليلة ونفسه مطمئنة وفكره مرتاحاً فيما سيكون وأن يصبح فيتوضأ ويصلي الفجر، ويقتل الحارس وينطلق... وهذا ما أرعب الروم، وأضعف معنويات الروم وساعد المسلمين على النصر.

انطلق الجيش الإسلامي نحو دمشق قلب الشام ومركزها في أكبر المعارك فدخل الغوطة واحتلها وقطع التموينات منها، ووصل إلى دمشق من ناحية الشرق وكانت المدينة العريقة محصنة بشكل كبير، فتوزع يحاصرها حسب التشكيل الذي يسير عليه، فتوقف خالد، وهو على قلب الجيش، على الباب الشرقي وحتى باب كيسان شرق المدينة، وسارت الميسرة على جنوب دمشق، فنزل يزيد بن أبي سفيان على الباب الصغير وإلى باب كيسان جنوب المدينة، ونزل أبو عبيدة على باب الجابية من جهة الغرب وحتى الباب الصغير. وسارت الميمنة على شمالي دمشق فنزل عمرو بن العاص على باب توما، ونزل شرحبيل ابن حسنة على باب الفراديس وباب السلام.

استمر حصار دمشق عدة أشهر وقد كانت صعبة الاقتحام لسورها الحصين وومنارعة ابراجها وأبوابها ودفاعاتها، وبعد حصار طويل شعر أهل دمشق أن الامدادات لا يمكن أن تصل إليهم، وجاء وقت البرد وهو في دمشق برد قارص وكان في هذه السنة قاسياً جدا، فصعب القتال، وفي إحدى الليالي ولد لبطريرك المدينة مولود، فأقام وليمة كبيرة للجند والناس وعمت الاحتفالات المدينة، فباتوا ليلتهم تلك سكارى، وشعر خالد بن الوليد بذلك نتيجة ضعف قتال الذين فوق الأسوار المنيعة والحصينة للمدينة وقلة حركة الناس عامة، ونتيجة المعلومات التي وصلت إليه من العيون، وهو على عين يقظة لا ينام إلا قليلاً، وكانت عنده سلالم مهيأة لتسلق اسوار المدينة العالية والمحصنة. فلما أحس بذلك استدعى بعض صنايد القوم أمثال القعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي، وأحضر جنده عند أحد الأبواب، وقال لهم : إذا سمعتم تكبيرنا فوق السور فارقوا إلينا. ثم إنه قطع الخندق وهو وأصحابه سباحة وقد وضعوا قرباً في أعناقهم تساعدهم على السباحة. إذ كانت الخنادق تحيط بدمشق وهي مليئة بالماء عدا الجهة الشمالية حيث كان نهر بردى هناك يعد بمثابة الخندق، وكان السور على ضفافه يتعرج حسب المجرى على حين كانت الأسوار في الجهات الأخرى تسير بشكل مستقيم، وأثبت خالد وصحبه السلالم على شرفات السور، وصعدوا عليها، فلما صاروا أعلى السور رفعوا أصواتهم بالتكبير لإرهاب العدو ونزلوا على حراس الباب فقتلوهم، وفتحوا الباب عنوة، وقد طعنوا مغاليقه، واندفع الجند من الباب الشرقي إلى داخل المدينة.

وانطلق خالد بن الوليد مع جنده داخل المدينة يعمل في من وقف في وجهه قتلاً، ويتجه نحو مركزها، وأسرع وجهاؤها نحو بقية الأبواب وخاصة نحو الغرب حيث باب الجابية خوفاً من أن ينالهم القتل، وفتح مدينتهم على يد المسلمين، فتم الصلح، ودخل بقية قادة المسلمين وجيوشهم من الأبواب الأخرى للمدينة صلحاً يتجهون نحو داخل المدينة والتقوا في مركزها، خالد يعمل السيف، وهم في السلم، فقالوا له : يا أبا سليمان إن القوم قد طلبوا الصلح، وفتحوا الباب لنا، ودخلنا سلماً، فقال لهم : وإنما دخلت أنا ومن معي المدينة عنوة، ولم يزل يعمل السيف حتى طلب منه أبو عبيدة الكف عن ذلك. والتقى الأمراء عند المقسلاط قرب سوق النحاسين اليوم (سوق المناخلية). وكان فتح دمشق في رجب من السنة الرابعة عشر أي بعد معركة اليرموك بسنة كاملة. ولمناعة اسوارها وتحصيناتها استمر حصارها عدة أشهر وأصبحت بعد ذلك الفتح أهم المدن الإسلامية.

وبعد فتح دمشق طلب أمير المؤمنين من أبي عبيدة أن يسير بعض الجند من الشام مع خالد بن الوليد إلى العراق مرة ثانية ليدعموا الفاتحين فيها، فسيرهم بإمرة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص.

وولى أبو عبيدة على دمشق يزيد بن أبي سفيان وكانت مرحلة من أهم مراحل الفتوحات الإسلامية قد اكتملت في دمشق، وسيّر شرحبيل بن حسنة إلى الأردن، وعمرو بن العاص إلى فلسطين، أي سار كل من الأمراء إلى المنطقة التي كانت وجهته الأولى إليها.

بعث يزيد بن أبي سفيان أمير دمشق دحية بن خليفة إلى تدمر، كما بعث أبا الزهراء القشيري إلى حوران فصالح أهلها، إذ كان طريق المسلمين إلى دمشق عن طريق مرج الصفرّ ومن جهة الغرب من حوران لذا فقد بقيت حوران دون مصالحة وتم الصلح ودخول حوران بعد بعد ذلك.


في البقاع :

وأرسل أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى البقاع، وعندما وصل إلى تلك الجهة جاءت حملة من الروم عن طريق ما يعرف اليوم باسم ظهر البيدر تحت إمرة سنان، واستطاع قتل عدد من المسلمين عند (عين ميسون) وعرفت تلك العين بعد ذلك باسم عين الشهداء. ثم تابع خالد سيره في البقاع نحو الشمال فصالحه أهل بعلبك.


معركة مرج الروم وفتح حمص :

وكان أبو عبيدة قد اتجه إلى شمال دمشق أيضاً فنزل على ذي الطلاع الذي كان في آخر ثنية العقاب وشرف على (القطيفة) اليوم، وإذ وصل إليه خبر إرسال هرقل بطريقاً من قبله يدعى (توذرا) إلى مرج الروم (منطقة الصبورة اليوم) لينزل دمشق فسار إليه أبو عبيدة وخرج إلى(توذرا) وجاء خالد من الخلف، وبدأ القتال فلم ينج من الروم إلا من شرد، وقتل خالد (توذرا)، وكان أبو عبيدة قد التقى ببطريق آخر يدعى (شنس) نزل بجانبه فتنازلا وقتل أبو عبيدة شنس أيضاً، وفر أتباعه باتجاه حمص فلاحقهم أبو عبيدة، ولما انتهى خالد من (توذرا) تبع أبا عبيدة نحو حمص فحاصراها معاً، وطال الحصار، وجاء فصل الشتاء، وكان شديد البرد، وصبر الصحابة صبراً عظيماً، ولما انسلخ الفصل البارد اشتد الحصار، وأجبر الأهالي المسؤولين على الاستسلام، وطلبوا الصلح حسب الصلح الذي صالح عليه أهل دمشق على نصف المنازل، وضرب الخراج على الأرض، وأخذ الجزية على الرقاب حسب الغنى والفقر. وبعث أبو عبيدة بالأخماس والبشارة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع عبد الله بن مسعود... كما طلب منه الرأي بشأن هرقل... فجاءه الجواب بالبقاء في حمص بالنسبة إلى أبي عبيدة.


فتح قنسرين :

وأرسل أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى قنسرين في شمال سوريا فقاتل أهلها بعد حصار واعتذار بعد هزيمة أولى، وإثر ذلك دخل المدينة عنوة، وذلك في السنة الخامسة عشرة من هجرة رسول الله صل الله عليه وسلم. هذا التقدم السريع في المناطق الداخلية من سورية كان لا يوازيه تقدم آخر في المناطق الساحلية للأسباب التي سبق أن ذكرناها، الأمر الذي اقتضى أن يقوم عمرو بن العاص الذي ولي أمر فلسطين بحرب عنيفة في مناطقه الجنوبية حتى يستطيع المسلمون أن يتقدموا في الساحل والداخل بصورة متوازية، واقتضى الأمر من القيادة أن توجه حملات من الداخل إلى الساحل لتقطع المناطق الساحلية إلى وحدات، ولتقلل الضغط أمام الفاتحين المسلمين المتقدمين من الجنوب، وليضعف معنويات المتعنتين من الروم، وليقلل أملهم في إمكانية التشبث بالأرض والبقاء في تلك الجهات، لذا أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب معاوية بن أبي سفيان بالتحرك نحو قيسارية وتولي أمورها وكتب إليه : أما بعد فقد وليتك قيسارية فسر إليها واستنصر الله عليهم، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا فنعم المولى ونعم النصير. فسار إليها فحاصرها، وقاتل أهلها عدة مرات وفي النهاية انتصر عليهم وقتل منهم ما يقرب من ثمانين ألفاً، وبهذا الفتح انقطع رجاء الروم في النصر... ثم كتب عمر إلى عمرو بن العاص أن يسير إلى ايلياء (بيت المقدس).


فتح أجنادين :

سار عمرو بن العاص إلى أجنادين وهي موقع قريب من الفالوجة ومكان عبور فلسطين من الجنوب، إذا رابط فيها الأرطبون، كما كانت قوة للروم في الرملة، وأخرى في بيت المقدس، وكانت إذا جاءت قوات داعمة إلى عمرو أرسل بها تارة إلى الرملة وأخرى إلى بيت المقدس ليشاغلوا الروم في تلك الجهات خوفاً من دعمهم للأرطبون في أجنادين. وطال تأخر الفتح في أجنادين، وسارت الرسل بين الطرفين، ولم يشف أحدهما غليل عمرو، فسار بنفسه باسم رسول، ودخل على الأرطبون، وجرى الحديث بينهما، استنتج الأرطبون على أن هذا الرسول إنما هو عمرو بالذات أو أنه شخص ذو قيمة وأثر بين المسلمين، وقال في نفسه : ما كنت لأصيب القوم بأمر هو أعظم من قتله. فدعا حرساً فسارّه وأمره بالفتك به فقال : اذهب فقم في مكان كذا وكذا، فإذا مرَّ بك فاقتله، ففطن عمرو بن العاص فقال للأرطبون : أيها الأمير إني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي، وإني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع هذا الوالي لنشهد أموره. وقد أحببت أن آتيك بهم ليسمعوا كلامك ويروا ما رأيت. فقال الأرطبون : نعم ‍ فاذهب فائتني بهم، ودعا رجلاً فسارّه فقال : اذهب إلى فلان فردّه. وقام عمرو ابن العاص فرجع إلى جيشه، ثم تحقق الأرطبون أنه عمرو بن العاص نفسه فقال : خدعني الرجل، هذا والله أدهى العرب. وبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال : لله در عمرو. وحدث قتال عظيم في أجنادين كقتال اليرموك.. ثم دخل المسلمون أجنادين، وتقدموا نحو بيت المقدس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:46 am

الفتوحَات في عَهْدِ عمَر

فتح بيت المقدس

لقي المسلمون عناداً قوياً من الروم الأمر الذي جعل الجيوش الإِسلامية تجتمع مرة أخرى، وولى أبو عبيدة على دمشق سعيد بن زيد، وسارت الجيوش لتحاصر بيت المقدس وتضيق على من فيها حتى أجابوا إلى الصلح بشرط أن يقدم عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. أرسل أبو عبيدة إلى عمر يخبره الخبر، واستشار عمر الصحابة فأشار علي بن أبي طالب عليه بالمسير ورأى عثمان بن عفان غير ذلك، فأخذ عمر برأي علي وولاّه على المدينة وسار إلى الشام (دمشق) وعلى مقدمته العباس بن عبد المطلب، وفي الجابية (باب الجابية أحد أبواب دمشق) أستقبله أمراء المسلمين أبو عبيدة وخالد ويزيد، ومن دمشق سار عمر على رأس جيش المسلمين إلى بيت المقدس، ثم صالح النصارى، واشترط عليهم إخراج الروم خلال ثلاثة أيام، ثم دخل المسجد من حيث دخل رسول الله يوم الإسراء وصلى فيه مع المسلمين، ثم سار إلى الصخرة وجعل المسجد في قبلة بيت المقدس. وبعد فتح بيت المقدس رجع كل أمير إلى مكانه.وكانت في سنة 16 هـ

فتح حمص ثانية :

وما أن وصل أبو عبيدة إلى مركزه في حمص حتى حاصره الروم، وقد استنفروا معهم أهل الجزيرة(منطقة شرق سوريا) وكان أبو عبيدة قد استشار المسلمين في التحصن بالمدينة أو قتال الروم خارجها، فأشاروا عليه بالتحصن إلا خالد ابن الوليد الذي كان قد استقدمه من قنسرين لمساعدته ودعمه، فقد رأى قتال الأعداء خارج البناء، إلا أن أبا عبيدة رأى ما رآه بقية المسلمين، وكتب أبو عبيدة إلى أمير المؤمنين يعلمه الخبر. وكانت بقية مدن الشام كل منها مشغول بما فيه، ولو جاءته نجدة من أية مدينة فلربما اختل النظام في بلاد الشام كافة. وبخاصة أن هناك جيوب رومية كثيرة، ويختلط السكان بالروم، وكتب عمر ابن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص في العراق يطلب منه أن يسيّر مدداً بإمرة القعقاع بن عمرو إلى حمص، وأن يبعث بعثاً بإمرة عياض بن غنم إلى بلاد الجزيرة الذي يسيطر عليها الروم. خرج من الكوفة جيشان أولاهما اتجه نحو حمص وقوامه أربعة آلاف مقاتل بقيادة القعقاع بن عمرو، والآخر اتجه نحو الجزيرة بقيادة عياض بن غنم، وفي الوقت نفسه خرج عمر بن الخطاب نفسه من المدينة لينصر أبا عبيدة. علم أهل الجزيرة أن الجيش الإِسلامي قد طرق بلادهم فتركوا حمص ورجعوا إلى أرضهم. وأخبر الروم أن أمير المؤمنين قد سار إلى الشام ليدعم حمص فانهارت معنوياتهم وضعف أمرهم، وأشار خالد على أبي عبيدة بأن يبرز لهم ليقاتلهم فوافق، فنصر الله عباده المؤمنين على اعدائهم ولم يصل بعد القعقاع إذ وصل إلى حمص بعد انتصار المؤمنين بثلاثة أيام، كما أن عمر بن الخطاب كان قد وصل إلى الجابية في دمشق وجاءه خبر المعركة وهو فيها، وعدّ المدد بين المقاتلين ونال نصيبه من الغنائم. كما صالح أهل حلب ومنبج وإنطاكية.


فتح الجزيرة :

أما عياض بن غنم فقد وصل إلى الجزيرة (الجزيرة السورية) وصالح أهل (حران) و(الرها) و(الرقة)، وبعث أبا موسى الأشعري إلى (نصيبين)، وعمر بن سعد بن أبي وقاص إلى (رأس العين) وسار هو إلى (دارا)(مكان دير الزور اليوم على نهر الفرات، وهي قرب قرقيساء التي هي مكان البصيرة عند التقاء نهر الخابور بنهر الفرات) ففتحت هذه المدن، كما أرسل عثمان بن أبي العاص إلى أرمينيا فحدث قتال ثم صالح عثمان أهل البلاد على جزية مقدارها دينار على كل أهل بيت.

فتح سواحل الشام :

وفتحت (قرقيساء) على يد عمر بن مالك، وصالح أهل (هيت)، وكان يزيد بن أبي سفيان قد أرسل أخاه معاوية على مقدمته ففتح بناء على أوامر أبي عبيدة المدن الساحلية طرطوس واللاذقية وانطاكية وصور وصيدا وبيروت وعرقة. إلا أن خطأ قد وقع أثناء الفتح، وهو أن المسلمين لم يكونوا ليمشّطوا البلاد التي يفتحونها تمشيطاً كلياً حيث يخلونها من كل من يمكن أن يتمرد في المستقبل أو يكون عوناً للروم الذين يفكرون في استعادة بلاد الشام ويعتقدون أنه لا تزال لهم مراكز قوة فيها، إذ أن المسلمين كما رأينا قد بدؤوا بالمناطق الداخلية التي هي مجال حركتهم، وعلى صلة بالمدينة المنورة قاعدة الحكم الإِسلامي، بناءً على أوامر القيادة العامة، وحاولوا الابتعاد عن السواحل التي كانت للروم فيها قواعد بحرية، الأسطول الرومي يجوب تلك السواحل على حين لم يكن للمسلمين بعد أية قوة بحرية، فهم بالدرجة الأولى أبناء داخل وصحارى ولربما كان أكثرهم لم ير البحر بعد، ومنهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نفسه. وكذلك فقد تركوا الجزر الجبلية والتفوا حولها ظناً منهم أن أولئك السكان الذين كانوا على درجة من القلة لا تمكنهم من عمل شيء، لذا فإنهم ينزلون على حكم المسلمين راضين أو كارهين إضافة إلى فقر تلك الجهات هذا ويزيد ذلك وعورة تلك الأماكن وصعوبة مسالكها، وهذه الخطيئة نفسها تكررت في الأندلس، فكان من تلك الجزر الجبلية البلاء العظيم الذي أطاح بالمسلمين من الأندلس بعد مدة طويلة من الزمن، والذي لا نزال نذوق منه الويلات، إذ كان سكان الجبال عوناً للروم ودعماً لهم كلما ظهر الروم على الشواطئ الشامية، وهذا ما كان يستشعره الروم من أن لهم قوة تعتصم في المناطق الجبلية كما دعت الحاجة، كما أن قوة أخرى كانت لهم، وهي أن الروم عندما اجلوا عن تلك البلاد الشامية رحلت معهم بعض القبائل العربية المتنصِّرة الحليفة لهم والمنتصّرة من غسان وتنوخ واياد ولخم وجذام وعاملة وكندة وقيس وكنانة ظناً من هذه القبائل أن الروم لا يمكنهم أن يتركوا الفاتحين الجدد في البلاد الشامية، وكان لهذه القبائل مراكزها وأنصارها في المنطقة، كل هذا كان يشجع الروم على التفكير في محاولة استرجاع البلاد، وقد تمكن الروم فعلاً من استعادة بعض السواحل الشامية في الوسط، ولكنهم لم يلبثوا أن طردوا منها. ولعل من الأخطاء التي وقعت آنذاك الاستعانة بالجراجمة، وهم سكان منطقة الجرجومة وهي مدينة تقع في جبل الأمانوس (اللكام) شمال إنطاكية، وقد كانت لهم دولة مركزها مرعش، ويعتقد أنهم من بقايا الحثيين. وعندما صالح أبو عبيدة بن الجراح أهل إنطاكية همّ الجراجمة بالانتقال إلى بلاد الروم خوفاً على أنفسهم، إلا أن المسلمين لم يأبهوا بهم آنذاك، ولكن إنطاكية لم تلبث أن نقضت العهد، واضطر المسلمون إلى فتحها ثانية، وعين أبو عبيدة عليها (حبيب بن مسلمة الفهري) الذي استعد لغزو جرجومة، فاضطر أهلهالطلب الصلح، وكانوا يساعدون المسلمين أحياناً عندما يرون فيهم القوة، ولكنهم إن وجدوا في الروم قوة كاتبوهم على أن ينقضّوا على المسلمين، وهذا ما كان يشجع الروم، ويُبقي عندهم الأمل في العودة إلى بلاد الشام، ولربما كان المسلمون بحاجة إلى الجند آنذاك، وقد وجدوا في الجراجمة عنصراً محارباً ودعماً عسكرياً فاستفادوا منهم، إلا أنه لا يؤمن لهم ولا لعهودهم ما دامو لا يدينون دين الحق، ولا ينظرون إلا إلى مصالحهم، وهذا ما كان يجعلهم يقفون بجانب الروم أحياناً وبجانب المسلمين مرة أخرى، ثم توزعوا في المناطق الجبلية الغربية عوناً للروم، وبقي لهم خطر على البلاد ولأحفادهم الذين اعتقدوا عقائد غريبة حتى الآن.
فتح مصر

لما انتهى فتح المسلمين لبلاد الشام، وانتهى عمرو بن العاص من فتح فلسطين، استأذن عمرو بن العاص من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في السير إلى مصر للفتح، فوافق عمر وسيّره إليها، ثم أمده بالزبير بن العوام ومعه بسر ابن أرطأة وخارجة بن حذافة، وعمير بن وهب الجمحي، فالتقيا عند باب مصر، ولقيهم أبو مريم ومعه الأسقف أبو مريام وقد بعثه المقوقس من الإسكندرية، فدعاهم عمرو بن العاص إلى الإِسلام أو الجزية أو القتال، وأمهلهم ثلاثة أيام فطلبوا منه أن يزيد المدة فزادها لهم يوماً واحداً، ثم نشب القتال، فهزم البيزنطيون وقتل منهم عدد كبير، منهم الأرطبون الذي فر من بلاد الشام إلى مصر، والذي أجبر أهل مصر على المقاومة، وحاصر المسلمون عين شمس، وارتقى الزبير بن العوام السور، فلما أحس السكان بذلك انطلقوا باتجاه عمرو على الباب الآخر، إلا أن الزبير كان قد اخترق البلد عنوة ووصل إلى الباب الذي عليه عمرو، فصالحوا عمراً وأمضى الزبير الصلح، وقبل أهل مصر كلهم الصلح، إذ كان قد وجه عبد الله بن حذافة إلى عين شمس فغلب على أرضها وصالح أهل قراها على مثل صلح الفسطاط.

ثم أرسل عمرو جيشاً إلى الإسكندرية حيث يقيم المقوقس، وحاصر الجيش المدينة، واضطر المقوقس إلى أن يصالح المسلمين على أداء الجزية واستخلف عمرو بن العاص عليها عبد الله بن حذافة. وانشئت مدينة الفسطاط مكان خيمة عمرو حيث بني المسجد الذي ينسب إليه الآن. وأقيمت البيوت حوله.

وأرسل عمرو قوة إلى الصعيد بإمرة عبد الله سعد بن أبي سرح بناءً على أوامر الخليفة ففتحها، وكان الوالي عليها كما أرسل خارجة بن حذافة إلى الفيوم وما حولها ففتحها وصالح أهلها، وأرسل عمير بن وهب الجمحي إلى دمياط وتنيس وما حولهما فصالح أهل تلك الجهات.

ثم سار عمرو بن العاص إلى الغرب ففتح برقة وصالح أهلها، وأرسل عقبة بن نافع ففتح (زويلة) واتجه نحو بلاد النوبة، ثم انطلق عمرو إلى طرابلس الغرب ففتحها بعد حصار دام شهراً، كما فتح (صبراته) و(شروس) ومنعه عمر بن الخطاب أن يتقدم أكثر من ذلك إلى جهة الغرب.


2- الجبهة الشرقية :

كان الخلاف على الحكم قوياً في الدولة الفارسية الفرس كما كان الحكام على خلاف فيما بينهم، فلما غادر خالد بن الوليد العراق إلى الشام شعر الفرس بقلة من بقي من جند المسلمين هناك، فأرادوا النيل منهم وطردهم من أرض العراق، فأرسل شهريار ملك الفرس جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل لمحاربة جيش المسلمين بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني، إلا أن الفرس قد هزموا هزيمة منكرة أيضاً.

طلب المثنى بن حارثة المدد من المدينة، إلا أن أخبار الصديق قد تأخرت عليه لانشغاله بقتال الشام الأمر الذي جعل المثنى يسير بنفسه إلى المدينة وقد خلّف وراءه على المسلمين بشير بن الخصاصية، فلما وصل إلى قاعدة الحكم وجد أبا بكر في آخر عهده وقد استخلف عمر من بعده. فلما رأى أبو بكر المثنى قال لعمر : إذا أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس لحرب أهل العراق مع المثنى، وإذا فتح الله على أمرائنا بالشام فاردد أصحاب خالد إلى العراق فإنهم أعلم بحربه. فلما مات الصديق ندب عمر المسلمين إلى الجهاد في أرض العراق، وأمر على المجاهدين أبا عبيد بن مسعود الثقفي حيث كان أول من لبى النداء ولم يكن من الصحابة، مع العلم أن عمر لم يكن ليولي إلا من كان صحابياً، وعندما سئل في هذا الأمر أجاب : إنما أؤمر أول من استجاب، إنكم إنما سبقتم الناس بنصرة هذا الدين، وإن هذا هو الذي استجاب قبلكم، ثم دعاه فوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً. وأمره أن يستشير أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم، وسار المجاهدون إلى العراق.

وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الوقت نفسه إلى أبي عبيدة في الشام أن يرسل جيش وامداد من دمشق مع خالد بن الوليد، فسيّرهم أبو عبيدة بعد فتح دمشق بإمرة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص.

وأرسل عمر أيضاً مدداً آخر بقيادة جرير بن عبد الله البجلي قوامه أربعة آلاف، فسار باتجاه الكوفة، والتقى بقائد فارس فهزمه شر هزيمة وسقط أكثر جند الفرس في النهر.


معركة النمارق :

بعث رستم جيشاً لقتال أبي عبيد فالتقى الطرفان في النمارق بين الحيرة والقادسية، وكان على خيل المسلمين المثنى بن حارثة، فهُزم الفرس، وولوا الأدبار، وساروا إلى (كسكر) فلحقهم أبو عبيد، ثم هزمهم ثانية بعد أن جاءتهم قوة داعمة لنصرتهم، وفرّ الفرس إلى المدائن.


معركة الجسر :

بعد أن هزم الفرس في النمارق وما بعدها اجتمعوا إلى رستم، فأرسل جيشاً كثيفاً ومعهم راية (كسرى) وراية (أفريدون) التي تسمى (الدرفس) وسار هذا الجيش نحو المسلمين فالتقوا، وبينهم جسر، فقال الفرس : إما أن تعبروا إلينا، أو نعبر إليكم، فقال المسلمون لأبي عبيد : أمرهم أن يعبروا إلينا، فقال أبو عبيد : ما هم أجرأ منا على الموت بل نعبر إليكم، ثم اقتحم الجسر إليهم، وجرت معركة عنيفة بين الطرفين. وكانت فيلة الفرس تؤذي المسلمين حيث تخافها خيولهم الأمر الذي جعل أبا عبيد يأمر المسلمين بقتل الفيلة فقتلوها وكان بين الفيلة فيل عظيم هجم عليه أبو عبيد، فضرب خرطومه فاستدمى الفيل وصرخ وقتل أبا عبيد وبرك فوقه، وقتل القادة الذين تولوا أمر المسلمين بعد أبي عبيد، حتى جاء دور المثنى بن حارثة في الإمارة، وكان قد ضعف أمر المسلمين، وأرادوا التراجع، وعبر بعضهم الجسر، ولتزاحمهم عليه تحطم الأمر الذي جعل ظهور المسلمين للفرس وبدأ القتل فيهم حتى عظم، فقتل منهم من قتل، وغرق من غرق. فجاء المثنى ووقف عند مدخل الجسر يحمي المسلمين ليقطعوا الطريق ببطء فأصلحوا الجسر وعبروا خلاله، حتى انتهوا والمثنى وشجعان المسلمين يحمونهم. وقد وقعت هذه المعركة بعد معركة اليرموك بأربعين يوماً أي في شهر شعبان في السنة الثالثة عشرة للهجرة واختلف الفرس ثانية على الحكم إذ خلعوا رستم، ثم عادوا فولوه، وأضافوا إليه الفيرزان، وسار الفرس إلى المدائن فلحقهم المثنى، وهزم من اعترض سبيله منهم وأسر عدداً كبيراً ضرب أعناقهم، وطلب النجدة والمدد من أمراء المسلمين، فوافوه، كما كان قد وصل إليه جرير بن عبد الله البجلي ومن معه.

معركة البويب :

لما علمت الفرس باجتماع عدد من جيوش المسلمين بعثت جيشاً كثيفاً، والتقى الطرفان في مكان يقال له (البويب) قرب الكوفة، وطلبت الفرس أن يعبر المسلمون إليها، أو تعبر إليهم، فأجاب المثنى بأن يعبر الفرس فعبر وجرت معركة عنيفة هزمت فيها المجوس، وقتل منهم عدد كبير قتلاً وغرقاً في النهر، وكانت هذه المعركة عظيمة إذ اقتص فيها المسلمون من معركة الجسر ونالوا غنائم عظيمة، وقتل فيها قائد الفرس مهران، وكان ذلك في شهر رمضان من السنة الثالثة عشرة الهجرية.

وبعد معركة البويب التي اقضت مضاجع الفرس اجتمع أمراؤهم على تمليك يزدجرد بن شهريار بن كسرى، واتفقوا على ذلك فيما بينهم، وأرسلوا بالخبر إلى إتباعهم في الأمصار كافة، الأمر الذي جعل المجوس وأنصارهم الذين صالحوا المسلمين وأظهروا الطاعة ينقضون العهد. وأخبر المسلمون بذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

حث عمر بن الخطاب المسلمين على الجهاد وخرج بنفسه على رأس الجيش من المدينة بعد أن ولّى مكانه علي بن أبي طالب واستصحب معه عثمان بن عفان وسادات الصحابة حتى وصل إلى ماء يقال له (ماء الصرار) فعقد مجلساً استشارياً في الذهاب، وقد أرسل إلى علي أن يأتي من المدينة، فكلهم وافقه على رأيه إلا عبد الرحمن بن عوف فإنه قال له : إني أخشى إن كسرت أن تضعف أمر المسلمين في سائر أقطار الأرض، وإني أرى أن تبعث رجلا وترجع إلى المدينة، فمال عمر إلى هذا الرأي، ووقع الاختيار على سعد بن أبي وقاص قائداً للجيش، فأوصاه، وكتب إلى المثنى بن حارثة وجرير بن عبد الله البجلي في إطاعة سعد، كما أصبح جميع أمراء العراق تبعاً له، ولكن المثنى قد توفي قبل وصول سعد إذ انتقض عليه جرحه الذي أصابه يوم الجسر.

اجتمع المسلمون في القادسية حسبما واعدهم سعد بن وقاص بناء على أوامر الخليفة عمر بن الخطاب، كما نصَّب الخليفة عبد الرحمن على القضاء ولما بلغ سعد ماء العذيب اعترضه جيش للفرس، فهزمه، وغنم منه غنائم كثيرة. ويبدو من هذه المعارك أن المسلمين كانوا يتوغلون في أعماق العدو دون تطهير كامل للمناطق الخلفية مما يجعل الفرس يستطيعون تحريك جيوشهم إلى قرب أماكن المعارك الأولى.

معركة القادسية :

ثم سار سعد حتى نزل القادسية، فمكث فيها شهراً لم ير فيه أثر للفرس، وكان يبث سراياه في كل الجهات، فكانت تأتيه بالغنائم الأمر الذي جعل الفرس وحلفائهم يتضايقون جداً، وأخبروا ملكهم (يزدجرد) بأنه إن لم ينجدهم فإنهم سيضطرون إلى تسليم ما بأيديهم إلى المسلمين أو يصالحونهم، وهذا ما جعل (يزدجرد) يدعو رستم ويؤمره على الحرب بجيش كثيف، وقد حاول رستم أن يعفيه الملك من ذلك وأبدى الأعذار بأن إرسال جيش كثيف واحد إلى المسلمين فيه شيء من الخطأ، وإنما من الصواب أن يرسل جيشاً إثر آخر لإضعاف المسلمين، إلا أن الملك قد أصر على إرساله بهذا الجيش اللجب الذي يبلغ قوامه 120000 مائة وعشرين ألفاً، ويكون مثلها مدداً لها.

سار رستم وعسكر بساباط، وكان سعد يكتب في كل يوم إلى الخليفة حسب أوامره إليه، ولما اقترب رستم من المسلمين بعث إليه سعد جماعة من سادات المسلمين يدعونه إلى الله عز وجل وكان بينهم: النعمان بن مقرن، والمغيرة بن شعبة، والأشعث بن قيس، وفرات بن حبان، وعطارد بن حاجب، وحنظلة بن الربيع، وعمرو بن معد يكرب. فقال لهم رستم: ما أقدمكم ؟ فقالوا: جئنا لموعود الله إيانا، أخذ بلادكم وسبي نسائكم وأبنائكم وأخذ أموالكم، ونحن على يقين من ذلك. وقد تأخر رستم في الخروج من المدائن للقاء سعد في القادسية مدة أربعة أشهر عسى أن يضجر سعد ومن معه من المسلمين، كما أن رستم كان يعتقد أن النصر سكون حليف المسلمين لما يرى ويسمع عن معاركهم وأخلاقهم. وقد ضعفت معنويات رستم ومن معه بعد أن سمعوا كلام الوفد، وما فيه من ثقة بالله ويقين بالنصر.

ولما اقترب الجيشان طلب رستم من سعد أن يبعث له رجلاً عاقلاً عالماً يجيبه عن بعض أسئلته، فأرسل له سعد المغيرة بن شعبة. فقال له رستم : إنكم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونكف الأذى عنكم، فارجعوا إلى بلادكم ولا نمنع تجارتكم من الدخول إلى بلادنا. فقال له المغيرة: إن ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة، وقد بعث الله إلينا رسولاً قال له : إني قد سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بديني فأنا منتقم بهم منهم، واجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به، وهو دين الحق، لا يرغب عنه أحد إلا ذل، ولا يعتصم به إلا عز. فقال له رستم : فما هو ؟ فقال : أما عموده الذي لا يصلح شيء منه إلا به فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، فقال : ما أحسن هذا ! وأي شيء أيضاً، قال : وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله. قال : وحسن أيضاً وأي شيء أيضاً ؟ قال : والناس بنو آدم، فهم إخوة لأب وأم، قال : وحسن أيضاً : ثم قال رستم : أرأيتم إن دخلنا في دينكم أترجعون عن بلادنا ؟ قال : إي والله ثم لا نقرب بلادكم إلا في تجارة أو حاجة. قال : وحسن أيضاً. وإن هذا الحديث قد زاد إلى أضعاف معنويات رستم والفرس، وزاد يقينهم في انتصار المسلمين، وزادت قناعتهم بهذا الدين الجديد حتى إن رستم قد ذاكر وجهاء قومه في الدخول في الإِسلام فأنفوا وأبوا فأخزاهم الله.

وحاول رستم والفرس أن يلجؤوا إلى طريق الإغراء فزينوا مجلس رستم بالنمارق المذهبة والحرير، وأظهروا اللآلئ والياقوت والأحجار الكريمة الثمينة، والزينات العظيمة، وجلس رستم على سرير واسع من الذهب، وعليه تاج مرصع، ثم طلب رستم ثانية من سعد إرسال رجل آخر، فأرسل إليه ربعي بن عامر، فسار إليه بثياب صفيقة وأسلحة متواضعة وفرس صغيرة، ولم يزل راكبها حتى داست على الديباج والحرير، ثم نزل عنها وربطها في قطع من الحرير مزقها مما رأى أمامه، وأقبل على رستم وعليه سلاحه الكامل، فقالوا له : ضع سلاحك. فقال : إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فنقلوا ذلك لرستم فقال : ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق أكثرها، فقالوا له : ما جاء بكم ؟ فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإِسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله. قالوا : وما موعود الله ؟ قال : الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقي. فقال رستم: قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا ؟ قال : نعم ! كم أحب إليكم ؟ يوماً أو يومين ؟ قال : لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. فقال : ما سن لنا رسول الله صل الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، فقال : أسيدهم أنت ؟ قال : لا! ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم. فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال : هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل ؟ فقالوا : معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه ؟ فقال : ويلكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل، ويصونون الأحساب.

وبعث الفرس في اليوم الثاني يطلبون رجلا آخر يريدون أن يعرفوا نماذج من المسلمين، فهل كلهم على هذا اليقين وهذا الرأي ؟ علهم يجدون ثغرة يستطعون أن ينفذوا منها، فبعث إليهم سعد بن أبي وقاص رجلا آخر هو حذيفة بن محصن، فتكلم على النحو الذي تكلم فيه ربعي بن عامر.

وتكرر الطلب في اليوم الثالث فأرسل إليهم سعد ثالثاً هو المغيرة بن شعبة. فقال رستم للمغيرة: إنما مثلكم في دخول أرضنا مثل الذباب رأى العسل. فقال : من يوصلني إليه وله درهمان؟ فلما سقط عليه غرق فيه، فجعل يطلب الخلاص فلم يجده، وجعل يقول : من يخلصني وله أربعة دراهم ؟ ومثلكم كمثل ثعلب ضعيف دخل حجراً في كرم، فلما رآه صاحب الكرم ضعيفاً رحمه فتركه، فلما سمن أفسد شيئاً كثيراً فجاء بجيشه، واستعان عليه بغلمانه فذهب ليخرجه فلم يستطع لسمنه فضربه حتى قتله، فهكذا تخرجون من بلادنا، ثم ازداد غضباً وحمقاً وأقسم بالشمس لأقتلنكم غداً.

فقال المغيرة : ستعلم. فقال رستم للمغيرة : قد أمرت لكم بكسوة ولأميركم بألف دينار وكسوة ومركوب وتنصرفون عنا.

فقال المغيرة : أبعد أن أوهنا ملككم وضعفنا عزكم، ولنا مدة نحو بلادكم ونأخذ الجزية منكم عن يد وأنتم صاغرون وستصيرون لنا عبيداً على رغمكم ؟

كان سعد بن أبي وقاص مريضاً لا يستطيع الركوب، لذا فقد جلس في القصر متكئاً على صدره فوق وسادة ينظر إلى الجيش يدبر أمره ويصدر تعليماته، وقد أعطى القيادة إلى خالد بن عرفطة، وكان على الميمنة جرير بن عبد الله البجلي وعلى الميسرة قيس بن مكشوح.

بدأت المعركة بعد الظهيرة وبعد أن صلى سعد الظهر بالناس وخطب فيهم وحثهم على القتال، واستمر القتال حتى الليل، ثم استؤنف في اليوم الثاني ولمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع اشتد أثر الفيلة الفارسية على الجيش إذ كانت الخيول تنفر منها الأمر الذي جعل الصحابة يوجهون اهتمامهم إليها حتى قتلوها مع من عليها، وقد أبلى جرير بن عبد الله البجلي، والقعقاع بن عمرو، وطليحة الأسدي، وعمرو بن معد يكرب، وخالد بن عرفطة، وضرار بن الخطاب بلاء كبيراً، إذ كانوا يقلعون عيون الفيلة فتشرد بمن عليها ثم تقتل ويقتل أصحابها، فلما كان الزوال من ذلك الذي عرف بالقادسية وهو الاثنين الرابع عشر من شهر محرم من السنة الرابعة عشرة هبت ريح شديدة على الفرس فأزالت خيامهم وما كان منهم إلا الهرب. وقد قتل القعقاع بن عمرو التميمي وهلال بن علقمة التميمي رستم قائد الفرس، وفرّت جماعة منهم ولحقهم المسلمون حتى دخلوا وراءهم مدينة المدائن مركز الحكم ومقر يزدجرد بن شهريار. وقد قتل من الفرس في اليوم الرابع عشرة آلاف ومثلهم في الأيام السابقة، فكان مجموع القتلى عشرين ألفاً، وهو ما يقرب من ثلثي الجيش الفارسي، واستشهد من المسلمين في الأيام كلها ألفاً وخمسمائة شهيد، وغنم المسلمون غنائم كبيرة جداً، وأرسلت البشارة إلى أمير المؤمنين الذي كان في غاية الاهتمام بالمعركة حتى كان يخرج وحده أحياناً إلى خارج المدينة يسأل الركبان ويتقصى الأخبار حتى جاءه النبأ. وكانت المناطق التي فيها خالد بن الوليد من قبل قد نقضت العهد، فلما كانت معركة القادسية رجع أهلها إلى عهودهم وادعوا أن الفرس قد أجبروهم على ذلك النقض.

ثم تقدم المسلمون بإمرة زهرة بن حوية أميراً إثر أمير نحو المدائن فالتقوا بجيش فارسي فهزموه، واتجه المنهزمون نحو بابل، وانطلقت جماعة أخرى نحو نهاوند، فاقام سعد في بابل عدة أيام ثم سار نحو المدائن، فالتقى بجيش آخر من الفرس فهزمه، وفي ساباط التقى بكتائب أخرى ليزدجرد أصابها كلها ما أصاب سابقتها، وقَتَل هاشم بن عتبة بن أبي وقاص أسد يزدجرد الذي وضع في الطريق لإخافة المسلمين، وكان ذلك في نهاية السنة الرابعة عشرة من هجرة رسول الله صل الله عليه وسلم.

وتحصن الفرس (بهرسير) وهي قرية من المدائن لا يفصل بينها سوى نهر دجلة بعد أن هزموا أمامها، إلا أن حصارهم لم يهن من عزيمة المسلمين، وكان أن فرّ الفرس إلى المدائن، وسار المسلمون وراءهم، فلما اقتربوا منها لاح لهم القصر الأبيض قصر كسرى. وكان المسلمون قد قطعوا نهر دجلة وكان في حالة فيضان كبير الأمر الذي جعل الفرس يخافون لقاء المسلمين ويهابونهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:48 am

الفتوحَات في عَهْدِ عمَر

فتح المدائن :

ودخل المسلمون المدائن فلم يجدوا بها أحداً بل فرّ أهلها كلهم مع الملك سوى بضعة من المقاتلة بقوا في القصر الأبيض، فدعاهم سلمان الفارسي ثلاثة أيام، نزلوا بعدها منه، وسكنه سعد، وجعل الايوان مصلى وتلا حين دخوله {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوماً آخرين، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين} [الدخان : 25-29]، كما صلى الجمعة في الايوان وذلك في شهر صفر من السنة السادسة عشرة للهجرة. وأقامت أسر المسلمين في المدائن حتى فتح الله عليهم جلولاء وتكريت والموصل، وبعدها تحولت الأسر إلى الكوفة. وأرسل سعد السرايا تتعقب الفارين فحصلت هذه السرايا على غنائم كثيرة لم يستطع الفارون حملها فتركوها وأكثرها من ثياب كسرى ولباسه. وقد خمّس سعد الغنائم، وبعث بها إلى المدينة مع بشير بن الخصاصية، وفيها بساط كسرى وتاجه وسواريه، فلما رآها عمر قال : إن قوما أدوا هذا لأمناء، فقال له علي : إنك عففت فعفت رعيتك ولو رتعت لرتعت.


فتح جلولاء :

فر يزدجرد من المدائن، وسار باتجاه حلوان، والتف حوله أثناء سيره عدد كثير من الفرس، فأمر عليهم مهران، وأقاموا بجلولاء، وقد تحصنوا بها، وحفروا الخنادق حولها، فبعث سعد إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخبره بذلك، فأمره أن يقيم هو بالمدائن وأن يرسل إليهم ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وأن يكون على المقدمة القعقاع بن عمرو التميمي، وعلى الميمنة سعد بن مالك، وعلى الميسرة عمر بن مالك، وعلى المؤخرة عمرو بن مرة الجهني، ففعل، فسار هاشم وحاصرهم، واشتد القتال، وكانت تصل النجدات إلى الطرفين، وأخيراً فتح الله على المسلمين جلولاء، وقد قتلوا من الفرس الكثير حتى تجلت بجثثهم الأرض، وبرز من الأبطال في هذه المعركة القعقاع بن عمرو، وعمرو بن معد يكرب، وحجر بن عدي، وقيس بن مكشوح، وطليحة الأسدي.

وبعث هاشم في أثر الفرس المنهزمين القعقاع بن عمرو فكانوا يفرون من وجهه، وقد غنم الكثير أثناء تحركاته تلك. وقد كانت غنائم جلولاء لا تقل عن غنائم المدائن. وقد ادرك القعقاع مهران وقتله، ونجا الفيرزان فسار إلى حلوان وأخبر يزدجرد فترك المدينة بعد أن ترك عليها قائدا، وسار هو إلى الري (طهران اليوم)، وسار القعقاع إلى حلوان فانتصر على حاميتها ودخلها.


فتح تكريت والموصل :

في الوقت الذي سار فيه هاشم بن عتبة إلى جلولاء سار أيضاً إلى تكريت عبد الله بن المعتم على رأس جيش بأمر الخليفة أيضاً، فلما وصل إلى تكريت وجد فيها جماعة من الروم، ومن نصارى العرب، من إياد وتغلب، وعدد من أهل الموصل فحاصرهم أربعين يوماً نازلهم خلالها أربعاً وعشرين مرة، وانتصر فيها كلها، ثم دخل المدينة عنوة، وقد قتل جميع من فيها سوى من أسلم من الأعراب. وسار ربعي بن الافكل بعدها إلى الموصل واضطر أهلها إلى الصلح والتسليم، وفرضت عليهم الجزية.


فتح ماسبذان :

بلغ سعد أن جماعة من الفرس قد تجمعت في ماسبذان الواقعة على يمين حلوان على الطريق إلى همدان، فأخبر بذلك أمير المؤمنين فطلب منه أن يرسل لهم جيشاً بإمرة ضرار بن الخطاب الفهري، ففعل وانتصر عليهم، وهرب أهل ماسبذان إلى رؤوس الجبال، فدعاهم ضرار فاستجابوا له، ومنهم من أسلم، ومنهم من لم يسلم فوضع عليه الجزية.


فتح الأهواز :

تغلب الهرمزان على منطقة الأهواز، وهو من أحد بيوتات فارس المشهورة وكان من الذين فروا من القادسية، وأصبح يغير على المناطق التي دانت لحكم المسلمين، فسار إليه جيشان من المسلمين، انطلق أحدهما من الكوفة من قبل وإليها عتبة بن غزوان، وسار الثاني من البصرة من قبل حاكمها أبي موسى الأشعري، وانتصر المسلمون عليه وهذا ما أجبره على طلب الصلح، فأعطوه ذلك. ثم نقض الهرمزان الصلح بعد أن استعان بجماعة من الكرد، فبرز إليه المسلمون فهزموه فتحصن في تستر (ششتر اليوم)، إلا أن أهل المنطقة قد صالحوا المسلمين عندما رؤوا إصلاح بلادهم، ودفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وهذا ما جعل الهرمزان يطلب الصلح ثانية، ويصالح على عدد من المدن منها (تستر) و(جنديسابور)، وكان حرقوص بن زهير قد فتح سوق الأهواز. ثم نقض الهرمزان الصلح ثانية بناء على تحريض يزدجرد، وبلغ الخبر عمر، فأمر أن يسير إليه جيش من الكوفة بإمرة النعمان بن مقرن، وكانت الكوفة مقر سعد بن أبي وقاص، كما أمر أن يسير جيش آخر من البصرة بإمرة سهيل بن عدي، وأن يكون على الجميع أبو سيرة بن أبي رهم، فالتقى النعمان بالهرمزان فهزمه، ففر إلى تستر فسار إليه سهيل بن عدي، كما لحقه النعمان، فحاصروه هناك، وكان أمير الحرب أبو سبرة بن أبي رهم ابن عمة رسول الله صل الله عليه وسلم، وقد وجد أن مع الهرمزان عدداً كبيراً من المقاتلين، فكتبوا بذلك إلى أمير المؤمنين، فطلب من أبي موسى الأشعري أن يذهب إليهم مدداً، فسار نحوهم، وحاصروا الفرس، واضطرهم إلى الاستسلام بعد فتح البلد عنوة، ولجأ الهرمزان إلى القلعة، فحاصروه وأجبروه على الاستسلام، وأرسلوه إلى عمر بن الخطاب بالمدينة مع وفد فيه الأحنف بن قيس وأنس بن مالك.

ثم سار أبو سبرة بن أبي رهم في قسم من الجيش ومعه أبو موسى الأشعري والنعمان بن مقرن واستصحبوا معهم الهرمزان، وساروا حتى نزلوا (السوس) فحاصروها، وكتب إلى أمير المؤمنين بذلك، فأجابهم بأن يرجع أبو موسى الأشعري إلى البصرة، وأن يسير زر بن عبد الله بن كليب إلى جنديسابور، فسار، وبعث أبو سبرة بالخمس وبالهرمزان إلى المدينة، ولما وصل الوفد بالهرمزان إلى المدينة اتجه إلى بيت أمير المؤمنين، فقيل لهم : إنه بالمسجد للقاء وفد الكوفة، فانطلقوا إلى المسجد، فلم يروا فيه أحداً، ولما هموا بالعودة قال لهم غلمان يلعبون أمام المسجد : إنه نائم في زاوية المسجد، فانطلقوا فوجدوه نائماً، فقال الهرمزان : أين عمر ؟ فأشاروا إليه، وقد دهش لعدم وجود الحرس والحجاب كما اعتاد أن يرى في ملوك فارس وأكاسرتها.

وفتحت السوس عنوة بعد حصار حتى طلب أهلها الصلح، وكذلك فقد فتح زر بن عبد الله جند يسابور.وتقدم المسلمون في بلاد فارس أيام عمر بن الخطاب من جهة ثانية، فقد كان العلاء بن الحضرمي والي البحرين يسابق سعد بن أبي وقاص في الفتح، فلما كتب الله النصر لسعد في القادسية، وكان له ذلك الصدى الواسع، أحب العلاء أن يكون له النصر على فارس من جهته، فندب الناس إلى الجهاد ضد فارس، فاجتمع الجيش وعبر العلاء بن الحضرمي البحر إلى فارس من جهته وذلك دون إذن أمير المؤمنين، اتجه العلاء نحو اصطخر، إلا أن الفرس قد حالوا بين المسلمين وسفنهم، فوجد المسلمون أنفسهم بين العدو والبحر، فعلموا جهدهم وقاتلوا بقوة فنصرهم على عدوهم، ثم خرجوا يريدون البصرة، فلم يجدوا سفنهم، كما رؤوا أن الفرس قد قطعوا عنهم الطرق، فاضطروا إلى البقاء محاصرين، ووصل الخبر إلى عمر بن الخطاب، فتأثر جداً، وأمر بعزل العلاء، وطلب منه الالتحاق بسعد بن أبي وقاص، وطلب من عتبة بن غزوان أن ينجد العلاء، فأرسل قوة بإمرة أبي سبرة بن أبي رهم ومعه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعاصم بن عمرو، والأحنف بن قيس، وحذيفة بن محصن، وعرفجة ابن هرثمة، وكان عدد هذه القوة اثنا عشر ألفاً، وسارت هذه القوة حتى وصلت إلى مكان حصار المسلمين، وكاد القتال أن ينشب بين المحاصرين والفرس، فجاءت القوة في الوقت المناسب، وانتصر المسلمون انتصاراً رائعاً، ثم عاد الجميع إلى عتبة بن غزوان في البصرة.

وتجمع الفرس في مدينة نهاوند، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لا يريد أن ينساح المسلمون في بلاد فارس الواسعة خوفاً عليهم من ضياعهم فيها، وخوفاً عليهم من الفرس، واستمر ذلك مدة حتى وصل إليه الأحنف بن قيس في الوفد الذي يسوق الهرمزان معه، فسأل عمر الأحنف بن قيس عن الأحوال، وكان عمر يخشى أن يكون المسلمون يحيفون على أهل الذمة الأمر الذي يجعلهم ينقضون العهد، فقال عمر : لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم، فأجاب : ما نعلم إلا وفاء وحسن ملكة، قال : فكيف هذا ؟ فقال له الأحنف : يا أمير المؤمنين، أخبرك أنك نهيتنا عن الانسياح في البلاد، وأمرتنا بالاقتصار على ما في أيدينا، وإن ملك فارس حي بين أظهرهم، وإنهم لا يزالوا يساجلوننا ما دام ملكهم فيهم ولم يجتمع ملكان يتفقان حتى يخرج أحدهما صاحبه : وقد رأيت أنا لم نأخذ شيئاً بعد شيء إلا بانبعاثهم، وأن ملكهم هو الذي يبعثهم، ولا يزال هذا دأبهم حتى تأذن لنا فلنسح في بلادهم حتى نزيله عن فارس ونخرجه عن مملتكه وعزّ أمته : فهنالك ينقطع رجاء أهل فارس. فقال عمر : صدقتني والله وشرحت لي الأمر عن حقه.

وجاءت الأخبار إلى عمر بن الخطاب أن الفرس قد تجمعوا في نهاوند، وهذا ما جعله يأمر بالانسياح في أرض فارس، وقد رغب أن يسير هو بنفسه على رأس جيش لقتال الفرس، إلا أنه عندما استشار الصحابة رؤوا غير ذلك، فعدل عن رأيه، وكان الذي أقنعه بذلك علي بن أبي طالب، فكتب إلى حذيفة ابن اليمان أن يسير بجند الكوفة، وإلى أبي موسى الأشعري أن يسير بجند البصرة، وإلى النعمان بن مقرن أن يسير بجند فإذا التقوا فكل على جنده أميرا، وعلى الجميع النعمان بن مقرن فإن قتل فقيس بن مكشوح و... حتى سمى عدة أمراء.

وسار المسلمون نحو نهاوند ولا يزيد عددهم على الثلاثين ألفاً إلا قليلاً، وكان قد تجمع فيها من الفرس ما يزيد على المائة والخمسين ألفاً، وكانت المعارك سجالا بين الطرفين مدة يومي الأربعاء والخميس، ثم انتصر المسلمون على أعدائهم الأمر الذي جعل الفرس يدخلون المدينة ويتحصنون فيها، فحاصرهم المسلمون، ولما طال الحصار استشار النعمان رجاله فأشاروا عليه بالتراجع أمامهم حتى إذا ابتعدوا من حصونهم انقضوا عليهم، فوافق النعمان على ذلك، وأمر القعقاع أن يبدأ القتال مع الفرس وأن يتراجع أولهم ففعل فلحقه الفرس. وعندما ابتعدوا من حصونهم بدأ النعمان بالقتال ونشبت معركة حامية قتل فيها من الفرس أكثر من مائة ألف رجل وتجلل وجه الثرى بالجثث، وسقط النعمان عن فرسه واستشهد، ولم يعلم بذلك سوى أخيه نعيم، فأخفى ذلك وأخذ الراية وسلمها لحذيفة بن اليمان فقاد المعركة إلى النهاية، وبانتهائها أعلم نعيم الجند عن مصرع قائدهم النعمان. أما قائد الفرس الفيرزان فقد فر، ولحقه القعقاع وقتله عند ثنية همدان، ودخل المسلمون نهاوند عنوة، ثم فتحوا أصبهان (جي). وفتح أبو موسى الأشعري (قم) وقاشان، وفتح سهيل بن عدي مدينة (كرمان). ولما وصلت أخبار نهاوند إلى عمر بن الخطاب بكى بكاء مريراً على شهدائها، وكلما ذكر له شهيد زاد بكاؤه، ولما وصلوا إلى ذكر أسماء لا يعرفها بكى وقال : وما ضرهم أن لا يعرفهم أمير المؤمنين ؟ لكن الله يعرفهم وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر.

ولعل المرء يستطيع هنا أن يقف وقفة على اختيار عمر للأمراء وقادة الجند، وصحيح أنه كان لا يختار إلا الصحابة، إلا أنه في الوقت نفسه كان يعين الجندي أميراً ثم لا يلبث أن يضع أميراً عليه ويعيده جندياً يقاتل تحت راية من كان بالأمس يقاتل تحت رايته، وذلك حتى لا ترتفع بإنسان نفس وكي يشعر دائماً بالتواضع ويعرف مكانه الحقيقي، وأن قتاله إنما هو لله، وكذلك يشعر كل جندي في الجيش.

ولما فتحت نهاوند أمر عمر بن الخطاب المسلمين بالانسياح في أرض فارس، وأعطيت الأوامر لسبعة أمراء بالتوغل في أعماق فارس بغض النظر عن عدد الجيش المنطلق وبغض النظر عن عتاده وتجهيزاته وبغض النظر عن القوة التي يمكن أن يلاقيها وعددها إذ أن المسلمين لم يكونوا ليقاتلوا بعدد أو بقوة تجهيزات وإنما بقوة الإِيمان الذي يحملونه بين جوانحهم.

1- سار نعيم بن مقرن إلى همدان ففتحها، واستخلف عليها يزيد بن قيس، وتابع سيره إلى الري (موقع طهران اليوم) ففتحها، ثم بعث بأخيه سويد بن مقرن بناء على أوامر الخليفة إلى قومس فأخذها سلماً، وصالح أهلها، وجاء إليه أهل (جرجان) و(طبرستان) وصالحوه. وكان نعيم قد بعث وهو بهمدان (بكير بن عبد الله) إلى أذربيجان ثم أمده بسماك بن خرشة ففتح بعض بلاد أذربيجان على حين كان عتبة بن فرقد يفتح البلدان من الجهة الثانية.

2- سار سراقة بن عمرو نحو باب الأبواب على سواحل بحر الخزر الغربية، وكان على مقدمته عبد الرحمن بن ربيعة فصالح عبد الرحمن ملكها بعد أن أرسله إلى سراقة بن عمرو، ثم بعث سراقة إلى الجبال في تلك المناطق بكير ابن عبد الله، وحبيب بن مسلمة، وحذيفة بن أسيد، وسلمان بن ربيعة، ومات هناك سراقة بن عمرو واستخلف مكانه عبد الرحمن بن ربيعة، وأقر الخليفة ذلك.

3- سار الأحنف بن قيس على رأس جيش حتى دخل خراسان من الطبسين ففتح هراة عنوة، واستخلف عليها (صحار بن فلان العبدي)، وسار نحو (مرو الشاهجان) عن طريق نهر هراة، فامتلكها واستخلف عليها (حارثة بن النعمان)، ومنها سار إلى (مرو الروذ) مع وادي (مورغاب) ليلاحق يزدجرد حيث فر إليها، ووصلت الامدادات من الكوفة إلى الأحنف بن قيس، وسار المدد نحو (بلخ) حيث انتقل يزدجرد إليها، واستطاع أهل الكوفة دخول بلخ، ففر بزدجرد إلى بلاد ما وراء النهر، ولحق الأحنف بأهل الكوفة في بلخ وقد نصرهم الله على عدوهم، وأصبح الأحنف سيد خراسان إذ تتابع أهلها الذين كانوا قد شذوا أو تحصنوا إلى الصلح. وكان الأحنف وهو في طريقه إلى مرو قد بعث (مطرف بن عبد الله) إلى نيسابور، كما أرسل الحارث بن حسان إلى سرخس.

عاد الأحنف إلى مرو الروذ بعد أن استخلف على (طخارستان) (ربعي بن عامر التميمي)، وكتب الأحنف إلى الخليفة عمربن الخطاب بفتح خراسان، فكتب عمر بن الخطاب إلى الأحنف "أما بعد : فلا تجوزن النهر واقتصر على ما دونه، وقد عرفتم بأي شيء دخلتم على خراسان، فداوموا على الذي دخلتم به يدم لكم النصر، وإياكم أن تعبروا فتنفضوا".

4- واتجه عثمان بن أبي العاص على رأس جيشٍ إلى اصطخر، وقد اجتاز مياه الخليج العربي من البحرين ففتح جزيرة (بركاوان) ونزل أرض فارس، ففتح جور واصطخر وشيراز وكان قد انضم إليه أبو موسى الأشعري بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب. وكان الحكم بن أبي العاص عون أخيه في فتوحاته.

5- اتجه سارية بن زُنَيم الكناني سنة 645 م/23هـ,[1] لفتح ولايتين في بلاد الفرس هما (فسا) و(دارابجرد). وبينما كان يقاتل المشركين على أبواب نهاوند تكاثر عليه الأعداء.. وفي نفس اليوم كان الخليفة عمر بن الخطاب يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله (صل الله عليه وسلم) في المدينة، فإذا بعمر رضي الله عنه ينادي بأعلى صوته أثناء خطبته: "يا سارية الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم".

وبعد انتهاء الخطبة تقدم الناس نحو عمر وسألوه عن هذا الكلام فقال: "والله ماألقيت له بالاً، شيءٌ أتى على لساني."[2]

ثم قدم سارية بن زنيم على عمر رضي الله عنه في المدينة فقال: "ياأمير المؤمنين, تكاثر العدو على جنود المسلمين وأصبحنا في خطر عظيم، فسمعت صوتاً ينادي: "يا سارية الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم", عندئذ التجأت بأصحابي إلى سفح جبل واتخذت ذروته درءاً لنا يحمي مؤخرة الجيش، وواجهنا الفرس من جهة واحدة، فما كانت إلا ساعة حتى فتح الله علينا وانتصرنا عليهم".

6- وسار عاصم بن عمرو التميمي على رأس قوة من أهل البصرة إلى إقليم سجستان، ففتح المنطقة، ودخل عاصمتها (زرنج) بعد حصار طويل اضطر أهلها إلى طلب الصلح، وتولى عاصم إدارة المنطقة، وعمل على توطيد الأمن فيها.

7- وسار سهيل بن عدي الخزرجي بجيش إلى كرمان ففتحها.

8- وانطلق الحكم بن عمير التغلبي بقوة إلى (مكران)، وتبعه مدد، والتقى المسلمون بأعدائهم على شاطئ نهر هناك، وعبر الفرس إلى المسلمين، ولكنهم لم يصمدوا طويلاً أمامهم، فدخل المسلمون معسكر الفرس، وقتلوا منهم عدداً كبيراً، وفتحوا المنطقة كاملة.

9- واتجه عتبة بن فرقد إلى جهة شمال غربي فارس ففتحها - كما مر معنا


مَقتَل الخليفَة عُمَر بن الخَطّاب كان عمر بن الخطاب بعيد النظر واسع الفكر، يخشى على المجتمع الإِسلامي من التلوث، ويخاف عليه من عدم التجانس بوجود عناصر غريبة فيه، تضيع معها الرقابة، وتنتشر آراء متباينة بالاختلاط، وتكثر فيه الإِساءة والنيل من مقوماته، يخشى أن يقوم الذي يأتون من خارج المجتمع من المجوس وسبي القتال بأعمال يريدون بها تهديم الكيان الإِسلامي، لهذا فإنه منع من احتلم من هؤلاء دخول مدينة الرسول صل الله عليه وسلم، إلا أن عدداً من الفرس الذين دالت دولتهم قد أظهروا الإِسلام، ودخلوا المدينة، ولا تزال عندهم من رواسب الماضي صلات مختلفة بعقيدتهم المجوسية القديمة، وارتباطات بحكومتهم السابقة، أو أنهم أظهروا الإِسلام وأبطنوا المجوسية.

طلب المغيرة بن شعبة أمير الكوفة من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يسمح لغلامه (فيروز) الذي يدعى (أبا لؤلؤة) بدخول المدينة للعمل فيها خدمة للمسلمين حيث هو رجل ماهر يجيد عدداً من الصناعات التي تفيد المجتمع وتخدم الدولة، فهو حداد ونقاش ونجار، فأذن له عمر. وكان أبو لؤلؤة خبيثاً ماكراً، يضمر حقداً، وينوي شراً، يحن إلى المجوسية ولا يستطيع إظهارها، وتأخذه العصبية ولا يمكنه إبداءها، فكان إذا نظر إلى السبي الصغار يأتي فيسمح رؤوسهم ويبكي، ويقول : أكل عمر كبدي. وكان أبو لؤلؤة يتحين الفرص، ويراقب عمر وانتقاله وأفعاله، ويبدو أنه قد وجد أن قتل الخليفة وقت الصلاة أكثر الأوقات مناسبة له، إذ يستطيع أن يأخذه على غفلة منه، ويغدر به دون مواجهة، وكان عمر إذا مر بين صفوف المصلين قال : استووا، حتى إذا لم ير فيها خللاً تقدم فكبر ودخل في الصلاة.

فلما كانت صلاة فجر الثالث والعشرين من 23 ذو الحجة 23هـ في السنة الثالثة والعشرين من هجرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، وفعل عمر كعادته، فما هو إلا أن كبر حتى طعنه أبو لؤلؤة ست طعنات، وهرب العلج بين الصفوف، وبيده سكين ذات طرفين لا يمر على أحد يميناً أو شمالاً إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ما يزيد على النصف، فلما رأى عبد الرحمن بن عوف ذلك القى عليه برنساً له، وأحس أبو لؤلؤة أنه مأخوذ لا محالة، لذا فقد أقدم على الانتحار بالسكين ذاتها. وجاء عبد الرحمن ليرى ما حل بالخليفة فوجده صريعاً، وعليه ملحفة صفراء قد وضعها على جرحه الذي في خاصرته، ويقول : (وكان أمر الله قدراً مقدوراً). وأخذ عمر بيد عبد الرحمن فقدمه للصلاة، وفقد عمر بعد ذلك وعيه، أما عبد الرحمن فقد صلى بالناس صلاة خفيفة. وقد رأى هذا من كان على مقربة من الإمام، أما الذين كانا في نواحي المسجد فإنهم لم يعرفوا ما الأمر، وإنما افتقدوا صوت عمر، فجعلوا يقولون : سبحان الله... سبحان الله... حتى صلى عبد الرحمن فانقطع صوت التسبيح.

فلما أفاق عمر قال : أصلى الناس ؟ وهكذا لم ينقطع تفكيره بالصلاة على الرغم مما حل به. قال عبد الله بن عباس : نعم. قال عمر : لا إسلام لمن ترك الصلاة. ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى، وإن جرحه لينزف. ثم احتمل إلى بيته، فقال لابن عباس - وكان معه - : اخرج، فسل من قتلني، فخرج فقيل له طعنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، ثم طعن رهطاً معه، ثم قتل نفسه. فرجع وأخبر عمر بذلك، فقال عمر : الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط.

وخشي عمر أن يكون له ذنب إلى الناس لا يعلمه، وقد طعن من أجله، فدعا ابن عباس وقال له : أحب أن تعلم لي أمر الناس، فخرج إليه ثم رجع فقال يا أمير المؤمنين، ما أتيت على ملأ من المسلمين إلا يبكون، فكأنما فقدوا اليوم أبناءهم.

وجيء له بطبيب من الأنصار فسقاه لبناً فخرج اللبن من الجرح، فاعتقد الطبيب أنه منته، فقال : يا أمير المؤمنين اعهد. فبكى القوم لما سمعوا ذلك. فقال عمر : لا تبكوا علينا، من كان باكياً فليخرج، ألم تسمعوا ما قال رسول الله صل الله عليه وسلم : يعذب الميت ببكاء أهله عليه.

وكان عمر يخشى ما هو قادم عليه، فالمؤمن بين الخوف والرجاء، فيخاف عمر أن يكون قد قصر بحق الرعية ومسؤوليته، ويقول لمن كان حاضراً "وما أصبحت أخاف على نفسي إلا بإمارتكم هذه". وكان ابن عباس ما يريد أن يطمئنه ويخفف عنه، فيذكره بمكانه عند رسول الله صل الله عليه وسلم وعند أبي بكر الصديق، وأن رسول الله قد بشره بالجنة، فكان عمر يقول "والله لوددت أني نجوت منها كفافاً لا علي ولا لي"، "والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها لا أجر ولا وزر".

وقال به ابن عباس، لقد كان إسلامك عزّاً، وإمارتك فتحاً، ولقد ملأت الأرض عدلاً. فقال عمر : أتشهد لي بذلك يا ابن عباس ؟ فقال علي بن أبي طالب لابن عباس : قل نعم وأنا معك.

وطلب عمر من ابنه عبد الله أن يفي ما عليه من الديون. ثم أرسله إلى أم المؤمنين عائشة ا يستأذنها في أن يدفن بجانب صاحبيه، وقال له : قل لها : يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فمضي عبد الله فسلم واستأذن، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فسلم عليها وقال : يقرأ عليك عمر السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت : كنت أريده (المكان) لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي.

وكان عمر لا يريد أن يستخلف إلا أن ابنه عبد الله قد أقنعه بذلك. فعن عبد الله بن عمر أنه قال : دخلت على حفصة ونوساتها (ضفائرها) تقطر ماء فقالت : علمت أن أباك غير مستخلف ؟ قلت : ما كان ليفعل، قالت : إنه فاعل.

فحلفت أن أكلمه في ذلك، فغدوت عليه ولم أكلمه فكنت كأنما أحمل بيميني جبلاً حتى رجعت فدخلت عليه، فسألني عن حال الناس وأنا أخبره، ثم قلت له إني سمعت الناس يقولون مقالة، فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف. أرأيت لو أنك بعثت إلى قيم أرضك ألم تحب أن يستخلف مكانه حتى يرجع إلى الأرض ؟ قال : بلى. قلت : أرأيت لو بعثت إلى راعي غنمك، ألم تكن تحب أن تستخلف رجلاً حتى يرجع ؟ فماذا تقول لله عز وجل إذا لقيته ولم تستخلف على عباده ؟ فأصابه كآبة ثم نكس رأسه طويلاً ثم رفع رأسه وقال : إن الله حافظ هذا الدين، وأي ذلك أفعل فقد سن لي، إن لم استخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن استخلف فقد استخلف أبو بكر.فعلمت أنه لا يعدل أحداً برسول الله صل الله عليه وسلم وأنه غير مستخلف.

قال عمر : قد رأيت من أصحابي حرصاً شديداً، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستة الذين مات رسول الله صل الله عليه وسلم وهو عنهم راض، ثم قال : لو أدركني أحد رجلين، فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به. سالم مولى أبي حذيفة وأبو عبيدة بن الجراح فإن سألني ربي عن أبي عبيدة قلت : سمعت نبيك يقول إنه أمين هذه الأمة، وإن سألني عن سالم قلت : سمعت نبيك يقول إن سالماً شديد الحب لله.

قال : المغيرة بن شعبة : أدلك عليه، عبد الله بن عمر. قال : قاتلك الله ‍ والله ما أردت الله بهذا، لا أرب لنا في أموركم وما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي، إن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان شراً فبحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ويسأل عن أمر أمة محمد صل الله عليه وسلم، أما لقد جهدت نفسي، وحرمت أهلي، وإن نجوت كفافاً لا وزر ولا أجر إني لسعيد.

وجعلها شورى في ستة : عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص م. وجعل عبد الله عمر معهم مشيراً وليس منهم، وأجّلهم ثلاثاً، وأمر صهيباً أن يصلي بالناس. وكان طلحة بن عبيد الله غير موجود آنذاك بالمدينة حيث كان مشغولاً، خارجاً ببعض أعماله. فدعا عمر القوم، وقال لهم : إني قد ظهرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقاً إلا أن يكون فيكم، فإن كان شقاق فهو منكم، وقال إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة (لعثمان وعلي وعبد الرحمن) فاتق الله يا علي، إن وليت شيئاً من أمور المسلمين فلا تحملن بني هاشم على رقاب المسلمين، ثم نظر إلى عثمان وقال : اتق الله، إن وليت شيئاً من أمور المسلمين فلا تحملن بني أمية على رقاب المسلمين. وإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس. ثم قال : قوموا فتشاورا فأمّروا أحدكم.

فلما خرجوا قال : لو ولوها الأجلح (علي) لسلك بهم الطريق، فقال ابنه عبد الله : فما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تقدّم علياً ؟ قال : أكره أن أحملها حياً وميتاً.

وذكر عمر سعد بن أبي وقاص فقال : إن وليتم سعداً فسبيل ذاك، وإلا فليستشره الوالي فإني لم أعزله عن عجزٍ ولا خيانة. وقال عمر : أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصل لكم صهيب - مولى بني جدعان - ثلاث ليالٍ، ثم أجمعوا أمركم، فمن تأمرّ منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه.

وأرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري قبل أن يموت بقليل فقال له: كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت أحدهم فقم على الباب بأصحابك، فلا تترك أحداً يدخل عليهم، ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمّروا أحدهم. وقم على رؤوسهم، فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة ورضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس، ولا يحضر اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم، اللهم أنت خليفتي فيهم.

وقد لزم أبو طلحة أصحاب الشورى بعد دفن عمر حتى بويع عثمان بن عفان.

وبقي عمر ثلاثة أيام بعد طعنه ثم توفي يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين 23هـ، وقد غسله وكفنه ابنه عبد الله، وصلى عليه صهيب.ويبدو أن عمر سار في جعل الأمر بين رجال الشورى على غير الطريق كان يتبعهاوهي طريقة الحسم في الأمر، إذ أن الاختيار ربما يجعل الرجل يفكر في أمر لم يكن يخطر في باله من قبل، بل ربما حدثت خلافات لم تكن لتحدث لو استخلف رجل معين فالكل يطيعون، والجميع لا يرغبون في هذا الأمر، هكذا الفطرة البشرية ترغب عند الاختيار، وتطلب حين الترشيح. وربما ظن بعضهم أن هذه خطيئة وقع فيها عمر، ويحاولون تخفيف ذلك الخطأ بأنه كان مصاباً ومن أجل ذلك حدث ما وقع، إلا أن التخطيط للانتخاب، ومحاولته معرفة سبب قتله، والنظرة البعيدة إلى المستقبل مع إصابته لتدل على مدى صحة تفكيره وسلامة عقله وعدم إضاعة أي شيء من النظر لمصلحة المسلمين. ولكن الخوف مما هو قادم عليه، جعله يريد أن يرفع المسؤولية عن نفسه، لقد كان يريد أن يستخلف إلا أنه خاف من تحمل التبعات وهو قادم للقاء الله عز وجل، وقد قال : لو ولوها الأجلح لسلك بهم الطريق، ويعني علياً، ولما قال ابنه عبد الله : فما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تقدم علياً ؟ قال : أكره أن أحملها حياً وميتاً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:49 am

اقتباس :
الدولة الأموية

يبدأ هذا العصر بقدوم معاوية بن أبي سفيان الذي يعتبر المؤسس الأول للدولة الأموية التي كونت أكبر امبراطورية في التاريخ الإسلامي من وسط آسيا والصين حتى وسط أوروبا وحدود فرنسا وكانت عاصمتها دمشق ،لقد امتد حكم معاوية بن أبي سفيان عشرين عاما.

اشتهر في عهده البريد فأصبح للبريد فهو أول من أسس نظام البريد بين البلاد الإسلامية ومن عاصمته دمشق المنطلق وكان هناك مراكز خاصة وكان لها اهتمام خاص من لدن الخليفة، وتوسعت الغزوات وكان معظمها باتجاه تركيا لعله يكون الخليفة الذي يفتتح القسطنطينية وانطلق معاوية في اعلاء راية المسلمين وضم المزيد من البلاد إلى دولته.

جاء من بعده ابنه يزيد والذي ما فتئ في إكمال مسيرة أبيه في تقوية الدولة الإسلامية الأموية.

وبعد ذلك انتقلت الخلافة إلى مروان بن الحكم والذي حارب التمر وقلب الموازين على كل الخارجين وكان على راسهم الزبير وبدت الحروب بينهم بقيادة القائد الحجاج بن يوسف الثقفي وقام بدوره ليشن حملته على ابن الزبير حتى خرج ابن الزبير حتى قتل وفرح الناس بمقتله ولا حول ولا قوة إلا بالله حتى قال عبد الله بن عمر وانتهت بذلك العقبات في طريق بني أمية فاكملوا اعلاء راية الإسلام وترسيخ دعائم الدولة الإسلامية، وبعد وفاة مروان بن الحكم خلفه ابنه عبد الملك بن مروان الذي يعتبر المؤسس الفعلي للخلافة الأموية بدمشق وقام بتوسيع الحكم وتوطيد دعائم واركان الدولة وعدل في حكمه وكان له شأن كبير ونشر العلم وحافظ هلى روابط الدولة في ازدياد اتساعها في جميع الاتجاهات نحو الشرق والغرب واهتم عبد الملك بن مروان بالعمارة وانشأ دور العبادة والمدارس العلمية في دمشق وغيرها من البلاد الإسلامية. عمر طويل وفي عصره ازدهرت الدولة الأموية وارتفعت راية الإسلام في بلاد لم تكن إسلامية قبل الحكم الأموي واستقطب العلماء والمفكرين والفقهاء إلى بلاط عاصمة دولته دمشق وعمل على نشر الثقافة الإسلامية بكل وجوهها وفي ارجاء البلاد الإسلامية.

بعد عبد الملك بن مروان خلفه ابنه الوليد بن عبد الملك الذي تابع مسير الدولة الأموية القوية متابعا نهج أبيه في احتضان العلم والعلماء، ويذكر بأن أبرز الأحداث في عهده، هو فتح بلاد الأندلس عام 95 هـ واتساع امتداد الدولة الأموية، واصدار وصك العملة الأموية الإسلامية، وكانت رعايته للمدن الإسلامية كبيرة.

وبعد وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك خلفه سليمان الخليفة الشديد وكان أبرز ما فعل تقريبه لأبن عمه عمر بن عبد العزيز بن مراون بن الحكم.

وبعدما سليمان خلفه الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز والذي مالبث حتى أعاد جميع المظالم إلى أهلها حتى كاد أن يقول الناس أهلك عمرا أهله بجمع المظالم فلقد وقف يوما وقال لهم : ألا يا بني أميه أحسب أن شطر أموال الأمة بين أيديكم وأمر بإعادتها جميعها لله درك يا عمر. وكان عمر بن عبد العزيز عادلا في حكمة، ومن بعد عمر بن عبد العزيز تولى الخلافة يزيد بن عبد الملك، وبعده هشام بن عبد الملك وفي خضم اتساع الدولة الأموية ،وفي عهده نستطيع أن نقول بداية النهاية للدولة الأموية وذلك بعد عدة دسائس للخارجين على الاجماع الإسلامي وقيام ثورة الخوارج والتي تم القضاء عليها وإخضاعها، رغم الدسائس من قبل الخارجين من العباسين، استمرت الدولة الأموية في رفع راية الإسلام.

وبعد وفاة هشام بن عبد الملك واستمرار حكم الولاة في ارجاء الدولة، وبعد عدة دسائس ومؤامرات والخيانة المعروفة من قبل العباسين ضد كيان الدولة الإسلامية وبعد زمن كان سقوط الولة الأموية عام 137 هجري، وهي أكبر واهم دولة وامبراطورية إسلامية في التاريخ الإسلامي، وتأسست فيما بعد خلافة جديدة في الأندلس بقيادة القائد الكبير : عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الذي نشأ في بيت الحكم في دمشق وهزم العباسين الذين وقفوا في وجه الأمويين وانتصر عليهم واقام الدولة الأموية في الاندلس الذي كانت من أهم دول الحضارة والعلوم ومنارة إسلامية في أوروبا.

بعد الدولة الأموية التي اتسعت فتوحاتها في كل اتجاه وكانت أكبر امبراطورية في تاريخ الإسلام قامت الدولة العباسية لكنها لم تحافظ على قوة الدولة الإسلامية واتساعها فخسرت الكثير من البلاد التي فتحها الأمويون، وقامت بعدها عدة دول أو دويلات إسلامية في العراق والشام وشمال أفريقيا ومصر والحجاز وغيرها. ومن الشعراء في ذلك العصر جرير بن عطية و الفرزذق و الأخطل ومن الكتاب في ذلك العصر عبد الحميد بن يحيى الكاتب وغيرهم ..

الخِلافَةُ الأُمَوِيَّةُ هي عهد حكم بنو أمية، 
وهم أولى الأسر المسلمة الحاكمة، حكمت ما بين 662 إلى 750، وكانت عاصمة الدولة في دمشق ثم قامت دولتهم في الأندلس بعد ثورة العباسيين وجعلوا عاصمتهم هناك قرطبة.

ويرجع نسب بني أمية إلى قريش وهو من بيوت الرئاسة فيها. وأمية هو ابن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب الجد الأكبر للأمويين[2].

أشهر سادات بني أمية أبو سفيان واسمه صخر ابن حرب، وهو سيد قريش في عهد الرسول صل الله عليه وسلم والذي أسلم عام الفتح.

مؤسس السلالة الأموية الحاكمة ب دمشق هو
معاوية بن أبي سفيان المولود بمكه المكرمة
(15 ق.هـ- 60 هـ)، ولقد تولى الخلافة بين عامي (662-680 م). كان أخوه يزيد بن أبي سفيان واليا على الشام في عهد الخليفة الأول أبو بكر وبعد وفاته بعث هو واليا عليها منذ 657 م من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.

مؤسس الخلافة الأموية - معاوية بن أبي سفيان

تولى الخلافة معاوية الأول بن أبي سفيان (662 - 680م) بعد أن أجمع المسلمون بخلافة معاوية وتنازل له الحسن بن علي رضي الله عنهما في عام الجماعة سنة 41 هـ، واتخذ معاوية من دمشق عاصمة للخلافة الإسلامية. وبذلك انتقلت الخلافة إلى الفرع السفياني من بني أمية، أسس معاوية الخلافة الأموية وأرسى كيانها كخلافة قوية جذب مخالفيه على طاعته أرسى كيان الدولة وعمل على توحيد المسلمين. وتميز حكمه بالحكمة والعدل. أنشأ أول اسطول بحري إسلامي، ووصل إشعاع الحضارة الإسلامية من دمشق إلى أصقاع بعيدة من العالم لتكون الدولة الأموية أكبر دولة إسلامية عرفها التاريح، من بعد معاوية بن أبي سفيان انتقلت الخلافة إلى : -

* الخليفة يزيد الأول بن معاوية ابن أبي سفيان استمر تطور الدولة الإسلامية في عهده وواجه الخارجين علي وحدة المسلمين وتحيد الدولة وقعت واقعة كربلاء الشهيرة والتي قتل فيها حفيد رسول الله صل الله عليه وسلم الإمام الحسين هو وأهله وأصحابه حيث خرج على يزيد رافضاً وكان أول من خانوه الذين وعدوه بالنصر في الكوفة رغم أن كثيراً ممن بقي من الصحابة والتابعين نهوه عن الخروج من المدينة خوفاً عليه، بعدها ثار عبد الله بن الزبير بن العوام على يزيد بن معاوية وبايعه أهل العراق وأخمد يزيد الثورات والتمرد على وحدة الدولة ولاحق المتمردين في العراق وأخمدها في الطريق لتوحيد راية المسلمين وإرساء كيان أول دولة إسلامية قوية موحدة وهي الدولة الأموية.

* من بعده الخليفة معاوية الثاني بن يزيد الأول بن معاوية والذي تنازل عن حقه في الخلافة لأنه محباً للعلم والأدب والشعر ولم يكن يرغب في الخلافة رغم أنه تولاها 6 أشهر ومن بعدها ترك الأمر شورى بين المسلمين .

* الخليفة مروان الأول بن الحكم, ويعتبر هو المؤسس الحقيقي للفرع المرواني من السلالة الأموية في دمشق، حيث من بعده توالى أبناؤه على الحكم واستمرت الفتوحات في عهده وامتداد الدولة نحو الشرق، مات مروان بن الحكم بالسم وخلفه ابنه عبد الملك.

الخليفة / عبد الملك بن مروان

من بعد وفاة مروان بن الحكم، آلت الخلافة إلى ابنه عبد الملك بن مروان بن الحكم (685 - 705م) وهو المؤسس الفعلي لكيان دولة الخلافة الأموية القوية. واستطاع الخليفة عبد الملك بن مروان (685-705 م) أن يسيطر على الأمور ويخضع الخوارج على يد المهلب بن أبي صفرة وأن يخمد ثورات العراق والمتمردين على كيان الدولة أمثال عبد الله بن الزبير على يد الحجاج بن يوسف الثقفي بعد حصار لمكة دام 6 شهور وإرساء الأمن في أنحاء البلاد وعمل على نشر العدل وإرساء كيان الدولة في كافة البقاع التي امتدت إليها وكان عصره عصر ازدهار وتقدم وعلم وقوة.

ازدهرت العلوم في عهد عبد الملك بن مروان وصك وأصدر أول عملة إسلامية وهي النقود الإسلامية الأموية في دمشق وأقام المكتبات وشجع العلماء واهتم بهم، وأنشأ في دمشق الكثير من دور العلم والمدارس لمختلف صنوف العلم ومدارس الفقه والشريعة، ودور العبادة واجتذب العلماء والمفكرين والفقهاء وتم في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان تعريب الدواوين الحكومية بعدما كانت المراسلات والسجلات تكتب بالرومية أصبحت تكتب وتدون بالعربية وأصبح الديوان في العصر الأموي ومقر الحكم بدمشق والمدن الإسلامية تدون بالعربية, وتم في عهده بناء مسجد قبة الصخرة على وضعه الحالي حتى اليوم كما زادت في عهد عبد الملك رقعة الدولة وامتدادها.
اقتباس :
[b][size=18]
الخليفة / الوليد الأول بن عبد الملك

من بعد الخليفة (عبد الملك بن مروان) آلت الخلافة إلى ابنه البكر الوليد (705 - 715 ميلادي) وتواصلت حركة الفتوحات والغزوات الإسلامية وفتح الأمويون مزيداً من البلاد في آسيا شرقآ إلى أوروبا غربا لتصبح الدولة الإسلامية أهم وأكبر إمبراطورية في التاريخ على الإطلاق الدولة الأموية وعاصمتها دمشق، إذ وصلت سنة 711 م غرباً حتى إسبانيا في أوروبا، ثم شرقا حتى تخوم الهند والصين في وسط آسيا، ثم سنة 715 م كان غزو بخارى وسمرقند وتكملة فتح الاندلس وغيرها من البلاد في كل اتجاه، وفي عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك تم تطوير بناء الجامع الأموي - جامع دمشق الكبير واهتم بعمارته وزينه بالفسيفساء والزخارف والنقوش ليصبح الجامع الأموي بدمشق أهم معلم إسلامي في عاصمة الدولة الإسلامية، وكان للعلم والعلماء والادباء والشعراء مساحة من اهتمام الوليد وشجعهم واهتم بإنشاء العمائر في عاصمة الدولة دمشق وفي المدن الإسلامية كافة وظهر فن العمارة الأموية الذي تميز العصر الأموي بعد ذلك.

ممما هو جدير بالذكر في عهد الخلفاء الأمويون تقدمت وازدهرت الخلافة بكل مقوماتها وقوتها، وامتد النفوذ الأموي في كل مكان شرقآ وغربآ وعملوا على تقوية أواصر الدولة الإسلامية التي وصلت إلى أكبر اتساع لها بشكل لم تصل إليه أي دولة إسلامية في كافة العهود السابقة أو اللاحقة، وبرزت الدولة الإسلامية كإمبراطورية ضخمة بكل المقاييس وصل نورها إلى اصقاع بعيدة من العالم، وازدهرت في العهد الأموي العلوم والعمارة والادب والشعر والفنون والصناعة.

تواصل الخلافاء الأمويون، فتولى الخلافة بعد ذلك الخليفة سليمان بن عبد الملك، والخليفة العادل عمر بن عبد العزيز بن مروان الأول بن الحكم وهو الخليفة الأموي الذي لقب بخامس الخلفاء الراشدين وعرف بالعدل والزهد والسخاء على الرعية حتى لم يبقى في عهده من يستحق الزكاة (قيل أنه مات مسموماً)[بحاجة لمصدر]، ومن بعده الخليفة يزيد بن عبد الملك والذي أراد أن يسير بالناس سيرة عمر لكنه لم يستطيع بسبب حاشية السوء، ومن ثم الخليفة هشام بن عبد الملك.

الخليفة / هشام بن عبد الملك

تولى الخليفة هشام بن عبد الملك (724-743م) الخلافة ليكمل رسالة الخلافة الأموية الحضارية واهتم في ترسيخ الأمن في الولايات الإسلامية كافة، ووصلت الحضارة الإسلامية الأموية في عهده إلى مستوى من التقدم في شتى المجالات، واشتهر عهده بازدياد إقبال العلماء وأنشأ المزيد من دور العلم والمدارس المتخصصة ودور العبادة وعرفت فنون العمارة الأموية الإسلامية المميزة للعهد لأموي التي تميزت ببناء القصور والحصون التي انتشرت في دمشق وأنحاء مدن الشام وكافة أرجاء البلاد الإسلامية.

ومن بعد هشام بن عبد الملك تسلم الخلافة على التوالي وهم :-

الخليفة الوليد الثاني بن يزيد الثاني بن عبد الملك وهو أول خلفاء عهد الضعف للدولة الأموية، كان مهملاً للخلافة طائشاً لا يُحسن تصريف الأمور (مات مقتولاً).
الخليفة يزيد الثالث بن الوليد الأول بن عبد الملك كان حسن السيرة حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الدولة بسبب ثورات العرب اليمانية والقيسية لكن بعد فوات الأوان.
الخليفة إبراهيم بن الوليد الأول بن عبد الملك تولاها بعد أخيه يزيد الثالث ولم يستمر بها أكثر من 6 شهور حيث ثار عليه ابن عم أبيه مروان الثاني بن محمد بن مروان بن الحكم.

آخر الخلفاء الأمويون في المرحلة الأولى كان الخليفة مروان الثاني بن محمد (744-750م) الذي واجه مؤامرة من العباسيين الذين تمكنوا من قبض زمام الأمور وتكوين دولتهم في خراسان فواجه دسائس المفسدين والخارجين على أسس الدولة الإسلامية إلى أن انتهى مروان مقتولاً في دير بمصر بعد هروبه من جنود العباسيين وبه انتهى عصر الخلافة الأموية في المشرق سنة 750 م والذي دام أكثر من 90 سنة.



قائمة الخلفاء وبعض الأحداث الهامة

في دمشق

* معاوية بن أبي سفيان 662-680
o تأسيس الخلافة الأموية وعاصمتها دمشق.
o توحيد البلاد الإسلامية.
o وقعة صفين في عام 39 هجري.
o معركة سيلايوم في عام 677 ميلادي.
o تأسيس اول اسطول بحري إسلامي في عهد معاوية

* يزيد بن معاوية 680-683
o اتساع الدولة الأموية.
o ملاحقة المناهضين لخلافته.
o معركة كربلاء 61 هجري.
o معركة الحرة 63 هجري.

* معاوية بن يزيد 683-684

* مروان بن الحكم 684-685

* عبد الملك بن مروان 685-705
o مزيد من اتساع الدولة الأموية واستمرار الفتوحات.
o بناء قبة الصخرة بالقدس.
o تنقيط القرآن الكريم.
o وصول الفتوحات الأموية إلى مشارف الصين.
o فتح الهند بقيادة محمد بن القاسم الثقفي.
o صك النقود الإسلامية الأموية دينار عبد الملك بن مروان.

* الوليد بن عبد الملك 705-715
o فتح بخارى وسمرقند.
o فتح الاندلس ووصول الأمويون إلى أوروبا.
o بناء الجامع الأموي في دمشق عاصمة الخلافة.
o فتح بلاد آسيا الوسطى.
o الخلافة الأموية في أكبر اتساع لها لتصبح أكبر خلافة إسلامية في التاريخ.
o الاهتمام بالعلماء ودمشق منارة العلم والعلماء.

* سليمان بن عبد الملك 715-717
o مقتل قتيبة بن مسلم.

* عمر بن عبد العزيز 717-720
o وقف العطايا.
o الحكم بالعدل في أرجاء الخلافة.

* يزيد بن عبد الملك 720-724

* هشام بن عبد الملك 724-743
o عصر ازدهار للدولة الأموية.
o تعريب الدواوين.
o ازدهار العلم والاهتمام بالعلماء.
o الاهتمام بالعمارة وبروز فن العمارة الأموية بشكل واضح.
o خروج زيد بن علي ومقتله.
o إخماد ثورة الخوارج والقضاء على الفتنة.

* الوليد بن يزيد 743-744

* يزيد بن الوليد 744

* إبراهيم بن الوليد 744

* مروان بن محمد 744-750
o وصول عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس.
o انتصار عبد الرحمن الداخل وهزيمة العباسين على يديه.
o قيام الدولة الأموية في الأندلس.
[/b][/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:52 am

[b]قيام الدولة الأموية في الأندلس.
في الأندلس
 [/b]
[size=18]
1. عبد الرحمن الداخل - صقر قريش.
2. هشام بن عبد الرحمن الداخل.
3. الحكم بن هشام.
4. عبد الرحمن الثاني.
5. محمد بن عبد الرحمن.
6. المنذر بن محمد.
7. عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن.
8. عبد الرحمن "الناصر لدين الله".
9. الحكم المستنصر بالله.
10. هشام المؤيد بالله.
11. هشام الرشيد.
12. محمد المهدي بالله.
13. سليمان المستعين بالله.
14. علي المتوكل على الله.
15. عبد الرحمن المرتضى.
16. عبد الرحمن بن هشام المستظهر بالله.
17. محمد المستكفي.
18. هشام المعتمد على الله.

عدد الصحابة من الأمويين كثير يصعب عده. من أشهرهم:

* عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، من أوائل من أسلم، تزوج السيدة رقية والسيدة أم كلثوم بنات رسول الله صل الله عليه وعليهما وسلم، هو ثالث أفضل رجال الأمة بعد أبي بكر وعمر بن الخطاب (لدى السنة).
* أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، قديمة الإسلام تزوجها النبي صل الله عليه وسلم وهي في الحبشة (حالياً أريتيريا وإثيوبيا) بعد ارتداد زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي عن الإسلام وقد كان ابن عمة النبي صل الله عليه وسلم.
* أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية، قديمة الإسلام من المهاجرات، تزوجها زيد بن حارثة فمات عنها شهيداً في مؤتة ثم تزوجت الزبير بن العوام فمات عنها شهيداً قتله عمرو بن جرموز ثم تزوجت عبد الرحمن بن عوف فماتت عنده.
* عبد الله بن سعيد بن العاص بن أمية، قديم الإسلام شهد بدراً، أمره النبي صل الله عليه وسلم بتعليم القرآن بـالمدينة ثم ولاه بعض قرى العرب، استشهد يوم بدر.
* عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية، قديم الإسلام شهد بدراً وهاجر الهجرتين، ولاه النبي صل الله عليه وسلم على وادي القرى (حالياً العلا).
* خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، قديم الإسلام جداً أسلم في أيام الإسلام الأولى، من مهاجرة الحبشة، ولاه النبي صل الله عليه وسلم على صنعاء.
* أبان بن سعيد بن العاص بن أمية، أسلم أثناء غزوة خيبر عام 7هـ، ولاه النبي صل الله عليه وسلم على الخطّ (حالياً القطيف).
* عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن امية، أسلم يوم فتح مكة، ولاه النبي صل الله عليه وسلم على مكة.
* أبو سفيان بن حرب بن أمية، أسلم قبل فتح مكة بسُوَيْعات، ولاه النبي صل الله عليه وسلم على نجران.
* معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، أسلم عام عمرة القضاء سنة 7هـ، أحد قادة الجيوش في فتوح الشام، ولاه عمر بن الخطاب دمشق وبعلبك والبلقاء، ثم جمع له عثمان بن عفان ولاية الشام بأسرها، ثم صار أول ملوك الإسلام.
* يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، أسلم يوم فتح مكة، أحد قادة الجيوش في فتوح الشام، ولاه عمر بن الخطاب على دمشق.
* مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، كان صغيراً يوم فتح مكة. وقد روى الشافعي أن علياً كان يسأل عن مروان بعد معركة الجمل، وقال: يعطفني عليه رَحِمٌ ماسّة، وهو مع ذلك سيد من شباب قريش.


الأمويون والجهاد

فقال الحافظ ابن كثير: ":فكانت سوق الجهاد قائمة في بنى أمية ،ليس لهم شغل إلا ذلك ،قد علت كلمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ،وبرها وبحرها ،وقد أذلوا الكفر وأهله ،وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعبا. لا يتوجه المسلمون إلى قُطْرٍ من الأقطار إلا أخذوه ،وكان في عساكرهم وجيوشهم في الغزو الصالحون والأولياء والعلماء من كبار التابعين في كل جيش منهم شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينه "... ويعترف جورجي زيدان بذلك ويقول: "ولم يبلغ العرب من الغزو والسؤدد ما بلغوا إليه في أيام هذه الخلافة ،وقد تكاثروا في عهدها ،وانتشروا في ممالك الأرض "

وكان الأمويون أنفسهم يصطلون بنيران هذا الجهاد، ويقدمون بأنفسهم القدوة والمثل في التضحية وقيادة الجيوش ومصادمة الأعداء فقد أرسل معاوية ابنه يزيد على رأس جيش لحصار القسطنطينية ،وأرسل عبد الملك ابنه الوليد مراتٍ للغزو في بلاد الروم، وكان ابنه الثاني مسلمة قائد جبهة الروم، وغزواته أكثر من أن تُعد، وحصاره مدينة الروم-القسطنطينية- معروف ومشهور، وكان أخوه محمد بن مروان أمير الجزيرة يتولى الغزو في أغلب الأحيان ،وأولاد الوليد بن عبد الملك وهم العباس وعبد العزيز وعمر ومروان يقودون الغزو في بلاد الروم، ويساعدون عمهم مسلمة بن عبد الملك في ذلك، كما أن سليمان بن عبد الملك كان ابنه داود على رأس قواته المجاهدة في بلاد الروم، وأما هشام بن عبد الملك فقد كان يفرض الغزو على بنى مروان جميعا، ومن يتأخر عن الغزو يمنع عنه العطاء، وكان أولاده في مقدمة الغزاة ،ومنهم معاوية وسليمان ومسلمة وسعيد وغيرهم ،أما مروان بن محمد فكان بنفسه يقود الجيوش ويصبر في القتال صبرا شديدا.

مميزات الخلافة الأموية


قامت الخلافة الأموية واتخذ بني امية دمشق عاصمة لها وأصبحت منارة للعلم والعلماء والفقهاء واهتم الخلفاء الأمويون بالعمارة وإنشاء المساجد والتي تعد أهم المعالم الإسلامية اليوم، وفتحوا الكثير من البلاد من حدود الصين شرقا إلى الاندلس غربا وأصبحت أكبر خلافة في التاريخ الإسلامي امتدت سلطتها في جميع الاتجاهات وأصبحت مدينة دمشق العاصمة أهم مدن العالم الإسلامي، واهتم الخلفاء الأمويون بمدارس العلم والعمارة واهتموا ببناء المساجد كما المسجد الأموي بدمشق والمسجد الاقصى في القدس والمسجد النبوي بالمدينة المنورة ومسجد قرطبة وغيرها في ارجاء الخلافة التي اتسعت في كل اتجاه.
انجازات الخلافة الأموية
الجامع الكبير في قرطبة، الأندلس (إسبانيا حالياً) بني بواسطة الخلافاء الأمويون.
جامع بني أمية الكبير في دمشق بناه الوليد بن عبد الملك

باتساع الخلافة الأموية وضمها للعديد من البلاد في الشرق والغرب قدمت الخلافة الكثير من المعطيات لـ الحضارة الإسلامية، اهتم الخلفاء بالحياة الاقتصادية لمختلف البلاد الإسلامية وبتعيين الولاة والحكام ومحاسبة المقصرين منهم، وفي ارجاء الخلافة المترامية الاطراف كما في العاصمة دمشق اهتموا بالصناعة والعلم والفقه والطب وانشئوا المشافي وقدموا العلاج وشجعوا العلماء وافتتحوا المكتبات والمطابع، وصكوا أول عملة إسلامية (الدينار الأموي)، وعمل الخلفاء الأمويون على جمع المسلمين والمساواة والحكم بالعدل واتخذوا من الكتاب والسنة مرجع في إدارة شئون الخلافة، وساهم الأمويون في نشر الدين الإسلامي بشكل كبير في وسط آسيا وحتى مشارف باريس حيث موقعة بلاط الشهداء بعهد الخلافة الأموية في الاندلس, ومما يذكر انه قد تم بناء أول اسطول بحري إسلامي في عهد الخلافة الأموية.

جاء في أطلس تاريخ الإسلام (ص51): "إن الخلافة العباسية لو تنبهت إلى حقيقة وظيفتها كخلافة إسلامية، وهي نشر الإسلام لا مجرد المحافظة عليه كما وجدته، لو أنها قامت برسالتها وأدخلت كل الترك والمغول في الإسلام، لأدت للإسلام والحضارة الإنسانية أجَلَّ الخدمات، ولغيّرت صفحات التاريخ. وهكذا تكون الخلافة العباسية قد خذلت الإسلام في الشرق والغرب. فهي في الشرق لم تتقدم وتُدخل كل الأتراك والمغول في الإسلام، كما تمكنت الخلافة الأموية من إدخال الإيرانيين ومعظم الأتراك في الإسلام وفتحت أبواب الهند لهذا الدين. وفي الغرب قعدت الخلافة العباسية عن فتح القسطنطنية. ولو أنها فعلت ذلك لدخل أجناس الصقالبة والخزر والبلغار الأتراك في الإسلام تبعاً لذلك، إذ لم تكن قد بقيت أمام هذه الأجناس أية ديانة سماوية أخرى يدخلونها. وهنا ندرك الفرق الجسيم بين الخلافة الأموية والخلافة العباسية. فالأولى أوسعت للإسلام مكاناً في معظم أراضي الخلافة البيزنطية، وأدخلت أجناس البربر جميعاً في الإسلام، ثم انتزعت شبه جزيرة أيبريا (الأندلس) من القوط الغربيين، ثم اقتحمت على الفرنجة والبرغنديين واللومبارد بلادهم بالإسلام، وحاولت ثلاث مرات الاستيلاء على القسطنطنية. أما العباسيون فلم يضيفوا الا القليل -رغم طول عمر خلافتهم- إلى عالم الإسلام إلا القليل، ومعظمه في شرقي آسيا الصغرى". انتهى النقل وخسروا مناطق نفوذ كانت تتبع للخلافة الأموية وتقلص حجم الخلافة الإسلامية في العصر العباسي، بينما حقق الأمويون انتصارات كبيرة وكونوا أكبر دولة إسلامية في التاريخ.
[/size]



الخلافة الأموية في الأندلس
[size=18][size=18]
الخلافة الأموية في قرطبة دولة إسلامية أسسها عبد الرحمن الداخل في 756، وانهت بذلك إمارة قرطبة التي اسسها عبد الرحمن الداخل. استمرت رسميا حتى 1031، بعد أن زالت بتفكيك الدولة الأموية إلى عدد من الطوائف.


أسس السلالة الأموية الحاكمة في الأندلس عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام (756-708 م) من أحفاد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك أحد أهم الخلفاء الأمويون في دمشق، وكان عبد الرحمن وأحد من الناجين من المذابح التي أقامها العباسيين للأمويين (750 م) لقبة الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بصقر قريش لشجاعتة وقوقته وذكائة. فر إلي الأندلس واقام خلافة أموية في الأندلس.

عمل عبد الرحمن ثم ابنه هشام (788-796 م) ثم حفيده الحـَكم (796-822 م) على إرساء وتقوية دعائم الدولة الجديدة، قاموا بتوحيد أراضي الأندلس الإسلامية وحاربوا الممالك المسيحية في الشمال.

عاشت الدولة الأموية مجدها الأول في عهد عبد الرحمن الأوسط (822-852 م)، عرفت البلاد ازدهار حركتي الآداب والعلوم والعمارة والفن وبلغت حالة متقدمة من التمدن، كما عرف عن الأندلسيين أثناء ذلك العهد تمتعهم بثقافة وطبائع راقية. أصبحت الدولة الأموية في بلاد الأندلس مركزا حضاريا كبيرا في غرب العالم الإسلامي.

تلت هذه المرحلة مرحلة انقسمت فيها دولة الأمويين إلى أجزاء تولى كل منها حاكم مستقل. شجع حال الدولة حينذاك الممالك النصرانية في الشمال على القيام ومحاولة استعادة الأراضي التي دخلت تحت حكم الإسلام (بداية حركة الاسترداد).

لكن مع تولى عبد الرحمن الثالث (912-916 م) استعادت البلاد وحدتها السياسية وقوتها العسكرية. منذ 929 م ومع بلوغ الدولة الأموية في الاندلس أوج قوتها وضعف الخلافة العباسية وانهيارها في المشرق استرد عبد الرحمن لقب الخلافة، وقام بشن حملات عسكرية على أطراف مملكته ليؤمن حدودها ويضعف الممالك النصرانية. واجه الفاطميين في شمال إفريقية واستطاع عن طريق أعوانه أن يضم المغرب (فاس: 923 م) وبلاد موريتانيا إلى دولته وزادت قوة دولته بالاندلس. كما قضى على دولة الأدارسة.

عرفت البلاد أوجها الثقافي في عهد ابنه الحكم (961-976 م) الذي استطاع أن يواصل سياسات أبيه واستمرار عصر ازدهار الدولة.

بعد وفاته تولى الحكم ابنه هشام (976-1013 م) والذي كان دون السن التي تؤهله القيام بأمور الحكم. وضع الأخير تحت وصاية الحاجب المنصور (978-1002 م).

بعد سنة 1009 م دخلت الأندلس مرحلة الحروب الاهلية، كثر أدعياء السلطة مع دخول بني حمود العلويين السباق.

سقط آخر الخلفاء الأمويين هشام (1027-1031م) سنة 1031 م.

دخلت الأندس بعدها عهد ملوك الطوائف.

قائمة الأمراء الأمويين في الأندلس

الحاكم الحياة الحكم
1 عبد الرحمن الداخل 731-788 756-788 
2 هشام "الرضي" بن عبد الرحمن 757-796 788-796 
3 الحكم "المرتضى" 770-822 796-822 
4 عبد الرحمن الثاني 792-852 822-852 
5 محمد بن عبد الرحمن 823-886 852-886 
6 المنذر بن محمد 844-889 886-889 
7 عبد الله بن محمد 844-913 889-912 
[عدل] قائمة الخلفاء الأمويين في الأندلس
8 عبد الرحمن "الناصر لدين الله" 890-961 912-961 
9 الحكم المستنصر بالله 915-976 961-976 
10 هشام المؤيد بالله 965-1013 976-1009 
11 محمد المهدي بالله 980-1010 1009-1009 
12 سليمان المستعين بالله 958-1016 1009-1010 
11-2 محمد المهدي بالله 980-1010 1010-1010 
10-2 هشام المؤيد بالله 965-1013 1010-1013 
12-2 سليمان المستعين بالله 958-1016 1013-1016 
13 علي المتوكل على الله ....-1018 1016-1018 
14 عبد الرحمن المرتضى ....-1018 1018-1018 
15 عبد الرحمن المستظهر بالله 1001-1024 1023-1024 
16 محمد المستكفي 976-1025 1024-1025 
17 هشام المعتمد على الله 975-1036 1027-1031 
[عدل] المصادر

* [1]دار الارقم بن ابي الارقم ]
* [2]فتح الاندلس ]
* [3] وااندلساه وما لا يجب أن ننساه ]
* Islam: Kunst und Architektur
* أمويو الأندلس
[/size][/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:54 am

الفتوحات الإسلامية
الفتوحات الإسلامية هي عدة حروب خاضها المسلمون بعد وفاة الرسول صل الله عليه وسلم ضد بيزنطة والفرس والقوط في السنوات مايين (632–732) في العهدين الراشدي والأموي، كان من نتائج الغزوات سقوط مملكة الفرس وفقدان البيزنطينيين لإقاليمهم في الشام وشمال أفريقيا ومصر نشر الإسلام ونشر اللغة العربية معه ومن ثم ظهور الحضارة العربية الإسلامية.

تاريخ

بعد وفاة رسول الإسلام محمد بن عبد الله(صل الله عليه وسلم) في المدينة المنورة بويع أبو بكر بالخلافة وحارب قبائل العرب في حروب الردة وبعدها فتح المسلمون بلاد الروم البيزنطيين والفرس الساسانيين. ففتحوا الشام ومصر والعراق وفارس. بعدها ازدهرت الحضارة الإسلامية في الدول التي دانت بالإسلام ودانت له طواعية تحت ظل الخلافة الراشدة وحكم الدولتين الأموية والعباسية. ولقد ظلت الخلافة الراشدة ثلاثين عاما (632 – 661 م). وكان الخليفة عمر أول من أقيمت المدن الإسلامية في عهده كالكوفة وفسطاط ومدن إسلامية عديدة.

تأسست الدولة الأموية (661 - 750 م) وكانت عاصمتها دمشق وحكمت حوالي قرن. وكانت تمتد من غربي الصين إلى جنوب فرنسا حيث كانت الغزوات الإسلامية وقتها تمتد من شمال أفريقيا إلى إسبانيا وجنوب فرنسا بغرب أوروبا, وبالسند في وسط آسيا وفيما وراء نهري جيحون وسيحون. واقيمت المؤسسات الإسلامية والمساجد والمكتبات في كل البقاع التي غزاها الأمويون.

وحاول الخلفاء الأمويون بدمشق غزو مدينة القسطنطينية عام 717 م. وإبان حكمهم غزوا جميع البلاد في شمال أفريقيا. وكان أول نزول لقوات الدعوة الإسلامية في عصر الدولة الأموية وضمت أرض الأندلس بشبه جزيرة إيبريا (أسبانيا والبرتغال). فكان أول انتصار للمسلمين هناك عام 92 هجرية (711 م) في معركة وادي البرباط, لتبدأ مسيرة الغزوات الإسلامية بجنوب إيطاليا وصقلية. فلقد بلغت الدعوة الإسلامية برنديزي والبندقية بإيطاليا على بحرالأدرياتيك. وخضعت كل جزر البحر الأبيض المتوسط من كريت شرقا حتى كورسيكا غربا للحكم الإسلامي [بحاجة لمصدر].

وكانت الخلافة الأموية الثانية بالأندلس 756 – 1031 م عاصمتها قرطبة التي شيدها الأمويون على غرار عاصمتهم دمشق. وكانت أكبر مدينة في أوروبا. وحكموا الأندلس زهاء قرنين. وكانت هذه الخلافة منارة للحضارة في الغرب حتى قسمها المعتدون من الطوائف لدويلات أدت، لسوء الحظ، إلى سقوط الحكم الإسلامي. ولاسيما بعد سقوط مملكة غرناطة بيد المعتدين عام 1492 م علي يد الملك فريناندو والملكة إيزابيلا. وعندما كانت الحضارة الأندلسية في عنفوانها, كانت موقعة بواتييه قرب تولوز بوسط فرنسا قدأوقفت المد الإسلامي الكاسح لشمالها. حيث لم ينتصر عبد الرحمن الغافقي على الفرنجة عام 114 هجرية (732 م) عندما قتل بها في معركة بلاط الشهداء. لكنهم رغم هذه الهزيمة, واصلوا غزواتهمم حتي أصبحت تولوز وليون ونهر اللوار تحت السيادة الإسلامية ولكن كان احتلالهم لتولوز لفترة قصيرة تبلغ ثلاثة أشهر نجح بعدها الدوق أودو (الذي يعرف بيودس) الذي ترك المدينة للبحث عن المساعدة من العودة مع جيش لينتصر على الجيوش العربية في معركة تولوز في 9 يونيو، 721. وكان الفاتحون قد بلغوا نهر السين وبوردو وجنوب إيطاليا (أطلقوا عليه البر الطويل).

وما بين سنتي 910 و1171 م، وكان ظهور السلاجقة في المشرق والفاطميّون بالقاهرة والأيوبيّين والمماليك في الشام ومصر. وكانت الحملات الصليبية على سوريا وفلسطين ومصر والسيطرة على القدس. وفي عام1187 م سيطر صلاح الدين على بيت المقدس من الصليبيين.

وكان إحراق المغول التتار لبغداد عام 1258 م بعدما كانت عاصمة الخلافة العباسية خمسة قرون. ثم بعدها رجعوا لديارهم وكانوا وثنيين. لكنهم أسلموا عند عودتهم. فكانوا للإسلام داعين ومبشرين له بين قبائلهم. وأقاموا تحت ظلاله الإمبراطوريات والممالك الإسلامية بأفغانستان وباكستان وشبه القارة الهندية وبالملتان والبنغال وآسيا الوسطي وأذربيجان والقوقاز والشيشان وفارس وغيرها من بلدان المشرق الإسلامي. حيث أقاموا الحضارة الإسلامية المغولية والتركية التي ما زال أوابدها ماثلة حتي اليوم. وكان تيمورلنك قد أقام الإمبراطورية التيمورية عام(1379 - 1401 م) وكانت العاصمة سمرقند بوسط آسيا. وقد حكم إيران والعراق والشام وحتى الهند. وكانت وقتها طرق القوافل التجارية العالمية تحت سيطرة المسلمين. سواء طريق الحرير الشهير أو تجارة المحيط الهندي بين الشرق الأقصى وشرق أفريقيا. وكان السقوط الأخير للقسطنطينية(عام 1453 م), عاصمة الإمبراطورية البيزنطية(الروم). وكان هذا السقوط علي يد محمد الفاتح العثماني. وأطلق عليها إسلام بول (إستانبول) بعدما جعلها عاصمة للخلافة العثمانية (الإمبراطورية العثمانية) (1350 - 1924 م). وكان لسقوط القسطنطينية صداه في العالم الإسلامي كله حيث أقيمت الزينات بدمشق والقاهرة وشمال أفريقيا لأن هذا النصر كان نهاية للكنيسة الشرقية ولاسيما بعد تحويل مقرها إلي أيا صوفيا. ثم أستطاع العثمانيون غزو رومانيا والصرب والبوسنة والهرسك والمجر والبانيا واليونان وجورجيا وكرواتيا واجزاء شاسعه من روسيا (القوقاز) واوكرانيا (القرم)[بحاجة لمصدر].ولقد حاصروا فيينا قلب أوروبا المسيحيه ثلاث مرات أيضا وما كانوا سيهزموا لولا حدوث خيانه في قيادة الجيش العثمانيً. وحشد البابا في الفاتيكان قوات أوروبا لوقف هذا الزحف الإسلامي وأستطاع أن يرد العثمانين بعد بقائهم لمدة شهرين فقط في معركة فيينا في 1683. ومن بعدها كان خبز الكرواسون ومعناه الهلال (بالفرنسية) يصنع على هيئة الهلال ليأكله الأوربيون في أعيادهم للإحتفال بالإنتصار على العثمانيين الذي كان علمهم يحتوي على هلال وكل هذا فضلا عن بلوغ التتار المسلمين القوة التي مكنتهم من محاصرة موسكو وغزوها لولا ان قبل اهلها بدفه الجزية للتار المسلمين.

في ظلال الحكم الإسلامي ظهرت مدن تاريخية منها ماهو كان قائم وازدهر ومن ما هو جديد كالكوفة وحلب وحمص والبصرة ودمشق وبغداد والرافقة الرقة والفسطاط والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وقرطلة وغيرها. كما خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كإستانبول بمساجدها ودمشق بعمائرها الإسلامية والقاهرة وحلب والمهدية والقيروان بتونس وبخاري وسمرقند وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية ومرسية وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الإسلامية. وفي القارة الأفريقية نجد أن60% من سكانها مسلمون[بحاجة لمصدر]. وفي العالم نجد المسلمين يشكلون حاليا أكثر من ربع سكان أهل الأرض.

لم تكن الدعوة لتقف في أرض معينة، فالأرض كلها ساحتها وميدانها، وإذا توقفت قليلاً بعد وفاة رسول الله صل الله عليه وسلم فذلك بسبب الردة، فلما انتهت الردة كان لابد من أن تعاود نشاطها، وتسير بشكل طبيعي، ويقاتل كل من يقاتلها باغياً وعدواناً وهذا هوالجهاد.

وانتهت حروب الردة، وكان لا بدّ من الجهاد، فالفرس يقفون في وجه الدعوة، ويحاولون دعم أعدائها، ومدّ المرتدين عليها، والروم يحاربون الدعوة، وينصرون خصومها، ويحرضون القبائل المتنصرة ضدها، وكان لا بدّ من قتال الطرفين، والاستعانة بالله عليهما وبالإيمان القوي بأن النصر من الله يؤتيه من يشاء ممن استقام على منهجه، وإذن كان على المسلمين أن يقاتلوا على جبهتين لم تكونا متفقتين وهذا ما ساعدهم على القتال وحرية الحركة دون الخوف من الطرف الآخر.
الجبهة الفارسية

كان الفرس يسيطرون على مناطق واسعة تبدأ من بادية الشام في الغرب، وشمال جزيرة العرب من الجنوب، وتتوسع منطقتهم في الغرب وتتناقص حسب انتصارهم على الروم، أو هزيمتهم أمامهم، فتارة يتوسعون وقد وصلوا إلى سواحل البوسفور ثم ارتدوا حتى حدود الفرات، وكان عدد من القبائل العربية تقيم في المناطق التي يسيطر عليها الفرس سواء في منطقة السواد أم على ضفاف الفرات والجزيرة، ومن هذه القبائل تغلب وبكر وشيبان وربيعة وطيء، وبعضها كانت مُتنصرّة في أغلبها كتغلب، وكانت طيء تعلو ويقيم رئيسها في بلدة الحيرة على مقربة من الفرات، ويعمل للفرس على توطيد سلطانهم في تلك الأنحاء، وكان من بني شيبان فارس مقدام قد دخل في الإِسلام هو المثنى بن حارثة الشيباني، وقد طلب من أبي بكر بعد أن انتهى من حروب المرتدين في البحرين أن يؤمره على قومه وعلى من دان بالإِسلام في تلك الجهات ليجاهد الفرس، ويقاتل أعداء الله، فأمره أبو بكر فصار يناوش الفرس، وينتصر عليهم وقعة بعد وقعة إلا أنه في عدد قليل من المجاهدين، والفرس كثير، ومعهم عدد كبير من العرب المُتنصّرة، والقوة ستتناقص مع الأيام أمام الكثرة فكان لا بدّ من إرسال المدد للمثنى. وانتهى خالد من حرب اليمامة، فجاءه الامر من أبي بكر بالتوجه إلى العراق ليدعم المثنى بن حارثة الشيباني وليكن دخوله من الجنوب على حين يدخلها عياض بن غنم من جهة الشمال، وليكن لقاؤهما في الحيرة ومن سبق إليها كانت له الامرة على صاحبه. وكان ذلك في مطلع العام الثاني عشر للهجرة. وأمد خالداً بالقعقاع بن عمرو التميمي، وأنجد عياض بن غنم بعبد ابن عوف الحميري.

سار خالد بن الوليد مباشرة باتجاه الحيرة، والتقى في طريقه ببعض القريات (ألّيس) وما جاورها فصالح صاحبها (بَصْبَري بن صلوبا)، ثم اتجه نحو الحيرة، وكان عليها من قبل الفرس هانئ بن قبيصة الطائي، فقال له خالد : إن أدعوكم إلى الله وإلى عبادته، وإلى الإِسلام، فإن قبلتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم فقد جئناكم بقوم يحبون الموت كما تحبون أنتم شرب الخمر. فقالوا : لا حاجة لنا في حربك، فصالحهم على تسعين ومئة ألف درهم. وكان المثنى بن حارثة الشيباني يقاتل تارة في جهات كسكر وأخرى في جهات الفرات الأسفل، يقاتل الهرمزان في تلك البقاع، فاستدعى خالد المثنى ونزلوا إلى جهات الأُبُلّة لتجميع قوات المسلمين، وكانوا في ثمانية عشر ألفاً، وقد سار المثنى قبل خالد بيومين، وسار عدي بن حاتم وعاصم بن عمر التميمي بعد المثنى بيوم، وأعطاهم خالد موعداً في الحفير. وقد التقوا بهرمز في أرض الأُبُلّة، وكانت المعركة وأراد هرمز أن يغدر بخالد إلا أن القعقاع بن عمرو قتل هرمز، والتحم مع حماته الذين أرادوا أن يغدروا بخالد، وركب المسلمون أكتاف أعدائهم حتى غشاهم الليل، وكان الفرس قد ربطوا أنفسهم بالسلاسل لذلك سميت هذه المعركة ذات السلاسل... وأرسل خالد بن الوليد المثنى بن حارثة في أثر القوم، وبعث معقل بن مُقرّن إلى الأَبلّة ليجمع المال والسبي، وسار المثنى حتى بلغ نهر المرأة، فحاصرها في الحصن الذي كانت فيه وكان على مقدمته أخوه المعنّى، فصالحت المرأة المثنى، وتزوجها المعنّى، أما المثنى فقد استنزل الرجال من الحصون، وقتل مقاتلتهم، وأقر الفلاحين الذين لم ينهضوا للقتال مع الفرس.

كان أردشير قد أمر بجيش كبير بقيادة (قارن بن قريانس) فلما وصل إلى المذار(على ضفة نهر دجلة اليسرى تقع شمال القربة ب 37 كلم، بين البصرة وواسط، وهي قصبة ميسان) وصل إليه خبر هزيمة هرمز ومقتله، فتجمع هناك، فسار إليه خالد، ونشبت معركة قتل فيها معقل بن الاعشى القائد الفارسي (قارن)، وقتل عاصم بن عمرو خصمه (الانوشجان) وقتل عدي بن حاتم عَوه (قُباذ) وقتل يومذاك من الفرس عدد كبير وصل إلى ثلاثين ألف مقاتل. وبعدها وزع خالد الغنائم وقسّم الفيء.

وتجمع الفرس ثانية في (الولجة) مع ما جاءهم من مدد قوامه جيشان الأول بقيادة (الأندرزعر) والثاني بإمرة (بهمن جاذويه) فسار إليهم خالد، وقد خلّف سويد بن مقرن في الحفير، وقد هزمت الفرس هزيمة منكرة أيضاً في هذه الجولة.

وتأثر نصارى العرب من هذه الانتصارات فكاتبوا الفرس وتجمّعوا في ألّيس، فأسرع إليهم خالد وانتصر عليهم انتصاراً مبيناً وقتل منهم ما يقرب من سبعين ألفاً، ثم اتجه نحو الحيرة ثانية.

ولما انتهى خالد من الحيرة ولّى عليها القعقاع بن عمرو، وخرج يريد دعم عياض بن غنم الذي كلف بشمال العراق، فنزل خالد إلى الفلّوجة ومنها إلى كربلاء فولى عليها عاصم بن عمرو، وكان على مقدمته الأقرع بن حابس، أما المثنى فكان يناوش الفرس على شواطئ دجلة. وسار خالد إلى الأنبار ففتحها ثم استخلف عليها الزبرقان بن بدر، وقصد عين التمر، فهزم جموع أهلها الذين هم من العرب المُتنصّرة والعجم، ثم حصرها فنزلوا على حكمه، فقتل من قتل منهم وأسر وسبى. واستخلف على عين التمر عويم بن الكاهل، وسار باتجاه عياض بن غنم الذي علم أنه لا يزال في دومة الجندل(وهي في شمال جزيرة العرب، ومكانها اليوم مدينة الجوف) وقد كتب إليه يستنجده، فكتب إليه خالد "من خالد إلى عياض إياك أريد".

ولما علم أهل دومة الجندل مسير خالد إليهم استنجدوا بالقبائل المُتنصّرة من العرب من كلب وغسان وتنوخ والضجاعم فأمدوهم. ولما اقترب خالد من دومة الجندل اختلف رئيساها وهما : أكيدر بن عبد الملك، والجودي بن ربيعة، فاعتزل الأكيدر، وهَزم الجودي ومن معه ومن جاءه من الدعم الذين لم يتسع لهم الحصن. وأقام خالد بدومة الجندل، وأرسل الأقرع بن حابس إلى الأنبار، وبعد مدة لحق خالد بالحيرة.وخرج خالد من الحيرة وولّى عليها عياض بن غنم، وكان على مقدمة خالد الأقرع بن حابس... ثم بعث وهو بالعين أبا ليلى بن فركي إلى الخنافس والقعقاع إلى حُصيد. فانتصر القعقاع في حصيد، وفر من بالخنافس إلى المصَيّخ إذا لم يجد أبو ليلى، بالخنافس كيدا. وسار خالد وأبو ليلى والقعقاع إلى المصيخ وكان قد اجتمع فيه من هرب من الخنافس والحصيد، وهناك انتصر المسلمون انتصاراً مبيناً. ثم ساروا إلى الثني (مكان بالجزيرة الفراتية يقع إلى الشرق من الرصافة في سوريا ه بنو تغلب) والزُّمَيْل(موقع إلى الشرق من الرصافة) فانتصروا على أعدائهم، ثم ساروا إلى الرضاب(موقع إلى الشرق من الرصافة، أو مكانها قبل أن يعمرها هشام بن عبد الملك)، وبها هلال بن عَقَة، وقد انفض عنه أصحابه عندما سمعوا بدنو خالد وجيشه، ثم ساروا إلى الفراض (موضع بين إلى الشرق من البو كمال على بعد 40 كيلاً منها، قريبة من الحدود بين سوريا والعراق اليوم) وهي على تخوم الشام والعراق والجزيرة وذلك في شهر رمضان، وتعاون الفرس والروم ضد المسلمين، والتقت الجموع على نهر الفرات فقتل من الفرس والروم والعرب المُتنصّرة أكثر من مئة ألف...

أقام خالد بن الوليد عشرة أيام بالفرائض، ثم اذن بالرجوع إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بالناس، وأظهر خالد أنه في الساقة، وسار مع عدة من أصحابه إلى مكة يؤدي الحج، ورجع من الحج، فوصل إلى الحيرة ولم تدخل الساقة البلدة بعد، ولم يدر الخليفة أبو بكر بما فعل خالد إلا بعد مدة، فعتب عليه، وصرفه عن العراق إلى الشام.

وصل كتاب أبي بكر إلى خالد وهو بالحيرة وفيه : أن سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك، فإنهم قد شجوا وأشجوا، وإياك أن تعود لمثل ما فعلت، فإنه لم يشْجِ الجموعَ من الناس بعون الله شجاك، ولم ينزع الشجى من الناس نزعك، فليهنئك أبا سليمان النية والخطوة، فأتمم يتمم الله لك، ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل، وإياك أن تدل بعمل، فإن الله له المن، وهو ولي الجزاء.

وجاء فيما كتب أبو بكر لخالد : أما بعد فدع العراق وخلّف فيه أهله الذين قدمت عليهم، وهم فيه، وامض مختفياً في أهل القوة من أصحابك الذين قدموا معك العراق من اليمامة وصحبوك في الطريق، وقدموا عليك من الحجاز، حتى تأتي الشام فتلقى أبا عبيدة ومن معه من المسلمين، فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام.

سار خالد من الحيرة في العراق، وقد استخلف المثنى به حارثة الشيباني على جند العراق، وسار هو إلى دمشق الشام إلى أبي عبيدة : أما بعد فإني أسأل الله لنا ولك الأمن يوم الخوف والعصمة في دار الدنيا من كل سوء، وقد أتاني كتاب خليفة رسول الله يأمرني بالمسير إلى الشام وبالقيام على جندها والتولي لأمرها، والله ما طلبت ذلك قط ولا أردته إذ وليته فأنت على حالك التي كنت عليها لا نعصيك ولا نخالفك ولا نقطع دونك أمراً، فأنت سيد المسلمين، لا ننكر فضلك، ولا نستغني عن رأيك تمم الله بنا وبك من إحسان ورحمنا وإياك من صلي النار والسلام عليك ورحمة الله.

سار خالد من الحيرة إلى دومة الجندل، وخرج منها من جهة وادي السرحان إلى الشمال.
ب- فتوح الشام
وفاة الصديق

وكانت وفاة أبي بكر يوم الإثنين 22 جمادى الآخرة في السنة الثالثة عشرة من هجرة رسول الله صل الله عليه وسلم، وبذا تكون خلافته، سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام.

وإذا كانت الغزوات الإسلامية في عهد الصديق تبدو ضيقة الرقعة إلا أننا يجب أن نضع في خلدنا الملاحظات التالية :

1ـ قصر مدة خلافة الصديق.

2ـ القضاء على حروب الردة التي شملت الجزيزة كلها.

3ـ كانت المعارك التي جرت في عهد الصديق بين المسلمين من جهة والفرس والروم من جهة ثانية، قد أرهبت أعداء الإسلام، وأظهرت قوة المسلمين وإمكاناتهم القتالية.

شعر أبو بكر الصديق بشيء من الراحة النفسية بعد أن قضى على المرتدين، وانطلقت الغزوات في كل الجهات، وتحطم كبرياء الدولتين الكبريين اللتين كانتا تقفان في وجه الدعوة، وتدعمان المرتدين، وتستنفران قواتهما ومن والاها من العرب المتنصرة، كل ذلك في سبيل القضاء على الدولة الجديدة، وفي الوقت نفسه، فقد شعر أن مهمته في الحياة قد انتهت، فقد توطد الأمر، وثبت كيان الإسلام، وسيتابع الأمر الخلفاء من بعده، كما زاد شعوره في هذا الأمر أن سنه قد اقترب من سن حبيبه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم عندما فارق الحياة الدنيا وانتقل إلى الرفيق الأعلى. كما شعر أن استخلاف رجل من بعده وهو على قيد الحياة، يجنب المسلمين الكثير من الصعاب، وقد أشفق عليهم أن يختلفوا ويزهد في هذا المنصب أهله، ويبتعد عنه من يستحقه، وقد تداعى إلى ذهنه ما حدث عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما لم يخطر على بال المسلمين وفاة نبيهم، وحين ثقل عليهم مصابهم، والأمر لا بدّ له من خليفة يطبق منهج الله في الأرض. إذن لا بدَّ من استخلاف رجل يخلفه، ولا بدّ من الاستشارة، ولاح في ذهنه أولئك الصحابة الذين كان رسول الله صل الله عليه وسلم يستشيرهم، وكبرت في نفسه شخصية عمر بن الخطاب، ومواقفه في الإسلام، وقوته في الحق، وهيبته في النفوس، ونظرة المسلمين إليه، ولكن كان لا بدَّ من أخذ رأيهم واستشارتهم، ولو كان الأمر منهم لكان أفضل.

وشعر أبو بكر بالمرض، واشتد عليه وثقل فجمع عدداً من الصحابة المعروفين الذين كان رسول الله صل الله عليه وسلم يشاورهم في الأمر، وقال لهم : إنه قد نزل بي ما قد ترون ولا أظنني إلا ميتا لما بي، وقد أطلق الله إيمانكم من بيعتي، وحلّ عنكم عقدتي، وردّ عليكم أمركم، فأمروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمرتم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي.

فقاموا في ذلك فلم يستقم لهم أمر، وكل يحاول أن يدفع الأمر عن نفسه ويطلبه لأخيه إذ يرى فيه الصلاح والأهلية، لذا رجعوا إليه، فقالوا : رأينا يا خليفة رسول الله رأيك، قال : فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده.

دعا أبو بكر عبد الرحمن بن عوف فقال له: أخبرني عن عمر بن الخطاب : فقال له: ما تسألني عنه أمراً إلا وأنت أعلم به مني. فقال له: وإن، فقال عبد الرحمن : هو أفضل من رأيك فيه.

ثم دعا عثمان بن عفان، فقال له مثل ذلك، فقال : علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر : يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك.

ثم دعا أسيد بن حضير فقال له مثل ذلك، فقال أسيد : اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضا، ويسخط للسخط، والذي يسرّ خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.

وكذلك استشار سعيد بن زيد وعدداً من الأنصار والمهاجرين، وكلهم تقريباً كانوا برأي واحد في عمر إلا رجل خاف من شدته، وقد عاتبه بعضهم باستخلافه فقال أبو بكر : لا والله ولا نعمة عين، هو والله خير لكم، والله لو وليتك لجعلت أنفك في السماء ولرفعت نفسك فوق قدرك حتى يكون الله هو الذي يضعك، تريد أن تردني عن رأيي وتفتني في ديني ؟ فوالله لئن بلغني أنك عصيته أو ذكرته بسوء لأفعلن ولأفعلن... ثم دخل على أبي بكر عثمان وعلي فقال لهما مباشرة لعلكما تقولان في عمر ما قال فلان آنفاً ؟ -قالا : وماذا قال يا خليفة رسول الله ؟

-قال : زعم أن عمر أحدثكم إسلاماً و....



[size=24][size=18]فقال عثمان : بئس لعمر الله ما قال فلان، عمر بحيث يحب من قوته مع سابقته.وقال علي : بئس ما قال، عمر عند ظنك به، ورأيك فيه، إن وليته ـ مع أنه كان والياً معك ـ نحظى برأيه ونأخذ منه، فامض لما تريد، ودع مخاطبة الرجل فإن يكن على ما ظننت إن شاء الله فله عمدت، وإن يكن مالا تظن لم ترد إلا الخير.

ودخل عبد الرحمن بن عوف على أبي بكر الصديق يعوده في مرضه الذي مات فيه فوجده مقنعاً، فقال له عبد الرحمن : أصبحت بحمد الله بارئاً، فقال : أبرء ذاك ؟ قال : نعم، قال : أما إني على ذلك لشديد الوجع ولما لقيت منكم أيها المهاجرون أشد علي من وجعي، إني وليت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم رغم أنفه أن يكون له الأمر دونه ورأيتم الدنيا قد أقبلت، ولما تقبل، وهي مقبلة، حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج، وحتى يألم أحدكم بالاضطجاع على الصوف الأذربي(نسبة إلى أذربيجان، وهو صوف شديد النعومة) كما يألم أحدكم إذا نام على حسك السعدان(نبات كثير الشوك)، والذي نفسي بيده لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد، خير له من أن يخوض غمرات الدنيا، ثم أنتم غدا أول ضال بالناس يميناً وشمالاً، لا تضيعوهم عن الطريق، يا هادي الطريق جرت، إنما هو الفجر أو البجر(الدهماء والمعنى في الفجر تبصر الطريق، وفي الظلمة تنزل بالمكروه). فقال له عبد الرحمن :حفظ الله عليك يرحمك الله فإن هذا يهيضك إلى ما بك، إنما الناس في أمرك رجلان : إما رجل رأى ما رأيت فهو معك، وإما رجل رأى ما لم تر فهو يشير عليك بما يعلم، وصاحبك كما تحب أو كما يحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، ولم تزل صالحاً مصلحاً مع أنك لا تأسى على شيء من الدنيا.

ودخل بعض الصحابة على أبي بكر وقد علموا باستشارته في عمر، فقال أحدهم : ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته، وهو إذا ولى كان أفظ وأغلظ ؟ فقال أبو بكر : أجلسوني فلما جلس، قال : أبا الله تخوفونني ؟ خاتزوّد من أمركم بظلم. أقول : اللهم إني قد استخلفت على أهلك خير أهلك. ثم قال للقائل أبلغ عني ما قلت لك من وراءك.

ثم اضطجع ودعا بعثمان، فقال له : اكتب، بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما دعا به أبو بكر ابن أبي قحافة، في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وأول عهده بالآخرة داخلاً فيها حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلف عليكم بعدي... وأخذته غشية قبل أن يسمى أحداً. فكتب عثمان : إني استخلف عليكم بعدي عمر بن الخطاب... ثم أفاق أبو بكر فقال : اقرأ علي ما كتبت فقرأ عليه ذكر عمر، فكبر أبو بكر، وقال : أراك خفت أن تذهب نفسي في غشيتي تلك فيختلف الناس، فجزاك الله عن الإسلام خيراً، والله إن كنت لها لأهلاً.
ثم أمره أن يتمم فأملى عليه : فاسمعوا وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدّل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ثم أمره فختم الكتاب وخرج به مختوماً، ومعه عمر بن الخطاب وأسيد بن حضير. وأشرف أبو بكر على الناس من كوته فقال: أيها الناس إني قد عهدت عهداً، أفترضونه ؟ فقال الناس : رضينا يا خليفة رسول الله صل الله عليه وسلم فقام علي فقال : لا نرضى إلا أن يكون عمر فأقروا بذلك جميعاً. ورضوا به، ثم بايعوا، فرفع أبو بكر يديه فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعلمت فيهم ما أنت أعلم به، واجتهدت لهم رأيي، فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليه، وأحرصهم على ما أرشدهم. وقد حضرني من أول ما حضر، فاخلفني فيهم، فهم عبادك ونواصيهم بيدك، فأصلح لهم أميرهم، واجعله من خلفائك الراشدين، يتبع هدى نبي الرحمة، وهدى الصالحين بعده، وأصلح له رعيته، ثم دعاه فأوصاه.


وَصيَّة أبي بَكر رَضيَ الله عَنه

1 ـ يرد ما عنده من مال إلى بيت مال المسلمين عن طريق الخليفة عمر بن الخطاب.

2 ـ يرد بستان يملكه إلى بيت مال المسلمين عوضاً عما أخذه من بيت المال مدة خلافته.

3 ـ أن يتصدق بمقدار خمس ما يملك من أرض العالية، وما يبقى يقسم بين أولاده وهم :عبد الرحمن ومحمد وأسماء وعائشة.

وما تضع حبيبة بنت خارجة، ويتوقع أن تكون أنثى. وقد أوصى بها أولاده خيراً. (وبالفعل فقد وضعت أنثى - وهي أم كلثوم -).

4- أن يكفن بثوبيه بعد غسلها.

5- أن تغسله زوجه أسماء بنت عميس، وأن يدفن بجانب رسول الله صل الله عليه وسلم.
الفتوحَات في عَهْدِ عمَر

يبدو أن القيادة الإِسلامية في المدينة المنورة بعد أن انتهت من حروب الردة وقررت مواجهة الدولتين العظميين آنذاك، كانت الخطة الموضوعة أن تفتح المعركة بكل ثقلها على جبهة، وتقوم بدور الدفاع على الجبهة الثانية، وتعتمد على سرعة الحركة بالانتقال من جبهة إلى أخرى حيث تبقى الدولتان في ذعر شديد وضعف معنوي كبير يحول دون التفاهم بينهما، إذ تستمر المعركة قائمة على الجبهتين معاً حيث تخاف كل دولة على وجودها فلا تحرص أن تتفق الواحدة مع الأخرى وإزالة ما كان بينهما من آثار الحرب.

ومع انتهاء حروب الردة كانت الدولة الفارسية هي التي تشكل الخطر الأكبر بالنسبة إلى المسلمين إذ كان الفرس يدعمون المرتدين، ويحاولون القضاء على المسلمين، ويمدون كل متنبئ كذاب أو مرتد خارج على الحكم بكل ما يمكنهم من دعم، لذا كانت الخطة البدء بالقتال على الجبهة الفارسية، لذا وافقت قيادة المدينة المنورة على طلب المثنى بن حارثة الشيباني بالتحرش بالفرس ومنازلتهم. وعندما انتهى خالد بن الوليد من حروب الردة طلبت منه القيادة التوجه إلى العراق لدعم المثنى بن حارثة، كما طلبت ذلك من عياض بن غنم، وأعطته قوة يتحرك بها نحو شمالي العراق.

استطاع خالد بن الوليد أن ينتصر على الفرس، وأن تجوس خيله منطقة السواد وجزءاً من أرض الجزيرة، هذا بالإضافة إلى مناطق غربي الفرات وبادية الشام، وهذا ما جعل الفرس يشعرون بقوة الجيش الإِسلامي وإمكاناته القتالية والتعبوية - على عكس ما كانوا يظنون - الأمر الذي جعلهم يستعدون الاستعداد الكبير للمعركة الحاسمة المقبلة، وحشد الجنود لذلك. وفي هذا الوقت كانت القوة الإِسلامية على الجبهة الرومية تقوم بالدفاع فقط حيث كان خالد بن سعيد بن العاص يرابط بقواته قرب مناطق سيطرة الروم والقبائل العربية المتنصّرة المتحالفة مع الروم. ثم جهز الخليفة الصديق الجيوش وأرسلها إلى الشام - كما رأينا - إلا أن الروم كانوا يستعدون لذلك، ويتوقعون حرباً عامة شاملة، لذا فقد جمعوا أعداداً كبيرة وبعثوها باتجاه الجيوش الإِسلامية الأربعة، كما نقل هرقل مقر قيادته إلى حمص لتكون على مقربة من ساحة المعركة، ولما رأى المسلمون ذلك طلبوا المدد من المدينة والدعم، وكان على القيادة الإِسلامية أن تنقل المعركة الرئيسية من العراق إلى الشام إذ كان الفرس في حالة من الضعف بعد الهزيمة التي منوا بها، وهم بحاجةٍ إلى مدة للاستعداد والتفاهم على الحكم بعد الخلاف الواقع بينهم، لذا طلب الخليفة من خالد بن الوليد أن ينتقل بمن معه من الجند الذين كانوا معه في نجد والذين جاءوه دعماً من المدينة واليمن إلى الشام لدعم المسلمين هناك.

انتقل خالد بن الوليد إلى الشام ومر في مناطق سوريا وبعد فتح (بصرى) وصل إلى اليرموك وجرت معركة اليرموك بين الروم والمسلمين، وكانت معركة حاسمة، ولم تبدأ حتى كانت الخلافة قد آلت إلى عمر بن الخطاب، وبعد انتهاء المعركة كان استعداد الفرس قد تم، واتفاقهم قد حصل بعد اختلاف، وقرروا تصعيد القتال ضد المسلمين، الأمر الذي جعل القيادة الإِسلامية في المدينة تطلب من القيادة العسكرية في الشام إعادة قسم من الجند بإمرة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى العراق، هذا بالإضافة إلى إعلان النفير في جزيرة العرب للسير ودعم قوة المسلمين هناك وبدأت الامدادات تصل،. أما في الشام فقد تمّ طرد الروم وهزيمتهم وإنهاء الوجود البيزنطي فيها بعد عددٍ من المعارك، وهذا ما نلاحظه في خلافة عمر بن الخطاب. وبدأت المعارك في العراق ثم الشام وانتقلت إلى فارس حتى قضي على الدولة الفارسية، ولم ينته عهد الفاروق بعد. وبانتهاء المقاومة على الجبهة الشرقية عاد القتال إلى الجبهة الغربية، إذا انتقل القتال إلى شمالي إفريقية وجزر البحر المتوسط، واستمر ذلك في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان.
[/size]
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 6:57 am

معركة اليرموك

تولى عمر بن الخطاب الخلافة في بداية القتال العنيف على الجبهة الغربية، إذ كان المسلمون قد تجمعوا في اليرموك في منطقة حوران أمام تحشدات الروم الهائلة.

كان تجمع المسلمين في المنطقة الغربية من مدينة درعا في سوريا، وقد أخطأ كثير من المؤرخين، فجعلوا نهر اليرموك المنطقة الفاصلة بين المسلمين والروم، ومن يجول في تلك البقعة يدرك مباشرة أنه لا يمكن لهذا الوادي السحيق أن يكون ميداناً لمعركة أو تكون جنباته ساحة لها، هذا بالإضافة إلى أن الخليفة الصديق كان قد طلب من القيادة العسكرية في بلاد الشام أن يكون تجمع جندها في مكان يسهل معه الاتصال مع المدينة لإمكانية وصول الإِمدادات وسهولة الاتصال، ولو قطع المسلمون الوادي قبل احتدام المعركة وانتقلوا منه إلى الجهة الثانية وبصعوبة كبيرة لما أمكن وصول الامدادات إليهم، ولما أمكن الاتصال مع المدينة بعد نشوب الحرب، فكيف بالانتقال والحركة السريعة أثناء القتال كما يحلوا لبعض المؤرخين أن يخططوا ذلك، لهذا كله فقد جعل المسلمون مؤخرة جندهم إلى الشمال الغربي من درعا، لتكون درعا طريقاً لوصول الدعم إليها والاتصال مع المدينة، حيث يمكن في هذا المكان قطع الوادي بسهولة. هذا مع العلم أن خالد بن الوليد قد انتقل إلى اليرموك من بصرى الشام فيكون طريقه عن درعا أو إلى الشمال قليلاً منها. وتكون معركة اليرموك قد وقعت على جانبي أحد روافد اليرموك وهي إما (الرقاد) أو (العلق)، ويكون عمر بن العاص الذي كان على ميمنة المسلمين إلى الشمال، ويزيد بن أبي سفيان الذي كان على الميسرة في الجنوب، على مقربة من نهر اليرموك وأبو عبيدة بينهما ما بين منطقة الجولان ومنطقة حوران.

وخرج المسلمون على راياتهم وعلى وكانو 5 فرق في الميمنة عمر بن عاص وعلى القلب الأول شحبيل بن حسنة وعلى القلب الثاني أبو عبيدة وعلى الميسرة يزيد بن ابي سفيان، وفي خلف الجيوش الاربعة كان خالد بن وليد بجيش احتياطي وكانت هذة الفكرة سبب من أسباب النتصار في المعركة وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعلى الخيالة خالد بن الوليد وهو المشير في الحرب الذي يصدر الناس كلهم عن رأيه، ولما أقبلت الروم في خيلائها وفخرها قد سدت أقطار تلك البقعة سهلها ووعرها كأنهم غمامة سوداء يصيحون بأصوات مرتفعة، ورهبانهم يتلون الانجيل، ويحثونهم على القتال، وكان خالد في الخيل بين يدي الجيش، فساق بفرسه إلى أبي عبيدة فقال له : إني مشير بأمر فقال : قل ما أمرك الله أسمع لك وأطيع. فقال له خالد : إن هؤلاء القوم لا بدّ لهم من حملة عظيمة لا محيد لهم عنها، وإني اخشى على الميمنة والميسرة، وقد رأيت أن افرق الخيل فرقتين وأجعلها وراء الميمنة والميسرة حتى إذا صدّوهم كانوا لهم ردءاً فنأتيهم من ورائهم. فقال له : نعم ما رأيت. فكان خالد في أحد الخيلين من وراء الميمنة، وجعل قيس بن هبيرة في الخيل الأخرى، وأمر أبا عبيدة أن يتأخر عن القلب إلى وراء الجيش كله حتى إذا رآه المنهزم استحى منه ورجع إلى القتال، فجعل أبو عبيدة مكانه في القلب سعيد بن زيد أحد العشرة م. وساق خالد إلى النساء أن يكنّ من وراء الجيش ومعهن عدد من السيوف وغيرها، فقال لهن : من رأيتموه مولياً فاقتلنه. ثم رجع إلى موقفه.

ولما تراءى الجمعان وتبارز الفريقان وعظ أبو عبيدة المسلمين فقال : عباد الله انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، يا معشر المسلمين اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار، ولا تبرحوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدؤوهم بالقتال، واشرعوا الرماح، واستتروا، والزموا الصمت إلا من ذكر الله في أنفسكم حتى آمركم إن شاء الله وخرج معاذ بن جبل على الناس فجعل يذكرهم ويقول : يا أهل القرآن والكتاب وأنصار الهدى والحق، إن رحمة الله لا تنال، وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتي الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادق المصدق، ألم تسمعوا لقول الله "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم..." الآية، فاستحيوا - رحمكم الله - من ربكم أن يراكم فراراً من عدوكم، وأنتم في قبضته وليس لكم ملتحد من دونه ولا عز بغيره.

وقال عمرو بن العاص : يا أيها المسلمون غضوا الأبصار، واجثوا على الركب، واشرعوا الرماح، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا إليهم وثبة الأسد، فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه، ويمقت الكذب، ويجزي بالاحسان إحساناً - لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفراً كفراً(المزرعة) وقصراً وقصراً، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم، فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير أولاد الحجل.

وقال أبو سفيان : يا معشر المسلمين أنتم العرب، وقد أحجمتم في دار العجم منقطعين عن الأهل، نائين عن أمير المؤمنين وامداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بازاء عدو كثير عدده، شديد عليكم حنقه، وقد وترتموهم في أنفسهم وبلادهم ونسائهم، والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم، ولا يبلغ بكم رضوان الله غداً إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة، ألا وإنها سنة لازمة وأن الأرض وراءكم، بينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة المسلمين صحارى وبراري، ليس لأحد فيها معقل ولا معدل إلا الصبر ورجاء ما وعد الله فهو خير معول، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا ولتكن هي الحصون. ثم ذهب إلى النساء فوصّاهن، ثم عاد فنادى : يا معشر أهل الإِسلام حضر ما ترون، فهذا رسول والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم. ثم سار إلى موقفه.

وقد وعظ الناس أبو هريرة أيضاً فجعل يقول : سارعوا إلى الحور العين وجوار ربكم عز وجل في جنات النعيم. ما أنتم إلى ربكم في موطن بأحب إليه منكم في مثل هذا الموطن، ألا وإن للصابرين فضلهم.

ولما تقارب الناس تقدم أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان ومعهما ضرار بن الأزور، والحارث بن هشام، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو إلى معسكر الروم، ونادوا : إنما نريد أميركم لنجتمع له، فأذن لهم في الدخول، وإذا هو جالس في خيمة من حرير. فقال الصحابة : لا نستحل دخولها، فأمر لهم بفرش بسط من حرير، فقالوا : لا نجلس على هذه، فجلس معهم حيث أحبوا... وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يقبلون الاستهانة بشيء من حرمات الله مهما قل، ومع أنه ليس فيه اللباس إلا أنهم رغبوا أن يأخذوا أنفسهم بالشدة، ورفض هذه الأمور وأمثالها، الأمر الذي جعلهم يعظمون في عين أعدائهم فيسايروهم، ويرتفعون في أنفسهم. وهذا ما وضعهم حيث وضعوا هم أنفسهم، وتميزوا بشخصيتهم فكان لهم ما تمنوا.

وعرض الصحابة على الاعداء : الإِسلام، أو الجزية، أو السيف، وكان من تعنت الروم ان كان لابدّ من القتال.

وطلب ماهان خالداً ليبرز إليه فيما بين الصفين فيجتمعا في مصلحة لهم، فقال له ماهان: إنا قد علمنا أن ما أخرجكم من بلادكم الجهد والجوع، فهلموا إلى أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاماً وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها، فقال خالد : إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنا قوم نشرب الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك. فقال أصحاب ماهان : هذا والله ما كنا نحدث به عن العرب، وهكذا كلمة واحدة بعزة النفس تميت معنويات الخصم.

تقدم خالد إلى عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو - وهما على مجنبتي القلب -أشار لهما أن ينشبا القتال، وهكذا بدأت المعركة. وكان ذلك في أوائل شهر رجب من السنة الثالثة عشرة، وحملت ميسرة الروم على ميمنة المسلمين فمالوا إلى جهة القلب، وكان معاذ بن جبل يقول : اللهم زلزل أقدامهم، وأرعب قلوبهم، وأنزل السكينة علينا، وألزمنا حكمة التقوى، وحبب إلينا اللقاء، وأرضنا بالقضاء. وانكشفت زبيد، ثم تنادوا فتراجعوا، وحملوا على الروم وأشغلوهم عن اتباع من انكشف، وردت النساء من فرّ، فرجع الناس إلى مواقعهم.

وقال عكرمة بن أبي جهل : قاتلت رسول الله صل الله عليه وسلم في مواطن وأفر منكم اليوم ؟ ثم نادى من يبايع على الموت ؟ فبايعه ضرار به الأزور، والحارث بن هشام عم عكرمة وعدد من المسلمين ووصل عددهم إلى أربعمائة رجل من أعيان الناس، وقاتلوا أمام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جرحى، وقتل منهم عدد كبير منهم ضرار بن الأزور. ويذكر أنهم استسقوا ماء وهم جرحى فجيء إليهم بشربة ماء، فلما قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر، فقال : ادفعها إليه، فلما دفعت إليه نظر إليه الآخر، فقال : ادفعها إليه، فتدافعوها كلهم من واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعاً، ولم يشربها أحد منهم.

ثم حمل خالد بن الوليد بالخيل على ميسرة الروم التي حملت على ميمنة المسلمين، فأزالوهم إلى القلب، وقتل المسلمون في حملتهم هذه ستة آلاف من الروم، ثم حمل بمائة فارس على ما يقرب من مائة ألف من الروم فانهزموا أمامهم بإذن الله، وتبعهم... ولما عاد المسلمون من حملتهم جاء البريد - الذي ذكرنا - يحمل وفاة الصديق وبيعة عمر وتولية أبي عبيدة إمرة القتال.

وخرج من بين الروم أحد أمرائهم الكبار وهو (جرجه) واستدعى خالد ابن الوليد إلى بين الصفوف حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال جرجة : يا خالد أخبرني فاصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم ؟ قال : لا ‍‍‍ قال : فبم سميت سيف الله ؟ قال : إن الله بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعاً، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا كذبه وباعده، فكنت فيمن كذبه وباعده، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه، فقال لي : أنت سيف من سيوف الله سلّه الله على المشركين. ودعا لي النصر، فسميت سيف الله بذلك فأنا أشد المسلمين على المشركين.

فقال جرجه : يا خالد إلى ما تدعون ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله والإِقرار بما جاء به من عند الله عز وجل : قال : فمن لم يجبكم ؟ قال : فالجزية ونمنعهم. قال : فإن لم يعطها ؟ قال : نؤذنه بالحرب ثم نقاتله. قال : فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم ؟ قال : منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا، شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا. قال جرجه: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر والذخر قال : نعم وأفضل. قال : وكيف يساويكم وقد سبقتموه ؟ فقال خالد : إنا قبلنا هذا الأمر عنه وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء، ويخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقةٍ ونيةٍ كان أفضل منا، فقال جرجه : بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ؟ قال : تالله لقد صدقتك وأن الله ولي ما سألت عنه. فعند ذلك قلب جرجه الترس ومال مع خالد وقال : علمني الإِسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه فسن عليه قربة من ماء ثم صلى به ركعتين... فحملت الروم عند ذلك على المسلمين حملة أزالوا بها المسلمين عن مواقعهم إلى المدافعين أمثال عكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث بن هشام.

وحمل خالد وجرجه بالمسلمين على الروم حتى هزموهم بإذن الله... وقتل جرجه ولم يصل سوى هاتين الركعتين مع خالد، وصلى المسلمون يومذاك صلاة الظهر والعصر إيماء، وأخّروا صلاة العشاءين. وفرّ الروم ليلاً إلى الواقوصة، وسقط الذين ربطوا أنفسهم بالسلاسل.

وكان ممن شهد اليرموك الزبير بن العوام، وهو أفضل من هناك من الصحابة، وكان من فرسان الناس وشجعانهم، فاجتمع إليه جماعة من الأبطال يومئذ فقالوا : ألا تحمل فنحمل معك ؟ فقال : إنكم لا تثبتون، فقالوا : بلى فحمل وحملوا، فلما واجهوا صفوف الروم أحجموا وأقدم هو فاخترق صفوف الروم حتى خرج من الجانب الآخر وعاد إلى أصحابه. ثم جاءوا إليه مرة ثانية ففعل كما فعل في الأولى، جرح يومئذ جرحين في كتفه. وقتل عكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث بن هشام، وابنه عمرو بن عكرمة، وسلمة بن هشام، وعمرو بن سعيد، وأبان بن سعيد، وهشام بن العاص، وعمرو بن الطفيل بن عمرو الدوسي. وانهزم يومذاك عمرو بن العاص في أربعة حتى وصلوا إلى النساء فزجرنهم فعادوا. وانكشف شرحبيل بن حسنة وأصحابه فتراجعوا فوعظهم الأمير فرجعوا. وثبت يزيد بن أبي سفيان وقاتل قتالاً شديداً، وذلك أن أباه مرّ به فقال له : يا بني عليك بتقوى الله والصبر فإنه ليس رحل بهذا الوادي من المسلمين إلا محفوفاً بالقتال، فكيف بك وبأشباهك الذين ولّوا أمور المسلمين ؟ أولئك أحق الناس بالصبر والنصيحة، فاتق الله يا بني ولا يكونن أحد من أصحابك بأرغب في الأجر والصبر في الحرب ولا أجرأ على عدو الإِسلام منك. فقال : افعل إن شاء الله، فقاتل يومئذ قتالاً شديداً وكان من ناحية القلب.

وروى سعيد بن المسيب عن أبيه قال : هدأت الأصوات يوم اليرموك فسمعنا صوتاً يكاد يملأ العسكر يقول : يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين، قال : فنظرنا فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد.

وروي أن الأشتر قد شهد اليرموك ولم يشهد القادسية، فخرج يومئذٍ رجل من الروم، فقال: من يبارز ؟ فخرج إليه الأشتر، فاختلفا ضربتين، فقال للرومي : خذها وأنا الغلام الايادي، فقال الرومي: أكثر الله في قومك مثلك ‍‍ أما والله لو أنك من قومي لآزرت الروم، فأما الآن فلا أعينهم.

وروي أن هرقل قال وهو على إنطاكية في شمال سورية لما قدمت منهزمة الروم : ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشراً مثلكم ؟ قالوا : بلى. قال : فأنتم أكثر أم هم ؟ قالوا : بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن. قال : فما بالكم تنهزمون ؟ قال شيخ من عظمائهم : من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنا نشرب الخمر، ونزني، ونركب الحرام، وننقض العهد، ونغضب ونظلم ونأمر بالسخط وننهى عما يرضي الله ونفسد في الأرض. فقال : أنت صدقتني.

وروي أن أحد أمراء الروم وهو (القُبُقلار) بعث رجلاً عربياً من قضاعة عيناً له بين المسلمين، وقال له : ادخل في هؤلاء القوم فأقم فيهم يوماً وليلة، ثم ائتني بخبرهم. قال : فدخل في الناس رجل عربي لا ينكر، فأقام فيهم يوماً وليلة، ثم أتاه فقال له : ما وراءك ؟ قال : بالليل رهبان، وبالنهار فرسان، ولو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رجم، لإِقامة الحق فيهم. فقال له القبقلار : لئن صدقتني لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها، ولوددت أن حظي من الله أن يخلي بيني وبينهم، فلا ينصرني عليهم، ولا ينصرهم علي.

وفقد عدد من المسلمين عيونهم في يوم اليرموك منهم : أبو سفيان وكان قد فقده عينه الأولى يوم حنين والثانية في اليرموك، وعاش بعدها ضريراً، والمغيرة بن شعبة، وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، والأشعث بن قيس، وعمرو ابن معد يكرب، وقيس بن المكشوح وغيرهم.

وبعد معركة اليرموك التي فر منها الروم، وتابعهم المسلمون، صالح أهل دمشق وأهل حمص، إذ خلت أكثر هذه المناطق من الجنود الروم، كما أن هرقل قد انتقل من مقره في مدينة حمص إلى إنطاكية التي اتخذها قاعدة له يسير فيها الجند، وتصدر عنه الأوامر.

وانتقل أبو عبيدة بالجيش من اليرموك إلى مرج الصفر ببقية الجيش الذي لم يلاحق الروم، وفي المرج وصل إليه الخبر بأن الروم قد تجمعوا بفحل بغور الأردن، فتوقف لا يدري بأي الأمرين يبدأ، أبمدينة دمشق التي يتركزّ قيادة جيش المسلمون فيها أم يعود إلى فحل ؟ فكتب إلى أمير المؤمنين يصف له الموقف، ويستشيره بالأمر، وجاء الأمر من أمير المؤمنين أن ابدأ بدمشق فإنها حصن الشام وبيت مملكتهم واهما، فانهد لها، وأشغلوا عنكم أهل فحل بخيول تكون تلقاءهم، فإن فتحها الله قبل دمشق فذلك الذي نحب، وإن فتحت دمشق قبلها فسر أنت ومن معك واستخلف على دمشق، فإذا فتح الله عليكم فحل فسر أنت وخالد إلى حمص واترك عمراً وشرحبيل على فلسطين لتستكمل فتح بلاد الشام.

معركة فحل

بعث أبو عبيدة عمارة بن مُخِشَ إلى فحل، فوجد أن الروم يقاربون ثمانين ألفاً، وقد طوفوا المياه في المنطقة إلا أن المسلمين استطاعوا بإذن الله إحراز النصر ودخول (فحل) و(بيسان)، وذلك قبل المعركة الكبرى وفتح دمشق أهم مدن الشام.
فتح دمشق

أرسل أبو عبيدة أبا الأعور السلمي إلى طبريا الواقعة إلى جنوب غرب دمشق ليفتحها وليكون ردءاً للمسلمين المتجهين إلى دمشق، وحائلاً دون وصول إمدادات رومية إلى دمشق، وكذلك إلى حمص، وتجهز الروم بقوة كبيرة للحفاظ على المدينة نظرآ لأهميتها وموقعها في قلب بلاد الشام، وتحرك جيش المسلمين في المنطقة الداخلية من بلاد الشام وكان لوجود الحياة القبلية في بعض المناطق التي ساعدت كثيرا جيش المسلمون، بينما كانت المناطق الساحلية والجبلية أكثر صعوبة امام تحرك الجيش والدفاع عنها يكون كبيراً من قبل الروم لذلك السبب، وعند وصول المسلمون إلى المناطق الشمالية الغربية من سوريا من الجهات الساحلية وجدوا أرضي جبلية وعرة المسالك وجبال عالية، إضافة إلى المقاومة الكبيرة في المنطقة الساحلية، وكان فيها المردة والجراجمة، وهم من قدامى السكان، وبعضهم من بقايا العمالقة، ولهم ارتباطات كبيرة بالروم أيضاً.

سار أبو عبيدة باتجاه -(دمشق) -، وقد جعل خالد بن الوليد في القلب، وسار هو في الميسرة، وعمرو بن العاص في الميمنة، وكان عياض بن غنم على الخيل، وشرحبيل بن حسنة على الرجالة. وفي الوقت نفسه بعث ذا الكلاع في فرقة لترابط بين دمشق وحمص لتحول دون وصول الامدادات من جيش الروم إلى دمشق من جهة الشمال، كما جعل أبا الدرداء في فرقة أخرى لتكون في برزة على مقربة من دمشق ردءاً للجيش الإِسلامي الذي يحاصر المدينة المحصنة بشكل كبير.

وبعث أبو عبيدة طليعة تتألف من ثلاثة عناصر أحدهم وأميرهم أبو أمامة الباهلي الذي يقول : فسرت فلما كنا ببعض الطريق، أمرت أحد من معي أن يكمن، وبعد مسافة أمرت الآخر فكمن هناك وسرت أنا وحدي حتى باب البلد، وهو مغلق في الليل وليس هناك أحد، فنزلت وغرزت رمحي بالأرض ونزعت لجام فرسي، وعلقت عليه مخلاته ونمت، فلما أصبح الصباح قمت فتوضأت وصليت الفجر، فإذا باب المدينة بقعقع فلما فتح حملت على البواب فطعنته بالرمح فقتلته، ثم رجعت والطلب ورائي، فلما انتهينا إلى الرجل الذي في الطريق من أصحابي ظنوا أنه كمين فرجعوا عني، ثم سرنا حتى أخذنا الآخر وجئت إلى أبي عبيدة فأخبرته بما رأيت، فأقام أبو عبيدة ينتظر كتاب عمر فيما يعتمده من أمر دمشق، فجاءه الكتاب يأمره بالمسير إليها، فساروا إليها حتى أحاطوا بها، واستخلف أبو عبيدة على اليرموك بشير بن كعب في خيل هناك.

ولا شك فإن الإيمان وحده هو الذي كان سبب نصر المسلمين في معاركهم التي خاضوها ضد أعدائهم على الرغم من قلتهم وقلة إمكاناتهم، وبالإِيمان نفسه استطاع هذا الصحابي أبو أمامة أن ينطلق منفرداً إلى أحد أبواب مدينة دمشق، وأن يبيت ليلة ونفسه مطمئنة وفكره مرتاحاً فيما سيكون وأن يصبح فيتوضأ ويصلي الفجر، ويقتل الحارس وينطلق... وهذا ما أرعب الروم، وأضعف معنويات الروم وساعد المسلمين على النصر.

انطلق الجيش الإسلامي نحو دمشق قلب الشام ومركزها في أكبر المعارك فدخل الغوطة واحتلها وقطع التموينات منها، ووصل إلى دمشق من ناحية الشرق وكانت المدينة العريقة محصنة بشكل كبير، فتوزع يحاصرها حسب التشكيل الذي يسير عليه، فتوقف خالد، وهو على قلب الجيش، على الباب الشرقي وحتى باب كيسان شرق المدينة، وسارت الميسرة على جنوب دمشق، فنزل يزيد بن أبي سفيان على الباب الصغير وإلى باب كيسان جنوب المدينة، ونزل أبو عبيدة على باب الجابية من جهة الغرب وحتى الباب الصغير. وسارت الميمنة على شمالي دمشق فنزل عمرو بن العاص على باب توما، ونزل شرحبيل ابن حسنة على باب الفراديس وباب السلام.

استمر حصار دمشق عدة أشهر وقد كانت صعبة الاقتحام لسورها الحصين وومنارعة ابراجها وأبوابها ودفاعاتها، وبعد حصار طويل شعر أهل دمشق أن الامدادات لا يمكن أن تصل إليهم، وجاء وقت البرد وهو في دمشق برد قارص وكان في هذه السنة قاسياً جدا، فصعب القتال، وفي إحدى الليالي ولد لبطريرك المدينة مولود، فأقام وليمة كبيرة للجند والناس وعمت الاحتفالات المدينة، فباتوا ليلتهم تلك سكارى، وشعر خالد بن الوليد بذلك نتيجة ضعف قتال الذين فوق الأسوار المنيعة والحصينة للمدينة وقلة حركة الناس عامة، ونتيجة المعلومات التي وصلت إليه من العيون، وهو على عين يقظة لا ينام إلا قليلاً، وكانت عنده سلالم مهيأة لتسلق اسوار المدينة العالية والمحصنة. فلما أحس بذلك استدعى بعض صنايد القوم أمثال القعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي، وأحضر جنده عند أحد الأبواب، وقال لهم : إذا سمعتم تكبيرنا فوق السور فارقوا إلينا. ثم إنه قطع الخندق وهو وأصحابه سباحة وقد وضعوا قرباً في أعناقهم تساعدهم على السباحة. إذ كانت الخنادق تحيط بدمشق وهي مليئة بالماء عدا الجهة الشمالية حيث كان نهر بردى هناك يعد بمثابة الخندق، وكان السور على ضفافه يتعرج حسب المجرى على حين كانت الأسوار في الجهات الأخرى تسير بشكل مستقيم، وأثبت خالد وصحبه السلالم على شرفات السور، وصعدوا عليها، فلما صاروا أعلى السور رفعوا أصواتهم بالتكبير لإرهاب العدو ونزلوا على حراس الباب فقتلوهم، وفتحوا الباب عنوة، وقد طعنوا مغاليقه، واندفع الجند من الباب الشرقي إلى داخل المدينة.

وانطلق خالد بن الوليد مع جنده داخل المدينة يعمل في من وقف في وجهه قتلاً، ويتجه نحو مركزها، وأسرع وجهاؤها نحو بقية الأبواب وخاصة نحو الغرب حيث باب الجابية خوفاً من أن ينالهم القتل، وفتح مدينتهم على يد المسلمين، فتم الصلح، ودخل بقية قادة المسلمين وجيوشهم من الأبواب الأخرى للمدينة صلحاً يتجهون نحو داخل المدينة والتقوا في مركزها، خالد يعمل السيف، وهم في السلم، فقالوا له : يا أبا سليمان إن القوم قد طلبوا الصلح، وفتحوا الباب لنا، ودخلنا سلماً، فقال لهم : وإنما دخلت أنا ومن معي المدينة عنوة، ولم يزل يعمل السيف حتى طلب منه أبو عبيدة الكف عن ذلك. والتقى الأمراء عند المقسلاط قرب سوق النحاسين اليوم (سوق المناخلية). وكان فتح دمشق في رجب من السنة الرابعة عشر أي بعد معركة اليرموك بسنة كاملة. ولمناعة اسوارها وتحصيناتها استمر حصارها عدة أشهر وأصبحت بعد ذلك الفتح أهم المدن الإسلامية.

وبعد فتح دمشق طلب أمير المؤمنين من أبي عبيدة أن يسير بعض الجند من الشام مع خالد بن الوليد إلى العراق مرة ثانية ليدعموا الفاتحين فيها، فسيرهم بإمرة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص.

وولى أبو عبيدة على دمشق يزيد بن أبي سفيان وكانت مرحلة من أهم مراحل الفتوحات الإسلامية قد اكتملت في دمشق، وسيّر شرحبيل بن حسنة إلى الأردن، وعمرو بن العاص إلى فلسطين، أي سار كل من الأمراء إلى المنطقة التي كانت وجهته الأولى إليها.

بعث يزيد بن أبي سفيان أمير دمشق دحية بن خليفة إلى تدمر، كما بعث أبا الزهراء القشيري إلى حوران فصالح أهلها، إذ كان طريق المسلمين إلى دمشق عن طريق مرج الصفرّ ومن جهة الغرب من حوران لذا فقد بقيت حوران دون مصالحة وتم الصلح ودخول حوران بعد بعد ذلك.




[b][b]في البقاع :

وأرسل أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى البقاع، وعندما وصل إلى تلك الجهة جاءت حملة من الروم عن طريق ما يعرف اليوم باسم ظهر البيدر تحت إمرة سنان، واستطاع قتل عدد من المسلمين عند (عين ميسون) وعرفت تلك العين بعد ذلك باسم عين الشهداء. ثم تابع خالد سيره في البقاع نحو الشمال فصالحه أهل بعلبك.


معركة مرج الروم وفتح حمص :

وكان أبو عبيدة قد اتجه إلى شمال دمشق أيضاً فنزل على ذي الطلاع الذي كان في آخر ثنية العقاب وشرف على (القطيفة) اليوم، وإذ وصل إليه خبر إرسال هرقل بطريقاً من قبله يدعى (توذرا) إلى مرج الروم (منطقة الصبورة اليوم) لينزل دمشق فسار إليه أبو عبيدة وخرج إلى(توذرا) وجاء خالد من الخلف، وبدأ القتال فلم ينج من الروم إلا من شرد، وقتل خالد (توذرا)، وكان أبو عبيدة قد التقى ببطريق آخر يدعى (شنس) نزل بجانبه فتنازلا وقتل أبو عبيدة شنس أيضاً، وفر أتباعه باتجاه حمص فلاحقهم أبو عبيدة، ولما انتهى خالد من (توذرا) تبع أبا عبيدة نحو حمص فحاصراها معاً، وطال الحصار، وجاء فصل الشتاء، وكان شديد البرد، وصبر الصحابة صبراً عظيماً، ولما انسلخ الفصل البارد اشتد الحصار، وأجبر الأهالي المسؤولين على الاستسلام، وطلبوا الصلح حسب الصلح الذي صالح عليه أهل دمشق على نصف المنازل، وضرب الخراج على الأرض، وأخذ الجزية على الرقاب حسب الغنى والفقر. وبعث أبو عبيدة بالأخماس والبشارة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع عبد الله بن مسعود... كما طلب منه الرأي بشأن هرقل... فجاءه الجواب بالبقاء في حمص بالنسبة إلى أبي عبيدة.


فتح قنسرين :

وأرسل أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى قنسرين في شمال سوريا فقاتل أهلها بعد حصار واعتذار بعد هزيمة أولى، وإثر ذلك دخل المدينة عنوة، وذلك في السنة الخامسة عشرة من هجرة رسول الله صل الله عليه وسلم. هذا التقدم السريع في المناطق الداخلية من سورية كان لا يوازيه تقدم آخر في المناطق الساحلية للأسباب التي سبق أن ذكرناها، الأمر الذي اقتضى أن يقوم عمرو بن العاص الذي ولي أمر فلسطين بحرب عنيفة في مناطقه الجنوبية حتى يستطيع المسلمون أن يتقدموا في الساحل والداخل بصورة متوازية، واقتضى الأمر من القيادة أن توجه حملات من الداخل إلى الساحل لتقطع المناطق الساحلية إلى وحدات، ولتقلل الضغط أمام الفاتحين المسلمين المتقدمين من الجنوب، وليضعف معنويات المتعنتين من الروم، وليقلل أملهم في إمكانية التشبث بالأرض والبقاء في تلك الجهات، لذا أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب معاوية بن أبي سفيان بالتحرك نحو قيسارية وتولي أمورها وكتب إليه : أما بعد فقد وليتك قيسارية فسر إليها واستنصر الله عليهم، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا فنعم المولى ونعم النصير. فسار إليها فحاصرها، وقاتل أهلها عدة مرات وفي النهاية انتصر عليهم وقتل منهم ما يقرب من ثمانين ألفاً، وبهذا الفتح انقطع رجاء الروم في النصر... ثم كتب عمر إلى عمرو بن العاص أن يسير إلى ايلياء (بيت المقدس).


فتح أجنادين :

سار عمرو بن العاص إلى أجنادين وهي موقع قريب من الفالوجة ومكان عبور فلسطين من الجنوب، إذا رابط فيها الأرطبون، كما كانت قوة للروم في الرملة، وأخرى في بيت المقدس، وكانت إذا جاءت قوات داعمة إلى عمرو أرسل بها تارة إلى الرملة وأخرى إلى بيت المقدس ليشاغلوا الروم في تلك الجهات خوفاً من دعمهم للأرطبون في أجنادين. وطال تأخر الفتح في أجنادين، وسارت الرسل بين الطرفين، ولم يشف أحدهما غليل عمرو، فسار بنفسه باسم رسول، ودخل على الأرطبون، وجرى الحديث بينهما، استنتج الأرطبون على أن هذا الرسول إنما هو عمرو بالذات أو أنه شخص ذو قيمة وأثر بين المسلمين، وقال في نفسه : ما كنت لأصيب القوم بأمر هو أعظم من قتله. فدعا حرساً فسارّه وأمره بالفتك به فقال : اذهب فقم في مكان كذا وكذا، فإذا مرَّ بك فاقتله، ففطن عمرو بن العاص فقال للأرطبون : أيها الأمير إني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي، وإني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع هذا الوالي لنشهد أموره. وقد أحببت أن آتيك بهم ليسمعوا كلامك ويروا ما رأيت. فقال الأرطبون : نعم ‍ فاذهب فائتني بهم، ودعا رجلاً فسارّه فقال : اذهب إلى فلان فردّه. وقام عمرو ابن العاص فرجع إلى جيشه، ثم تحقق الأرطبون أنه عمرو بن العاص نفسه فقال : خدعني الرجل، هذا والله أدهى العرب. وبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال : لله در عمرو. وحدث قتال عظيم في أجنادين كقتال اليرموك.. ثم دخل المسلمون أجنادين، وتقدموا نحو بيت المقدس.
فتح بيت المقدس

لقي المسلمون عناداً قوياً من الروم الأمر الذي جعل الجيوش الإِسلامية تجتمع مرة أخرى، وولى أبو عبيدة على دمشق سعيد بن زيد، وسارت الجيوش لتحاصر بيت المقدس وتضيق على من فيها حتى أجابوا إلى الصلح بشرط أن يقدم عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. أرسل أبو عبيدة إلى عمر يخبره الخبر، واستشار عمر الصحابة فأشار علي بن أبي طالب عليه بالمسير ورأى عثمان بن عفان غير ذلك، فأخذ عمر برأي علي وولاّه على المدينة وسار إلى الشام (دمشق) وعلى مقدمته العباس بن عبد المطلب، وفي الجابية (باب الجابية أحد أبواب دمشق) أستقبله أمراء المسلمين أبو عبيدة وخالد ويزيد، ومن دمشق سار عمر على رأس جيش المسلمين إلى بيت المقدس، ثم صالح النصارى، واشترط عليهم إخراج الروم خلال ثلاثة أيام، ثم دخل المسجد من حيث دخل رسول الله يوم الإسراء وصلى فيه مع المسلمين، ثم سار إلى الصخرة وجعل المسجد في قبلة بيت المقدس. وبعد فتح بيت المقدس رجع كل أمير إلى مكانه.وكانت في سنة 16 هـ

فتح حمص ثانية :

وما أن وصل أبو عبيدة إلى مركزه في حمص حتى حاصره الروم، وقد استنفروا معهم أهل الجزيرة(منطقة شرق سوريا) وكان أبو عبيدة قد استشار المسلمين في التحصن بالمدينة أو قتال الروم خارجها، فأشاروا عليه بالتحصن إلا خالد ابن الوليد الذي كان قد استقدمه من قنسرين لمساعدته ودعمه، فقد رأى قتال الأعداء خارج البناء، إلا أن أبا عبيدة رأى ما رآه بقية المسلمين، وكتب أبو عبيدة إلى أمير المؤمنين يعلمه الخبر. وكانت بقية مدن الشام كل منها مشغول بما فيه، ولو جاءته نجدة من أية مدينة فلربما اختل النظام في بلاد الشام كافة. وبخاصة أن هناك جيوب رومية كثيرة، ويختلط السكان بالروم، وكتب عمر ابن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص في العراق يطلب منه أن يسيّر مدداً بإمرة القعقاع بن عمرو إلى حمص، وأن يبعث بعثاً بإمرة عياض بن غنم إلى بلاد الجزيرة الذي يسيطر عليها الروم. خرج من الكوفة جيشان أولاهما اتجه نحو حمص وقوامه أربعة آلاف مقاتل بقيادة القعقاع بن عمرو، والآخر اتجه نحو الجزيرة بقيادة عياض بن غنم، وفي الوقت نفسه خرج عمر بن الخطاب نفسه من المدينة لينصر أبا عبيدة. علم أهل الجزيرة أن الجيش الإِسلامي قد طرق بلادهم فتركوا حمص ورجعوا إلى أرضهم. وأخبر الروم أن أمير المؤمنين قد سار إلى الشام ليدعم حمص فانهارت معنوياتهم وضعف أمرهم، وأشار خالد على أبي عبيدة بأن يبرز لهم ليقاتلهم فوافق، فنصر الله عباده المؤمنين على اعدائهم ولم يصل بعد القعقاع إذ وصل إلى حمص بعد انتصار المؤمنين بثلاثة أيام، كما أن عمر بن الخطاب كان قد وصل إلى الجابية في دمشق وجاءه خبر المعركة وهو فيها، وعدّ المدد بين المقاتلين ونال نصيبه من الغنائم. كما صالح أهل حلب ومنبج وإنطاكية.


فتح الجزيرة :

أما عياض بن غنم فقد وصل إلى الجزيرة (الجزيرة السورية) وصالح أهل (حران) و(الرها) و(الرقة)، وبعث أبا موسى الأشعري إلى (نصيبين)، وعمر بن سعد بن أبي وقاص إلى (رأس العين) وسار هو إلى (دارا)(مكان دير الزور اليوم على نهر الفرات، وهي قرب قرقيساء التي هي مكان البصيرة عند التقاء نهر الخابور بنهر الفرات) ففتحت هذه المدن، كما أرسل عثمان بن أبي العاص إلى أرمينيا فحدث قتال ثم صالح عثمان أهل البلاد على جزية مقدارها دينار على كل أهل بيت.

فتح سواحل الشام :

وفتحت (قرقيساء) على يد عمر بن مالك، وصالح أهل (هيت)، وكان يزيد بن أبي سفيان قد أرسل أخاه معاوية على مقدمته ففتح بناء على أوامر أبي عبيدة المدن الساحلية طرطوس واللاذقية وانطاكية وصور وصيدا وبيروت وعرقة. إلا أن خطأ قد وقع أثناء الفتح، وهو أن المسلمين لم يكونوا ليمشّطوا البلاد التي يفتحونها تمشيطاً كلياً حيث يخلونها من كل من يمكن أن يتمرد في المستقبل أو يكون عوناً للروم الذين يفكرون في استعادة بلاد الشام ويعتقدون أنه لا تزال لهم مراكز قوة فيها، إذ أن المسلمين كما رأينا قد بدؤوا بالمناطق الداخلية التي هي مجال حركتهم، وعلى صلة بالمدينة المنورة قاعدة الحكم الإِسلامي، بناءً على أوامر القيادة العامة، وحاولوا الابتعاد عن السواحل التي كانت للروم فيها قواعد بحرية، الأسطول الرومي يجوب تلك السواحل على حين لم يكن للمسلمين بعد أية قوة بحرية، فهم بالدرجة الأولى أبناء داخل وصحارى ولربما كان أكثرهم لم ير البحر بعد، ومنهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نفسه. وكذلك فقد تركوا الجزر الجبلية والتفوا حولها ظناً منهم أن أولئك السكان الذين كانوا على درجة من القلة لا تمكنهم من عمل شيء، لذا فإنهم ينزلون على حكم المسلمين راضين أو كارهين إضافة إلى فقر تلك الجهات هذا ويزيد ذلك وعورة تلك الأماكن وصعوبة مسالكها، وهذه الخطيئة نفسها تكررت في الأندلس، فكان من تلك الجزر الجبلية البلاء العظيم الذي أطاح بالمسلمين من الأندلس بعد مدة طويلة من الزمن، والذي لا نزال نذوق منه الويلات، إذ كان سكان الجبال عوناً للروم ودعماً لهم كلما ظهر الروم على الشواطئ الشامية، وهذا ما كان يستشعره الروم من أن لهم قوة تعتصم في المناطق الجبلية كما دعت الحاجة، كما أن قوة أخرى كانت لهم، وهي أن الروم عندما اجلوا عن تلك البلاد الشامية رحلت معهم بعض القبائل العربية المتنصِّرة الحليفة لهم والمنتصّرة من غسان وتنوخ واياد ولخم وجذام وعاملة وكندة وقيس وكنانة ظناً من هذه القبائل أن الروم لا يمكنهم أن يتركوا الفاتحين الجدد في البلاد الشامية، وكان لهذه القبائل مراكزها وأنصارها في المنطقة، كل هذا كان يشجع الروم على التفكير في محاولة استرجاع البلاد، وقد تمكن الروم فعلاً من استعادة بعض السواحل الشامية في الوسط، ولكنهم لم يلبثوا أن طردوا منها. ولعل من الأخطاء التي وقعت آنذاك الاستعانة بالجراجمة، وهم سكان منطقة الجرجومة وهي مدينة تقع في جبل الأمانوس (اللكام) شمال إنطاكية، وقد كانت لهم دولة مركزها مرعش، ويعتقد أنهم من بقايا الحثيين. وعندما صالح أبو عبيدة بن الجراح أهل إنطاكية همّ الجراجمة بالانتقال إلى بلاد الروم خوفاً على أنفسهم، إلا أن المسلمين لم يأبهوا بهم آنذاك، ولكن إنطاكية لم تلبث أن نقضت العهد، واضطر المسلمون إلى فتحها ثانية، وعين أبو عبيدة عليها (حبيب بن مسلمة الفهري) الذي استعد لغزو جرجومة، فاضطر أهلهالطلب الصلح، وكانوا يساعدون المسلمين أحياناً عندما يرون فيهم القوة، ولكنهم إن وجدوا في الروم قوة كاتبوهم على أن ينقضّوا على المسلمين، وهذا ما كان يشجع الروم، ويُبقي عندهم الأمل في العودة إلى بلاد الشام، ولربما كان المسلمون بحاجة إلى الجند آنذاك، وقد وجدوا في الجراجمة عنصراً محارباً ودعماً عسكرياً فاستفادوا منهم، إلا أنه لا يؤمن لهم ولا لعهودهم ما دامو لا يدينون دين الحق، ولا ينظرون إلا إلى مصالحهم، وهذا ما كان يجعلهم يقفون بجانب الروم أحياناً وبجانب المسلمين مرة أخرى، ثم توزعوا في المناطق الجبلية الغربية عوناً للروم، وبقي لهم خطر على البلاد ولأحفادهم الذين اعتقدوا عقائد غريبة حتى الآن.
فتح مصر

لما انتهى فتح المسلمين لبلاد الشام، وانتهى عمرو بن العاص من فتح فلسطين، استأذن عمرو بن العاص من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في السير إلى مصر للفتح، فوافق عمر وسيّره إليها، ثم أمده بالزبير بن العوام ومعه بسر ابن أرطأة وخارجة بن حذافة، وعمير بن وهب الجمحي، فالتقيا عند باب مصر، ولقيهم أبو مريم ومعه الأسقف أبو مريام وقد بعثه المقوقس من الإسكندرية، فدعاهم عمرو بن العاص إلى الإِسلام أو الجزية أو القتال، وأمهلهم ثلاثة أيام فطلبوا منه أن يزيد المدة فزادها لهم يوماً واحداً، ثم نشب القتال، فهزم البيزنطيون وقتل منهم عدد كبير، منهم الأرطبون الذي فر من بلاد الشام إلى مصر، والذي أجبر أهل مصر على المقاومة، وحاصر المسلمون عين شمس، وارتقى الزبير بن العوام السور، فلما أحس السكان بذلك انطلقوا باتجاه عمرو على الباب الآخر، إلا أن الزبير كان قد اخترق البلد عنوة ووصل إلى الباب الذي عليه عمرو، فصالحوا عمراً وأمضى الزبير الصلح، وقبل أهل مصر كلهم الصلح، إذ كان قد وجه عبد الله بن حذافة إلى عين شمس فغلب على أرضها وصالح أهل قراها على مثل صلح الفسطاط.

ثم أرسل عمرو جيشاً إلى الإسكندرية حيث يقيم المقوقس، وحاصر الجيش المدينة، واضطر المقوقس إلى أن يصالح المسلمين على أداء الجزية واستخلف عمرو بن العاص عليها عبد الله بن حذافة. وانشئت مدينة الفسطاط مكان خيمة عمرو حيث بني المسجد الذي ينسب إليه الآن. وأقيمت البيوت حوله.

وأرسل عمرو قوة إلى الصعيد بإمرة عبد الله سعد بن أبي سرح بناءً على أوامر الخليفة ففتحها، وكان الوالي عليها كما أرسل خارجة بن حذافة إلى الفيوم وما حولها ففتحها وصالح أهلها، وأرسل عمير بن وهب الجمحي إلى دمياط وتنيس وما حولهما فصالح أهل تلك الجهات.

ثم سار عمرو بن العاص إلى الغرب ففتح برقة وصالح أهلها، وأرسل عقبة بن نافع ففتح (زويلة) واتجه نحو بلاد النوبة، ثم انطلق عمرو إلى طرابلس الغرب ففتحها بعد حصار دام شهراً، كما فتح (صبراته) و(شروس) ومنعه عمر بن الخطاب أن يتقدم أكثر من ذلك إلى جهة الغرب.
[/b]
[/b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:00 am

[b][b]الفتوحات الإسلامية

2- الجبهة الشرقية :

كان الخلاف على الحكم قوياً في الدولة الفارسية الفرس كما كان الحكام على خلاف فيما بينهم، فلما غادر خالد بن الوليد العراق إلى الشام شعر الفرس بقلة من بقي من جند المسلمين هناك، فأرادوا النيل منهم وطردهم من أرض العراق، فأرسل شهريار ملك الفرس جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل لمحاربة جيش المسلمين بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني، إلا أن الفرس قد هزموا هزيمة منكرة أيضاً.

طلب المثنى بن حارثة المدد من المدينة، إلا أن أخبار الصديق قد تأخرت عليه لانشغاله بقتال الشام الأمر الذي جعل المثنى يسير بنفسه إلى المدينة وقد خلّف وراءه على المسلمين بشير بن الخصاصية، فلما وصل إلى قاعدة الحكم وجد أبا بكر في آخر عهده وقد استخلف عمر من بعده. فلما رأى أبو بكر المثنى قال لعمر : إذا أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس لحرب أهل العراق مع المثنى، وإذا فتح الله على أمرائنا بالشام فاردد أصحاب خالد إلى العراق فإنهم أعلم بحربه. فلما مات الصديق ندب عمر المسلمين إلى الجهاد في أرض العراق، وأمر على المجاهدين أبا عبيد بن مسعود الثقفي حيث كان أول من لبى النداء ولم يكن من الصحابة، مع العلم أن عمر لم يكن ليولي إلا من كان صحابياً، وعندما سئل في هذا الأمر أجاب : إنما أؤمر أول من استجاب، إنكم إنما سبقتم الناس بنصرة هذا الدين، وإن هذا هو الذي استجاب قبلكم، ثم دعاه فوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً. وأمره أن يستشير أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم، وسار المجاهدون إلى العراق.

وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الوقت نفسه إلى أبي عبيدة في الشام أن يرسل جيش وامداد من دمشق مع خالد بن الوليد، فسيّرهم أبو عبيدة بعد فتح دمشق بإمرة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص.

وأرسل عمر أيضاً مدداً آخر بقيادة جرير بن عبد الله البجلي قوامه أربعة آلاف، فسار باتجاه الكوفة، والتقى بقائد فارس فهزمه شر هزيمة وسقط أكثر جند الفرس في النهر.

معركة النمارق :

بعث رستم جيشاً لقتال أبي عبيد فالتقى الطرفان في النمارق بين الحيرة والقادسية، وكان على خيل المسلمين المثنى بن حارثة، فهُزم الفرس، وولوا الأدبار، وساروا إلى (كسكر) فلحقهم أبو عبيد، ثم هزمهم ثانية بعد أن جاءتهم قوة داعمة لنصرتهم، وفرّ الفرس إلى المدائن.

معركة الجسر :

بعد أن هزم الفرس في النمارق وما بعدها اجتمعوا إلى رستم، فأرسل جيشاً كثيفاً ومعهم راية (كسرى) وراية (أفريدون) التي تسمى (الدرفس) وسار هذا الجيش نحو المسلمين فالتقوا، وبينهم جسر، فقال الفرس : إما أن تعبروا إلينا، أو نعبر إليكم، فقال المسلمون لأبي عبيد : أمرهم أن يعبروا إلينا، فقال أبو عبيد : ما هم أجرأ منا على الموت بل نعبر إليكم، ثم اقتحم الجسر إليهم، وجرت معركة عنيفة بين الطرفين. وكانت فيلة الفرس تؤذي المسلمين حيث تخافها خيولهم الأمر الذي جعل أبا عبيد يأمر المسلمين بقتل الفيلة فقتلوها وكان بين الفيلة فيل عظيم هجم عليه أبو عبيد، فضرب خرطومه فاستدمى الفيل وصرخ وقتل أبا عبيد وبرك فوقه، وقتل القادة الذين تولوا أمر المسلمين بعد أبي عبيد، حتى جاء دور المثنى بن حارثة في الإمارة، وكان قد ضعف أمر المسلمين، وأرادوا التراجع، وعبر بعضهم الجسر، ولتزاحمهم عليه تحطم الأمر الذي جعل ظهور المسلمين للفرس وبدأ القتل فيهم حتى عظم، فقتل منهم من قتل، وغرق من غرق. فجاء المثنى ووقف عند مدخل الجسر يحمي المسلمين ليقطعوا الطريق ببطء فأصلحوا الجسر وعبروا خلاله، حتى انتهوا والمثنى وشجعان المسلمين يحمونهم. وقد وقعت هذه المعركة بعد معركة اليرموك بأربعين يوماً أي في شهر شعبان في السنة الثالثة عشرة للهجرة واختلف الفرس ثانية على الحكم إذ خلعوا رستم، ثم عادوا فولوه، وأضافوا إليه الفيرزان، وسار الفرس إلى المدائن فلحقهم المثنى، وهزم من اعترض سبيله منهم وأسر عدداً كبيراً ضرب أعناقهم، وطلب النجدة والمدد من أمراء المسلمين، فوافوه، كما كان قد وصل إليه جرير بن عبد الله البجلي ومن معه.

معركة البويب :
لما علمت الفرس باجتماع عدد من جيوش المسلمين بعثت جيشاً كثيفاً، والتقى الطرفان في مكان يقال له (البويب) قرب الكوفة، وطلبت الفرس أن يعبر المسلمون إليها، أو تعبر إليهم، فأجاب المثنى بأن يعبر الفرس فعبر وجرت معركة عنيفة هزمت فيها المجوس، وقتل منهم عدد كبير قتلاً وغرقاً في النهر، وكانت هذه المعركة عظيمة إذ اقتص فيها المسلمون من معركة الجسر ونالوا غنائم عظيمة، وقتل فيها قائد الفرس مهران، وكان ذلك في شهر رمضان من السنة الثالثة عشرة الهجرية.

وبعد معركة البويب التي اقضت مضاجع الفرس اجتمع أمراؤهم على تمليك يزدجرد بن شهريار بن كسرى، واتفقوا على ذلك فيما بينهم، وأرسلوا بالخبر إلى إتباعهم في الأمصار كافة، الأمر الذي جعل المجوس وأنصارهم الذين صالحوا المسلمين وأظهروا الطاعة ينقضون العهد. وأخبر المسلمون بذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

حث عمر بن الخطاب المسلمين على الجهاد وخرج بنفسه على رأس الجيش من المدينة بعد أن ولّى مكانه علي بن أبي طالب واستصحب معه عثمان بن عفان وسادات الصحابة حتى وصل إلى ماء يقال له (ماء الصرار) فعقد مجلساً استشارياً في الذهاب، وقد أرسل إلى علي أن يأتي من المدينة، فكلهم وافقه على رأيه إلا عبد الرحمن بن عوف فإنه قال له : إني أخشى إن كسرت أن تضعف أمر المسلمين في سائر أقطار الأرض، وإني أرى أن تبعث رجلا وترجع إلى المدينة، فمال عمر إلى هذا الرأي، ووقع الاختيار على سعد بن أبي وقاص قائداً للجيش، فأوصاه، وكتب إلى المثنى بن حارثة وجرير بن عبد الله البجلي في إطاعة سعد، كما أصبح جميع أمراء العراق تبعاً له، ولكن المثنى قد توفي قبل وصول سعد إذ انتقض عليه جرحه الذي أصابه يوم الجسر.

اجتمع المسلمون في القادسية حسبما واعدهم سعد بن وقاص بناء على أوامر الخليفة عمر بن الخطاب، كما نصَّب الخليفة عبد الرحمن على القضاء ولما بلغ سعد ماء العذيب اعترضه جيش للفرس، فهزمه، وغنم منه غنائم كثيرة. ويبدو من هذه المعارك أن المسلمين كانوا يتوغلون في أعماق العدو دون تطهير كامل للمناطق الخلفية مما يجعل الفرس يستطيعون تحريك جيوشهم إلى قرب أماكن المعارك الأولى.

معركة القادسية :
ثم سار سعد حتى نزل القادسية، فمكث فيها شهراً لم ير فيه أثر للفرس، وكان يبث سراياه في كل الجهات، فكانت تأتيه بالغنائم الأمر الذي جعل الفرس وحلفائهم يتضايقون جداً، وأخبروا ملكهم (يزدجرد) بأنه إن لم ينجدهم فإنهم سيضطرون إلى تسليم ما بأيديهم إلى المسلمين أو يصالحونهم، وهذا ما جعل (يزدجرد) يدعو رستم ويؤمره على الحرب بجيش كثيف، وقد حاول رستم أن يعفيه الملك من ذلك وأبدى الأعذار بأن إرسال جيش كثيف واحد إلى المسلمين فيه شيء من الخطأ، وإنما من الصواب أن يرسل جيشاً إثر آخر لإضعاف المسلمين، إلا أن الملك قد أصر على إرساله بهذا الجيش اللجب الذي يبلغ قوامه 120000 مائة وعشرين ألفاً، ويكون مثلها مدداً لها.

سار رستم وعسكر بساباط، وكان سعد يكتب في كل يوم إلى الخليفة حسب أوامره إليه، ولما اقترب رستم من المسلمين بعث إليه سعد جماعة من سادات المسلمين يدعونه إلى الله عز وجل وكان بينهم: النعمان بن مقرن، والمغيرة بن شعبة، والأشعث بن قيس، وفرات بن حبان، وعطارد بن حاجب، وحنظلة بن الربيع، وعمرو بن معد يكرب. فقال لهم رستم: ما أقدمكم ؟ فقالوا: جئنا لموعود الله إيانا، أخذ بلادكم وسبي نسائكم وأبنائكم وأخذ أموالكم، ونحن على يقين من ذلك. وقد تأخر رستم في الخروج من المدائن للقاء سعد في القادسية مدة أربعة أشهر عسى أن يضجر سعد ومن معه من المسلمين، كما أن رستم كان يعتقد أن النصر سكون حليف المسلمين لما يرى ويسمع عن معاركهم وأخلاقهم. وقد ضعفت معنويات رستم ومن معه بعد أن سمعوا كلام الوفد، وما فيه من ثقة بالله ويقين بالنصر.

ولما اقترب الجيشان طلب رستم من سعد أن يبعث له رجلاً عاقلاً عالماً يجيبه عن بعض أسئلته، فأرسل له سعد المغيرة بن شعبة. فقال له رستم : إنكم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونكف الأذى عنكم، فارجعوا إلى بلادكم ولا نمنع تجارتكم من الدخول إلى بلادنا. فقال له المغيرة: إن ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة، وقد بعث الله إلينا رسولاً قال له : إني قد سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بديني فأنا منتقم بهم منهم، واجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به، وهو دين الحق، لا يرغب عنه أحد إلا ذل، ولا يعتصم به إلا عز. فقال له رستم : فما هو ؟ فقال : أما عموده الذي لا يصلح شيء منه إلا به فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، فقال : ما أحسن هذا ! وأي شيء أيضاً، قال : وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله. قال : وحسن أيضاً وأي شيء أيضاً ؟ قال : والناس بنو آدم، فهم إخوة لأب وأم، قال : وحسن أيضاً : ثم قال رستم : أرأيتم إن دخلنا في دينكم أترجعون عن بلادنا ؟ قال : إي والله ثم لا نقرب بلادكم إلا في تجارة أو حاجة. قال : وحسن أيضاً. وإن هذا الحديث قد زاد إلى أضعاف معنويات رستم والفرس، وزاد يقينهم في انتصار المسلمين، وزادت قناعتهم بهذا الدين الجديد حتى إن رستم قد ذاكر وجهاء قومه في الدخول في الإِسلام فأنفوا وأبوا فأخزاهم الله.

وحاول رستم والفرس أن يلجؤوا إلى طريق الإغراء فزينوا مجلس رستم بالنمارق المذهبة والحرير، وأظهروا اللآلئ والياقوت والأحجار الكريمة الثمينة، والزينات العظيمة، وجلس رستم على سرير واسع من الذهب، وعليه تاج مرصع، ثم طلب رستم ثانية من سعد إرسال رجل آخر، فأرسل إليه ربعي بن عامر، فسار إليه بثياب صفيقة وأسلحة متواضعة وفرس صغيرة، ولم يزل راكبها حتى داست على الديباج والحرير، ثم نزل عنها وربطها في قطع من الحرير مزقها مما رأى أمامه، وأقبل على رستم وعليه سلاحه الكامل، فقالوا له : ضع سلاحك. فقال : إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فنقلوا ذلك لرستم فقال : ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق أكثرها، فقالوا له : ما جاء بكم ؟ فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإِسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله. قالوا : وما موعود الله ؟ قال : الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقي. فقال رستم: قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا ؟ قال : نعم ! كم أحب إليكم ؟ يوماً أو يومين ؟ قال : لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. فقال : ما سن لنا رسول الله صل الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، فقال : أسيدهم أنت ؟ قال : لا! ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم. فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال : هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل ؟ فقالوا : معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه ؟ فقال : ويلكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل، ويصونون الأحساب.

وبعث الفرس في اليوم الثاني يطلبون رجلا آخر يريدون أن يعرفوا نماذج من المسلمين، فهل كلهم على هذا اليقين وهذا الرأي ؟ علهم يجدون ثغرة يستطعون أن ينفذوا منها، فبعث إليهم سعد بن أبي وقاص رجلا آخر هو حذيفة بن محصن، فتكلم على النحو الذي تكلم فيه ربعي بن عامر.

وتكرر الطلب في اليوم الثالث فأرسل إليهم سعد ثالثاً هو المغيرة بن شعبة. فقال رستم للمغيرة: إنما مثلكم في دخول أرضنا مثل الذباب رأى العسل. فقال : من يوصلني إليه وله درهمان؟ فلما سقط عليه غرق فيه، فجعل يطلب الخلاص فلم يجده، وجعل يقول : من يخلصني وله أربعة دراهم ؟ ومثلكم كمثل ثعلب ضعيف دخل حجراً في كرم، فلما رآه صاحب الكرم ضعيفاً رحمه فتركه، فلما سمن أفسد شيئاً كثيراً فجاء بجيشه، واستعان عليه بغلمانه فذهب ليخرجه فلم يستطع لسمنه فضربه حتى قتله، فهكذا تخرجون من بلادنا، ثم ازداد غضباً وحمقاً وأقسم بالشمس لأقتلنكم غداً.

فقال المغيرة : ستعلم. فقال رستم للمغيرة : قد أمرت لكم بكسوة ولأميركم بألف دينار وكسوة ومركوب وتنصرفون عنا.

فقال المغيرة : أبعد أن أوهنا ملككم وضعفنا عزكم، ولنا مدة نحو بلادكم ونأخذ الجزية منكم عن يد وأنتم صاغرون وستصيرون لنا عبيداً على رغمكم ؟

كان سعد بن أبي وقاص مريضاً لا يستطيع الركوب، لذا فقد جلس في القصر متكئاً على صدره فوق وسادة ينظر إلى الجيش يدبر أمره ويصدر تعليماته، وقد أعطى القيادة إلى خالد بن عرفطة، وكان على الميمنة جرير بن عبد الله البجلي وعلى الميسرة قيس بن مكشوح.

بدأت المعركة بعد الظهيرة وبعد أن صلى سعد الظهر بالناس وخطب فيهم وحثهم على القتال، واستمر القتال حتى الليل، ثم استؤنف في اليوم الثاني ولمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع اشتد أثر الفيلة الفارسية على الجيش إذ كانت الخيول تنفر منها الأمر الذي جعل الصحابة يوجهون اهتمامهم إليها حتى قتلوها مع من عليها، وقد أبلى جرير بن عبد الله البجلي، والقعقاع بن عمرو، وطليحة الأسدي، وعمرو بن معد يكرب، وخالد بن عرفطة، وضرار بن الخطاب بلاء كبيراً، إذ كانوا يقلعون عيون الفيلة فتشرد بمن عليها ثم تقتل ويقتل أصحابها، فلما كان الزوال من ذلك الذي عرف بالقادسية وهو الاثنين الرابع عشر من شهر محرم من السنة الرابعة عشرة هبت ريح شديدة على الفرس فأزالت خيامهم وما كان منهم إلا الهرب. وقد قتل القعقاع بن عمرو التميمي وهلال بن علقمة التميمي رستم قائد الفرس، وفرّت جماعة منهم ولحقهم المسلمون حتى دخلوا وراءهم مدينة المدائن مركز الحكم ومقر يزدجرد بن شهريار. وقد قتل من الفرس في اليوم الرابع عشرة آلاف ومثلهم في الأيام السابقة، فكان مجموع القتلى عشرين ألفاً، وهو ما يقرب من ثلثي الجيش الفارسي، واستشهد من المسلمين في الأيام كلها ألفاً وخمسمائة شهيد، وغنم المسلمون غنائم كبيرة جداً، وأرسلت البشارة إلى أمير المؤمنين الذي كان في غاية الاهتمام بالمعركة حتى كان يخرج وحده أحياناً إلى خارج المدينة يسأل الركبان ويتقصى الأخبار حتى جاءه النبأ. وكانت المناطق التي فيها خالد بن الوليد من قبل قد نقضت العهد، فلما كانت معركة القادسية رجع أهلها إلى عهودهم وادعوا أن الفرس قد أجبروهم على ذلك النقض.

ثم تقدم المسلمون بإمرة زهرة بن حوية أميراً إثر أمير نحو المدائن فالتقوا بجيش فارسي فهزموه، واتجه المنهزمون نحو بابل، وانطلقت جماعة أخرى نحو نهاوند، فاقام سعد في بابل عدة أيام ثم سار نحو المدائن، فالتقى بجيش آخر من الفرس فهزمه، وفي ساباط التقى بكتائب أخرى ليزدجرد أصابها كلها ما أصاب سابقتها، وقَتَل هاشم بن عتبة بن أبي وقاص أسد يزدجرد الذي وضع في الطريق لإخافة المسلمين، وكان ذلك في نهاية السنة الرابعة عشرة من هجرة رسول الله صل الله عليه وسلم.

وتحصن الفرس (بهرسير) وهي قرية من المدائن لا يفصل بينها سوى نهر دجلة بعد أن هزموا أمامها، إلا أن حصارهم لم يهن من عزيمة المسلمين، وكان أن فرّ الفرس إلى المدائن، وسار المسلمون وراءهم، فلما اقتربوا منها لاح لهم القصر الأبيض قصر كسرى. وكان المسلمون قد قطعوا نهر دجلة وكان في حالة فيضان كبير الأمر الذي جعل الفرس يخافون لقاء المسلمين ويهابونهم.

فتح المدائن :
ودخل المسلمون المدائن فلم يجدوا بها أحداً بل فرّ أهلها كلهم مع الملك سوى بضعة من المقاتلة بقوا في القصر الأبيض، فدعاهم سلمان الفارسي ثلاثة أيام، نزلوا بعدها منه، وسكنه سعد، وجعل الايوان مصلى وتلا حين دخوله {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوماً آخرين، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين} [الدخان : 25-29]، كما صلى الجمعة في الايوان وذلك في شهر صفر من السنة السادسة عشرة للهجرة. وأقامت أسر المسلمين في المدائن حتى فتح الله عليهم جلولاء وتكريت والموصل، وبعدها تحولت الأسر إلى الكوفة. وأرسل سعد السرايا تتعقب الفارين فحصلت هذه السرايا على غنائم كثيرة لم يستطع الفارون حملها فتركوها وأكثرها من ثياب كسرى ولباسه. وقد خمّس سعد الغنائم، وبعث بها إلى المدينة مع بشير بن الخصاصية، وفيها بساط كسرى وتاجه وسواريه، فلما رآها عمر قال : إن قوما أدوا هذا لأمناء، فقال له علي : إنك عففت فعفت رعيتك ولو رتعت لرتعت.
[/b][/b]




[b]الفتوحات الإسلامية

فتح جلولاء :
فر يزدجرد من المدائن، وسار باتجاه حلوان، والتف حوله أثناء سيره عدد كثير من الفرس، فأمر عليهم مهران، وأقاموا بجلولاء، وقد تحصنوا بها، وحفروا الخنادق حولها، فبعث سعد إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخبره بذلك، فأمره أن يقيم هو بالمدائن وأن يرسل إليهم ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وأن يكون على المقدمة القعقاع بن عمرو التميمي، وعلى الميمنة سعد بن مالك، وعلى الميسرة عمر بن مالك، وعلى المؤخرة عمرو بن مرة الجهني، ففعل، فسار هاشم وحاصرهم، واشتد القتال، وكانت تصل النجدات إلى الطرفين، وأخيراً فتح الله على المسلمين جلولاء، وقد قتلوا من الفرس الكثير حتى تجلت بجثثهم الأرض، وبرز من الأبطال في هذه المعركة القعقاع بن عمرو، وعمرو بن معد يكرب، وحجر بن عدي، وقيس بن مكشوح، وطليحة الأسدي.

وبعث هاشم في أثر الفرس المنهزمين القعقاع بن عمرو فكانوا يفرون من وجهه، وقد غنم الكثير أثناء تحركاته تلك. وقد كانت غنائم جلولاء لا تقل عن غنائم المدائن. وقد ادرك القعقاع مهران وقتله، ونجا الفيرزان فسار إلى حلوان وأخبر يزدجرد فترك المدينة بعد أن ترك عليها قائدا، وسار هو إلى الري (طهران اليوم)، وسار القعقاع إلى حلوان فانتصر على حاميتها ودخلها.

فتح تكريت والموصل :
في الوقت الذي سار فيه هاشم بن عتبة إلى جلولاء سار أيضاً إلى تكريت عبد الله بن المعتم على رأس جيش بأمر الخليفة أيضاً، فلما وصل إلى تكريت وجد فيها جماعة من الروم، ومن نصارى العرب، من إياد وتغلب، وعدد من أهل الموصل فحاصرهم أربعين يوماً نازلهم خلالها أربعاً وعشرين مرة، وانتصر فيها كلها، ثم دخل المدينة عنوة، وقد قتل جميع من فيها سوى من أسلم من الأعراب. وسار ربعي بن الافكل بعدها إلى الموصل واضطر أهلها إلى الصلح والتسليم، وفرضت عليهم الجزية.

فتح ماسبذان :
بلغ سعد أن جماعة من الفرس قد تجمعت في ماسبذان الواقعة على يمين حلوان على الطريق إلى همدان، فأخبر بذلك أمير المؤمنين فطلب منه أن يرسل لهم جيشاً بإمرة ضرار بن الخطاب الفهري، ففعل وانتصر عليهم، وهرب أهل ماسبذان إلى رؤوس الجبال، فدعاهم ضرار فاستجابوا له، ومنهم من أسلم، ومنهم من لم يسلم فوضع عليه الجزية.

فتح الأهواز :
تغلب الهرمزان على منطقة الأهواز، وهو من أحد بيوتات فارس المشهورة وكان من الذين فروا من القادسية، وأصبح يغير على المناطق التي دانت لحكم المسلمين، فسار إليه جيشان من المسلمين، انطلق أحدهما من الكوفة من قبل وإليها عتبة بن غزوان، وسار الثاني من البصرة من قبل حاكمها أبي موسى الأشعري، وانتصر المسلمون عليه وهذا ما أجبره على طلب الصلح، فأعطوه ذلك. ثم نقض الهرمزان الصلح بعد أن استعان بجماعة من الكرد، فبرز إليه المسلمون فهزموه فتحصن في تستر (ششتر اليوم)، إلا أن أهل المنطقة قد صالحوا المسلمين عندما رؤوا إصلاح بلادهم، ودفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وهذا ما جعل الهرمزان يطلب الصلح ثانية، ويصالح على عدد من المدن منها (تستر) و(جنديسابور)، وكان حرقوص بن زهير قد فتح سوق الأهواز. ثم نقض الهرمزان الصلح ثانية بناء على تحريض يزدجرد، وبلغ الخبر عمر، فأمر أن يسير إليه جيش من الكوفة بإمرة النعمان بن مقرن، وكانت الكوفة مقر سعد بن أبي وقاص، كما أمر أن يسير جيش آخر من البصرة بإمرة سهيل بن عدي، وأن يكون على الجميع أبو سيرة بن أبي رهم، فالتقى النعمان بالهرمزان فهزمه، ففر إلى تستر فسار إليه سهيل بن عدي، كما لحقه النعمان، فحاصروه هناك، وكان أمير الحرب أبو سبرة بن أبي رهم ابن عمة رسول الله صل الله عليه وسلم، وقد وجد أن مع الهرمزان عدداً كبيراً من المقاتلين، فكتبوا بذلك إلى أمير المؤمنين، فطلب من أبي موسى الأشعري أن يذهب إليهم مدداً، فسار نحوهم، وحاصروا الفرس، واضطرهم إلى الاستسلام بعد فتح البلد عنوة، ولجأ الهرمزان إلى القلعة، فحاصروه وأجبروه على الاستسلام، وأرسلوه إلى عمر بن الخطاب بالمدينة مع وفد فيه الأحنف بن قيس وأنس بن مالك.

ثم سار أبو سبرة بن أبي رهم في قسم من الجيش ومعه أبو موسى الأشعري والنعمان بن مقرن واستصحبوا معهم الهرمزان، وساروا حتى نزلوا (السوس) فحاصروها، وكتب إلى أمير المؤمنين بذلك، فأجابهم بأن يرجع أبو موسى الأشعري إلى البصرة، وأن يسير زر بن عبد الله بن كليب إلى جنديسابور، فسار، وبعث أبو سبرة بالخمس وبالهرمزان إلى المدينة، ولما وصل الوفد بالهرمزان إلى المدينة اتجه إلى بيت أمير المؤمنين، فقيل لهم : إنه بالمسجد للقاء وفد الكوفة، فانطلقوا إلى المسجد، فلم يروا فيه أحداً، ولما هموا بالعودة قال لهم غلمان يلعبون أمام المسجد : إنه نائم في زاوية المسجد، فانطلقوا فوجدوه نائماً، فقال الهرمزان : أين عمر ؟ فأشاروا إليه، وقد دهش لعدم وجود الحرس والحجاب كما اعتاد أن يرى في ملوك فارس وأكاسرتها.

وفتحت السوس عنوة بعد حصار حتى طلب أهلها الصلح، وكذلك فقد فتح زر بن عبد الله جند يسابور.وتقدم المسلمون في بلاد فارس أيام عمر بن الخطاب من جهة ثانية، فقد كان العلاء بن الحضرمي والي البحرين يسابق سعد بن أبي وقاص في الفتح، فلما كتب الله النصر لسعد في القادسية، وكان له ذلك الصدى الواسع، أحب العلاء أن يكون له النصر على فارس من جهته، فندب الناس إلى الجهاد ضد فارس، فاجتمع الجيش وعبر العلاء بن الحضرمي البحر إلى فارس من جهته وذلك دون إذن أمير المؤمنين، اتجه العلاء نحو اصطخر، إلا أن الفرس قد حالوا بين المسلمين وسفنهم، فوجد المسلمون أنفسهم بين العدو والبحر، فعلموا جهدهم وقاتلوا بقوة فنصرهم على عدوهم، ثم خرجوا يريدون البصرة، فلم يجدوا سفنهم، كما رؤوا أن الفرس قد قطعوا عنهم الطرق، فاضطروا إلى البقاء محاصرين، ووصل الخبر إلى عمر بن الخطاب، فتأثر جداً، وأمر بعزل العلاء، وطلب منه الالتحاق بسعد بن أبي وقاص، وطلب من عتبة بن غزوان أن ينجد العلاء، فأرسل قوة بإمرة أبي سبرة بن أبي رهم ومعه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعاصم بن عمرو، والأحنف بن قيس، وحذيفة بن محصن، وعرفجة ابن هرثمة، وكان عدد هذه القوة اثنا عشر ألفاً، وسارت هذه القوة حتى وصلت إلى مكان حصار المسلمين، وكاد القتال أن ينشب بين المحاصرين والفرس، فجاءت القوة في الوقت المناسب، وانتصر المسلمون انتصاراً رائعاً، ثم عاد الجميع إلى عتبة بن غزوان في البصرة.

وتجمع الفرس في مدينة نهاوند، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لا يريد أن ينساح المسلمون في بلاد فارس الواسعة خوفاً عليهم من ضياعهم فيها، وخوفاً عليهم من الفرس، واستمر ذلك مدة حتى وصل إليه الأحنف بن قيس في الوفد الذي يسوق الهرمزان معه، فسأل عمر الأحنف بن قيس عن الأحوال، وكان عمر يخشى أن يكون المسلمون يحيفون على أهل الذمة الأمر الذي يجعلهم ينقضون العهد، فقال عمر : لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم، فأجاب : ما نعلم إلا وفاء وحسن ملكة، قال : فكيف هذا ؟ فقال له الأحنف : يا أمير المؤمنين، أخبرك أنك نهيتنا عن الانسياح في البلاد، وأمرتنا بالاقتصار على ما في أيدينا، وإن ملك فارس حي بين أظهرهم، وإنهم لا يزالوا يساجلوننا ما دام ملكهم فيهم ولم يجتمع ملكان يتفقان حتى يخرج أحدهما صاحبه : وقد رأيت أنا لم نأخذ شيئاً بعد شيء إلا بانبعاثهم، وأن ملكهم هو الذي يبعثهم، ولا يزال هذا دأبهم حتى تأذن لنا فلنسح في بلادهم حتى نزيله عن فارس ونخرجه عن مملتكه وعزّ أمته : فهنالك ينقطع رجاء أهل فارس. فقال عمر : صدقتني والله وشرحت لي الأمر عن حقه.

وجاءت الأخبار إلى عمر بن الخطاب أن الفرس قد تجمعوا في نهاوند، وهذا ما جعله يأمر بالانسياح في أرض فارس، وقد رغب أن يسير هو بنفسه على رأس جيش لقتال الفرس، إلا أنه عندما استشار الصحابة رؤوا غير ذلك، فعدل عن رأيه، وكان الذي أقنعه بذلك علي بن أبي طالب، فكتب إلى حذيفة ابن اليمان أن يسير بجند الكوفة، وإلى أبي موسى الأشعري أن يسير بجند البصرة، وإلى النعمان بن مقرن أن يسير بجند فإذا التقوا فكل على جنده أميرا، وعلى الجميع النعمان بن مقرن فإن قتل فقيس بن مكشوح و... حتى سمى عدة أمراء.

وسار المسلمون نحو نهاوند ولا يزيد عددهم على الثلاثين ألفاً إلا قليلاً، وكان قد تجمع فيها من الفرس ما يزيد على المائة والخمسين ألفاً، وكانت المعارك سجالا بين الطرفين مدة يومي الأربعاء والخميس، ثم انتصر المسلمون على أعدائهم الأمر الذي جعل الفرس يدخلون المدينة ويتحصنون فيها، فحاصرهم المسلمون، ولما طال الحصار استشار النعمان رجاله فأشاروا عليه بالتراجع أمامهم حتى إذا ابتعدوا من حصونهم انقضوا عليهم، فوافق النعمان على ذلك، وأمر القعقاع أن يبدأ القتال مع الفرس وأن يتراجع أولهم ففعل فلحقه الفرس. وعندما ابتعدوا من حصونهم بدأ النعمان بالقتال ونشبت معركة حامية قتل فيها من الفرس أكثر من مائة ألف رجل وتجلل وجه الثرى بالجثث، وسقط النعمان عن فرسه واستشهد، ولم يعلم بذلك سوى أخيه نعيم، فأخفى ذلك وأخذ الراية وسلمها لحذيفة بن اليمان فقاد المعركة إلى النهاية، وبانتهائها أعلم نعيم الجند عن مصرع قائدهم النعمان. أما قائد الفرس الفيرزان فقد فر، ولحقه القعقاع وقتله عند ثنية همدان، ودخل المسلمون نهاوند عنوة، ثم فتحوا أصبهان (جي). وفتح أبو موسى الأشعري (قم) وقاشان، وفتح سهيل بن عدي مدينة (كرمان). ولما وصلت أخبار نهاوند إلى عمر بن الخطاب بكى بكاء مريراً على شهدائها، وكلما ذكر له شهيد زاد بكاؤه، ولما وصلوا إلى ذكر أسماء لا يعرفها بكى وقال : وما ضرهم أن لا يعرفهم أمير المؤمنين ؟ لكن الله يعرفهم وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر.

ولعل المرء يستطيع هنا أن يقف وقفة على اختيار عمر للأمراء وقادة الجند، وصحيح أنه كان لا يختار إلا الصحابة، إلا أنه في الوقت نفسه كان يعين الجندي أميراً ثم لا يلبث أن يضع أميراً عليه ويعيده جندياً يقاتل تحت راية من كان بالأمس يقاتل تحت رايته، وذلك حتى لا ترتفع بإنسان نفس وكي يشعر دائماً بالتواضع ويعرف مكانه الحقيقي، وأن قتاله إنما هو لله، وكذلك يشعر كل جندي في الجيش.

ولما فتحت نهاوند أمر عمر بن الخطاب المسلمين بالانسياح في أرض فارس، وأعطيت الأوامر لسبعة أمراء بالتوغل في أعماق فارس بغض النظر عن عدد الجيش المنطلق وبغض النظر عن عتاده وتجهيزاته وبغض النظر عن القوة التي يمكن أن يلاقيها وعددها إذ أن المسلمين لم يكونوا ليقاتلوا بعدد أو بقوة تجهيزات وإنما بقوة الإِيمان الذي يحملونه بين جوانحهم.

1- سار نعيم بن مقرن إلى همدان ففتحها، واستخلف عليها يزيد بن قيس، وتابع سيره إلى الري (موقع طهران اليوم) ففتحها، ثم بعث بأخيه سويد بن مقرن بناء على أوامر الخليفة إلى قومس فأخذها سلماً، وصالح أهلها، وجاء إليه أهل (جرجان) و(طبرستان) وصالحوه. وكان نعيم قد بعث وهو بهمدان (بكير بن عبد الله) إلى أذربيجان ثم أمده بسماك بن خرشة ففتح بعض بلاد أذربيجان على حين كان عتبة بن فرقد يفتح البلدان من الجهة الثانية.

2- سار سراقة بن عمرو نحو باب الأبواب على سواحل بحر الخزر الغربية، وكان على مقدمته عبد الرحمن بن ربيعة فصالح عبد الرحمن ملكها بعد أن أرسله إلى سراقة بن عمرو، ثم بعث سراقة إلى الجبال في تلك المناطق بكير ابن عبد الله، وحبيب بن مسلمة، وحذيفة بن أسيد، وسلمان بن ربيعة، ومات هناك سراقة بن عمرو واستخلف مكانه عبد الرحمن بن ربيعة، وأقر الخليفة ذلك.

3- سار الأحنف بن قيس على رأس جيش حتى دخل خراسان من الطبسين ففتح هراة عنوة، واستخلف عليها (صحار بن فلان العبدي)، وسار نحو (مرو الشاهجان) عن طريق نهر هراة، فامتلكها واستخلف عليها (حارثة بن النعمان)، ومنها سار إلى (مرو الروذ) مع وادي (مورغاب) ليلاحق يزدجرد حيث فر إليها، ووصلت الامدادات من الكوفة إلى الأحنف بن قيس، وسار المدد نحو (بلخ) حيث انتقل يزدجرد إليها، واستطاع أهل الكوفة دخول بلخ، ففر بزدجرد إلى بلاد ما وراء النهر، ولحق الأحنف بأهل الكوفة في بلخ وقد نصرهم الله على عدوهم، وأصبح الأحنف سيد خراسان إذ تتابع أهلها الذين كانوا قد شذوا أو تحصنوا إلى الصلح. وكان الأحنف وهو في طريقه إلى مرو قد بعث (مطرف بن عبد الله) إلى نيسابور، كما أرسل الحارث بن حسان إلى سرخس.

عاد الأحنف إلى مرو الروذ بعد أن استخلف على (طخارستان) (ربعي بن عامر التميمي)، وكتب الأحنف إلى الخليفة عمربن الخطاب بفتح خراسان، فكتب عمر بن الخطاب إلى الأحنف "أما بعد : فلا تجوزن النهر واقتصر على ما دونه، وقد عرفتم بأي شيء دخلتم على خراسان، فداوموا على الذي دخلتم به يدم لكم النصر، وإياكم أن تعبروا فتنفضوا".

4- واتجه عثمان بن أبي العاص على رأس جيشٍ إلى اصطخر، وقد اجتاز مياه الخليج العربي من البحرين ففتح جزيرة (بركاوان) ونزل أرض فارس، ففتح جور واصطخر وشيراز وكان قد انضم إليه أبو موسى الأشعري بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب. وكان الحكم بن أبي العاص عون أخيه في فتوحاته.

5- اتجه سارية بن زُنَيم الكناني سنة 645 م/23هـ,[1] لفتح ولايتين في بلاد الفرس هما (فسا) و(دارابجرد). وبينما كان يقاتل المشركين على أبواب نهاوند تكاثر عليه الأعداء.. وفي نفس اليوم كان الخليفة عمر بن الخطاب يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله (صل الله عليه وسلم) في المدينة، فإذا بعمر رضي الله عنه ينادي بأعلى صوته أثناء خطبته: "يا سارية الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم".

وبعد انتهاء الخطبة تقدم الناس نحو عمر وسألوه عن هذا الكلام فقال: "والله ماألقيت له بالاً، شيءٌ أتى على لساني."[2]

ثم قدم سارية بن زنيم على عمر رضي الله عنه في المدينة فقال: "ياأمير المؤمنين, تكاثر العدو على جنود المسلمين وأصبحنا في خطر عظيم، فسمعت صوتاً ينادي: "يا سارية الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم", عندئذ التجأت بأصحابي إلى سفح جبل واتخذت ذروته درءاً لنا يحمي مؤخرة الجيش، وواجهنا الفرس من جهة واحدة، فما كانت إلا ساعة حتى فتح الله علينا وانتصرنا عليهم".

6- وسار عاصم بن عمرو التميمي على رأس قوة من أهل البصرة إلى إقليم سجستان، ففتح المنطقة، ودخل عاصمتها (زرنج) بعد حصار طويل اضطر أهلها إلى طلب الصلح، وتولى عاصم إدارة المنطقة، وعمل على توطيد الأمن فيها.

7- وسار سهيل بن عدي الخزرجي بجيش إلى كرمان ففتحها.

8- وانطلق الحكم بن عمير التغلبي بقوة إلى (مكران)، وتبعه مدد، والتقى المسلمون بأعدائهم على شاطئ نهر هناك، وعبر الفرس إلى المسلمين، ولكنهم لم يصمدوا طويلاً أمامهم، فدخل المسلمون معسكر الفرس، وقتلوا منهم عدداً كبيراً، وفتحوا المنطقة كاملة.

9- واتجه عتبة بن فرقد إلى جهة شمال غربي فارس ففتحها - كما مر معنا
مَقتَل الخليفَة عُمَر بن الخَطّاب كان عمر بن الخطاب بعيد النظر واسع الفكر، يخشى على المجتمع الإِسلامي من التلوث، ويخاف عليه من عدم التجانس بوجود عناصر غريبة فيه، تضيع معها الرقابة، وتنتشر آراء متباينة بالاختلاط، وتكثر فيه الإِساءة والنيل من مقوماته، يخشى أن يقوم الذي يأتون من خارج المجتمع من المجوس وسبي القتال بأعمال يريدون بها تهديم الكيان الإِسلامي، لهذا فإنه منع من احتلم من هؤلاء دخول مدينة الرسول صل الله عليه وسلم، إلا أن عدداً من الفرس الذين دالت دولتهم قد أظهروا الإِسلام، ودخلوا المدينة، ولا تزال عندهم من رواسب الماضي صلات مختلفة بعقيدتهم المجوسية القديمة، وارتباطات بحكومتهم السابقة، أو أنهم أظهروا الإِسلام وأبطنوا المجوسية.

طلب المغيرة بن شعبة أمير الكوفة من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يسمح لغلامه (فيروز) الذي يدعى (أبا لؤلؤة) بدخول المدينة للعمل فيها خدمة للمسلمين حيث هو رجل ماهر يجيد عدداً من الصناعات التي تفيد المجتمع وتخدم الدولة، فهو حداد ونقاش ونجار، فأذن له عمر. وكان أبو لؤلؤة خبيثاً ماكراً، يضمر حقداً، وينوي شراً، يحن إلى المجوسية ولا يستطيع إظهارها، وتأخذه العصبية ولا يمكنه إبداءها، فكان إذا نظر إلى السبي الصغار يأتي فيسمح رؤوسهم ويبكي، ويقول : أكل عمر كبدي. وكان أبو لؤلؤة يتحين الفرص، ويراقب عمر وانتقاله وأفعاله، ويبدو أنه قد وجد أن قتل الخليفة وقت الصلاة أكثر الأوقات مناسبة له، إذ يستطيع أن يأخذه على غفلة منه، ويغدر به دون مواجهة، وكان عمر إذا مر بين صفوف المصلين قال : استووا، حتى إذا لم ير فيها خللاً تقدم فكبر ودخل في الصلاة.

فلما كانت صلاة فجر الثالث والعشرين من 23 ذو الحجة 23هـ في السنة الثالثة والعشرين من هجرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، وفعل عمر كعادته، فما هو إلا أن كبر حتى طعنه أبو لؤلؤة ست طعنات، وهرب العلج بين الصفوف، وبيده سكين ذات طرفين لا يمر على أحد يميناً أو شمالاً إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ما يزيد على النصف، فلما رأى عبد الرحمن بن عوف ذلك القى عليه برنساً له، وأحس أبو لؤلؤة أنه مأخوذ لا محالة، لذا فقد أقدم على الانتحار بالسكين ذاتها. وجاء عبد الرحمن ليرى ما حل بالخليفة فوجده صريعاً، وعليه ملحفة صفراء قد وضعها على جرحه الذي في خاصرته، ويقول : (وكان أمر الله قدراً مقدوراً). وأخذ عمر بيد عبد الرحمن فقدمه للصلاة، وفقد عمر بعد ذلك وعيه، أما عبد الرحمن فقد صلى بالناس صلاة خفيفة. وقد رأى هذا من كان على مقربة من الإمام، أما الذين كانا في نواحي المسجد فإنهم لم يعرفوا ما الأمر، وإنما افتقدوا صوت عمر، فجعلوا يقولون : سبحان الله... سبحان الله... حتى صلى عبد الرحمن فانقطع صوت التسبيح.

فلما أفاق عمر قال : أصلى الناس ؟ وهكذا لم ينقطع تفكيره بالصلاة على الرغم مما حل به. قال عبد الله بن عباس : نعم. قال عمر : لا إسلام لمن ترك الصلاة. ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى، وإن جرحه لينزف. ثم احتمل إلى بيته، فقال لابن عباس - وكان معه - : اخرج، فسل من قتلني، فخرج فقيل له طعنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، ثم طعن رهطاً معه، ثم قتل نفسه. فرجع وأخبر عمر بذلك، فقال عمر : الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط.

وخشي عمر أن يكون له ذنب إلى الناس لا يعلمه، وقد طعن من أجله، فدعا ابن عباس وقال له : أحب أن تعلم لي أمر الناس، فخرج إليه ثم رجع فقال يا أمير المؤمنين، ما أتيت على ملأ من المسلمين إلا يبكون، فكأنما فقدوا اليوم أبناءهم.

وجيء له بطبيب من الأنصار فسقاه لبناً فخرج اللبن من الجرح، فاعتقد الطبيب أنه منته، فقال : يا أمير المؤمنين اعهد. فبكى القوم لما سمعوا ذلك. فقال عمر : لا تبكوا علينا، من كان باكياً فليخرج، ألم تسمعوا ما قال رسول الله صل الله عليه وسلم : يعذب الميت ببكاء أهله عليه.

وكان عمر يخشى ما هو قادم عليه، فالمؤمن بين الخوف والرجاء، فيخاف عمر أن يكون قد قصر بحق الرعية ومسؤوليته، ويقول لمن كان حاضراً "وما أصبحت أخاف على نفسي إلا بإمارتكم هذه". وكان ابن عباس ما يريد أن يطمئنه ويخفف عنه، فيذكره بمكانه عند رسول الله صل الله عليه وسلم وعند أبي بكر الصديق، وأن رسول الله قد بشره بالجنة، فكان عمر يقول "والله لوددت أني نجوت منها كفافاً لا علي ولا لي"، "والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها لا أجر ولا وزر".

وقال به ابن عباس، لقد كان إسلامك عزّاً، وإمارتك فتحاً، ولقد ملأت الأرض عدلاً. فقال عمر : أتشهد لي بذلك يا ابن عباس ؟ فقال علي بن أبي طالب لابن عباس : قل نعم وأنا معك.

وطلب عمر من ابنه عبد الله أن يفي ما عليه من الديون. ثم أرسله إلى أم المؤمنين عائشة ا يستأذنها في أن يدفن بجانب صاحبيه، وقال له : قل لها : يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فمضي عبد الله فسلم واستأذن، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فسلم عليها وقال : يقرأ عليك عمر السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت : كنت أريده (المكان) لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي.

وكان عمر لا يريد أن يستخلف إلا أن ابنه عبد الله قد أقنعه بذلك. فعن عبد الله بن عمر أنه قال : دخلت على حفصة ونوساتها (ضفائرها) تقطر ماء فقالت : علمت أن أباك غير مستخلف ؟ قلت : ما كان ليفعل، قالت : إنه فاعل.

فحلفت أن أكلمه في ذلك، فغدوت عليه ولم أكلمه فكنت كأنما أحمل بيميني جبلاً حتى رجعت فدخلت عليه، فسألني عن حال الناس وأنا أخبره، ثم قلت له إني سمعت الناس يقولون مقالة، فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف. أرأيت لو أنك بعثت إلى قيم أرضك ألم تحب أن يستخلف مكانه حتى يرجع إلى الأرض ؟ قال : بلى. قلت : أرأيت لو بعثت إلى راعي غنمك، ألم تكن تحب أن تستخلف رجلاً حتى يرجع ؟ فماذا تقول لله عز وجل إذا لقيته ولم تستخلف على عباده ؟ فأصابه كآبة ثم نكس رأسه طويلاً ثم رفع رأسه وقال : إن الله حافظ هذا الدين، وأي ذلك أفعل فقد سن لي، إن لم استخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن استخلف فقد استخلف أبو بكر.فعلمت أنه لا يعدل أحداً برسول الله صل الله عليه وسلم وأنه غير مستخلف.

قال عمر : قد رأيت من أصحابي حرصاً شديداً، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستة الذين مات رسول الله صل الله عليه وسلم وهو عنهم راض، ثم قال : لو أدركني أحد رجلين، فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به. سالم مولى أبي حذيفة وأبو عبيدة بن الجراح فإن سألني ربي عن أبي عبيدة قلت : سمعت نبيك يقول إنه أمين هذه الأمة، وإن سألني عن سالم قلت : سمعت نبيك يقول إن سالماً شديد الحب لله.

قال : المغيرة بن شعبة : أدلك عليه، عبد الله بن عمر. قال : قاتلك الله ‍ والله ما أردت الله بهذا، لا أرب لنا في أموركم وما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي، إن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان شراً فبحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ويسأل عن أمر أمة محمد صل الله عليه وسلم، أما لقد جهدت نفسي، وحرمت أهلي، وإن نجوت كفافاً لا وزر ولا أجر إني لسعيد.

وجعلها شورى في ستة : عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص م. وجعل عبد الله عمر معهم مشيراً وليس منهم، وأجّلهم ثلاثاً، وأمر صهيباً أن يصلي بالناس. وكان طلحة بن عبيد الله غير موجود آنذاك بالمدينة حيث كان مشغولاً، خارجاً ببعض أعماله. فدعا عمر القوم، وقال لهم : إني قد ظهرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقاً إلا أن يكون فيكم، فإن كان شقاق فهو منكم، وقال إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة (لعثمان وعلي وعبد الرحمن) فاتق الله يا علي، إن وليت شيئاً من أمور المسلمين فلا تحملن بني هاشم على رقاب المسلمين، ثم نظر إلى عثمان وقال : اتق الله، إن وليت شيئاً من أمور المسلمين فلا تحملن بني أمية على رقاب المسلمين. وإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس. ثم قال : قوموا فتشاورا فأمّروا أحدكم.

فلما خرجوا قال : لو ولوها الأجلح (علي) لسلك بهم الطريق، فقال ابنه عبد الله : فما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تقدّم علياً ؟ قال : أكره أن أحملها حياً وميتاً.

وذكر عمر سعد بن أبي وقاص فقال : إن وليتم سعداً فسبيل ذاك، وإلا فليستشره الوالي فإني لم أعزله عن عجزٍ ولا خيانة. وقال عمر : أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصل لكم صهيب - مولى بني جدعان - ثلاث ليالٍ، ثم أجمعوا أمركم، فمن تأمرّ منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه.

وأرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري قبل أن يموت بقليل فقال له: كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت أحدهم فقم على الباب بأصحابك، فلا تترك أحداً يدخل عليهم، ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمّروا أحدهم. وقم على رؤوسهم، فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة ورضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس، ولا يحضر اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم، اللهم أنت خليفتي فيهم.

وقد لزم أبو طلحة أصحاب الشورى بعد دفن عمر حتى بويع عثمان بن عفان.

وبقي عمر ثلاثة أيام بعد طعنه ثم توفي يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين 23هـ، وقد غسله وكفنه ابنه عبد الله، وصلى عليه صهيب.ويبدو أن عمر سار في جعل الأمر بين رجال الشورى على غير الطريق كان يتبعهاوهي طريقة الحسم في الأمر، إذ أن الاختيار ربما يجعل الرجل يفكر في أمر لم يكن يخطر في باله من قبل، بل ربما حدثت خلافات لم تكن لتحدث لو استخلف رجل معين فالكل يطيعون، والجميع لا يرغبون في هذا الأمر، هكذا الفطرة البشرية ترغب عند الاختيار، وتطلب حين الترشيح. وربما ظن بعضهم أن هذه خطيئة وقع فيها عمر، ويحاولون تخفيف ذلك الخطأ بأنه كان مصاباً ومن أجل ذلك حدث ما وقع، إلا أن التخطيط للانتخاب، ومحاولته معرفة سبب قتله، والنظرة البعيدة إلى المستقبل مع إصابته لتدل على مدى صحة تفكيره وسلامة عقله وعدم إضاعة أي شيء من النظر لمصلحة المسلمين. ولكن الخوف مما هو قادم عليه، جعله يريد أن يرفع المسؤولية عن نفسه، لقد كان يريد أن يستخلف إلا أنه خاف من تحمل التبعات وهو قادم للقاء الله عز وجل، وقد قال : لو ولوها الأجلح لسلك بهم الطريق، ويعني علياً، ولما قال ابنه عبد الله : فما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تقدم علياً ؟ قال : أكره أن أحملها حياً وميتاً.
[/b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:02 am

الخلافة العباسية


العباسيون هم ثاني السلالات من الخلفاء 750-1258 م كان مقرهم في بغداد منذ 762 ،و سامراء بين 836-883 ثم 892.

أصيبت الدولة الأموية بالضعف والقنوط إثر وفاة عاشر خلفائها هشام بن عبدالملك يوم 10 يناير 743، وتعاقب من بعده أربع خلفاء هم الوليد بن يزيد الذي قتلته الأسرة الأموية لانشغاله عن الدولة وأمور السياسة ويزيد بن الوليد وابراهيم القاسم ومروان بن محمد، وتميزت فتراتهم بانقسام داخلي حاد واستشراء الحروب الداخلية، فضلاً عن الوضع الاقتصادي المتردي،[1] ما ساهم في تقوية الجماعات والأحزاب الدينية والحركات السياسية المعارضة لحكمهم والتي كانت منتشرة بشكل أساسي في العراق وإيران، البعيدة عن حاضرة الخلافة في دمشق.[2] وأبرز تلك الأحزاب التي عارضت بني أمية الحزب القائل بأحقية سلالة علي بن أبي طالب بالخلافة والحزب القائل بأحقية سلالة عباس بن عبد المطلب عم النبي محمد بالخلافة.

كان الحزب الأول قد أطلق عدة ثورات خلال الحكم الأموي، أدت إلى مقتل العديد من مواليه وقادته، فقتل الحسين بن علي عام 680 وقتل زيد بن علي عام 740 بعد أن ثار في الكوفة. أما الحزب العباسي فقد تطور تطورًا تدريجيًا والتزم الهدوء طوال عهود القوة الأموية واستغال ضعف الاقتصاد لتفجير ثورته؛ فضلاً عن ذلك يرى الباحث عبد العزيز الدردوري أن العباسيين قد استغلوا أيضًا التمييز العنصري والطبقي الذي كان يمارسه الأمويون بين العرب وغير العرب في الوظائف والضرائب والجيش، فكونوا بذلك قاعدة شعبية عريضة لدى غير العرب خصوصًا في أوساط فلاحي الريف وعمال المدن الفقراء. وذهب الدردوري وعدد آخر من الباحثين العرب والمستشرقين لاستخلاص قاعدة مفاهدا بأن الدعوة العباسية كانت "ثورة دينية واجتماعية واقتصادية" ويراها البعض أيضًا "ثورة الفرس ضد العرب".[3]

ويمكن إرجاع نضوج الدعوة العباسية إلى محمد بن علي بن عبدالله بن عباس وابنه ابراهيم الذي سجنه آخر الأمويين مروان بن محمد في مدينة حران إلى أن توفي عام 746،[4] فتولى أخاه أبو العباس شؤون الحركة العباسية بناءً على دعوة أبو مسلم الخراساني؛ وقد قام أبو مسلم بإعلان قيام الدولة العباسية في خرسان وحارب نصر بن سيار الوالي الأموي فيها وانتصر عليه، ثم احتلّ مدينة مرو ومنها انتقل أبو العباس إلى الكوفة في أغسطس 742 بشكل سري، وظل مختفيًا حتى 29 أكتوبر 742 حين بايعه أهل الكوفة بالخلافة، لتدخل عملية خلق الدولة العباسية مرحلتها الأخيرة، إذ التقى إثر ذلك الجيش الأموي بقيادة مروان بن محمد وجيش العباسيين بقيادة أبي العباس قرب نهر الزاب شمال العراق بين الموصل وأربيل، وكانت الغلبة للعباسيين، الذي أتموا فتح العراق وانتقلوا منها إلى بلاد الشام فمصر حيث طاردوا فلول الجيش الأموي وقتلوا الخليفة مروان بن محمد في معركة بوصير. وبفتحهم مصر دانت لهم سائر الأمصار التي كانت تابعة للأمويين وتأسست الدولة العباسية، ثالث مراحل تاريخ الخلافة، بعد الراشدية والأموية، وبويع أبو العباس بالخلافة ولقب بالسفّاح لكثرة سفكه الدماء،[5] خصوصًا لدى دخوله دمشق حاضرة الأمويين، إذ نهب بيوت الأسرة الأموية والمقربين منها وأحرق قصورهم ثم نبش قبور خلفائهم، ولم ينج من الأسرة الأموية سوى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الذي انتقل إلى المغرب ثم دخل الأندلس فاستقلّ بها مؤسسًا حكمًا أمويًا فيها. أما أبو العباس السفاح فقد نقل عاصمة الدولة من حران التي كان مروان بن محمد قد نقل إليها عاصمة الدولة الأموية، إلى الكوفة رغم أنه لم يلبث بها إلا قليلاً حتى انتقل للعيش في الأنبار، وإثر وفاته عام 754 ودفنه في الأنبار أخذت البيعة لأخيه أبي جعفر المنصور والذي كان السفاح قد عينه وليًا للعهد.[6]

كانت فترة حكم المنصور توطيدًا لدعائم الدولة الجديدة، فقضى على الثورات المتلاحقة التي هددتها، وقتل أبو مسلم الخراساني مع كونه سبب حصول العباسيين على الخلافة خوفًا من امتداد نفوذه، وقضى على ثورة المدينة المنورة التي بايع أهلها محمد بن عبدالله بن الحسن الملقب بالنفس الزكية بالخلافة، وقضى على ثورات شبيهة في البصرة وواسط والأهواز، ومن الأعمال العمرانية الهامة التي ارتبطت به تشييده مدينة بغداد على نهر دجلة ونقله عاصمة الخلافة إليها، وظل مقيمًا بها إلى أن توفي في 7 أكتوبر 775،[7] أما على الصعيد الديني فقد توفي خلال عهده أبو حنيفة مؤسس المذهب الحنفي لدى السنة، وقد تلى المنصور في خلافة ابنه محمد المهدي والذي اهتم بالخدمات الداخلية فنظم البريد والطرقات واصلح الزراعة ممهدًا لبدء العصر الذهبي للدولة.
العصر الذهبي (785 -847)

توفي محمد المهدي عام 785 وأخذت البيعة لابنه موسى الهادي، غير أن حكمه لم يطل إذ توفي عام 786 مفسحًا المجال أمام أخاه هارون الذي خلع عليه والده لقب "الرشيد" في أعقاب إحدى الغزوات التي انتصر فيها على البيزنطينيين، لاستلام السلطة. اهتم هارون الرشيد بالإصلاحات الداخلية فبنى المساجد الكبيرة والقصور الفخمة وفي عهده استعملت القناديل لأول مرة في إضاءة الطرقات والمساجد، وتطورت العلوم خصوصًا الفيزياء الفلكية والتقنية، وابتكرت عدد من الاختراعات كالساعة المائية. راسل الرشيد شارلمان، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة وينسب المؤرخون صداقة قامت بين الرجلين وتبادل الهدايا حتى قدّم الخليفة مفتاح القدس لشارلمان. كذلك فقد اهتم هارون الرشيد بالفتوح وتوسيع رقعة الدولة خصوصًا في القوقاز وآسيا الوسطى والأناضول،[8] وقد سجّل عهده عام 782 آخر محاولة لفتح القسطنطينية، إلى أن استطاع العثماني محمد الثاني فتحها عام 1453.

خلال بداية خلافته، اعتمد الرشيد على البرامكة وعهد إلى يحيى البرمكي بالوزراة، مانحًا إياها صلاحيات مطلقة، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى عام 805 حين تخوّف الرشيد من امتداد نفوذهم وزيادة أموالهم وميل الناس إليهم، فصادر أموالهم وقتل قادتهم وسجن القسم الأكبر منهم.[9] ويختلف المؤرخون في تصنيف علاقات هارون الرشيد النسائية، فبينما يجزم البعض أنه كان "زير نساء"، يرفض البعض الآخر هذه الفكرة.

توفي هارون الرشيد عام 809 في خراسان وأخذت البيعة لابنه الأمين وفقًا لوصية والده التي نصت أيضًا ان يخلف المأمون أخاه الأمين، إلا أن الخليفة الجديد سريعًا ما خلع أخاه من ولاية العهد وعين ابنه موسى الناطق بالحق وليًا للعهد، وكان المأمون آنذاك في خراسان، فلما أخذ العلم بأن أخاه قد خلعه عن ولاية العهد أخذ البيعة من أهالي خراسان وتوجه بجيش لمحاربة أخيه، وقد استمرت الحروب بينهما أربع سنوات، إلى أن استطاع المأمون محاصرة بغداد والتغلب على الأمين وقتله عام 813، ظافرًا بالخلافة.[10]


تفرّد عهد المأمون بتشجيع مطلق للعلوم من فلسفة وطب ورياضيات وفلك واهتمام خاص بعلوم اليونان، وقد أسس الخليفة عام 830 جامعة بيت الحكمة في بغداد والتي كانت من كبريات جامعات عصرها، واخترع في عهده الاسطرلاب وعدد من الآلات التقنية الأخرى، وحاول العلماء قياس محيط الأرض ما يدلّ على الاعتراف بكرويتها من ناحية وتطور العلوم من ناحية ثانية؛ وقد تكون عمليات الترجمة التي رعاها هو وحاشيته وولاته، أبرز سمات عهده، إذ نقلت خلالها العلوم والآداب السريانية والفارسية واليونانية إلى العربية،[11] اكتسبت من خلاله اللغة العربية مكانة مرموقة إذ تحولت من لغة شعر وأدب فحسب إلى لغة علم وفلسفة. وكذلك فقد ساهمت عمليات الترجمة في إرساء منسوب ثقافي عالٍ في الدولة، وقد أثر الانفتاح الثقافي على المعتقدات الدينية، فقال المأمون بخلق القرآن وأجبر الناس على الحذو في هذه الصيغة،[12] كما أعلن المعتزلة عقيدة الدولة الرسمية، ثم عهد بولاية العهد قسطًا من الزمن لعلي الرضا الشيعي وأخذ الشعار الأخضر بدلاً من الشعار الأسود، ثم عاد إلى شعار بني العباس الأسود وعيّن أخاه وليًا للعهد. وزار المأمون مصر ودمشق والجزيرة السورية وتوفي ودفن بطرسوس شمال بلاد الشام في 10 أغسطس 833، وأخذت البيعة لأخاه محمد المعتصم بالله الذي بنى مدينة سامراء وفتح عمورية قرب أنقرة مسقط رأس العائلة الإمبراطورية البيزنطية، واستمرت عمليات الترجمة والنهضة العلمية في عهده كما افتتحها سلفه المأمون، ولعلّ قضاءه على ثورة بابك الخرمي التي أسست دولة شاسعة في أذربيجان وجوارها منذ عهد المأمون أبرز أعماله؛ إذ إن بابك الخرمي قد مزج بين الإسلام والمجوسية وأسس دينًا هجينًا وعمد إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية ما ساهم في بقاءه عصيًا على الدولة العباسية عشرين عامًا،[13] إلى أن استطاع القائد التركي أفشين القضاء عليه، ومن الثورات الأخرى ثورة الزط جنوب العراق وإجلاء المعتصم إياهم إلى الأناضول.[14]

كانت والدة المعتصم تركية، لذلك فقد أحاط نفسه بالحرس التركي كما فعل أخاه المأمون مع الفرس، وكان قوام الحرس التركي بداية عهد المعتصم أربعة آلاف رجل، غير أنه استقدم المزيد من قبائلهم عامًا فعامًا ما آثار قلاقل واضطرابات في بغداد اضطر معها الخليفة لنقل عاصمته إلى سامراء، وإثر وفاته عام 842 بويع ابنه الواثق بالله واستمر في سياسة والده القائمة على استيراد القبائل التركية ومنحهم الوظاف العالية في الدولة وجعلهم قوام الجيش فعليًا، وكان الواثق قد خلع على القائد التركي أشناس لقب "السلطان" ما مهد لضعف الدولة وزوال سيطرة الخلفاء عليها، وإثر وفاته عام 847 بويع أخاه أبو الفضل جعفر المتوكل على الله بالخلافة، والذي يحدد أغلب المؤرخين تاريخ خلافته بدءًا لانحطاط الدولة العباسية.



الدولة العباسية
خلفاء بني العباس في بغداد

السفاح، 750 - 754
المنصور، 754-775
المهدي، 775-785
الهادي، 785-786
الرشيد، 786-809
الأمين، 809-813
المأمون، 813-833
المعتصم بالله، 833-842
الواثق بالله، 842-847
المتوكل على الله، 847-861
المنتصر بالله، 861-862
المستعين بالله، 862-866
المعتز بالله، 866-869
المهتدي بالله، 869-870
المعتمد على الله، 870-892
المعتضد بالله، 892-902
المكتفي بالله، 902-908
المقتدر بالله، 908-***
القاهر بالله،***-***
الراضي بالله، 934-940
المتقي لله، 940-944
المستكفي بالله، 944-946
المطيع لله، 946-974
الطائع بالله، 974-991
القادر بالله، 991-1031
القائم بأمر الله، 1031-1075
المقتدي بأمر الله، 1075-1094
المستظهر بالله، 1094-1118
المسترشد بالله، 1118-1135
الراشد بالله، 1135-1136
المقتفي لأمر الله، 1136-1160
المستنجد بالله، 1160-1170
المستضئ بأمر الله، 1170-1180
الناصر لدين الله، 1180-1225
الظاهر بأمر الله، 1125-1126
المستنصر بالله، 1226-1242
المستعصم بالله، 1242-1258
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:03 am

هارون الرشيد

هارون الرشيد هو الخليفة العباسي الخامس، ومن أشهر واعظم الخلفاء العباسيين والعرب. عاش في العراق وحكم بين 786 و809 م. وهو هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. ولد (حوالي 763م - 24 مارس 809م). والدته الخيزران بنت عطاء‎. وهو أكثر الخلفاء العباسيين جدلاً خلال فترة حكمة، حيث قيل أنه من أكثر خلفاء الدولة العباسية جهادا وغزوا واهتماما بالعلم والعلماء، وعرف عنه أنه الخليفة الذي يحج عاما ويغزو عاما وكان يلقب بأمير المؤمنين.

تُوفي في 3 جمادى الآخر 193هـ، الموافق 4 إبريل 809 م، بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، وتعتبر هذه الفترة العصر الذهبي للدولة العباسية والعالم العربي. وقد دفن في مكان ما وقبره مجهول حتي اليوم.

توليه الخلافة
بويع الرشيد بالخلافة في (14 ربيع الأول 170هـ/14 سبتمبر 786م)، بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف متباعدة تمتد من وسط آسيا حتى المحيط الأطلنطي، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحاسمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلاً لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال صعبة، ومتابعة الأمور شاقة.
أعماله
بتولي الرشيد الحكم بدأ عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، إرتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة الإسلامية. ولقد أمسك هارون الرشيد بزمام هذه الدولة وهو في نحو الخامسة والعشرين من عمرهِ، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وأزدهار حضارتها.

* كما استعمل الرشيد الرقة عاصمة لهُ بين عامي 796 و808.
* وأنشأ بمايعرف ببيت الحكمة في بغداد وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض. وكانت تضم غرفًا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين. وغدت بغداد قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأى والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع. وكان الرشيد نفسه يميل إلى أهل الأدب والفقه والعلم، حتى ذاع صيت الرشيد وطبق الآفاق ذكره، وأرسلت بلاد الهند والصين وأوروبا رسلها إلى بلاطهِ تخطب وده، وتطلب صداقته.

الرشيد والبرامكة
أحاط الرشيد نفسه بكبار القادة والرجال من ذوي القدرة والكفاءة وخاصةً من البرامكة أمثال يحيى بن خالد البرمكي حتى حدث نزاع بين الخليفة الرشيد والبرامكة ونتج عن ذلك أن الرشيد حبس البرامكة وعلى رأسهم كبيرهم وأميرهم يحي بن خالد البرمكي.
الرشيد محارباً
كانت شهرة هارون الرشيد قبل الخلافة تعود إلى حروبه العظيمه ضد الروم، فلما ولي الخلافة استمرت الحروب بينهما، وأصبحت تقوم كل عام تقريباً. وأضطرت دولة الروم أمام ضربات الرشيد المتلاحقة إلى طلب الهدنة والمصالحة، فعقدت إيريني ملكة الروم صلحاً مع الرشيد، مقابل دفع الجزية السنوية له في سنة 181هـ، وظلت المعاهدة سارية حتى نقضها إمبراطور الروم، الذي خلف إيريني في سنة 186هـ 
إسلام أون لاين: 
هارون الرشيد.. والعصر الذهبي للدولة العباسية ،
وكتب إلى هارون: "من نقفور ملك الروم إلى ملك العرب،
أما بعد فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ (أي بمعنى القلعة القوية)، وأقامت نفسها مقام البَيْدق (أي بمعنى الجندي الضعيف)، فحملت إليك من أموالها، ما كنت حقيقًا بحمل أضعافه إليها، ولكن ذاك ضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وأفتدِ نفسك، وإلا فالحرب بيننا وبينك".

فلما قرأ هارون هذه الرسالة ثارت ثائرته، وغضب غضبًا شديدًا، وكتب على ظهر رسالة الإمبراطور: "من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".

وخرج هارون بنفسه في 183 هـ، حتى وصل هرقلة واضطر نقفور إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الرشيد كما كانت تفعل إيريني من قبل، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد الرشيد إلى قتاله في عام 188هـ وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه تسعين ألفا. وعلاغبيي
الرشيد وشارلمان

كان شارلمان حاكم مملكة الفرنجه، أمبراطور قوي ويملك أغلب اجزاء اوروبا الغربيه، وقد أراد أن يقلل من خطر هجوم بيزنطية عليه فوضع خطة لعقد اتفاق ودي مع هارون الرشيد، وقد أيد هارون ما نشأ بينهما من حسن التفاهم بأن أرسل إليه عدداً من الفيلة ومفاتيح الأماكن المقدسة في بيت المقدس وساعة مائية. وردّ الامبراطور الشرقي على ذلك بأن شجع أمير قرطبة على عدم الولاء لبغداد، وانتهى الأمر في عام 812 حين اعترف إمبراطور الروم بشارلمان إمبراطوراً نظير اعترافه بأن البندقية وإيطاليا الجنوبية من أملاك بيزنطية ومن المواقف الطريفة التي حدثت بين الرشيد وشارلمان في القرن التاسع الميلادي (حوالي سنة 807 م) أرسل الخليفة العباسي هارون الرشيد، هدية عجيبة إلى شارلمان ملك الفرنجة "وكانت الهدية عبارة عن ساعة ضخمة بارتفاع حائط الغرفة تتحرك بواسطة قوة مائية وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد معين من الكرات المعدنيه بعضها في أثر بعض بعدد الساعات فوق قاعدة نحاسية ضخمة، فيسمع لها رنين موسيقى يسمع دويه في أنحاء القصر..وفي نفس الوقت يفتح باب من الأبواب الاثني عشر المؤدية إلى داخل الساعة ويخرج منها فارس يدور حول الساعة ئم يعود إلى حيث خرج، فإذا حانت الساعة الثانية عشرة يخرج من الأبواب اثنا عشر فارسا مرة واحدة، ويدورون دورة كاملة ثم يعودون فيدخلون من الأبواب فتغلق خلفهم، كان هذا هو الوصف الذي جاء في المراجع الأجنبية والعربية عن تلك الساعة التي كانت تعد وقتئذ أعجوبة الفن، وأثارت دهشة الملك وحاشيته.. ولكن رهبان القصر اعتقدوا أن في داخل الساعة شيطان يحركها.. فتربصوا به ليلا، واحضروا البلط وانهالوا عليها تحطيما إلا أنهم لم يجدوا بداخلها شيئا"، وتواصل مراجع التاريخ الرواية.. فتقول: إن العرب قد وصلوا في تطوير هذا النوع من الآلات لقياس الزمن بحيث أنه في عهد الخليفة إلمامون أهدى إلى ملك فرنسا ساعة أكثر تطورا تدار بالقوة الميكانيكية بواسطة أثقال حديدية معلقة في سلاسل وذلك بدلا من القوة إلمائية. وهذا خير دليل على تقدم العرب على العالم وتأخر أوروبا علمياً وثقافياً في هذا الوقت.
وكتب إلى هارون: "من نقفور ملك الروم إلى ملك العرب، أما بعد فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ (أي بمعنى القلعة القوية)، وأقامت نفسها مقام البَيْدق (أي بمعنى الجندي الضعيف)، فحملت إليك من أموالها، ما كنت حقيقًا بحمل أضعافه إليها، ولكن ذاك ضعف النساء وحمقهن وخولنتهن وكسكستهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وأفتدِ نفسك، وإلا فالحرب بيننا وبينك".

فلما قرأ هارون هذه الرسالة ثارت ثائرته، وغضب غضبًا شديدًا، وكتب على ظهر رسالة الإمبراطور: "من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".

وخرج هارون بنفسه في 183 هـ، حتى وصل هرقلة واضطر نقفور إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الرشيد كما كانت تفعل إيريني من قبل، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد الرشيد إلى قتاله في عام 188هـ وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه تسعين ألفا.
الرشيد وشارلمان

كان شارلمان حاكم مملكة الفرنجه، أمبراطور قوي ويملك أغلب اجزاء اوروبا الغربيه، وقد أراد أن يقلل من خطر هجوم بيزنطية عليه فوضع خطة لعقد اتفاق ودي مع هارون الرشيد، وقد أيد هارون ما نشأ بينهما من حسن التفاهم بأن أرسل إليه عدداً من الفيلة ومفاتيح الأماكن المقدسة في بيت المقدس وساعة مائية. وردّ الامبراطور الشرقي على ذلك بأن شجع أمير قرطبة على عدم الولاء لبغداد، وانتهى الأمر في عام 812 حين اعترف إمبراطور الروم بشارلمان إمبراطوراً نظير اعترافه بأن البندقية وإيطاليا الجنوبية من أملاك بيزنطية[1]، ومن المواقف الطريفة التي حدثت بين الرشيد وشارلمان في القرن التاسع الميلادي (حوالي سنة 807 م) أرسل الخليفة العباسي هارون الرشيد، هدية عجيبة إلى شارلمان ملك الفرنجة "وكانت الهدية عبارة عن ساعة ضخمة بارتفاع حائط الغرفة تتحرك بواسطة قوة مائية وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد معين من الكرات المعدنيه بعضها في أثر بعض بعدد الساعات فوق قاعدة نحاسية ضخمة، فيسمع لها رنين موسيقى يسمع دويه في أنحاء القصر..وفي نفس الوقت يفتح باب من الأبواب الاثني عشر المؤدية إلى داخل الساعة ويخرج منها فارس يدور حول الساعة ئم يعود إلى حيث خرج، فإذا حانت الساعة الثانية عشرة يخرج من الأبواب اثنا عشر فارسا مرة واحدة، ويدورون دورة كاملة ثم يعودون فيدخلون من الأبواب فتغلق خلفهم، كان هذا هو الوصف الذي جاء في المراجع الأجنبية والعربية عن تلك الساعة التي كانت تعد وقتئذ أعجوبة الفن، وأثارت دهشة الملك وحاشيته.. ولكن رهبان القصر اعتقدوا أن في داخل الساعة شيطان يحركها.. فتربصوا به ليلا، واحضروا البلط وانهالوا عليها تحطيما إلا أنهم لم يجدوا بداخلها شيئا"، وتواصل مراجع التاريخ الرواية.. فتقول: إن العرب قد وصلوا في تطوير هذا النوع من الآلات لقياس الزمن بحيث أنه في عهد الخليفة إلمامون أهدى إلى ملك فرنسا ساعة أكثر تطورا تدار بالقوة الميكانيكية بواسطة أثقال حديدية معلقة في سلاسل وذلك بدلا من القوة إلمائية. وهذا خير دليل على تقدم المسلمين على العالم وتأخر أوروبا علمياً وثقافياً في هذا الوقت.[2]

وفي معرض تقديم المستشرقة الألمانية زغريد هونكة في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب لشارلمان ذكرت أنه حالف هارون الرشيد على خلفاء الأندلس الأمويين.
الرشيد كما يراه علماء الإسلام والمؤرخون

قال السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء وكان من أمير الخلفاء وأجل ملوك الدنيا وكان كثير الغزو والحج كما قال فيه أبو المعالي الكلابي:

فمن يطلب لقاءك أو يـرده فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمر وفي أرض الترفه فوق كور

وقال أيضا: وكان أبيض طويلاً جميلا مليحاً فصيحاً له نظر في العلم والأدب. وكان يحب العلم وأهله ويعظم حرمات الإسلام ويبغض المراء في الدين والكلام في معارضة النص.

وقال الذهبي في ترجمته للرشيد ضمن كتابه سير أعلام النبلاء: وكان من أنبل الخلفاء وأحشم الملوك ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي وأمه أم ولد اسمها خيزران. وكان أبيض طويلاً جميلاً وسيما إلى السمن ذا فصاحة وعلم وبصر بأعباء الخلافة وله نظر جيد في الأدب والفقه قد وخطه الشيب أغزاه أبوه بلاد الروم وهو حدث في خلافته. كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات ويتصدق بألف وكان يحب العلماء ويعظم حرمات الدين ويبغض الجدال والكلام ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه لا سيما إذا وعظ وكان يحب المديح ويجيز الشعراء ويقول الشعر.

قال أبو معاوية الضرير: ما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي الرشيد إلا قال: صل الله على سيدي ورويت له حديثه وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيى ثم أقتل فبكى حتى انتحب.

حج غير مرة وله فتوحات ومواقف مشهودة ومنها فتح مدينة هرقلة ومات غازياً بخراسان




أبناؤه

ولد لهارون الرشيد عدد من الأبناء منهم:

* محمد الأمين
* عبد الله المأمون
* القاسم بن الرشيد
* أحمد بن هارون

الرشيد وعصر التطور العلمي

تطورت الأمة الإسلامية في عهد الرشيد أيما تطور وبرع المسلمون في عهده في كافة الفنون وفي ميادين الطب والهندسة, ومن العجائب مارواه السيوطي والذهبي من أن هارون الرشيد كان يفكر في عمل قناة السويس الموجودة حاليا قبل أكثر من ألف عام وانتهى عن ذلك تحسبا لغزوات الروم ودخولهم الحجاز قال الذهبي: وقال المسعودي في مروجه: رام الرشيد أن يوصل ما بين بحر الروم وبحر القلزم مما يلي الفر ما فقال له يحيى البرمكي: كان يختطف الروم الناس من الحرم وتدخل مراكبهم إلى الحجاز ((وهي قناة السويس حاليا))
وفاة الرشيد

وظل عهده مزاوجة بين جهاد وحج، حتى إذا جاء عام 192 هـ، فخرج إلى خراسان لإخماد بعض الفتن والثورات التي أشتعلت ضد الدولة، فلما بلغ مدينة طوس إشتدت به العلة، وتُوفي في 3 جمادى الآخر 193هـ، الموافق 4 إبريل 809م، بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، وتعتبر هذه الفترة العصر الذهبي للدولة العباسية. وقد دفن في منطقة من نواحي بلاد فارس وقبره مجهول لليوم.
من أقواله الشهيرة

نظر إلى السحابة ذات يومٍ وقالالتاريخ إلاسلامي Frownفي أي مكان شئتِ أمطرى فسيحمل إليّ خراجك إن شاء الله)، أي بمعنى زكاتك راجعة لبيت المال عندي. وهذا دلالة على سعة الدولة العباسية وبلوغها أوج عظمتها في عصره. بقى في خلافته أكثر من ثلاث وعشرين سنة في الدولة العباسية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:04 am

أبو العباس عبد الله المأمون

عبد الله المأمون بن هارون الرشيد. ولد عام 170 هـ[1] في الليلة التي مات فيها الهادي واستخلف أبوه وتوفي عام 218 هـ. فترة الخلافة بالهجري: 198 -218. فترة الخلافة بالميلادي: 813 -833.

أمه (من الفرس البرامكة) اسمها مراجل ماتت في نفاسها به.[1]

صفته

عصره عصر العلم في الإسلام ، ولهذا يقال: لو لم يكن المامون خليفة لصار أحد علماء عصره. ولكن إن خسر العلم تفرغ المامون فقد كسب العلم مئات العلماء الذين تولاهم المأمون برعايته، وقليلا ما يتولى الحكم عالم فينصف العلم والعلماء. كان من أفضل حكام بني العباس ، وأكثرهم رجاحة بالعقل. كان محبا للعلم جدا، فتبحر في علوم الفلسفة، وعلوم القرآن، ودرس الكثير من المذاهب، فكان من أكثر أهل ذلك الزمان قراءة. عم في زمانه السلام بين العرب والروم مما ساعد على انتشار العلم واستقرار الدولة وزيادة دخلها. أنشأ الكثير من المكتبات والمستشفيات وشجع على نشر العلم.
خلافته

* أصبح الأمر في المشرق والمغرب تحت سلطان المأمون (بعد أن أرسل جيشا عظيما من خرسان - وقصفوا بغداد بالمنجنيق ودمروها - وجلبوا له رأس أخاه الخليفة الأمين) وهو سابع خلفاء بنى العباس، لقد كان المأمون في ذلك الوقت واليًا من قبل والده على "خراسان" وكان يقيم في عاصمتها "مرو"، وكان من الطبيعى أن يفضِّلها بعد أن انفرد بالخلافة.

إنها تضم أنصاره ومؤيديه، فهو هناك في أمان واطمئنان، وكان الفرس يودون أن يبقى "بمرو" لتكون عاصمة الخلافة، ولكنها بعيدة عن مركز الدولة، وهي أكثر اتجاهًا نحو الشرق، مما جعل سيطرتها على العرب ضعيفة، بل إن أهل بغداد أنفسهم دخلوا في عدة ثورات ضد المأمون؛ حتى إنهم خلعوه أخيرًا، وبايعوا بدلا منه عمه إبراهيم بن المهدى.واضطر المأمون أخيرًا أن يذهب إلى بغداد وأن يترك "مرو" للقضاء على هذه التحركات في مهدها.
ولاية العهد

كان معظم أعوان المأمون من الفرس، ومعظمهم من الشيعة، ولهذا اضطر المأمون لممالأه الشيعة وكسبهم إلى جانبه، فأرسل إلى زعماء العلويين أن يوافوه في عاصمته (وكانت مرو في ذلك الوقت)، فلما جاءوه أحسن استقبالهم، وأكرم وفادتهم، وما لبث بعد قليل أن عهد بولاية العهد إلى "على بن موسى الرضا" الحفيد السادس لرسول الله محمد (ص) (وهي طبعًا خطوة جريئة؛ لأن فيها نقلا للخلافة من البيت العباسى إلى البيت العلوى. ولم يكتفِ بهذا، بل غير الشعار من السواد وهو شعار العباسيين إلى الخضرة وهي شعار العلويين. ورغم اعتراض أقاربه من العباسيين، فإن المأمون كان مصرًّا على هذا الأمر، إذ كان يقول بأن اهل البيت هم احق بالخلافة وذلك ليكسب تعاطف الناس ويخمد الثورات التي ظهرت في كل مكان.

جاءت عمة أبيه زينب بنت سليمان بن على، وكانت موضع تعظيم العباسيين وإجلالهم، وهي من جيل المنصور، وسألته: ما الذي دعاك إلى نقل الخلافة من بيتك إلى بيت على؟ فقال: يا عمة، إنى رأيت عليّا حين ولى الخلافة أحسن إلى بنى العباس، وما رأيت أحدًا من أهل بيتى حين أفضى الأمر إليهم (وصل إليهم) كافأه على فعله، فأحببت أن أكافئه على إحسانه. فقالت: يا أمير المؤمنين إنك على بِرِّ بنى علىّ والأمر فيك، أقدر منك على برهم، والأمر فيهم. ولكن لم يلبث " على بن موسى الرضا" أن توفي مسموما بالسجن ,وكان ذلك في سنة 203 هـ/ 819م، وعلى كل حال لقد استطاع المأمون ببيعة "على الرضا" أن يقوى من سلطانه؛ لأنه بهذه البيعة ظن بأنه قد أمن جانب العلويين. ولكن قامت ضد الخليفة المأمون ثورات عديدة اختلفت في مدى عنفها وشدتها، واستطاع القضاء عليها جميعًا.


ثورة مصر

كان أخطر هذه الثورات جميعًا ثورة مصر، ذلك أن جند مصر كانوا قد اشتركوا في خلافات الأمين والمأمون كل فريق في جانب، وبعد أن انتهى الخلاف بفوز المأمون، ظل الخلاف قائمًا بين جند مصر، وأصبح موضع الخلاف التنافس على خيرات مصر، فكان الجند يجمعون الخراج لا ليرسل للخليفة، بل ليحتفظوا به لأنفسهم.

قد قامت جيوش المأمون كثيرًا بمحاربتهم مع أهل مصر الذين شاركوا في هذه الثورات، ولكن هذه الثورات ما لبثت أن أشعلت من جديد حتى أرسل إليهم جيشًا ضخمًا، فاستطاع القضاء على الثورة نهائيًا، كما تمكن قائده "طاهر بن الحسين" من القضاء على ثورات العرب أنصار الأمين، وهكذا سيطر على الدولة سكون وهدوء.'''
غزوه للروم

كان المأمون يكتب إلى عمّاله على خراسان في غزو من لم يكن على الطاعة والإسلام من أهل ما وراء النهر، ولم يغفل المأمون عن قتال الروم، بل غزاهم أكثر من مرة، وخرج بنفسه على رأس الجيوش الإسلامية لغزو الروم سنة 215 هـ / 830م، فافتتح حصن "قرة" وفتح حصونًا أخرى من بلادهم، ثم رحل عنها، وعاود غزو الروم في السنة الثالثة سنة 216هـ، ففتح "هرقلة" ثم وجّه قواده فافتتحوا مدنًا كبيرة وحصونًا، وأدخلوا الرعب في قلوب الرومان، ثم عاد إلى دمشق، ولما غدر الروم ببعض البلاد الإسلامية غزاهم المأمون للمرة الثالثة وللعام الثالث على التوالى سنة 217هـ، فاضطر الروم تحت وطأة الهزيمة إلى طلب الصلح.
أخلاق المأمون

كان يقول: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف ألا أؤجر عليه، ولو عرف الناس مقدار محبتى للعفو؛ لتقربوا إلى بالذنوب! وقال: إذا أصلح الملك مجلسه، واختار من يجالسه؛ صلح ملكه كله.

رفع إليه أهل الكوفة مظلمة يشكون فيها عاملا؛ فوقَّع: عينى تراكم، وقلبى يرعاكم، وأنا مولّ عليكم ثقتى ورضاكم. وشغب الجند فرفع ذلك إليه، فوقَّع: لا يعطون على الشغب، ولا يحوجون إلى الطلب. ووقف أحمد بن عروة بين يديه، وقد صرفه على الأهواز، فقال له المأمون: أخربتَ البلاد، وأهلكت العباد فقال: يا أمير المؤمنين، ما تحب أن يفعل الله بك إذا وقفتَ بين يديه، وقد قرعك بذنوبك؟ فقال: العفو والصفح. قال: فافعل بغيرك ما تختار أن يفعل بك. قال: قد فعلت.. ارجع إلى عملك فوالٍ مستعطِف خير من وال مستأنف. وكتب إلى على بن هشام أحد عماله، وقد شكاه غريم له: ليس من المروءة أن تكون آنيتك من ذهب وفضة ويكون غريمك عاريًا، وجارك طاويًا.

هكذا كان المأمون.. حتى لقد وصفه الواصفون بأنه من أفضل رجال بنى العباس حزمًا وعزمًا وحلمًا وعلمًا ورأيًا ودهاءً، وقد سمع الحديث عن عدد كبير من المحدّثين، وبرع في الفقه واللغة العربية والتاريخ، وكان حافظًا للقرآن الكريم.
النهضة العلمية في عهده

جاء في كتاب قصة الحضارة: أنه أرسل إلى القسطنطينية وغيرها من المدن الرومانية يطلب أن يمدوه بالكتب اليونانية، خاصة كتب الطب والعلوم الرياضية، وعندما وصلت هذه الكتب إلى أيدى المسلمين قاموا بترجمتها وفحصها ودراستها، في "بيت الحكمة" في بغداد وهو مجمع علمى، ومكتبة عامة، ومرصد فلكى، وأقام فيه طائفة من المترجمين، وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال، فاستفاد المسلمون من هذه الكتب العلمية، ثم ألفوا وابتكروا في كافة العلوم، التي أسهمت في نهضة أوروبا يوم أن احتكت بالعرب في الحروب الصليبية وغيرها. وكان للمدارس التي فتحها المأمون في جميع النواحى والأقاليم أثرها في نهضة علمية مباركة.

أدى الاطلاع على بعض فلسفات الأمم الأخرى إلى نشأ الفكر الاعتزالي الذي يُعْلى من قيمة العقل، ويجعله حكمًا على النص دون حدود أو قيود. لقد سمح المأمون لأولئك الذين اعتمدوا على العقل والمنطق في كل شيء بالتعبير عن آرائهم، ومعتقداتهم، ونشر مبادئهم من غير أن يتقيدوا بقيد أو يقفوا عند حد. كما أنه قال بخلق القرآن, وقد أدى ذلك إلى خلاف كبير بين علماء الدين، وخلال تلك الفترة سجن الإمام أحمد بن حنبل -- لوقوفه في وجه فكرة خلق القرآن، وقد أيد بعض العلماء المأمون في رأيه خوفا منه.
بعثة المأمون في قياس محيط الأرض

كانت فكرة كروية الأرض قد راودت العالم اليوناني إراتوستينس قبل الميلاد في بادئ الأمر وقام بالفعل بتجربة مدهشة لإيجاد قطرها ونجح في إثبات كرويتها ليكون أول من أثبت علمياً كروية الأرض وقاس محيطها. كان المأمون من المولعين بقراءة العلوم وكتب الإغريق وفي عهده أنفق أموالاً كثيرة في سبيل التحقق من صحة معلومات إراتوستينس طالباً من علماء العرب آنذاك إثبات صحة كروية الأرض وقياس محيطها بطريقة أفضل. بدعم من المأمون، تم إرسال بعثة بقيادة بني موسى، وعلماء دار الحكمة البغدادية وفعلاً استطاعوا الاستعانة بنجم القطب الشمالي مرجعاً لحساباتهم فحددوا درجة خط الهاجرة (أي محيط الأرض) بكثير من الدقة، وقد اختاروا لهذا الغرض قطعة مستوية في صحراء سنجار، فسجلوا ارتفاع القطب الشمالي عند النقطة التي اختاروها، ثم ضربوا وتداً، وربطوا فيه حبلاً طويلاً وساروا شمالا حتى وصلوا إلى مكان زاد فيه ارتفاع القطب عن الارتفاع الأول درجة كاملة، فضربوا وتداً جديداً، ثم قاسوا المسافة بين الوتدين، فوجدوا ان الدرجة الواحدة يقابلها مسافة 66 ميلا وثُلُثَان، وكرروا هذه العملية جنوبا فوجدوا نفس الشيء. وبهذه الطريقة الفذة حددوا محيط الأرض بأقل قليلاً مما قدره لها اراتوستين بالإسكندرية عام 230 ق.م، أي بحوالي 24 ألف ميلا، وحددوا ميل دائرة البروج بحوالي 23 درجة و35 ثانية، وقدروا مبادرة الاعتدالين باربعة وخمسين ثانية، وهذه أكثر قليلا من الحقيقة إلّا أنها أدق بكثير من القيمة السابقة التي طلب منهم الخليفة التحقق منها والتي قام بها العالم اليوناني إراتوستينس.
من اقواله

أنه قال :الناس ثلاثة[1]:

* فمنهم مثل الغذاء لابد منه على كل حال.
* ومنهم كالدواء يحتاج إليه في حال المرض
* ومنهم كالداء مكروه على كل حال.
* قال : القرآن مخلوق، وبذلك خالف قول الله تعالى : { تَنْزٍيلٌ مِنْ رَب الْعَالَمِين } بذلك صنفه العلماء من المعتزلة
* إن أول الحكم أن يعدل الحكم في وزراءه حني يصل لآخر طبقة في البلاد

وفاته

أولا كان المأمون في بغداد وفي الحج اتجه إلى مكة المكرمة وفي محرم عاد إلى بغداد وهو مريض ثم ذهب إلى مدينة طرسوس ليقيم الحرب عليها وأثناء الحرب اشتد المرض عليه ثم في صفر وبينما المأمون نائما أتته نوبة قلبية وتوفي في 6 صفر 218 هـ.
من مات في أيامه من الأعلام

الامام علي بن موسى الرضا الحفيد السادس لرسول الله محمد (ص)،الإمام الشافعي والنضر بن شميل والسيدة نفيسة وأبو العتاهية والأصمعي وغيرهم كثيرون.


المرجع
المرجع الرئيسي: تاريخ الخلفاء للسيوطيأبو العباس عبد الله المأمون


عبد الله المأمون بن هارون الرشيد. ولد عام 170 هـ[1] في الليلة التي مات فيها الهادي واستخلف أبوه وتوفي عام 218 هـ. فترة الخلافة بالهجري: 198 -218. فترة الخلافة بالميلادي: 813 -833.

أمه (من الفرس البرامكة) اسمها مراجل ماتت في نفاسها به.[1]

صفته

عصره عصر العلم في الإسلام ، ولهذا يقال: لو لم يكن المامون خليفة لصار أحد علماء عصره. ولكن إن خسر العلم تفرغ المامون فقد كسب العلم مئات العلماء الذين تولاهم المأمون برعايته، وقليلا ما يتولى الحكم عالم فينصف العلم والعلماء. كان من أفضل حكام بني العباس ، وأكثرهم رجاحة بالعقل. كان محبا للعلم جدا، فتبحر في علوم الفلسفة، وعلوم القرآن، ودرس الكثير من المذاهب، فكان من أكثر أهل ذلك الزمان قراءة. عم في زمانه السلام بين العرب والروم مما ساعد على انتشار العلم واستقرار الدولة وزيادة دخلها. أنشأ الكثير من المكتبات والمستشفيات وشجع على نشر العلم.
خلافته

* أصبح الأمر في المشرق والمغرب تحت سلطان المأمون (بعد أن أرسل جيشا عظيما من خرسان - وقصفوا بغداد بالمنجنيق ودمروها - وجلبوا له رأس أخاه الخليفة الأمين) وهو سابع خلفاء بنى العباس، لقد كان المأمون في ذلك الوقت واليًا من قبل والده على "خراسان" وكان يقيم في عاصمتها "مرو"، وكان من الطبيعى أن يفضِّلها بعد أن انفرد بالخلافة.

إنها تضم أنصاره ومؤيديه، فهو هناك في أمان واطمئنان، وكان الفرس يودون أن يبقى "بمرو" لتكون عاصمة الخلافة، ولكنها بعيدة عن مركز الدولة، وهي أكثر اتجاهًا نحو الشرق، مما جعل سيطرتها على العرب ضعيفة، بل إن أهل بغداد أنفسهم دخلوا في عدة ثورات ضد المأمون؛ حتى إنهم خلعوه أخيرًا، وبايعوا بدلا منه عمه إبراهيم بن المهدى.واضطر المأمون أخيرًا أن يذهب إلى بغداد وأن يترك "مرو" للقضاء على هذه التحركات في مهدها.
ولاية العهد

كان معظم أعوان المأمون من الفرس، ومعظمهم من الشيعة، ولهذا اضطر المأمون لممالأه الشيعة وكسبهم إلى جانبه، فأرسل إلى زعماء العلويين أن يوافوه في عاصمته (وكانت مرو في ذلك الوقت)، فلما جاءوه أحسن استقبالهم، وأكرم وفادتهم، وما لبث بعد قليل أن عهد بولاية العهد إلى "على بن موسى الرضا" الحفيد السادس لرسول الله محمد (ص) (وهي طبعًا خطوة جريئة؛ لأن فيها نقلا للخلافة من البيت العباسى إلى البيت العلوى. ولم يكتفِ بهذا، بل غير الشعار من السواد وهو شعار العباسيين إلى الخضرة وهي شعار العلويين. ورغم اعتراض أقاربه من العباسيين، فإن المأمون كان مصرًّا على هذا الأمر، إذ كان يقول بأن اهل البيت هم احق بالخلافة وذلك ليكسب تعاطف الناس ويخمد الثورات التي ظهرت في كل مكان.

جاءت عمة أبيه زينب بنت سليمان بن على، وكانت موضع تعظيم العباسيين وإجلالهم، وهي من جيل المنصور، وسألته: ما الذي دعاك إلى نقل الخلافة من بيتك إلى بيت على؟ فقال: يا عمة، إنى رأيت عليّا حين ولى الخلافة أحسن إلى بنى العباس، وما رأيت أحدًا من أهل بيتى حين أفضى الأمر إليهم (وصل إليهم) كافأه على فعله، فأحببت أن أكافئه على إحسانه. فقالت: يا أمير المؤمنين إنك على بِرِّ بنى علىّ والأمر فيك، أقدر منك على برهم، والأمر فيهم. ولكن لم يلبث " على بن موسى الرضا" أن توفي مسموما بالسجن ,وكان ذلك في سنة 203 هـ/ 819م، وعلى كل حال لقد استطاع المأمون ببيعة "على الرضا" أن يقوى من سلطانه؛ لأنه بهذه البيعة ظن بأنه قد أمن جانب العلويين. ولكن قامت ضد الخليفة المأمون ثورات عديدة اختلفت في مدى عنفها وشدتها، واستطاع القضاء عليها جميعًا.


ثورة مصر

كان أخطر هذه الثورات جميعًا ثورة مصر، ذلك أن جند مصر كانوا قد اشتركوا في خلافات الأمين والمأمون كل فريق في جانب، وبعد أن انتهى الخلاف بفوز المأمون، ظل الخلاف قائمًا بين جند مصر، وأصبح موضع الخلاف التنافس على خيرات مصر، فكان الجند يجمعون الخراج لا ليرسل للخليفة، بل ليحتفظوا به لأنفسهم.

قد قامت جيوش المأمون كثيرًا بمحاربتهم مع أهل مصر الذين شاركوا في هذه الثورات، ولكن هذه الثورات ما لبثت أن أشعلت من جديد حتى أرسل إليهم جيشًا ضخمًا، فاستطاع القضاء على الثورة نهائيًا، كما تمكن قائده "طاهر بن الحسين" من القضاء على ثورات العرب أنصار الأمين، وهكذا سيطر على الدولة سكون وهدوء.'''
غزوه للروم

كان المأمون يكتب إلى عمّاله على خراسان في غزو من لم يكن على الطاعة والإسلام من أهل ما وراء النهر، ولم يغفل المأمون عن قتال الروم، بل غزاهم أكثر من مرة، وخرج بنفسه على رأس الجيوش الإسلامية لغزو الروم سنة 215 هـ / 830م، فافتتح حصن "قرة" وفتح حصونًا أخرى من بلادهم، ثم رحل عنها، وعاود غزو الروم في السنة الثالثة سنة 216هـ، ففتح "هرقلة" ثم وجّه قواده فافتتحوا مدنًا كبيرة وحصونًا، وأدخلوا الرعب في قلوب الرومان، ثم عاد إلى دمشق، ولما غدر الروم ببعض البلاد الإسلامية غزاهم المأمون للمرة الثالثة وللعام الثالث على التوالى سنة 217هـ، فاضطر الروم تحت وطأة الهزيمة إلى طلب الصلح.
أخلاق المأمون

كان يقول: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف ألا أؤجر عليه، ولو عرف الناس مقدار محبتى للعفو؛ لتقربوا إلى بالذنوب! وقال: إذا أصلح الملك مجلسه، واختار من يجالسه؛ صلح ملكه كله.

رفع إليه أهل الكوفة مظلمة يشكون فيها عاملا؛ فوقَّع: عينى تراكم، وقلبى يرعاكم، وأنا مولّ عليكم ثقتى ورضاكم. وشغب الجند فرفع ذلك إليه، فوقَّع: لا يعطون على الشغب، ولا يحوجون إلى الطلب. ووقف أحمد بن عروة بين يديه، وقد صرفه على الأهواز، فقال له المأمون: أخربتَ البلاد، وأهلكت العباد فقال: يا أمير المؤمنين، ما تحب أن يفعل الله بك إذا وقفتَ بين يديه، وقد قرعك بذنوبك؟ فقال: العفو والصفح. قال: فافعل بغيرك ما تختار أن يفعل بك. قال: قد فعلت.. ارجع إلى عملك فوالٍ مستعطِف خير من وال مستأنف. وكتب إلى على بن هشام أحد عماله، وقد شكاه غريم له: ليس من المروءة أن تكون آنيتك من ذهب وفضة ويكون غريمك عاريًا، وجارك طاويًا.

هكذا كان المأمون.. حتى لقد وصفه الواصفون بأنه من أفضل رجال بنى العباس حزمًا وعزمًا وحلمًا وعلمًا ورأيًا ودهاءً، وقد سمع الحديث عن عدد كبير من المحدّثين، وبرع في الفقه واللغة العربية والتاريخ، وكان حافظًا للقرآن الكريم.
النهضة العلمية في عهده

جاء في كتاب قصة الحضارة: أنه أرسل إلى القسطنطينية وغيرها من المدن الرومانية يطلب أن يمدوه بالكتب اليونانية، خاصة كتب الطب والعلوم الرياضية، وعندما وصلت هذه الكتب إلى أيدى المسلمين قاموا بترجمتها وفحصها ودراستها، في "بيت الحكمة" في بغداد وهو مجمع علمى، ومكتبة عامة، ومرصد فلكى، وأقام فيه طائفة من المترجمين، وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال، فاستفاد المسلمون من هذه الكتب العلمية، ثم ألفوا وابتكروا في كافة العلوم، التي أسهمت في نهضة أوروبا يوم أن احتكت بالعرب في الحروب الصليبية وغيرها. وكان للمدارس التي فتحها المأمون في جميع النواحى والأقاليم أثرها في نهضة علمية مباركة.

أدى الاطلاع على بعض فلسفات الأمم الأخرى إلى نشأ الفكر الاعتزالي الذي يُعْلى من قيمة العقل، ويجعله حكمًا على النص دون حدود أو قيود. لقد سمح المأمون لأولئك الذين اعتمدوا على العقل والمنطق في كل شيء بالتعبير عن آرائهم، ومعتقداتهم، ونشر مبادئهم من غير أن يتقيدوا بقيد أو يقفوا عند حد. كما أنه قال بخلق القرآن, وقد أدى ذلك إلى خلاف كبير بين علماء الدين، وخلال تلك الفترة سجن الإمام أحمد بن حنبل -- لوقوفه في وجه فكرة خلق القرآن، وقد أيد بعض العلماء المأمون في رأيه خوفا منه.
بعثة المأمون في قياس محيط الأرض

كانت فكرة كروية الأرض قد راودت العالم اليوناني إراتوستينس قبل الميلاد في بادئ الأمر وقام بالفعل بتجربة مدهشة لإيجاد قطرها ونجح في إثبات كرويتها ليكون أول من أثبت علمياً كروية الأرض وقاس محيطها. كان المأمون من المولعين بقراءة العلوم وكتب الإغريق وفي عهده أنفق أموالاً كثيرة في سبيل التحقق من صحة معلومات إراتوستينس طالباً من علماء العرب آنذاك إثبات صحة كروية الأرض وقياس محيطها بطريقة أفضل. بدعم من المأمون، تم إرسال بعثة بقيادة بني موسى، وعلماء دار الحكمة البغدادية وفعلاً استطاعوا الاستعانة بنجم القطب الشمالي مرجعاً لحساباتهم فحددوا درجة خط الهاجرة (أي محيط الأرض) بكثير من الدقة، وقد اختاروا لهذا الغرض قطعة مستوية في صحراء سنجار، فسجلوا ارتفاع القطب الشمالي عند النقطة التي اختاروها، ثم ضربوا وتداً، وربطوا فيه حبلاً طويلاً وساروا شمالا حتى وصلوا إلى مكان زاد فيه ارتفاع القطب عن الارتفاع الأول درجة كاملة، فضربوا وتداً جديداً، ثم قاسوا المسافة بين الوتدين، فوجدوا ان الدرجة الواحدة يقابلها مسافة 66 ميلا وثُلُثَان، وكرروا هذه العملية جنوبا فوجدوا نفس الشيء. وبهذه الطريقة الفذة حددوا محيط الأرض بأقل قليلاً مما قدره لها اراتوستين بالإسكندرية عام 230 ق.م، أي بحوالي 24 ألف ميلا، وحددوا ميل دائرة البروج بحوالي 23 درجة و35 ثانية، وقدروا مبادرة الاعتدالين باربعة وخمسين ثانية، وهذه أكثر قليلا من الحقيقة إلّا أنها أدق بكثير من القيمة السابقة التي طلب منهم الخليفة التحقق منها والتي قام بها العالم اليوناني إراتوستينس.
من اقواله

أنه قال :الناس ثلاثة[1]:

* فمنهم مثل الغذاء لابد منه على كل حال.
* ومنهم كالدواء يحتاج إليه في حال المرض
* ومنهم كالداء مكروه على كل حال.
* قال : القرآن مخلوق، وبذلك خالف قول الله تعالى : { تَنْزٍيلٌ مِنْ رَب الْعَالَمِين } بذلك صنفه العلماء من المعتزلة
* إن أول الحكم أن يعدل الحكم في وزراءه حني يصل لآخر طبقة في البلاد

وفاته

أولا كان المأمون في بغداد وفي الحج اتجه إلى مكة المكرمة وفي محرم عاد إلى بغداد وهو مريض ثم ذهب إلى مدينة طرسوس ليقيم الحرب عليها وأثناء الحرب اشتد المرض عليه ثم في صفر وبينما المأمون نائما أتته نوبة قلبية وتوفي في 6 صفر 218 هـ.
من مات في أيامه من الأعلام

الامام علي بن موسى الرضا الحفيد السادس لرسول الله محمد (ص)،الإمام الشافعي والنضر بن شميل والسيدة نفيسة وأبو العتاهية والأصمعي وغيرهم كثيرون.


المرجع
المرجع الرئيسي: تاريخ الخلفاء للسيوطي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:05 am

البرامكة

البرامكة أو كما يسمون بالفارسية (برمكيان) هم عائلة ترجع اصولها إلى برمك المجوسي من مدينة بلخ، وقد كان للبرامكة منزلة عاليه واستحوذوا على الكثير من المناصب في الدولة العباسية وكان لهم حضور كبير في بلاط الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي ارضعته زوجة يحيى بن خالد البرمكي الذي حفظ لهارون الرشيد ولاية العهد بعد أن أراد الخليفة الهادي خلع هارون الرشيد.

في زمن هارون الرشيد، قوي ساعد البرامكة وهم أصلا من الفرس ويعودون إلى جدهم برمك المجوسي. تولى يحيى البرمكي تربية الرشيد ،وقامت زوجة يحيى بارضاع هارون الرشيد طفلا، فأصبح (أخا بالرضاعة) لابنها "الفضل بن يحيى البرمكي" و"جعفر بن يحيى البرمكى"الذي حظي بمكانة خاصة عند الرشيد، ويقال بأنه كان الحاكم الفعلي لبعض أمور الدولة العباسية.
الأمين والمأمون

بذل أمراء البيت العباسي جهودا كبيرة لاقناع الرشيد ببيعة الأمين ،ابنه من زبيدة وكان لهم ما أرادوا بحجة أن الأمين بن هارون الرشيد من أب وأم هاشميين. رغم أن الأمين كان صغير السن مع أن الرشيد كان يحب المأمون لذكائه ونجابته. كما تمكن البرمكيون من الضغط على الرشيد، فأمر ببيعة المأمون بعد الأمين، وللعلم فان أم المأمون فارسية.
نهاية البرامكة

تعاظم نفوذ البرامكة في عهد هارون الرشيد ،لدرجة أن بعض حاشية الخليفة بدأت تضمر لهم شرا، واحتدم الصراع بين البرمكيين وخصومهم. إلى أن تمكن خصوم البرامكة بعد حشد كل طاقاتهم من اقناع الخليفة بالتخلص منهم. ولقد سمم البرامكة موسى بن جعفر الكاظم بعد رحلة لهارون الرشيد الذين قد وشو وفتنو على موسى بانه يريد الانقلاب عليه، بكى هارون على ابن عمه وعرف هارون مخطط البرامكه. فقد كان هارون الرشيد ذكيا، وكان يعرف نفوذ البرامكة في الدولة، وأدرك أن التخلص منهم ليس بالأمر السهل. لذا لجأ للمكر، وقرر فجأة في سنة (803 م) القبض على جميع أفراد العائلة البرمكية، وصادر أموالهم وممتلكاتهم، وشرد بعضهم، وقتل البعض، بينما دخل الكثيرون منهم إلى السجون. وهكذا في غضون ساعات انتهت أسطورة البرامكة وانتهت سلطتهم داخل الدولة العباسية. وسميت معركة الرشيد ضدهم ب " نكبة البرامكة".

نكبة البرامكة
نكبة البرامكة مصطلح يشير إلى ما وقع للبرامكة على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد من قتل وتشريد، ومصادرة أموال، وقد كانوا وزراء الدولة وأصحاب الأمر والسلطان.

و النكبة من أهم الأحداث السياسية المؤثرة في حكم هارون الرشيد، وفي التاريخ السياسي الإسلامي بشكل عام، إذ أنها كانت حلقة في سلسلة نكبات طالت وزراء الدولة العباسية منذ قتل أبي مسلم الخراساني بتدبير الخليفة أبو جعفر المنصور، وقتل معظم المقربين من الخلفاء العباسيين، كآل سهل فيما بعد.

أيضاً، كان للنكبة أثر كبير، من حيث توصيفها للعلاقة بين العرب والفرس في السلطان.
مكانة البرامكة

لقد قام الخليفه هارون الرشيد بقتل البرامكه وابادتهم بعد محاولتهم بداء الفتنه بين الاخوين والتدخل في احكام الخليفة هارون الرشيد في امور الدولة من غير حق علما بأن الخليفة هارون الرشيد خليفة عادل ومنصف ولكن لم يرغبوا بهذا ، كانت للبرامكة مكانة عالية في الدولة العباسية، فقد كان يحيى بن خالد البرمكي مسؤولاً عن تربية الرشيد، اما زوجته فقد أرضعت الخليفة هارون الرشيد، وقد قام يحيى بن خالد على أمر وزارة الرشيد وقد فوضه الرشيد بكل الأمور. أما الفضل بن يحيى بن خالد فقد كان أخ الرشيد من الرضاعة ووكله على تربية ابنه الأمين بن هارون الرشيد.
مؤشرات النكبة

البيعة للأمين بولاية العهد لم يكد الأمين يبلغ الخامسة من عمره حتى اجتهدت أمه زبيدة وأخواله في أن تؤول إليه ولاية العهد، لتكون الخلافة له من بعد أبيه.

وبالرغم من أن الرشيد كان يتوسم النجابة والرجاحة في "عبد الله المأمون"، ويقول: "إن فيه حزم المنصور، ونسك المهدي، وعزة الهادي، ولو شئت أن أقول الرابعة مني لقلت"- فإنه قدَّم محمدا بن زبيدة على أخيه الأكبر المأمون، مع علمه أن متبع هواه. ولعل رغبة أمراء البيت لعباسي واجتماعهم على تولية الأمين كانت وراء نزول الرشيد على رأيهم، وتحقيق تلك الرغبة التي اجتمعوا عليها.

وكانت حجتهم في ذلك أن الأمين هاشمي الأبوين، وأن ذلك لم يجتمع لغيره من خلفاء بني العباس، وكان يؤجج تلك الرغبة كرههم لـ"آل برمك" الذين استأثروا بالرشيد، ونالوا لديه حظوة ومكانة كبيرة.

استدعى الرشيد الأمراء والقواد ورجال الحاشية، وطلب الفقهاء ليُشهدهم على قراره الخطير الذي عقد عليه العزم، وهو البيعة لابنه الثاني "محمد الأمين". وفي يوم الخميس (6 من شعبان 175 هـ = 8 من ديسمبر 791 م) عقد الرشيد مجلس البيعة، وأخذت لمحمد البيعة، ولقبه أبوه بـ"الأمين"، وولاه في الحال على بلاد الشام والعراق، وجعل ولايته تحت إدارة مربيه "الفضل بن يحيى البرمكي".

دور البرامكة في ولاية العهد للمأمون وبالرغم من عدم معارضة البرامكة في مسألة ولاية عهد الرشيد لابنه الأمين وسعيهم- في أول الأمر- إلى تزكية هذا الاختيار وتزيينه للرشيد ودفعهم له إلى إتمامه، فإنهم ما لبثوا أن شعروا بأنهم أساءوا الاختيار، وخصوصًا عندما أصبح الأمين شابًّا يافعًا، وبعد ظهور نفوذ أمه "زبيدة"، التي أصبحت تنقم على البرامكة ما صاروا إليه من النفوذ والسلطان في بلاط الرشيد، وتسعى إلى استقطاب العنصر العربي في مواجهة تصاعد النفوذ الفارسي ممثلا في البرامكة. وتفاقم الصراع الذي اتخذ صورة قومية داخل البلاط بين العرب والفرس.

عندئذ بدأ البرامكة يعيدون النظر في مسألة ولاية العهد، فاستخدموا نفوذهم، واستغلوا قربهم من الرشيد ومنزلتهم عنده في إيجاد منافس للأمين وأمه زبيدة، ووجدوا بغيتهم في شخص "المأمون" الأخ الأكبر، خاصة أن أمه فارسية.

واستطاع البرامكة أن يجعلوا الرشيد يعقد البيعة لولده "عبد الله المأمون"، على أن تكون ولاية العهد له من بعد أخيه الأمين، وذلك في سنة (182 هـ = 798م)، بعد مضي نحو ثماني سنوات من بيعته الأولى للأمين.

وأخذ "الرشيد" على ولديه "الأمين" و"المأمون" المواثيق المؤكدة، وأشهد عليهما، ثم وضع تلك البيعة في حافظة من الفضة، وعلقها في جوف الكعبة.

بعد ذلك بأربعة أعوام في سنة (186 هـ = 802م) عقد الرشيد ولاية العهد لابنه "القاسم" من بعد أخويه، ولقبه بـ"المؤتمن".

نكبة البرامكة والطريق إلى العرش

وإزاء تعاظم نفوذ البرامكة، واحتدام الصراع بين الفريقين، بدأت الأمور تتخذ منحىً جديدًا، بعد أن نجحت الدسائس والوشايات في إيغار صدر الرشيد على البرامكة، وذلك بتصويره بمظهر العاجز أمام استبداد البرامكة بالأمر دونه، والمبالغة في إظهار ما بلغه هؤلاء من الجرأة على الخليفة، وتحكُّمِهم في أمور الدولة؛ حتى قرر الرشيد التخلص من البرامكة ووضع حد لنفوذهم.

ولم يكن ذلك بالأمر الهين أو المهمة السهلة؛ فقد تغلغل البرامكة في كل أمور الدولة، وصار لهم كثير من الأنصار والأعوان، فاتبع الرشيد سياسة الكتمان، واستخدم عنصر المفاجأة؛ حتى يلحق بهم الضربة القاضية.

وفي ليلة السبت (أول صفر 187 هـ = 29 من يناير 803م)، أمر رجاله بالقبض على البرامكة جميعًا، وأعلن ألا أمان لمن آواهم، وأخذ أموالهم وصادر دورهم وضياعهم. وفي ساعات قليلة انتهت أسطورة البرامكة وزالت دولتهم، وتبدت سطوة تلك الأسرة التي انتهت إليها مقاليد الحكم وأمور الخلافة لفترة طويلة من الزمان، تلك النهاية المأساوية التي اصطُلح على تسميتها في التاريخ بـ"نكبة البرامكة".

وكان لتلك النكبة أكبر الأثر في إثارة شجون القومية الفارسية، فعمدت إلى تشويه صورة الرشيد ووصفه بأبشع الصفات، وتصويره في صورة الحاكم الماجن المستهتر الذي لا همّ له إلا شرب الخمر ومجالسة الجواري، والإغراق في مجالس اللهو والمجون؛ حتى طغت تلك الصورة الظالمة على ما عُرف عنه من شدة تقواه وحرصه على الجهاد والحج عامًا بعد عام، وأنه كان يحج ماشيًا ويصلي في كل يوم مائة ركعة.

وفي أواخر سنة (192 هـ = 808م) خرج الرشيد لحرب "رافع بن الليث"، واستخلف على بغداد ابنه الأمين، وفي الطريق مرض الرشيد، وما لبث أن اشتد عليه المرض، وفاضت روحه في (3 من جمادى الآخرة 193م = 24 من مارس 809م)، فتولى الخلافة من بعده ابنه "محمد الأمين".

خلافة الأمين والصراع بين الأخوين تولى الأمين الخلافة وعمره ثلاث وعشرون سنة، ولكن لم تتم له البيعة إلا في (منتصف جمادى الآخرة 193م = 4 من إبريل 809م).

وقد أدى تولي الأمين الخلافة إلى إثارة الفتنة بينه وبين أخيه المأمون، ومما زكّى نار هذه الفتنة وقوع التنافس بين رجلين قويين كان أحدهما الوزير "الفضل بين الربيع"، الذي يسيطر على الأمين، والآخر هو "الفضل بن سهل"، الذي يسيطر على المأمون، بالإضافة إلى اتخاذ العنصر العربي والفارسي من ابني الرشيد رمزًا للصراع بين العرب والعجم، والتفاف كل فريق حول صاحبه.

واستطاع الفضل بن الربيع إقناع الأمين بعزل أخيه المأمون من ولاية العهد، وأن يجعلها في ابنه "موسى بن الأمين"، ثم ما لبث أن خلع أخاه المؤتمن من ولاية العهد.

وأعلن الأمين البيعة بولاية العهد لابنه موسى وسماه "الناطق بالحق"، وأمر بالدعاء له على المنابر بعده، وقطع ذكر المأمون والمؤتمن. وبذلك يكون قد نكث عما أخذه عليه أبوه الرشيد من عهود ومواثيق.

وقد أثار موقف الأمين من أخيه غضب أهل خرسان؛ فانحازوا إلى المأمون ضد أخيه، وكان على رأس المؤيدين "هرثمة بن أعين" قائد الجند، و"طاهر بن الحسين" الذي خرج على رأس جيش كبير معظمه من الفرس من خراسان. وفي المقابل جهز الأمين جيشًا مكونا من ثمانين ألف مقاتل معظمهم من عرب البادية، وجعل عليه "علي بن عيسى"، وكان يكره أهل خراسان؛ لأنهم دسوا عليه عند الرشيد، فعزله من ولاية خراسان وحبسه، حتى أطلقه الأمين واتخذه قائدًا لجيشه.

والتقى الجيشان على مشارف "الري"، ودارت بينهما معركة عنيفة، كان النصر فيها حليفًا لجيش المأمون بقيادة "طاهر بن الحسين"، وقُتل "علي بن عيسى" قائد جيش الأمين.

وأعلن طاهر بن الحسين خلع الأمين، ونادى بالبيعة للمأمون بالخلافة؛ فأرسل الأمين جيشًا آخر قوامه عشرون ألف مقاتل، وجعل على رأسه "عبد الرحمن بن جبلة الأبنادي"، لكنه لقي هزيمة منكرة وقُتل الكثير من جنوده، وما لبث أن قُتل.

وأرسل الأمين جيشًا ثالثًا بقيادة "أحمد بن مزيد" على رأس أربعين ألف مقاتل من عرب العراق، ولكن طاهر بن الحسين استطاع أن يبث جواسيسه داخل ذلك الجيش فأشاعوا الفرقة بين قواده وجنوده حتى اقتتلوا وانسحبوا عائدين قبل أن يلقوا خصومهم.

ولم يستطع الأمين أن يجهز جيشًا آخر لملاقاة أهل خراسان، بعد أن رفض الشاميون السير معه، وانضم عدد كبير من جنوده وأعوانه إلى خصومه، وفر كثير منهم إلى المدائن.

حصار بغداد وسقوط الأمين وقد سادت الفوضى والاضطراب "بغداد" عاصمة الخلافة؛ حتى قام "الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان" بانقلاب ضد الأمين، وأعلن خلعه من الخلافة، وحبسه هو وأمه زبيدة في قصر المنصور في (رجب 196 هـ = مارس 812م)، وأعطى بيعته للمأمون، لكن فريقًا من أنصار الأمين استطاعوا تخليصه من الأسر، وأعادوه إلى قصر الخلافة.

وتقدم جيش المأمون نحو بغداد فحاصرها خمسة عشر شهرًا، وضربها بالمجانيق حتى أصيبت بأضرار بالغة، وتهدمت أسوارها، وأصابها الخراب والدمار، وسادت فيها الفوضى، وعمت المجاعات حتى اضطر الأمين إلى بيع ما في خزائنه للإنفاق على جنوده وأتباعه.

وبدأت المدينة تتهاوى حتى سقطت أمام جنود المأمون، وتم القبض على الأمين ووضعه في السجن. وفي ليلة (25 من المحرم 198 هـ = 25 من سبتمبر 813م) دخل عليه جماعة من الفرس في محبسه، فقتلوه ومثّلوا بجثته.

وانتقلت الخلافة إلى أخيه المأمون بعد نحو خمسة أعوام من الصراع المرير والدامي بين الأخوين، أزكت نيرانه العصبية القومية، وأججته تلك القوى الخفية التي سعت إلى بث الفرقة وزرع الشقاق بين أبناء الأمة، وخلق بؤر متجددة للصراع بين أبناء الدين الواحد.

أهم مصادر الدراسة: البداية والنهاية: إسماعيل بن كثير الدمشقي- تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي- دار هجر للطباعة- القاهرة (1420 هـ = 1999م).

تاريخ بغداد: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي- مكتبة الخانجي- القاهرة، المكتبة العربية- بغداد، مطبعة السعادة- القاهرة (1349هـ = 1931م).

الخليفة المجاهد هارون الرشيد: د. فاروق عمر فوزي- دار الشؤون الثقافية العامة- بغداد (1409 هـ = 1989م).

الدولة الإسلامية في العصر العباسي الأول: د. أحمد الشامي- مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة (1406 هـ = 1986م).

شذرات الذهب في أخبار من ذهب: عبد الحي بن العماد الحنبلي- دار إحياء التراث العربي- بيروت
حوادث النكبة

في عهد هارون الرشيد (170 - 193هـ = 786 - 809م) بلغت في عهد الدولة العباسية أوج قوتها وعظمتها، فقد قضى على الخوارج والعلويين، كما قضى على غارات الروم، ووصلت جيوشه إلى أنقرة (تركيا)، وتمتع بشهرة عالمية حيث اتصل بإمبراطور الصين، وتبادل الهديا مع الإمبراطور شارلمان بغرب أوروبا. في عصره صارت بغداد مركز التجاره العالمية، وملتقى العلماء والشعراء والفقهاء من كل الأرجاء. ولما ازداد نفوذ البرامكة (الفرس) الذين استعان بهم وعين منهم الوزراء وخشي زيادة سلطتهم في الدولة، قضى عليهم، ويعرف سقوط هذه الدولة (بنكبة البرامكة)

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:06 am

طلائع الانهيار (847 - 862)

العصر العباسي الثاني: عصر الحرس التركي
طلائع الانهيار (847 - 862)

لم يستطع العباسيون الحفاظ على وحدة الدولة كما فعل أسلافهم الأمويين، فاستقلّ عبد الرحمن الداخل بالأندلس منذ قيام الدولة، وفي خلافة موسى الهادي استطاع إدريس بن عبد الله بن الحسن الفرار من مذبحة لحقت بأسرته وأنصارها في المدينة المنورة إثر مطابة والده بالخلافة، واتجه إلى المغرب حيث أسس الدولة الإدريسية المستقلة وعاصمتها مراكش، وفي عهد المأمون تولى إبراهيم بن الأغلب ولاية إفريقيا التي تشمل ليبيا وتونس وشمال الجزائر، وبقي حكم هذه الولاية محصورًا في ذريته حتى ظهور الدولة الفاطمية، ولم يحفظ بنو الأغلب للخلفاء العباسيين سوى الخطبة وسك اسم الخليفة على النقد، وبذلك فإن الدولة العباسية منذ عهود قوتها لم تحفظ وحدة أراضيها الإدارية، وهو الأمر الذي سيكرس رسميًا وفي كل جهات الدولة خلال عصور التراجع والانحطاط.[15]

أبرز أوجه عصور الانحطاط، سوى استقلال الولاة والسلاطين في شؤون ولايتهم بل وتأسيسهم دول مستقلة تمامًا في بعضها، كان تدخل الجيش في تعيين الخلفاء.[16] توفي أول السلاطين الأتراك أشناس عام 844 وخلفه وصيف التركي، وعندما توفي الواثق عام 847 ما كانت مبايعة المتوكل على الله لتتم لولا رغبةالسلطان وصيف، في وقت كانت الأسرة العباسية والمقربين منها، تميل لمبايعة محمد بن الواثق بالخلافة.[17]

حاول المتوكل على الله الثورة على واقعه، فقتل عددًا من قواد الجيش كابن الزيات وإيناخ، ونقل عاصمة الدولة إلى دمشق عام 858 إلا أنه اضطر العودة إلى سامراء بعد شهرين فقط بضغط الأتراك،[18] وقام أيضًا بتحويل المذهب الرسمي من المذهب المعتزلي إلى المذهب السني الشافعي، ما مثّل نقلة كبيرة لدى الدولة العباسية التي طرأت عليها عدة مراحل من التطورات الدينية، إذ بدأت مع تقارب مع الشيعة وسرعان ما انقلبت عليهم،[19] واعتمدت الإعتزال كعقيدة الدولة منذ عهد المأمون. وكان المتوكل على الله قد أمر عام 850 بهدم ضريح الحسين بن علي في كربلاء وضريح علي بن أبي طالب في النجف ومنع الناس من زيارتهما،[20] كما أمر بهدم جميع الكنائس في العراق ومناطق أخرى وكذلك الكنس اليهودية مع وضع شارات معينة على لباس المسيحيين واليهود ومنعهم من ركوب الخيل،[21] وعلى الرغم من دعواته المتلاحقة للعمل بالشريعة الإسلامية إلا أن ما أقدم عليه يتنافى مع قواعدها، حيث كفل نظام أهل الذمة الإسلامي حقوقًا وكرامة أوسع لليهود والمسيحيين.

أخيرًا اتفق بعض الجند الأتراك مع ابنه المنتصر بالله على قتله في مجلس شرابه يوم 10 ديسمبر 861، غير أن خلافة المنتصر بالله لم تطل إذ سرعان ما قضى عليه الأتراك بالسم في مايو 862، وبويع أبو العباس أحمد المستعين بالله ابن المعتصم بالله بالخلافة،[22] لأن رجال السلطان لم يرد أن يبايع أحد أولاد المتوكل خليفة.
[عدل] عهد الفتن والحروب الداخلية (862 - 1055)

المذهب المعتزلي حتى جعله مذهباً رسمياً للدولة, واستمر ذلك حتى جاء الخليفة أبو الفضل جعفر المتوكل على الله فأحيا السنة وأمات البدعة جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي: فأظهر الميل إلى السنة ونصر أهلها ورفع المحنة وكتب بذلك إلى الآفاق وذلك في سنة أربع وثلاثين واستقدم المحدثين إلى سامراء وأجزل عطاياهم وأكرمهم وأمرهم بأن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس وجلس أخوه عثمان في جامع المنصور فاجتمع إليه أيضاً نحو من ثلاثين ألف نفس وتوفر دعاء الخلق للمتوكل وبالغوا في الثناء عليه والتعظيم له حتى قال قائلهم الخلفاء ثلاثة أبو بكر في قتل أهل الردة وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم والمتوكل في إحياء السنة وإماتة التجهم.

منذ العام 800 م بدأت عدة مناطق تعلن استقلالها عن الخلافة العباسية وتحولت إلى إمارات أو ممالك تحكمها سلالات متعددة. بعد مقتل المتوكل (847-861) بدأت قوة الدولة تتراجع، حتى أنه في النهاية وقع الخلفاء العباسيون تحت سيطرة العديد من السلالات ذات الطابع العسكري، البويهيون (945-1055)، السلاجقة (1055-1194) وشاهات خوارزم (1192-1220)، وحصرت سلطة الخلفاء رمزياً في الجانب الديني فقط. استطاع الخليفة الناصر (1180-1225) أن يعيد إلى الخلافة بعضا من سلطتها وأن يستقل بها بعض الشيء، وعادت للخليفة سلطته كحاكم حتى آخر الخلفاء المستعصم (1242-1258) الذي رفض أن ينظم إلى معاهدة السلام التي عرضها عليه المغول، فكان أن سقط ضحية للعاصفة المغولية. قامت بعد ذلك خلافة عباسية رمزية في القاهرة 1260-1517 تحت وصاية المماليك.


لمحات من التاريخ العباسي

تولت حكم الدولة العربية الإسلامية (750-1258). بدأت الدعوة العباسية عام 718م- 99هـ تحت زعامة محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ثم ابنه إبراهيم الإمام الذي أسند إلى أبي مسلم الخراساني مهمة قيادة الدعوة في خراسان. أعلن أبو مسلم الثورة على الأمويين عام 747م - 129 هـ، بعد ثلاث سنوات انتصر العباسيون وقتلوا مروان بن محمد، آخر الخلفاء الأمويين. وقعت المعركة الفاصلة بين العباسيين والأمويين في على ضفة الزاب الكبير، وكانت الغلبة للعباسيين، الذين استهلوا عهدهم بملاحقة بقايا الأمويين، ففر منهم عبد الرحمن الداخل ليؤسس دولة أموية مستقلة في الأندلس. كان أول خلفائهم أبو العباس (الملقب بالسفاح)، خلفه أخوه أبو جعفر المنصور، الذي بنى مدينة بغداد في العراق، ونقل إليها عاصمة الخلافة الإسلامية من دمشق، وأخمد الثورات التي قامت ضد العباسيين في بلاد فارس.

أحدث قيام الدولة العباسية تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة: إذ كان الأمويون قد اعتمدوا على دعم القبائل العربية وعملوا على ترسيخ مبادئ الإسلام في البلاد التي فتحوها وازهرت العلوم في العصر الأموي، فإن العباسيين اعتمدوا على الأعاجم (الموالي) الذين صاروا يتولون أعلى المناصب في الدولة، وصار للعناصر التركية والفارسية دور كبير في الجيش والوزارات.

بلغت الدولة العباسية أوج ازدهارها في عهد الخليفة هارون الرشيد. ففي عهده بلغت بغداد أوج عمرانها وسيطرتها على أجزاء الدولة المترامية من تونس إلى شرق أفغانستان. كما توغلت الجيوش العباسية في آسيا الصغرى واضطر الإمبراطور البيزنطي لدفع الجزية حتى عن شخصه. كانت خلافة المعتصم (842-847) نقطة تحول أخرى، فقد اعتمد بشكل كبير على العناصر التركية في الجيش، ونقل عاصمة الدولة إلى سامراء.

في نهاية القرن التاسع الميلادي، بدأ الخلفاء العباسيون يفقدون سيطرتهم على البلاد، مع تزايد نفوذ الموالي ونفوذ الولاة وحكام المدن والمناطق. وبدأت الدولة بالانهيار فانفصلت عنها عدة دويلات كالدولة الإخشيدية، والطولونية (مصر) والعبيدية (شمال أفريقيا) والطاهرية (خراسان) والصفارية والزيدية العلوية (بلاد فارس وما وراء النهر). باتت سلطات الخليفة العباسي لا تتعدى حدود بغداد تقريباً، ووصلت إلى نهايتها عندما دخلت جيوش المغول بقيادة هولاكو بغداد، فأحرقتها ودمرتها وقتلت الخليفة المستعصم عام الموافق 656-1258.


النهضة الثقافية في الدولة العباسية

من الطبيعي ان يكون العصر العباسي الأول أنسب العصور ملائمة للنهضة الثقافية، فقد بدأ الاستقرار فيه وأنتظم ميزان الأمة الاقتصادي، وكانت النهضة العلمية في العصر الأول تتمثل في ثلاثة جوانب هي:

حركة التصنيف

تنظيم العلوم الإسلامية

الترجمة من اللغات الأجنبية

الجانب الأول: حركة التصنيف من أشهر المصنفين في هذا العصر مالك الذي ألف الموطأ، وابن إسحاق الذي كتب السيرة، وأبو حنيفة الذي صنف الفقه والرأي. ويرجع إلى أبي جعفر المنصور الفضل في توجيه العلماء هذا الاتجاه، وقد كان المنصور كما يقول السيوطي كامل العقل، جيد المشاركة في العلم والأدب، فقيها تلقى العلم عن أبيه وعن عطاء بن ياسر. وتطورت العلوم في العصر العباسي الأول وانتقلت من مرحلة التلقين الشفوي إلى مرحلة التدوين والتوثيق في كتب وموسوعات.

الجانب الثاني: تنظيم العلوم الإسلامية وصلت العلوم الإسلامية درجة عالية من الدقة والتنظيم في العصر العباسي الأول:

فقد شهد هذا العصر ميلاد علم تفسير القرآن وفصله عن علم الحديث. وعاش في هذا العصر أئمة الفقه الأربعة: أبو حنيفة (150 للهجرة)، ومالك (179 للهجرة)، والشافعي (204 للهجرة)، وابن حنبل (241 للهجرة). وظهرت في الفقه الإسلامي مدرستان علميتان كبيرتان هما مدرسة أهل الرأي في العراق، ومدرسة أهل الحديث في المدينة المنورة. وحفل هذا العصر أيضًا بأئمة النحو وظهرت في علوم اللغة مدرستان علميتان هما: مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة، فقد عاش في هذا العصر من أئمة النحاة البصريين عيسى بن عمر الثقفي (149 للهجرة)، وأبو عمرو بن العلاء (154 للهجرة)، والخليل بن أحمد (175 للهجرة)، والأخفش (177 للهجرة)، وسيبويه (180 للهجرة)، ويونس بن حبيب (182 للهجرة)، ومن الأئمة الكوفيين أبو جعفر الرؤاسي، والكسائي، والفراء (208 للهجرة). التاريخ ومولده: قويت في العصر العباسي الأول فكرة استقلال علم السيرة عن الحديث، ووجدت من ينفذها تنفيذا علميا دقيقا، وهو محمد بن إسحاق (152 للهجرة تقريبا) وكتابه في السيرة من أقدمها في هذا الموضوع، وقد وصلنا هذا الكتاب بعد أن اختصره ابن هشام (218 للهجرة) في كتابه المعروف بسيرة ابن هشام، ومن أشهر من صنف في التاريخ في هذا العصر العلامة محمد بن عمر الواقدي (207 للهجرة تقريبا) فقد ألف كتاب التاريخ الكبير الذي اعتمد عليه الطبري كثيرا حتى حوادث سنة 179، أما الكتاب نفسه فلم يصح وروده لنا، وللواقدي كتاب آخر يعرف بالمغازي وهو بين أيدينا، وليس هذا كل ما وصل لنا من علم الواقدي، فإن علمه قد جائنا عن طريق شخص آخر من مؤرخي هذا العصر أيضا وهو كاتبه محمد بن سعد (230 للهجرة) الذي كانت شهرته كاتب الواقدي، وقد خلف لنا محمد بن سعد كتابه القيم الطبقات الكبرى وهو في ثمانية أجزاء يتحدث في الجزء الأول والثاني عن سيرة الرسول صل الله عليه وسلم وفي الأجزاء الستة الباقية عن أخبار الصحابة والتابعين، ومحمد بن سعد هذا هو أحد شيوخ العلامة البلاذري (279 للهجرة).

الجانب الثالث: الترجمة من اللغات الأجنبية في عام 145 للهجرة وضع المنصور حجر الأساس للعاصمة الجديدة بغداد، وجمع حوله فيها صفوة العلماء من مختلف النواحي، وشجع على ترجمة كتب العلوم والآداب من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، واستجاب له كثير من الباحثين، من أبرزهم ابن المقفع الذي ترجم كتاب كليلة ودمنة (757 للميلاد) والطبيب النسطوري جورجيس بن بختيشوع (771 للميلاد)، وبختيشوع بن جورجيس (801 للميلاد)، وجبريل تلميذ بختيشوع (809 للميلاد)، والحجاج ابن يوسف بن مطر (الذي ذاع اسمه بين سنتي 786 و 863 للميلاد).

و لم يكتف المسلمون بمجرد الترجمة بل كانوا يبدعون ويضيفون إلى كل علم يترجمونه. كما لعب المسلمون بهذا دورا كبيرا في خدمة الثقافة العالمية، فقد أنقذوا هذه العلوم من فناء محقق، إذ تسلموا هذه الكتب في عصور الظلام، فبعثوا فيها الحياة، وعن طريق معاهدهم وجامعاتهم وأبحاثهم وصلت هذه الدراسات إلى أوروبا، فترجمت مجموعات كبيرة من اللغة العربية إلى اللاتينية، وقد كان ذلك أساسا لثقافة أوروبا الحديثة، ومن أهم الأسباب التي أدت إلى النهضة الأوروبية.

وأنشئ في هذا العصر بيت الحكمة وهو أول مجمع علمي ومعه مرصد ومكتبة جامعة وهيئة للترجمة، وصل إلى أوج نشاطه العلمي في التصنيف والترجمة في عهد المأمون الذي أولاه عناية فائقة، ووهبه كثيرا من ماله ووقته، وكان يشرف على بيت الحكمة فيّم يدير شئونه، ويُختار من بين العلماء المتمكنين من اللغات. وضم بيت الحكمة إلى جانب المترجمين النسّاخين والخازنين الذين يتولون تخزين الكتب، والمجلدين وغيرهم من العاملين. وكان المرصد منوتعيين خط العرض وقياس طول محيط الأرض، وظل بيت الحكمة قائما حتى داهم المغول بغداد سنة 656 للهجرة الموافق 1258 للميلاد.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:08 am

قائمة الخلفاء

الحاكم الحياة الحكم
1 أبو العباس عبد الله السفاح 727-754 750-754 
2 أبو جعفر عبد الله المنصور 714-775 754-775 
3 أبو عبد الله محمد المهدي 746-812 775-786 
4 أبو محمد موسى الهادي 766-787 786-787 
5 أبو جعفر هارون الرشيد 766-809 787-809 
6 أبو عبد الله محمد الامين 787-814 809-814 
7 أبو العباس عبد الله المأمون 787-833 814-833 
8 أبو إسحاق محمد المعتصم بالله 797-842 833-842 
9 أبو جعفر هارون الواثق بالله 812-847 842-847 
10 أبو الفضل جعفر المتوكل على الله 821-862 847-862 
11 أبو جعفر محمد المنتصر بالله 837-862 862-862 
12 أبو العباس أحمد المستعين بالله 836-866 862-866 
13 أبو عبد الله محمد المعتز بالله 847-869 866-869 
14 أبو إسحاق محمد المهتدي بالله ....-870 869-870 
15 أبو العباس أحمد المعتمد على الله 844-893 870-893 
16 أبو العباس أحمد المعتضد بالله 857-902 893-902 
17 أبو أحمد علي المكتفي بالله 878-908 902-908 
18 أبو الفضل جعفر المقتدر بالله 895-931 908-931 
19 أبو منصور محمد القاهر بالله 899-951 931-934 
20 أبو العباس محمد الراضي بالله 910-941 934-940 
21 أبو إسحاق إبراهيم المتقي لله 908-968 941-943 
22 أبو القاسم عبد الله المستكفي بالله 905-950 945-946 
23 أبو القاسم الفضل المطيع لله 914-975 946-974 
24 أبو بكر عبد الكريم الطائع بالله 932-1003 974-991 
25 أبو العباس أحمد القادر بالله 948-1031 991-1031 
26 أبو جعفر عبد الله القائم بأمر الله 1001-1075 1031-1075 
27 أبو القاسم عبد الله المقتدي بأمر الله 1056-1094 1075-1094 
28 أبو العباس أحمد المستظهر بالله 1078-1118 1094-1118 
29 أبو المنصور الفضل المسترشد بالله 1092-1135 1118-1135 
30 أبو جعفر منصور الراشد بالله 1109-1138 1135-1136 
31 أبو عبد الله محمد المقتفي لأمر الله 1096-1160 1136-1160 
32 أبو المظفر يوسف المستنجد بالله 1124-1171 1160-1171 
33 أبو محمد الحسن المستضئ بأمر الله 1142-1180 1171-1180 
34 أبو العباس أحمد الناصر لدين الله 1158-1225 1180-1225 
35 أبو النصر محمد الظاهر بأمر الله 1176-1226 1225-1226 
36 أبو جعفر منصور المسنتصر بالله 1192-1243 1226-1243 
37 أبو أحمد عبد الله المستعصم بالله 1213-1258 1243-1258






الخلفاء العباسيون بمصر


الحاكم الحياة الحكم
1 أبو القاسم أحمد المستنصر بالله ....-1262 1261-1262 
2 أبو العباس أحمد الحاكم بأمر الله ....-1302 1268-1302 
3 أبو الربيع سليمان المستكفي بالله 1285-1340 1302-1340 
4 أبو إسحاق إبراهيم الواثق ....-.... 1340-1342 
5 أبو العباس أحمد الحاكم بأمر الله ....-1352 1342-1352 
6 أبو الفتح أبو بكر المعتضد بالله ....-1362 1352-1362 
7 أبو عبد الله محمد المتوكل على الله ....-1406 1362-1377 
8 أبو يحي زكرياء المستعصم بالله ....-.... 1377-1377 
7-2 أبو عبد الله محمد المتوكل على الله ....-.... 1377-1383 
9 أبو حفص عمر الواثق بالله ....-1386 1383-1386 
8-2 أبو يحي زكرياء المستعصم بالله ....-.... 1386-1389 
7-3 أبو عبد الله محمد المتوكل على الله ....-.... 1389-1406 
10 أبو الفضل العباس المستعين بالله ....-1430 1406-1412 
11 أبو الفتح داود المعتضد بالله 1380-1441 1412-1441 
12 أبو الربيع سليمان المستكفي بالله ....-1450 1441-1450 
13 أبو البقاء حمزة القائم بأمر الله ....-1459 1450-1455 
14 أبو المحاسن يوسف المستنجد بالله ....-1479 1455-1479 
15 أبو العز عبد العزيز المتوكل على الله 1416-1498 1479-1498 
16 أبو الصبر يعقوب المستمسك بالله ....-1521 1498-1509 
17 محمد المتوكل على الله ....-1543 1509-1516 
16-2 أبو الصبر يعقوب المستمسك بالله ....-1521 1516-1517 
الإخبار عن دولة بني العباس :
البداية والنهاية/الجزء السادس/ ابن كثير

النص :

وكان ظهورهم من خراسان في سنة اثنتين وثلاثين ومائة.

قال يعقوب بن سفيان: حدثني محمد بن خالد بن العباس، ثنا الوليد بن مسلم، حدثني أبو عبد الله عن الوليد بن هشام المعيطي، عن أبان بن الوليد بن عقبة ابن أبي معيط قال: قدم عبد الله بن عباس على معاوية وأنا حاضر فأجازه، فأحسن جائزته ثم قال: يا أبا العباس هل لكم في دولة؟

فقال: إعفني يا أمير المؤمنين.

فقال: لتخبرني.

قال: نعم فأخبره.

قال: فمن أنصاركم؟

قال: أهل خراسان، ولبني أمية من بني هاشم بطحات رواه البيهقي.

وقال ابن عدي: سمعت ابن حماد، أنا محمد بن عبده ابن حرب، ثنا سويد بن سعيد، أنا حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وإذا معه جبريل - وأنا أظنه دحية الكلبي - فقال جبريل للنبي صل الله عليه وسلم: إنه لوسخ الثياب، وسيلبس ولده من بعده السواد، وذكر تمام الحديث في ذهاب بصره ثم عوده إليه قبل موته.

قال البيهقي: تفرد به حجاج بن تميم وليس بالقوي.

وقال البيهقي: أنا الحاكم، ثنا أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن بالونة في آخرين قالوا: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن معين، ثنا عبيد الله ابن أبي قرة، ثنا الليث بن سعيد، عن أبي فضيل، عن أبي ميسرة مولى العباس قال: سمعت العباس قال: كنت عند النبي صل الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: « إنظر هل ترى في السماء من شيء؟ »

قلت: نعم.

قال: « ما ترى؟ »

قلت: الثريا.

قال: « إما إنه سيملك هذه الأمة بعددها من صلبك ».

قال البخاري: عبيد ابن أبي قرة بغدادي سمع الليث لا يتابع على حديثه في قصة العباس.

وروى البيهقي من حديث محمد بن عبد الرحمن العامري - وهو ضعيف - عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال للعباس: « فيكم النبوة وفيكم الملك ».

وقال أبو بكر ابن خيثمة: ثنا يحيى بن معين، ثنا سفيان عن عمرو ابن دينار، عن أبي معبد قال: قال ابن عباس: كما فتح الله بأولنا فأرجو أن يختمه بنا، هذا إسناد جيد وهو موقوف على ابن عباس من كلامه.

وقال يعقوب بن سفيان: حدثني إبراهيم بن أيوب، ثنا الوليد، ثنا عبد الملك بن حميد عن أبي عتبة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس ونحن نقول: اثنا عشر أميرا واثنا عشر، ثم هي الساعة، فقال ابن عباس: ما أحمقكم إن منا أهل البيت بعد ذلك المنصور، والسفاح، والمهدي يرفعها إلى عيسى بن مريم وهذا أيضا موقوف.

وقد رواه البيهقي من طريق الأعمش عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعا: منا السفاح، والمنصور، المهدي، وهذا إسناد ضعيف، والضحاك لم يسمع من ابن عباس شيئا على الصحيح فهو منقطع والله أعلم.

وقد قال عبد الرزاق: عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة ابن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « يقتتل عند كيركم هذه ثلاثة كلهم ولد خليفة لا يصير إلى واحد منهم ثم تقبل الرايات السود من خراسان، فيقتلونهم مقتلة لم يروا مثلها ثم يجيء خليفة الله المهدي فإذا سمعتم فأتوه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي ».

أخرجه ابن ماجه عن أحمد بن يوسف السلمي ومحمد بن يحيى الذهلي، كلاهما عن عبد الرزاق به.

ورواه البيهقي من طرق عن عبد الرزاق ثم قال: تفرد به عبد الرزاق.

قال البيهقي: ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أسماء موقوفا.

ثم قال البيهقي: أنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا محمد بن غالب، ثنا كثير بن يحيى، ثنا شريك عن علي بن زيد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « إذا أقبلت الرايات السود من عقب خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي ».

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا الفضل بن سهل، ثنا عبد الله بن داهر الرازي، ثنا أبي عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صل الله عليه وسلم ذكر فتية من بني هاشم فاغرورقت عيناه وذكر الرايات، قال: « فمن أدركها فليأتها ولو حبوا على الثلج ».

ثم قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الحكم إلا ابن أبي ليلى، ولا نعلم يروى إلا من حديث داهر بن يحيى - وهو من أهل الرأي صالح الحديث - وإنما يعرف من حديث يزيد ابن أبي زياد عن إبراهيم.

وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا أبو هشام بن يزيد بن رفاعة، ثنا أبو بكر ابن عياش، ثنا يزيد ابن أبي زياد عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « تجيء رايات سود من قبل المشرق تخوض الخيل الدم إلى أن يظهروا العدل ويطلبون العدل فلا يعطونه، فيظهرون فيطلب منهم العدل فلا يعطونه » وهذا إسناد حسن.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان وقتيبة بن سعيد قالا: ثنا رشد بن سعد، قال يحيى بن غيلان: في حديثه، قال: حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب، عن قبيصة - هو ابن ذؤيب الخزاعي - عن أبي هريرة، عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال: « يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بأيليا ».

وقد رواه الترمذي عن قتيبة به، وقال: غريب.

ورواه البيهقي والحاكم من حديث عبد الله ابن مسعود عن رشدين بن سعد.

وقال البيهقي: تفرد به رشدين بن سعد، وقد روي قريب من هذا عن كعب الأحبار ولعله أشبه والله أعلم.

ثم روى من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا محمد عن أبي المغيرة عبد القدوس، عن إسماعيل بن عياش، عمن حدثه، عن كعب الأحبار قال: تظهر رايات سود لبني العباس حتى ينزلوا بالشام ويقتل الله على أيديهم كل جبار وكل عدو لهم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا جرير عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « يخرج عند انقطاع من الزمان وظهور زمن الفتن رجل يقال له: السفاح فيكون إعطاؤه المال حثوا ».

ورواه البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الصمد، عن أبي عوانة، عن الأعمش به، وقال فيه: « يخرج رجل من أهل بيتي يقال له: السفاح » فذكره وهذا الإسناد على شرط أهل السنن ولم يخرجوه، فهذه الأخبار في خروج الرايات السود من خراسان وفي ولاية السفاح وهو أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وقد وقعت ولايته في حدود سنة ثلاثين ومائة، ثم ظهر بأعوانه ومعهم الرايات السود وشعارهم السواد.

كما دخل رسول الله صل الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعلى رأسه المعفر وفوقه عمامة سوداء ثم بعث عمه عبد الله لقتال بني أمية فكسرهم في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وهرب من المعركة آخر خلفائهم وهو مروان بن محمد بن مروان ويلقب بمروان الحمار، ويقال له: مروان الجعدي لاشتغاله على الجعد بن درهم فيما قيل ودخل عمه دمشق واستحوذ على ما كان لبني أمية من الملك، والأملاك، والأموال، وجرت خطوب كثيرة سنوردها مفصلة في موضعها إن شاء الله تعالى.

وقد ورد عن جماعة من السلف في ذكر الرايات السود التي تخرج من خراسان بما يطول ذكره وقد استقصى ذلك نعيم بن حماد في كتابه، وفي بعض الروايات ما يدل على أنه لم يقع أمرها بعد وأن ذلك يكون في آخر الزمان كما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان.

وقد روى عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى تكون الدنيا للكع بن لكع ».

قال أبو معمر: هو أبو مسلم الخراساني - يعني: الذي أقام دولة بني العباس - والمقصود أنه تحولت الدولة من بني أمية إلى بني العباس في هذه السنة وكان أول قائم منهم أبو العباس السفاح، ثم أخوه أبو جعفر عبد الله المنصور باني مدينة السلام ثم من بعده ابنه المهدي محمد بن عبد الله ثم من بعده ابنه الهادي، ثم ابنه الآخر هارون الرشيد، ثم انتشرت الخلافة في ذريته على ما سنفصله إذا وصلنا إلى تلك الأيام، وقد نطقت هذه الأحاديث التي أوردناها آنفا بالسفاح، والمنصور، والمهدي، ولا شك أن المهدي الذي هو ابن المنصور ثالث خلفاء بني العباس ليس هو المهدي الذي وردت الأحاديث المستفيضة بذكره وأنه يكون في آخر الزمان، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.

وقد أفردنا للأحاديث الواردة فيه جزءا على حدة كما أفرد له أبو داود كتابا في سننه، وقد تقدم في بعض هذه الأحاديث آنفا، أنه يسلم الخلافة إلى عيسى بن مريم إذا نزل إلى الأرض والله أعلم.

وأما السفاح فقد تقدم أنه يكون في آخر الزمان فيبعد أن يكون هو الذي بويع أول خلفاء بني العباس، فقد يكون خليفة آخر وهذا هو الظاهر فإنه قد روى نعيم بن حماد عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو المعافري من قدوم الحميري سمع نفيع بن عامر يقول: يعيش السفاح أربعين سنة اسمه في التوراة طائر السماء.

قلت: وقد تكون صفة للمهدي الذي يظهر في آخر الزمان لكثرة ما يسفح أي يريق من الدماء لإقامة العدل، ونشر القسط، وتكون الرايات السود المذكورة في هذه الأحاديث إن صحت هي التي تكون مع المهدي ويكون أول ظهور بيعته بمكة، ثم تكون أنصاره من خراسان كما وقع قديما للسفاح والله تعالى أعلم.

هذا كله تفريع على صحة هذه الأحاديث، وإلا فلا يخلو سند منها عن كلام والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

عوامل سقوط الخلافة العباسية

1. إهمال الأمور العسكرية وقلة الحزم مع المنفصلين.
2. ظهور الشعوبية ومحاولاتها المستمرة الخروج عن العرب والمسلمين.
3. نظام توريث الحكم وتولية العهد لاكثر من واحد.
4. ضعف الخلفاء وتهاونهم وعدم اهتمامهم باستقلال بعض الولاة لاسيما الأقاليم البعيدة.
5. تعرض العالم الإسلامي لخطرين: الخطر الصليبي من الغرب، والخطر المغولي (التتار) من الشرق.
6. العصبيات المذهبية
7. اتساع رقعة الدولة وصعوبة ادارتها

إمارات عباسية نشأت بعد سقوط الخلافة

* إماراة الجعليين في السودان واستمرت حتى دخول الإنجليز وحكامها من نسل إبراهيم جعل "قيل جعل أي كثرة عطائه" وقيل "جعيل وتعني الخنفساء" وهو إبراهيم جعل بن إدريس بن قيس بن يمن بن عدي بن قصاص بن كرب بن أحمد ياطل بن محمد هاطل بن محمد ذي الكلاع بن سعد بن الفضل بن العباس بن محمد بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن العباس بن عبدالمطلب بن هاشم.
* إمارة بستك العباسية على ضفاف الخليج العربي في إيران وحكامها من العباسيين ومتمذهبين على مذهب الإمام الشافعي واستمرت حتى سيطر عليها الشاه عام 1967م وهاجر الكثير منهم بعدها إلى البحرين والامارات والمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية و اشهر تلك العوائل هم عائلة السيد قاسم سلطان البنا و عائلة السيد مصطفى الأستاد في الامارات بمدينة دبي
* مملكة بهاولبور في شبه القارة الهندية وحكامها من نسل الخلفاء العباسيين بمصر وكان لها علم خاص وطوابع بريدية وعملات واستمرت حتى قرر آخر حكامها الانضمام إلى باكستان عام 1947 جمعا لكلمة المسلمين وزهدا في الملك إلى ما عند الله.


المراجع

1. ^ أسباب سقوط الدولة الأموية، موقع المرجع محمد مدرسي، 22 شباط 2011.
2. ^ سقوط الخلافة الأموية، قصة الإسلام، 22 شباط 2011.
3. ^ ذهب إلى هذا الرأي جواد العلي في كتابه «تاريخ العرب في الإسلام»، وأحمد أمين في كتابه «فجر الإسلام» والمستشرق كارل بروكلمان في كتابه «تاريخ الشعوب الإسلامية» وعلي حسين خريوطلي في كتابه «عشر ثورات في الإسلام» وأحمد عباس صالح في كتابه «اليمين واليسار في الإسلام»؛ انظر سوريا صنع دولة وولادة أمة، وديع بشور، دار اليازجي، دمشق 1994، ص.160
4. ^ الدعوة العباسية ودورها في نهاية الدولة الأموية، بحوث ودراسات، 22 شباط 2011.
5. ^ خلافة أبو العباس السفاح، موسوعة الأسرة المسلمة، 22 شباط 2011.
6. ^ أبو جعفر المنصور، الحاكم الجاد، موقع أسرة باوزير العباسية الهاشمية، 22 شباط 2011.
7. ^ خلافة أبي جعفر المنصور، الموسوعة المسلمة، 22 شباط 2011.
8. ^ هارون الرشيد والعصر الذهبي للدولة العباسية، موقع أسرة آل باوزير، 24 شباط 2011.
9. ^ خلافة هارون الرشيد، قصة الإسلام، 24 شباط 2011.
10. ^ عبدالله المأمون، موق أسرة آل باوزير، 24 شباط 2011.
11. ^ الفكر السرياني وأثره على الفكر العربي، موقع كنيسة القديسة تريزا في حلب، 24 شباط 2011.
12. ^ خلق القرآن وقدمه، إسلام أون لاين، 24 شباط 2011.
13. ^ ثورة بابك الخرمي، الموسوعة العربية، 24 شباط 2011.
14. ^ ثورة الزط، الموسوعة العربية، 24 شباط 2011.
15. ^ الدول والإمارات التي استقلت عن الدولة العباسية، تاريخ الإسلام، 25 شباط 2011.
16. ^ الخلافة العباسية بين القوة والضعف والاستقواء، موقع مستغانم، 25 شباط 2011.
17. ^ سوريا صنع دولة، مرجع سابق، ص.157
18. ^ الواثق والمتوكل، موقع محافظة ريف دمشق، 25 شباط 2011.
19. ^ الشيعة في العصر العباسي، شبكة الشيعة العالمية، 25 شباط 2011.
20. ^ جاء في الكامل في التاريخ - ابن أثير، موقع الإيمان، 25 شباط 2011: في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي عليه السلام وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه فنادى عامل صاحب الشرطة بالناس في تلك الناحية‏:‏ من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق‏!‏ فهرب الناس وتركوا زيارته وحرث وزرع‏.‏
21. ^ سوريا صنع دولة، مرجع سابق، ص.158. يمكن أخذ فكرة عن الاضطهاد الذي وقع خلال خلافته على أقباط مصر على الاضطهاد الديني وتمييز الأقباط من خلال الزي الإسلامي، تاريخ الأقباط، 25 شباط 2011.
22. ^ ثورة الزنج، صوت الإسلام، 25 شباط 2011.

مصادر ومواقع خارجية

* سلسلة التاريخ السياسي للدولة العباسية.
* موقع أسرة آل باوزير العباسية الهاشمية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:10 am

الدولة العثمانية


الدولة العثمانية (بالتركية العثمانية: دَوْلَتِ عَلِيّه? عُثمَانِيّه؛[3] بالتركية الحديثة: Yüce Osmanl? Devleti) 
هي إمبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت قائمة لما يقرب من 600 سنة، وبالتحديد منذ حوالي 27 يوليو سنة 1299م حتى 29 أكتوبر سنة 1923م.[4]

بلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاثة: أوروبا وآسيا وأفريقيا، حيث خضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، غربي آسيا، وشمالي أفريقيا.[5] وصل عدد الولايات العثمانية إلى 29 ولاية، وكان للدولة سيادة إسمية على عدد من الدول والإمارات المجاورة في أوروبا، التي أضحى بعضها يُشكل جزءًا فعليًا من الدولة مع مرور الزمن، بينما حصل بعضها الآخر على نوع من الإستقلال الذاتي. كان للدولة العثمانية سيادة على بضعة دول بعيدة كذلك الأمر، إما بحكم كونها دولاً إسلامية تتبع شرعًا سلطان آل عثمان كونه يحمل لقب "أمير المؤمنين" و"خليفة المسلمين"، كما في حالة سلطنة آتشيه السومطرية التي أعلنت ولائها للسلطان في سنة 1565م؛ أو عن طريق استحواذها عليها لفترة مؤقتة، كما في حالة جزيرة "أنزاروت" في المحيط الأطلسي، والتي فتحها العثمانيون سنة 1585م.[6]

أضحت الدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان الأول "القانوني" (حكم منذ عام 1520م حتى عام 1566م)، قوّة عظمى من الناحيتين السياسية والعسكرية، وأصبحت عاصمتها القسطنطينية تلعب دور صلة الوصل بين العالمين الأوروبي المسيحي والشرقي الإسلامي،[7][8] وبعد انتهاء عهد السلطان سالف الذكر، الذي يُعتبر عصر الدولة العثمانية الذهبي، أصيبت الدولة بالضعف والتفسخ وأخذت تفقد ممتلكاتها شيئًا فشيئًا، على الرغم من أنها عرفت فترات من الانتعاش والإصلاح إلا أنها لم تكن كافية لإعادتها إلى وضعها السابق.

انتهت الدولة العثمانية بصفتها السياسية بتاريخ 1 نوفمبر سنة 1922م، وأزيلت بوصفها دولة قائمة بحكم القانون في 24 يوليو سنة 1923م، بعد توقيعها على معاهدة لوزان، وزالت نهائيًا في 29 أكتوبر من نفس السنة عند قيام الجمهورية التركية، التي تعتبر حاليًا الوريث الشرعي للدولة العثمانية.[9]

عُرفت الدولة العثمانية بأسماء مختلفة في اللغة العربية، لعلّ أبرزها هو "الدولة العليّة" وهو اختصار لاسمها الرسمي "الدولة العليّة العثمانية"، كذلك كان يُطلق عليها محليًا في العديد من الدول العربية، وخصوصًا بلاد الشام ومصر، "الدولة العثمليّة"، اشتقاقًا من كلمة "عثملى - Osmanl?" التركية، التي تعني "عثماني". ومن الأسماء الأخرى التي أضيفت للأسماء العربية نقلاً من تلك الأوروبية: "الإمبراطورية العثمانية" (بالتركية: Osmanl? ?mparatorlu?u)، كذلك يُطلق البعض عليها تسمية "السلطنة العثمانية"، و"دولة آل عثمان".

التاريخ

أصل العثمانيين وموطنهم الأول

العثمانيون قوم من الأتراك، فهم ينتسبون - من وجهة النظر الأثنيّة - إلى العرق الأصفر أو العرق المغولي، وهو العرق الذي ينتسب إليه المغول والصينيون وغيرهم من شعوب آسيا الشرقية.[10] وكان موطن الأتراك الأوّل في آسيا الوسطى، في البوادي الواقعة بين جبال آلطاي شرقًا وبحر قزوين في الغرب، وقد انقسموا إلى عشائر وقبائل عديدة منها عشيرة "قايي"،[10] التي نزحت في عهد زعيمها "كندز ألب" إلى المراعي الواقعة شماليّ غربي أرمينيا قرب مدينة خلاط، عندما استولى المغول بقيادة جنكيز خان على خراسان.[10] إن الحياة السياسية المبكرة لهذه العشيرة يكتنفها الغموض، وهي أقرب إلى الأساطير منها إلى الحقائق، وإنما كل ما يُعرف عنها هو استقرارها في تلك المنطقة لفترة من الزمن، ويُستدل على صحة هذا القول عن طريق عدد من الأحجار والقبور تعود لأجداد بني عثمان.[11] ويُستفاد من المعلومات المتوافرة أن هذه العشيرة تركت منطقة خلاط حوالي سنة 1229م تحت ضغط الأحداث العسكرية التي شهدتها المنطقة، بفعل الحروب التي أثارها السلطان جلال الدين الخوارزمي وهبطت إلى حوض نهر دجلة.[12]
قيام الدولة العثمانية (1299–1453)

توفي "كندز ألب" في العام التالي لنزوح عشيرته إلى حوض دجلة، فترأس العشيرة إبنه سليمان، ثم حفيده "أرطغرل" الذي ارتحل مع عشيرته إلى مدينة إرزينجان، وكانت مسرحًا للقتال بين السلاجقة والخوارزميين، فالتحق بخدمة السلطان علاء الدين سلطان قونية، إحدى الإمارات السلجوقية التي تأسست عقب انحلال دولة السلاجقة العظام،[13][معلومة 1] وسانده في حروبه ضد الخوارزميين، فكافأه السلطان السلجوقي بأن أقطع عشيرته بعض الأراضي الخصبة قرب مدينة أنقرة.[14] وظل أرطغرل حليفًا للسلاجقة حتى أقطعه السلطان السلجوقي منطقة في أقصى الشمال الغربي من الأناضول على الحدود البيزنطية، في المنطقة المعروفة باسم "سكود" حول مدينة أسكي شهر، حيث بدأت العشيرة هناك حياة جديدة إلى جانب إمارات تركمانية سبقتها إلى المنطقة.[11] علا شأن أرطغرل لدى السلطان بعد أن أثبت إخلاصه للسلاجقة، وأظهرت عشيرته كفاءة قتالية عالية في كل معركة ووجدت دومًا في مقدمة الجيوش وتمّ النصر على يدي أبنائها،[13] فكافأه السلطانبأن خلع عليه لقب "أوج بكي"، أي محافظ الحدود، اعترافًا بعظم أمره.[14] غير أن أرطغرل كان ذا أطماع سياسية بعيدة، فلم يقنع بهذه المنطقة التي أقطعه إياهاالسلطان السلجوقي، ولا باللقب الذي ظفر به، ولا بمهمة حراسة الحدود والحفاظ عليها؛ بل شرع يهاجم باسم السلطان ممتلكات البيزنطيين في الأناضول،[15] فاستولى على مدينة أسكي شهر وضمها إلى أملاكه، واستطاع أن يوسع أراضيه خلال مدة نصف قرن قضاها كأمير على مقاطعة حدودية، وتوفي في سنة 1281م عن عمر يُناهز التسعين عامًا،[16] بعد أن خُلع عليه لقب كبير آخر هو "غازي"،[17] تقديرًا لفتوحاته وغزواته.

بعد أرطغرل تولّى زعامة الإمارة ابنه البكر عثمان، فأخلص الولاء للدولة السلجوقية على الرغم مما كانت تتخبط فيه من اضطراب وما كان يتهددها من أخطار.[18] أظهر عثمان في بداية عهده براعة سياسية في علاقاته مع جيرانه، فعقد تحالفات مع الإمارات التركمانية المجاورة، ووجه نشاطه العسكري نحو الأراضي البيزنطية لاستكمال رسالة دولة سلاجقة الروم بفتح الأراضي البيزنطية كافة، وإدخالها ضمن الأراضي الإسلامية، وشجعه على ذلك حالة الضعف التي دبت في جسم الإمبراطورية البيزنطية وأجهزتها، وانهماكها بالحروب في أوروبا،[16] فأتاح له ذلك سهولة التوسع باتجاه غربي الأناضول، وفي عبور الدردنيل إلى أوروبا الشرقية الجنوبية. ومن الناحية الإدارية، فقد أظهر عثمان مقدرة فائقة في وضع النظم الإدارية لإمارته، بحيث قطع العثمانيون في عهده شوطًا كبيرًا على طريق التحول من نظام القبيلة المتنقلة إلى نظام الإدارة المستقرة، ما ساعدها على توطيد مركزها وتطورها سريعًا إلى دولة كبرى.[16] وقد أبدى السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباد الثالث تقديره العميق لخدمات عثمان، فمنحه لقب "عثمان غازي حارس الحدود العالي الجاه، عثمان باشا".[16]

أقدم عثمان بعد أن ثبّت أقدامه في إمارته على توسيع حدودها على حساب البيزنطيين، ففي عام 1291م فتح مدينة "قره جه حصار" الواقعة إلى الجنوب من سكود، وجعلها قاعدة له، وأمر بإقامة الخطبة باسمه،[19] وهو أول مظهر من مظاهر السيادة والسلطة، ومنها قاد عشيرته إلى بحر مرمرة والبحر الأسود.[18] وحين تغلب المغول على دولة قونية السلجوقية، سارع عثمان إلى إعلان استقلاله عن السلاجقة ولقّب نفسه "پاديشاه آل عثمان" أي عاهل آل عثمان،[20] فكان بذلك المؤسس الحقيقي لهذه الدولة التركية الكبرى التي نُسبت إليه لاحقًا.[18] وظلّ عثمان يحكم الدولة الجديدة بصفته سلطانًا مستقلاً حتى تاريخ 6 أبريل سنة 1326م، الموافق فيه 2 جمادى الأولى سنة 726هـ، عندما احتل ابنه "أورخان" مدينة بورصة الواقعة على مقربة من بحر مرمرة،[18] وفي هذه السنة توفي عثمان عن عمر يناهز السبعين عامًا،[21] بعد أن وضع أسس الدولة ومهد لها درب النمو والازدهار، وخُلع عليه لقب آخر هو "قره عثمان"، وهو يعني "عثمان الأسود" باللغة التركية الحديثة، لكن يُقصد به "الشجاع" أو "الكبير" أو "العظيم" في التركية العثمانية.[22]

عُني أورخان بتنظيم مملكته تنظيمًا محكمًا، فقسمها إلى سناجق أو ولايات، وجعل من بورصة عاصمةً لها، وضرب النقود باسمه، ونظّم الجيش، فألّف فرقًا من الفرسان النظاميين، وأنشأ من الفتيان المسيحيين الروم والأوروبيين الذين جمعهم من مختلف الأنحاء جيشًا قويًا عُرف بجيش الإنكشارية.[23] وقد درّب أورخان هؤلاء الفتيان تدريبًا صارمًا وخصّهم بامتيارات كبيرة، فتعلقوا بشخصه وأظهروا له الولاء. وعمل أورخان على توسيع الدولة، فكان طبيعيًا أن ينشأ بينه وبين البيزنطيين صراعٌ عنيف كان من نتيجته استيلاؤه على مدينتيّ إزميد ونيقية. وفي عام 1337م شنّ هجومًا على القسطنطينية عاصمة البيزنطيين نفسها، ولكنه أخفق في احتلالها.[24] ومع ذلك فقد أوقعت هذه الغزوة الرعب في قلب إمبراطور الروم "أندرونيقوس الثالث"، فسعى إلى التحالف معه وزوجه ابنته. ولكن هذا الزواج لم يحل بين العثمانيين وبين الاندفاع إلى الأمام، وتثبيت أقدامهم سنة 1357م في شبه جزيرة غاليبولي، وهكذا اشتد الخطر العثماني على القسطنطينية من جديد. شهد المسلمون في عهد أورخان أوّل استقرار للعثمانيين في أوروبا، وأصبحت الدولة العثمانية تمتد من أسوار أنقرة في آسيا الصغرى إلى تراقيا في البلقان،[25] وشرع المبشرون يدعون السكان إلى اعتناق الإسلام. توفي أورخان الأول في سنة 1360م بعد أن أيّد الدولة الفتيّة بفتوحاته الجديدة وتنظيماته العديدة، وتولّى بعده ابنه "مراد الله"، الملقب بمراد الأول.[26]

كانت فاتحة أعمال مراد الأول احتلال مدينة أنقرة مقر إمارة القرمان، وذلك أن أميرها واسمه علاء الدين، أراد انتهاز فرصة انتقال المُلك من السلطان أورخان إلى ابنهمراد لإثارة حمية الأمراء المجاورين وتحريضهم على قتال العثمانيين ليقوضوا أركان ملكهم الآخذ في الامتداد يومًا فيومًا، فكانت عاقبة دسائسه أن فقد أهم مدنه.[26] وتحالف مراد مع بعض أمراء الأناضول مقابل بعض التنازلات لصالح العثمانيين، وأجبر آخرين على التنازل له عن ممتلكاتهم، وبذلك ضمّ جزء من الممتلكات التركمانية إلى الدولة العثمانية.[معلومة 3] ثم وجّه اهتمامه نحو شبه جزيرة البلقان التي كانت في ذلك الحين مسرحًا لتناحر دائم بين مجموعة من الأمراء الثانويين، ففتح مدينة أدرنة سنة 1362م ونقل مركز العاصمة إليها لتكون نقطة التحرك والجهاد في أوروبا،[27] وقد ظلت عاصمة للعثمانيين حتى فتحوا القسطنطينية في وقت لاحق، كما تم فتح عدّة مدن أخرى مثل صوفيا وسالونيك، وبذلك صارت القسطنطينية محاطة بالعثمانيين من كل جهة في أوروبا.[27] وفي 12 يونيو سنة 1385م، الموافق فيه 19 جمادى الآخرة سنة 791هـ، التقت الجيوش العثمانية بالقوى الصربية - تساندها قوىً من المجر والبلغار والألبانيين - في إقليم "قوصوة"، المعروف حاليًا باسم "كوسو?و"، فدارت بين الطرفين معركة عنيفة انتصر فيها العثمانيون، إلا أن السلطان قتل في نهايتها على يد أحد الجنود الذي تظاهر بالموت.[27]




تولّى عرش آل عثمان بعد مراد الأول ابنه بايزيد، وعند ذلك كانت الدولة قد اتسعت حدودها بشكل كبير، فانصرف إلى تدعيمها بكل ما يملك من وسائل، وانتزع من البيزنطينيين مدينة "آلاشهر"، وكانت آخر ممتلكاتهم في آسيا الصغرى،[28] وأخضع البلغار عام 1393م إخضاعًا تامًا.[28] فجزع "سيگسموند" ملك المجر من هذا التوسع العثماني، خصوصًا بعد أن تاخمت حدود بلاده مناطق السيطرة العثمانية، فاستنجد بأوروبا الغربية، فدعا البابا "بونيفاس التاسع" إلى حملة صليبية جديدة ضد العثمانيين لمنعهم من التوغل في قلب أوروبا، فلبّى الدعوة ملك المجر سالف الذكر، وعدد من أمراء فرنسا[29] وبا?اريا[29] والنمسا[29] وفرسان القديس يوحنا في رودس[29] وجمهورية البندقية،[29] وقدمت إنگلترا مساعدات عسكرية.[30] تقابل الجيشين العثماني والأوروبي في 25 سبتمبر سنة 1396م، الموافق فيه 21 ذي الحجة سنة 798هـ، ودارت بينهما رحى معركة ضارية هُزم فيها الأوروبيون وردوا على أعقابهم.[28] حاصر بايزيد القسطنطينية مرتين متواليتين، ولكن حصونها المنيعة صمدت في وجه هجماته العنيفة، فارتد عنها خائبًا.[28] ولم ينس بايزيد وهو يوجه ضرباته الجديدة نحو الغرب، أن المغول يستعدون للانقضاض عليه من جهة الشرق، وخاصةً بعد أن ظهر فيهم رجلٌ عسكري جبّار هو تيمورلنك الشهير المتحدّر من سلالة 
جنكيز خان.[31][32] لذلك عمل بايزيد على تعزيز مركزه في آسيا الصغرى استعدادًا للموقعة الفاصلة بينه وبين تيمورلنك. وهكذا خف الضغط العثماني على البيزنطيين، وتأخر سقوط القسطنطينية في أيدي العثمانيين خمسين سنة ونيفًا.[28] وفي ربيع سنة 1402م، تقدّم تيمورلنك نحو سهل أنقرة لقتال بايزيد، فالتقى الجمعان عند "جُبق آباد" ودارت معركة طاحنة انهزم فيها العثمانيون وأُسر السلطان بايزيد وحمله المغول معهم عائدين إلى سمرقند عاصمة الدولة التيمورية،[معلومة 4] حيث عاش بقية أيامه ومات في سنة 1403م.[33]

وبعد موت السلطان بايزيد تجزأت الدولة إلى عدّة إمارت صغيرة كما حصل بعد سقوط الدولة السلجوقية، لأن تيمورلنك أعاد إلى أمراء قسطموني وصاروخان وكرميان وآيدين ومنتشا وقرمان ما فقدوه من البلاد.[34] واستقل في هذه الفترة كل من البلغار والصرب والفلاخ، ولم يبق تابعًا للراية العثمانية إلا قليل من البلدان. ومما زاد الخطر على الدولة عدم اتفاق أولاد بايزيد على تنصيب أحدهم، بل كان كل منهم يدعي الأحقية لنفسه،[34] فنشبت بينهم حروب ضارية، ولكن النصر كان آخر الأمر من نصيب محمد بن بايزيد، المُلقب بمحمد الأول أو "محمد چلبي"، الذي استطاع أن يعيد للدولة بعض ما فقدته من أملاكها في الأناضول.[35] وبعد محمد الأول تولّى عرش السلطنة العثمانية مراد الثاني، فاستمر بإخضاع المدن والإمارات التي استقلت عن الدولة العثمانية، وحاصر القسطنطينية، ولكنه لم يُوفق إلى احتلالها.[36] ثم حاول أن يعيد إخضاع البلقان لسيطرته، ففتح عدّة مدائن وقلاع وحاول أن يضم إليها مدينة بلغراد لكنه فشل في اقتحامها،[37] فكان هذا الهجوم إنذارًا جديدًا لأوروبا بالخطر العثماني، فقامت قوات مجرية - وعلى رأسها يوحنا هونياد - بالإلتحام مع العثمانيين وهزمتهم هزيمة قاسية كان من نتائجها بعث الروح الصليبية في أوروبا، وإعلان النضال الديني ضد العثمانيين.[36]

ولمّا توفي السلطان مراد الثاني ارتقى عرش العثمانيين ابنه محمد، فكان عليه بادئ الأمر أن يُخضع ثورة نشبت ضده في إمارة قرمان بآسيا الصغرى، فاستغل الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الحادي عشر هذا الأمر، وطلب من السلطان مضاعفة الجزية التي كان والده يدفعها إلى البيزنطيين لقاء أسرهم الأمير أورخان حفيد سليمان بن بايزيد المطالب بالعرش العثماني.[36] فاستاء السلطان محمد من هذا الطلب لما كان ينطوي عليه من تهديد بتحريض أورخان هذا على العصيان، فأمر بإلغاء الراتب المخصص له، وراح يتجهّز لحصار القسطنطينية والقضاء على هذه المدينة في أقرب فرصة ممكنة. وكان أوّل ما قام به في هذا السبيل تشييده عند أضيق نقطة من مضيق البوسفور قلعة "روملي حصار" القائمة على بعد سبعة كيلومترات من أبواب القسطنطينية.[36] وعندئذ أرسل الإمبراطور قسطنطين بعثة من السفراء إلى السلطان محمد لتحتجّ لديه على ذلك، فلم يلقوا منه جوابًا شافيًا،[38] بل أصرّ على البناء لما في القلعة من أهمية استراتيجية. واستنجد الإمبراطور قسطنطين بالدول الأوروبية فلم تنجده إلا بعض المدن الإيطالية، أما البابا فقد أبدى استعداده لمساعدة الإمبراطور شرط أن تتحد الكنيستان الشرقية والغربية، ووافق قسطنطين على المشروع، ولكنّ تعصّب الشعب حال دون تحقيق ذلك.[36][معلومة 5]

وكان السلطان قد حشد لقتال البيزنطيين جيشًا عظيمًا مزودًا بالمدافع الكبيرة وأسطولاً ضخمًا، وبذلك حاصرهم من ناحيتيّ البر والبحر معًا. والواقع أن البيزنطيين استماتوا في الدفاع عن عاصمتهم، لكن ما أن مضى 53 يومًا على الحصار حتى كان العثمانيون قد دخلوا المدينة بعد أن هُدمت أجزاء كبيرة من أسوارها بفعل القصف المدفعي المتكرر،[39] واشتبكوا مع البيزنطيين في قتال عنيف جدًا دارت رحاه في الشوارع، وذهب ضحيته الإمبراطور نفسه وكثير من جنوده.[39] حتى إذا انتصف النهار دخل محمد المدينة وأصدر أمره إلى جنوده بالكف عن القتال، بعد أن قضى على المقاومة البيزنطية ونشر راية السلام.[36] اتخذ السلطانمحمد لقب "الفاتح" بعد فتح المدينة، وأضاف إليه لقب "قيصر الروم"، على الرغم من عدم اعتراف بطريركية القسطنطينية ولا أوروبا الغربية بهذا الأمر، ونقل مركز العاصمة من أدرنة إلى القسطنطينية التي غيّر اسمها إلى "إسلامبول، أي مدينة الإسلام أو تخت الإسلام،[40] وأعطى للمسيحين الآمان وحرية إقامة شعائرهم الدينية،[41] ودعا من هاجر منهم خوفًا إلى العودة إلى بيوتهم. سقطت الإمبراطورية البيزنطية عند فتح المدينة بعد أن استمرت أحد عشر قرنًا ونيفًا، وتابع السلطان محمد فتوحاته في أوروبا خلال السنوات اللاحقة التي أعقبت سقوط القسطنطينية، فأخضع بلاد الصرب وقضى على استقلالها، وفتح بلاد المورة في جنوب اليونان، وإقليم الأفلاق وبلاد البشناق وألبانيا، وهزم البندقية ووحد الأناضول عبر قضائه على إمبراطورية طرابزون الرومية وإمارة قرمان.[40] وقد حاولالسلطان محمد أيضًا فتح إيطاليا لكن وافته المنية سنة 1481م،[معلومة 6] فانصرف العثمانيون عن هذه الجهة.[40]
دور التوسع والقوة (1453–1683)

يُمكن تقسيم هذه الفترة في التاريخ العثماني إلى حقبتين مميزتين: حقبة النمو والإزدهار العسكري والثقافي والحضاري والاقتصادي، وهي تمتد حتى سنة 1566م، وحقبة شهدت بأغلبها ركودًا سياسيًا وعسكريًا، وتخللتها فترات إصلاح وانتعاش، وقد دامت حتى سنة 1683م.

حقبة النمو والإزدهار (1453–1566)

بعد موت السلطان محمد الفاتح تنازع إبناه "جم" و"بايزيد" على العرش. ولكن الغلبة كانت من نصيب بايزيد، ففر جم إلى مصر حيث احتمى بسلطان المماليك "قايتباي"،[42] ثم إلى رودس حيث حاول أن يتعاون مع فرسان القديس يوحنا والدول الغربية على أخيه، لكن بايزيد استطاع إقناع دولة الفرسان بإبقاء الأمير جم على الجزيرة مقابل مبلغ من المال،[43] وتعهد بأن لا يمس جزيرتهم طيلة فترة حكمه،[42] فوافقوا على ذلك، لكنهم عادوا وسلموا الأمير إلى البابا "إنوسنت الثامن" كحل وسط، وعند وفاة الأخير قام خليفته بدس السم للأمير بعد أن أجبره الفرنسيون على تسليمهم إياه، فتوفي في مدينة ناپولي، ونقل جثمانه فيما بعد إلى بورصة ودُفن فيها.[42] اتصف السلطان بايزيد بأنه سلطان مسالم لا يدخل الحروب إلا مدافعًا، فقاتل جمهورية البندقية بسبب الهجمات التي قام بها أسطولها على بلاد المورة، وحارب المماليك حين قرر السلطان قايتباي السيطرة على إمارة ذي القدر ومدينة ألبستان التابعتين للدولة العثمانية، وعدا ذلك فكان يفضل مجالسة العلماء والأدباء.[44] وفي عهده سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس؛ فبعث بعدّة سفن لتحمل الأندلسيين المسلمين واليهود إلى القسطنطينية وغيرها من مدن الدولة،[45] وفي عهده أيضًا ظهرت سلالة وطنية شيعية في بلاد فارس، هي السلالة الصفوية، التي استطاعت بزعامة الشاه إسماعيل بن حيدر، أن تهدد بالخطر إمبراطورية العثمانيين في الشرق.

وفي أواخر عهد بايزيد دبّ النزاع بين أولاده بسبب من ولاية العهد. ذلك أن بايزيد اختار ابنه أحمد لخلافته، فغضب إبنه الآخر سليم، وأعلن الثورة على والده، وكان لثورة سليم أسباب سياسية ومذهبية وتجارية وعرقية،[46] ذلك أن الصفويين كانوا يعملون على نشر المذهب الشيعي في الأناضول على حساب المذهب السني، وقطعوا طريق التجارة مع الهند والشرق الأقصى، ومنعوا نزوح المزيد من قبائل التركمان من آسيا الوسطى إلى الأناضول وأوروبا الشرقية، وكان الشاه إسماعيل يدعم الأمير أحمد للوصول إلى سدة الحكم ولم يحرك الأخير ساكنًا لمنع التدخل الصفوي في الشؤون العثمانية. نتيجة لكل ما سلف، ثار سليم على والده وشقيقه ثم استولى على أدرنة، فما كان من بايزيد إلا أن انبرى لقتال ابنه سليم، فهزمه وقرر نفيه، لكن الجنود الإنكشارية قاموا بالضغط على السلطان وأرغموه بالتنازل عن العرش لصالح ابنه سليم.[47] وقد مات بايزيد يوم 26 مايو سنة 1512م، الموافق فيه 10 ربيع الأول سنة 918هـ،[48] واختلف المؤرخون على سبب الوفاة. كان على سليم، بعد اعتلائه العرش، تثبيت أقدامه في الحكم والتفاهم مع الدول الأوروبية الفاعلة ليتفرغ لأخطر أزمة واجهتها الدولة منذ أعقاب معركة أنقرة، ألا وهي القضية الصفوية، فأقدم على قتل إخوته وأولادهم حتى لا يبقى له منازع في الحكم، ثم أبرم هدنة طويلة مع الدول الأوروبية المجاورة، وحوّل انتباهه إلى الجبهة الشرقية لمواجهة الصفويين والمماليك.[49] وكان السلطان سليم يهدف إلى السيطرة على طرق التجارة بين الشرق والغرب، والتوسع على حساب القوى في المشرق، والقضاء على المد الشيعي،[50] وتوحيد الأمصار الإسلامية الأخرى حتى تكون يدًا واحدة في مواجهة أوروبا، وخاصة بعد سقوط الأندلس وقيام البرتغاليين بالتحالف مع الصفويين وإنشائهم لمستعمرات في بعض المواقع في جنوب العالم الإسلامي.[47] وكان الشيعة المقيمون في آسيا الصغرى قد ثاروا على الدولة العثمانية اعتمادًا على تأييد الصفويين، فأخضع سليم هذه الثورة وعمد إلى اضطهاد الشيعة، فذهب ضحية هذه السياسة أربعون ألفًا منهم، ثم انبرى لقتال الشاه، فالتقى الفريقان في سهل چالديران والتحما في معركة كبيرة كان النصر فيها لصالح السلطان سليم،[51] وفرّ الشاه ناجيًا بحياته، أما سليم فتقدم إلى تبريز عاصمة خصمه الصفوي، فاستولى عليها ورجع عائدًا إلى بلاده.[52]

تقدم العثمانيون، بعد انتصارهم على الصفويين، لإخضاع السلطنة المملوكية،[معلومة 7] فنشبت بينهم وبين المماليك معركة على الحدود الشاميّة التركية تُعرف بمعركة مرج دابق، انتصر فيها العثمانيون وقُتل سلطان المماليك "قنصوه الغوري"، ثم تابعوا زحفهم نحو مصر والتحموا بالمماليك من جديد في معركة الريدانية التي قررت مصير مصر كلها،[52] وانتصروا عليهم مجددًا ودخلوا القاهرة فاتحين. وفي أثناء ذلك قدّم شريف مكة مفاتيح الحرمين الشريفين إلى السلطان سليم إعترافًا بخضوع الأراضي المقدسة الإسلامية للعثمانيين،[52] وتنازل في الوقت ذاته آخر الخلفاء العباسيين، محمد الثالث المتوكل على الله، عن الخلافة لسلطان آل عثمان، فأصبح كل سلطان منذ ذلك التاريخ خليفة للمسلمين، ويحمل لقب "أمير المؤمنين" و"خليفة رسول رب العالمين". وعند نهاية حملته الشرقية، كان السلطان سليم قد جعل من الدولة العثمانية قوة إقليمية كبرى ومنافسًا كبيرًا للإمبراطورية البرتغالية على زعامة المنافذ المائية العربية.[53] توفي السلطان سليم في 22 سبتمبر سنة 1520م، الموافق فيه 9 شوّال سنة 926هـ، وهو على أهبة الاستعداد لقتال فرسان القديس يوحنا في رودس.[54] فارتقى العرش من بعده ابنه سليمان، الذي يُعرف في الشرق باسم "القانوني"، ويُعرف في الغرب باسم "العظيم". والواقع أن الفتوح في الشرق شغلت السلطان سليم طوال أيام حكمه، فكان طبيعيًا أن ينصرفالسلطان سليمان إلى ناحية الغرب ليُتم الفتوح التي كان أسلافه قد بدأوها من قبله.[55] واحتل سليمان مدينة بلغراد في سهولة، عام 1521م، وعقد العزم على ما كان أبوه السلطان سليم قد شرع يستعد له قبل وفاته، أي الاستيلاء على جزيرة رودس، فتمكن من ذلك في سنة 1523م،[55] ثمّ ضمّ إلى الأملاك العثمانية القسم الجنوبي والأوسط من مملكة المجر، بعد أن استغل الأوضاع الداخلية المضطربة للمملكة،[معلومة 8] والأوضاع الخارجية الملائمة.[56][57]
اشتبكت الجيوش العثمانية مع نظيرتها المجرية في وادي موهاج بالمجر بتاريخ 26 أغسطس سنة 1526م، في معركة دامت حوالي الساعتين، وانتصر فيها العثمانيين نصرًا كبيرًا وثبتوا أقدامهم في البلاد لفترة طويلة من الزمن، وعين السلطان "جان زابوليا" ملك ترانسل?انيا حاكمًا عليها،[58] عندئذ أرسل فرديناند ملك النمسا، وفدًا إلى السلطان يلتمس منه الإعتراف به ملكًا على المجر، فسخر سليمان من الوفد وزجّ أعضاءه في السجن فترة من الزمن، ولمّا أفرج عنهم حمّلهم رسالة إلى الملك ليستعد لملاقاته. وقاتل سليمان فرديناد بجيش عظيم، فلم يصمد في وجهه، فراح سليمان يتعقبه حتى ?يينا العاصمة، وهنا ضرب سليمان الحصار على هذه المدينة القائمة في قلب أوروبا، وأحدثت الجنود العثمانية ثغرًا في أسوارها إلا أن الذخيرة والمؤن نفدت منهم، وأقبل فصل الشتاء فقفل السلطان ورجع إلى بلاده.[59] وفي عام 1532م، عاود سليمان الكرّة، فحاصر ?يينا من جديد، ولكن التوفيق خانه في حملته الثانية هذه أيضًا، فعقد مع فرديناند صلحًا احتفظ بموجبه بجميع ما استولى عليه من الأراضي المجرية. وكان مما رغّب سليمان في عقد الصلح اضطراره إلى الإلتفات صوب الشرق بعد أن توترت العلاقات بينه وبين "طهماسب بن إسماعيل الصفوي" شاه فارس، وتفصيل ذلك أن عامل بغداد من قبل طهماسب خان مولاه الصفوي وانحاز إلى العثمانيين بناءً على إلحاح الشعب بسبب سياسة التطرف المذهبي التي انتهجها الصفويون،[60] فسار إليه طهماسب يريد تأديبه، فلم يكن من السلطان سليمان إلا أن اغتنم هذه الفرصة للإنقضاض على بلاد فارس، وهكذا احتل تبريز عاصمة الفرس، ثم استولى على بغداد ودخلها في أبّهة بالغة.[61]

حقق العثمانيون أيام السلطان سليمان عدّة فتوحات بحرية مهمة، وذلك بفضل البحّار يوناني الأصل، خير الدين بربروس، الذي كان سبق وضمّ الجزائر للدولة العثمانية أيام السلطان سليم. عيّن السلطان سليمان خير الدين هذا أميرًا للبحر عام 1533م، فنهض بالأسطول العثماني نهضة جبارة مكنته من انتزاع تونس من أيدي الإسبان وإخضاعها للسلطة العثمانية ولو لفترة قصيرة من الزمن. وفي سنة 1538م حقق خير الدين للدولة العثمانية نصرًا بحريًا كبيرًا، فقد وفّق إلى إنزال هزيمة قاسية بأندريا دوريا الذي كان يقود أساطيل كارلوس الخامس ملك إسبانيا والبابا بولس الثالث والبندقية مجتمعة،[62][63] وذلك قرب بروزة، الواقعة على خليج آرتا في الشمال الغربي من اليونان. ومن الفتوح الهامة التي حققها الأسطول العثماني في عهد السلطان سليمان، فتح طرابلس الغرب وتحريرها من الإسبان وفرسان القديس يوحنا على يد القبطان "طورغول بك".[58] توفي السلطان سليمان في 5 سبتمبر سنة 1566م، الموافق فيه 20 صفر سنة 974هـ، وكانت الدولة العثمانية آنذاك قد بلغت أعلى درجات الكمال وأصبح وجودها ضروريًا لحفظ التوازن السياسي في الشرق الأوسط وأوروبا، ووصل عدد سكانها إلى 15,000,000 نسمة بحسب بعض المصادر.[64]

حقبة الركود والانتعاشات (1566–1683)

يُعتبر عصر سليمان القانوني عصر الدولة العثمانية الذهبي، وما أن انقضى هذا العصر حتى أصاب الدولة الضعف والتفسخ. فقد كان سليم الثاني، خليفة سليمان، سلطانًا ضعيفًا لا يتصف بما يؤهله للقيام بحفظ فتوحات أبيه فضلاً عن إضافة شيء إليها، بالإضافة إلى أنه كان حاكمًا منحلاً خاملاً، وكان ماجنًا سكّيرًا.[65] وما يميّز عهد هذا السلطان هو أن وظيفة الصدر الأعظم أصبحت تجعل من يتقلدها الحاكم الفعلي وقائد الجيوش،[66] فلولا وجود الصدر الأعظم محمد باشا صقللي المخضرم في الأعمال السياسية والحربية للحق الدولة الفشل،[67] لكن حسن سياسة هذا الرجل وعظم اسم الدولة ومهابتها في قلوب أعدائها حفظها من السقوط مرة واحدة.[67] ومن أعمال محمد باشا صقللي أن أرسل جيشًا كبيرًا إلى اليمن سنة 1569م بقيادة عثمان باشا يسانده سنان باشا والي مصر، لقمع ثورة الأهالي، وتمكن الجيش من إخماد الثورة، ودخل مدينة صنعاء بعد أن فتح جميع القلاع.[67] ومن أعمال الصدر الأعظم أيضًا فتح جزيرة قبرص وانتزاعها من أيدي البنادقة.[67] شنّت الدولة العثمانية في عام 1569م أيضًا حملة على مدينة أسترخان، الواقعة على مصب نهر ال?ولغا في بحر قزوين، بهدف استرداد الإمارة ووضع حد لامتداد روسيا من ناحية الجنوب، خشية أن يؤدي توسعها إلى استيلائها على الطرق التجارية والأسواق الكبرى وإلى هيمنتها على تجارة البلدان الإسلامية،[68] إلا أن هذه الحملة كان مصيرها الفشل، بسبب امتناع خاقان القرم، "دولت گراي الأول"، عن التعاون مع الجيش العثماني وسعيه شخصيًا لأن يقوم بالاستيلاء على أسترخان وقازان، كما تعذر ضرب الحصار على المدينة لأن الروس بنوا قلعة قوية إلى الجنوب منها، على الطريق المؤدية إليها حالت دون تقدم الجيش العثماني.[69]

وفي عهد السلطان سليم الثاني جرت موقعة ليبانتو البحرية التي هزّت صورة البحرية العثمانية والجيش العثماني الذي اعتبره كثيرون لا يُقهر. وتفصيل ذلك أنه بعد ازدياد الخطر العثماني في البحر المتوسط على أوروبا، وخاصة بعد فتح جزيرة قبرص، وبعض المواقع على البحر الأدرياتيكي،[66] تحالف فيليب الثاني ملك إسبانيا مع البابا بيوس الخامس وجمهورية البندقية لوقف التقدم العثماني باتجاه إيطاليا من جهة، واسترداد جميع المواقع التي فتحوها على حساب أوروبا وبخاصة في شمال أفريقيا، من جهة أخرى. فجمعوا مائتين وثلاثين سفينة وثلاثين ألف جندي،[70] وسلموا لواء القيادة إلى الدون يوحنا النمساوي، الذي أبحر إلى خليج پاتراس، أحد فروع البحر الأيوني، وهناك اشتبك الأسطولان العثماني والأوروبي في معركة بحرية طاحنة هي إحدى أكبر المعارك في التاريخ الحديث، أسفرت عن انتصار الأوروبيين وانهزام العثمانيين هزيمة منكرة.[67] ولم تُقعد هذه الحادثة همّة الصدر الأعظم محمد باشا صقللي، بل انتهز فرصة الشتاء وعدم إمكانية استمرار الحرب لتجهيز أسطول جديد، وبذل النفس والنفيس في تجهيزه وتسليحه حتى إذا أقبل صيف سنة 1572م كان قد تمّ بناء 250 سفينة بما فيها 8 غلايين حديثة،[71] وأعلم الصدر الأعظم البنادقة باستعداده للجولة الثانية،[71] ففضلت البندقية أن تجنح للسلام ووقعت مع الدولة العثمانية معاهدة بذلك سنة 1573م،[72] فتفرغ العثمانيون لمحاربة إسبانيا التي عادت لاحتلال تونس، وكذلك هزموا أمير البغدان الذي تمرّد على الدولة طلبًا للاستقلال.[67]

توفي السلطان سليم الثاني يوم 12 ديسمبر سنة 1574م، الموافق فيه 27 شعبان سنة 982هـ،[67] وتولّى بعده ابنه مراد الثالث. وفي عهد هذا السلطانتدخلت الدولة العثمانية في انتخاب حليفها "أتيين باتوري"، أمير ترانسل?انيا، ملكًا على بولندا بعد شغور العرش، وبذا تحولت الحماية العثمانية على بولندا من حماية اسمية إلى حماية فعلية.[74] وساعد العثمانيون سلطان مراكش لإخماد ثورة اندلعت في بلاده، فاصطدموا مع الثوّار والبرتغاليين الذين ساندوهم في موقعة القصر الكبير وانتصروا عليهم وأعادوا السلطان إلى الحكم.[66] أما أهم ما حصل في عهد السلطان مراد الثالث هو التوسع العثماني في الشرق، على حساب الدولة الصفوية، فبعد وفاة الشاه طهماسب الأول من غير أن يسمي من سيخلفه، تنازع أبناؤه على السلطة، فأرسل الصدر الأعظم محمد باشا صقللي حملة عسكرية إلى بلاد فارس لفتح ما تيسر من مدنها، فضموا إليهم من أملاكها بلاد الكرج، ثم أذربيجان الشمالية، ثم بلاد داغستان.[75]
تعرضت الدولة العثمانية بعد هذه الغزوات لخضّة سياسية عنيفة، عندما تقلّص نفوذ الصدر الأعظم محمد باشا صقللي، ومن ثم قُتل في سنة 1579م، فعمّت الفوضى بعد موته بفعل ضعف حلفائه وتمرّد الإنكشارية، وراح الولاة يتنافسون فيما بينهم على منصب الصدارة العظمى. وفي عام 1590م أبرم العثمانيون صلحًا مع الصفويين، أعترفوا فيه بما تم ضمه إلى الدولة العثمانية، إضافةً إلى جنوب أذربيجان بما فيها العاصمة تبريز.[66] وبعد إبرام الصلح استتب الأمن على حدود الدولة، إن في الشرق أو في الغرب، فثار الإنكشارية في القسطنطينية وفي الولايات نظرًا لهبوط قيمة أجورهم، الأمر الذي دفع الصدر الأعظم الجديد، سنان باشا، أن يشغلهم بالحروب مع النمسا في المجر،[76] ونظرًا لما وصل إليه الإنكشارية من فوضى توالت عليهم الهزائم، وفقدوا بعض القلاع، وعلى الرغم من أن سنان باشا استطاع أن يستردها لاحقًا،[76] إلا أن أمراء الأفلاق والبغدان وترانسل?انيا استغلوا الموقف وانتصروا على الجيوش العثمانية في بضعة معارك واستردوا منهم بعض المدن.[76] وتوفي السلطان مراد الثالث مساء 19 يناير سنة 1595م، الموافق فيه 8 جمادى الأولى سنة 1003هـ، بعد أن أصيب بداء عياء.[1]

تولّى عرش آل عثمان بعد مراد الثالث ابنه محمد، الذي خرج عن القاعدة التي استفحلت منذ أيام جده سليم الثاني، وهي تولي الصدر الأعظم قيادة الجيش، فقاد الجيوش بنفسه وخرج لقتال المجر والنمسا، وانتصر عليهم في موقعة كرزت سنة 1596م.[77] وفي بداية القرن السابع عشر حصلت في الأناضول ثورة داخلية كادت أن تكون عاقبتها وخيمة على الدولة، خصوصًا وأن نار الحروب كانت مشتعلة على حدود المجر والنمسا، وخلاصتها أن قائد إحدى فرق الإنكشارية التي نفيت إلى الأناضول عقابًا لها لعدم ثباتها في موقعة كرزت، إدعى أنه رأى النبي محمد في منامه يبشره بالنصر على العثمانيين،[78] فأعلن العصيان وثار على الدولة وقام بعدد من الفتن إلى جانب شقيقه، ثم مات بعد أن أصيب بجراح في إحدى المعارك،[78] لكن شقيقه استمر يعصي الدولة إلى أن أعطته ولاية البوسنة ليحارب الأوروبيين حتى هلكت جيوشه عن آخرها في المناوشات المستمرة بينها وبين النمسا والمجر.[79] وأعقبت هذه الثورة الكبيرة ثورة أخرى في القسطنطينية هي ثورة الخيالة، الذين طالبوا بتعويضهم عما لحق بهم من أضرار جرّاء الثورة السابقة، فاستعانت الدولة عليهم بجنود الإنكشارية وأدخلتهم في طاعتها مجددًا.[78]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:11 am

حقبة الركود والانتعاشات (1566–1683)

يُعتبر عصر سليمان القانوني عصر الدولة العثمانية الذهبي، وما أن انقضى هذا العصر حتى أصاب الدولة الضعف والتفسخ. فقد كان سليم الثاني، خليفة سليمان، سلطانًا ضعيفًا لا يتصف بما يؤهله للقيام بحفظ فتوحات أبيه فضلاً عن إضافة شيء إليها، بالإضافة إلى أنه كان حاكمًا منحلاً خاملاً، وكان ماجنًا سكّيرًا.[65] وما يميّز عهد هذا السلطان هو أن وظيفة الصدر الأعظم أصبحت تجعل من يتقلدها الحاكم الفعلي وقائد الجيوش،[66] فلولا وجود الصدر الأعظم محمد باشا صقللي المخضرم في الأعمال السياسية والحربية للحق الدولة الفشل،[67] لكن حسن سياسة هذا الرجل وعظم اسم الدولة ومهابتها في قلوب أعدائها حفظها من السقوط مرة واحدة.[67] ومن أعمال محمد باشا صقللي أن أرسل جيشًا كبيرًا إلى اليمن سنة 1569م بقيادة عثمان باشا يسانده سنان باشا والي مصر، لقمع ثورة الأهالي، وتمكن الجيش من إخماد الثورة، ودخل مدينة صنعاء بعد أن فتح جميع القلاع.[67] ومن أعمال الصدر الأعظم أيضًا فتح جزيرة قبرص وانتزاعها من أيدي البنادقة.[67] شنّت الدولة العثمانية في عام 1569م أيضًا حملة على مدينة أسترخان، الواقعة على مصب نهر ال?ولغا في بحر قزوين، بهدف استرداد الإمارة ووضع حد لامتداد روسيا من ناحية الجنوب، خشية أن يؤدي توسعها إلى استيلائها على الطرق التجارية والأسواق الكبرى وإلى هيمنتها على تجارة البلدان الإسلامية،[68] إلا أن هذه الحملة كان مصيرها الفشل، بسبب امتناع خاقان القرم، "دولت گراي الأول"، عن التعاون مع الجيش العثماني وسعيه شخصيًا لأن يقوم بالاستيلاء على أسترخان وقازان، كما تعذر ضرب الحصار على المدينة لأن الروس بنوا قلعة قوية إلى الجنوب منها، على الطريق المؤدية إليها حالت دون تقدم الجيش العثماني.[69]

وفي عهد السلطان سليم الثاني جرت موقعة ليبانتو البحرية التي هزّت صورة البحرية العثمانية والجيش العثماني الذي اعتبره كثيرون لا يُقهر. وتفصيل ذلك أنه بعد ازدياد الخطر العثماني في البحر المتوسط على أوروبا، وخاصة بعد فتح جزيرة قبرص، وبعض المواقع على البحر الأدرياتيكي،[66] تحالف فيليب الثاني ملك إسبانيا مع البابا بيوس الخامس وجمهورية البندقية لوقف التقدم العثماني باتجاه إيطاليا من جهة، واسترداد جميع المواقع التي فتحوها على حساب أوروبا وبخاصة في شمال أفريقيا، من جهة أخرى. فجمعوا مائتين وثلاثين سفينة وثلاثين ألف جندي،[70] وسلموا لواء القيادة إلى الدون يوحنا النمساوي، الذي أبحر إلى خليج پاتراس، أحد فروع البحر الأيوني، وهناك اشتبك الأسطولان العثماني والأوروبي في معركة بحرية طاحنة هي إحدى أكبر المعارك في التاريخ الحديث، أسفرت عن انتصار الأوروبيين وانهزام العثمانيين هزيمة منكرة.[67] ولم تُقعد هذه الحادثة همّة الصدر الأعظم محمد باشا صقللي، بل انتهز فرصة الشتاء وعدم إمكانية استمرار الحرب لتجهيز أسطول جديد، وبذل النفس والنفيس في تجهيزه وتسليحه حتى إذا أقبل صيف سنة 1572م كان قد تمّ بناء 250 سفينة بما فيها 8 غلايين حديثة،[71] وأعلم الصدر الأعظم البنادقة باستعداده للجولة الثانية،[71] ففضلت البندقية أن تجنح للسلام ووقعت مع الدولة العثمانية معاهدة بذلك سنة 1573م،[72] فتفرغ العثمانيون لمحاربة إسبانيا التي عادت لاحتلال تونس، وكذلك هزموا أمير البغدان الذي تمرّد على الدولة طلبًا للاستقلال.[67]

توفي السلطان سليم الثاني يوم 12 ديسمبر سنة 1574م، الموافق فيه 27 شعبان سنة 982هـ،[67] وتولّى بعده ابنه مراد الثالث. وفي عهد هذا السلطانتدخلت الدولة العثمانية في انتخاب حليفها "أتيين باتوري"، أمير ترانسل?انيا، ملكًا على بولندا بعد شغور العرش، وبذا تحولت الحماية العثمانية على بولندا من حماية اسمية إلى حماية فعلية.[74] وساعد العثمانيون سلطان مراكش لإخماد ثورة اندلعت في بلاده، فاصطدموا مع الثوّار والبرتغاليين الذين ساندوهم في موقعة القصر الكبير وانتصروا عليهم وأعادوا السلطان إلى الحكم.[66] أما أهم ما حصل في عهد السلطان مراد الثالث هو التوسع العثماني في الشرق، على حساب الدولة الصفوية، فبعد وفاة الشاه طهماسب الأول من غير أن يسمي من سيخلفه، تنازع أبناؤه على السلطة، فأرسل الصدر الأعظم محمد باشا صقللي حملة عسكرية إلى بلاد فارس لفتح ما تيسر من مدنها، فضموا إليهم من أملاكها بلاد الكرج، ثم أذربيجان الشمالية، ثم بلاد داغستان.[75]
تعرضت الدولة العثمانية بعد هذه الغزوات لخضّة سياسية عنيفة، عندما تقلّص نفوذ الصدر الأعظم محمد باشا صقللي، ومن ثم قُتل في سنة 1579م، فعمّت الفوضى بعد موته بفعل ضعف حلفائه وتمرّد الإنكشارية، وراح الولاة يتنافسون فيما بينهم على منصب الصدارة العظمى. وفي عام 1590م أبرم العثمانيون صلحًا مع الصفويين، أعترفوا فيه بما تم ضمه إلى الدولة العثمانية، إضافةً إلى جنوب أذربيجان بما فيها العاصمة تبريز.[66] وبعد إبرام الصلح استتب الأمن على حدود الدولة، إن في الشرق أو في الغرب، فثار الإنكشارية في القسطنطينية وفي الولايات نظرًا لهبوط قيمة أجورهم، الأمر الذي دفع الصدر الأعظم الجديد، سنان باشا، أن يشغلهم بالحروب مع النمسا في المجر،[76] ونظرًا لما وصل إليه الإنكشارية من فوضى توالت عليهم الهزائم، وفقدوا بعض القلاع، وعلى الرغم من أن سنان باشا استطاع أن يستردها لاحقًا،[76] إلا أن أمراء الأفلاق والبغدان وترانسل?انيا استغلوا الموقف وانتصروا على الجيوش العثمانية في بضعة معارك واستردوا منهم بعض المدن.[76] وتوفي السلطان مراد الثالث مساء 19 يناير سنة 1595م، الموافق فيه 8 جمادى الأولى سنة 1003هـ، بعد أن أصيب بداء عياء.[1]

تولّى عرش آل عثمان بعد مراد الثالث ابنه محمد، الذي خرج عن القاعدة التي استفحلت منذ أيام جده سليم الثاني، وهي تولي الصدر الأعظم قيادة الجيش، فقاد الجيوش بنفسه وخرج لقتال المجر والنمسا، وانتصر عليهم في موقعة كرزت سنة 1596م.[77] وفي بداية القرن السابع عشر حصلت في الأناضول ثورة داخلية كادت أن تكون عاقبتها وخيمة على الدولة، خصوصًا وأن نار الحروب كانت مشتعلة على حدود المجر والنمسا، وخلاصتها أن قائد إحدى فرق الإنكشارية التي نفيت إلى الأناضول عقابًا لها لعدم ثباتها في موقعة كرزت، إدعى أنه رأى النبي محمد في منامه يبشره بالنصر على العثمانيين،[78] فأعلن العصيان وثار على الدولة وقام بعدد من الفتن إلى جانب شقيقه، ثم مات بعد أن أصيب بجراح في إحدى المعارك،[78] لكن شقيقه استمر يعصي الدولة إلى أن أعطته ولاية البوسنة ليحارب الأوروبيين حتى هلكت جيوشه عن آخرها في المناوشات المستمرة بينها وبين النمسا والمجر.[79] وأعقبت هذه الثورة الكبيرة ثورة أخرى في القسطنطينية هي ثورة الخيالة، الذين طالبوا بتعويضهم عما لحق بهم من أضرار جرّاء الثورة السابقة، فاستعانت الدولة عليهم بجنود الإنكشارية وأدخلتهم في طاعتها مجددًا.[78]



ابتدأت محاولات الإصلاح الجدية في عهد السلطان سليم الثالث، الذي يُعد من أوائل المصلحين والروّاد الحقيقيين في التاريخ العثماني كله، وقد قلّده من جاء بعده، واستهدفت إصلاحاته نواحي الحياة كافة، إدارية وثقافية واقتصادية واجتماعية وعسكرية.[98] كانت ثقافة هذا السلطان أكثر اكتمالاً من ثقافة من سبقه من السلاطين، إذ تلقّى بعض التدريب على الأفكار الغربية، كما تلقى تعليمًا خاصًا بالطرق الأوروبية، واطّلع على كتابات المؤلفين الأوروبيين، ويبدو أنه استوعب الحالة المتدنية للدولة بشكل أفضل من أسلافه. وعندما اعتلى هذا السلطان العرش كانت ثروات البلاد قد وصلت إلى حالة متدنية، وكان العثمانيون قد عادوا للحرب مع روسيا والنمسا، ولم يكن باستطاعة أي سلطان أن يقوم بحملة إصلاحات ورحى الحرب دائرة، لكن جاءت عناية القدر، عندما ظهرت الثورة الفرنسية وانشغل الإمبراطور النمساوي بها، وخاف أن تمتد إلى بلاده، فعقد صلحًا مع العثمانيين أعاد إليهم بموجبه بلاد الصرب وبلغراد.[99] واجهت السلطان سليم الثالث في بداية حياته السياسية، المشكلات التقليدية القديمة: تفوّق الغرب، والاتجاه المحافظ لشعبه، وكان بطبعه ميالاً للإصلاح بحيث لم يتردد في الأخذ ببعض الأنماط الغربية، بعد أن حصل على معلومات عن المؤسسات المدنية والعسكرية لدول أوروبا الغربية وأسباب تفوقها على العثمانيين. فجاء بفكرة الجنود النظامية ليتخلص من الإنكشارية الذين أصبحوا منبعًا للفتن والهزائم، وأصلح الثغور وبنى القلاع الحصينة لحمايتها وجعل إنشاء السفن على الطريقة الفرنسية، واستعان بالسويد في وضع المدافع، وترجم المراجع العلمية في الرياضيات والفن العسكري،[99] كما وضع نظامًا هرميًا للقيادة العسكرية، وأخضع التجنيد لقواعد أكثر صرامة، ووضع نظامًا للجنود المشاة تضمن تعليمات لمساعدة الجنود على التصرف كوحدة، ودُعي هذا النظام "بالنظام الجديد".[98] كان من الطبيعي أن تبرز المعارضة لإصلاحات السلطان سليم الثالث العسكرية من جانب المحافظين عند إدراكهم لنتائجها، فنظر الإنكشارية إلى هذه الإصلاحات نظرة ارتياب خاصة بعد فصل السلطان الأسطول والمدفعية عن فرقتهم، فثاروا ومعهم الجنود غير النظاميين وأجبروا الخليفة على إلغاء النظام العسكري الجديد،[99] ولم يكتفوا بذلك بل عزلوا السلطان وقاموا بقتله لاحقًا بناءً على أمر خليفته،[100] ويُعتبر سليم الثالث السلطان العثماني الوحيد الذي قُتل بسلاح أبيض.[101]

وكان من أبرز الأحداث التي حصلت في عهد سليم الثالث قيام الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت الأول، فتحول أعداء الأمس إلى حلفاء والعكس صحيح، حيث انهارت الصداقة العثمانية الفرنسية التي قامت منذ عهد السلطان سليمان القانوني، وتحالفت روسيا وبريطانيا مع الدولة العثمانية لإخراج الفرنسيين من مصر، وفي عهده أيضًا تكونت جمهورية مستقلة في اليونان تحت حماية الدولة العثمانية.[99] وبعد سليم الثالث تولّى مصطفى الرابع عرش آل عثمان، ولم يدم ملكه طويلاً قبل أن تثور الإنكشارية عليه ويقوموا بعزله وتنصيب أخاه محمود بدلاً منه.[102] امتلأ عهد محمود الثاني بأحداث مهمة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فنتيجة للضعف الشديد الذي دب في أوصال الدولة العثمانية ظهر فيها اتجاهان: الاتجاه الأول الذي أرجع ما وصلت إليه الدولة العثمانية من ضعف إلى الابتعاد عن الإسلام، والذي ما كان للمسلمين أن تقوم لهم قائمة في الأرض إلا بالتمسك به؛ والاتجاه الثاني الذي يقوم على ضرورة تقليد أوروبا تقليدًا أعمى، لكي يصل العثمانيون إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار.[99] وكان من نتيجة الإيمان بالاتجاه الأول أن قامت الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية،[معلومة 10] واجتذبت إليها الكثير من أهلها، ودعت إلى تطهير الإسلام من كامل الشوائب التي تعلقت به عبر القرون.[103] ولما رأى السلطان محمود أنه من الضروري قمع هذه الفئة التي يخشى من امتدادها على تفريق كلمة الإسلام، كلّف محمد علي باشا، والي مصر ومؤسس أسرتها الخديوية العلوية، بمحاربتها والقضاء عليها، ففعل ما طُلب منه وأباد الحركة الوهابية، ثمّ شرع في إصلاح مصر وتنظيمها وفق النظام الأوروبي.[103] وفي بداية عهد محمود الثاني استقلّت عدّة دول أوروبية عن الدولة العثمانية، وكانت بداية إنشقاق أوروبا الشرقية عن الدولة العثمانية عندما ثار الصربيون وطالبوا باستقلالهم، فقمعتهم الدولة العثمانية مرتين، وتعهدت ألا تتدخل في شؤون الصرب الداخلية، وأن تكون السيطرة للعثمانيين في الصرب على القلاع فقط.[104][105] سرعان ما أعقب هذه الثورة عصيان "علي باشا" والي مدينة يانية الألبانية، حيث امتنع عن دفع الخراج واحترام الأوامر التي تُرسل إليه من الآستانة، فأرسل إليه السلطان جيشًا تمكن قائده من القبض عليه وإعدامه.[106] وما فتئت المشاكل تنهال على الدولة العثمانية، فقد ثار اليونانيون طلبًا للاستقلال وهزموا فرقة عسكرية عثمانية أرسلت لقمعهم، فلم يجدالسلطان لإخماد الثورة في اليونان غير محمد علي باشا والي مصر، فاستجاب الأخير لطلبه وأرسل سفنًا حربية محملة بالجنود إلى اليونان،[107] استطاعت أن تحقق انتصارات كاسحة على الثوّار. غير أن ثورة اليونانيين نجحت، واستطاع الثائرون أن يستقلوا ببلدهم عن الدولة العثمانية بعد المساعدات التي تلقوها من الدول الأوروبية. كذلك كان الأسطول العثماني قد تحطم في معركة نا?ارين عام 1827م، على يد السفن البريطانية والروسية.[107]
دور الأفول والتنظيمات (1828–1908)

تتميز هذه المرحلة بانحدار الدولة العثمانية سريعًا وفقدانها لمعظم ممتلكاتها الباقية في أوروبا، وقيام السلطان محمود الثاني بعدد من الإصلاحات الكبيرة الهادفة لجعل الدولة تواكب أوروبا الغربية في التطور والازدهار.[108] وأوّل ما قام به السلطان محمود الثاني في هذا المجال كان إلغائه لطائفة الإنكشارية بعد أن أصبحت إحدى عوامل تخلّف وتراجع الدولة يقينًا، فاعترض الإنكشارية على ذلك وحاولوا التمرد وتجمعوا في أحد ميادين الآستانة، فحصدتهم المدفعية العثمانية حصدًا.[99] أعلنالسلطان بعد قضائه على الإنكشارية نظامًا جديدًا للجند قلّد فيه الأوروبيين، كذلك قام بعدد من الإصلاحات المدنية مثل إقامة المدارس الحديثة ورفع يد الهيئة الإسلامية عن الإشراف على التعليم،[108] وإرسال بعثات طلابية إلى الخارج،[108] واتجه بالبلاد إلى تقليد أوروبا حتى إنه تزيا بزيهم، واستبدل بالعمامة الطربوش، والعبائة والجلباب بالبذلة الغربية.[108]

أعلنت روسيا الحرب على العثمانيين بعد أن رفضت الدولة العثمانية الاعتراف بقرارات مؤتمر لندن الذي نص على استقلال اليونان، وتمكنت من احتلال البغدان والأفلاق، بل وصلت إلى مدينة أدرنة وهددت الآستانة بالسقوط، فتدخلت بريطانيا وفرنسا لوقف تقدم روسيا خوفًا على مصالحها في الشرق، فعُقدت بين الروس والعثمانيين معاهدة أدرنه التي نصت على عودة المناطق التي احتلها الروس إلى الدولة العثمانية مقابل تمتع روسيا ببعض الامتيازات وتعويضها عن الخسائر التي تكبدتها في الحرب، واستقلال بلاد الصرب وتسليم ما تحتفظ به الدولة من قلاعها.[109] وفي أواسط سنة 1830م، ساءت العلاقات بين الدولة العثمانية وفرنسا مجددًا، بعد أن نفذت الأخيرة ما كانت تنويه من مدّة، ألا وهو الاستيلاء على ولاية الجزائر بدعوى منع تعدي القراصنة المسلمين على مراكبها التجارية،[110] وبذلك فقدت الدولة العثمانية الجزائر إلى الأبد، على الرغم من استبسال المقاومة بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري، الذي اضطر للاستسلام بعد أن دافع عن بلاده مدة سبع عشرة سنة.

استمرت المشاكل تنهال على الدولة العثمانية بعد سقوط الجزائر، وذلك أن والي مصر محمد علي باشا طمع في توسيع رقعة نفوذه بعد أن غدا أقوى ولاة السلطانالعثماني في الشرق العربي،[111] وكان السلطان محمود الثاني قد وعد محمد علي بأن يوليه على بلاد الشام لقاء خدماته الجليلة التي قدمها للدولة،[معلومة 11] لكنه عاد وأخلف وعده، إذ شعر أن وجود محمد علي في الشام خطرٌ على كيان السلطنة نفسها.[111] فقرر محمد علي أن يجتاح بلاد الشام بالقوة، فوجه جيشه إلى فلسطين وأخضعها، ثم زحف على مدن الساحل اللبناني وفتحها الواحدة تلو الأخرى، وسرعان ما لحقت بها سوريا الوسطى والشمالية، وامتد زحف الجيش المصري إلى الأناضول حيث هزم الجيش العثماني حديث النشأة في قونية،[112][113] وأصبح قاب قوسين أو أدنى من الآستانة، حتى خُيل للعالم في ذلك الوقت أن نهاية الدولة العثمانية أصبحت قريبة.[111] عقب هزيمة قونية، استنجد السلطان محمود الثاني بالدول الأوروبية للوقوف في وجه الخطر المداهم، فلم ينجده إلا روسيا، التي أرسلت 15 ألف جندي إلى الآستانة للدفاع عنها، فخشيت بريطانيا وفرنسا من امتداد النفوذ الروسي وتوسطت للصلح مع محمد علي،[99] حيث أقر له السلطان بولاية مصر وجزيرة كريت وفلسطين ولبنان وأضنة، لقاء نفس الأموال التي كان يؤديها عن الشام الولاة العثمانيون من قبل.[111] وفي غضون ذلك توسّع النفوذ الروسي في الدولة خصوصًا بعد أن أبرم السلطان معاهدة مع روسيا تعهدت فيها الأخيرة بالدفاع عن الدولة العثمانية لو هاجمها المصريون أو غيرهم. عمل السلطان محمود الثاني في أواخر أيامه على استعادة الشام ومصر، فجمع جيشًا جديدًا، ونشط عملاؤه في الشام يحرضون الشعب للثورة على المصريين، ثم سار الجيش وقام بهجوم عبر الفرات أسفر عن كارثة نزلت به، إذ بدده الجيش المصري في معركة نصيبين عام 1839م. ولم تصل أنباء هذه الهزيمة إلى السلطان محمود الثاني، إذ توفي قبل ذلك بأيام.[111]



خلف السلطان عبد المجيد الأول أباه السلطان محمود الثاني، وهو صبيّ لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره،[114] وكانت الدولة العثمانية على شفير الإنهيار، إذ أصبحت بلا جيش، بفعل خسارة الجيوش العثمانية أمام المصريين، وتشتيت القوى المسلحة، وبلا أسطول، بفعل انضمام الأسطول العثماني طواعية إلى الأسطول المصري في الإسكندرية،[115] فسارع السلطان الفتى إلى إجراء مفاوضات مع محمد علي، فاشترط الأخير، لعقد الصلح، أن يكون الحكم في الشام ومصر حقًا وراثيًا في أسرته.[111] وكاد السلطان عبد المجيد يقبل شروط محمد علي لو لم تصله مذكرة مشتركة من الدول الأوروبية الكبرى، عدا فرنسا،[معلومة 12] تطلب إليه بألا يتخذ قرارًا يتعلق بمحمد علي إلا بمشورتهم، ووعدوه بالتوسط بينه وبين محمد علي، فوافق على ذلك.[111] ثم اجتمعت كل من بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا وعقدوا اتفاقية صدق عليها العثمانيون، وعرضوها على محمد علي، وهي تنص على بقاء ولاية مصر وراثية في عائلته، وولاية عكا مدى حياته،[115] فرفض محمد علي ذلك وطرد المندوبين الأوروبيين والمندوب العثماني من مصر،[115] وبناءً على ذلك هاجمت البوارج الحربية البريطانية والنمساوية والعثمانية مدن الساحل الشامي واستطاعت أن تحرز انتصارًا كبيرًا على جيوش محمد علي بقيادة ابنه إبراهيم باشا، وأجبرته على العودة إلى مصر والانكماش فيها، وبذلك عادت الشام إلى ربوع الدولة العثمانية، وأصبحت سيادة الدولة على مصر سيادةً اسميّة.[111] توصلت الدول الأوروبية الكبرى، بعد انتهاء الأزمة العثمانية - المصرية، إلى عقد اتفاقية جماعية مع الدولة العثمانية، أُطلق عليها تسمية "معاهدة المضائق" أو "اتفاقية لندن الخاصة بالمضائق"، وقد أرست هذه الاتفاقية نظامًا للمضائق العثمانية ظل مطبقًا بدون إدخال تعديلات جوهرية عليه حتى قيام الحرب العالمية الأولى.[116] حدث في عهد السلطان عبد المجيد عدد من الفتن الداخلية في الولايات العثمانية، وازدادت الدولة ضعفًا على ضعف، مما زاد من أطماع الدول الأوروبية فيها، فدُعيت باسم "الرجل المريض"، وأخذ الأوروبيون يخططون لاقتسام تركتها مستقبلاً.

اتخذت المسألة الشرقية في أواخر القرن الثامن عشر، شكلها الحديث،[118] وبرزت مع بداية انحسار المد التوسعي العثماني عن أوروبا، ومع اتجاه العثمانيين المتزايد نحو فقدانهم تفوقهم العسكري أمام الدول الأوروبية، وبخاصة روسيا والنمسا، وقد تحكمت بها ثلاثة عوامل هي: ضعف الدولة العثمانية المتزايد وظهور عدد من القوميات المسيحية الصغيرة في شبه جزيرة البلقان والفتن الداخلية المستمرة في بعض الولايات، وقد سمحت جميع هذه العوامل للدول الأوروبية أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدولة وتسيرها حسب مصالحها.[118] ومن أبرز الأحداث التي استغلتها أوروبا للتدخل في الشؤون العثمانية كانت الفتن الطائفية التي وقعت في بلاد الشام خلال عقد الأربعينيات من القرن التاسع عشر، وبلغت ذروتها في جبل لبنان، فتدخلت فرنسا بحجة حماية الكاثوليك وبشكل رئيسي الموارنة، وتدخلت بريطانيا لدعم الدروز، وروسيا لدعم الأرثوذكس، فوقعت في البلاد مذابح عظيمة تخللتها سنوات قليلة من السلام.[119] تُعدّ حرب القرم التي ابتدأت عام 1854م بين روسيا والدولة العثمانية، من أهم مراحل المسألة الشرقية، فقد دفعت هذه الحرب بالعلاقات الدولية نحو التأزم، وغيّرت التحالفات السياسية، فوقفت بريطانيا وفرنسا إلى جانب الدولة العثمانية للدفاع عن سلامة أراضيها ضد الروس.[120] وتتخلص هذه الحرب في أن القيصر الروسي نيقولا الأول اعتقد أن بإمكانه أن يطرح قضية إنهاء المسألة الشرقية بشكل جذري، وأبدى نيته في اقتسام أملاك الدولة العثمانية، فعرض على بريطانيا تقسيم الدولة العثمانية بينهما، فرفضت، فحاول إغراء فرنسا بنفس الإغراء، فرفضت أيضًا، فهددت روسيا باحتلال الأفلاق والبغدان إن لم تعد الدولة العثمانية للإمبراطورية الروسية حق حماية المسيحيين الأرثوذكس الذي فقدته وفق نص معاهدة المضائق،[121] فلم يعرها السلطان أي اهتمام بعد أن وعدته بريطانيا وفرنسا بالدفاع عن الدولة ضد أي هجوم محتمل، فأقدمت روسيا على تنفيذ تهديدها، فتحالف العثمانيون مع بريطانيا وفرنسا والنمسا ومملكة البيمونت بإيطاليا والسويد، وقصفت أساطيلهم ميناء سي?استوبول في شبه جزيرة القرم، وضربت الكثير من قلاعه بالإضافة للإغارة على الكثير من موانئ روسيا على البحر الأسود، وتوغلت القوات المتحالفة في أراضي روسيا حتى طلبت الصلح، فعُقدت معاهدة سلام في باريس أنهت الحرب وأنقذت الدولة العثمانية من الخطر الروسي الذي كان يتهددها، وبات من المنتظر أن تغدوا بلدًا متحدًا يأخذ بركب الحياة الدستورية كما عرفها الغرب، وتنضم إلى سائر أعضاء المنظمة الدولة على قدم المساواة.[122]

وفي أواخر عهد السلطان عبد المجيد الأول، نشبت فتنة طائفية كبرى في الشام، وتحديدًا في دمشق وسهل البقاع وجبل لبنان بين المسلمين والمسيحيين عمومًا، والدروز والموارنة خصوصًا،[123] فوقعت مذابح مؤلمة وبلغ عدد القتلى اثني عشر ألفًا،[123] وكان ممثلي بريطانيا وفرنسا يشجعون الفريقين على الانتقام ويساعدونهم على الثأر، فخشي السلطان أن تؤدي هذه الفتنة إلى تدخل الدول الأجنبية العسكري، فأوعز إلى المسؤولين العثمانيين في بيروت ودمشق بوجوب إخمادها حالاً،[123] وأوفد في الوقت ذاته وزير الخارجية فؤاد باشا الذي عُرف بالدهاء والحزم، وخوله سلطات مطلقة لمعالجة الموقف، فقام بمهمته خير قيام وأعدم معظم الذين تسببوا بالمذابح وسجن الباقين ونفى بعضهم وأعاد بعض المسلوبات إلى أصحابها من المنكوبين المسيحيين، وجمع تبرعات كثيرة أنفقها على ترميم القرى.[123] وكانت الدول الأوروبية قد ضغطت على السلطان وحملته على القبول بتشكيل لجنة دولية يوكل إليها أمر إعادة الهدوء إلى جبل لبنان ودمشق، وتصفية ذيول الفتنة.[123] توفي السلطان عبد المجيد يوم 6 يونيو سنة 1861م، الموافق فيه 17 ذي الحجة سنة 1277هـ، عن أربعين سنة،[124] بعد أن قام ببعض الإصلاحات الكبيرة في الدولة، أبرزها فرمانه الشهير الصادر سنة 1856م، الذي ساوى فيه بين جميع رعايا الدولة مهما اختلفت عقيدتهم الدينية،[123] فتحسن وضع المسيحيين بشكل أكبر، وازدادت نسبة المتعلمين منهم،[125] الأمر الذي ساهم في إنعاش اقتصاد الدولة لاحقًا.[125]

بويع السلطان عبد العزيز الأول بالخلافة وعرش آل عثمان بعد وفاة أخيه عبد المجيد، ومما يذكر في عهده: افتتاح قناة السويس وقيام ثورة في جزيرة كريت تم إخمادها.[115] وكان هذا السلطان كثير التجوال في البلاد الخارجية، فزار مصر وزار فرنسا، وحاول تقريب روسيا إليه حتى تخافه دول أوروبا، لكنه عُزل بناءً على فتوى شرعية بسبب تبذيره أموال الدولة، كما تنص بعض المصادر،[126] وعُثر عليه ميتًا في غرفته فقيل أنه انتحر وقيل أنه قُتل،[115] وتولّى بعده شقيقه مراد، ولم يستمر عهده أكثر من 3 أشهر، وتم عزله بسبب اختلال عقله.[115]

وبعد مراد الخامس بويع عبد الحميد الثاني بالخلافة وعرش السلطنة، وفي ذلك الحين كانت البلاد تمر في أزمات حادة ومصاعب مالية كبيرة، وتشهد ثورات عاتية في البلقان تقوم بها عناصر قومية تتوثبّ لتحقيق انفصالها، وتتعرض لمؤامرات سياسية بهدف اقتسام تركة "الرجل المريض". ومنذ اليوم الأول لارتقائه العرش، واجهالسلطان عبد الحميد موقفًا دقيقًا وعصيبًا، فقد كانت الأزمات تهدد كيان الدولة، وازدادت سرعة انتشار الأفكار الإنفصالية، وأصبح للوطنية معنى جديد أخذت فكرته تنمو وتترعرع في الولايات العثمانية، ووجد السلطان نفسه مشبع بالثورة والإضطراب.[127] فقد تجددت الثورة في إقليميّ البوسنة والهرسك، واستمرت في بلغاريا، وكانت الصرب والجبل الأسود في حالة حرب مع الدولة.[127] ولهذه الأسباب تدخلت الدول الأوروبية لاستغلال الموقف بغية تحقيق مصالحها بحجة إحلال السلام. فشجعت روسيا والنمسا الصرب والجبل الأسود على حرب العثمانيين، حيث رغبت النمسا بضم البوسنة والهرسك، بينما رغبت روسيا بضم الأفلاق والبغدان وبلغاريا، ووعدت روسيا النمسا والصرب والجبل الأسود بالوقوف بجانبهم إذا قامت حرب بينهم وبين العثمانيين.[128] وبالفعل قامت الحرب بين الدولة العثمانية وتلك الدول، إلا أن الجيوش العثمانية استطاعت الإنتصار ووصلت إلى مشارف بلغراد، غير أن تدخل أوروبا أوقف الحرب.[128] قدّمت الدول الأوروبية الكبرى لائحة للدولة العثمانية تقضي بتحسين الأحوال المعيشية لرعاياها المسيحيين، ومراقبة الدول الأوروبية لتنفيذ إجراءات التحسين، فرفضت الدولة اللائحة؛ لأن هذا يعتبر تدخلاً صريحًا في شؤونها، فاستغلت روسيا الرفض واعتبرته سببًا كافيًا للحرب، وفي هذه المرة أطلقت أوروبا العنان لروسيا لتتصرف كيفما تشاء مع العثمانيين، فاحتلت الأفلاق والبغدان وبلغاريا ووصلت أدرنة وأصبحت على بعد 50 كيلومترًا فقط من الآستانة،[128] كذلك دخلت جيوشها الأناضول،[129] وعادت الصرب والجبل الأسود لتعلن الحرب على الدولة العثمانية، فاضطرت الأخيرة إلى طلب الصلح، وأبرمت معاهدة سان ستيفانو مع روسيا، التي اعترفت فيها باستقلال الصرب والجبل الأسود والأفلاق والبغدان وبلغاريا، ثمّ تمّ تعديل هذه المعاهدة في مؤتمر عُقد في برلين تمّ بموجبه سلخ المزيد من الأراضي عن الدولة العثمانية.[130] كشفت قرارات مؤتمر برلين عن ضعف الدولة العثمانية، فاستغلت الكيانات السياسية والقومية هذا الضعف، وقامت بانتفاضات على الحكم المركزي بهدف الحصول على الاستقلال الكامل، ودعمتها أوروبا في سبيل تحقيق ذلك، وهكذا توالت الأزمات السياسية في وجه السلطان عبد الحميد الثاني بعد الحرب العثمانية الروسية ومؤتمر برلين. إنضمت تونس إلى قائمة الأقاليم التي فقدتها الدولة العثمانية لصالح أوروبا في عهد عبد الحميد الثاني عندما احتلتها فرنسا، ثم لحقتها قبرص التي احتلتها بريطانيا، وأتبعتها بمصر والسودان، بحجة حماية الدولة العثمانية من أي اعتداء.[131]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:12 am

لعلّ أهم الأحداث التي جرت في عهد عبد الحميد هي الأزمة الأرمنية وقيام الحركة الصهيونية، ويتفق المؤرخون، المسلمون منهم خاصةً، أن هذين الحدثين هما ما ساهم في تشويه صورة الدولة العثمانية والسلطان عبد الحميد الثاني. وتفصيل الأزمة الأرمنية أن الأرمن طالبوا بعد مؤتمر برلين باستقلالهم، خاصة أن السلطان لم يقم بتطوير يُذكر لأوضاعهم، وعملت البعثات التبشيرية الأوروبية والأمريكية على إذكاء الشعور القومي الأرمني، وفي الوقت نفسه اعتقدت الدوائر الحاكمة في الآستانة أن بعض الأرمن يعملون كمعلاء لروسيا وبريطانيا، وساورها الشكوك حول ولائهم، ومن ثم نظرت إليهم على أنهم خطر يهدد كيان الدولة ومستقبلها وأمنها.[132] وتصاعد التوتر في بلاد الأرمن، ولم تلبث أن عمّت الاضطرابات، وأخذ الثوّار يهاجمون الموظفين الحكوميين العثمانيين، وقاموا ببضعة مجازر في بعض القرى الإسلامية الكردية للفت نظر الدولة العثمانية إلى عدم إمكان العيش جنبًا إلى جنب مع المسلمين ولحمل الدول الأوروبية على التدخل لصالحهم،[128] فقام العثمانيون بالرد على ثورة الأرمن بأن أرسلوا جيشًا مؤلفًا بمعظمه من الأكراد[133] إلى مناطق الثورة حيث دمّروا العديد من القرى الأرمنية وقتلوا كثيرًا من الثوّار ومن ساندهم، فيما أصبح يُعرف باسم "المجازر الحميدية".[134] أما الحركة الصهيونية، فنشأت بقيادة ثيودور هرتزل، ودعت إلى إنشاء وطن قومي ليهود العالم في فلسطين الخاضعة للدولة العثمانية وتشجيع اليهود على الهجرة إليها، فأصدر السلطان عبد الحميد فرمانًا يمنع هجرة اليهود إلى الأراضي المقدسة، لكنه اضطر في نهاية المطاف إلى التهاون معها تحت ضغط الدول الأوروبية، وخاصةً بريطانيا.[135][معلومة 13]
دور الإنحلال وخاتمة الدولة (1908–1922) 
كانت الأفكار القومية قد تغلغلت بشكل كبير في جسم الدولة العثمانية أواخر عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وأنشأ الداعون لهذه المفاهيم المؤسسات والجمعيات التي تحمل أفكارهم، وكان من أهم هذه الجمعيات جمعية تركيا الفتاة، التي تأسست في باريس وكان لها فروع أخرى في برلين، وفي أنحاء الدولة العثمانية في سالونيك والآستانة، واستطاعت أن تضع لها قدمًا في الجيش العثماني، وكان لها جناح عسكري عرف بتنظيم الاتحاد العثماني وكان لها جناح مدني هو الانتظام والترقي، واتفق الفريقان أن تكون جمعيتهم باسم "الاتحاد والترقي".[128] وامتد نفوذ الاتحاد والترقي في الدولة، فضم إليه الكثير من ضباط الفيلق الأول المسيطر على الآستانة، وكذلك الفيلقين الثاني والثالث المرابطين في الولايات العثمانية الباقية في أوروبا. وقد حاول السلطان عبد الحميد مقاومة هذه الجمعيات، فنادى وتمسّك بفكرة الجامعة الإسلامية، لكنه فشل أمامهم، خصوصًا بعد أن سيطروا على أكثر الجيش.[128] فرض الإتحاديون على السلطان إعلان دستور جديد للبلاد يخلف الدستور الأول أو "القانون الأساسي" الذي أعلنه سنة 1876م، فذعن لمطلبهم وأعلن الدستور، فسيطر الاتحاديون على معظم مقاعد المجالس النيابية، ووجدوا أن السلطان سيكون عائقًا في تحقيق أهدافهم، فعزلوه وولوا أخاه محمد الخامس مكانه.[128] تولّى محمد "رشاد" الخامس العرش والدولة في احتضار، ولكنها كانت ما تزال متماسكة، وأصبح الاتحاديون هم الحكام الفعليين للبلاد، أما السلطان فكان مجرّد ألعوبة في أيديهم، وفي ذلك الوقت كانت الدولة قد أضاعت كثيرًا من بلادها في أوروبا، والأفكار القومية تنتشر يومًا بعد يوم، والبلاد في حالة إفلاس بسبب الحروب المتواصلة، والأوروبيون قد تسلطوا على مالية الدولة لاستيفاء ما لهم عليها من ديون.[136] وفي نفس السنة لاعتلاء محمد رشاد العرش، سيطرت الإمبراطورية النمساوية المجرية على البوسنة والهرسك، وبعد ثلاث سنوات هاجمت إيطاليا ليبيا، آخر الممتلكات العثمانية الفعلية في شمال أفريقيا، فقاومها العثمانيون بكل طاقتهم، لكنهم لم يستطيعوا شيئًا، فسقطت البلاد بعد سنة من المعارك الشديدة.[136]
ثم جاءت حرب البلقان الأولى التي تولّى كبرها كل من مملكة صربيا ومملكة الجبل الأسود ومملكة اليونان ومملكة بلغاريا، وفقدت فيها الدولة العثمانية ما تبقى لها من ممتلكات في البلقان عدا تراقيا الشرقية ومدينة أدرنة، وانسحب حوالي 400,000 مسلم من سكّان تلك البلاد إلى تركيا خوفًا من ما قد تُقدم عليه جنود العدو.[137] وفي تلك الفترة ظهرت النزعة التركية الطورانية بقوة وعنف، وسعى حزب الاتحاد والترقي إلى تتريك الشعوب غير التركية المشتركة مع الأتراك في العيش تحت ظل الدولة العثمانية، مثل العرب والشركس والأكراد والأرمن.[136] وفي سنة 1913م عقد الوطنيون العرب مؤتمرًا في باريس، واتخذوا مقررات أكدوا فيها على رغبة العرب في الاحتفاظ بوحدة الدولة العثمانية بشرط أن تعترف الحكومة بحقوقهم، كون العرب أكبر الشركاء في الدولة، وطالب هؤلاء أن تُحكم الأراضي العربية حكمًا ذاتيًا وفق نظام اللامركزية، وقد وعد الإتحاديون الزعماء العرب الأحرار بقبول مطالبهم، لكن ذلك لم يتحقق بفعل نشوب الحرب العالمية الأولى.[138]لعلّ أهم الأحداث التي جرت في عهد عبد الحميد هي الأزمة الأرمنية وقيام الحركة الصهيونية، ويتفق المؤرخون، المسلمون منهم خاصةً، أن هذين الحدثين هما ما ساهم في تشويه صورة الدولة العثمانية والسلطان عبد الحميد الثاني. وتفصيل الأزمة الأرمنية أن الأرمن طالبوا بعد مؤتمر برلين باستقلالهم، خاصة أن السلطان لم يقم بتطوير يُذكر لأوضاعهم، وعملت البعثات التبشيرية الأوروبية والأمريكية على إذكاء الشعور القومي الأرمني، وفي الوقت نفسه اعتقدت الدوائر الحاكمة في الآستانة أن بعض الأرمن يعملون كمعلاء لروسيا وبريطانيا، وساورها الشكوك حول ولائهم، ومن ثم نظرت إليهم على أنهم خطر يهدد كيان الدولة ومستقبلها وأمنها.[132] وتصاعد التوتر في بلاد الأرمن، ولم تلبث أن عمّت الاضطرابات، وأخذ الثوّار يهاجمون الموظفين الحكوميين العثمانيين، وقاموا ببضعة مجازر في بعض القرى الإسلامية الكردية للفت نظر الدولة العثمانية إلى عدم إمكان العيش جنبًا إلى جنب مع المسلمين ولحمل الدول الأوروبية على التدخل لصالحهم،[128] فقام العثمانيون بالرد على ثورة الأرمن بأن أرسلوا جيشًا مؤلفًا بمعظمه من الأكراد[133] إلى مناطق الثورة حيث دمّروا العديد من القرى الأرمنية وقتلوا كثيرًا من الثوّار ومن ساندهم، فيما أصبح يُعرف باسم "المجازر الحميدية".[134] أما الحركة الصهيونية، فنشأت بقيادة ثيودور هرتزل، ودعت إلى إنشاء وطن قومي ليهود العالم في فلسطين الخاضعة للدولة العثمانية وتشجيع اليهود على الهجرة إليها، فأصدر السلطان عبد الحميد فرمانًا يمنع هجرة اليهود إلى الأراضي المقدسة، لكنه اضطر في نهاية المطاف إلى التهاون معها تحت ضغط الدول الأوروبية، وخاصةً بريطانيا.[135][معلومة 13]

دور الإنحلال وخاتمة الدولة (1908–1922) 
كانت الأفكار القومية قد تغلغلت بشكل كبير في جسم الدولة العثمانية أواخر عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وأنشأ الداعون لهذه المفاهيم المؤسسات والجمعيات التي تحمل أفكارهم، وكان من أهم هذه الجمعيات جمعية تركيا الفتاة، التي تأسست في باريس وكان لها فروع أخرى في برلين، وفي أنحاء الدولة العثمانية في سالونيك والآستانة، واستطاعت أن تضع لها قدمًا في الجيش العثماني، وكان لها جناح عسكري عرف بتنظيم الاتحاد العثماني وكان لها جناح مدني هو الانتظام والترقي، واتفق الفريقان أن تكون جمعيتهم باسم "الاتحاد والترقي".[128] وامتد نفوذ الاتحاد والترقي في الدولة، فضم إليه الكثير من ضباط الفيلق الأول المسيطر على الآستانة، وكذلك الفيلقين الثاني والثالث المرابطين في الولايات العثمانية الباقية في أوروبا. وقد حاول السلطان عبد الحميد مقاومة هذه الجمعيات، فنادى وتمسّك بفكرة الجامعة الإسلامية، لكنه فشل أمامهم، خصوصًا بعد أن سيطروا على أكثر الجيش.[128] فرض الإتحاديون على السلطان إعلان دستور جديد للبلاد يخلف الدستور الأول أو "القانون الأساسي" الذي أعلنه سنة 1876م، فذعن لمطلبهم وأعلن الدستور، فسيطر الاتحاديون على معظم مقاعد المجالس النيابية، ووجدوا أن السلطان سيكون عائقًا في تحقيق أهدافهم، فعزلوه وولوا أخاه محمد الخامس مكانه.[128] تولّى محمد "رشاد" الخامس العرش والدولة في احتضار، ولكنها كانت ما تزال متماسكة، وأصبح الاتحاديون هم الحكام الفعليين للبلاد، أما السلطان فكان مجرّد ألعوبة في أيديهم، وفي ذلك الوقت كانت الدولة قد أضاعت كثيرًا من بلادها في أوروبا، والأفكار القومية تنتشر يومًا بعد يوم، والبلاد في حالة إفلاس بسبب الحروب المتواصلة، والأوروبيون قد تسلطوا على مالية الدولة لاستيفاء ما لهم عليها من ديون.[136] وفي نفس السنة لاعتلاء محمد رشاد العرش، سيطرت الإمبراطورية النمساوية المجرية على البوسنة والهرسك، وبعد ثلاث سنوات هاجمت إيطاليا ليبيا، آخر الممتلكات العثمانية الفعلية في شمال أفريقيا، فقاومها العثمانيون بكل طاقتهم، لكنهم لم يستطيعوا شيئًا، فسقطت البلاد بعد سنة من المعارك الشديدة.[136]
ثم جاءت حرب البلقان الأولى التي تولّى كبرها كل من مملكة صربيا ومملكة الجبل الأسود ومملكة اليونان ومملكة بلغاريا، وفقدت فيها الدولة العثمانية ما تبقى لها من ممتلكات في البلقان عدا تراقيا الشرقية ومدينة أدرنة، وانسحب حوالي 400,000 مسلم من سكّان تلك البلاد إلى تركيا خوفًا من ما قد تُقدم عليه جنود العدو.[137] وفي تلك الفترة ظهرت النزعة التركية الطورانية بقوة وعنف، وسعى حزب الاتحاد والترقي إلى تتريك الشعوب غير التركية المشتركة مع الأتراك في العيش تحت ظل الدولة العثمانية، مثل العرب والشركس والأكراد والأرمن.[136] وفي سنة 1913م عقد الوطنيون العرب مؤتمرًا في باريس، واتخذوا مقررات أكدوا فيها على رغبة العرب في الاحتفاظ بوحدة الدولة العثمانية بشرط أن تعترف الحكومة بحقوقهم، كون العرب أكبر الشركاء في الدولة، وطالب هؤلاء أن تُحكم الأراضي العربية حكمًا ذاتيًا وفق نظام اللامركزية، وقد وعد الإتحاديون الزعماء العرب الأحرار بقبول مطالبهم، لكن ذلك لم يتحقق بفعل نشوب الحرب العالمية الأولى.[138]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:16 am

الحرب العالمية الأولى (1914–1918)
انطلقت شرارة الحرب الأولى في 28 يونيو عام 1914م عندما كان الأرشيدوق فرانز فرديناند، وليّ عهد العرش النمساوي المجري يقود سيارته في مدينة سرايي?و في البوسنة الخاضعة للنمسا، فاغتاله أحد القوميين الصرب، فاعتبرت الإمبراطورية النمساوية المجرية صربيا مسؤولة عن هذا الاغتيال، فتدخلت روسيا لدعم صربيا مدعومة من فرنسا وتحركت ألمانيا ضدهما، وما لبثت أن دخلت بريطانيا الحرب بعد ذلك بفترة قليلة، ومن ثم تشكلت الأحلاف، فدخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب معسكر دول المحور، أي ألمانيا والنمسا وبلغاريا،[139] بعد أن فقد العثمانيون الأمل في محاولات التقارب مع بريطانيا وفرنسا، وفشلوا في الحصول على قروض عاجلة منهما لدعم الخزينة، وعُزلت الدولة سياسيًا بعد حروب البلقان وإيطاليا؛ فلم يكن لهم سوى خيار التقارب مع ألمانيا التي رأت مصلحتها في "الانتشار نحو الشرق".[140] وفي 10 أغسطس سنة 1914م، دخلت الدولة العثمانية الحرب بشكل فعليّ،[141] بعد أن سمحت لبارجتين ألمانيتين كانتا تطوفان البحر المتوسط، بعبور مضيق الدردنيل نحو البحر الأسود هربًا من مطاردة السفن البريطانية.[142] وخطا الباب العالي خطوة هامة باتجاه الإشتراك بالحرب، حيث أعلن الصدر الأعظم إلغاء الإمتيارات الأجنبية، ملبيًا بذلك إحدى المطالب الرئيسية للقوميين الأتراك، ثم اتخذ خطوة أخرى في طريق التحدي بإغلاقه المضائق بوجه الملاحة التجارية، كما ألغى مكاتب البريد الأجنبية وجميع السلطات القضائية غير العثمانية.[140] بعثت الانتصارات الألمانية الخاطفة على الجبهة الروسية الأمل في نفوس الإتحاديين، بشأن إمكانية استعادة الأراضي العثمانية المفقودة لصالح روسيا المهزومة، فهاجم الأسطول العثماني الموانئ الروسية في البحر الأسود، وقد شكّل ذلك أمرًا واقعًا زج بالدولة العثمانية في الحرب، فأعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية، واقتدت بها كل من بريطانيا وفرنسا، وردّ السلطانمحمد الخامس بإعلان الحرب، ودعا المسلمين إلى الجهاد، إلا أن ذلك لم يتحقق، فأغلب مسلمي العالم كانوا يزرحون تحت نير الاستعمار البريطاني أو الفرنسي، وكانت السلطات الاستعمارية قد جندت بعضًا منهم أيضًا في جيوشها.[140] خاضت الجيوش العثمانية الحرب على جبهات متعددة من دون استعداد كامل، فعلى الجبهة الروسية مُنيت الحملة العثمانية بهزيمة فادحة، حيث فتك القتال والصقيع والوباء بتسعين ألف جندي عثماني، وفي الجنوب نزل البريطانيون في الفاو على الخليج العربي واستولوا على العراق، أما عملية قناة السويس فجرت قبل الموعد المحدد، وفيها اتفق العثمانيون مع المصريين على قتال البريطانيين، لكنها أسفرت عن هزيمة العثمانيين وأودت بحياة الكثيرين دون طائل. وقام أسطول الحلفاء بمهاجمة مضيق الدردنيل في خطوة للاستيلاء على الآستانة وإخراج الدولة العثمانية من الحرب، وإمداد الجبهة الروسية،[143] لكن هذا الأسطول الضخم عجز عن اجتياز المضيق وهزم العثمانيون طاقمه هزيمة كبيرة في معركة بريّة، كانت النجاح الوحيد لهم في مقابل سلسلة من الاخفاقات، وبرز في هذه المعركة القائد مصطفى كمال.[140]

وأثيرت أثناء المعارك، التي اندلعت على الجبهة الشرقية وهجوم الحلفاء في الدردنيل وغاليبولي، قضية الأرمن مرة أخرى، إذ قام الاتحاديون بنقل سكان المناطق الأرمنية في ولايات الشرق وكيليكيا والأناضول الغربية إلى بلاد الشام، بهدف تأمين حياة السكان المدنيين وحماية القوات المسلحة من خيانة محتملة من جانب العناصر الموالية لروسيا.[140] وكان بعض الأرمن قد تطوعوا في الجيش الروسي،[144] وقتلوا عددًا من السكان المسلمين في الأناضول الشرقية، ونتيجة لذلك تعرّض المرحلون لعمليات تعذيب وقتل فيما أصبح يُعرف باسم "مذابح الأرمن".[145][146][147]
وفي غضون ذلك سُحقت المقاومة البلغارية في البلقان، مما أرغم حكومة صوفيا على طلب الهدنة، فأدرك الباب العالي خطورة الموقف، لأن الحرب أضحت قريبة من الأراضي التركية، ويمكن للعدو أن يتغلغل بحريّة في تراقيا الشرقية ويزحف حتى أبواب الآستانة، فأبرم العثمانيون معاهدة "مودروس" مع الحلفاء، خرجوا بموجبها من الحرب.[140]
حرب الاستقلال التركية (1919–1922)
توفي السلطان محمد الخامس قبل أشهر من انتهاء الحرب، وخلفه أخاه محمد "وحيد الدين" السادس. وبعد مرور شهر على توقيع هدنة مودروس، دخلت البحرية البريطانية والفرنسية والإيطالية ثم الأمريكية إلى القرن الذهبي، وأنزلت قواتها في الآستانة التي حوّلتها إلى قاعدة لنشاط الحلفاء في المنطقة كلها. سيطر الحلفاء على موانئ البحر الأسود كلها، واقتسموا الأراضي التركية، فاحتل الفرنسيون مرسين وأضنة، والإيطاليون أنطاكية وكوشا داسي وقونية، واحتل اليونانيون القسم الغربي من الأناضول، بالإضافة إلى تراقيا.[149] كان ردّ الفعل الداخلي لاتفاق الهدنة سلبيًا، فقد رفض الأتراك الخضوع للاحتلال والقبول بمشاريعه، فقامت ثورة وطنية في جميع أنحاء البلاد احتضنتها الحركة الوطنية بزعامة القائد مصطفى كمال،[150] والتي عُرفت باسمه "الحركة الكماليّة"، لتواجه خضوع الحكومة لرغبات الحلفاء وتعاون السلطان محمد السادس مع المحتلين، ومحاولات اليونان توسيع المناطق التي احتلتها، وازدياد الثورات الأرمنية. وعقدت الحركة الكمالية مؤتمرات عديدة في طول البلاد وعرضها لاستنهاض الوعي القومي وإنقاذ البلاد من التقسيم، وتشكّلت حكومة وطنية برئاسة مصطفى كمال بهدف إقامة دولة تركية مستقلة، ألغت جميع القوانين والتعليمات التي أصدرتها الحكومة السابقة، ووضعت السلطان وحكومته خارج إطار القانون.[149] وقد حاول السلطان القضاء على هذه الحركة فلم يُفلح.

وفي تلك الفترة فُرضت معاهدة سي?ر على السلطان، التي مزّقت أوصال الدولة، وقد وقّع عليها مرغمًا، في حين رفضتها الحكومة الكمالية، ووضعت مخططًا لإنقاذ تركيا بمعزل عن السلطان. تمكّن مصطفى كمال بعد جهود مضنية واصطدامات شديدة مع اليونانيين، من الإنتصار، فاستعاد كامل الأراضي التي احتلوها، وفرض على الحلفاء توقيع هدنة جديدة اعترفت فيها اليونان بانتصارات تركيا،[149]
فأضحى مصطفى كمال بطلاً قوميًا، وبرز في الواجهة السياسية في حين ظل السلطان في الظل، فما كان منه إلا أن تنازل عن العرش واعتزل الحياة السياسية، وغادر البلاد على ظهر بارجة بريطانية نقلته إلى جزيرة مالطة، في 17 أكتوبر سنة 1922م، الموافق فيه 27 ربيع الأول سنة 1341هـ.[149]

اعتلى عرش السلطنة العثمانية، بعد تنازل السلطان محمد السادس، وليّ العهد عبد المجيد الثاني، وبعد أن أصبح مصطفى كمال سيد الموقف، وقّع معاهدة لوزان مع الحلفاء التي تنازل بمقتضاها عن باقي الأراضي العثمانية غير التركية،[151] ثم جرّد السلطان من السلطة الزمنية وجعله مجرّد خليفة، أي أشبه بشيخ الإسلام، ولكن من غير سلطة روحيّة أيضًا. ثم ألغى الخلافة سنة 1924 وطرد عبد المجيد من البلاد، وبهذا سقطت الدولة العثمانية فعليًا بعد أن استمرت لما يقرب من 600 سنة، وانهارت معها الخلافة الإسلامية بعد أن استمرت ما يزيد عن ألف سنة.[152]
وقد رثا أمير الشعراء أحمد شوقي الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية بأبيات من الشعر قال فيها:[153]
ضجت عليك مآذن ومنابر وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والهة ومصر حزينة تبكي عليك بمدمع سحَّاح
والشام تسأل والعراق وفارس أمحا من الأرض الخلافة ماح؟!
المُدعون بالحق في عرش آل عثمان

عندما طرد مصطفى كمال عبد المجيد الثاني من البلاد، طرد معه كامل أفراد الأسرة العثمانية وصادر أملاكهم،[154] فذهب هؤلاء ليعيشوا في المنفى ومنعوا من العودة إلى تركيا. وفي سنة 1974م، أصدر البرلمان التركي قرارًا نص على جواز منح الجنسية التركية للمنفيين المتحدرين من نسل عثمان الأول، وتمّ إعلامهم بذلك عن طريق السفارة التركية في كل بلد يعيشون فيه. يندرج ضمن قائمة المدعين بالحق في العرش العثماني: "محمد أورخان" ابن الأمير محمد عبد القادر، الذي توفي في سنة 1994، و"أرطغرل عثمان" أصغر أحفاد السلطان عبد الحميد الثاني. يشتهر أرطغرل عثمان برفضه حمل الجنسية التركية رغم عرضها عليه عدّة مرّات، قائلاً أنه "مواطن عثماني"، لكنه على الرغم من ذلك قال أنه لا يتمنى نهوض الدولة العثمانية من جديد، وأفاد أن "الديمقراطية تسري سريانًا جيدًا في تركيا".[155] عاد أرطغرل عثمان إلى تركيا في سنة 1992م، وكانت تلك المرة الأولى التي يدوس فيها أرض وطنه الأم منذ نفيه وأفراد الأسرة الحاكمة في عشرينيات القرن العشرين، وحصل على الجنسية والهوية التركية في سنة 2002م.[156] توفي أرطغرل عثمان في 23 سبتمبر سنة 2009م في إسطنبول عن عمر يناهز 97 عامًا ولم يخلف أولادًا، وبموته لم يتبقى أحد من المدعين بالحق في العرش العثماني من الذين وُلدوا في الفترة التي كانت الدولة فيها لا تزال قائمة. كان الأتراك يُلقبون أرطغرل عثمان باسم "العثماني الأخير"،[157] ولو قُدّر له أن يحكم بصفته سلطانًا، لكان أكبر سلاطين الدولة سنًا منذ نشأتها، ولعُرف باسم السلطان أرطغرل الثاني.
يُعتبر "إبراهيم توفيق"، وهو حفيد حفيد السلطان عبد المجيد الأول الوريث الأول لعرش آل عثمان، كذلك تقول الحكومة التركية أن أحد المواطنين الأمريكيين من أصل تركي، واسمه "عدنان گلكور"، هو الوريث الأصغر لعرش الدولة العثمانية.[158]الحرب العالمية الأولى (1914–1918)

انطلقت شرارة الحرب الأولى في 28 يونيو عام 1914م عندما كان الأرشيدوق فرانز فرديناند، وليّ عهد العرش النمساوي المجري يقود سيارته في مدينة سرايي?و في البوسنة الخاضعة للنمسا، فاغتاله أحد القوميين الصرب، فاعتبرت الإمبراطورية النمساوية المجرية صربيا مسؤولة عن هذا الاغتيال، فتدخلت روسيا لدعم صربيا مدعومة من فرنسا وتحركت ألمانيا ضدهما، وما لبثت أن دخلت بريطانيا الحرب بعد ذلك بفترة قليلة، ومن ثم تشكلت الأحلاف، فدخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب معسكر دول المحور، أي ألمانيا والنمسا وبلغاريا،[139] بعد أن فقد العثمانيون الأمل في محاولات التقارب مع بريطانيا وفرنسا، وفشلوا في الحصول على قروض عاجلة منهما لدعم الخزينة، وعُزلت الدولة سياسيًا بعد حروب البلقان وإيطاليا؛ فلم يكن لهم سوى خيار التقارب مع ألمانيا التي رأت مصلحتها في "الانتشار نحو الشرق".[140] وفي 10 أغسطس سنة 1914م، دخلت الدولة العثمانية الحرب بشكل فعليّ،[141] بعد أن سمحت لبارجتين ألمانيتين كانتا تطوفان البحر المتوسط، بعبور مضيق الدردنيل نحو البحر الأسود هربًا من مطاردة السفن البريطانية.[142] وخطا الباب العالي خطوة هامة باتجاه الإشتراك بالحرب، حيث أعلن الصدر الأعظم إلغاء الإمتيارات الأجنبية، ملبيًا بذلك إحدى المطالب الرئيسية للقوميين الأتراك، ثم اتخذ خطوة أخرى في طريق التحدي بإغلاقه المضائق بوجه الملاحة التجارية، كما ألغى مكاتب البريد الأجنبية وجميع السلطات القضائية غير العثمانية.[140] بعثت الانتصارات الألمانية الخاطفة على الجبهة الروسية الأمل في نفوس الإتحاديين، بشأن إمكانية استعادة الأراضي العثمانية المفقودة لصالح روسيا المهزومة، فهاجم الأسطول العثماني الموانئ الروسية في البحر الأسود، وقد شكّل ذلك أمرًا واقعًا زج بالدولة العثمانية في الحرب، فأعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية، واقتدت بها كل من بريطانيا وفرنسا، وردّ السلطانمحمد الخامس بإعلان الحرب، ودعا المسلمين إلى الجهاد، إلا أن ذلك لم يتحقق، فأغلب مسلمي العالم كانوا يزرحون تحت نير الاستعمار البريطاني أو الفرنسي، وكانت السلطات الاستعمارية قد جندت بعضًا منهم أيضًا في جيوشها.[140] خاضت الجيوش العثمانية الحرب على جبهات متعددة من دون استعداد كامل، فعلى الجبهة الروسية مُنيت الحملة العثمانية بهزيمة فادحة، حيث فتك القتال والصقيع والوباء بتسعين ألف جندي عثماني، وفي الجنوب نزل البريطانيون في الفاو على الخليج العربي واستولوا على العراق، أما عملية قناة السويس فجرت قبل الموعد المحدد، وفيها اتفق العثمانيون مع المصريين على قتال البريطانيين، لكنها أسفرت عن هزيمة العثمانيين وأودت بحياة الكثيرين دون طائل. وقام أسطول الحلفاء بمهاجمة مضيق الدردنيل في خطوة للاستيلاء على الآستانة وإخراج الدولة العثمانية من الحرب، وإمداد الجبهة الروسية،[143] لكن هذا الأسطول الضخم عجز عن اجتياز المضيق وهزم العثمانيون طاقمه هزيمة كبيرة في معركة بريّة، كانت النجاح الوحيد لهم في مقابل سلسلة من الاخفاقات، وبرز في هذه المعركة القائد مصطفى كمال.[140]

وأثيرت أثناء المعارك، التي اندلعت على الجبهة الشرقية وهجوم الحلفاء في الدردنيل وغاليبولي، قضية الأرمن مرة أخرى، إذ قام الاتحاديون بنقل سكان المناطق الأرمنية في ولايات الشرق وكيليكيا والأناضول الغربية إلى بلاد الشام، بهدف تأمين حياة السكان المدنيين وحماية القوات المسلحة من خيانة محتملة من جانب العناصر الموالية لروسيا.[140] وكان بعض الأرمن قد تطوعوا في الجيش الروسي،[144] وقتلوا عددًا من السكان المسلمين في الأناضول الشرقية، ونتيجة لذلك تعرّض المرحلون لعمليات تعذيب وقتل فيما أصبح يُعرف باسم "مذابح الأرمن".[145][146][147]
وفي غضون ذلك سُحقت المقاومة البلغارية في البلقان، مما أرغم حكومة صوفيا على طلب الهدنة، فأدرك الباب العالي خطورة الموقف، لأن الحرب أضحت قريبة من الأراضي التركية، ويمكن للعدو أن يتغلغل بحريّة في تراقيا الشرقية ويزحف حتى أبواب الآستانة، فأبرم العثمانيون معاهدة "مودروس" مع الحلفاء، خرجوا بموجبها من الحرب.[140]
حرب الاستقلال التركية (1919–1922)
توفي السلطان محمد الخامس قبل أشهر من انتهاء الحرب، وخلفه أخاه محمد "وحيد الدين" السادس. وبعد مرور شهر على توقيع هدنة مودروس، دخلت البحرية البريطانية والفرنسية والإيطالية ثم الأمريكية إلى القرن الذهبي، وأنزلت قواتها في الآستانة التي حوّلتها إلى قاعدة لنشاط الحلفاء في المنطقة كلها. سيطر الحلفاء على موانئ البحر الأسود كلها، واقتسموا الأراضي التركية، فاحتل الفرنسيون مرسين وأضنة، والإيطاليون أنطاكية وكوشا داسي وقونية، واحتل اليونانيون القسم الغربي من الأناضول، بالإضافة إلى تراقيا.[149] كان ردّ الفعل الداخلي لاتفاق الهدنة سلبيًا، فقد رفض الأتراك الخضوع للاحتلال والقبول بمشاريعه، فقامت ثورة وطنية في جميع أنحاء البلاد احتضنتها الحركة الوطنية بزعامة القائد مصطفى كمال،[150] والتي عُرفت باسمه "الحركة الكماليّة"، لتواجه خضوع الحكومة لرغبات الحلفاء وتعاون السلطان محمد السادس مع المحتلين، ومحاولات اليونان توسيع المناطق التي احتلتها، وازدياد الثورات الأرمنية. وعقدت الحركة الكمالية مؤتمرات عديدة في طول البلاد وعرضها لاستنهاض الوعي القومي وإنقاذ البلاد من التقسيم، وتشكّلت حكومة وطنية برئاسة مصطفى كمال بهدف إقامة دولة تركية مستقلة، ألغت جميع القوانين والتعليمات التي أصدرتها الحكومة السابقة، ووضعت السلطان وحكومته خارج إطار القانون.[149] وقد حاول السلطان القضاء على هذه الحركة فلم يُفلح.

وفي تلك الفترة فُرضت معاهدة سي?ر على السلطان، التي مزّقت أوصال الدولة، وقد وقّع عليها مرغمًا، في حين رفضتها الحكومة الكمالية، ووضعت مخططًا لإنقاذ تركيا بمعزل عن السلطان. تمكّن مصطفى كمال بعد جهود مضنية واصطدامات شديدة مع اليونانيين، من الإنتصار، فاستعاد كامل الأراضي التي احتلوها، وفرض على الحلفاء توقيع هدنة جديدة اعترفت فيها اليونان بانتصارات تركيا،[149]
فأضحى مصطفى كمال بطلاً قوميًا، وبرز في الواجهة السياسية في حين ظل السلطان في الظل، فما كان منه إلا أن تنازل عن العرش واعتزل الحياة السياسية، وغادر البلاد على ظهر بارجة بريطانية نقلته إلى جزيرة مالطة، في 17 أكتوبر سنة 1922م، الموافق فيه 27 ربيع الأول سنة 1341هـ.[149]

اعتلى عرش السلطنة العثمانية، بعد تنازل السلطان محمد السادس، وليّ العهد عبد المجيد الثاني، وبعد أن أصبح مصطفى كمال سيد الموقف، وقّع معاهدة لوزان مع الحلفاء التي تنازل بمقتضاها عن باقي الأراضي العثمانية غير التركية،[151] ثم جرّد السلطان من السلطة الزمنية وجعله مجرّد خليفة، أي أشبه بشيخ الإسلام، ولكن من غير سلطة روحيّة أيضًا. ثم ألغى الخلافة سنة 1924 وطرد عبد المجيد من البلاد، وبهذا سقطت الدولة العثمانية فعليًا بعد أن استمرت لما يقرب من 600 سنة، وانهارت معها الخلافة الإسلامية بعد أن استمرت ما يزيد عن ألف سنة.[152]
وقد رثا أمير الشعراء أحمد شوقي الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية بأبيات من الشعر قال فيها:[153]
ضجت عليك مآذن ومنابر وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والهة ومصر حزينة تبكي عليك بمدمع سحَّاح
والشام تسأل والعراق وفارس أمحا من الأرض الخلافة ماح؟!
المُدعون بالحق في عرش آل عثمان

عندما طرد مصطفى كمال عبد المجيد الثاني من البلاد، طرد معه كامل أفراد الأسرة العثمانية وصادر أملاكهم،[154] فذهب هؤلاء ليعيشوا في المنفى ومنعوا من العودة إلى تركيا. وفي سنة 1974م، أصدر البرلمان التركي قرارًا نص على جواز منح الجنسية التركية للمنفيين المتحدرين من نسل عثمان الأول، وتمّ إعلامهم بذلك عن طريق السفارة التركية في كل بلد يعيشون فيه. يندرج ضمن قائمة المدعين بالحق في العرش العثماني: "محمد أورخان" ابن الأمير محمد عبد القادر، الذي توفي في سنة 1994، و"أرطغرل عثمان" أصغر أحفاد السلطان عبد الحميد الثاني. يشتهر أرطغرل عثمان برفضه حمل الجنسية التركية رغم عرضها عليه عدّة مرّات، قائلاً أنه "مواطن عثماني"، لكنه على الرغم من ذلك قال أنه لا يتمنى نهوض الدولة العثمانية من جديد، وأفاد أن "الديمقراطية تسري سريانًا جيدًا في تركيا".[155] عاد أرطغرل عثمان إلى تركيا في سنة 1992م، وكانت تلك المرة الأولى التي يدوس فيها أرض وطنه الأم منذ نفيه وأفراد الأسرة الحاكمة في عشرينيات القرن العشرين، وحصل على الجنسية والهوية التركية في سنة 2002م.[156] توفي أرطغرل عثمان في 23 سبتمبر سنة 2009م في إسطنبول عن عمر يناهز 97 عامًا ولم يخلف أولادًا، وبموته لم يتبقى أحد من المدعين بالحق في العرش العثماني من الذين وُلدوا في الفترة التي كانت الدولة فيها لا تزال قائمة. كان الأتراك يُلقبون أرطغرل عثمان باسم "العثماني الأخير"،[157] ولو قُدّر له أن يحكم بصفته سلطانًا، لكان أكبر سلاطين الدولة سنًا منذ نشأتها، ولعُرف باسم السلطان أرطغرل الثاني.
يُعتبر "إبراهيم توفيق"، وهو حفيد حفيد السلطان عبد المجيد الأول الوريث الأول لعرش آل عثمان، كذلك تقول الحكومة التركية أن أحد المواطنين الأمريكيين من أصل تركي، واسمه "عدنان گلكور"، هو الوريث الأصغر لعرش الدولة العثمانية.[158]



الاقتصاد

اعتنى العثمانيون بالعواصم المختلفة لدولتهم عناية خاصة، فجعلوا من مدن بورصة وأدرنة والقسطنطينية مراكز صناعية وتجارية مهمة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، بل في العالم عندما بلغت الدولة ذروة مجدها وقوتها، واستقطبوا إليها الصنّاع والحرفيين والتجّار المهرة من مختلف أنحاء الأراضي الخاضعة لهم.[159] ومن أبرز السلاطين الذين عملوا على تنمية الدولة العثمانية من الناحية الاقتصادية: محمد الفاتح وخليفته بايزيد الثاني وحفيده سليم الأول، فخلال عهد هؤلاء السلاطين فُتحت مناطق كثيرة في أوروبا الشرقية والعالم العربي، وكان العثمانيون ينقلون معهم غالبًا أمهر الصنّاع والحرفيين إلى عاصمتهم، كما فعل السلطان سليم الأول عندما فتح تبريز ومن ثم القاهرة،[160] وفي ذلك العهد أيضًا كان عدد من المسلمين واليهود الأندلسيين قد غادر شبه الجزيرة الأيبيرية بفعل اضطهاد الإسبان لهم بعد سقوط الأندلس، فاستقبلهم العثمانيون وقدموا لهم الكثير من التسهيلات ليستقروا في البلاد ويساهموا في نهضتها الاقتصادية.[161]

نظّم العثمانيون ماليّة دولتهم وخزينتها بشكل أفضل وأكثر فعاليّة من أي دولة إسلامية سابقة، واستمر نظامهم المالي أفضل نظم عصره وفاق جميع النظم المالية لكل الدول من إمبراطوريات وجمهوريات وممالك وإمارات معاصرة حتى القرن السابع عشر، عندما أخذت الدول الأوروبية الغربية تتفوق عليها في هذا المجال.[162] يُعزى ازدهار الخزينة العثمانية خلال العصر الذهبي للدولة إلى إنشائهم لوزارة خاصة تختص بالأمور المالية للدولة من إنفاق واستدانة وإدانة، عُرفت لاحقًا باسم "وزارة المالية"، وكان يرأسها شخص مختص هو "الدفتردار" الذي أصبح يُعرف لاحقًا باسم "وزير المالية"،[162] وكان لحسن تدبير بعض وزراء المالية أثر كبير في نجاح فتوحات السلاطين وحملاتهم العسكرية، إذ استطاعوا بفضل هؤلاء وسلامة سياستهم المالية التي رسموها للدولة، أن يصرفوا على الجيش ويزودوه بكامل المعدات اللازمة وأحدث أسلحة العصر.[163]
العملة

كانت العملة العثمانية في بداية عهد الدولة تُعرف باسم "الغروش" أو "القروش"، وكانت تُسك من معدن البرونز النحاس، وفي أواخر عهد الدولة أصبحت "الليرة" مرادفًا لاسم العملة العثمانية، وكان يُضاف إليها اسم السلطان الذي صدرت في عهده، فكان يُقال "ليرة مجيدية" و"ليرة رشادية" على سبيل المثال. وكانت الليرة العثمانية تساوي مئة واثنين وستين قرشًا،[164] وأطلق عليها العرب اسم "العثمليّة". كانت الليرات العثمانية عبارة عن نقود ذهبية في بادئ الأمر، ثم أصدرت الدولة في عهد الحرب العالمية الأولى أوراقًا نقدية لأول مرة في تاريخ البلاد، بسبب المبالغ الطائلة التي أنفقتها على الحرب،[164] وأكثرت من الكميات التي أنزلتها إلى السوق، فهبطت قيمة هذه العملة بالنسبة للنقد الذهبي والفضي، هبوطًا كبيرًا، ولكن الحكومة كانت تصرّ على اعتبار الليرة الورقية مساوية لليرة الذهبية، وكانت تجبر الناس على قبضها والتعامل بها.[164] تعامل الشوام في أواخر العهد العثماني أيضًا بالعملة المصرية، ومنها اكتسبت النقود تسمية "مصاري" و"مصريات" اللتان لا تزالان تستعملان في بلاد الشام للإشارة إلى النقود.
التجارة

بنى العثمانيون الكثير من المراكز التجارية والأسواق الكبيرة والخانات على الطرق الرئيسية للتجارة لينزل فيها التجّار المسافرون والقوافل. وكان هناك مراكز تُجمع فيها البضائع التجارية وتقوّم قيمها وتُثبت أسعارها، أي كانت تعمل عمل البورصة حاليًا، وكان يُطلق على هذه المراكز التجارية اسم "بَدَسْتان".[165] تأسست هذه المراكز أولاً في مدينة بورصه وفي أدرنه ثم انتشرت منهما إلى سائر أرجاء الدولة العثمانية. كانت جميع أنواع السلع والبضائع تباع وتشترى في هذه المراكز التجارية، وكان بعضها يتخصص في بيع أنواع معينة من البضائع، مثل المجوهرات أو البُسط أو الأقمشة أو البهارات أو الكتب أو العطورات، وكان يوجد حول تلك المراكز بياعو الحاجيات اليومية من أغذية أو وقود أو مواد خام.[165]

كانت التجارة الدولية في القرن الرابع عشر بيد البرتغاليين والبنادقة، وكانت البضائع الثمينة تتجمع في الموانئ، حيث تتم التجارة فيها عن طريق النقل البحري بواسطة السفن. كانت الدولة العثمانية على وعي بأن ازدهار التجارة في أي بلد يساعد على ازدهاره، وتخلفها يعني تخلفه. لذا قامت بإحياء طريق الحرير التاريخي، وأمّنت بذلك تحول التجارة إلى الطريق البري مرة أخرى.[165] لذا بنت الخانات ومراكز التجارة على الطرق التجارية المهمة، وأنشأت هذه المراكز في داخل المدن أيضاً. واستطاعت الدولة - بتحقيقها الأمن والأمان للتجارة والتجار في أراضيها الواسعة وتيسير سبل التجارة أمامهم - السيطرة على التجارة الدولية بدءً من القرنالرابع عشر حتى القرن السابع عشر.[165]

كان التجّار في العهد العثماني على نوعين: التجار المتجولون، والتجار المقيمون في المدن. فكانت مباني البدستان محل عمل التجار المقيمين في المدن ومركزًا لتعيين أسعار البضائع، كما كانت دائرة لاستيفاء الضرائب. وكان الموظفون الرسميون الذين يعيّنون الأسعار ويستوفون الضرائب يقيمون هناك، لذا لم يكن يُسمح بزيادة الأسعار خارج الحد المعقول، أي لم يكن يُسمح بالتعامل بالسوق السوداء.[165] كان أصحاب الحرف المختلفة يعملون في البدستان كعائلة واحدة، وكانت لهم منظمات ذات تقاليد عريقة ومستقرة مثل "نقابة الأخوة". ولم يكن يؤخذ إلى هذه النقابة من أصحاب المهن من لم يمر بمرحلة التدريب والتعليم التي تتدرج من مرحلة المتعلم الناشئ أو العامل المبتدئ إلى المتدرب إلى المعلم أو "الأسطة".[165]
الزراعة والصناعة

كانت الدولة العثمانية تسيطر على أراض زراعية خصبة جدًا موزعة في جميع أنحائها، ومنها السهول الخصبة في بلاد الشام، وحوض نهر الدانوب، وحوضيّ دجلة والفرات، ووادي النيل، وسهول آسيا الصغرى وشمال أفريقيا. وقد اشتهرت جميع هذه المناطق في سائر العصور بخصب تربتها ووفرة مياهها وغنى إنتاجها. وكان الإنتاج الزراعي متنوعًا، فالقمح الحبوب الأخرى كان يُعتمد في إنتاجها على سهول الشام ومصر والأناضول، وزيت الزيتون كان يُنتج في الشام والأناضول والبلقان. واشتهرت اليونان وسوريا ولبنان وفلسطين وبعض أنحاء شمالي أفريقيا بالفاكهة والأثمار، كالعنب التين الكرز الخوخ الإجاص التفاح الدراق السفرجل اللوز وغير ذلك.[166] ولم تكن الثروة الحيوانية أقل أهمية من الإنتاج الزراعي، فقد كانت قطعان الغنم الماعز البقر والإبل وجواميس الماء سارحة في هضاب البلقان وآسيا الصغرى وبوادي الشام ووادي النيل.[166] وانتشرت في الكثير من أنحاء الدولة الصناعات الغذائية والمستخرجة من مصادر حيوانية ونباتية، وأبرزها صناعة الحرير الصوف الصابون.[166] وفي عصر الدولة الذهبي نشطت الصناعة العسكرية لتلبي حاجة الجيوش الفاتحة، وفي مقدمتها صناعة الأسلحة النارية من بنادق ومسدسات ومدافع، وفي الكثير من الأحيان تولّى هذه الصناعة مهندسون مجريون ونمساويون وفرنسيون وسويديون، وتليها صناعة الأسلحة البيضاء من سيوف ورماح ونبال، وصناعة الدروع. وقد تضائلت أهمية هذه الصناعة مع ازدياد ضعف الدولة وتراجعها مقابل تقدم أوروبا الغربية.



نظام الحكم

اتبع العثمانيون تنظيمًا بسيطًا لدولتهم، حيث ابتكروا جهازين إداريين للحكم: جهاز إداري مركزي وجهاز إداري محلي، وكان يتم اتباع هرميّة معينة في كل جهاز منها، وكان السلطان بوصفه حاكم البلاد، وخليفة المسلمين، يقبع على قمّة هذا الهرم. أخذ العثمانيون بالكثير من العادات العربية والفارسية والبيزنطية في تنظيمهم للأجهزة الإدارية، ودمجوا معها بعض العادات التركية القديمة، وصهروها كلها في بوتقة واحدة مميزة، مما جعل الدولة العثمانية تظهر بمظهر الوريث الشرعي لجميع تلك الحضارات التي سبقتها.[167]
الجهاز الإداري المركزي

كان الجهاز الإداري المركزي يتكوّن من السلطان وحاشيته، وهؤلاء جميعًا يُعرفون باسم "آل عثمان"، ويُعاونهم في الحكم ما يُعرف باسم "الديوان"، وهو جهاز إداري مضمّن يتكوّن من الصدر الأعظم وأفراد الطبقة الحاكمة. ومنصب الصدر الأعظم هو أعلى مناصب الدولة بعد منصب السلطان، وكان من يتبوأ هذا المنصب يلعب دور رئيس الوزراء ورئيس الديوان، ومن صلاحياته تعيين قادة الجيش وجميع أصحاب المناصب الإدارية المركزية أو الإقليمية. أما الطبقة الحاكمة فكان يُشار إلى أفرادها باسم "العساكرة" أو "العسكر"، ومفردها "عسكري"، وهي تشمل: الدفتردار، أي الشخص المُكلف بالشؤون المالية وحساب موارد الدولة ومصاريفها؛ الكاهية باشا، وهو الموظف العسكري الذي يتكلف بتسير الشؤون العسكرية للدولة؛ الشاويش باشا (بالتركية العثمانية: چاويش پاشا؛ نقحرة: تشاويش پاشا) وهو موظف ينفذ الأحكام القضائية التي يصدرها القضاة؛ رئيس الكتّاب، وشيخ الإسلام وطبقة العلماء. كان السلطان العثماني هو صاحب القرار النهائي الفاصل في أغلب الأحيان، وقد استمر الأمر على هذا المنوال حتى عهد السلطان مراد الرابع، عندما ازداد نفوذ الديوان وأخذ السلاطين لا يشاركون في جلساته أكثر فأكثر. جرت العادة منذ العهد العثماني على إطلاق تسمية "الباب العالي" على الحكومة العثمانية، وهي تسمية تعني في الأصل قصر السلطان، ومع مرور الوقت أصبح المقصود بالباب العالي: أعلى سلطة تتجسد في قوة السلطان المستمدة من قوة جيشه.

تعتبر السلالة العثمانية أطول سلالات الأسر الإسلامية الحاكمة عمرًا،[168] وكان رأس الأسرة هو السلطان، وهو في نفس الوقت رأس الدولة، وخليفة المسلمين، وكان يُشار إليه باسم "پاديشاه" بمعنى "ملك الملوك" أو "سيّد الملوك"، وكان يحكم الدولة حكمًا مطلقًا، ولا يقيده إلا حدود الشريعة الإسلامية، حيث كان شيخ الإسلام يتمتع بسلطة عزل السلطان لو ثبت أنه تخطى حدود الشريعة أو أصيب بعاهة عقلية أو جسدية تمنعه من ممارسة عمله والاهتمام بشؤون العباد على أكمل وجه.[معلومة 14] وقد كان السلاطين الأوائل الذين بلغت الدولة في عهدهم ذروة مجدها وقوتها ملتزمين بحدود الشريعة عادةً، أما بعد عهد السلطان سليمان القانوني، أصيب البلاط العثماني بفساد شديد استمرّ حتى تولّي السلطان مصطفى الرابع العرش،[140] فقد حكم خلال هذه المدة ثمانية عشر سلطانًا، لم يكن أحد منهم على مستوى يؤهله لأن يمارس الحكم إلاّ بواسطة وزراء كانوا أحيانًا مثالاً للفساد، وأحيانًا أخرى مشفقين على الدولة من الانهيار، كما كانوا يقومون بإصلاحات تعطي الدولة حيوية تمكنها من إدارة أمورها لسنوات عدّة.[169] كانت الأسرة العثمانية أسرة تركية من الناحية العرقية والإرثية فقط، وفي واقع الأمر أصبح البيت العثماني في ذروة اتساع الدولة عبارة عن مزيج ثقافي واسع للحضارات والثقافات المجاورة، الأمر الذي جعل العنصر التركي للدولة يفقد هيمنته مع مرور الزمن، وأصبحت الدولة ككل يُشار إليها في أوروبا باسم "المشرق".[170] كان لكل سلطان ختم خاص به يُصنع في بداية عهده ويستخدمه لختم الفرمانات والرسائل التي يبعثها للملوك والأباطرة وغيرهم من الحكّام، ويُعرف هذا الختم باسم "الطغراء"، وقد تطوّر شكل الطغراء منذ أن ابتدعها السلطان أورخان الأول حتى عهد السلطانسليمان القانوني، عندما اتخذت شكلاً ثابتًا استخدمه باقي السلاطين الذين تلوه.[171]

يُلاحظ خلال مدة القرنين السابع عشر والثامن عشر، ضعف اهتمام السلاطين بمزاولة شؤون الدولة. وكان عدد من هؤلاء السلاطين، قبل أن يتولوا العرش، سجناء في دار الحريم أو في أقبية، ما انعكس سلبًا على سلوكهم خلال توليهم الحكم، ومنهم من كان شديد الإسراف في الأبهة والقتل، فيما البعض الآخر شُغل بالقنص ومعاقرة الخمر والفساد والسطو على مالية الدولة وأخذ الرشوة وبيع المناصب، وكان لنساء القصر تأثيرهنّ القويّ على السلاطين، وخصوصًا في القرن السابع عشر، حيث كانت الدولة في بعض الأوقات تحت حكمهنّ.[172]

استمر السلاطين هم الحكّام الفعليين للدولة منذ عهد مصطفى الرابع حتى عبد الحميد الثاني، عندما أصبح تسيير أمور البلاد بيد جمعية الإتحاد والترقي وأصبح السلطانمجرّد أداة في أيديهم يسيرونها كما يشاؤون، وتحوّل لقبه إلى "سلطان العثمانيين وخليفة المسلمين"،[173] بعد أن كان لقب السلطان من أطول ألقاب الحكّام في العالم سابقًا، فالسلطان سليمان القانوني مثلاً كان يُلقب "سلطان السلاطين وبرهان الخواقين وأمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين، متوّج الملوك ظلّ الله في الأرضين وسلطان البحرين وخادم الحرمين الشريفين، ملك الأناضول والروملي وقرمان الروم وولاية ذي القدريّة وديار بكر وكردستان وأذربيجان والعجم والشام وحلب ومصر وجميع ديار العرب واليمن وممالك كثيرة أخرى، السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان".[174]

كان لقب "الوزير" هو المستخدم خلال المراحل الأولى للدولة العثمانية. وأوّل من لُقب بالصدر الأعظم كان الوزير "خليل خير الدين باشا" وزير السلطان مراد الأول. والغرض من اللقب الجديد هو تمييز حامل الختم السلطاني من الوزراء الآخرين. ثم بدأ اللقب الجديد "صدر أعظم" يحل محل اللقب القديم "وزير أعظم" تدريجيًا وإن كانا لهما نفس المعنى والرتبة. وخلال التاريخ العثماني ظهرت ألقاب جديدة للصدر الأعظم مثل الصدر العالي والوكيل المطلق وصاحب الدولة والسردار الأكرم والسردار الأعظم والذات العالي. وقد برزت أهمية الصدور العظام بعد عهد السلطان سليمان القانوني، عندما أصبحوا يتولون شؤون الدولة، ومن أشهرهم آل "كوبرولي".[175] وبعد فترة التنظيمات في القرن التاسع عشر، أصبح من يتولّى منصب الصدر الأعظم يقوم بدور أكبر مما هو في منصب رئيس الوزراء في الملكيات الغربية. وبعد إقرار دستور سنة 1908 أصبح الصدر الأعظم مسؤولاً عن أعماله أمام البرلمان.[176]



الجهاز الإداري المحلي

نظرًا لاتساع رقعة الدولة فقد قسمها العثمانيون إلى ولايات أو "إيالات"، ثم قسموا كل ولاية إلى سناجق أو مقاطعات، وكلّ سنجق إلى نواح، وكل ناحية إلى أحياء وحارات. وكان حاكم الولاية، أو الوالي ولقبه "الباشا"، تبعًا للحكومة المركزية في الآستانة، في حين كان حاكم السنجق، أو "الحكمدار" ولقبه "البك"، تابعًا للباشا، ويساعده ديوان و"صوباشي"، أي ضابط أمن؛ وكان حاكم الناحية، ولقبه "الآغا" تابعًا للبك، وكان على رئس كل حي أو حارة "مختار" تابع للآغا.[177] وكان الوالي يُعيد شراء منصبه من الصدر الأعظم كل سنة، فكان طبيعيًا أن يعمد إلى ابتزاز ما دُفع من الضرائب الباهظة التي كان يفرضها على الرعيّة ومن الموظفين الخاضعين لسلطته، كما كان طبيعًا أن يعمد هؤلاء الموظفون بدورهم إلى ابتزاز المال بمختلف الوسائل من أفراد الشعب، وعُرف هذا النظام، أي جباية الضرائب السنوية عن مساحة من الأرض من أهلها من الفلاحين، باسم "نظام الإلتزام".[140] كان والي الشام متميزًا عن غيره من الولاة بإضافة منصب إمارة الحج عليه، وكانت مهمة "أمير الحج" الإشراف على قافلة الحج الشامي التي تضم حجاجًا من أنحاء بلاد الشام والأناضول والبلقان، وتأمين ما يلزم لسلامة الحجاج، من ماء وجنود ودليل خبير بالطريق أو أكثر من دليل، وغير ذلك من الأمور. كان عدد ولايات الدولة يتفاوت بين الحين والآخر، وفق ما تكسبه أو تفقده من البلدان، أو بسبب دمج بعض الولايات ببعضها البعض.[177]

أنشأ العثمانيون خلال بعض الفترات من تاريخهم تقسيمات إدارية محلية جديدة، ففي عهد التوسع والفتوحات أصبحت الدولة تضم ألوية جديدة كان من الصعب ربطها بالعاصمة، فاضطرت إلى ضم عدد منها في ولاية واحدة، وعُين على رأس كل ولاية أمير أمراء الألوية، ولقبه "بكلر بك". كذلك أنشأ العثمانيون نظام "المتصرفية" خلال فترة أفول نجم الدولة، بضغط من الأوروبيين، وهذا النظام يهدف من الأساس لحماية الأقليات الدينية المسيحية في الدولة وإعطائها نوعًا من الاستقلال الذاتي، كما في حالة متصرفية جبل لبنان، أو لحماية بعض المناطق المقدسة عند أهل الكتاب عمومًا، مثل متصرفية القدس. وكان يُعين على رأس المتصرفية موظف عثماني يُعرف باسم "المتصرّف"، وفي حالة متصرفية جبل لبنان، فقد كان يجب أن يكون مسيحيًا عثمانيًا غير لبناني أو تركي.[178]

البرلمان والدستور العثماني

ترجع بداية الحياة الدستورية في الدولة العثمانية إلى عام 1808م، وهو العام الذي تبوأ فيه السلطان محمود الثاني عرش السلطنة، ففي بداية عهده دعا الصدر الأعظم مصطفى باشا البيرقدار إلى عقد مجلس استشاري في الآستانة وعرض فيه برنامجًا إصلاحيًا أبرز ما جاء فيه إلزام حكّام الولايات بالولاء للسلطان، وتعهّد الدولة المركزية بالطاعة التامة لقراراته، وحدد الاتفاق العلاقات بين حكّام الولايات بعضهم ببعض، وبالتالي بين موظفي الدولة على أساس ضمانات متبادلة قائمة على العدالة.[179] وكان يمكن لهذا الاتفاق أن يكون أساس دستور حقيقي للدولة العثمانية، إلا أنه لم يعش طويلاً، فالسلطان لم يوقع عليه إلا مرغمًا، حين رأى نفسه مضطرًا لتصديقه وإصداره، بفعل أنه عدّه انتقاصًا من سلطته، لذا قرر إلغاءه عند سنوح أوّل فرصة، واستطاع ذلك عندما قُتل البيرقدار، وفي خلال السنوات التالية أخضع السلطان الولايات العثمانية لحكومة مركزية قوية.[179]

صدرت في عهد السلطان عبد المجيد الأول قوانين إصلاحية عدّة ذات طابع شبه دستوري، مثل منشور الكلخانة ومنشور التنظيمات الخيرية، وينظر بعض المؤرخين إلى هذين المنشورين على أنهما وثيقتان دستوريتان لاشتمالهما على مبادئ عامّة في الحكم والإدارة، لكنهما في واقع الأمر لا يُعدان قانونين دستوريين بفعل أنهما لم يقيدا حرية السلطان أو يحدا من صلاحياته، كما أنهما لم يُنشئا المجالس النيابية أو القضائية.[180] وفي عام 1856م أنشأ السلطان عبد المجيد مجلسًا عُرف باسم "مجلس أعيان الولايات" يتكون من عضوين عن كل ولاية، يختارات من بين أصحاب المعرفة والاحترام، هدفه إبداء الرأي بالإصلاحات الواجب إدخالها على أجهزة الدولة، على أن يُبدي كل منهم وجهة نظهره في ذلك. كانت هذه التجربة الأولى من نوعها في تاريخ الحياة النيابية في الدولة العثمانية، إلا أنها باءت بالفشل لعدم قدرة المندوبين على استيعاب المشكلة برمتها، كما داخلهم الشك في نوايا الحكومة المركزية.[179] وأنشأ السلطان عبد العزيز الأول في عام 1876م"مجلس الدولة" أو "شوري دولت"، الذي تميز بطابع شبه دستوري، وشملت اختصاصاته إعداد مشاريع القوانين للدولة وإبداء الرأي للوزارات بالمسائل الخاصة بتطبيق القوانين، كما كان بمثابة محكمة ينظر بالقضايا الإدارية ويُحاكم الموظفين المتهمين بالانحراف.[181] وقد وُصف هذا المجلس بأنه بداية انطلاق لمجلس النواب.[179]

اشتهر السلطان عبد الحميد الثاني أنه أوّل سلطان دستوري في تاريخ الدولة العثمانية، فقد أعلن دستورًا للبلاد بعد أن أقنعه زعيم تكتل "اتفاق الحمية" مدحت باشا أن الإقدام على هذا العمل يجعل الدول الأوروبية تتوقف عن تدخلها في الشؤون الداخلية للدولة لا سيما وإنه سيُصلح وضع الرعايا المسيحيين في البلقان والشام. تشكلت لجنة عامة برئاسة مدحت باشا، ولجان فرعية لدرس مشروع الدستور قبل إصداره، وانتهت بعد مداولات طويلة إلى وضع هيكل للنظام البرلماني يقوم على مجلسين: مجلس شيوخ، يُطلق عليه "مجلس الأعيان"، ومجلس نواب يُطلق عليه "مجلس المبعوثان".[182]

كان الدستور العثماني ينص على تقييد السلطة المطلقة للسلطان وإنه حامي الدين الإسلامي، يتمتع شخصه بحرمة قدسية، وهو غير مسؤول عن تصرفاته أمام أحد، وحدد الدولة وعاصمتها والحقوق العامّة للرعايا.[182] وانتقص الدستور كثيرًا من سلطات الصدر الأعظم التنفيذية وأعطاها للسلطان. جعل الدستور للسلطان الحق في تعيين أعضاء مجلس الأعيان مدى الحياة، على أن لا تقل سن العضو عن أربعين عامًا، أما مجلس المبعوثان فكان أعضاؤه يعينوا عن طريق إجراء انتخابات عامّة، وكان المجلسان يجتمعان كل سنة في دورة عاديّة، تبدأ في الأول من شهر نوفمبر وتنتهي في آخر شهر فبراير، ويحق للسلطان تقديم موعد الدورة أو اختصار مدتها. كانت الحكومة هي التي تقترح التشريعات الجديدة على البرلمان، أما اقتراحات أعضاء المجلسين فيجب أن تُعرض على السلطان، فإذا وافق عليها يُحيلها إلى البرلمان عن طريق مجلس الدولة الذي يوافق عليها، وينتهي الأمر بصدور موافقة السلطان، أما إذا رفض أحد المجلسين مشروع قانون فلا يعيد النظر فيه في دورة انعقاده نفسها.[183]

الواقع أن الحياة الدستورية، بمعناها الحديث، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، كانت تجربة فاشلة قُدّر لها الإخفاق، ومرّت بمرحلتين: بدأت المرحلة الأولى بصدور الدستور في 23 ديسمبر سنة 1876م، الموافق فيه 6 ذي الحجة سنة 1293هـ، وانتهت بحل البرلمان وإيقاف العمل بالدستور في 14 فبراير سنة 1878م، الموافق فيه 11 صفر سنة 1295هـ.[179] وبدأت المرحلة الثانية حين قرر السلطان عبد الحميد إعادة العمل بالدستور في شهر يوليو من عام 1908م، واستمرت إلى ما بعد عهده، حيث انتهت في 18 مارس سنة 1920م، الموافق فيه 26 جمادى الآخرة سنة 1338هـ، حين قرر البرلمان إيقاف جلساته إلى أجل غير مسمّى، ثم أصدر السلطان محمد السادس في 11 أبريل من نفس العام قرارًا بحله.[179]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:18 am

المجتمع والثقافة

يكاد المؤرخون يُجمعون على أنه لم تكن ثمّة حضارة عثمانية بالمعنى الدقيق للكلمة.[184] فقد كانت الحضارة العثمانية مجرّد مزيج من حضارات الأمم التي سبقتها وحضارات الأمم التي عاصرتهم. فبرز فيها أثر العرب وأثر الفرس من ناحية، وأثر البيزنطيين وأثر الأوروبيين من ناحية ثانية.[184] والواقع أن خير ما يُمكن أن يُقال في هذا الموضوع هو أن الحضارة العثمانية إمتدادٌ للحضارة والخلافة العربية الإسلامية التي بلغت أوجها في العصر العبّاسي، ولكنه امتداد طبعه العثمانيون بطابعهم التركي وطعّموه بكثير من المؤثرات البيزنطية أولاً، ثم بكثير من المؤثرات الأوروبية بعد ذلك.[184]
البنية الإجتماعية

اتسم العثمانيون بعدم اتباعهم لسياسة هضم القوميات، الأمر الذي ساعد على نمو العصبات الحاكمة وحفظ للقوميات طابعها القومي، فقد وضع السلاطين نظامًا خاصًا عُرف بنظام "الملل"، قسموا بمقتضاه الشعوب الخاضعة لهم، ووضعوا كل ملّة أو عصبية تحت حكم زعيم لها هو المسؤول عنها أمام السلطان.[185] يقول بعض المؤرخين أن هذه السياسة هي أحد الأسباب الرئيسية التي أدّت لضعف الدولة وانفصال بعض القوميات عنها في وقت لاحق، بينما يقول آخرون أن التعددية هي ما كان وراء دوام استمرار الدولة لسنين طويلة.[185] منح السلاطين بعض الأقليات العرقية والدينية حق الإقامة في ربوع الدولة العثمانية وأعطوهم الأمان وسمحوا لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحريّة لقاء الجزية، كما فعل السلطان محمد الفاتح مع اليهود والروم الفنارية عندما دعاهم ليسكنوا القسطنطينية. طُبعت بعض المدن الكبرى في الدولة العثمانية بطابع ثقافي واجتماعي مختلط كما القسطنطينية، كونها كانت إما مرافئ تجارية مهمة أو عواصم ولايات، أو ذات أهمية دينية، ومن هذه المدن التي ما زالت تحتفظ بطابع عثماني: سرايي?و، سكوبيه، سالونيك، دمشق، بغداد، بيروت، مكة، القدس، والجزائر، فلا يزال المرء يُشاهد في هذه المدن عدد من المعالم المعمارية العثمانية الأثرية والحديثة المبنية على هذا الطراز، كما أن العديد من سكان هذه المدن نزح إليها من مناطق أخرى خلال العهد العثماني.[186] كان للإنتماء المجالي تأثير كبير على وضعية ومكانة صاحب منصب ما في الدولة العثمانية، ويتمثل ذلك في ترابية أجهزة الدولة وفيما يخص بروتوكول الإستقبال. فقاضي الروملي كان أقرب وأعلى مكانة للسلطان من قاضي الأناضول، وهذان القاضيان هما أول من يدخل على السلطان، يليهما الصدر الأعظم ثم رئيس الكتّاب ورئيس بيت المال ولا يرى غيرهم. وقد اتبع أسلوب التشريفات هذا بعض الحكّام المحليين وطبقوه كما كان يُطبق في القسطنطينية.[187]
التعليم

أهملت الدولة العثمانية، خلال مراحل تاريخها، تنشيط التعليم المدني، إلا في نطاق المدارس التابعة للهيئة الدينية الإسلامية، وقامت إلى جانب هذه المدارس، مدارس الملل بإشراف الطوائف الدينية غير الإسلامية أو البعثات التبشيرية.[189] ولم يتطور التعليم في الدولة العثمانية إلاّ في بداية عهد السلطان عبد المجيد الأول وباقي السلاطين الذين تلوه، وأبرزهم عبد الحميد الثاني، الذي أنشأ المدارس المتوسطة والعليا والمعاهد الفنية لتخريج الشباب العثماني، وإعداده لتولّي المناصب الحكومية والنهوض بالدولة. واهتم السلطان اهتمامًا بالغًا بالمدرسة التي أنشأت عام 1859م على عهد السلطان عبد المجيد الأول، فأعاد تنظيمها وفق خطة علمية، وتحديثها بمناهج دراسية جديدة، وفتح أبوابها للطلاب القائمين في العاصمة، والوافدين من مختلف الأقاليم العثمانية، حتى غدت مركزًا ثقافيًا هامًا. وأنشأ السلطان بدءًا من عام 1878م، المدرسة السلطانية للشؤون المالية، ومدرسة الحقوق، ومدرسة الفنون الجميلة، ومدرسة التجارة، ومدرسة الهندسة المدنية، ومدرسة الطب البيطري، ومدرسة الشرطة، ومدرسة الجمارك، كما أنشأ مدرسة طب جديدة في عام 1898م.[190]

وتوّج السلطان عبد الحميد الثاني جهوده في الحقل التعليمي بتطوير "مدرسة إستانبول الكبرى"، التي أنشئت في عهد السلطان محمد الفاتح، وأضحت جامعة إسطنبول، وضمّت، في أول أمرها، أربع كليّات هي:[191] العلوم الدينية، والعلوم الرياضية، والعلوم الطبيعية، والعلوم الأدبية، وعُدّت مدرستا الحقوق والطب كليتين ملحقتين بالجامعة.[192] وتطلبت المدارس الملكية، أو المدنية، بدورها إنشاء عدد من دور المعلمين لتخريج معلمين أكفاء يتولون التدريس فيها، وكانت أول دار للمعلمين في الدولة أنشئت، في عام 1848م، على عهد السلطان عبد المجيد الأول، وأضحى عددها في عام 1908م، ثمان وثلاثين دارًا منتشرة في العاصمة وحواضر الولايات والسنجقيات،[193] وأنشأ السلطان عددًا كبيرًا من المدارس الرشدية التي كانت بمثابة مدارس متوسطة. ومن الجامعات الكبرى التي تأسست خارج الحدود التركية في أواخر العهد العثماني: الكليّة السورية الإنجيلية التي أصبحت الجامعة الأمريكية في بيروت، سنة 1866م، وجامعة القديس يوسف، سنة 1874م، وجامعة القاهرة، سنة 1908م، وغيرها. يفيد بعض الأدباء والمؤرخين الذين عاصروا أواخر العهد العثماني أن اليوم الدراسي كان يبدأ بتلاوة سورة الفاتحة، عند المسلمين، والمزمور 23، عند المسيحيين، ثم يتلوها عبارة "عاش مولانا السلطان" (بالتركية العثمانية: پاديشاه متشوق يا شاه) ثم تتلوها ترتيلة تركية.[194]
العبودية

كانت طبقة العبيد تُشكل جزءًا مهمًا لا غنى عنه في المجتمع العثماني،[195] وكانت هذه الطبقة تتألف من الصبية والبنات الأوروبيين الذين يخطفهم القراصنة أو يتم سبيهم خلال المعارك والحروب، ومن الأفارقة الذين كان يخطفهم تجّار الرقيق من قراهم جنوب الصحراء الكبرى. ألغى السلطان محمود الثاني تجارة الرقيق الأبيض في أوائل القرن التاسع عشر،[196] فتحرر جميع العبيد من يونانيين وجورجيين وأرمن وشركس، وأصبحوا مواطنين عثمانيين يتمتعون بسائر الحقوق التي يتمتع بها الأحرار. إلا أن تجارة الرقيق الأسود استمرت قائمة حتى أواخر عهد الدولة العثمانية، كذلك يفيد بعض المؤرخين أن تجارة الآمات استمرت قائمة حتى سنة 1908م.[197] كان حريم السلطان يتألف بمعظمه من الآمات، وقد تزوّج بعض السلاطين بآمة أو أكثر مما ملكوا، مثل السلطان سليمان القانوني، الذي عشق آمته الأوكرانية المدعوة "روكسلان" عشقًا شديدًا وتزوج بها، فولدت له السلطان سليم الثاني.[198] وقد حقق بعض العبيد العثمانيين شهرة كبيرة ووصلوا إلى مراكز مهمة، ومنهم علي بك الكبير يوناني الأصل، الذي أصبح والي مصر والحجاز وتمرّد على الدولة العثمانية،[95] وأحمد باشا الجزار بشناقي الأصل، الذي أصبح والي عكا واستطاع صد هجوم نابليون بونابرت على المدينة.[199]

أخذت الدولة العثمانية بنظام الخصاء في قصور السلاطين، على الرغم من أن الشريعة الإسلامية تحرّم مبدأ الخصاء،[200] وكان أخذ الدولة بهذا النظام غير الشرعي من الحالات النادرة التي خرجت فيها على الشريعة الإسلامية. بينما يقول مؤرخون آخرون أن العثمانيين كانوا يشترون العبيد الخصيان من خارج حدود الدولة حيث تكون عملية الاخصاء قد أجريت للعبد في صغره ليتم بيعه في سوق النخاسة إلى الملوك والأمراء حيث كان اخصاء العبيد وبيعهم للخدمة في قصور ملوك الدول المختلفة تجارة رائجة في العصور القديممة والوسطى وشطر من العصور الحديثة قبل منع الرق دوليًا.[201] كانت هناك طائفتان من الخصيان: الخصيان السود وهم المخصيون خصاءً كاملاً، والخصيان البيض وهم المخصيون خصاءً جزئيًا، وكان يُطلق على رئيسهم "قبو آغاسي"،[202] في حين كان يُطلق على رئيس الخصيان السود، الذي هو في الوقت نفسه الرئيس الأعلى في القصور السلطانية، "قيزلر آغاسي، أي "آغا البنات" و"آغا دار السعادة"،[203] ووضعت الدولة أنظمة خاصة تُطبق على خدمتهم في القصور السلطانية. وقام تنافس شديد بين هذين النوعين كان مرده رغبة كل فريق الاستئثار بالنفوذ الأعلى في دوائر القصور السلطانية وفي شؤون الدولة، وقد ارتفع مقام رئيس الخصيان السود نتيجة اتصاله المباشر بالسلطان ووصل إلى المركز الثالث من حيث الأهمية بعد الصدر الأعظم وشيخ الإسلام،[202] وأضحى الوزراء يتملقونه والمستوزرون يتقربون منه. يتحدر اليوم جميع الأتراك من أصل أفريقي من هؤلاء الأشخاص الذين عملوا كرؤساء للخصيان في قصر السلطان.

العمران
عُني العثمانيون بالناحية العمرانية عناية واضحة، فأقاموا شبكة واسعة من الطرق والجسور في طول الدولة وعرضها مستعينين على ذلك بمهرة الصنّاع البيزنطيين البلغار.[204] ومع أن هذه الشبكة أنشئت، في المقام الأول، لأغراض عسكرية، إلا أنها سهّلت حركة المواصلات العامّة وأسدت إليها خدمة جليلة أيضًا. كذلك عُني العثمانيون بتشييد المدارس ومعاهد التعليم التي كانت تتسع لسكنى الأساتذة والطلاّب، وبإقامة المستشفيات والبيمارستانات ودور العجزة، وبإنشاء المطاعم الشعبية والتكايا للفقراء، والخانات التي كان التجّار الغرباء ينزلون فيها؛ وكذلك عنوا ببناء الحمامات الشعبية، والمكتبات العامّة، والمتاحف والقصور، والمساجد، وبخاصة في الآستانة وعواصم الولايات.[204] تأثّر النمط العمراني العثماني بالأنماط الفارسية والبيزنطية والإسلامية في بداية عهده، فجاء خليطًا بينها ومطورًا لبعضها، فعلى سبيل المثال، اقتبس العثمانيون القبّة الفارسية من الفرس الساسانيون، وأدخلوا عليها بعض التعديلات حتى أصبحت سمة بارزة في معظم آثارهم المعمارية.[205][206] ازدهرت العمارة العثمانية في عهد التوسع والفتوحات، ثم أصبح النشاط المعماري راكدًا كما الدولة في فترة الركود، وفي فترة لاحقة أدخل المعماريون أنماطًا معمارية من أوروبا الغربية ودمجوها مع النمط العثماني، ومن هذه الأنماط: الباروكيه، الروكوكو، والنمط الإمبراطوري.

تعتبر بعض المساجد من أبرز آثار العمارة العثمانية، ومنها: مسجد السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، وقد عهد السلطان محمد ببنائه إلى مهندس يوناني يُدعى "خريستو دولوس"،[204] وهو من أروع آثار العمارة العثمانية وأقربها إلى الكمال. ومسجد السلطان أحمد في إسطنبول أيضًا، ومسجد السلطان بايزيد الذي يمتاز بفخامة موادّه البنائية وبزخرفته على الطريقة الفارسية.[204] ومسجد السلطان سليمان القانوني، الذي نافس في جماله آيا صوفيا، والذي عُهد بتشييده إلى المهندس العثماني الشهير "سنان آغا". والواقع أن سنان هذا كان أعظم المهندسين العثمانيين على الإطلاق، فقد أنشأ، بالإضافة إلى هذا المسجد العظيم، عشرات المساجد الأخرى منها مسجد السلطان سليم الثاني، أو مسجد سليمية، وخمسًا وخمسين مدرسة، وسبعة عشر مطعمًا عموميًا، وثلاثة مستشفيات، وسبعة جسور، وثلاثة وثلاثين قصرًا، وثمانية عشر خانًا، وخمسة متاحف.[204] وقد بلغ من براعة سنان آغا وبعض المهندسين الذين تلوه أنهم دمجوا في تصاميمهم النمط البيزنطي بالنمط الصيني.[207]

الفنون والآداب

اهتمت الطبقة الحاكمة العثمانية بالموسيقى والطرب، وبلغ من درجة اهتمام بعض السلاطين بالموسيقى والغناء أن نظموا بعض المقاطع الموسيقية بأنفسهم ولحنوها، ومن هؤلاء السلطان سليم الثالث. تتميز الموسيقى العثمانية، كما معظم السمات الحضارية للعثمانيين، أنها خليط بين الموسيقى البيزنطية والعربية والفارسية، وكانت تُنظم وفق وحدات إيقاعية تُسمى "أصول"، ووحدات لحنيّة تُسمى "مقام". استخدم العثمانيون أدوات موسيقية ابتُكرت في آسيا الوسطى مثل الساز والکمانچه، وأخرى ابتكرها العرب مثل العود والتنبور القانون الناي، ومن ثم أضافوا إليها بعض الأدوات الأوروبية مثل الكمان البيانو. برز نوعان من الموسيقى في الدولة العثمانية بفعل اتساع رقعة الدولة وبعد الأقاليم عن بعضها البعض: الموسيقى العثمانية التقليدية أو الكلاسيكية، والموسيقى العثمانية الفلكلورية؛ وكان هناك أشكل مميزة من الموسيقى العثمانية أبرزها: موسيقى الإنكشارية، وموسيقى الغجر، وموسيقى الرقص الشرقي، وموسيقى الترك الفلكلورية. وقد اقتبس اليونانيون الشوام المصريون وبعض الشعوب الأخرى بعض أشكال الموسيقى العثمانية ودمجوها في ثقافتهم.

تأثّر الشعر العثماني بنظيره الفارسي بشكل كبير، وبالشعر العربي إلى حد أقل، وكان لهذا الدمج بين اللغتين العربية والفارسية تأثير كبير في نشأة اللغة التركية العثمانية،[208] وقد استمر الشعراء، وبعض السلاطين العثمانيين، ينظمون الشعر بالفارسية والعربية حتى وقت متأخر من القرن التاسع عشر، عندما أخذ الأتراك يلجؤون إلى اللغة التركية في نظم الشعر.[209] كان النثر العثماني عبارة عن سرد لأحداث قديمة وقعت بالفعل، واستمر بصفته هذه حتى القرن التاسع عشر عندما تأثّر بالروايات الأوروبية، وخاصةً الفرنسية، وأخذ الكتّاب يبتدعون قصصًا خيالة.

أهمل العثمانيون فن التمثيل في بداية عهدهم، واستعاضوا عنه بعروض الدمى المتحركة، المعروفة باسم "كركوز وعواظ"، وقد انتشرت هذه الظاهرة الثقافية في معظم البلدان الشرقية الخاضعة للدولة، ولجأ إليها الناس للترفيه عن أنفسهم طيلة العهد العثماني، واستمرت قائمة في بعض الأماكن لحين ظهور دور السينما ثم المذياع والتلفاز.[210]

المطبخ

يُقصد بالمطبخ العثماني ذاك المطبخ الذي كان سائدًا في العاصمة وعواصم الولايات، وما زالت مطابخ هذه المناطق العثمانية السابقة متطابقة أحيانًا ومشتركة في أنواع معينة من المأكولات في أحيان أخرى. إنصهرت هذه المطابخ جميعها في الآستانة، ذلك أن السلاطين كانوا يحيطون أنفسهم بعدد من الطبّاخين من مختلف الولايات العثمانية، ويسمحون لهم بتجربة أشكال جديدة من الوصفات أو خلط تلك الخاصة بهم مع أخرى خاصة بشعب آخر. وكان هؤلاء الطباخين ينشرون المأكولات الجديدة التي تعرفوا عليها في العاصمة في بلدانهم عندما يرجعون إليها، وبهذه الطريقة، بالإضافة إلى الولائم التي كان الولاة أو السلطان يقيموها للرعايا وللفقراء في شهر رمضان، تعرّفت الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية على مطابخ الدولة المختلفة.[211] يمكن ملاحظة أثر المطبخ العثماني اليوم في الكثير من المطابخ الأوروبية الشرقية والشامية، مثل المطبخ اليوناني والصربي والبوسني واللبناني والحلبي والفلسطيني والدمشقي وغيرها. من أبرز المأكولات المشتركة بين تركيا وعدد من الولايات العثمانية السابقة: القهوة التركية، اللحم بعجين، الكباب المعروف باسم "الشاورما"، اليبرق أو "ورق العريش" أو "ورق العنب"، البقلاوة، وغيرها كثير.
الديمغرافيا

يُشكل احتساب عدد سكان الدولة العثمانية موضع جدال بين المؤرخين، ذلك لأن المصادر الأولى التي تشير لهذه المسألة ضئيلة ومبهمة. ولم تعتمد الدولة العثمانية إحصاءًا للسكان باستخدام الأساليب الحديثة حتى سنة 1831م، ولم يظهر الإحصاء الرسمي الأول حتى سنة 1881م،[212] إلا أن هذه الإحصاءات لا تساعد بالرغم من هذا على تحديد إجمالي عدد السكان، فإحصاء سنة 1831 على سبيل المثال إحتسب الرجال فقط دون النساء ولم يُغطي كافة أنحاء الدولة.[213]
اللغة

كان هناك ثلاث لغات كبرى سائدة في الدولة العثمانية: التركية، وهي اللغة الأم للأتراك، وقد تكلّم بها أغلبية سكان الأناضول وتراقيا، بالإضافة إلى المسلمين البلقانيين عدا الألبان وسكان البوسنة، وبطبيعة الحال انتشرت اللغة التركية بين الأشخاص المثقفين من غير الأتراك وبشكل خاص أولئك الموظفين في الدوائر الحكومية.[214] كذلك كان للغة الفارسية انتشار محدود بين المثقفين العثمانيين،[214] أما ثاني لغة من حيث الأهمية فكانت اللغة العربية، وقد تكلمها سكان الدول العربية الخاضعة للحكم العثماني، بالإضافة إلى الأتراك وباقي الشعوب المسلمة في الدولة، كونها لغة الدين الإسلامي، غير أن من أتقنها وتكلمها بطلاقة كما العرب كان الطبقة المثقفة أيضًا.[214] كانت اللغة التركية هي اللغة الرسمية للدولة العثمانية، وتختلف اللغة التركية العثمانية عن اللغة التركية الحديثة، من ناحية أنها كانت أكثر تأثرًا باللغتين العربية والفارسية، واقتبست منهما مصطلحات عديدة اختفت اليوم من المعجم التركي.[214]

إنتشرت بعض اللغات الأخرى على نطاق ضيّق في الدولة العثمانية، ومنها: الكردية، والصربية، واليونانية، والمجرية، والأرمنية، والبلغارية، كذلك كان لبعض الطوائف لغاتها الطقسية الخاصة، مثل السريانية والقبطية للمسيحيين الشوام والمصريين، والعبرية بالنسبة لليهود. اقتبس العرب، وبشكل خاص الشوام والمصريين عدد من الكلمات التركية وأصبحت تشكل جزءًا من لغة التواصل اليومية في بلادهم، ومن هذه الكلمات: بصمة، وأصلها "باصماق" وتشير إلى وطأة القدم؛ "بلكي" وتعني التوقع والاحتمال؛ "بويا" أصلها "بوياغ" وتعني الطلاء؛ "جمرك" وتعني الضريبة التي تؤخذ على البضائع، "دوغري" أصلها "دوغرو" وتعني المستقيم، وتُستخدم أيضًا للإشارة في السير إلى الأمام؛ "أوضة" أصلها "أودة" وتعني غرفة؛ "برطمان" أي إناء زجاجي، وكلمات أخرى كثيرة.[215]



الدين
كان الإسلام هو الدين الرسمي في الدولة العثمانية، وقد اعتنقته الأغلبية الساحقة من السكان في الولايات الآسيوية والأفريقية، وفي بعض أنحاء البلقان، وفقًا للمذهب السني، وكان هناك أقلية شيعية تنتشر بشكل رئيسي في العراق وبعض أنحاء الشام، كذلك كان هناك نسبة قليلة من الدروز والعلويين في لبنان وسوريا وفلسطين والأناضول. اتبع عدد من المسلمون العثمانيون الأتراك، بما فيهم كثير من السلاطين، عدّة طرق صوفية، ومنها الطريقة البكداشية والماتردية والباطنية والمولوية. ظهرت خلال العهد العثماني حركة عقائدية صوفية كبرى ذات أبعاد سياسية واقتصادية، وانطوت على محاولة التقريب بين الإسلام والمسيحية واليهودية، تلك كانت حركة الشيخ "بدر الدين"، وهي تتصدر أهم الحركات الدينية والاجتماعية على مدار التاريخ العثماني، كون الداعي لها قال ببعض الأفكار التي تناقض المعتقدات الإسلامية، ومنها إنكار الجنة والنار ويوم القيامة والملائكة والشياطين، وقصّر الشهادة على قسمها الأول، أي "لا إله إلا الله" وحذف نصفها الثاني، أي "محمد رسول الله"، ودعا إلى الزهد المطلق والمهدي المنتظر. وقد تمكنت هذه الدعوة من جذب الكثير من المسيحيين وقليل من اليهود وعدد من المسلمين، وقد استطاع العثمانيون إيقاف هذه الدعوة وتحجيمها، لكن اتباعها استمروا، وأصبحوا يعرفون باسم "العلاهيين".[216]

سمح العثمانيون لليهود والمسيحيين أن يمارسوا شعائرهم الدينية بحرية تحت حماية الدولة، وفقًا لما تنص عليه الشريعة الإسلامية، وبهذا فإن أهل الكتاب من غير المسلمين كانوا يعتبرون رعايا عثمانيين لكن دون أن يُطبق عليهم قانون الدولة، أي أحكام الشريعة الإسلامية، وفرض العثمانيون كما جميع الدول الإسلامية من قبلهم، الجزية على الرعايا غير المسلمين مقابل إعفائهم من الخدمة في الجيش. كانت الملّة الأرثوذكسية أكبر الملل غير الإسلامية في الدولة العثمانية، وقد انقسم أتباعها إلى عدّة كنائس أبرزها كنيسة الروم، والأرمن، والأقباط، والبلغار، والصرب، والسريان، وكانت هذه الكنائس تُطبق قانون جستنيان في مسائل الأحوال الشخصية. خصّ العثمانيون المسيحيين الأرثوذكس بعدد من الامتيازات في مجاليّ السياسة والتجارة، وكانت هذه في بعض الأحيان بسبب ولاء الأرثوذكسيين للدولة العثمانية.[217][218] اتبع بعض المسيحيين الخاضعين للدولة العثمانية المذهب الكاثوليكي، لكنهم كانوا يشكلون أقلية طيلة عهد الدولة، وقد انتمت معظم الكنائس الكاثوليكية إلى الفرع الشرقي، وأبرزها: الكنيسة المارونية والكنيسة الآشورية والروم الكاثوليك وغيرها. كانت علاقة الدولة العثمانية ببعض الكنائس علاقة سلمية أغلب عهدها، فكان الروم الأرثوذكس يذعنون عن طيب خاطر للسلطان طالما لم يتعرض لهم أحد في دينهم، وسمح السلاطين، وأولهم محمد الفاتح، سمحوا للأرمن ببناء كنائسهم داخل حدود الآستانة، فيما كان البيزنطيين يعتقدون أن الأرمن هراطقة ولم يسمحوا لهم بممارسة شعائرهم داخل جدران القسطنطينية، وأعطى العثمانيون للموارنة إمتيازًا ميزهم عن سائر الطوائف المسيحية، وهو عدم وجوب طلب البطريرك والمطارنة الفرمان من الباب العالي، كي تعترف الحكومة بسلطتهم على رعاياهم،[219] وأعاد العثمانيون إنشاء الكنيسة البلغارية الأرثوذكسية، بعد أن كانت قد حُلّت سابقًا ودُمجت في جسم كنيسة الروم الأرثوذكس.[220]

سكن اليهود مناطق عديدة من الدولة العثمانية، وقد ازداد عدد اليهود السفارديون بعد سقوط الأندلس، عندما وفدت جموع منهم إلى جانب الأندلسيين المسلمين إلى أنحاء مختلفة من الدولة، وبشكل خاص الآستانة وسالونيك وبعض مدن الشام ومصر، وكان رئيس الطوائف اليهودية يُعرف باسم "حاخام باشي" أو "باشا الحاخامات". يقول بعض المؤرخين أن اليهود العثمانيين لعبوا دورًا في إسقاط الدولة العثمانية عن طريق تعاونهم مع اليهود الأوروبيون والداعين للصهيونية، كما وساهموا في تشويه صورة الدولة لاحقًا،[221] ويوضح آخرون أن سياسة الدولة العثمانية كانت تقوم على تشجيع اليهود على الهجرة إلى ممتلكاتها، غير أنها كانت تخشى أن يقيم اليهود دولة لهم في منطقة حول القدس، فيؤدي ذلك إلى فصم بلاد الشام منها، والاستئثار بالمدينة المقدسة.[222]

ساءت علاقة العثمانيين بالعديد من الطوائف غير الإسلامية في أواخر عهد الدولة لأسباب مختلفة، منها بروز الحركات القومية التي تبنتها شعوب غالبًا ما كانت تتعاطف معها بعض الطوائف كونها تنتمي لذات القومية أو المذهب الديني، وعند نشوب الحرب العالمية الأولى ضيّق العثمانيون الخناق على الرعايا المسيحيين منعًا لحصول أي اتصال بينهم وبين أعداء الدولة من البريطانيين والروس والفرنسيين، وخلال هذه الفترة ارتكبت الدولة بضعة أعمال واتخذت بعض الإجراءات التي نجم عنها قتل وتشريد الكثير من المسيحيين واليهود، وقد اعتبر البعض هذه الأعمال مجازر ومذابح هادفة لاضطهاد الأقليات الدينية، فيما اعتبرها آخرون أعمال قد تقوم بها أي دولة في زمن الحرب للحفاظ على أمنها.

القانون والقضاء

كانت الشريعة الإسلامية هي أساس القانون العثماني. وفي بادئ الأمر كان "قاضي العسكر" هو رأس الهيئة القضائية. ثم عُيّن إلى جانبه قاضيان آخران أحدهما لأفريقيا والثاني لأوروبا.[177] ولم تكن سلطة قضاة الجيش هؤلاء مقصورة على الشؤون العسكرية، بل تعدتها إلى نواحي القانون بأكمله. وكان هؤلاء القضاة هم الذين يُعينون الموظفين القضائيين والقضاة ونوابهم. وكان يتلو قضاة الجيش في الترتيب "العلماء الكبار" وهم قضاة العاصمة، ثم "العلماء الصغار" الذين كانوا يتولون القضاء في عشر مدن ثانوية من مدن الولايات كبغداد وصوفيا.[177] أما قضاة الدرجة الثانية وما دونها فكانوا ينقسمون إلى طبقات ثلاث وهم: المفتشون، والقضاة، ونواب القضاة. وكانت الهيئات القضائية كلها تخضع لمفتيّ الآستانة الذي كان يحمل لقب "شيخ الإسلام". وكان شيخ الإسلام هذا يُفتي في ما يُرفع إليه من المسائل القضائية، وكثيرًا ما كان السلاطين يستصدرون منه الفتوى كلّما أقدموا على اتخاذ قرار مصيري يتصل بشؤون السلم أو الحرب.[177]

اعتمد السلطان عبد المجيد الأول تدوين القانون المدني العثماني كخطوة من خطواته التنظيمية، فجعل كبار الفقهاء والعلماء يجمعون التشريعات في ما أصبح يُعرف بمجلة الأحكام العدلية. تتكون هذه المجلة من ستة عشر كتاب أولها كتاب البيوع وآخرها كتاب القضاء، وكل كتاب يتناول موضوع ومكون من أبواب، وكل باب مكون من فصول.[223] صدرت المجلة سنة 1882م، وهي تعتبر أول تدوين للفقة الاسلامي في المجال المدني في إطار بنود قانونية، على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان. وهي القاعدة التي بُني عليها القانون المدني في أغلب الدول العربية مثل العراق ومصر والأردن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:19 am

الجيش
القوات غير النظامية (1237–1365)

لم يكن للإمارة العثمانية عند قيامها جيش نظامي تعتمد عليه، وقد وقع عبء الفتوح الأولى على عاتق المجاهدين والباحثين عن الغنائم وجماعات الدراويش، وكانوا كلهم من الفرسان، فيجتمعون في مكان محدد عن طريق المنادين ثم يخرجون إلى الحرب، فإذا انتهت تفرّقت جموعهم وعاد كل واحد إلى عمله الأساسي.[224] وقد اعتمد العثمانيون منذ أول ظهورهم في التاريخ، نظامًا إقطاعيًا كان الهدف منه تأمين مصدر ثابت لإمداد جيوشهم بالجند، يغنيهم عن إنشاء جيش نظامي دائم ويُوفر لهم نفقاته، وكان أساس هذا النظام هو إقطاع أو منح المحاربين بعض المقاطعات الزراعية مقابل التزامهم بأن يكونوا دومًا على استعداد للسير إلى الحرب متى يُدعون إليها، مع أعداد من الفرسان من أتباعهم تتناسب ومساحة الإقطاعة الممنوحة لكل منهم، وأن يجهزوهم بكل ما يحتاجون إليه من خيل وسلاح.[224]
 

الجيش النظامي الأول (1365–1828)
 

يُعتبر السلطان أورخان الأول مؤسس الجيش العثماني الحقيقي، فقد أدرك من خلال معاركه حاجته إلى جيش من المشاة يستطيع فتح القلاع واقتحام الأسوار المنيعة، ولا يعرف أفراده حرفة سوى القتال،[224] فأنشأ أول الأمر جيشًا نظاميًا مؤلفًا من فرق متعددة، كل فرقة منقسمة إلى وحدات تتألف من عشرة أنفار، ومئة نفر، وألف نفر.[224] ثم اختار ألفًا من أسرى الحروب، وأغلبهم من صغار السن، بين السابعة والعاشرة، وضمّ إليهم الأولاد المسيحيين المشردين والأيتام الذين توفي آباؤهم أو أمهاتهم خلال الغزوات والمعارك، ثم صهر الجميع في بوتقة واحدة، وأنشأهم على الدين الإسلامي وعلى التعلق بشخصه والإخلاص له وللدين والوطن، فكان هؤلاء هم نواة جيش الإنكشارية (بالتركية العثمانية: يکيچرى؛ أي الجيش الحديث).[225] كان الإنكشارية لا يعرفون حرفة ولا عمل إلا القتال والحرب، وتألّف الجيش الإنكشاري من ثلاث فرق مختلفة هي: السكمان والجماعة والفرقة، وكان رئيسه الأعلى يُعرف باسم "آغا الإنكشارية". تكاثر عدد الإنكشارية مع الزمن فبلغ في بعض الأحوال ستين ألفًا،[225] وجميع المؤرخون متفقون على إطراء روح النظام التي تميّز بها هؤلاء الجنود في العصر الذهبي للدولة، فلم يكن عندهم مكان للخمر أو للقمار أو غير ذلك من الآفات التي عرفتها جيوش أوروبا في تلك العهود.[225] ولكن الفساد ما لبث أن دبّ إلى هذا الجيش مع الزمن، فاعتاد الإنكشارية أن يتمردوا ويطالبوا بالهبات السخية كلما ارتقى العرش سلطان جديد. وقد شكلوا في العهود المتأخرة عقبة كانت تحول دون الإصلاح والتجديد، فأبادهم السلطان محمود الثاني عن بكرة أبيهم وألغى جميع أزيائهم وألقابهم.[224] أنشأ العثمانيون إلى جانب جيش المشاة جيشًا من الفرسان عُرف باسم "الفرسان السواري" أو سپاهي، ويُعرفهم معظم الكتّاب العرب باسم "الفرسان السيباه"، وقد لعب هؤلاء دورًا كبيرًا في تقدم الفتوح عبر أوروبا، لكنهم أصيبوا بالفساد كما الإنكشارية في أواخر عهدهم، واشتركوا معهم في نفس المصير.[226] عُني العثمانيون بسلاح المدفعية عناية عظمى، وأنشأوا فرقة خاصة في الجيش هي فرقة المدفعية أو "الطوبجيّة". وكانت المدفعية تتقدم الجيش عند الهجوم، في حين كان الإنكشارية يرافقون طليعة الجيش.[224]
 
الجيش النظامي الثاني (1826-1922)

بعد أن قضى السلطان محمود الثاني على الإنكشارية، أقدم على إلغاء جميع الفرق العسكرية غير المنتظمة، وأضحى الجيش كله مؤلفًا من جنود منتظمين مسلحين بأحدث الأسلحة وصل تعدادهم بحلول عام 1826م إلى اثني عشر ألف جندي وارتفع هذا العدد إلى خمسة وسبعين ألفًا بحلول عام 1828م.[227] أطلقالسلطان على الجيش الجديد اسم "العساكر المنصورة المحمدية"، واستدعى ضباطًا ومهندسين فرنسيين وألمانًا لتدريب أفراده وفق النموذج الأوروبي. وأسسالسلطان أكاديمية عسكرية في عام 1834م، وأرسل بعض خريجيها إلى العواصم الأوروبية لاستكمال دراساتهم العليا.[228] استمر الجيش العثماني موجودًا بصفة رسمية حتى قيام الجمهورية التركية، عندما أصبحت جميع القوات العثمانية إلى جانب قوّات مصطفى كمال تُشكل القوات المسلحة التركية.
 
البحرية والأسطول

أنشأ العثمانيون أسطولاً بحريًا كبيرًا ساعدهم في كثير من فتوحاتهم البرية والبحرية على السواء. ولعلّ الفضل في تعزيز الأسطول العثماني يعود إلى السلطان محمد الفاتح أولاً، ولمّا تولّى العرش السلطان سليم الأول واصل تعزيز هذا السلاح، ثم جاء سليمان القانوني فزاد عدد سفنه فبلغت ثلاثمئة.[225] وكان الأسطول العثماني يتألّف من دوارع ثقيلة وطرّادات خفيفة، وكان مزودًا بمدفعية قوية. ولكن الدولة أهملت الأسطول، في اواخر القرن السادس عشر، فتضائل عدد قطعه، واقتصر نشاطه على خفر السواحل تقريبًا.[225] وفي عهد الإصلاحات والتنظيمات حاول السلطان محمود الثاني النهوض بالبحرية فبنى سفينة "المحمودية" التي كانت طيلة سنوات أكبر سفينة حربية في العالم، وحاول السلطان عبد العزيز الأول إحياء البحرية العثمانية من جديد وزيادة قطعها، فبنى أسطولاً كان الأكبر في العالم بعد أساطيل بريطانيا وفرنسا، واستحصل من بريطانيا على أوّل غواصة حربية من نوعها.[229] لكن على الرغم من كل ذلك، اعتقد السلطان بأن الأسطول العثماني غير مؤهل ليواجه نظيره الروسي في معركة مباشرة، فأمر بإبقاء السفن داخل مضيق القرن الذهبي، فحُبست طيلة 30 سنة.[225] أسست جمعية الإتحاد والترقي، بعد أن استلمت الحكم في البلاد، "جمعية البحرية العثمانية" الهادفة لشراء سفن حربية جديدة بغية تطوير الأسطول العثماني.
 
سلاح الجو

تأسس سلاح الجو العثماني في شهر يونيو من سنة 1909م، وبهذا فهو يُعتبر من أقدم أسلحة الجو في العالم، وقد تلقّى الطيارون العثمانيون تدريبهم في ألمانيا إجمالاً، وقاتلوا على جبهات عديدة أثناء الحرب العالمية الأولى: من غاليسيا غربًا إلى القوقاز شرقًا، واليمن جنوبًا.




المصادر

1. ^ أ ب The Encyclop?dia Britannica, Vol.7, Edited by Hugh Chisholm, (1911), 3; Constantinople, the capital of the Turkish Empire...
2. ^ بريتانيكا، إسطنبول:حينما أنشأت الجمهورية التركية في سنة 1923، انتقلت العاصمة إلى مدينة أنقرة، وسُميت القسطنطينية "إسطنبول" بشكل رسمي في سنة 1930.
3. ^ عملة ورقية عثمانية بالأبجدية العربية. وُصِل لهذا المسار في 2010-08-26.
4. ^ بعض القواعد النحوية للغة التركية
5. ^ From the article on the Ottoman Empire in Oxford Islamic Studies Online
6. ^ الموقع الرسمي للبحرية التركية: "Atlantik'te Türk Denizcili?i"
7. ^ Glasse, Cyril, New Encyclopedia of Islam, (Rowman Altamira, 2003), 229.
8. ^ Finkel, Caroline, Osman's Dream, (New York: Basic Books, 2005), 57.
9. ^ النص الكامل لمعاهدة لوزان (1923). Wwi.lib.byu.edu. وُصِل لهذا المسار في 2010-08-26.
10. ^ أ ب ت المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 114-115
11. ^ أ ب كوبرولي، محمد فؤاد: قيام الدولة العثمانية: صفحة 119-122
12. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ الأيوبيين في مصر وبلاد الشام وإقليم الجزيرة: صفحة 329-335
13. ^ أ ب تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 115 ISBN 9953-18-084-9
14. ^ أ ب أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 25 ISBN 978-9953-18-443-2
15. ^ History of the Ottoman Empire and modern Turkey, Volume 1, By Stanford Jay Shaw, Ezel Kural Shaw, pg. 13
16. ^ أ ب ت ث أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 26 ISBN 978-9953-18-443-2
17. ^ Southeastern Europe under Ottoman rule, 1354-1804, By Peter F. Sugar, pg.14
18. ^ أ ب ت ث المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 116
19. ^ Shaw, S: History of the Ottoman empire and Modern Turkey: I pp.13-14
20. ^ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 116 ISBN 9953-18-084-9
21. ^ سرهنك، الميرالآي إسماعيل: تاريخ الدولة العثمانية: صفحة 14
22. ^ (تركية) السلطان عثمان خان الأول، الموقع الرسمي لوزارة الثقافة التركية
23. ^ Nicolle, p. 7.
24. ^ J.J.Norwich (1996) Byzantium: the Decline and Fall, Penguin, London p.320
25. ^ Crowley, Roger. 1453: The Holy War for Constantinople and the Clash of Islam and the West. New York: Hyperion, 2005. p 31 ISBN 1-4013-0850-3.
26. ^ أ ب تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 129 ISBN 9953-18-084-9
27. ^ أ ب ت قصة إسلام: السلطان الغازي مراد الأول (761- 791هـ). تاريخ التحرير: الأحد، 28 آذار/مارس 2010
28. ^ أ ب ت ث ج المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 120
29. ^ أ ب ت ث ج Tuchman, 548
30. ^ The Crusades and the military orders: expanding the frontiers of latin christianity; Zsolt Hunyadi page 226
31. ^ Michal Biran, The Chaghadaids and Islam: The Conversion of Tarmashirin Khan (1331-34) , Journal of American Oriental Society, Vol. 122, No. 4 (Oct. - Dec., 2002), 751; "Temur, a non-Chinggisid, tried to build a double legitimacy based on his role as both guardian and restorer of the Mongol Empire.".
32. ^ Weatherford, J. McIver, Genghis Khan and the making of the modern world, (Random House Inc., 2004), 252.
33. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 72 ISBN 978-9953-18-443-2
34. ^ أ ب تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 147 ISBN 9953-18-084-9
35. ^ Imber, Colin, The Ottoman Empire. London: Palgrave/Macmillan, 2002. ISBN 0 333 613872
36. ^ أ ب ت ث ج ح المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 122-123
37. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 92 ISBN 978-9953-18-443-2
38. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 106 ISBN 978-9953-18-443-2
39. ^ أ ب تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 164 ISBN 9953-18-084-9
40. ^ أ ب ت قصة إسلام: محمد الفاتح وفتح القسطنطينية، تاريخ التحرير: الخميس، 17 تموز/يوليو 2008
41. ^ Stone, Norman "Turkey in the Russian Mirror" pages 86-100 from Russia War, Peace and Diplomacy edited by Mark & Ljubica Erickson, Weidenfeld & Nicolson: London, 2004 page 94
42. ^ أ ب ت أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 135-137 ISBN 978-9953-18-443-2
43. ^ Duffy, 2006, p. 196.
44. ^ حليم: صفحة 72، أوزتونا: الجزء الأول، صفحة 190
45. ^ Egger، Vernon O.(2008). A History of the Muslim World Since 1260: The Making of a Global Community.Prentice Hall. ISBN 0132269694. 
46. ^ الجميّل، سيار: العثمانيون وتكوين العرب الحديث: صفحة 332-333
47. ^ أ ب قصة الإسلام: السلطان بايزيد الثاني (886- 918هـ): سيطرة سليم الأول على الحكم، تاريخ التحرير: الثلاثاء، 06 نيسان/أبريل 2010
48. ^ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 187 ISBN 9953-18-084-9
49. ^ دائرة المعارف التركية، مقالة "سليم"، بقلم "سينساسي ألتيطاغ": الجزء الأول، صفحة 323-334
50. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 147-151 ISBN 978-9953-18-443-2
51. ^ Savory, R. M.(1960),"The Principal Offices of the ?afawid State during the Reign of Ism?'?l I (907-30/1501-24)",Bulletin of the School of Oriental and African Studies, University of London23(1): 91–105, DOI:10.1017/S0041977X00149006,
52. ^ أ ب ت المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 130-131
53. ^ Hess, Andrew C.(January 1973),"The Ottoman Conquest of Egypt (1517) and the Beginning of the Sixteenth-Century World War",International Journal of Middle East Studies4(1): 55–76,
54. ^ السيرة الذاتية للسلطان سليم القاطع وُصل لهذا المسار في 2007-09-16
55. ^ أ ب المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 141-142
56. ^ Encyclopaedia Britannica. Britannica.com. وُصِل لهذا المسار في 2010-08-26.
57. ^ Encyclopaedia Britannica. وُصِل لهذا المسار في 2010-08-26.
58. ^ أ ب قصة الإسلام: الخليفة سليمان الأول (القانوني) (926- 974هـ)، تاريخ التحرير: الثلاثاء، 06 نيسان/أبريل 2010
59. ^ Imber, 50.
60. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 212 ISBN 978-9953-18-443-2
61. ^ The Cambridge history of Islam by Peter Malcolm Holt,Ann K. S. Lambton, Bernard Lewis p.330 [1]
62. ^ تاريخ الترك: معركة بروزة
63. ^ Corsari nel Mediterraneo: Hayreddin Barbarossa
64. ^ L. Kinross, The Ottoman Centuries: The Rise and Fall of the Turkish Empire, 206
65. ^ أ ب ت ث ج المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 146
66. ^ أ ب ت ث قصة الإسلام: الخليفة سليم الثاني (974- 982هـ)، تاريخ التحرير: الثلاثاء، 06 نيسان/أبريل 2010
67. ^ أ ب ت ث ج ح خ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 253-258 ISBN 9953-18-084-9
68. ^ Lewis Bernard: The emergence of Modern Turkey: p24
69. ^ Norman Itzkowitz, Ottoman Empire and Islamic Tradition p.64–65.
70. ^ Hammer: II p187. Venrad, Marc: Le Monde et son Histoire: V p415
71. ^ أ ب Kinross, 272.
72. ^ Norman Itzkowitz, Ottoman Empire and Islamic Tradition p.67.
73. ^ Partly based on an entry on Sebastian in The Popular Encyclopedia, or, Conversations Lexicon (London: Blackie & Son, 1864)
74. ^ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 259 ISBN 9953-18-084-9
75. ^ بروكلمان: صفحة 509، أوزتونا: الجزء الأول، صفحة 400
76. ^ أ ب ت أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 243 ISBN 978-9953-18-443-2
77. ^ قصة الإسلام: العثمانيون في النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجري، تاريخ التحرير: الثلاثاء، 06 نيسان/أبريل 2010
78. ^ أ ب ت تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 267-270 ISBN 9953-18-084-9
79. ^ Inalcik, An Economic And Social History Of The Ottoman Empire, Vol 1 1300–1600 p.24.
80. ^ تاريخ الدولة العثمانية: الجزء الأول، الفصل السابع: الدولة العثمانية في القرن السابع عشر، اتجاه إلى الاستقرار أم انحدار؟ بقلم روبير مانتران: صفحة 343
81. ^ أ ب تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 271-285
82. ^ Pouqueville, François Charles H.L.: Travels through the Morea, Albania, and several other parts of the Ottoman Empire, page 113-114, published 1806
83. ^ E. van Donzel, Islamic Desk Reference: Compiled from the Encyclopaedia of Islam, Brill Academic Publishers, p 219
84. ^ Ak?n Al?c?, Hayata Y?n Veren S?zler, 2004
85. ^ Norman Itzkowitz, Ottoman Empire and Islamic Tradition p.77–81.
86. ^ Norman Itzkowitz, Ottoman Empire and Islamic Tradition p.80–81.
87. ^ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 304 ISBN 9953-18-084-9
88. ^ أ ب ت ث ج ح خ د قصة الإسلام: العثمانيون في القرن الثاني عشر الهجري، تاريخ التحرير: الثلاثاء، 06 نيسان/أبريل 2010
89. ^ Norman Itzkowitz, Ottoman Empire and Islamic Tradition p.83–84.
90. ^ Stone, Norman "Turkey in the Russian Mirror" pages 86-100 from Russia War, Peace and Diplomacy edited by Mark & Ljubica Erickson, Weidenfeld & Nicolson: London, 2004 page 97
91. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 258 ISBN 978-9953-18-443-2
92. ^ Davison: Reform in the Ottoman Empire: p21
93. ^ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 320-326 ISBN 9953-18-084-9
94. ^ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 383 ISBN 9953-18-084-9
95. ^ أ ب المصور في التاريخ، الجزء السابع. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، لبنان والأحداث المجاورة، صفحة 104-122
96. ^ Sicker, Martin (2001), The Islamic world in decline: from the Treaty of Karlowitz to the disintegration of the Ottoman Empire, pp. 83-85. Greenwood Publishing Group, ISBN 027596891X
97. ^ Sayyid-Marsot, Afaf Lutfi (2007), A history of Egypt: from the Arab conquest to the present, pp. 57-59. Cambridge University Press, ISBN 0521700760
98. ^ أ ب Amira K. Bennison, "Muslim Universalism and Western Globalization," in Globalization in World History, ed. A.G. Hopkins, p. 89.
99. ^ أ ب ت ث ج ح خ قصة الإسلام: العثمانيون في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري، تاريخ التحرير: الثلاثاء، 06 نيسان/أبريل 2010
100. ^ Goodwin, Jason: "Lords of the Horizons", Chapter 24: The Auspicious Event, 1998
101. ^ Davis، Claire(1970). The Palace of Topkapi in Istanbul.New York:Charles Scribner's Sons، 213–217. ASIN B000NP64Z2. 
102. ^ Davis، Claire(1970). The Palace of Topkapi in Istanbul.New York:Charles Scribner's Sons، 214–217. ASIN B000NP64Z2. 
103. ^ أ ب تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 404-409 ISBN 9953-18-084-9
104. ^ Liberation, Independence and Union. Njegos.org. وُصِل لهذا المسار في 2010-08-26.
105. ^ Berend, Tibor Iv?n, History derailed: Central and Eastern Europe in the long nineteenth century, (University of California Press Ltd, 2003), 127.
106. ^ >تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 410 ISBN 9953-18-084-9
107. ^ أ ب المصور في التاريخ، الجزء السابع. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، محمد علي والي مصر، صفحة 155
108. ^ أ ب ت ث أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 327-334 ISBN 978-9953-18-443-2
109. ^ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 430-447 ISBN 9953-18-084-9
110. ^ Alistair Horne,(2006). A Savage War of Peace: Algeria 1954–1962 (New York Review Books Classics).1755 Broadway, New York, NY 10019:NYRB Classics، 29–30. ISBN 978-1-59017-218-6. 
111. ^ أ ب ت ث ج ح خ د المصور في التاريخ، الجزء السابع. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، الحملة المصرية، صفحة 153-170
112. ^ Laffin, John, Brassey's Dictionary of Battles, (Barnes & Noble Inc., 1995),.227
113. ^ Grant, R.G., Battle: A Visual Journey through 5,000 years of combat, (DK Publishing Inc., 2005), 263.
114. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 363 ISBN 978-9953-18-443-2
115. ^ أ ب ت ث ج ح قصة الإسلام: الدولة العثمانية في مرضها الأخير، تاريخ التحرير: الثلاثاء، 06 نيسان/أبريل 2010
116. ^ الشناوي: الجزء الأول، صفحة 222-223
117. ^ BA?,Ersan:Ce?me, Navarin, Sinop Bask?nlar? ve Sonuçlar? Türk Deniz Harp Tarihinde ?z B?rakan Gemiler, Olaylar ve ?ah?slar Say?: 8, Piri Reis Ara?t?rma Merkezi Yay?n?, Deniz Bas?mevi, 2007, ?stanbul, ISBN 975-409-452-7
118. ^ أ ب أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 378 ISBN 978-9953-18-443-2
119. ^ المصور في التاريخ، الجزء السابع. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، عهد القائممقاميتين، صفحة 187-192
120. ^ عبد الرؤوف سنّو: العلاقات الروسية العثمانية: مجلة تاريخ العرب والعالم، العددان 77-78، آذار-نيسان 1985م، صفحة: 26
121. ^ نوّار ونعنعي: التاريخ المعاصر، أوروبا من الثورة الفرنسية حتى الحرب العالمية الثانية، صفحة 232
122. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 396-397
123. ^ أ ب ت ث ج ح المصور في التاريخ، الجزء السابع. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، أحداث حركة 1860، صفحة 198-200
124. ^ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 529 ISBN 9953-18-084-9
125. ^ أ ب Stone, Norman "Turkey in the Russian Mirror" pages 86-100 from Russia War, Peace and Diplomacy edited by Mark & Ljubica Erickson, Weidenfeld & Nicolson: London, 2004 page 95.
126. ^ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 576 ISBN 9953-18-084-9
127. ^ أ ب أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 423-424
128. ^ أ ب ت ث ج ح خ قصة الإسلام: عهد الخليفة عبد الحميد الثاني، تاريخ التحرير: الثلاثاء، 06 نيسان/أبريل 2010
129. ^ تاريخ الدولة العثمانية، بإشراف روبير مانتران: الجزء الثاني، الفصل الثاني عشر، فترة التنظيمات، بقلم پول دومون: صفحة 151
130. ^ Albertini، Luigi(1952). The Origins of the War of 1914, Volume I.Oxford University Press. 
131. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 446-450
132. ^ مصطفى كامل: صفحة 301-320، حرب: السلطان عبد الحميد: صفحة 106، فرانسوا جورجو: النزاع الأخير، مقال في كتاب تاريخ الدولة العثمانية، بإشراف روبير مانتران: الجزء الثاني، صفحة 217
133. ^ Hovannisian. "The Armenian Question", p. 217.
134. ^ Akcam, Taner. A Shameful Act: The Armenian Genocide and the Question of Turkish Responsibility. New York: Metropolitan Books, 2006, p. 42. ISBN 0-8050-7932-7.
135. ^ حسّان حلاّق: موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية: صفحة 78-105
136. ^ أ ب ت تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 715-718 ISBN 9953-18-084-9
137. ^ Greek and Turkish refugees and deportees 1912–1924. Universiteit Leiden.
138. ^ المصور في التاريخ، الجزء الثامن. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، الحركات التحررية العربية قُبيل الحرب. صفحة 36
139. ^ أعظم أحداث العالم، إعداد موريس شربل، دار المناهل، صفحة 163
140. ^ أ ب ت ث ج ح خ د أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 543-549 ISBN 978-9953-18-443-2
141. ^ 'Castles' p.22-23
142. ^ 'Castles' p. 48–49
143. ^ The Encyclopaedia Britannica, Vol.7, Edited by Hugh Chisholm, (1911), 3; "Constantinople, the capital of the Turkish Empire..".
144. ^ Encyclop?dia Britannica. ''Encyclop?dia Britannica'': Armenian massacres (Turkish-Armenian history). Britannica.com. وُصِل لهذا المسار في 2010-08-26.
145. ^ Balakian, Peter. The Burning Tigris: The Armenian Genocide and America's Response. New York: Perennial, 2003. ISBN 0-06-019840-0
146. ^ Walker, Christopher J. "World War I and the Armenian Genocide" in The Armenian People From Ancient to Modern Times, Volume II, pp. 239–273.
147. ^ Akcam. A Shameful Act, pp. 109–204.
148. ^ المصور في التاريخ، الجزء الثامن. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، الحرب في سنة 1916، صفحة 20-21
149. ^ أ ب ت ث أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 550-552 ISBN 978-9953-18-443-2
150. ^ Mustafa Kemal Pasha's speech on his arrival in Ankara in November 1919
151. ^ League of Nations Treaty Series, vol. 28, pp. 12-113.
152. ^ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 718 ISBN 9953-18-084-9
153. ^ إسلام أونلاين: أحمد شوقي.. أمير الشعراء، تاريخ التحرير: الأحد. يونيو. 17، 2007
154. ^ المصور في التاريخ، الجزء العاشر. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، تفكك الإمبراطورية العثمانية وقيام الجمهورية التركية، صفحة 191
155. ^ Bilefsky, Dan. "Weary of Modern Fictions, Turks Glory in Splendor of Ottoman Past," New York Times. December 5, 2009.
156. ^ Political Obituaries: Ertugrul Osman. The Daily Telegraph

(2009-09-27). وُصِل لهذا المسار في 2009-10-26.

157. ^ "'Last Ottoman' dies in Istanbul"، BBC، 2009-09-24محقق في 2009-09-24.
158. ^ Atatürk hayat?m?z? kurtard? (in Turkish). Vatan

(2009-10-03). وُصِل لهذا المسار في 2009-10-26.

159. ^ Halil ?nalc?k, Studies in the economic history of the Middle East : from the rise of Islam to the present day / edited by M. A. Cook. London University Press, Oxford U.P. 1970, p. 209 ISBN 0-19-713561-7
160. ^ ابن اياس. بدائع الزهور في وقائع الدهور. القاهرة 1984 (ج4/ص384)
161. ^ Halil ?nalc?k, Studies in the economic history of the Middle East : from the rise of Islam to the present day / edited by M. A. Cook. London University Press, Oxford U.P. 1970, p. 217 ISBN 0-19-713561-7
162. ^ أ ب Antony Black (2001), "The state of the House of Osman (devlet-? al-? Osman)" in The History of Islamic Political Thought: From the Prophet to the Present, p. 199
163. ^ Halil ?nalc?k, Donald Quataert (1971), An Economic and Social History of the Ottoman Empire, 1300–1914, p. 120
164. ^ أ ب ت المصور في التاريخ، الجزء الثامن. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 44-45
165. ^ أ ب ت ث ج ح مجلة حراء: مراكز النشاط الاقتصادي في الدولة العثمانية، بقلم د. ناظم إينتبه، ترجمة عن نص أورخان محمد علي
166. ^ أ ب ت المصور في التاريخ، الجزء السابع، الصناعة تبلغ مستوى عالميّا، صفحة: 68-69
167. ^ Norman Itzkowitz, Ottoman Empire and Islamic Tradition p.38.
168. ^ Antony Black, ibid, page 197
169. ^ نوّار، عبد العزيز سليمان: الشعوب الإسلامية: صفحة 153
170. ^ Donald Quataert, 2
171. ^ طغراء سليمان القانوني. المتحف البريطاني

(2010-05-14). وُصِل لهذا المسار في 2010-06-05.

172. ^ ?lhan Ak?it. The Mystery of the Ottoman Harem. Ak?it Kültür Turizm Yay?nlar?. ISBN 975-7039-26-8
173. ^ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 709 ISBN 9953-18-084-9
174. ^ أوزگان، كركود. تاريخ العثمانيين. TheOttomans.org. وُصِل لهذا المسار في 2009-02-06.
175. ^ إسلام أونلاين: محمد الرابع.. آخر الفاتحين: محمد الرابع يباشر سلطاته (فترة آل كوبريللي) تاريخ التحرير: السبت. يناير. 1، 2000
176. ^ ألماظ أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية – مؤسسة فيصل للتمويل – إستانبول – 1988م.
177. ^ أ ب ت ث ج المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 157
178. ^ عهد المتصرفين في لبنان، لحد خاطر، صفحة: 11-12
179. ^ أ ب ت ث ج ح أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 493-519 ISBN 978-9953-18-443-2
180. ^ نوري، عثمان: عبد المجيد ودور سلطنتي، حيات خصوصية وسياسة سي، الآستانة، 1909م: الجزء الأول، صفحة 35
181. ^ عبد العزيز محمد الشناوي: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة – 1984م. الجزء الرابع، صفحة 1722
182. ^ أ ب تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 590-591 ISBN 9953-18-084-9
183. ^ عبد العزيز محمد الشناوي: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة – 1984م، الجزء الرابع، صفحة: 1764-1766
184. ^ أ ب ت المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 150
185. ^ أ ب أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 248-249 ISBN 978-9953-18-443-2
186. ^ Hourani، Albert Habib(1991). A History of the Arab Peoples.Cambridge, Massachusetts:Belknap Press of Harvard University Press. 
187. ^ تاريخ جودت: أصول التشريفات في عهد الشهابيين، صفحة: 349
188. ^ George Walter Gawrych(2006). The Crescent and the Eagle: Ottoman Rule, Islam and the Albanians, 1874-1913.I.B.Tauris. ISBN 1845112873. 
189. ^ Findley. Vaughn Carter: Ottoman Civil Officialdom: pp.132, 133
190. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 521 ISBN 978-9953-18-443-2
191. ^ Joel S. Migdal(2004). Boundaries and Belonging: States and Societies in the Struggle to Shape Identities and Local Practices.Cambridge University Press. ISBN 0521835666. 
192. ^ محمد حرب: العثمانيون في التاريخ والحضارة، دار القلم، دمشق، ط1، 1989م، صفحة 104
193. ^ عبد العزيز محمد الشناوي: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة – 1984م، الجزء الثالث، صفحة: 1161
194. ^ إسمع يا رضا، د. أنيس فريحة، 1957، "وتغيرت الدنيا": صفحة 198-200
195. ^ Supply of Slaves. Coursesa.matrix.msu.edu. وُصِل لهذا المسار في 2010-08-26.
196. ^ Ottomans against Italians and Portuguese about (white slavery).
197. ^ Islam and slavery: Sexual slavery. Bbc.co.uk. وُصِل لهذا المسار في 2010-08-26.
198. ^ Thomas M. Prymak, "Roxolana: Wife of Suleiman the Magnificent," Nashe zhyttia/Our Life, LII, 10 (New York, 1995), 15–20. A nicely illustrated popular-style article in English with a bibliography
199. ^ المصور في التاريخ، الجزء السابع. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، أحمد باشا الجزار، صفحة 114
200. ^ موقع الإسلام سؤال وجواب: حكم "الخِصاء"
201. ^ الرق ماضيه وحاضره - تأليف عبد السلام الترمانيني - اصدارات عالم المعرفة
202. ^ أ ب محمد جميل بيهم: فلسفة التاريخ العثماني، بيروت، 1954م، الجزء الثاني، صفحة 58
203. ^ مذكرات الأميرة عائشة عثمان أوغلي: تعريب صالح سعداوي صالح، دار البشير، عمّان، ط1، 1991م، صفحة 165-166
204. ^ أ ب ت ث ج المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 151-152
205. ^ Von Gabriel Piterberg, An Ottoman Tragedy: History and Historiography at Play, pp.98–103, Books.Google.de
206. ^ Von Helen Gardner, Horst De la Croix, Richard G. Tansey, Gardner's Art Through the Ages, p. 263, ISBN 0-15-503758-7,Books.google.de
207. ^ Eli Shah. The Ottoman Artistic Legacy. Mfa.gov.il. وُصِل لهذا المسار في 2010-08-26.
208. ^ Gibb, E.J.W. Ottoman Literature: The Poets and Poetry of Turkey. ISBN 0-89875-906-4
209. ^ Tanp?nar, Ahmet Hamdi. 19'uncu As?r Türk Edebiyat? Tarihi. ?stanbul: Ca?layan Kitabevi, 1988
210. ^ Ersin Alok, "Karag?z-Hacivat: The Turkish Shadow Play", Skylife - ?ubat (Turkish Airlines inflight magazine), February 1996, p. 66–69.
211. ^ Bert Fragner, "From the Caucasus to the Roof of the World: a culinary adventure", in Sami Zubaida and Richard Tapper, A Taste of Thyme: Culinary Cultures of the Middle East, London and New York, p. 52
212. ^ Behar, Cem, ed. 1996. Osmanl? ?mparatorlu?u'nun ve Türkiye'nin nüfusu, 1500-1927. Ankara: T.C. Basbakanl?k Devlet ?statistik Enstitüsü
213. ^ M. Kabaday?, Inventory for the Ottoman Empire / Turkish Republic 1500–2000
214. ^ أ ب ت ث Persian historiography and geography, Bertold Spuler,M. Ismail Marcinkowski, page 69, 2003
215. ^ دنيا الرأي: كلمات تركية الأصل دخيلة في العربية بقلم: بروفيسور حسيب شحادة، تاريخ النشر: 2010-10-19
216. ^ أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 80-83 ISBN 978-9953-18-443-2
217. ^ "The Divinely-Protected, Well-Flourishing Domain: The Establishment of the Ottoman System in the Balkan Peninsula", Sean Krummerich, Loyola University New Orleans, The Student Historical Journal, volume 30 (1998–99
218. ^ Turkish Toleration, The American Forum for Global Education
219. ^ المصور في التاريخ، الجزء الثامن. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 31
220. ^ Daniela Kalkandjieva, “The Restoration of the Patriarchal Dignity of the Bulgarian Orthodox Church,” Bulgarian Historical Review, Sofia, vol. 4, (1994): 101-105.
221. ^ الدرر السنيّة: اليهود والدولة العثمانية
222. ^ إيلاف: اليهود والدولة العثمانية، بقلم محمد سعيد العشماوي.
223. ^ "Mecelle" in Oxford Islamic Studies Online
224. ^ أ ب ت ث ج ح أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة: صفحة 34-38 ISBN 978-9953-18-443-2
225. ^ أ ب ت ث ج ح المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، صفحة 158-159
226. ^ Norman Itzkowitz, Ottoman Empire and Islamic Tradition p.96.
227. ^ Shaw. II p29> Lewis, Bernard: The Emergence of Modern Turkey: pp 79, 80
228. ^ مصطفى طوران: أسرار الإنقلاب العثماني، ترجمة كمال خوجة، مطابع المختار الإسلامي، القاهرة، صفحة 190
229. ^ Ellesmerereportstandard.co.uk, The standard - Petition created for submarine name
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 68936
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ إلاسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ إلاسلامي   التاريخ إلاسلامي Emptyالجمعة 19 ديسمبر 2014, 7:22 am


معلومات
1. ^ لما سقطت دولة السلاجقة العظام، تجزأت أملاكهم في الأناضول إلى عشر إمارات صغيرة، وهي: قره سي وصاروخان وآيدين وتكة والحميد والقرمان وكرميان وقسطموني ومنتشا وقونية، وفي عهد أرطغرل أضيفت إليها الإمارة العثمانية التي قُدّر لها أن تضم جميع تلك الإمارت وتوحدها في دولة واحدة بعد سنوات عديدة.
2. ^ لفظ "خان" لفظ تركي مغولي قديم معناه "السيّد" تلقب به عدد من الحكّام العظام أمثال جنكيز خان وقوبلاي خان وغيرهم، ولا يزال هذا اللفظ هو لفظ التشريف الوحيد لكل مواطن في أفغانستان ويتمتع به بقايا من الناس في الهند وباكستان، بعد أن وصلهم أيام الحكم المغولي لشبه القارة الهندية.
3. ^ تحالف مراد الأول مع أمير كرميان الذي زوّج ابنته للأمير بايزيد بن مراد، وكانت مدينة كوتاهية مهرًا لهما، كما تنازل له عن بعض المدن، منها إزمير، واجبر مراد الأول أمير الحميد على التنازل له عن بلاده لقاء ثمن، وضمّها إلى الأملاك العثمانية، وهاجم السلطان العثماني إمارة تكة وضمّ قسمًا من أراضيها.
4. ^ تعتبر واقعة نقل بايزيد الأول إلى سمرقند من أكثر الأحداث جدلاً في تلك الفترة. إذ أن مؤرخي ذلك العصر قالوا بأن تيمورلنك سجن بايزيد في قفص من حديد، وقال آخرون لاحقًا أن ذلك لم يكن قفصًا وإنما عربة ذات نوافذ بقضبان حديدية. ويقول مؤرخون معاصرون أن تيمورلنك عامل بايزيد بكل إجلال واحترام، وأمر بفك أغلاله وأجلسه إلى جانبه، وأكدّ له أنه سيبقي على حياته، فأصدر تعليماته بأن تُنصب ثلاث خيام فخمة لحاشيته، لكن عندما حاول بايزيد الهرب احتجز في غرفة ذات نوافذ مسدودة بالحواجز.
5. ^ كان الإمبراطور البيزنطي واقعيًا عندما أقنعته المحنة أن الأخوّة والتعاون الكاثوليكي - الأرثوذكسي هو أحد الوسائل الأساسية لإنقاذ العاصمة من خاتمة مروعة، وأدرك أن الأسوار والسلسلة الحديدية الغليظة التي أغلقت مدخل القرن الذهبي، وعزيمة الرجال وحملة إنقاذ من أوروبا الغربية؛ هي التي يمكنها أن تدفع العثمانيين بعيدًا عن أسوار القسطنطينية، لذلك طلب النجدة من أوروبا على وجه السرعة، لكن الرد الأوروبي جاء متفاوتًا لصالح كل دولة. وأبدى البابا نيقولا الخامس استعداده للمساعدة شرط اتحاد الكنيستين الشرقية والغربية، ووافق قسطنطين على هذا المشروع على الرغم من جذور العداوة التاريخية بين الأرثوذكس والكاثوليك، وتنص بعض المصادر أن قسطنطين توسل إلى البابا وقبّل قدميه حتى وافق، وجرت مراسم دينية في كنيسة آيا صوفيا وفق المذهب الكاثوليكي، وتولّى إدارة المراسم الكاردينال "إيزيدور" الذي أرسله البابا لتنفيذ إجراءات الاتحاد. ويبدو أن الشعب البيزنطي اشمأز من ذلك، إذ قال رئيس الوزراء البيزنطي جملته التاريخية: «"إنني أفضّل أن أشاهد في ديار البيزنط عمائم الترك على أن أشاهد القبعة اللاتينية"».
6. ^ يؤمن المسلمون أن محمد الفاتح هو صاحب البشارة والنبؤة التي قال بها النبي محمد:لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ، كما أن هناك نبؤة أخرى يؤمن بها المسلمون هي تلك التي تتحدث عن فتح "روميّة"، أي روما، إذ قال محمد عندما سُئل: "أي المدينتين تفتح أولاً: أقسطنطينية أو رومية؟"، أن "مدينة هرقل تفتح أولاً"، أي القسطنطينية. ويبدو أن محمد الفاتح طمح ليحقق النبؤة الثانية كذلك الأمر، حتى يُقال إنه أقسم بأن يربط حصانه في كاتدرائية القديس بطرس.
7. ^ كان لهذه الحملة أسباب عديدة منها الصراع على الحدود بين الدولتين وموقف المماليك من الصفويين وإيوائهم لأمراء عثمانيين فارين من السلطنة العثمانية وإستغاثة أهل الشام بالعثمانيين من ظلم المماليك حيث كتبوا رسالة باسم العلماء والفقهاء والقضاة يطلبون من سليم الأول تخليصهم من ظلم المماليك الذي طال المال والنساء والعيال، كما عطلوا تطبيق الشريعة الإسلامية في حكم البلاد، وطلبوا أن يرسل السلطان وزير ثقة ليلتقي بكبار الرجالات ليؤمن ويطمئن قلوب الشعب. ومهما يكن من أمر، فقد كانت هناك أسباب للنزاع بين سليم والمماليك أعمق من هذا بكثير. ذلك أن السلطان سليم كان يطمع على ما يظهر في توحيد جميع البلدان السنيّة تحت تاجه، وانتزاع المدينتين المقدستين، مكة والمدينة المنورة، من أيدي المماليك. وقد خشي المماليك سياسة سليم التوسعيّة هذه، فعقدوا تحالفًا مع الشاه إسماعيل الصفوي
8. ^ في تلك الفترة كانت بلاد المجر منقسمة نتيجة بروز مرشحين لتولي عرش الإمبراطورية الرومانية المقدسة بعد وفاة الإمبراطور ماكسيمليان الأول، وهما كارلوس الخامس ملك إسبانيا، وفرانسوا الأول ملك فرنسا، فانحاز الأخير إلى السلطان طالبًا منه المساعدة على تنحية كارلوس، كذلك كان البابا منشغلاً بمحاربة الراهب الألماني "مارتن لوثر" مؤسس مذهب البروتستانت، وكان السكان المجريون يعيشون في بؤس شديد، حتى أن كثيرًا منهم كانوا ينتظرون قدوم العثمانيين ويعدونهم منقذين، وشاركوا لوثر في نظرته القائلة بأن: «انتصارات الأتراك إنما هي عقاب عادل لما اقترفه الرومان من فساد وظلم إجتماعي».
9. ^ تولّى هذا الملك الحكم سنة 1697م، ولصغر سنه تألّب ضده ملك الدانمارك وملك بولندا وقيصر روسيا، فحارب الدانمارك أولاً وانتصر عليها، ثم حارب روسيا فقهرها، ثم سار إلى بولندا وانتصر عليها وعزل ملكها وأقام مكانه أحد محالفيه. وفي سنة 1709م قصد مدينة موسكو، فانتصر عليه القيصر بطرس الأكبر في واقعة پولتا?ا، واحتمى هو في الدولة العثمانية حيث حل ضيفًا عند السلطان أحمد الثالث في قصر الباب العالي طيلة 5 سنوات، وخرج بعدها من تركيا قهرًا بعد أن قاوم مقاومة شديدة.
10. ^ الوهابيون قوم من العرب اتبعوا طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي التجأ إلى آل سعود في الدرعية من بلاد نجد، وقد درس المذهب الحنبلي وسافر إلى أصفهان ولاذ بعلمائها وأخذ عنهم حتى اتسعت معلوماته في فروع الشريعة وخصوصًا في تفسير القرآن، ولمّا عاد إلى بلاده أنشأ مذهبًا مستقلاً لتلاميذه فاتبعوه ودخل فيه الناس بكثرة، وشاع أمره في نجد والإحساء والقطيف وعُمان وبعض أنحاء اليمن. ولم يزل أمرهم شائعًا ومذهبهم متزايدًا حتى قضى عليهم إبراهيم باشا بن محمد علي والي مصر، بأمر من السلطان محمود الثاني.
11. ^ كان محمد علي باشا يطمح من كل المساعدات التي قدمها للسلطان العثماني، أن يمنحه الأخير ولاية من الولايات الكبرى، ولكن السلطان اكتفى بأن أقطع محمد علي جزيرة كريت، تقديرًا لخدماته. ولمّا اطمأن محمد علي إلى قوته، وأدرك أن الدولة العثمانية تجتاز مرحلة صعبة من الضعف والعجز، قرر أن يجتاح الشام بالقوة، فوطد علاقته بأمير لبنان بشير الثاني الشهابي، واستعان به لتحقيق مآربه، وافتعل خلافًا بينه وبين عبد الله باشا والي عكا، حيث طالبه بإعادة مبلغ من المال كان قد قدمه إليه، وإعادة الفلاحين المصريين الفارّين من دفع الضرائب ومن الخدمة في الزراعة، ولما ماطل عبد الله باشا في تلبية طلب محمد علي، اتخذ هذه المماطلة ذريعة لاحتلال بلاد الشام.
12. ^ كانت فرنسا تؤيد محمد علي باشا وتدعمه، وكان في جيشه عدد من القادة الفرنسيين، وكانت تميل إلى أقراره على بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، وهي تتطلع إلى فرض نوع من الحماية على مصر بهدف التمكين لنفسها في الجزائر الخاضعة لاستعمارها. وجاهرت بريطانيا بعدائها لمصر، وأعلنت وجهة نظرها بوجوب المحافظة على كيان السلطنة العثمانية، ونظرت بقلق إلى قوة محمد علي المتنامية في مصر والشام، وهي المناطق التي تمر فيها طريق الهند، كما كانت ترتاب من مخططاته في البحر الأحمر والخليج العربي، وشاركت روسيا وبروسيا والنمسا خوف بريطانيا، واتفقت على منع محمد علي، القوي، من أن يحل محل الدولة العثمانية، الضعيفة، في الشرق العربي.
13. ^ قاوم السلطان عبد الحميد الثاني فكرة اليهود الهادفة إلى إقامة دولة لهم في فلسطين بما أوتي له من قوة، فرفض في عام 1876م عروض "حاييم گوديلا" لشراء مساحات من الأراضي في فلسطين، لإسكان المهاجرين اليهود فيها، وقد لجأ اليهود إلى سفراء الدول الأوروبية وروسيا والولايات المتحدة في الآستانة لإقناع السلطان بالسماح لهم بالهجرة. ونتيجة لازدياد شعور السلطان بالتحرك اليهودي، أبلغ المبعوث اليهودي "أولي?انت" أن باستطاعة اليهود العيش بسلام في أية بقعة من أراضي الدولة العثمانية إلا فلسطين، وأن الدولة تُرحب بالمضطهدين، ولكنها لا تُرحب بإقامة دولة دينية يهودية في البلد المذكور. وقد حاول بعض اليهود تحدي قرار الباب العالي بالنزول في يافا، فتصدت لهم السلطات العثمانية ومنعت دخولهم، وبخاصة الروس منهم، إلى مدينة القدس. لكن السلطان عاد وسمح لليهود بسكن القدس لمدة شهر واحد فقط أثناء حجهم إليها، تحت ضغط الدول الأوروبية، ثم عاد وجعل هذه الفترة 3 أشهر. وقد سافر ثيودور هرتزل إلى الآستانة وحاول الإجتماع بالسلطان، لكن الأخير رفض مقابلته، وحين تمكن هرتزل من الاجتماع به أخيرًا عرض عليه خمسين مليونًا من الجنيهات الذهب لخزانة الدولة، وخمسة ملايين من الجنيهات الذهب لخزانة السلطان الخاصة، بالإضافة إلى مشاريع أخرى كثيرة لدعم الدولة العثمانية اقتصاديًّا، مقابل تنازلها عن فلسطين، لكن السلطانرفض رفضًا قاطعًا.
14. ^ من أبرز القصص التي جرت في التاريخ العثماني وكانت مثالاً بارزًا على سلطة شيخ الإسلام، ما جرى في عهد السلطان سليم الأول، فقد قرر الأخير إرغام سكان القسطنطينية من غير المسلمين على اعتناق الإسلام بعد أن أثار بعضهم القلاقل في المدينة. وبلغ هذا الخبر شيخ الإسلام "زمبيلي علي مالي أفندي"، وكان من كبار علماء عصره فساءه ذلك جدًا، ذلك لأن إكراه غير المسلمين على اعتناق الإسلام يخالف تعاليم الإسلام، الذي يرفع شعار لا إكراه في الدين، فهدد السلطان سليم بإصدار فتوى بخلعه إن أصرّ على هذا الأمر، فأذعن له السلطان. كذلك عزل شيخ الإسلام كل من السلطانين عبد العزيز الأول ومراد الخامس، بحجة أن الأوّل كان مبذرًا، ولإصابة الثاني بالجنون.



هذه المقالة جيدة ذات محتوى مميز .

سلاطين الدولة العثمانية وفق كل دور
دور العروج (1299–1453) 
عثمان الأول · أورخان الأول · مراد الأول · بايزيد الأول (الصاعقة) · محمد الأول · مراد الثاني · محمد الثاني (الفاتح)
دور التوسع (1453–1683) 
بايزيد الثاني · سليم الأول (القاطع) · سليمان الأول (القانوني) · سليم الثاني · مراد الثالث · محمد الثالث · أحمد الأول · مصطفى الأول · عثمان الثاني · مرادالرابع · إبراهيم الأول · محمد الرابع
دور الجمود (1683–1827) 
سليمان الثاني · أحمد الثاني · مصطفى الثاني · أحمد الثالث · محمود الأول · عثمان الثالث · مصطفى الثالث · عبد الحميد الأول · سليم الثالث · مصطفى الرابع · محمود الثاني
دور الأفول (1828–1908) 
عبد المجيد الأول · عبد العزيز الأول · مراد الخامس · عبد الحميد الثاني
دور الانحلال (1908–1923) 
محمد الخامس · محمد السادس · عبد المجيد الثاني
عرض • نقاش • تعديل
معارك الدولة العثمانية
معركة ماريتزا · معركة قوصوة · معركة نيقوبولس · معركة أنقرة · معركة فارنا · فتح القسطنطينية · معركة ديو · معركة جالديران · معركة مرج دابق · معركة الريدانية · حصار فيينا · معركة موهاكس · معركة بروزة · حرب كريت · معركة جربة · معركة ليبانتو · معركة فيينا · مذبحة الإنكشارية · معركة نافارين · حرب القرم · معركة جاليبولي · حرب السفر برلك (حملة ترعة السويس الأولى) · معركة رمانة (حملة ترعة السويس الثانية) · حملة بلاد الرافدين · حرب البلقان الأولى · حرب البلقان الثانية
OttomanReligious.svg
Osmanli-nisani.svg
عرض • نقاش • تعديل
الدول التاريخية الإسلامية
دول الخلافة 
الخلفاء الراشدون - الخلفاء الأمويون - الخلفاء العباسيون - الفاطميون - الخلفاء العثمانيون
الأندلس وملوك الطوئف 
الأمويون في الأندلس - المرابطون - الموحدون - بنو عباد - بنو عامر - - بنو نصر - بنو هود - بنو زيري - بنو الأفطس - بنو صمادح - ملوك الطوائف - بنو زنون - ...
شمال أفريقيا 
الأدارسة - الأغالبة - الرستميون - بنو عصام - بنو صالح - الزيريون - الحماديون - بنو غانية- المرابطون - الموحدون - الحفصيون - الزيانيون - المرينيون - الوطاسيون - باشوات الجزائر - اغوات الجزائر - دايات الجزائر - السعديون - الفيلاليون العلويون - الحسينيون - ...
مصر 
الطولونيون - الأخشيديون - الفاطميون - الأيوبيون في مصر - المماليك - العباسيون (في القاهرة) - الجراكسة (المماليك البرجيون) - المماليك البايات - الباشوات - الخديويات -سلاطين مصر - ملوك مصر- رؤساء مصر
بلاد الشام 
الطولونيون - الأخشيديون - الحمدانيون - الفاطميون - المرداسيون - العقيليون - المروانيون - البوريون - الزنكيون - الأيوبيون - المماليك - الجراكسة (المماليك البرجيون) - المعنيون - الشهابيون - ...
العراق وفارس 
البويهيون - السلاجقة - بنو مزيد - الأرتقيون - الزنكيون - الأيوبيون - الإلخانات - الجلائريون - التيموريون - الآق قويونلو (الخرفان البيض) - القراقويونلو (الخرفان السود) - الصفويون - الهاشميون (في العراق) - ...
الجزيرة العربية (عدا اليمن) 
البويهيون - الفاطميون - القرامطة - السلاجقة - العيونيون - العصفوريون - الأيوبيون - الأشراف - بني مكرم - بني نيهان - آل كثير - اليعاربة - البوسعيد - الهاشميون - آل رشيد - آل الصباح - آل سعود - آل نهيان - آل مكتوم - القواسم - آل النعيمي - آل المعلا - آل الشرقي - آل خليفة - آل ثاني - آل الصباح - ...
اليمن وحضرموت 
بنو زياد - بنو يعفر - بنو الرسي - آل راشد - بنو نجاح - بنو صليح - بنو زريع - بنو حاتم - آل كثير - أيوبيو اليمن - بنو رسول - بنو القاسم - أئمة اليمن - ...
السلطنات والمشيخات في اليمن 
السلطنة العبدلية (لحج) - العقربي (مشيخة) - عدن (محمية بريطانية) - الحوشبي (الحواشب) - الضالع (إمارة) - العلوي (مشيخة) - شعيب (مشيخة) - المفلحي (مشيخة) - يافع العليا (سلطنة) - يافع السفلى (سلطنة) - السلطنة الفضلية - العواذل (مشيخة) - بيحان (إمارة) - العوالق السفلى (سلطنة) - العوالق العليا (مشيخة) - سلطنة العوالق العليا - السلطنة الواحدية - السلطنة القعيطية - سلطنة سيون (حضر موت) - سلطنة تريم (آل يماني) - سلطنة شبوة (آل بريك؟؟) - الموسطة (دولة) - سلطنة المهرة (بنو عفرار) - الدثينة (دولة) - حورة (مشيخة) - عرقة (مشيخة) - ...
بلاد فارس و أفغانستان 
الديلميون - الطاهريون - بنو دلف - الصفاريون - السامانيون - العلويون - الزياريون - القراخانات - الغزنويون - الغوريون - السلاجقة الكبار - الإسماعليون - شاهات خوارزم - السلغوريون - الغوريون - الإيلخانات - المظفريون - السربداريون - الجلائريون - المرعشيون - القراقويونلو (الخرفان السود) - التيموريون (سمرقند) - الآق قويونلو (الخرفان البيض) - آل المشعشعي - الصفويون - الغلزويون - البركزاي - الأفشريون - الزند - القاجاريون - البهلويون - جمهورية إيران الإسلامية
الهند والبنغال 
مماليك الهند - الخلجيون - بنو إلياس - بنو تغلق - التيموريون - بنو سيد - اللودهيون - بنو حسيني - الصوريون - مغول الهند - ...
آسيا الوسطى، القفقاس والقرم 
الشركس - شاهات خوارزم - الجاغاطاي - القبيلة الذهبية - التيموريون - الشيبانيون (خانات بخارى) - العربشاهات (خانات خيوة) - الخانات الكازاخ - الأستراخانات (خانات بخارى) - الأوزبك (خانات خوقند) - الأفشريون - آل غائب (خانات خيوة) - خانية سيبير - خانات القرم - المنكيون (خانات بخارى) - ...
عرض • نقاش • تعديل
تاريخ الإمبراطوريات
ممالك وإمبراطوريات قديمة 
مصر الفرعونية · الأكاديّة · الامبراطورية الكلدانية · الحيثيون · الميديون · الأخمينيون · المقدونيون (البطالمة · السلوقيون) · الماوريين · الكوشانيين · جوبتا · الصينية (سلالة تشين · سلالة هان) · الأرشكيون · الرومانية (الغربية · الشرقية) · الساسانية
ممالك وإمبراطوريات القرون الوسطى 
البيزنطية · الهونية · العربية (الخلافة الراشدية · الخلافة الأموية · الخلافة العباسية · الخلافة الفاطمية · خلافة قرطبة · الأيوبيون) · المغربية (الأدارسة · المرابطون · الموحدون · المرينيون) · الغزنويون · بنين · السلاجقة · الأويو · البورنو · الخوارزمية · التيمورية · تشولا · المغولية (يوان · القبيلة الذهبية · قيتاي · الإلخانات) · كانم · الصربية · سونجهاى · الخميرية · البلغارية · الكارولنجية · الرومانية المقدسة · الأنجوية · إمبراطورية مالي · الصينية (أسرة تانج · أسرة سونغ · أسرة يوان) · إمبراطورية غانا · الآزتك · الإنكا · سريفيجايا · إمبراطورية ماجاباهيت ·
ممالك وإمبراطوريات حديثة 
ماراثية · مغولية هندية · الصينية (أسرة مينج · سلالة تشينغ) · العثمانية · الفارسية (الصفويون · الأفشريون · الدولة الزندية · القاجاريون) · المغربية (السعديون · العلويون) · الأثيوبية · البرتغالية · الإسبانية · الأيبيرية · الهولندية · البريطانية · الفرنسية الأولى · الفرنسية الإستعمارية · الألمانية · الألمانية الإستعمارية · البولندية الليتوانية · الروسية · السويدية · النمساوية المجرية · البرازيلية · الإيطالية الإستعمارية · الكورية · اليابانية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
التاريخ إلاسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خطابات حفظها التاريخ وخطابات صنعت التاريخ
» زَوَرّوا لنا التاريخ لنبقى خارج التاريخ..
» شيئ من التاريخ
» شعب هزم التاريخ
» كتب في التاريخ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: التاريخ الاسلامي-
انتقل الى: