الأب القـدوة أيـن نجـده ؟
يميل كثير من الاباء الى الاعتماد على توجيه ابنائهم عن طريق النصائح، وهم في العادة يبالغون بها الى درجة تثير الملل، وهم يعتقدون ان هذا الاجراء التربوي المتمثل بالنصيحة يعد كافيا لوقاية ابنائهم من مواطن الخلل والزلل، ولكن الخبراء التربويون يؤكدون ان العوامل التي تؤثر بشخصية الابناء لا يمكن اختصارها بالنصيحة الابوية، لأن بقية العوامل الاخرى المتمثلة بالشارع والمدرسة واجهزة الاعلام تلعب دورا كبيرا بتشكيل شخصية الولد او الفتاة، كما ان النصيحة ان لم تكن مرتبطة بالقدوة الحسنة فتأثيرها سوف يكون سلبيا، إذ ليس من المعقول ان ينهى اب مدخن ابناءه التدخين، لأن اول سؤال سوف يطرحه الطفل (ما دام الدخان ضارا فلماذا انت تدخن يا ابي)؟؟.
القدوة الحسنة
ابراهيم جوابرة موظف في القطاع العام قال ان اهم شيء يجب ان ينتبه له الاباء والامهات هو القدوة الحسنة حيث ان الطفل يراقب تصرفات والده ويقلدها كما ان الطفلة تراقب تصرفات امها وتقلدها، لذا يجب ان يعلم الجميع ان التربية لا يمكن اختصارها ببعض التوجيهات اللفظية هنا او هناك، فالاطفال يكررون ما نفعله نحن امامهم.فإذا كان الاب مدخنا فاصابع ابنه الصغير لا محالة سوف تعبث بالسجائر ، تماما كما تقوم الطفلة الصغيرة بتقليد امها في كل حركة تقوم بها، ويؤكد جوابرة على اهمية وعي الاهل بالعوامل التي تؤثر على شخصية الاطفال، حيث ان ادراكهم لها يساعد على تصويب اي اخطاء تربوية قد تحدث.فمثلا من المهم جدا ان يعرف الاهل من هم اصدقاء اطفالهم ، وايضا ما هي البرامج النلفزيونية التي يتابعونها.
الحوار والاقناع
محمد ريان يعمل في القطاع الخاص قال ان مراقبة الابناء لا تعني ابدا محاصرتهم بالممنوعات، ولكن المراقبة تعني ان يعلم الاهالي بماهية المعلومات التي يستقبلها ابناؤم من التلفزيون والصديق والشارع وغير ذلك من مصادر التأثير التي يتعرض لها الطفل في كل ما يحيط به، ونبه ريان الى ضرورة ان يوفر الاهل للابناء احتياجاتهم العاطفية حيث ان بعض الاهالي يعتقدون ان دورهم يقف عند توفير الحياة الكريمة لابنائهم، ويتناسون ان الطفل بحاجة مستمرة الى لمسات الحنان الدافئة من الاب والام، كما يجب ان يعلم الاباء والامهات انهم اذا وجدوا احدا من ابنائهم قد تأثر بسلوك لشخص معين، فعليهم حينها الابتعاد عن اصدار اوامر المنع، وبدلا من هذا اللجوء إلى اسلوب الحوار والاقناع مع الطفل لأنه انجح واجدى، في حين ان الاوامر المفرضة لا يقابلها الطفل إلا بالعناد.
الوراثة والبيئة .
الدكتورة فريال أبو عواد الأستاذ المشارك في كلية العلوم التربوية والآداب اشارت إلى أن شخصية الطفل هي محصلة تفاعل مجموعة متعددة من المؤثرات التي تقع ضمن إطار عاملين أساسيين، هما الوراثة، والبيئة،وهكذا فإن الشخصية تتضمن سمات موروثة، وأخرى مكتسبة أو متعلمة، فالوراثة تحدد السقف الأقصى الذي يمكن أن تصل إليه إمكانيات الطفل، ولكن ما الذي يجعل هذه الإمكانيات تتحقق وتخرج إلى حيز الوجود؟ إنها بالتأكيد البيئة.
وتستأنف الدكتورة أبو عواد قائلة: والبيئة بمعناها الشامل تتضمن كلاً من البيئة المادية، والأسرية، والاجتماعية، والنفسية، والدينية، والثقافية، وغير ذلك من عوامل محيطة، وهذا ما يؤكد محورية الدور الذي تلعبه البيئة وخطورته. ولتوضيح ذلك يمكن عرض بعض الأمثلة من مشاهداتنا اليومية، فالطفل على سبيل المثال يلجأ إلى تقليد والديه ضمن البيئة الأسرية، ومنهما يستقي المبادئ الدينية والأخلاقية، والقيمية، فدور الأسرة حاسم وخطير، وينبغي على الوالدين أن يكونا يقظين فيما يعرضانه للطفل من نماذج، ولا يغيب عن الذهن الرعاية والاهتمام المقدم للطفل في نطاق الأسرة، والذي يشمل: الغذاء، والرداء، والتربية والتعليم، والرعاية الصحية. فالبيت هو المؤسسة الاجتماعية الأولى التي تتشكل فيها ملامح شخصية الطفل، وفيه تغرس بذورها الأولى، فالدلال الزائد والخوف المبالغ فيه مثلاً ينتج شخصية مترددة واتكالية في الغالب، كما أن القسوة والتسلط قد يؤديان إلى شخصية سلبية وعدوانية، وهنا لا بد من التنويه إلى أن عدداً من الدراسات والبحوث العلمية أشارت إلى أن الملامح الأساسية في شخصية الطفل تتحدد في مرحلة الطفولة المبكرة، وقبل الالتحاق بالبيئة المدرسية.
تشكيل الشخصية
وتشير أبو عواد إلى دور الرفاق والأقران في تشكيل الشخصية، وخاصة إذا كانت الأسرة مفككة أو غير متماسكة ولا تؤدي الدور المطلوب منها، فحينها تصبح جماعات الرفاق هي البديل، وعن دور المدرسة، تبين أبو عواد إلى أن المدرسة باعتبارها مؤسسة اجتماعية تكمل الدور الذي تلعبه الأسرة في تشكيل ملامح الشخصية، إذ تؤدي المدرسة رسالة مهمة، تتمثل في تنمية جوانب الشخصية المعرفية والعقلية والنفسية والاجتماعية، فالمعلم الناجح لا يكتفي بتقديم المعارف والمعلومات، وحشو أذهان الطلبة وعقولهم بالمعلومات، ولكن دوره يمتد إلى تقديم القدوة والنموذج الذي ينظر إليه الطفل باعتباره المثل الأعلى، وفي المدرسة يكتسب الطفل أساليب التفكير ومعالجة المعلومات وحل المشكلات بطريقة علمية منظمة، وتصبح جزءاً من ذاته ومكوناً من مكونات شخصيته.
مراقبة برامج الاطفال
كما وتؤكد أبو عواد في هذا السياق على أهمية مؤسسات المجتمع المحلي المختلفة في تشكيل شخصية الطفل، مثل وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، والمساجد ودور العبادة، فالطفل الذي يقضي ساعات طويلة أمام شاشة التلفاز، ويراقب فيها شخصيات معينة، فإنه يتأثر بها ويحاول تقمصها وتقليدها، وهذا يدعونا كمربين وأولياء أمور إلى مراقبة البرامج المقدمة للطفل، وتجنيبه الاطلاع على البرامج غير الملائمة أو غير الهادفة، والتي لا تحمل أي مضمون أخلاقي أو قيمي أو فكري، والأكثر خطورة إذا كانت تحمل مضامين سلبية تتعارض مع المبادئ الدينية وقيم المجتمع وأخلاقياته وعاداته وقيمه.
وفي الختام، تنبه أبو عواد إلى أن الشخصية مفهوم افتراضي وليس مفهوماً مادياً، وهذا ما يجعل من الصعوبة بمكان تقييم سمات الشخصية والتعرف إليها بصورة مباشرة، ولكن يتم الاستدلال على هذه السمات من السلوك الظاهري الصادر عن الطفل في المواقف المختلفة، التي تمثل بدروها محكات ملائمة تظهر السمات الشخصية وتكشف عنها، مما يساعد المربين على فهم شخصية الطفل وتفسير سلوكياته، والتعرف إلى مواطن القوة فيها لتعزيزها، ومواطن الضعف لمعالجتها وتحسينها.
الرئيسية 
البوابة 
