التحرّش الجنسي بين الغرب والشرق
عادت قضايا التحرّش الجنسيّ إلى الواجهة من جديد ، تُفرد لها الصحافة العالميّة صفحاتها الرئيسة، اعترافات واتّهامات بالتحرّش طالت أسماءً كبيرة في عوالم الإنتاج السينمائيّ والمال والأعمال، بالإضافة إلى الإعلام والفنّ، لغط وهرج ومرج بين مُصدّق ورافض للتصديق، بين مُهاجم ومُدافع، بين مُناصر للضحايا وجلّاد لهنّ بحجّة الكذب أو الاشتراك بمؤامرات لإسقاط رموز لها وزنها وعداواتها الكثيرة.
مُعضلةٌ تهزّ عرش الكثير من أصحاب النفوذ في العالم، وإنْ كان التعاطي معها مُختلفًا بين الغرب والشرق، شأنها شأن قضايا أخرى يُنظر لها من زوايا مختلفة في العالمين .
يتعاطى الشارع الغربيُّ مع قضايا التحرّش برفض تامّ دون تبرير أو مُقدّمات، مدعومًا بقوانين صارمة وأعراف تتفق عليها المؤسّسات جميعًا ، إذ ترفع شعار “لا تَسامحَ معَ المتحرّش” مهما كان وزنه بالنسبة للمؤسّسة التي يعمل فيها أو حتّى عند العامّة، ولعلَّ أبرز مثال ما حصل معَ ممثّل عالميّ مشهور كانت أفلامه تحصد الجوائز وتتصدّر شبّاك التذاكر، وما أنْ فاحتْ رائحة فضيحة جنسيّة للشخصيّة نفسها حتّى أصبح منبوذًا، ليس فقط بالنسبة لشركات الإنتاج بل مِن قبل المشاهد العاديّ أيضًا الذي قرَّر مقاطعة المُمثّل لدرجة أنّ آخِر فلم له لم يحصد أرباحًا تُذكر.
أمّا عن الشارع العربيّ فالأمر يختلف كليًّا، ففي عالَم اعتاد فيه الشخص العاديّ على حبّ الشخصيّة العامّة إلى درجة التقديس ، وإعطائه هالة مِن الطهارة تجعله يترفّع عن السقطات، فإن حصل وتمّ اتّهامه، فهي بالتأكيد مؤامرة عليه وعلى وطنه ودينه، تتوجّب الإجماع على رفض التّهم، وتشكيل جنود إلكترونيّة للدفاع عن المتّهم بكلّ الطرق الممكنة، حتّى وإنْ كانت شنّ حرب شعواء على الضحيّة نفسها، والخوض في أخلاقها وشرفها وتخويفها والهجوم عليها وعلى لبسها وشكلها، فهذا يتّهمها بأنّها مَن أغرت الشخصيّة لإيقاعها، وذاك يضع لها صورة تُظهر بساطة شكلها، متسائلًا إنْ كان مظهرها مُثيرًا لأيّ رجل، وأخرى تتّهمها بالرغبة في الظهور والحصول على الشهرة، وغيره من اتّهامات تطال الضحيّة حتّى ترتدَّ وترفع الراية البيضاء استسلامًا وتسليمًا.
مِن المؤسف أنَّ الكثير مِن المدافعين عن المُتحرّش هم مِن النساء، ما يقودنا إلى المقولة الشهيرة “المرأة عدوّة المرأة”، والدفاع عادةً ما يكون بسبب الإعجاب بالشخص المتّهم، أو الوقوف معه بسبب دينه أو توجّهاته السياسيّة ؛ خوفًا مِن أنْ تطال سمعة المتحرّش ما يُطالب به مِن أفكار وآراء، وأنْ يهتزَّ إيمان الناس بالأفكار عندما يسقط واحد من الأصوات المدافعة عن هذه الأفكار سقوطًا أخلاقيًّا مُدوّيًا، بينما لو تمّ التعامل مع الأمر بحكمة، ونبذ الفعل القبيح ومَن ارتكبه، مع التركيز على عمق الأفكار وبقائها بعيدًا عن الشخوص غير المعصومة عن الخطأ لكان هذا أنجع وأفضل بكثير.
إنّ تعظيم الشخصيّات يصنع مِن الشخصيّة المتواضعة أُخرى نرجسيّة، فيرى لوهلة أنّه ملك الكون وأنْ لا فتاة تجرؤ على رفضه، خصوصًا إنْ كانت بسيطة أو محتاجة للعمل، وعندما ترفض الفتاة استغلال حاجتها المادّيّة، وتضع كلّ العوائق الاجتماعيّة جانبًا، وتصرخ مُعلنةً سوء الفعل الذي ارتكب بحقّها، فهي لا تفعل ذلك للحصول على حقّها فقط، بل لإيقافه ومنعه من مواصلة أفعاله القبيحة معَ ضحيّة أخرى قد تكون واحدة من معجباته المستميتات في الدفاع عنه، مستقبلا .
لا نُنكر أنّ هناك قضايا تحرّش تُرفع بسبب كيديٍّ بحت، لهذا فإنّ أفضل ما نفعله نحن كمتلقّين للأخبار أنْ ننتظر حتّى تخرج نتيجة التحقيقات ولا نتسرّع بالحكم، وغالبًا ما تكون نتيجة التحقيقات سريعة، بالاستماع إلى شهادات مِن المُحيطين بالمتّهم أو المؤسّسة التي يعمل بها، فإمّا أنْ تثبت تهمة التحرّش على الشخص، وهذا غالبًا ما يحصل بسرعة إن كانت الاتهامات صحيحة ، لأنّ شكوى واحدة كافية بتشجيع ضحايا أخريات تردَّدْنَ في خوض المعركة بمفردهنّ. أو أنْ تنفيها كليًّا إذا شهدت له زميلاته والنساء في محيطه بحسن الخلق. أما وإنْ ثبتت التهمة فالوقوف معَ المتحرّش لأيّ سبب كان هو عمل غير أخلاقيّ لا يغتفر، وإنّ أسوأ الدعم ذاك الذي يحصل عليه المتحرّش من فتاةٍ قد تكون هي نفسها ضحيّته القادمة.