[color=Black]في تعريف العلم وفضله وحكم طلبه
الفصل الأول
تعريف العلم
لغة: نقيض الجهل، وهو: إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً.
اصطلاحاً: فقد قال بعض أهل العلم: هو المعرفة وهو ضد الجهل،
وقال آخرون من أهل العلم: إن العلم أوضح من أن يعرف.
والذي يعنينا هو العلم الشرعي، والمراد به :
((علم ما أنزل الله على رسوله من البيانات والهدى)) ،
فالعلم الذي فيه الثناء والمدح هو علم الوحي، علم ما أنزله الله فقط
قال النبي صل الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ))(1)
وقال النبي صل الله عليه وسلم :
(( إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)) (2) .
ومن المعلوم أن الذي ورثه الأنبياء إنما هو علم شريعة الله – عز وجل – وليس غيره،
فالأنبياء – عليهم الصلاة والسلام _ ما ورثوا للناس علم الصناعات وما يتعلق بها،
بل إن الرسول صل الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد الناس يؤبرون النخل – أي يلقحونها –
قال لهم لما رأى من تعبهم كلاماً يعني أنه لا حاجة إلى هذا ففعلوا،
وتركوا التلقيح، ولكن النخل فسد،
ثم قال لهم النبي صل الله عليه وسلم : (( أنتم أعلم بشؤون دنياكم )) (3).
ولو كان هذا هو العلم الذي عليه الثناء لكان الرسول صل الله عليه وسلم أعلم الناس به،
لأن أكثر من يثنى عليه بالعلم والعمل هو النبي صل الله عليه وسلم .
إذن فالعلم الشرعي هو الذي يكون فيه الثناء ويكون الحمد لفاعله،
ولكني مع ذلك لا أنكر أن يكون للعلوم الأخرى فائدة،
ولكنها فائدة ذات حدين : إن أعانت على طاعة الله وعلى نصر دين الله وانتفع بها عباد الله،
فيكون ذلك خيراً ومصلحة، وقد يكون تعلمها واجبا في بعض الأحيان
إذا كان ذلك داخلاً في قوله تعالي:
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ َ) (الأنفال:60) .
وقد ذكر كثير من أهل العلم أن تعلم الصناعات فرض كفاية ،
وذلك لأن الناس لابد لهم من أوانٍ يطبخون بها، ويشربون بها ،
وغير ذلك من الأمور التي ينتفعون بها، فإذا لم يوجد من يقوم بهذه المصانع
صار تعلمها فرض كفاية. وهذا محل جدل بين أهل العلم،
وعلى كل حال أود أن أقول إن العلم الذي هو محل الثناء
هو العلم الشرعي الذي هو فقه كتاب الله وسنة رسوله صل الله عليه وسلم ،
وما عدا ذلك فإما أن يكون وسيلة إلى خير أو وسيلة إلى شر،
فيكون حكمه بحسب ما يكون وسيلة إليه.
الفصل الثاني
فضائل العلم
لقد مدح الله – سبحانه وتعالى العلم وأهله،
وحثَ عباده على العلم والتزود منه وكذلك السنة المطهرة.
فالعلم من أفضل الأعمال الصالحة، وهو من أفضل وأجلَ العبادات،
عبادات التطوع، لأنه نوع من الجهاد في سبيل الله،
فإن دين الله – عز وجل – إنما قام بأمرين :
أحدهما: العلم والبرهان.
والثاني: القتال والسنان،
فلا بد من هذين الأمرين،
ولا يمكن أن يقوم دين الله ويظهر إلا بهما جميعاً ،
والأول منهما مقدًم على الثاني،
ولهذا كان النبي صل الله عليه وسلم
لا يغيٌر على قوم حتى تبلغهم الدعوة إلى الله - عز وجل – فيكون العلم قد سبق القتال.
قال تعالي:
)أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) (الزمر، الآية:9)
فالاستفهام هنا لابد فيه من مقابل أمن هو قائم قانت آناء الليل والنهار أي كمن ليس كذلك،
والطرف الثاني المفضل عليه محذوف للعلم به،
فهل يستوي من هو قانت آناء الليل ساجداً أو قائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه،
هل يستوي هو ومن هو مستكبر عن طاعة الله ؟
الجواب: لا يستوي فهذا الذي هو قانت يرجو ثواب الله ويحذر الآخرة
هل فعلُهُ ذلك عن علم أو عن جهل ؟
الجواب : عن علم، ولذلك قال:
]هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [ (الزمر الآية: 9) .
لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت،
والسميع والأصم، والبصير والأعمى، العلم نور يهتدي به الإنسان،
ويخرج به من الظلمات إلى النور، العلم يرفع الله به من يشاء من خلقه
] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [ (المجادلة: الآية11).
ولهذا نجد أن أهل العلم محل الثناء، كلما ذُكروا أثنى الناس عليهم،
وهذا رفع لهم في الدنيا،
أما في الآخرة فإنهم يرتفعون درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله والعمل بما علموا .
إن العابد حقًا هو الذي يعبد ربه على بصيرة ويتبين له الحق،
وهذه سبيل النبي صل الله عليه وسلم
] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ (يوسف الآية : 108)
فالإنسان الذي يتطهر وهو يعلم أنه على طريق شرعي،
هل هو كالذي يتطهر من أجل أنه رأى أباه أو أمه يتطهران؟ .
أيهما أبلغ في تحقيق العبادة ؟
رجل يتطهر لأنه علم أن الله أمر بالطهارة وأنها هي طهارة النبي صل الله عليه وسلم
فيتطهر امتثالاً لأمر الله واتباعاً لسنة رسول الله صل الله عليه وسلم ؟
أم رجل آخر يتطهر لأن هذا هو المعتاد عنده ؟ .
فالجواب: بلا شك أن الأول هو الذي يعبد الله على بصيرة. فهل يستوي هذا وذاك؟
وإن كان فعل كل منهما واحداً ، لكن هذا عن علم وبصيرة يرجو الله ـ عز وجل ـ
ويحذر الآخرة ويشعر بأنه متبع للرسول صل الله عليه وسلم
وأقف عند هذه النقطة وأسأل هل نستشعر عند الوضوء بأننا نمتثل لأمر الله
– سبحانه وتعالى- في قوله :
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن)