قصة الاتحاد الأوروبي - تاريخاً وأهدافاً

قصة الاتحاد الأوروبي - تاريخاً وأهدافاً

د. عميش يوسف عميش

يعتبر الاتحاد الاوروبي جمعية للدول الاوروبية ويضم (28) دولة اوروبية غريبة ثم دول اوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وهو شراكة سياسية واقتصادية فريدة. يعود تأسيس الاتحاد لعام (1951) عندما اجتمعت 6 دول اوروبية (فرنسا، المانيا، بلجيكا، لوكسمبورغ، هولندا وايطاليا) واتفقت على تشكيل المجموعة الاوروبية للفحم والصلب وهذه شكلت نواة للاتحاد. وفي عام (1957) وقعت الدول (اتفاقية روما) باسم المجموعة الاوروبية الاقتصادية. وعام 1992 وقعت معاهدة (ماستريخت) بهولندا، وضمت مختلف الهيئات الاوروبية ضمن الاتحاد الأوروبي. مقر الاتحاد بروكسل - عاصمة بلجيكا، حيث الامانة العامة والمفوضية الاوروبية. ومدينة ستراسبورغ الفرنسية مقراً للبرلمان الاوروبي. اما رئاسة الاتحاد فهي دورية حيث تتعاقب الدول الاعضاء على الرئاسة لمدة ستة اشهر. اما هياكل الاتحاد فهي خمسة: (1) البرلمان الاوروبي ويتم انتخاب اعضائه مباشرة من ناخبي الدول الاعضاء وله دور تشريعي. (2) المفوضية الاوروبية - الجهاز التنفيذي للاتحاد. (3) مجلس الاتحاد الاوروبي - الجهاز التشريعي ويضم مجلس الوزراء حسب التخصص وممثلي الدول الاعضاء. (4) محكمة العدل - الجهاز القضائي ويشرف على احترام التشريعات والقوانين. (5) ديوان المحاسبات - الجهاز الرقابي لميزانية الاتحاد. وهناك اجهزة اخرى مثل: اللجنة الاقتصادية، والاجتماعية، والبنك المركزي، وبنك الاستثمار.
علم الاتحاد يمثل شعار الوحدة والهوية الاوروبية بلونه الازرق ونجومه التي تمثل تماسك وتناغم الأوروبيين. وتاريخ العلم 1955. يمثل الاتحاد مساحة 3,975,000كم2. لم يضع الاتحاد في البداية شروطاً للعضوية لكن بعد ذلك وضع (1) شروطا سياسية اي تمتع الدول المترشحة للعضوية بمؤسسات مستقلة تضمن الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والاقليات. (2) اقتصادية. وجود نظام اقتصادي فعال يعتمد على اقتصاد السوق وقادر على التعامل مع المنافسة ضمن الاتحاد. (3) التشريعية. على الدولة المترشحة القيام بتعديل تشريعاتها وقوانينها بما يتناسب مع تلك الاوروبية. اما عدد سكان الاتحاد حوالي خمسمائة مليون ونصف نسمة. منهم 73% مسيحيين، 4% المسلمين، 23% اللادينيين، 1% اليهود. هناك دول مرشحة للاتحاد (مقدونيا، تركيا، الجبل الاسود، ايسلندا، صربيا) و(16) دولة اوروبية غربية وشرقية اخرى. يعتمد الاتحاد اساساً على بنيته التنظيمية على ثلاثة اجهزة تعرف بالمثلث الاداري: (1) مجلس الاتحاد. وهو اهمها وله صلاحيات واسعة في السياسة الخارجية المشتركة والتعاون الامني. ويتكون من وزراء حكومات الدول الاعضاء ويعقد اجتماعه حسب الحاجة في كل من (بروكسل ولوكسمبورغ). ويتم التصويت اما بالإجماع او بالغالبية المؤهلة. وعدد الاصوات يمثل عدد السكان. وتم زيادة عدد اصوات الدول الصغيرة لخلق توازن مع الكبرى. (2) المفوضية الاوروبية ومقرها بروكسل وتهتم بمصالح الاتحاد ككل. مما يفرض على المفوضين الالتزام مهما كانت جنسياتهم ودولهم. تمتلك المفوضية صلاحيات واسعة، بتقديم مقترحات القوانين والاشراف على تنفيذها ووضع الميزانية العامة للاتحاد والاشراف على تنفيذها. كما تقوم المفوضية بتمثيل الاتحاد في المفاوضات الدولية، وتوقيع الاتفاقيات مع دول خارج الاتحاد. (3) البرلمان الاوروبي. ويملك صلاحيات تشريعية ويعتبر الجهاز الرقابي والاستشاري للاتحاد. يوافق على اعضائها او يشارك بوضع القوانين ويصادق على الاتفاقات الدولية وانضمام اعضاء جدد. ومقره (ستراسبورغ). الاتحاد الاوروبي له نظامه السياسي الذي يتطور باستمرار لم يسبق له مثيل.
اذكر هنا بمشاريع اتحادات قامت بين دول عربية وفشلت في معظمها واسبابها: (1) التباين بين الانظمة في وضعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. (2) فقدان النهج الديمقراطي في معظم دولنا العربية. وعدم وجود مؤسسات قوية ومتخصصة تعنى بالتشريع والقوانين. (4) غياب الحريات العامة خاصة احترام الاقليات وحقوق الانسان. (5) عدم وجود سياسة متكاملة ومتوازنة بالنسبة للإمكانات الاقتصادية الهائلة لدى الدول العربية (خاصة البترول والغاز والمعادن) اي اقتصاد موحد فعال وقابل على التعامل مع المنافسة. (6) الوضع الامني الهش في معظم دولنا العربية. ومع ذلك كانت تجربة اتحاد دول الخليج العربي (الستة) نموذجاً يمكن البناء عليه واكماله من اتحاد في بعض المؤسسات الى وحدة لدول الخليج كاملة: سياسياً وتشريعياً واقتصادياً وعسكرياً. ونرجو ان تؤدي الجهود المبذولة لخلق اتحاد قوي ومنظم بين دول الخليج يتبعه وحدة عربية كاملة. هذه امنية، لكن الايمان والعمل الجاد يمكن ان تحقق في المستقبل القريب. لأنها امل الحاضر ومستقبل اجيالنا.

معاهدة روما: خطوة مهمة نحو السلام

أندريا ماتيو فونتانا- سفير الاتحاد الاوروبي في عمان

نحتفل اليوم في 25 آذار بمرور 60 عاماً على توقيع معاهدات روما التي تعد الخطوة الأولى نحو تأسيس الاتحاد الأوروبي. منذ ولادة المجتمعات الأوروبية عام 1957 حتى الآن، يعيش مواطنو الدول الأعضاء ستة عقود غير مسبوقة من السلام والازدهار والأمن. فالحروب العالمية خلفت ملايين القتلى وأمة مدمرة منقسمة تعاني الإعياء الشديد. لكن بعد ذلك، جاء التكامل الأوروبي كأنجح قصة سلام في تاريخ تلك الدول التي عانت الحروب، وخلق هذا الإنجاز تبايناً واضحا مقارنة بالحالة التي كانت عليها أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين.
مع ذلك، نعيش أوقاتاً يصعب التنبؤ بها. تتيح الذكرى الستين لتوقيع معاهدات روما فرصة لتأكيد التزامنا بالقيم والأهداف التي يقوم عليها المشروع الأوروبي وفرصة أيضاً لاتخاذ خطوات عملية وطموحة إلى الأمام. إن العالم يمر بمرحلة من عدم اليقين: فميزان القوى يتغير، وغالبا ما يشكك البعض في أسس النظام الدولي القائم على القواعد والقوانين. لذلك، يعتبر الاتحاد الأوروبي قوة حيوية ذات دور هام في الحفاظ على النظام العالمي وتعزيزه.

الاتحاد الأوروبي هو ثاني أكبر اقتصاد ولديه أكبر سوق عالمية وهو أبرز الجهات المستثمرة الأجنبية دولياً. لقد كوّن الاتحاد الأوروبي موقفاً قوياً موحداً بفضل عمل الدول الأعضاء جنباً إلى جنب يمثلهم صوت واحد أمام العالم، وبفضل دوره الرئيسي في إزالة معوقات التجارة كعضو في منظمة التجارة العالمية، وللصفقات التجارية التي فتحت باب الازدهار لشركات التصدير الأوروبية وخلقت أكثر من 30 مليون وظيفة.

فضلاً عن ذلك، يستثمر الاتحاد الأوروبي في التعاون الإنمائي وتقديم المعونات الإنسانية أكثر من سائر دول العالم مجتمعة، ويواصل دوره وأنشطته كجهة تعزز من الأمن حول العالم. ويتبنى الاتحاد الأوروبي مبادئ يعرفها شركاؤنا جيداً. فنحن نؤيد التعددية، وحقوق الإنسان، والتعاون الدولي. ونؤيد أيضا التنمية المستدامة، والمجتمعات الحاضنة للجميع، ومكافحة جميع أوجه عدم المساواة - في التعليم والديمقراطية وحقوق الإنسان. فبنظرنا، هذه الاساسيات ليست هبة نهبها للآخرين، بل هي استثمار ذكي في أمننا وازدهارنا.

الاتحاد الأوروبي اليوم هو أكبر جهة مانحة في العالم للدعم الإنمائي تستفيد منه 150 دولة حول العالم. في الفترة مابين 2014-2020، خصص نحو 75% من دعم الاتحاد الأوروبي للبلدان التي تضررت من الكوارث الطبيعية أو الصراعات مما عرض مواطنيها للخطر. والاتحاد الأوروبي هو الجهة المانحة الوحيدة في العالم التي تقدم الدعم لكافة البلدان الهشة والدول التي تعاني من الصراع.


فالاتحاد الأوروبي أكبر جهة مانحة قدمت المساعدات الإنسانية منذ بدء الأزمة في سوريا لمساعدة الملايين من الرجال والنساء والأطفال النازحين بسبب النزاع. وأيا كانت الأحداث التي قد يجلبها المستقبل، فمن المؤكد أن الاتحاد الأوروبي سيواصل تعزيز السلام والأمن الدوليين، والتعاون الإنمائي، وحقوق الإنسان، والاستجابة للأزمات الإنسانية، وستبقى هذه القيم في صميم سياساته الخارجية والأمنية.

ولكن ماذا تعني المعاهدات بالنسبة للأردن؟

باحتفالنا في الذكرى السنوية لتوقيع لمعاهدات روما، نحتفل أيضاً بمرور 30 عاماً على برنامج إيراسموس، و25 عاماً على السوق الموحدة، و15 عاماً على اتفاق الشراكة بين الأردن والاتحاد الأوروبي. وفي هذه المناسبة بالذات، يشرفنا أن ننظر إلى الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لمساعدة الحكومة الأردنية والمواطنين الأردنيين على مواجهة التحديات المحلية والإقليمية. وهنا نذكر الأردنيين بأننا نقف معهم. فالأردن، بفضل مشاركته السياسية البارزة في المنطقة، سيبقى شريكاً رئيسياً للاتحاد الأوروبي.
فمنذ عام 2007 إلى عام 2016، قدم الاتحاد الأوروبي نحو ملياري يورو إلى للأردن من خلال التعاون الثنائي، والمساعدات الإنسانية، ودعم استجابة المملكة للأزمة السورية، إضافة إلى القروض التي تدعم برامج صندوق النقد الدولي. وفضلاً عن الدعم المقدم للحكومة الأردنية، عملنا أيضاً مع المجتمع المدني والقطاع الخاص، ومئات الشركات لخلق الآلاف من فرص العمل. كما كنا ولم نزل من أبرز داعمي قطاع التعليم عن طريق تقديم المنح الدراسية لآلاف الطلاب الأردنيين من خلال برنامج ايراسموس، الذي بلغ هذه السنة عامه الثلاثين.

إن الشراكة القوية بين الاتحاد الأوروبي والأردن هي اليوم في أوج أهميتها، فالمملكة في طليعة الدول المكافحة للإرهاب والتطرف، وأبدت تضامناً هائلاً في استضافتها للعدد الكبير من اللاجئين السوريين. وتقديراً لاحتياجات الأردن في تعامله مع أزمة اللاجئين، قدم الاتحاد الأوروبي ودول الأعضاء تعهدات في مؤتمر لندن بقيمة 1.4 مليار دولار خصصت لعام 2016 وحده. وفي 5 نيسان المقبل، سيستضيف الاتحاد الأوروبي في بروكسل مؤتمراً وزارياً دولياً لزيادة الدعم لمستقبل سوريا والمنطقة.
في هذا اليوم المميز للاتحاد الأوروبي، نؤكد على قيمنا المشتركة وعلاقتنا الوثيقة مع الأردن ونتطلع إلى توطيد العلاقات الثنائية إلى ما أهو أكبر وأبعد.