رضاب التين
يحاول العلم استغلال شوارع الطرق السريعة لإنتلاج الطاقة وذلك بزرعة أنابيب مياه تحتها، ثم الإفادة من سخونة هذه المياه في مجالات لا حصر لها، ناهيك عن غرس الخلايا الشمسية بخواصر هذه الشوارع للحصول على الكهرباء المجانية، وأنا بذات الأمر فكرت لو أستطيع أن أخزّن موجات هذا الشوب اللاهب في زجاجات محكمة العزل، علنا نتدفأ به في كوانين وغلاء الوقود الموعود!!.
وبذات التخزين وما زلنا نكنز الطاقة في القطين(التين المجفف)، فنعمد إلى انتقاء الحبات الجيدة المتخمة المتفلقة من فرط حلاوتها، ثم ننشرها فوق حصى ملساء تحت الشمس، وقد كان ناسنا يعرفون بحدسهم أن القطين يزخر بالسعرات الحرارية ولهذا يتخذونه رفيقاً لشتاءاتهم المزمهرة!!.
ومثله الزبيب (العنب المجفف) فبعدما يدب به نشغ العسل في آخر الموسم يعمدون إلا تغطيس القطوف بالماء المزيت بزيت الزيتون، والمضاف إليه بعض الصفّة(الرماد)، ليمنحه نكهة وليونة ولمعاناً بعد جفافه، ثم ينشر العنب مشموسا ويراعى التقليب بين يوم وآخر!!.
والتين ليس للتخزين إنما التينة أمنا الرؤوم الحنون، ومرتعنا البهي من لهيب القائظة، على جذوعها الغليظة الملساء حفرنا أول حروف من أسماء حبيباتنا الصغيرات بخجل جميل، وحضناها بخجل أجمل، والتين كالندى تماماً لا يصبر حتى ترتفع الشمس عن أديم الأرض قاب رمح أو رمحين، بل عليك أن تصحو مع أول هبة الزرازير، وتنفض عنك لحاف النوم، وتأخذ بيدك رغيفاً ملتهباً: فلا أجمل من التينٍ بالخبز!!، ثم تنتقي عن كلَّ تينة شطَّبتها أسواط العسل، ونزَّ منها رضابُ الشهد: فآاااااه يا تين.. يا برد الصيف وشتاء الحنين!!.
بعض التين يمتد بثمره إلى مواسم الزيت، فيعطيك مذاقا آخر، ومنه ما يعطي أكلها مرتين في السنة، والتين يعيش بعلياً (بدون ري) أو مروياً، والأشهى البعلي العجلوني، الذي تتوافر منه أنواع كل له ميزته:البياضي، الرجافي، الخضيري، الإسوادي، العسالي، السطامي، الجحاشي، ارقابي، ماوردي، احماضي، إحراقي، وغيرها مما نسيت اسمه ولم أنس مذاقه.
عند عرائش نشر القطين كانوا يزرعون فزاعات مضحكة؛ كي تذب الطيور وتبعدها وتخيفها وتمنعها من السطو على التين، والفزاعة عود من خشب يلبسونه ثياباً بالية وقبعة مثقوبة، لكن بعض الطيور صارت تجرؤ وتعشش ثم تنام في رأس الفزاعة، بعد أن تتخم من التين المنشور:إنها دوما تتعلم من البشر بعض طرائقهم!!!.