الربيع بنت معوذ
أبوها معوّذ بن عفراء ، من كبار أهل بدر .
وزوجها هو إياس بن البكير الليثي ، أحد كبار المهاجرين .
حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم زواجها ، تقول عن زواجها : دخل عليّ رسول الله صل الله عليه وسلم في يوم عرسي ، فقعد على موضع فراشي هذا ، وعندنا جاريتان تضربان بدف ، وتندبان آبائي الذين قتلوا يوم بدر ، وقالتا فيما تقولان : وفينا نبي يعلم ما في غد ، فقل : ( أما هذا فلا تقولا ) .
عن محمد بن عمار بن ياسر قال : قلت للربيع بنت معوذ : صفي لي رسول الله صل الله عليه وسلم : فقال : يابني لو رأيته لرأيته الشمس طالعة .
قالت : كنا نغزو مع رسول الله صل الله عليه وسلم نسقي القوم ونخدمهم ، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة .
كانت ممن بايع رسول الله صل الله عليه وسلم بيعة الرضوان تحت الشجرة .
كان عدد من الصحابة يأتونها ويسألونها عما تعرفه من أحكام دينها ، ومن ذلك ما روي في الصحيحين عنها قالت : أرسل النبي صل الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : ( من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ، ومن أصبح صائماً فليصم ) ، قالت : فكنا نصومه ونصوم صبياننا ، ونجعل لهم اللعبة من العهن – الصوف – فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار .
توفيت الربيع بنت معوذ في خلافة عبد الملك بن مروان سنة بضع وسبعين .
الشيماء بنت الحارث السعدية
الشيماء بنت الحارث السعدية ، امرأة بدوية من بني سعد .
وهي ابنة حليمة السعدية التي كانت من بين مراضع بني سعد حين انطلقن إلى مكة يلتمسن الأطفال لإرضاعهم ، فلم يطل مكثها بمكة حتى عادت تحمل معها طفلاً ، ولم يكن هذا الطفل الرضيع سوى محمد بن عبد الله صل الله عليه وسلم الذي أرضعته حليمة ، وطرحت البركة في كل ما عندها .
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحراء سنتين ترضعه حليمة ، وتحضنه ابنتها الشيماء بنت الحارث بن عبدا لعزى بن رفاعة السعدية أخت الرسول صل الله عليه وسلم من الرضاعة.
وقد كان عليه الصلاة والسلام يخرج مع أولاد حليمة إلى المراعي ، وأخته الشيماء تحضنه وتراعيه ، فتحمله أحياناً إذا اشتد الحر ، وطال الطريق ، وتتركه أحياناً يدرج هنا وهناك ، ثم تدركه فتأخذه بين ذراعيها وتضمه إلى صدرها ، وأحياناً تجلس في الظل ، فتلعبه وتقول :
يا ربنــــا أبق لنا محمداً حتى أراه يافـــعاً وأمـــردا
ثم أراه سيداً مســـــوداً واكبت أعاديه معـاً والحســـدا
قال محمد بن المعلى الأزدي : وكان أبو عروة الأزدي إذا أنشد هذا يقول : ما أحسن ما أجاب الله دعاءها.
وأقام النبي صل الله عليه وسلم في بني سعد إلى الخامسة من عمره ينهل من جو البادية الطلق الصحة والنماء ، ويتعلم من بني سعد اللغة المصفاة الفصيحة. وقد تركت هذه السنوات الخمس في نفسه الكريمة أجمل الأثر وأبقاه ، وبقيت الشيماء وأهلها وقومها موضع محبته وإكرامه طوال حياته – عليه الصلاة والسلام.
ذكر الإمام ابن حجر في الإصابة أن الشيماء لما كان يوم هوازن ظفر المسلمون بهم ، وأخذوا الشيماء فيمن أخذوا من السبي ، فلما انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله ، إني لأختك من الرضاعة. قال : وما علامة ذلك ، قالت : عضة عضضتها في ظهري ، وأنا متوركتك ، فعرف رسول الله صل الله عليه وسلم العلامة ، فبسط لها رداءه ، ثم قال لها : ههنا ، فأجلسها عليه ، وخيّرها ، فقال : إن أحببت فأقيمي عندي محببة مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك فارجعي إلى قومك ، فقالت : بل تمتعني وتردني إلى قومي ، فمتعها وردها إلى قومها.
ولم يتوقف إكرام النبي صل الله عليه وسلم للشيماء عند هذا فحسب ، بل شمل ذلك بني سعد جميعهم ، ومعلوم أن بني سعد من هوازن ، وذلك أنه لما انتصر عليهم يوم حنين وغنم أموالهم ونسائهم وذراريهم ، عند ذلك جاءه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا : يا رسول الله ، إنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك. وقام خطيبهم زهير بن صرد أبو صرد فقال: يا رسول الله ، إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ، ولو أنك ملحنا لابن أبي شمر أو النعمان بن المنذر، ثم أصابنا منها مثل الذي أصابنا منك، رجونا عائدتهما وعطفهما وأنت رسول الله خير المكفولين ، ثم أنشأ يقول :
امنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وننتظــر
امنن على بيضة قد عاقها قدر ممزق شملها في دهرها غيـر
أبقت لنا الدهر هتافاً على حزن على قلوبهم الغمّاء والغمــر
يا خير طفل ومولود ومنتجـب في العالمين إذا ماحصل البشر
إن لم تدراكها نعماء تنشرهـا يا أرجح الناس حلماً حين يختبر
منن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك تملؤه من مخضها الدرر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها وإذ يزينك ما تأتي وما تــذر
لا تجعلنا كمن شالت نعامتــه واستبق منا فإنا معشر زهــر
إنا لنشكر آلاء وإن كفــ،رت وعندنا بعد هذا اليوم مدخــر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم) ؟ فقالوا: يا رسول الله ، خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا ، بل أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أما ما كان ولي ولبني عبد المطلب فهو لكم ، وإذا أنا صليت بالناس فقوموا فقولوا : إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبنائنا ونسائنا ، فإني سأعطيكم عند ذلك ، وأسأل لكم)، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر قاموا فقالوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : (إما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ) ، فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لرسول الله صل الله عليه وسلم.
أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب
لبابة بنت الحارث ، هي زوج العباس بن عبد المطلب ، عم النبي صل الله عليه وسلم ، وأم أولاده الرجال الستة النجباء الذين لم تلد امرأة مثلهم وهم : الفضل ، وعبد الله ، وعبيد الله ، ومعبد ، وقثم ، وعبد الرحمن.
وفيها قال عبد الله بن يزيد الهلالي :
ما ولدت نجيبة من فحـــل بجبل نعلمه وسهـــل
كسته من بطن أم الفضـــل أكرم بها من كهلة وكهل
عم النبي المصطفي ذي الفضل وخاتم الرسل وخير الرسل
أسلمت أم الفضل قبل الهجرة ، وهي أول امرأة أسلمت بعد خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وكان ابنها عبد الله يقول : كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان.
كانت أم الفضل رضي الله عنها شجاعة في الحق لا تخشى لومة لائم ، والموقف الآتي يصور لنا ذلك : قال أبو رافع مولى رسول الله صل الله عليه وسلم : كنت غلاماً للعباس ، وكان الإسلام فأسلم العباس سراً ، وأسلمت أم الفضل ، وأسلمت ، وكان العباس يهاب قومه.
وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكذلك كانوا صنعوا، لم يتخلف منهم رجل إلا بعث مكانه رجلاً.
فلما جاء الخبر من مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه، فوجدنا في أنفسنا قوة وعزاً قال: وكنت رجلاً ضعيفاً، أعمل الأقداح أنحتها في حجرة زمزم، فوالله إني لجالس وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخير، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس. فبينما هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث قد قدم. فقال أبو لهب: هلم إلي، فعندك لعمري الخبر، فجلس إليه والناس قيام عليه، فقال: يا ابن أخي، أخبرني كيف أمر الناس ؟ فقال أبو سفيان : والله ما هو إلا أن لقينا القوم حتى منحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاؤوا، ويأسروننا كيف شاؤوا ، وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس ، لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين الناس ، والأرض والله لا يقوم لها شيء.
قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة ! فرفع أبو لهب يده فضرب بها في وجهي ضربة شديدة، وكنت رجلاً ضعيفاً، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته به ضربة فلقت في رأسه شجة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب عنه سيده !! فقام أبو لهب مولياً ذليلاً، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة – وهي بثرة تخرج بالبدن فتقتل وهي تشبه الطاعون - فقتلته.
ومن أخبار أم الفضل رضي الله عنها ما رواه ابن سعد في طبقاته والترمذي في سننه أن أم الفضل رضي الله عنها رأت في منامها حلماً عجيباً فذهبت لتوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله، رأيت فيما يرى النائم كأن عضواً من أعضائك في بيتي !! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم
خيراً رأيت ، تلد فاطمة غلاماً وترضعينه بلبان ابنك قثم).
وخرجت أم الفضل بهذه البشرى الكريمة، وما هي إلا فترة وجيزة حتى ولدت فاطمة الحسين بن علي رضي الله عنهما فكفلته أم الفضل. قالت أم الفضل: فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ينزيه ويقبله، إذ بال على رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: (يا أم الفضل أمسكي ابني فقد بال علي).
قالت: فأخذته، فقرصته قرصة بكى منها، وقلت: آذيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلت عليه، فلما بكى الصبي قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (يا أم الفضل آذيتني في بني، أبكيته).
ثم دعا بماء، فحدره عليه حدراً، ثم قال: إذا كان غلاماً فاحدروه حدراً، وإذا كان جارية فاغسلوه غسلاً).
ومن أخبار أم الفضل وفيها دلالة على حكمتها أن ناساً من الصحابة تماروا يوم عرفة في صوم النبي صل الله عليه وسلم فقال بعضهم: وهو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت أم الفضل إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره حصل عند القوم.
توفيت في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.