من العسير الخروج على القاعدة العامة، التي يتشكل منها الوجود الأنساني ومحيطه الأديان السماوية الألهية، والتشريعات الوضعية البشرية.. والتي تقوم على أن المرأة قبل أي قانون أو تشريع أو أية أحكام اجتماعية استولدها العرف الأجتماعي أو القبيلي أو العشائري أو المذهبي أو العرقي.. هي أنسان قبل كل شيء.. المرأة أنسان.. ولا أحد في هذا العالم يستطيع أن يلغي هذه الحقيقة الوجودية.
وعلى أساسها يمكن، ومن خلال هذه الزاوية، النظر إلى أن المرأة مكون وجودي أنساني لا غنى عنها.. لا من قبل الرجل ككائن أنساني يشاركها في كينونة الوجود، ولا من لدن المجموعات أو المجتمعات البشرية أينما كانت!!
ولكن.. أين هو الخلل، الذي في ظله تستلب المرأة في حريتها وانسانيتها وحتى في وجودها؟، في أي زاوية يقبع هذا الخلل وفي أي رأس يعشش؟، هنا هو السؤال الكبير.!!
- لأن الأديان السماوية جميعها قد أحكمت بنصوصها أهمية المرأة في الوجود الانساني، ولا خلاف في ذلك إلا في بعض التفسيرات التي شرعها (الأنسان) - وليست التشريعات التي وضعها الله عز وجل بقدر - والتي ترى وتجتهد بما تريد وبما يناسبها في امور تنطوي في بعض اوجهها على الوجه القسري في التسلط وغياب الثقة في التعامل والقيادة.. وبهذا يضع البعض المرأة في خانة أدنى مرتبة من الرجل، ربما بسبب مقاسات القوة العضلية.. ولكن القوة ليست وحدها معياراً كافياً يضع الرجل في قمة المرتبة الأولى، بل ان العقل الانساني هو الاساس الذي يحكم معامل القوة لدى البشر، فما نفع القوة إذا غاب العقل.. قد تكون المرأة اكثر عقلانية من الرجل، وربما العكس، وقد يكون ذلك بحكم الثقافة والموروث الناجم عن العادات والتقاليد والنظرة المتوارثة عبر القرون.
- البعض من التشريعات يصوغ العلاقة الكائنة بين الرجل والمرأة على اساس (القدرة) فينتج عن ذلك (تبعية) دونية للمرأة حيال الرجل.. وهذه صياغة قسرية وغير انسانية، لأنها تنتج نمطاً من (عبودية) قسرية هي في حقيقتها صنيعة البشر.. لماذا؟ لأن الرجل قد يكون خائفاً من أن لا تكون سلطته (رجولية)، بمعنى القدرة في القوة والقدرة على القيادة حتى لو كان الأمر خارج نطاق (العقل).!!
- البعض.. في نظرته الدونية لشريكة في المكون الأنساني يفصح عن كون المرأة (عورة) يتوجب إخفاؤها عن الأنظار بهذا التوصيف المزري.. ويجتهدون في كل شيء لهذا الأخفاء.. الغرب أدرك هذا وعمل على العكس.. فكشف (العورة) واستباح العفة وفضح المستور بأسم الحرية.. حرية المرأة وحَوَلَ جسد المرأة وذاتها إلى سلعة رخيصة، فأسقط عنها قيمتها الأنسانية.. والهدف من ذلك ليس فقط إثبات العكس، إنما (إثارة) النزعة التطرفية في مجرى النظرة إلى حرية الفرد وحرية الرأي وحرية التعامل، التي تدخل في خانة الرذائل.. وهنا.. يصطدم الأمر بموضوعة الأخلاق - ولهذا حديث مؤجل- له فلاسفته الكبار مثل " سبينوزا " - الدين والأخلاق.!!
- من يصنع الدين.. ومن يصنع الأخلاق؟!.. هذه أسئلة غريبة ولكنها ليست صعبة بل ممكنة.. الدين من عند الله عز وجل الذي أنزل الكتب السماوية وخاتمتها القرآن الكريم على الرسل وآخرهم نبي الأنسانية محمد (ص).. والدين نصوص مقدسة لا اجتهاد فيها، وهي نصوص في القيم والأخلاق تصلح في كل زمان ومكان.. فسر البعض من هذه النصوص عبر مئات السنين تفسيرات دخلت خانة الأجتهاد.. فظهرت اجتهادات لا أول لها ولا آخر تراكمت فولدت إرثاً هائلاً من وجهات النظر والرؤى حتى لحالات لا تستوجب التفسير وتعد مخالفة للنص ومشوهة للمضمون ومشوشة للمعنى والمقصد وخارجة عن سياقها التاريخي.. هذه الأجتهادات في التفسير أنتجتها عقول (بشر) وليسوا آلهة حتى ولو كانوا صالحين متدينين ولهم مكانتهم في سلم المعرفة والصلاح.. ولكنهم ليسوا أنبياء معصومون.. الأنبياء وحدهم المعصومين.. لماذا؟ لأنهم يوحى لهم، وما يتحدثون به ليس من عندهم إنما من عند الله.. وهنا ايضاً يقع الخطأ في مسائل الخلط.. لأن التفسيرات والأجتهادات تمر عبر (عقول) بشرية هي في حقيقتها (غير كاملة) بل تتكامل على وفق التراكم المعرفي الأنساني.. أنه عقل يتكامل ولن يصل إلى درجة الكمال.. والكمال لله فقط.
تنتج (العقول) تفسيرات قد تكون خاطئة أو غير صائبة أو غير مكتملة أو غير ناضجة تؤدي إلى تداعيات وانقسامات في التطبيق.. أما النصوص الألهية فحاشى ان تكون خاطئة او ناقصة او ظالمة للمرأة أو الرجل ولا للبشرية أينما حلت.. فهي نصوص وجدت أساساً من اجل صلاح البشرية وعصمتها من الخطأ والأنحراف عن منظومة القيم التي تضمنتها وفي مقدمتها الأخلاق.. (وإنكً لعلى خلق عظيم).. ومثل هذه النصوص السماوية واضحة ولا غبار عليها (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم) الآية 13.. بمعنى.. إن الذكر والأنثى بنو أب واحد وإمرأة واحدة.
إذن.. من يخل بهذه المعادلة التشريعية التي أحكمت العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس (التقوى)، التي جوهرها منظومة القيم؟ دعونا نؤجل البحث عند الحديث عن جوهر العلاقة الكائنة وغائيتها الوجودية، ونركز على الجانب القيمي الذي تحدده المجتمعات البشرية.. وهنا أيضاً تكمن إختلافات تتحكم فيها شروط ذاتية لنشأتها وتكوينها، كما تتحكم فيها ظروف تلك الأزمنة الموضوعية في تحديد القدرة على حكم المنطق، الذي يتعامل مع موضوعة العلاقة بين الرجل والمرأة وبالعكس، والنظرة الأجتماعية لهذه العلاقة، والتي تحدد معاييرها منظومة القيم التي يصوغها ذلك المجتمع او التجمعات البشرية في ازمنة متعاقبة، تُرَتِبُ (تراكمية) في المفاهيم، كما تُرَتِبُ (تحولات) قيمية قد تكون نسبية تقتصر على تلك المنظومات من القيم.
- منظومة القيم في كل مجتمع هي التي تحدد طبيعة العلاقة والتعامل القيمي والأخلاقي بين أفراد المجتمع.. وهذه المنظومة لا ينتجها العقل الأنساني من فضاءات أو خيالات، إنما هي نتاج راسخ يمثل إنعكاساً لنصوص دينية مقدسة، فضلاً عن موروث القيم المتراكمة مثل: قيم الشجاعة - وهي مشترك انساني لدى كل شعوب العالم - والنزاهة، والأستقامة، والعدل، والوفاء بالعهود، والمساواة، والتعاطي مع مكون الأخلاق الأنسانية، والنبل في التعامل.. كل هذه القيم تشكل المعطى الأنساني الذي يقوم على (احترام الكينونة الأنسانية سواء كانت انثوية أو ذكورية).
- معيار الأخلاق.. يرتبط بالعدل ويرتبط بالمساواة ويرتبط بالحقوق، كما يرتبط بالحرية (التي يجب أن تتوقف عندما تبدأ حرية الآخرين..)!!
قال الله تعالى يخاطب الرسول الكريم (إنك لعلى خلق عظيم..).. لماذا لم يقل، إنك عادل أو إنك منصف أو إنك شجاع أو إنك نزيه أو إنك وفيَ أو إنك شهم عظيم؟.. لأن الأخلاق.. هي مدخل كل عناصر منظومة القيم في أي مجتمع.. وهي المعيار الأساس الذي يشير إلى الصلاح أو إلى الأنهيار والتفسخ!!
- دعونا ننظر إلى الحضارات.. وهي تنمو وتترعرع ثم تشيخ وتنحدر إلى، إما الموت والأندثار أو إلى سبات عميق قد يدوم قرون.. لماذا؟ لأن هذه الحضارات وهي في تكوينها الرئيسي وليس الثانوي، الأصلي وليس الفرعي.. تقوم على مرتكزين أساسيين - وهنا نتحدث عن الحضارات الأصيلة وعددها ست حضارات ولا نتحدث عن الحضارات الفرعية التي اندثرت وانقرض بعضها - وهما: المرتكز (المادي) والمرتكز (الأخلاقي)، لكي تستقيم أركان الحضارة على أساس منظومة قيمها وتحقق التوازن بين المرتكزين على وفق الثبات النفسي والأستقرار في البناء المادي والأعتباري للحضارة.
متى تنهار الحضارة.. ومتى يتفسخ المجتمع؟ حين يختل التوازن بين المرتكزين المادي كقاعدة بناء متطور والأخلاقي كمنظومة قيم تكفل تماسك خلية المجتمع من التفكك وهي العائلة.. الحضارة تنهار حين تبتعد كثيراً عن اخلاقها وتنغمس في مادياتها بحيث تصبح مأخوذة بمعايير مادية تقيس على أساسها كل شيء حتى القيم.. عندئذٍ تمسي المعايير الأخلاقية معايير مادية فيحل التفكك ثم التمزق ثم التفسخ ثم الضمور والأندثار عن طريق الصراع!!
- ما نراه تفسخ مخيف لقيم الغرب.. وتزمت مخيف لقيم الشرق.. في الغرب تستباح قيمة المرأة وتحول إلى سلعة بأسم الحرية.. يقول البعض: أن المرأة حرة، وحريتها هي المسؤولة عنها، وجسدها هي حرة في ان تمنحه لمن تريد أو ترغب ولا سلطان لأحد عليها فهي حرة في جسدها ايضاً.. هذا المنطق ينظر ألى الأمر من زاوية فردية واحدة وكأن المرأة تعيش وحدها دون مجتمع، وتتصرف كفرد وليست جزءًا حيويًا في عائلة تتشكل في عوائل هي في وجودها المتراص تشكل المجتمع.. فإذا دخل السوس إلى الوحدات البشرية تهتك تدريجياً المجتمع البشري.. الدين ينصح ويرشد إلى طريق الصواب، والكنيسة لا تقوى، لانها لا تستطيع أن تقف بوجه الحرية المجردة من الأخلاق!!
- الحضارة العربية الأسلامية، من الحضارات العريقة الأصلية، وإن عاشت سباتاً طويلاً بفعل السطوة والهيمنة الخارجية التي تمنعها من النهوض والتطور.. وإن أرض العرب هي مهبط الرسالات السماوية التي اختارها الله من دون غيرهم من الأقوام.. لماذا لم تنزل الرسالات ويظهر الأنبياء في أوربا مثلاً أو في أقوام آسيا أو أفريقيا.. لماذا كان التخصيص العرب وارض العرب؟ لأن منظومة القيم لدى تلك الأمم والشعوب غير قادرة على احتضان الرسالات السماوية، ولأفتقارها لـ(منظومة قيم أصيلة) قادرة على النهوض بأعباء حمل الرسالة والتبشير بها، فهي الوعاء القادر على تحمل المسؤولية التاريخية والقيمية والأخلاقية للعالمين.. وحين وصل العرب المسلمون الى اقاصي الارض للتبشير بالرسالة الاسلامية، لم تعترض عليها شعوب تلك الدول والممالك، ولم تقاومها تلك الشعوب، بل ارتضت بها وآمنت بنصوصها وقيمها الاخلاقية وعدالة متجهها.. لماذا؟، لأن العرب المسلمين لم يكونوا استعماريين، ولأن انظمة تلك الممالك لم تكن عادلة، وان منظومة قيمهم لم تكن مرضية عنها من لدن تلك الشعوب التي كانت مسلوبة الأرادة ومقموعة وتعاني من غياب العدالة كما تعاني من الأستلاب والقهر والتمييز اللآإنساني..!!
- جاء العرب المسلمون الأوائل لينشروا منظومة القيم الانسانية بين شعوب العالم، وليس استلاب حريتها واذلالها وقمعها ونهب ثرواتها.. وعلى اساس هذه الحقائق تعايش العرب المسلمون في اسبانيا اربعة قرون، حل في ربوعها العدل والمساواة التي لم تألفها تلك الشعوب من قبل!!
كيف اختلف الأمر الآن؟ منْ عكسَ واقع الحال في منظومة القيم (العربية الأسلامية) الأصيلة الى الحد الذي اختل فيها معيار الأخلاق ومعايير قيمية اخرى، ومنها تكريس النظرة الدونية الى المرأة؟!
- معالجة موضوعة المرأة لا يجوز ان تكون مجتزئة تستل من لائحة المشكلات التي تعانيها الشعوب.. إنما هي واحدة منها، ومعالجة كل المشكلات في منهج موضوعي واحد، ومعالجة موضوع المرأة يكون في صلبها.. لماذا؟ لأن الأشكالية القائمة هي إشكالية تطور شعوب يجب أن يكون تطوراً صحيحاً يأخذ مساره الصحيح على قاعدة منظومة القيم نظاماً ونظاماً دستورياً يشترط تنشيط العرف والثقافة الأنسانية.. ولا بأس في أن يأخذ موضوع المرأة حيزاً خاصاً في معالجة وضعها في المجتمع العربي الأسلامي.. بعيداً عن التزمت في الرأي والتحجر على المفاهيم، والأنفتاح على العصر بثقافة تعتمد على الثقة بالنفس في مسائل المرأة وحريتها ومكانتها القيمية والأنسانية في المجتمع.
- في اوربا، وفي ظل منظومة القيم السائدة انتشرت ظواهر أو ظاهرات غريبة وتفاقمت منذ بداية السبعينيات من القرن المنصرم، ولا رادع لها قانونياً، ولا عرفاً اجتماعياً، ولا قراراً كنسياً، كظاهرة (تبادل الزوجات) وظاهرة (عدم اعتراض الزوج أو الزوجة على قيام أي منهما بصداقات خارج إطار الحياة الزوجية) وظاهرة (أن تبيت الزوجة ليلة في الأسبوع مع من تريد ولا اعتراض لدى الزوج، لأنه يماثلها في ذلك)!!
فالأنحرافات الفردية تحدث في كل مكان، ولا تعرف مجتمعاً محدداً، غربياً كان أم شرقياً، مسيحياً بوذياً يهودياً أم مسلماً.. ولكن مثل هذه الأنحرافات وهي تتحول إلى ظاهرات عامة مسكوت عليها عرفاً اجتماعياً ودستورياً تشريعياً واحكاماً كنسية، فالأمر يدخل عندئذٍ في دائرة الضوء والدراسة والبحث عن المسببات والعوامل التي حولت الأنحراف الفردي إلى ظاهرة لا يكترث لها المجتمع، على الرغم من سلبياتها الكارثية على الوحدة الأجتماعية التي تُكَوِنُ المجتمع ومنظومته القيمية!!
والتساؤل هنا.. ما هو دور الدولة حيال هذه الظواهر.. وما هو دور المؤسسة الدينية منها؟
- يقول البعض.. أن المرأة مسؤولة عن جسدها، ولا سلطان لأحد عليها، وهي تستطيع ان تمنحه لمن ترغب أو تشاء.. لأنها هي المسؤولة عنه، وهو حقها ولا احد يسلب منها هذا الحق أو حريتها في ذلك؟، هذا الكلام صحيح في مضمونه المجرد وعلى مستوى المنطق المجرد ايضاً.. ولكن إين هي حرية المجتمع عند تلك الحدود؟ فحرية المرأة هي جزء أساس من حرية المجتمع.. والحرية هنا بمفهومها العام الواسع هي حرية المجتمع التي لا تتجزء، وتتوقف حرية الفرد، كما قال "منتسيكيو" و "جون بول سارتر" و"سيمون دي بوفوا" عندما تبدأ حرية الآخرين.
- المجتمع، أي مجتمع، في حريته المكفولة بمنظومة القيم معني بالمحافظة على كينونته من الأنهيار والتفسخ، لماذا؟ لأنها مسؤولية تاريخية واخلاقية، وخلافها ينهار المجتمع ويتحول إلى افراد لا رابط بينهم سوى الغرائز!!
- ينبغي أن يصار إلى تفهم سيكيولوجية المرأة.. ماذا تريد وماذا تحب؟!
ربما تكون هذه التساؤلات سهلة، ولكنها في النتيجة تصب في متلازمة لها مدلولاً واضحاً يتعلق بالرابطة الاجتماعية وبالخلية التي يبنى على اساسها المجتمع كينونته الأنسانية:
المرأة بحكم تكوينها الأنثوي وتدفقها العاطفي وجمال روحها وجسدها ومكانتها في العائلة والمجتمع، تريد (الحب والأحترام والصدق والصراحة والرعاية والحماية).. هذه هي الأساسيات وليست الثانويات، وبحكم تكوينها أيضاً تحب المرأة (أن تكون جميلة وقادرة على انتزاع إعجاب الرجل كأنثى وأن تظهر بما يجعلها محط جذب الرجال والنساء في آن، وتحاول أن تكون كالزهرة التي تفوح بعطرها لتجذب أسراب النحل إليها)!!
هكذا خلقها الله.. قطعة من جمال.. ليس هناك امرأة ليست جميلة أبداً. ولكن.. هنالك إشكالية محضة حين يختل التوازن عندها بين (الأساسيات) وبين (الثانويات)، فترجح أو تُرَجَحْ عندها الثانويات على الأساسيات، فتتحول طواعية ربما بدون وعي ذاتي كافٍ إلى جادة الثانويات فتنغمس كلياً أو جزئياً في بركها التي تقود إلى التحلل أو الخروج عن الخط الصحيح المتوازن... لماذا تقبل المرأة لنفسها أن تكون سلعة.. صحيح أن الشركات الكبرى والصغرى تعمل على استثمار المرأة كسلعة في كل شيء؟ وهذا الأمر لا يقاس عليه.. ولكن تأثيره الفاضح كبير على عقول وأذهان المجتمع في غياب الروادع التربوية والحصانة القانونية والدستورية، ليس تسلطاً فوق رقاب المرأة إنما تسلطاً فوق رقاب الشركات الرأسمالية التي تسعى إلى الربح ولا غير الربح حتى لو هتكت المجتمع وانحدرت المرأة إلى مستوى الأنحطاط!!
- ويقبع خلف هذه الشركات، التي لا تعد ولا تحصى، فكر معروف يستهدف الربح الفاحش، كما يستهدف في بعض جوانبه أو لا تهمه النتائج، التي تنتهي بالتفسخ والإستلاب وبالتالي الأنحطاط الأخلاقي.
- من المسؤول عن هذه الشركات؟ الدولة مسؤولة.. النظام الأجتماعي مسؤول.. القوى السياسية والدينية مسؤولة.. بمعنى هي المعنية بوضع حدود وضوابط لهذا العبث واللآمبالاة حفاظاً على (وحدة العائلة) و(وحدة المجتمع).. والعمل على كبح جماح هذه الأفكار التي تُسَرَب عبر المظاهر المفروضة على الذوق العام - لسنا معنيون بالتفاصيل - ولكن النظام الرأسمالي، هو هكذا.. يسير بدافع الحصول على اكبر كمية ممكنة من الأرباح، ومهما أنحطت الأخلاق.. وتراكم الثروة، مهما تفسخ المجتمع.. وتلازم (الثروة والقوة)، مهما انحدرت الأمور إلى الأنحطاط.
الدين.. لا يُقرُ العودة بالحالة إلى ما قبلها حين تسلب المرأة وتستلب من محيطها وتعرض سلعة تباع كالرقيق.. الدين يرفض نهج الرقيق.. الدين يرفض العودة إلى وأد الطفلة التي خلقها الله بقدر لأنها أنثى.. الدين يحاسب على الأرتداد بالحالة إلى ما قبلها حين عامل الأقدمون المرأة على أنها (تابع) وانها (عورة) و(لا قيمة لها إلا بالرجل).. الدين يُحَرمُ المساس بروح المرأة وكرامتها، ووضعها الله شأنها شأن الرجل على وفق معيار (الأيمان) و (التقوى).. إن أكرمكم عند الله أتقاكم.. فهي ليست أدنى من الرجل ولن تكون.. وهي ليست تابعاً للرجل.. ومن غيرها، كحقيقة تنعدم الحياة، كذلك الرجل.. وكليهما مصدر ديمومة الحياة، وكليهما في وحدة الوجود الكلية.. وإن معالجة مشكلات المرأة لا تنفصل عن معالجة مشكلات الرجل.. ومعالجة مشكلاتهما معاً ليست مجردة عن معالجة مشكلات المجتمع في مكوناته الأجتماعية والأقتصادية والثقافية والنفسية.. فمن الصعب ان تكون المعالجات (مجتزئة)، ومن الصعب الحديث عن معالجة جزء من حالة، وفصلها عن معالجة أجزاء الحالة العامة برمتها، فذلك يمثل خللاً في التفكير وعطلاً في تراتيبية العقل واولوياته.
الأخلاق.. التي تشمل، كما أسلفنا، مجموعة القيم، معنية بها مناهج التربية وقبلها الأعراف السائدة والتشريعات الناتجة عنها.. فهي منبع القيم، التي ترفض الشك، وترفض منهج الغلو، وترفض مسلك التزمت والتعصب والأتيان بحالات رفضتها الأديان من قبل.. إنها العلاقة الرصينة بين الرجل والمرأة القائمة على أساس الحب والأحترام والصدق والرعاية والحماية والتراحم.. وخلاف هذا الأساس يرفضه منطق الدين ومنطق الأخلاق.!!
د. جودت العاني