منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كيف ولماذا ضاعت الإسكندرونة ؟ 

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70285
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

كيف ولماذا ضاعت الإسكندرونة ؟  Empty
مُساهمةموضوع: كيف ولماذا ضاعت الإسكندرونة ؟    كيف ولماذا ضاعت الإسكندرونة ؟  Emptyالإثنين 16 نوفمبر 2015, 5:59 am

كيف ولماذا ضاعت الإسكندرونة ؟ 

حكاية انزلاق اللواء السليب من الأرض السورية إلى حضن الرجل التركي المريض!


شبكة البصرة

قالت الحكماء : العجز عجزان عجز عن طلب الأمر وقد أمكن، والـجِدُّ في طلبه وقد فات 
جامع بيان العلم وأهله لابن عبد البر القرطبي


مَنْ يعرف قصة اللواء السليب اليوم؟ 

تذكرت هذا السؤال، وتركيا تحتفل بذكرى مرور خمس وسبعين سنة على قيام الدولة التركية العلمانية الحديثة التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك على أنقاض الأمبراطورية العثمانية. وكان أولى ضحاياها سورية، بسلخ لواء الإسكندرونة عن الأراضي السورية. 
وعاد هذا السؤال إلى الأذهان عندما اشتد الخلاف التركي ـ السوري في الأسابيع الأخيرة، ودخل الرئيس المصري حسني مبارك في وساطة بين أنقرة ودمشق، وحينما قال له الرئيس التركي سليمان ديميريل أثناء زيارته للعاصمة التركية، «إن على سورية أن توقف مطالبتها بلواء الإسكندرونة». كما قال مسعود يلماظ، رئيس وزراء تركيا، في المناسبة ذاتها، إن «أساس المشكلة التركية ـ السورية الأخيرة، هو الاعتراف الرسمي والعلني لسورية بشرعية ضم تركيا لواء الإسكندرونة العربي إليها بالقوة». 
يُفهم من كلام الرئيسيين التركيين، أن لبّ المشكلة التركية ـ السورية، حتى من قبل أن تدخل إسرائيل في شبكة التحالفات مع تركيا، وقبل أزمة توزيع مياه دجلة والفرات، وقبل اتهام سورية باحتضان حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان، يتأسس على معضلة أهم وأكثر تعقيداً وأطول تاريخاً اسمها لواء الإسكندرونة. 
لماذا الإسكندرونة؟ وما علاقة اللواء السليب بتركيا الحديثة، وكيف يكون الحاضر صدى لأصوات الماضي القريب؟


التطاول التركي

لعل الإجابة على هذه التساؤلات تبدأ من احتفالات تركيا في الشهر المنصرم (الخميس 29 تشرين الأول 1998)، بمرور خمس وسبعين سنة على قيام الدولة التركية العلمانية الحديثة، التي ألحقها مصطفى كمال «أتاتورك»، سياسة وعسكراً واستراتيجية وثقافة بأوروبا والغرب، منفصلاً انفصالاً كلياً عن ماضيها وتراثها وعلاقاتها العثمانية. ولقد أرادها أن تكون دولة غربية قلباً وقالباً. وإذ بعد كل هذه السنوات، يتوقف القلب، وينكسر القالب. الأهم من ذلك، أنه أعلن فصل الدين عن الدولة، واضعاً لها كل الضوابط والضمانات. لذا فإن مبدأ العلمانية التركية، لم يكن من السهل اللعب به من قبل ومن بعد تشكيل الأحزاب والحركات الإسلامية المعاصرة التي دخلت حلبة السياسة التركية خلال السنوات العشر الماضية. 
وظلت العلمانية التركية طوال ثلاثة أرباع القرن، الصراط السياسي المستقيم في تركيا، في حماية المؤسسة العسكرية التي قامت بانقلابين عسكريين كبيرين على الحكومات المدنية المتعاقبة من ورثة أتاتورك، تحت غطاء الحفاظ على هذه العلمانية، عندما كان يشعر العسكر أن هناك انحرافاً سياسياً في اتجاه من اتجاهين. إما معادٍ إيديولوجياً للعلمانية بشكل أو بآخر، أو معادٍ سياسياً للتوجه الغربي والسياسة الأميركية ـ الأوروبية في فترة من الفترات، مما قد يغيّر من تحالفات تركيا وولائها الدائم للغرب. 
في خضم الاحتفالات التركية هذه، قليل من العرب يذكر أن سورية كانت الدولة العربية التي دفعت ثمن قيام دولة أتاتورك الحديثة، عندما ضمت الدولة الجديدة لواء الإسكندرونة سالبة إياه عن الدولة السورية الفتية، بالاشتراك والتآمر مع فرنسا، الدولة المنتدبة على سورية ولبنان في حينه، ونفذه خلفاء أتاتورك بقيادة عصمت إينونو، على مدى سنوات وببراعة نادرة في تلك الظروف. 


مجدداً مَـنْ يعرف قصة «اللواء السليب» اليوم؟

في حمأة الصراع التركي ـ السوري اليوم، والتحالف التركي ـ الإسرائيلي، وتطاول تركيا على الحق العربي السوري، وتصعيد الموقف التركي ضد جارتها الجنوبية، سورية، واستخدام أنقرة كل أنواع التهديدات العسكرية ضد دمشق، التي وصلت إلى حافة «حرب صغيرة» بين البلدين، أعيد فتح ملف الإسكندرونة (أو الإسكندرون، وسنستعمل نحن في هذا المقال الإسكندرونة لأنها أكثر شيوعاً) الذي انطوى منذ أكثر من ستين سنة، ونسيه بكل أسف، كل العرب، والكثير من السوريين. 
ولم تعد الإسكندرونة في الأذهان اليوم، إلاّ لواءً سليباً، سلبه الأتراك وتركوه ذكرى للعرب السوريين. حتى ظن بعض العرب من غير السوريين أن كلمة لواء تعني «الجنرال»، وأن الأتراك سلبوا ذلك الضابط السوري قبل ستة عقود، ولم يعيدوا إليه مسروقاته إلى اليوم. (وكان هناك عدة نكات تتداول في هذا المجال، أيام الوحدة السورية ـ المصرية) ولأن هذا اللواء ظلّ سليباً إلى اليوم، أصبحت كلمة لواء مرتبطة ارتباطاً خاصاً بالإسكندرونة، وهي التي كانت تعني «سنجق» بلغة العثمانيين، أو محافظة بلغة التقسيمات الإدارية المعاصرة. فكلمتا «لواء» و«سليب» أصبحتا مرادفتين لاسم الإسكندرونة. 
ومن المؤسف أن القارىء العربي المعاصر الذي لا يعرف كثيراً عن الإسكندرونة التي عادت تركيا إلى فتح ملفها في نزاعها الأخير مع سورية، ولربما من غير قصد، قد يشحذ ذاكرته العربية الضعيفة مجدداً، بتاريخ ما أهمله تاريخ العرب المعاصر في نصف القرن الأخير على الأقل.



التصنيف العرقي

ولواء الإسكندرونة جغرافياً التي تبلغ مساحته 18 ألف كيلومتر مربع، هو إقليم على البحر الأبيض المتوسط يقع في أقصى شمال غرب سورية، ويشكل منقطة جبلية وعرة، تنتهي عندها السلسلتان الغربية والشرقية. فيه غابات وأودية وسهول خصبة. وفيه مصب نهر العاصي على شاطىء المتوسط. واللواء كان يتبع ولاية حلب في العهد العثماني، ومن ثم ولاية بيروت في بداية عهد الانتداب الفرنسي، وبعدها الدولة السورية بعد توحيد الدويلات الطائفية السورية التي أنشأها الانتداب الفرنسي، كدولة العلويين ودولة الدروز وسواها في سورية، إلى أن فصلته عصبة الأمم إدارياً عن سورية في العام 1937، وجعلته تحت إدارة حاكم فرنسي مرتبط بها. فكان ذلك تمهيداً لسلخه عن سورية نهائياً وإلحاقه بتركيا في العام 1939 . وسكان الإسكندرونة (البالغ عددهم تلك السنة 220 ألف نسمة من العرب و187 ألفاً من الأتراك)، متعددو القوميات. كان فيهم حتى العام 1939، أكثرية عربية وأقلية تركية. إلى جانب مجموعة من الأرمن الذين نزحوا إليها هرباً من اضطهاد العثمانيين الأتراك في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. 
ولواء الإسكندرونة، جرح نازف في الخاصرة السورية منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم، لم يندمل وإن عراه غبار النسيان. وهو ما زال حياً إلى اليوم في ذاكرة المعمرين. وإذا نسيه الجيل الجديد من شبان اليوم، فذلك لا ينفي أنه كان في الثلاثينيات القضية السورية الأولى، فكم من إضراب أُعلِن، وكم من تظاهرة سارت، ومسيرة انطلقت، وهتافات بحّـت الحناجر بها، وشعارات رفعت من أجل الإسكندرونة. 
كانت الإسكندرونة من ضمن الحدود العربية التي أعلنها الشريف حسين ـ شريف مكة وقائد الثورة العربية الكبرى في رسالته الشهيرة إلى هنري ماكماهون ـ المندوب السامي البريطاني في القاهرة في العام 1915، في فترة كانا يخططان فيها للدولة العربية التي كانت ستقوم بعد إنهيار الأمبراطورية العثمانية وانتصار الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى. فردّ ماكماهون على الرسالة قائلاً: أن السكان هناك ليسوا عرباً تماماً. وقضية الإسكندرونة تتلخص بمؤامرة تعرض لها تدريجياً الكيان السوري في عهد الانتداب الفرنسي. إذ بدأ الفرنسيون بتصنيف سكان اللواء على أساس عرقي وإثني سخيف، حتى في مقاييس ذلك الزمان، عندما وزعوا السكان وصنفوهم على الشكل التالي: 
العلويون، ويعود أصلهم إلى الحثيين. المسيحيون الأرثوذكس (وسموهم بالاسم الفرنجي ـ غريك) ويعود أصلهم إلى اليونان. والكاثوليك واللاتين ويعود أصلهم إلى روما. والسريان ويعود أصلهم إلى منطقة ماردين، والأشوريين ويعود أصلهم إلى بلاد ما بين النهرين. والأرمن ويعود أصلهم إلى أرمينيا. أما العرب السُنّة، وفي هذا بيت القصيد، فيعود أصلهم إلى تركيا وليس إلى سورية. وبعد أن صنّف الفرنسيون عرب اللواء هذا التصنيف العرقي والمذهبي، بقي أن يصنفوا الأقلية التركية، فقالوا إنهم «أبناء الوطن الأم تركيا». 
وبدأت تتضح أبعاد المؤامرة في العام 1939، عندما احتجت إيطاليا (لأسبابها الاستعمارية الخاصة بها وهي التي كانت تحتل ليبيا والحبشة) على الموقف الفرنسي، حين رأت أن التنازل عن لواء الإسكندرونة لصالح تركيا، يخالف مخالفة صريحة غايات الانتداب ورغبات السكان، الذي تنص عليه المادة الرابعة من صك الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، والذي منحته عصبة الأمم، والذي يقول:
«إن الدولة المنتدبة تضمن أراضي سورية ولبنان من كل فقدان أو استئجار يقع عليها أو على قسم منها، ومن وضع أية مراقبة أجنبية كانت عليها». 
كما يخالف المادة الأولى من الدستور السوري، الممنوح من فرنسا كدولة منتدبة إلى الدولة السورية، والذي ينص على أن «سورية دولة مستقلة ذات سيادة ولا يجوز التنازل عن شيء من أراضيها». (الترجمة الرسمية العربية) 
وبالتالي أدرك السوريون أن الدولة المنتدبة هي التي تتحمل مسؤولية ألا يتم التنازل عن أي قسم من أراضي سورية ولبنان أو تأجيرها أو وضعها تحت سيطرة قوة أجنبية بأي شكل من الأشكال. فإذا بالذي حصل هو نموذج مثالي لسياسات القوى الكبرى في ذلك العصر، كما مارستها تركيا من جهة، وما تنازلت عنه فرنسا وليس لها حق فيه، وما يشكل انتقاصاً من حقوق بلد آخر ويخالف كل المواثيق الدولية من جهة ثانية. فمأساة الإسكندرونة، أنها ضاعت تدريجياً، في مناخ جرى فيه تخدير السوريين. وقد تابعت صحافة ذلك الزمان، المشهد، عبر محادثات تجري ووفود تسافر وأخرى تعود وبرقيات تطيّر ووعود تقطع وتسويات تطرح وشعارات تُرفع ومعاهدة تُعقد. وكل ذلك لم يحل دون سلب اللواء. فالاتفاقات التركية ـ الفرنسية توالت، والغالبية السكانية العربية شتتتها يد المؤامرة، فغدت أقليات عرقية ومذهبية. والأقلية التركية حولتها يد المؤامرة نفسها، إلى أكثرية قومية جديدة بعطف فرنسا وعصبة الأمم. 
فقد جرى التحول الديموغرافي على الأرض، كما يحصل في دول البلقان ويوغوسلافيا القديمة اليوم، عندما هُـجّرت الأكثرية العربية بلدة بلدة وقرية قرية. والأقلية التركية زادت بنزوح آلاف الأتراك الوافدين من الأناضول بحماية السلطات الفرنسية، حتى غدت أكثرية. فسكن الأتراك بيوت العرب واحتلوا مزارعهم وأراضيهم وإقطاعهم، وصادروا مصانعهم ومتاجرهم، واحتلوا أصغر وظيفة كانت لموظف عربي. ولعل مأساة الإسكندرونة، كانت في التهجير وفي النزوح عن الأرض، كما هي مأساة فلسطين بعدها، مع اختلاف طفيف في التفاصيل.


التنازل التدريجي

لقد كان التنازل الفرنسي عن لواء الإسكندرونة، تنازلاً تدريجياً وبطيئاً. حتى بدا وكأن هذه الأرض تنزلق انزلاقاً من الحضن السوري إلى الحضن التركي. والسوريون غير قادرين على مواجهة هذا الانزلاق، في غياب دعم دولي يحول دون التهجير والنزوح. ومن هنا كان الإجماع على أن ضياع اللواء كان نتيجة مساومات فرنسية لاكتساب تركيا إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. صحيح أن التنازلات الفرنسية سبقت تسليم اللواء بحوالى سنتين (1936)، وسبقت وقوع الحرب. لأن فرنسا رأت أن كسب صداقة تركيا، وتوفير موقع متقدم لها في جمهورية أتاتورك الفتية العلمانية الحديثة، تمتد مساحتها بين قارتي آسيا وأوروبا، وتمتلك مضايق بحرية، وتشرف على البحر الأبيض المتوسط، وعلى بحر إيجة والبحر الأسود، كان سبباً أول. حتى إذا جاءت الحرب، كان كسب تركيا إلى جانب الحلفاء سبباً آخر في التنازلات الفرنسية ونزع الإسكندرونة من سورية. 
ولم يلتفت السوريون إلى هذا الأمر إلاّ متأخرين. فظلوا إلى نهاية العام 1936، مطمئنين إلى الموقف الفرنسي ووعود المندوبين الساميين والموفدين الفرنسيين. فالعام 1936، كان سنة المعاهدة السورية ـ الفرنسية بكل ما حملت من إيجابيات وتفاؤل. وجاءت أحداث 1937، وفي مقدمها وضع اللواء تحت إشراف عصبة الأمم، مخيبة لآمال السوريين وجعلتهم يوقنون أن فرنسا غدرت بسورية وسلّمت لواء الإسكندرونة ثمناً لصفقة مع تركيا. لقد كان واضحاً من المسار التاريخي لقصة الإسكندرونة، أن السوريين راحوا ضحية خديعة فرنسية ودولية، وكأنهم في غفلة عما يبيت لهم. لذلك كان الاهتمام الرسمي والإعلامي السوري بالإسكندرونة ضعيفاً قبل العام 1936، فلم يلق الاهتمام الوطني والسياسي والإعلامي إلاّ في سنيه الثلاث الأخيرة (1936 ـ 1939). وكان هذا مبعث خيبة أمل السوريين في حكومتهم الوطنية الفتية. فأصاب من حكومة الكتلة الوطنية، وهي في بداية عهدها بالحكم، مقتلاً، عانت منه طوال عهدي الانتداب والاستقلال. 


بداية الإنزلاق

بدأ انزلاق لواء الإسكندرونة من الحضن السوري إلى الحضن التركي منذ مطلع العام 1936، والسوريين يعيشون أوهام الصداقة مع تركيا، ويقولون في صحفهم، إن سورية قبل معاهدة 1936، وهي المعاهدة السورية ـ الفرنسية التي تـمَّ التفاوض بشأنها في صيف ذلك العام. «لن تكون أقل صداقة لتركيا من فرنسا (...) وإن السوريين العرب من رفح إلى جبال طوروس، هم أكثر الناس حباً للأتراك القاطنين في لواء الإسكندرونة، وأشدهم عطفاً عليهم، وأعظم إخلاصاً واحتراماً للإدارة الخاصة في اللواء». وأكد السوريون، في محاولة فاشلة لتطمين الأتراك، أن أتراك الإسكندرونة، «هم إخواننا وشركاؤنا في هذا الوطن. نحترم عواطفهم ولغتهم ونقدر شعورهم وعاداتهم(*). 
لكن السوريين ظلوا يتساءلون: لماذا يسيء أتراك الإسكندرونة الظن بنا بعد أن أبدينا كل هذه النوايا الحسنة، ويقفون موقفاً معادياً من نهضتنا الوطنية. وما هي العوامل التي تجعلهم يثقون بالأجنبي المحتل أكثر من ثقتهم بالسوري المستقل؟ وكانت تركيا الكمالية بالنسبة للوطنيين السوريين، مثلاً يحتذى لجميع الشعوب الشرقية في الوطنية والتضحية في سبيل الحرية والاستقلال. وكانت تركيا الدولة التي تأسست بعد معاهدة الصلح بين الحلفاء والدولة العثمانية في العام 1920، قد تنازلت عن الإسكندرونة وإنطاكية. لكن أتاتورك رفض في العام 1921 ما سُمي بمعاهدة «سيفر»، وأعلن ميثاق المجلس الوطني الكبير، الذي طالب بموجبه إعادة تكوين تركيا من جميع أجزاء الأمبراطورية العثمانية التي تقطن فيها غالبية تركية. ولم يستطع تحقيق ذلك في اليونان ودول البلقان، فحققه في الإسكندرونة وإنطاكية. وجاءت معاهدة العام 1936 بين فرنسا وسورية، فهيأت مجدداً للأتراك فرصة للمطالبة بتعديل وضع لواء الإسكندرونة، بحجة أن هذه المعاهدة قد منحت سورية استقلالاً، يلزم فرنسا أن تعيد النظر في وضع اللواء، بمنح سكانه الأتراك، الاستقلال أيضاً.





معاهدات الإلحاق

وكان قد سبق معاهدة 1936، الفرنسية ـ السورية، عدة معاهدات دولية، تبدأ بصك الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، عملاً بقرار مجلس الحلفاء الأعلى الصادر في سان ريمو في 21 نيسان 1921 . وقد أقرّ مجلس عصبة الأمم عند اجتماعه في لندن في 24 تموز 1922، هذا الانتداب. في أواخر العام نفسه، عقد مؤتمر دولي في لوزان ضم الدول الغربية الحليفة بالإضافة إلى اليونان وتركيا. والذي انتهى بتوقيع معاهدة لوزان في تموز 1923، التي كرّست انتصار تركيا في حربها مع اليونان، وإلغاء معاهدة «سيفر» التي اعتبرت مجحفة بحق تركيا وفرضت عليها من قبل الحلفاء. واسترجعت تركيا بعدها صلاحياتها وامتيازاتها التي كانت لها قبل الحرب العالمية الأولى. أما معاهدة «سيفر» فكان قد أعطى الحلفاء بموجبها حق قيام دولة كردية ودولة أرمنية. كذلك جاءت معها معاهدة أنقرة في العام 1921، وهي اتفاقية تفاهم بين فرنسا وتركيا، تضمنت اعتراف كل من الحكومتين الفرنسية والتركية بحق أهالي لواء الإسكندرونة في اختيار الحكومة التي تقوم بـإدارة شؤون اللواء. ولم يرد في هذه المعاهدة أي اعتراض على هوية اللواء العربية السورية، أو إشارة إلى ضمه مستقبلاً إلى تركيا. ومن هنا كانت بداية الخديعة الفرنسية ـ التركية بفصل الإسكندرونة عن الوطن السوري الأم. 
ظل موقف الدولة السورية حتى نهاية العام 1936، وهي الدولة الوطنية الفتية الناشئة التي لا حليف لها، موقف العتاب من تركيا ومن الدول الأوروبية، وخاصة بعد توقيع المعاهدة الفرنسية ـ السورية في باريس ذلك العام. فمشكلة الإسكندرونة واجهت السوريين بعد المعاهدة مباشرة، وفي اليوم الذي يريدون أن ينصرفوا فيه إلى تسلم أعباء بلادهم لينهضوا بالوطن الصغير إلى مستوى الأوطان المستقلة، فوجدوا أن تركيا تقف في طريقهم وتطالب باقتطاع جزء من وطنهم، بدلاً من أن تكون تركيا ـ كما كانوا يطمحون ـ عوناً لهم في عهدهم الجديد. ولم يجدِ، بالطبع، هذا العتاب شيئاً، حيث كان السوريون ينظرون إلى تركيا كدولة أكثر قوة ومناعة مما كانت عليه في عهد الأمبراطورية العثمانية، بل كزعيمة للشرق الأدنى، في مناعتها وقوتها واستقلالها. 
وكان عتب السوريين، في إطار «عظمة» تركيا في رأيهم، أن سلخ الإسكندرونة عن سورية، الدولة الصغيرة، يضعفها، ولكنه لا يزيد من قوة تركيا، لأن بضعة آلاف تركي بين عشرات الالآف العرب، لا تؤلف شيئاً من القوة بالنسبة إلى تركيا، لكنه يفقدها صداقة العرب، الذين يعطفون على تركيا ويتمنون لها الخير. وكان في هذا شيء من السذاجة السياسية. 
وكان السوريون يقارنون أوضاعهم بأوضاع تركيا في العهد العثماني، عندما حاولت الدول الأوروبية إضعافها. لذلك قارن رجال الحكم الوطني في سورية، حالهم بحال الاتحاديين، من رجال حزب «الاتحاد والترقي» الذين تولوا الحكم في نهاية الدولة العثمانية، بموقف أوروبا في حينه منهم بموقف تركيا من سورية في تلك الأيام. وكان المشهد السياسي في مطلع القرن مشابهاً. فسورية والكتلة الوطنية في العام 1936، كتركيا والاتحاديين في العام 1908، يوم تسلموا أعباء الدولة. فقد قامت في وجه حكومة الاتحاديين مشاكل وأطماع عديدة كلها هدفت إلى قضم أجزاء من السلطنة. فمثلاً أعلنت بلغاريا انفصالها عن أسطنبول كملكية مستقلة. وضمت النمسا إليها البوسنة والهرسك، واستعادت اليونان جزيرة كريت. واحتلت إيطاليا طرابلس الغرب. واستولت كل دولة في أوروبا على ما كانت تطمح فيه من أجزاء الأمبراطورية العثمانية. وهكذا أمضى الاتحاديون أيام حكمهم يحاولون ردع الأوروبيين عن سلب ملكهم وتقطيع أوصال دولتهم. كذلك قضت الحكومة الوطنية في سورية أيامها الأولى تحاول منع سلخ لواء الإسكندرونة عن بلدها، بدل الالتفات إلى مشاكلها الداخلية، حتى أصبحت الأعباء الخارجية بسبب الإسكندرونة أكثر بكثير من مشاكل الاستقلال الداخلي، واختلطت المشاكل مع فرنسا بهذه القضية تحديداً. لذلك كانت سورية تأمل أن لا تقف تركيا منها في مهد حريتها الموقف الذي وقفته أوروبا منها بعد إعلان حريتها هي.



التصدي العاجز

أمام هذا الموقف السوري الليّن والضعيف، العاجز عن التصدي لمشاريع سلب اللواء، تأسست اللجنة الوطنية السورية وبادر سكان اللواء إلى التحرك، فأصدر زكي الأرسوزي جريدة «العروبة» في العام 1937 للتصدي للدعاية التركية، وأسس «عصبة العمل القومي» مع غيره من المناضلين القوميين. والأرسوزي (1900 ـ 1968) مفكر قومي عربي ولد في اللاذقية ونشأ في إنطاكية والإسكندرونة. تعلم في مدارس إنطاكية ثم في بيروت ودرس الفلسفة في جامعة السوربون في باريس ومارس التعليم في مدارس اللواء. ورحل الأرسوزي عن الإسكندرونة في العام 1938، وراح يعلّم في مدارس حلب ودير الزور وينشط في «عصبة العمل القومي»، ويبشر بفكرة «البعث العربي»، دون أن ينخرط في تنظيم حزبي، وله عدة كتب أهمها «العبقرية العربية في لسانها». و«بعث الأمة العربية ورسالتها إلى العالم». ولعب الأرسوزي، مع غيره من اللوائيين العرب، دوراً أساسياً في التعريف والدفاع عن الإسكندرونة، وإبقائها حيّة في أذهان الجيل العربي في تلك الفترة. ومن المؤسف ـ حسب علمي ـ أن ليس هناك كتاب عربي موثق حتى الآن عن موضوع الإسكندرونة يحفظ للأجيال العربية الجديدة تاريخها، ويشحذ ذاكرتها، وخاصة على ضوء الوثائق التاريخية التي أفرج عنها بعد مضي أكثر من خمسين عاماً. إذ لا أذكر عنها سوى كتاب صغير أصدره الدكتور مجيد خدوري في العام 1953 في دمشق وأهداه إلى الدكتور قسطنطين زريق. 
وهكذا انزلقت الأمور حتى احتلت تركيا اللواء في العام 1938، بعد موت أتاتورك وتولّي رفيقه عصمت إينونو الحكم. وأجريت انتخابات في اللواء تحت رعاية دولية قامت فرنسا وتركيا بتزويرها، نجح الأتراك فيها بغالبية في المجلس التشريعي للواء. تبع ذلك توقيع فرنسا وتركيا لاتفاق في 23 حزيران 1939، أُدخل بموجبه لواء الإسكندرونة في الأراضي التركية، طموحاً من فرنسا بوقوف تركيا معها في الحرب العالمية الثانية. واستبدلت تركيا اسم لواء الإسكندرونة، باسم «هاتاي»، وهو اسم ينسب إلى الحثيين. وأصبح اللواء منذ ذلك الحين يعرف رسمياً في تركيا باسم «هاتاي». وبقيت أسماء مدينة الإسكندرونة ومدينة إنطاكية وبعض المدن والقرى الأخرى على حالها. 


الرجل التركي المريض

وانطوت قضية الإسكندرونة، ذلك اللواء السليب منذ ذلك التاريخ، وقد أعاد فتحها الأتراك اليوم، في ذكرى اليوبيل الماسي للجمهورية التركية. فتركيا حائرة اليوم بين هوية شعبها المسلم وبين هوية الدولة العلمانية، دون أن تستطيع التوفيق بين الهويتين. لأن الساسة الأتراك الذين تعاقبوا على الحكم خلال 75 سنة، حوّلوا العلمانية، بمواصفات أتاتورك، إلى إيديولوجيا، تعدت على كل الحريات العامة، وخاصة الحريات الدينية، حتى امتدت إلى السياسة الخارجية. فلم تستطع دولة مصطفى كمال العلمانية، الخلاص من الإرث العثماني التاريخي. فما زالت الأقاليم التي كانت مدار نزاع بين الدولة التركية الحديثة والحلفاء الذين توزعوا أراضي الأمبراطورية كمناطق نفوذ لهم، منذ وفاة أتاتورك في العام 1938، كالموصل والإسكندرونة تحديداً، إلى جانب قضية الأكراد، ما زالت موضع نزاع وبؤرة انفجار. 
كذلك العلاقات التركية المتوترة التي كانت بين تركيا الكمالية في الثلاثينيات، مع كل من العراق وسورية وإيران، ما زالت إلى اليوم متوترة بطريقة أو بأخرى. فقضايا المياه وقضايا الأقليات الطائفية والقومية، وقضايا الهوية الدينية والمذهبية، ما زالت تشكل خطراً داخلياً على النظام التركي الحالي، لارتباطها بنزاع خارجي موروث من أيام الكمالية الأولى. ولعل أجراس هذا الخطر قد بدأت تقرع منذ حرب الخليج الثانية (عاصفة الصحراء) في العام 1992، وتفاقمت في السنوات الثماني الأخيرة، لضياع هوية الانتماء التركي، كدولة وكشعب.
فتركيا الكمالية بعد ثلاثة أرباع القرن على نشوئها، قد أضاعت البوصلة التي تركها لها الإرث العثماني، فلا هي اليوم دولة مشرقية، ولا إسلامية، ولا تعرف بالتالي كيف تتعامل مع جيرانها العرب والإيرانيين. لقد استغنت عن الكحل المشرقي بالعمى الإسرائيلي، وهي تقرع بذلّ أبواب الاتحاد الأوروبي، الموصد بوجهها منذ ثلاثين سنة ونيف، تتوسل وتتسول أن يفتح لها. ولم تصبح تركيا جزءاً من أوروبا كما أراد لها مصطفى كمال، ولم تعد جزءاً من المشرق الشرق أوسطي، كما تركها العثمانيون. فلم تكسب الدين، وأضاعت الدنيا. 
من هنا قد نفهم لماذا سلب اللواء، وضاعت الإسكندرونة، في أيام الدولة التركية الحديثة التي ورثت تركة «الرجال العثماني المريض»، وظـلّت إلى اليوم مريضة بالمرض ذاته. فلا هي شفيَت منه، ولا هي منعت انتشار عدواه. 
لذا لا أحد يعرف اليوم، أمام الأوضاع الداخلية الصعبة والمعقدة، والخذلان الخارجي نتيجة لتخبط هذه الأوضاع لعقود طويلة من الزمن، ما هي خيارات تركيا المستقبلية؟ 
ولعل العرب، والسوريين تحديداً منهم، بعد أن قطعوا مع تركيا مسيرة القرن العشرين كلها، قد توصلوا إلى قناعة بما قاله المدائني في «البيان والتبيين» للجاحظ: «إذا انقطع رجاؤك من صديقك، فإلحقه بعدوك»!. 
(*) راجع كتاب «الإسكندرونة ـ اللواء الضائع (1936 ـ 1947) وهو الجزء السادس من مجموعة الأعمال الكاملة لنجيب الريّس، الصادرة في عشرة مؤلفات عن «شركة رياض الريّس للكتب والنشر» ـ بيروت 1994.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
كيف ولماذا ضاعت الإسكندرونة ؟ 
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كيف ضاعت فلسطين ولماذا لم تنتصر إسرائيل؟
» فئران القضية
» هل ضاعت حقوق المتقاعد المبكر بين حانا ومانا؟!
» صالح الشرع في ”مذكرات جندي” هكذا ضاعت فلسطين
»  كيف صمدت غزة ولماذا؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: عبر التاريخ-
انتقل الى: