أزواج آخر أولوياتهم الزوجة والأبناء
تُظهر أم خالد الكثير من الاستياء لغياب زوجها غير المبرر عن مشاركتها في المناسبات الإجتماعية أو في الجلسات العائلية، فهو على حد تعبيرها رجل اجتماعي بشكل واضح مع الآخرين، إلا أنه في ذات الوقت لا يعطي العائلة وقتها من المشاركة وحتى في تربية الأبناء.
هذه الحالة التي تمر بها أم خالد منذ عدة سنوات، تجعل منها سيدة متوترة، مثقلة بالأعباء النفسية والمنزلية والعائلية، لذلك تحاول جاهدة أن توازن بين البيت ووظيفتها التواجد مع الاطفال لتغطية غياب الأب.
ولا تعتبر أم خالد النموذج الوحيد في المجتمع التي تمر بمثل هذه الحالة العائلية التي قد تسبب الإرباك للأسرة بأكملها، ما يجعل الزوجة في مواجهة فردية مع مستجدات الحياة الأسرية، فضلا عن تأثير ذلك على حياة الأبناء التي قد تتأثر سلباً بغياب الأب “وجدانياً أو معنوياً عنهم”، كما تؤكد الدراسات العلمية في هذا المجال.
وهنا، فإن الدراسات القليلة التي تناولت موضوع غياب الأب اجتماعياً عن الأسرة أثبتت أن للأب دورا كبيرا في الضبط الاجتماعي فهو رمز للسلطة والقوة ويتعلم الأبناء الكثير وتنضج خبرتهم ويتعرفون على الحياة.
كما أثبتت دراسات مستقلة أن “غياب الأب يؤثر على الأبناء من الناحية الجسمانية والنفسية والاجتماعية فيبدو الطفل أقلَّ نشاطاً ويكون أكثر عدوانية حينما يلعب مع أصدقائه ويتلفظ بألفاظ عنيفة كما يؤثر غياب الأب في الضبط الاجتماعي داخل الأسرة والذي من شأنه أن يؤدي إلى فوضى سريعة في الأسرة وعندئذ يفشل الأفراد في الاتفاق مع المجتمع”.
وتعيش نجوى وهي ربة منزل وأم لخمسة ابناء نفس حالة أم خالد اذ أن زوجها “متغيب عن دوره الأبوي في الأسرة”، وتقول “جلّ وقته هو لحياته في العمل وعلاقته مع زملاء العمل أو الأصدقاء خارج إطار الأسرة، لذلك لا يجد وقتاً للعائلة، سواء للخروج في التنزه أو حتى في مرافقة العائلة في الزيارات”.
كما تبين نجوى أن زوجها لا يشاركها في الكثيرمن تفاصيل حياتهم اليومية، مثل المشاركة في تدريس الأبناء على سبيل المثال، او حتى زيارة مدرستهم للاستفسار عن وضعهم الدراسي، كما انه كثير التغيب عن البيت بحجة الزيارات الرسمية في عمله أو الواجبات الإجتماعية مع الأصدقاء.
ولا تخفي نجوى تذمرها وإنزعاجها من “الوضع الأسري العائلي غير الواقعي”، على حد تعبيرها، ومدى تأثير ذلك على حياتها وتفكيرها وطاقتها السلبية تجاه الاخرين، وهذا ما تؤكدة كذلك دراسة اجتماعية أخرى.
إذ بينت الدراسة أن “غياب الأب لا يؤثر فقط على الأبناء بل يؤثر أيضاً على الأم التي تفقد شريك حياتها وتقوم بدور مزدوج مما يضغط على سلوكها ويؤثر على تنشئتها لأطفالها ولا تستطيع الأم أبداً تعويض دور الأب القيادي التربوي”.
وعن دور الأب في حياة الأسرة بشكل عام والأمور المترتبة على غيابه في المنزل بأي حجةٍ أو سبب كان، تبين الاختصاصية الأسرية والتربوية ربى خلف أن التركيز العملي والبحثي دائماً ما يؤثر على علاقة الأم بأبنائها ورعايتها لهم، ولهذا السبب اعتاد المجتمع والأب على أن الأم هي المسؤولة الرئيسية عن تربية الأبناء، إلا أن الأب أينما كان يجب أن يبرز دور الأم في حياة العائلة وهو المسؤول عن تعليم أطفاله المفاهيم والقيم الأخلاقية وإكسابهم العادات والسلوكيات السليمة.
وتبين خلف أن وقوف الزوج بجانب زوجته وعائلته بشكل عام في مختلف المواقف وتفاصيل الحياة، يساهم في تكوين محفز نفسي للزوجة وأخلاقي للأطفال، ويحثهم ذلك على أن يكونوا أشخاصاً محافظين على علاقتهم الاجتماعية في حياتهم، وعلى الزوج أن يقدر الزوجة ويقف بجانبها وأن يعبر لها عن ذلك بأشكال مختلفة بحسب قدرتهم، للحفاظ على مفهوم الترابط العائلي.
اختصاصية علم النفس والاستشارية الأسرية الدكتورة خولة السعايدة، تقول ليس جميع الأزواج يمكن أن يكونوا بهذا الشكل الذي تصفه بعض الزوجات، إلا أن هناك أزواجا قد تجبرهم ظروف حياتهم وعملهم على الابتعاد عن أسرهم لفترات طويلة خلال اليوم، لذلك على الزوجة أن تتفهم الوضع وتفرق بين الابتعاد المتعمد او بسبب ظرف اجباري.
وتعتقد السعايدة أن التجديد في حياة الإنسان وخاصة الزوجين من شأنها أن تغير العلاقة الزوجية وتبعث فيها الروح من جديد، ويمكن أن يكون الزوجان قادرين على تفهم شخصيتهما وظروف ابتعادهم عن بعضهما أو التنافر الذي يمكن أن يحدث فيما بينهما، وإحداث حالة من التوافق بينهما والرضى وتجاوز أي أمور قد تؤثر على حياتهما فيما بعد.