منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الصهيونية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: الصهيونية   الصهيونية Emptyالخميس 24 مارس 2016, 10:10 pm

الصهيونية



الصهيونية BOlevel12866   المقدمة
الصهيونية BOlevel12867   الفصل الأول: الخلفيات التاريخية وجذور الصهيونية
الصهيونية BOlevel21885   المبحث الأول: الخلفية التاريخية والدينية للجماعات اليهودية
الصهيونية BOlevel21886   المبحث الثانى: جذور الصهيونية وبعث القومية اليهودية
الصهيونية BOlevel16385   الفصل الثاني: هيرتزل والدعوة الصهيونية
الصهيونية BOlevel21887   المبحث الثالث: أشكال ومفاهيم الصهيونية العالمية
الصهيونية BOlevel21888   المبحث الرابع: هيرتزل والدعوة للصهيونية
الصهيونية BOlevel16386   الفصل الثالث: الصهيونية العالمية وإقامة دولة إسرائيل
الصهيونية BOlevel21889   المبحث الخامس: المرحلة الأولى والثانية من إقامة دولة إسرائيل
الصهيونية BOlevel21890   المبحث السادس: المرحلة الثالثة والرابعة من إقامة دولة إسرائيل
الصهيونية BOlevel16387   الفصل الرابع: مسيرة الصهيونية وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948
الصهيونية BOlevel21891   المبحث السابع: مسيرة الصهيونية في خمسين عاماً 1897 ـ 1947
الصهيونية BOlevel21892   المبحث الثامن: إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 وتوسعاتها المتتالية والمنتظرة
الصهيونية BOlevel16388   الفصل الخامس: الصراع المسلح وعلم النكبات العربية
الصهيونية BOlevel21893   المبحث التاسع: الصراع المسلح كطريقة حياة لإسرائيل
الصهيونية BOlevel21894   المبحث العاشر: علم النكبات العربية، دروس وعبر
الصهيونية BOlevel12865   الملاحق
الصهيونية BOlevel11818   المصطلحات
الصهيونية BOlevel11817   ثبت الأعلام
الصهيونية BOlevel11816   ثبت الأماكن
الصهيونية BOlevel11815   الجداول
الصهيونية BOlevel11814   الصور
الصهيونية BOlevel11813   الأشكال
الصهيونية BOlevel11812   الخرائط
الصهيونية BOlevel11811   المصادر والمراجع



المقدمة
إن الدين اليهودي هو أساس العقيدة اليهودية، والتي نبعت منه وارتبطت به، وهو الذي وضع أساسه الآباء الأوائل وكتابهم السماوي المقدس التوراة، التي كتبها ودونها عزرا وفريقه من الكتبة والمدونين بعد وفاة موسى u، فيما يسمى بأسفار العهد القديم، ووضعوا فيها كل ما يحتاجون إليه مستقبلاً من أوامر ونواهي الرب، سواء كانت في شريعة موسى u أو إضافة من عندهم، متأثرين بأحداث الشتات الأول لهم حتى يقيموا دولتهم مرة أخرى.
جاء الحاخامات من بعدهم بالإضافات والشروح الكثيرة لأسفار العهد القديم فيما عرف بالتلمود بعد شتاتهم الثاني، فتركزت أفكارهم على أن الإله لهم وحدهم وخاص بهم دون العالم أو الآخرين (الأغيار)، واختصهم بالشعب المختار ومنحهم أرض كنعان (فلسطين) لهم وحدهم ولنسلهم من بعدهم، وتم التكرار والتركيز على هذا الوعد ابتداء من إبراهيم u حتى يوشع بن نون، وأيضاً للشعب نفسه وأضافوا الحروب والمعارك وأسلوب إدارتها في تلك الأسفار ليكون منهجاً وطريقاً، سواء ذلك كان حقيقياً أو خيالياً لتحقيق إقامة دولتهم المزعومة على الأرض المغتصبة (فلسطين)، وترسيخ تلك العقيدة النابعة من الدين اليهودي مصدرها الأساسي، ولحفظ ذلك الشعب اليهودي من الاندثار والضياع عبر القرون الطويلة وببعث فكرة الخلاص والعودة إلى أرض الآباء.
عملت الحركة الصهيونية على وتطوير العقيدة الدينية اليهودية تحويلها إلى نظرية سياسة تطالب بالحق التاريخي، وهو حق العودة إلى فلسطين، مستندة على الوعد الإلهي. وبهذا كان الدين اليهودي هو الأساس الذي ارتكزت عليه النظرية السياسية الصهيونية، والذي اتخذه دعاتها حجة للمناداة بالقومية اليهودية، وسنداً للمطالبة بتحقيق الوعد الإلهي وطبقاً لملكية أرض فلسطين وحق العودة إليها، لبناء الدولة اليهودية الحديثة وإقامة هيكل سليمان للمرة الثالثة في أورشاليم (القدس).
الصهيونية (Zionism) مشتقة من كلمة صهيون، اسم جبل في مدينة القدس. وأصبحت الكلمتان، الصهيونية وصهيون، مترادفتين، تشيران، عند اليهود، إلى "أرض إسرائيل". وفي الاصطلاح، فإن الصهيونية هي الدعوة إلى استرداد اليهود لما يعدونه وطن آبائهم وأجدادهم. وجمع شتات اليهود للعودة إليه، والعيش فيه، وتطويره، وبناء مجتمع وثقافة ودولة.
والصهيونية بهذا المعنى، هي المرادف العملي للقومية اليهودية. وشأن كل الدعوات القومية، التي ظهرت في أوروبا، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والدعوات القومية، التي ظهرت خارج أوروبا، في القرنين التاسع عشر والعشرين؛ فإن الصهيونية تعتمد على قراءة انتقائية خاصة لتاريخ اليهود، ولتاريخ (الوطن)، الذي تدعوهم إلى التجمع فيه، وهو فلسطين، والذي تطلق عليه "أرض إسرائيل" Ertz Isreal. وبهذه الانتقائية فإن الصهيونية تقدم قراءاتها الخاصة "للآخر" غير اليهودي، سواء كان تاريخياً أو معاصراً، سواء كان عربياً أو غير عربي، مسلماً أو مسيحياً.
ظهرت الصهيونية في أوروبا، في النصف الثاني من القرن التاسع، على أيدي مفكرين ونشطاء سياسيين يهود، كرد فعل للاضطهادات والملاحقات المستمرة، التي تعرض لها اليهود في أوروبا الشرقية من ناحية، والإنعتاق، أو التحرير من المعازل السكنية (الجيتو)، في أوروبا الغربي، من ناحية ثانية. وقد وجدت الصهيونية أبلغ تعبيراتها الأيدلوجية على يد الصحفي اليهودي النمساوي، تيودور هيرتزل Toudor Herzel، الذي نشر كتابه الأشهر "الدولة اليهودية" Juden State عام 1896، والذي أعقبه، في العام التالي، بالدعوة إلى أول مؤتمر صهيوني عالمي، في مدينة "بازل" Basil السويسرية، الذي تأسست من خلاله، "المنظمة الصهيونية"، عام 1897. وهكذا انطلقت الدعوة لتحقيق القومية اليهودية، فكراً وممارسة وحققت، خلال المائة عام الأولى من تاريخها، معظم ما دعت إليه، وربما بأكثر، وأسرع، مما كانت الحركة الصهيونية نفسها تتوقع.
تتعقب الصفحات التالية، الجذور التاريخية للدعوة الصهيونية، ومفكريها، الذين مهدوا لها، في بدايات القرن التاسع عشر، والظروف والعوامل، التي ساعدت على:
1. بلورة الدعوة الصهيونية، وانتشارها، ونجاحها في أوروبا.
2. اختراقها، وتوطينها، واستيلائها على فلسطين.
3. امتداد الحركة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ونمو نفوذها فيها. وقد تزامن ذلك مع إعلان ولادة الدولة اليهودية، التي سميت بإسرائيل.
من المفارقات التاريخية أن الصهيونية، كدعوة قومية يهودية، تزامنت بدورها، مع دعوة "القومية العربية". ولأنهما تنازعا "الوطن" نفسه، فلسطين عربياً، و"ايرتز إسرائيل" يهودياً، فقد كان ما كان من صراع بينهما، انتصرت، في معظم جولاته، القومية اليهودية "المصطنعة" على القومية العربية "الأصيلة". ووقف الشمال والغرب، عموماً، مع القومية المصطنعة؛ ووقف الشرق والجنوب عموماً، مع القومية الأصيلة. وكانت بعض جولات هذا الصراع الطويل مسلحاً ودموياً، وبعضها الآخر سياسياً وسلمياً. وبعد مائه عام من بداية كل من القوميتين العربية واليهودية، فإن الصراع ما يزال دائراً، بطرق مختلفة وعلى مستويات متباينة.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 6:18 am

الفصل الأول

الخلفيات التاريخية للصهيونية وجذور الصهيونية

 

المبحث الأول: الخلفية التاريخية والدينية للجماعات اليهودية



المبحث الأول

الخلفية التاريخية والدينية للجماعات اليهودية

تعتمد الصهيونية، بوصفها دعوة قومية، على تأويل التاريخ، فيما له صلة بالأرض والشعب، لتأصيل ما تعده "شرعية" تاريخية، يترتب عليها حقوق معنوية ودينية وقانونية، حيث عملت الصهيونية العالمية على فرض إثبات أن التاريخ الإنساني اليهودي هو نفسه التاريخ الديني لهم, وأن أسفار العهد القديم هي تاريخهم الديني والإنساني. وسيلجأ البحث إلى مصادر يهودية إسرائيلية، لاستجلاء عملية التأويل والانتقاء هذه؛ لأنها المعول الأساسي، الذي اعتمدت عليه الحركة الصهيونية، في تعبئة أتباعها، وحشد مواردهم، وفي إستراتيجيتها الدعائية مع اليهود، وغير اليهود. كما سيستخدم البحث، كذلك لغة وكلمات الخطاب، الذي استخدمته، ولا تزال تستخدمه الصهيونية، وإسرائيل. وذلك من أجل بيان الكيفية، التي فهم بها اليهود الصهاينة أنفسهم وتاريخهم، وكيف لقنوه لأبنائهم، وكيف قدموه للعالم.

أولاً: الجماعات اليهودية في العهد القديم (2000 ـ 538 ق.م)

تبدأ مقولات الدعوة الصهيونية بأن "أرض إسرائيل" هي مهد الشعب اليهودي. ففيها لعب الشعب اليهودي دوراً بارزاً، في تاريخه الطويل، وتم تدوين الألف الأول، من هذا التاريخ، في الكتاب المقدس، (التوراة، أو "العهد القديم") Old Testament كما يقول المسيحيون، أو (تناخ) كما يقول اليهود. وخلال تلك الألف تشكلت حضارته، وديانته، وهويته "القومية". وخلالها، كذلك، أقام كيانه، الذي لم ينفصم عنه روحياً، خلال مئات السنين، حتى عندما اضطرت أغلبيته إلى "الجلاء" عنه. فيما عرف "بالشتات" Diaspora، أو التشتت، في كل أنحاء العالم، فطبقاً للرواية الصهيونية، " لم ينس الشعب اليهودي ولم يقطع صلاته، خلال سنوات الشتات الطويلة، رابطته الوثيقة بأرضه".

1. عصر الآباء الأوائل

إن تاريخ الشعب اليهودي، وطبقاً لأسفار العهد القديم، يبدأ، قبل أربعة آلاف سنة، (أي حوالي 2000 ق.م) مع ميلاد إبراهيم الخليل، وولده إسحاق، وحفيده يعقوب ـ عليهم السلام. وفي القرون الأولى، لهذا التاريخ، غلبت الحياة البدوية الترحالية على الشعب اليهودي، كما ورد وصفها في "سفر التكوين"، من الكتاب المقدس. الذي يشير إلى كيفية دعوة إبراهيم u، ليكون المؤسس لشعب جديد، في أرض جديدة؛ وكيف حمل إبراهيم u مشعل العقيدة الجديدة. ويُلاحظ هنا أن الرواية التاريخية تتجاهل ابنه "إسماعيل" u تماماً، بالإضافة إلى أبنائه من السيدة قاطورة الكنعانية (اُنظر شكل أبناء ونسل إبراهيم عليه السلام).

وعندما حل القحط في أنحاء البلاد، ارتحل يعقوب (أي إسرائيل) u، وأبناؤه الاثنا عشر (الأسباط) وعائلاتهم، إلى أرض مصر، أو كما تسميها الرواية اليهودية "أرض جوشن"، كما جاء بأسفار العهد القديم حيث إقامة أخيهم يوسف u ومكانته العالية في مصر، واستقروا في شرق دلتا النيل. ولكن حكام مصر الفراعنة، قهروهم، واستعبدوهم، واضطروهم إلى القيام بأعمال شاقة، لتعاونهم مع الهكسوس أثناء غزوهم لمصر.

تقول الرواية التوراتية، في سفر الخروج، إنه بعد 400 سنة من العبودية في مصر، (أي بين القرنين الثالث عشر، والثاني عشر ق.م)، بعث الله، في بني إسرائيل، نبياً هو موسى عليه السلام، الذي اختاره الله لإنقاذ الشعب الإسرائيلي من العبودية. والعودة به إلى "أرض إسرائيل" (ايرتز إسرائيل)، "التي وعد الله بها آباءه". وخلال رحلة العودة، تاهوا في الأرض، وهاموا على وجوههم، تجوالاً وترحالاً أربعين سنة، هي سنوات التيه، في صحراء سيناء. وفي أثنائها، نزلت على النبي موسى، عليه السلام، كلمات الله "التوراة"، بما فيها "الوصايا العشر"، أو شريعة موسى، التي أصبحت دستوراً لبني إسرائيل، وكونت قيمهم وصاغتها.

يمثل خروج بني إسرائيل، من مصر، واحداً من أهم الأحداث، وأعمق الذكريات الجماعية، في تاريخهم. وهم يحتفلون به، سنوياً، كرمز للحرية والخلاص من العبودية. ويسمون المناسبة عيد "الفصح". ويحتفلون بعيد ثان هو عيد " الأسابيع" (شفوعوت)، وهو ذكرى نزول الوحي على النبي موسى، في سيناء، بالشريعة اليهودية. ويحتفلون بعيد ثالث، يستعيد مجمل ذكريات سنوات الخروج، من مصر، والتيه في سيناء، يسمونه "العرائش" (سوكون).

وخلال القرنين التاليين، بعد خروجهم من مصر، ودخولهم "أرض إسرائيل"، كانوا قد نسوا حياة البداوة والترحال، وأصبحوا مزارعين يحرثون الأرض، وحرفيين يصنعون، ويبيعون ويشترون، وهو ما كانوا قد تعلَّموه في مصر. وعلى الرغم من أن القرنين التاليين للخروج من مصر، كانا سنوات سلام نسبي، إلاّ أنه حدثت فترات صراع قصيرة، بين الحين والآخر، خاضها الشعب تحت راية زعماء، عُرفوا في التاريخ اليهودي، باسم "القضاة"، الذين بلغوا مراكزهم تلك، بفضل حكمتهم، ومهاراتهم السياسية والحربية، إلى جانب قدرتهم على إشاعة الثقة، بين أبناء الشعب. وقد تولوا القيادة، في أوقات الضرورة فقط، لدحر العدو "كما يقول أحد المصادر الرسمية الإسرائيلية.

2. عصر الملوك

وتُعد الفترة، من 1020 إلى 930 ق. م، هي العهد الذهبي، في تاريخ بني إسرائيل القديم، الذي يطلقون عليه "عهد الملوك"، والذي بدأ بالملك شاؤول، المعروف عند المسلمين باسم طالوت، والذي ورد ذكره في القرآن الكريم[1]. والذي وحد العشائر والقبائل، وأشاع بينها حداً أدنى من النظام والاستقرار، إلى أن جاء الملك داود u (1004 ـ 965 ق.م)؛ فأسس مملكة إسرائيل كقوة عظمى في المنطقة، بعد تجريده لحملات عسكرية ناجحة، انتهت بدحر "الفلشتين"، التي تقول المصادر اليهودية إنهم جاءوا، من آسيا الصغرى، وحصلوا على موطأ قدم على الساحل. وأغلب الظن أنهم الذين أعطوا البلاد اسمها الآخر "فلسطين". عقد الملك داود النبي u، كذلك، سلسلة من معاهدات الصداقة والتجارة، مع الممالك المجاورة، التي اعترفت بحكمه وسلطته، من "الحدود المصرية والبحر الأحمر وحتى ضفاف الفرات". وتعزو المصادر اليهودية إلى الملك داود النبي u، تأسيس عاصمة جديدة للبلاد أسماها "يروشاليم" (أي بيت المقدس)، وتوحيد قبائل الأسباط الإثني عشر، في مملكة واحدة. وتضفي التقاليد التوراتية على الملك داود u، ميزات وسجايا عديدة، بما فيها الشجاعة المنقطعة النظير، والذكاء الحاد، والموهبة الشعرية، والتراتيل الرقيقة، والتي تجلت فيما عُرف باسم "مزامير داود".

تولى سليمان u، الملك بعد أبيه، وحكم مدة طويلة (965 – 930 ق. م)، ووجه معظم طاقاته لتقوية ودعم المملكة. وعقد معاهدات عديدة، مع ملوك الدول المجاورة، ثم دعمها سياسياً بالمصاهرة، الأمر الذي وفَّر الهدوء والسلام داخل المملكة، وجعلها إحدى القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة. وأقام بلاطاً ملكياً فخماً، وشيد هيكلاً، عُرف منذ ذلك الوقت باسم "هيكل سليمان" في يروشاليم ـ القدس. ينسب الكتاب المقدس إلى الملك سليمان u، "سفر الأمثال"، وسفر "نشيد الإنشاد".

3. الشتات الأول (586 ـ 538 ق.م)

بعد وفاة سليمان u، انقسمت المملكة، وساد السخط وتطور إلى تمرد سافر، ثم إلى انفصال الجزء الشمالي من المملكة، الذي اتخذ اسم "إسرائيل"، عن الجزء الجنوبي، الذي أُطلق عليه مملكة "يهودا"، وكانت عاصمتها يروشاليم (القدس) لحوالي 350 سنة. وقد حكم كلاً منهما نحو 20 ملكاً، إلى أن أدى توسع الإمبراطوريات الكبرى المجاورة، وخاصة الآشوريين والبابليين، إلى احتواء الآشوريين لإسرائيل، أولاً (722 ق.م). وبعد ذلك، بحوالي مائة عام، احتلت إمبراطورية بابل مملكة يهودا، وهدمت هيكل سليمان (586 ق.م)، وأجلت معظم سكانها. وبذلك انتهت أول دولة يهودية، بل أول مجتمع يهودي في فلسطين. وأُجبرت الأغلبية العظمى من السكان، على النزوح بعيداً إلى أرض بابل، والسكنى على ضفاف نهري دجلة والفرات. كانت هذه بداية الشتات اليهودي، وكان هؤلاء اليهود اللاجئون، أو المشتتون، يتعاهدون على اللقاء، في السنة التالية، في يروشاليم (القدس). ونسجوا حول هيكل سليمان، ويروشاليم، القصص والأساطير والأغاني والأمثال. ومن ذلك دعاؤهم المعروف:

"إن نسيتك يا يروشاليم أنسي يميني...

ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك أو

إن لم أفضلك على أعظم مباهج حياتي..."

4. العودة الثانية والشتات الثاني (538 ق.م ـ 313 م)

خلال القرون السبعة التالية، تعاقب على حكم فلسطين، أو أرض إسرائيل، ثلاث إمبراطوريات هي: الفارسية، والهيلينية (أي اليونانية)، والرومانية. مع ازدياد قوة إمبراطورية فارس، تمكنت من الانتصار على البابليين، وورثت دولتهم، وأصبحت تسيطر على الأرض الممتدة من الفرات إلى سيناء، وسمح أحد أباطرتها، وهو احشويروش، بعودة بعض اليهود إلى أرض كنعان، تنفيذا للمرسوم الملكي لأبيه قورش، الذي أقر فيه عودة اليهود وإقامتهم لهيكلهم مرة ثانية، عام 538 ق.م، فعاد منهم نحو 50 ألفاً في العام نفسه، ثم توالت أعداد محدودة، بعد ذلك، طوال العقود التالية. وبالتدريج بدأت أحوال اليهود في التحسن، وحصل زعماؤهم على ما يشبه الحكم الذاتي، في عهد الإمبراطورية الفارسية (538 – 333 ق.م)، وكذلك في العهد الهيليني (332 – 142 ق.م).

أعاد اليهود تحصين أسوار القدس تحت قيادة كل من نحميا وعزرا النبيين، وكتابة أسفار العهد القديم، وتأسيس "الكنيست" أو الجمعية الكبرى، باعتبارها الهيئة القضائية، والتشريعية، والدينية العليا لليهود. ومع استقرار أوضاعهم وتحسنها، أعادوا بناء هيكل سليمان.

ولكن العهد الهيليني (اليوناني) كان أقل تسامحاً، مع بني إسرائيل، من عهد فارس، وإن كان كذلك أقل قسوة من عهدي آشور وبابل. وقد حظر الحكام البطالمة، مثلاً، ممارسة الشعائر اليهودية الدينية، في الأماكن العامة. ودنسوا هيكل سليمان، في محاولة منهم، لفرض الحضارة، والعادات اليونانية على اليهود جميعاً. ورداً على ذلك، اندلعت حركة تمرد كبرى (66 ق.م)، انتصر فيها اليهود، بقيادة "يهودا المكابي"، على جيش البطالمة، واستعادوا هيكل سليمان، الذي كان قد سيطر عليه اليونانيون. ولا يزال اليهود، في الوقت الحاضر يحتفلون بذكرى هذا الانتصار، كل عام، فيما أسموه بعيد "الأنوار" أو "الحانكاه". ومع استمرار ضعف البطالمة، ازداد نفوذ اليهود، فكونوا مملكة مستقلة تماماً، حوالي عام 129 ق.م. وأصبح المُلك فيها ينتقل بالوراثة، في سلالة "الحشمونيتم"، طوال ثمانين عاماً، ازدهرت فيها الحياة الثقافية اليهودية.

ورث الرومان العالم الهيليني بأسره، وكان حكمهم شديداً عاتياً، قضى على سلطة الحكم الذاتي لملوك الحشمونيتم اليهود، مما أدى إلى نشوب عدة ثورات يهودية مسلحة، أخمدها الرومان بقسوة؛ إلى أن برزت شخصية يهودية موالية للرومان، وذلك لولعها بالحضارة الرومانية الهيلينية، وهي "هيردوس"، الذي عُين حاكماً على فلسطين، ومنحه الرومان سلطات الحكم الذاتي كاملة، وقام بأعمال إنشائية كبرى، منها بناء مدينتي "قيصارية"، و"سباستيا"، وقلعتي الهيروديون ومصعدة، وإعادة بناء الهيكل المقدس، للمرة الثانية، بشكل أفخم، وإن كان على النمط الروماني ـ اليوناني. وفي عهده، وقعت حادثه الصلب الشهيرة، التي حاول اليهود فيها قتل المسيح، عليه السلام، ولكن الله رفعه إليه، ونجاه من كيدهم. وبعد وفاة هيردوس، تلاشى نفوذ ورثته، الذين تمرد عليهم عامة اليهود، في فلسطين؛ فعادت البلاد إلى الحكم الروماني المباشر. وثار اليهود على هذا الحكم، ولكن الرومان قمعوا ثورتهم بقسوة، عام 66م، في عهد الإمبراطور نيرون، وازداد تدهور الأمور، إلى أن انتهت بتدمير يروشاليم (القدس)، تدميراً كاملاً، بعد ذلك بأربع سنوات، أي سنة 70 م.

كذلك حاصر الرومان قلعة مصعدة، التي اعتصم بها نحو ألف رجل، وامرأة، وطفل، من الذين نجوا أثناء تدمير القدس، وظنوا أن موقعها، على قمة جبل البحر الميت، سيعصم من اجتياح الرومان، ولكن خاب ظنهم، فبعد حصار دام ثلاث سنوات، تمكن الرومان من اقتحام قلعة مصعدة، ليجدوا أن كل من كان فيها قد آثروا الانتحار جميعاً، على الوقوع في الأسر. وأصبحت "مصعدة" أحد رموز المقاومة والإصرار، لدى الشعب اليهودي، على التحرر. وقد وظفت الأيديولوجية الصهيونية هذا الرمز، كذلك، للتعبئة السياسية القومية، لدى اليهود، بعد نحو 1800 عام.

وما حدث مع قلعة "مصعدة" حدث مثله عام 132 ميلادية، حينما قاد شمعون باركوخيا ثورة، ضد الرومان، نجحت أول الأمر، في استعادة يهودا والقدس، ولكنها فشلت في النهاية، ودمر الرومان ما تبقى من يروشاليم تدميراً كاملاً. وتشرد اليهود إلى الشتات مرة أخرى، ولم يبق منهم، في فلسطين، إلاّ أعداد ضئيلة. بل صارت فلسطين جزءاً من تلك البلاد الخاضعة للرومان، والتي أُطلق عليها اسم "سورية" (أي الشام)، أمّا ما عده اليهود أرض إسرائيل، فقد أطلق عليه الرومان، رسمياً، اسم "فلسطين". وهكذا، منذ سنة 132 ميلادية، لم يعد اسم "إسرائيل"، أو "يهودا" يتردد، على الألسنة، إلى عام 1948، حينما عاد اسم إسرائيل ليطلق على الدولة اليهودية الجديدة، التي قامت في ذلك العام، أي بعد 1816 عاماً، من تدمير القدس، وتشريد اليهود إلى شتات جديد.

ثانياً: أوضاع اليهود في الشتات حتى أواخر القرن التاسع عشر

منذ اعتناق الإمبراطور قسطنطين المسيحية عام 313م، وطرد اليهود، من القدس وفلسطين كلها، عام 70م بواسطة تيطس الروماني، وعام 135 م بواسطة أدريان الحاكم الروماني. وهرب اليهود إلى البلدان المجاورة، ثم إلى بقية أنحاء العالم القديم، في أفريقيا وآسيا وأوروبا. وبنهاية القرن الرابع الميلادي، أصبح معظم من يقطنون فلسطين من المسيحيين. وخلال القرنين الخامس والسادس، في أوج ازدهار الإمبراطورية البيزنطية المسيحية، كان اليهود يُجبرون على "التعميد" (أي اعتناق المسيحية)، أو يُطردون خارج بلدان الإمبراطورية. وفر الكثيرون، ممن قاوموا التعميد، إلى شرق وشمال أوروبا، وخاصة بولندا، حيث عُرفوا هناك باسم جماعة اليهود الغربيين "الاشكنازيم"، تمييزاً لهم، عن يهود الشرق والجنوب، وخاصة في أسبانيا "السيفرديم". وقدَّر أبا إيبان عدد اليهود في العالم، بحوالي مليون، في نهاية القرن العاشر الميلادي (أي عام 1000 ميلادي).

1. الجيتو اليهودي

نتيجة الطرد المستمر، بسبب إجبار اليهود على عطلة الأحد المسيحية، وحرصاً منهم على عدم العمل، يوم السبت، الذي يحرم العمل فيه، بمقتضى شريعتهم، آثر اليهود الابتعاد عن الزراعة، التي كانت تحتاج، في ذلك الوقت، إلى مداومة يومية، وركزوا على التجارة، والحرف الأخرى غير الزراعية، بما في ذلك، إقراض المال بالربا، وهو الأمر الذي حرمته المسيحية، وشدَّد الإسلام في تحريمه. وأصبحت صورة التاجر "الربوي"، وصورة اليهودي، وجهين لعملة واحدة، في أنحاء العالم كله تقريباً.

تظهر الوثائق التاريخية، من القرنين العاشر والحادي عشر، استمرار هجرة اليهود، ووجود تجمعات لهم، في بلدان غرب أوروبا، مثل فرنسا وألمانيا. وكالعادة، مع ذلك الوقت، كانت تلك التجمعات تستقر في المدن الكبرى، وفي أحياء بعينها، ويعمل أصحابها بالتجارة والحرف وإقراض المال. وقد عُرفت أحياء اليهود، في المدن الأوروبية، باسم "الجيتو"؛ مثلما فعل نبي الله يوسف u مع بني إسرائيل عند دعوتهم إلى مصر لتكون الجيتو الأول في التاريخ (سفر التكوين: الإصحاح 46)، وفي ذلك الحين شعر اليهود بالأمان النسبي في ممارسة شعائرهم الدينية، وطقوسهم، وعاداتهم، وحل مشكلاتهم الداخلية. وبمرور الوقت، أصبح "الجيتو" (أي الحي اليهودي)، ملاذاً وملجأً يشعر فيه اليهود بالألفة والأمان، مع بعضهم بعضاً. ولكنه، في الوقت نفسه، كان يعزلهم عن بقية مواطني البلد، الذي يعيشون فيه، ويخلق فجوة نفسية واجتماعية متبادلة. ولم تتعد العلاقة بين "الجيتو" وما يحيط به، من أحياء مسيحية، قاصرة على مجرد التعاملات الاقتصادية ـ التجارية فقط.

وقد أدي هذا الوضع إلى الآتي

أ. الحفاظ على تقاليد يهودية تلمودية؛ حيث نشأ نظام قانوني خاص، يستند على التقاليد والأعراف التلمودية القديمة، ويتولى رجال الدين (الحاخامات) تطبيقه، للفصل في المنازعات، بين اليهود أنفسهم. وقد أدى ذلك كله إلى تقوية، وتدعيم، التضامن الداخلي للجماعة اليهودية؛ وإحساسها بالتميز، والخصوصية، والاختلاف عن سائر أهالي البلد، الذي يعيشون فيه. وكان سكان "الجيتو"، في باريس مثلاً، يشعرون أن سكان "الجيتو"، في وارسو، أقرب إليهم من بقية الفرنسيين، غير اليهود.

ب. سهولة توجيه التهم إلى اليهود، وممارسة التفرقة والاضطهاد بينهم، ومهاجمتهم، في أحيائهم؛ أو محاصرتها وإحراقها، أو تدميرها، أو نهبها؛ فقد كانت العزلة المكانية والاجتماعية والنفسية، سبباً في نشر الشائعات، أو الروايات الملفقة والمغلوطة، أو المبالغ فيها، عما يفعله اليهود، داخل "الجيتو"، أو يخططون له، وينفذونه خارج الجيتو، ضد غيرهم (أي المسيحيين). أصبح الجيتو يمثل، بالنسبة للأغلبية المسيحية من حوله، غموضاً، يسهل معه تحوله إلى "كبش فداء"، عند وقوع الأزمات الاقتصادية والسياسية. فيتعرض للهجوم، سواء كانت له أي علاقة بمثل تلك الأزمات، أو لا.

وعلى الرغم من أن معظم حكام أوروبا كانوا يقدمون الحماية لليهود عموماً، ويهيئون لهم الأوضاع القانونية، التي تتيح لهم الحياة الطبيعية. إلاّ أن الرأي العام كان يثور ضدهم، كما حدث في الجزر البريطانية، عدة مرات، بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر؛ فقد كان معظم الإنجليز يعدونهم طبقة من المرابين، التابعين للملك، مهمتهم الرئيسية توفير الأموال، لحملاته العسكرية، أو مشروعاته العمرانية الترفيهية. فعلى الرغم من أن عدد اليهود لم يتعد، عام 1200، نحو 2500 أسرة، أي ما يُشكِّل نسبة واحد في الألف من عدد السكان، إلاّ أنهم كانوا يؤدون للملك أكثر من 14 في المائة، من مجموع إيرادات الضرائب. وحين صدر قرار بطردهم، من الجزر البريطانية، عام 1200، وصودرت أملاكهم لحساب التاج، كان عددهم قد وصل إلى 16 ألف نسمة. ظل اليهود بعيداً عن بريطانيا إلى أن سمح لهم أوليفر كرمويل بالعودة، وصدر في عام 1664، ميثاق رسمي يحمي الطائفة اليهودية، ويمنحها حرية العبادة عام 1673، ويعاملها على قدم المساواة، مع باقي السكان.

أمّا في فرنسا، وشبه جزيرة إيبيريا، وغيرها من البلدان الكاثوليكية، التي تتبع كنيسة روما، فلم يلق اليهود إلاّ الرفض، والنظر إليهم على أنهم "ملعونون" دينياً، لاتهامهم بصلب المسيح. وعلى الرغم من سماح الحكام لهم بالإقامة، إلاّ أنهم كانوا معرضين، دائماً، لسخط الرأي العام، الذي كان يدفع الحكام إلى طردهم خارج البلاد، أو الضغط عليهم لاعتناق المسيحية؛ من ذلك أن اليهود طردوا من فرنسا، وأُعيدوا إليها، أربع مرات، فيما بين عامي 1182 و1321. وفي عام 1322 طُردوا مرة خامسة، عن بكرة أبيهم، ولم يبق منهم في فرنسا، يهودي واحد، خلال الأربعين عاماً التالية، أي إلى عام 1362، حينما سُمح لبعضهم بدخول فرنسا، والبقاء فيها.

وفي أسبانيا، انتهي الأمان والازدهار، الذي نعم به اليهود، في الأندلس، بانتهاء الحكم العربي الإسلامي، من مملكة بعد أخرى. وكانت كلما سقطت إمارة، أو جزء من البلاد، التي كان يحكمها العرب، ودخلته قوات الأمراء أو الملوك المسيحيين، لم يلق اليهود والمسلمون سوى الاضطهاد، أو الإبادة، على السواء، ومن ثم، كانوا يفرون إلى مملكة، أو إمارة أخرى عربية، في الأندلس. استمرت عملية الفرار، من الاضطهاد، في شبه جزيرة إيبيريا، من عام 1109 إلى سقوط آخر معاقل العرب والمسلمين، في غرناطة، يوم 2 أغسطس 1492، فكانت نكبة على اليهود والمسلمين؛ فقد تقرر طرد اليهود كافة، من جميع أنحاء أسبانيا، بإيعاز من الكنيسة الكاثوليكية. وما زال هذا اليوم هو يوم حداد، بالنسبة لقطاع كبير، من يهود العالم، إلى الوقت الحاضر(أي بعد أكثر من 500 عام).

2. محاكم التفتيش

سادت ظاهرة ما يسمى بمحاكم التفتيش، طوال القرن الخامس عشر، في شبه جزيرة إيبيريا، ومنها إلى بقية أجزاء أوروبا. وكان السبب في نشاط هذه المحاكم، هو شك الكنيسة في أن بعض من تحولوا، من ديانتهم اليهودية، إلى المسيحية، قد فعلوا ذلك من دون اقتناع حقيقي، وأنهم يمارسون، سراً، طقوس ديانتهم اليهودية. وقد أُطلق على هؤلاء المتهمين اسم "المارانوس". فكانت تجري معهم التحقيقات، وتعقد لهم الاختبارات، للتأكد من جديتهم، أو إخلاصهم للديانة المسيحية، التي أعلنوا اعتناقهم لها. وقد ازدادت الملاحقات، والمحاكمات، إلى حد قتل من يرتد عن المسيحية، أو حرقه، وبلغت ذروتها في عامي 1480 و1481، واستمرت إلى عام 1497، وهو العام، الذي فر فيه، معظم من ظل على قيد الحياة، من اليهود، أو من المشكوك في صدق مسيحيتهم، إلى بلدان المغرب العربي، أو إلى البرتغال، وبقية أوروبا.

سرعان ما انتقلت عدوى محاكم التفتيش إلى البرتغال، عام 1536، وتعرض مئات من "المارانوس"، أي المسيحيين الجدد، والمشكوك في أنهم ظلوا على يهوديتهم سراً، إلى المحاكمة، والتعذيب، والإعدام. وكان سريان هذه الموجة من محاكم التفتيش، في بقية شبه جزيرة إيبيريا (البرتغال)، يعني اقتلاع البقية الباقية من اليهود، في ذلك الجزء من أوروبا، وهروبهم إلى هولندا، وإنجلترا، والمغرب العربي، والشرق الأوسط، وتركيا، حيث استطاعوا ممارسة شعائرهم الدينية في أمان. وقد أسهم هؤلاء اليهود في المسيرة الاقتصادية، والتجارية، في البلدان، التي هاجروا، أو لجأوا إليها. ومن ذلك أنهم اشتروا ربع أسهم شركة الهند الشرقية الهولندية، التي كان لها شأن كبير، في استعمار الهند، وبقية جنوب، وجنوب شرق آسيا. كما أسهم هؤلاء اليهود، أو "المارانوس"، في الأنشطة البحرية التجارية الأخرى، في كل من بريطانيا وهولندا؛ وكذلك في تمويل عمليات استكشاف العالم الجديد، وانتقلت أعداد منهم إلى البرازيل، والمكسيك، وسورينام، " في أمريكا الوسطى".

أمّا في إنجلترا، فقد كان عدد " المارانوس " محدوداً، لا يتجاوز عدة آلاف. وعندما نجحت الثورة الإنجليزية، بقيادة "أوليفر كرمويل"، جرى الترجيب بهم؛ وصدر ميثاق رسمي، في عام 1664، يحمي الطائفة اليهودية؛ ويمنحها حرية العبادة، في صك إضافي، بعد ذلك بتسع سنوات (أي عام 1673)؛ وبذلك أصبحوا متساويين، مع بقية السكان، أمام القانون.

3. اليهود في الوطن العربي والإسلامي

بداية، تدل الوثائق المكتوبة، سواء من جانب المؤرخين العرب، أو اليهود، على أنه كانت هناك تجمعات يهودية، في سائر أنحاء شبه الجزيرة العربية، منذ القرن الخامس الميلادي، سواء في أقصي جنوب غرب الجزيرة، وهو اليمن، أو في يثرب (المدينة)، أو شمال غرب الجزيرة، بل وكانت لهم الأغلبية، والهيمنة، في بعض المدن. وعملوا في التجارة والحرف؛ وكانوا على علاقة طيبة بغيرهم، من عرب شبه الجزيرة العربية سواء القبائل البدوية، أو المستقرة.

ويجمع المؤرخون اليهود أنفسهم على أن حُسن هذه العلاقات كان يرجع إلى المصالح المتبادلة، وعدم التنافس في الأنشطة. فبينما كان العرب، من غير اليهود، يمتهنون الرعي، والزراعة، والقتال، ركز اليهود على التجارة والحرف. كذلك لم يكن هناك أي تنافس ديني يذكر، بين اليهودية والديانات القبلية البسيطة، المنتشرة في شبه الجزيرة العربية، مثل عبادة الأصنام، وكذلك لقلة، أو ندرة، الوجود المسيحي، في معظم أنحاء شبه الجزيرة العربية، باعتبار أن المسيحية كانت منافسة لليهودية. لذلك حينما ظهر الإسلام، كديانة تدعو إلى التوحيد، في قلب شبه الجزيرة العربية، ودخل الناس فيه أفواجاً، وخاصة في يثرب، بدأ التوتر، بين اليهود والمسلمين، ولو أنه لم يستمر طويلاً. فقد أدرك يهود يثرب والجزيرة أن الدين الجديد ظهر ليبقى ويزدهر، فتعايشوا معه، ومع معتنقيه، بل ووجدوا، فيما بعد، في الدولة الإسلامية، الممتدة فيما وراء شبه الجزيرة العربية، فرصاً للنمو، والاستقرار، والإسهام في الحياة العامة.

ففي بغداد مثلاً، بلغ عدد اليهود نحو أربعين ألفاً، مع نهاية القرن العاشر الميلادي، لهم زهاء 28 معبداً، وعشرة معاهد للتعليم العالي، وذلك طبقاً لرواية أحد الرحالة الأوروبيين. كذلك كان الحال في فلسطين، التي عادوا إليها، بأعداد كبيرة، في ظل الحكم الإسلامي، واستمروا فيها إلى عام 1099، عندما اجتاحت جحافل الصليبيين فلسطين، وقتلت من فيها، بلا رحمة. وفي دمشق، وبابل في العراق، ومصر الفاطمية، وخاصة في الإسكندرية، ازدهرت الجاليات اليهودية، بل كانت هي الوحيدة، تقريباً، التي تستطيع التحرك والتعامل، بين شواطئ البحر المتوسط. أمّا ممارسات التمييز، التي كانت قائمة، تجاه أهل الذمة، من المسيحيين واليهود، مثل تحريم ركوب الخيل، أو حمل السلاح، أو استخدام الكُنى العربية، مثل " ابن " أو " أبي "، أو استخدام ألوان خاصة من الثياب، فقد قبلها اليهود، عن طيب خاطر، ربما أكثر من المسيحيين، وذلك لنزعة اليهود في أن يظلوا جماعة مستقلة، لا تذوب في المحيط البشري الأكبر، من حولها.

أمّا أكثر فترات الوجود اليهودي إزهاراً، في ظل الحكم الإسلامي، على الإطلاق، فكان في الأندلس (أسبانيا). حيث نشأت، بين اليهود والعرب، علاقة وثيقة، منذ بداية الفتح الإسلامي، إذ كانت هناك جاليات يهودية، في معظم مدن أسبانيا، سارعت إلى الترحيب بطلائع الفاتحين العرب، في أول مدينة فُتحت، وهي قرطبة، على يد طارق بن زياد. كان مرجع هذا الترحيب، هو ما كان يتعرض له اليهود في أسبانيا، من اضطهاد وظلم. لذلك فقد اعتبروا العرب "محررين"، (مثلما حدث مع أقباط مصر)، وعهد لهم العرب الفاتحون بمهام عديدة، منها وظائف الإدارة، أو حماية الأسوار، في المدن المفتوحة، وحينما ترامت أخبار هذه العلاقة الوثيقة، بين يهود أسبانيا، وحكامها الجدد، من العرب المسلمين، قدم إليها يهود كثيرون، من بقية أوروبا، ومن شمال أفريقيا، (الذين كانوا قد هربوا من اضطهاد حكام إيبيريا المسيحيين لهم، قبيل الفتح العربي). وقد ضاعف من الإزهار اليهودي، في أوروبا، مناخ التسامح الديني الكامل، الذي بلغ ذروته، مع حكم عبدالرحمن الثالث (951 ـ 970)؛ الذي فتح أبواب المناصب الإدارية العليا، أمام اليهود، في مجالات المال والدبلوماسية. من ذلك أن "حاسداي بن شابروت" ترقي، في بلاط عبدالرحمن الثالث، من فيزيائي مغمور، إلى كبير مستشاري الخليفة. وقد جمع حاسداي، شأن غيره من اليهود، في الأندلس، بين ولائه للحكام المسلمين، وولائه العميق لشعبه اليهودي.

ارتبط وضع اليهود في الأندلس، وأحوالهم، بوضع العرب وأحوالهم، وكان هذا الارتباط الإسلامي اليهودي متعدداً ومتشعباً، إلى الدرجة، التي عانى فيها اليهود الكثير، مع تفكك وانحلال الحكم العربي الإسلامي، في الأندلس، خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر. ومع ذلك، تمثل الأندلس، في التاريخ اليهودي، واحدة من أخصب المراحل الثقافية. فخلال الحكم العربي الإسلامي للأندلس، ظهر أعظم فلاسفتهم ومفكريهم، في القرون الوسطى، ومنهم يهودا هاليفي، الشاعر الفيلسوف؛ وموسى بن ميمون، الفيزيائي والطبيب، الذي ولد في قرطبة، وذاع اسمه، في كل مكان، وقدم إلى مصر، حيث أصبح طبيباً لأسرة السلطان صلاح الدين الأيوبي، وظل يعيش في الفسطاط، إلى أن توفي عام 1204.

كان من أبهى فصول التاريخ اليهودي، في العصر الوسيط، هو قيام مملكة يهودية، شبه مستقلة، على ساحل بحر قزوين، سميت بمملكة الخزر، في القرن العاشر الميلادي، على هامش وتخوم البلاد إسلامية، وفي حمايتها، مقابل ممالك أوروبا السلافية والبيزنطية. وتعود بداية تلك المملكة إلى القرن الخامس الميلادي، حينما استقرت إحدى القبائل التركية، والتي تسمى الخزر على سواحل بحر قزوين. وعلى الرغم من أن أبناء هذه القبيلة قد تحولوا إلى المسيحية، ثم إلى الإسلام، بين القرنين الخامس والثامن، إلاّ أن وفود عدد من اليهود، واستقرارهم في تلك البلاد، وتميزهم في الأعمال الزراعية والتجارية والثقافية، جذب إليهم اهتمام ملوك الخزر وإعجابهم، فتحولوا إلى اليهودية، في القرن التاسع الميلادي، واستمسكوا بها، إلى الثلث الأخير من القرن العاشر الميلادي. وفي تلك الأثناء، كانت الممالك الإسلامية، المتحالفة مع الخزر، قد أصابها الضعف، من جراء حروبها الممتدة مع بيزنطة. وانتهزت روسيا المسيحية الفرصة، فاجتاحت مملكة الخرز. وتظل هذه الأخيرة جزءاً يعتز به اليهود في ذاكراتهم الجماعية، باعتبارها تمثل إحدى اللحظات التاريخية النادرة، في تاريخ اليهود الطويل، الذي كُتب لهم فيه أن يكون لهم دولة مستقلة، وإن كانت بعيدة عن " فلسطين " (أرض الميعاد).

4. اليهود يتجهون إلى غرب وشرق أوروبا

كان سقوط غرناطة، عام 1492، نكبة على العرب واليهود معاً. وربما كانت تلك هي إحدى اللحظات التاريخية القليلة، التي توحدت فيها مشاعر العرب المسلمين، مع مشاعر اليهود، وهي مشاعر الحزن والفجيعة، بسبب طردهم من الأندلس، والتشريد في بلدان أخرى. وعلى الرغم من أن العرب المسلمين، الذين اقتلعوا من الأندلس، قد ذهبوا، جميعاً، إلى بلدان المغرب العربي، ومصر، وبقية أنحاء العالم الإسلامي، جنوباً وشرقاً، فإن يهود الأندلس قد انقسموا، في ترحالهم إلى بلدان الشتات الجديدة؛ فنصفهم على الأقل، تبع العرب المسلمين، إلى المغرب ومصر، بينما توجه النصف الآخر، وعدده نحو ثلاثمائة ألف يهودي أندلسي، إلى بلدان غرب ووسط شرق أوروبا. وهي بلدان كانت، على الرغم من مسيحيتها، أقل تعصباً، واضطهاداً لليهود، من أسبانيا والبرتغال، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

تزامن وصول اليهود، إلى قلب أوروبا، وأطرافها الجنوبية والشرقية، مع عصر النهضة الأوروبية (من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر). فاستفاد كل من اليهود القادمين من الأندلس، واليهود المقيمين هناك، من الانفتاح الثقافي النسبي، في تلك العصور. وأسهم بعضهم، من يهود الأندلس، بقسط وافر في ترجمة التراث العربي الإسلامي، إلى اللاتينية، واليونانية، واللغات الأوروبية الأخرى. وكانت أهم الأعمال العربية، في هذا الصدد، هي كتابات ابن رشد، وابن سينا، وابن خلدون، وغيرها. وهي أعمال أسهمت إسهاماً كبيراً، في دفع عصر النهضة إلى الأمام، ومهدت لعصر"التنوير"، في القرنين السابع عشر، والثامن عشر.

غير أن أقلية من اليهود هي التي اندمجت، فكرياً وثقافياً، مع مفكري عصر النهضة، وتأثرت بفكره، وإسهاماته الفنية. وظلت الأغلبية اليهودية في أوروبا، تعيش في (المعازل) الحضرية، في كبريات المدن الأوروبية، والتي أصبحت تعرف باسم "الجيتو". ويُقال أن أول استخدام لهذه التسمية في العصر الحديث كان في مدينة فينيسيا الإيطالية، عام 1516، حين خُصص لليهود منطقة يسكنون فيها، منفصلين عن بقية سكان فينيسيا، من غير اليهود. وأُطلق على هذه المنطقة، "الجيتوفوفو"، أو المستقر الجديد. وهذه الأغلبية اليهودية، غير المندمجة، والتي آثرت أن تقبع في مستقرات معزولة، هي التي ترجمت المشاعر الجماعية بالنكبة (في الأندلس)، أو الاضطهاد، بالبحث عن " الخلاص " من حياة الكآبة والمذلة والعذاب، فظهرت بين هؤلاء اليهود، ثلاث حركات جماعية جديدة، هي: "الصوفية"، و"المسيح المنتظر" و"الاندماجية".

تتمثل الصوفية اليهودية، مثل الصوفية في الإسلام، والرهبنة في المسيحية، العزلة عن العالم المادي، والذوبان في عالم التأمل والروحانيات. وقد ازدهرت هذه الحركة الصوفية الكبرى، خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر. وفي تلك الفترة تمت صياغة "الزهار"، وكتاب "الخلق"، اللذين أصبحا المصدر الرئيسي للفكر الصوفي اليهودي، المعروف باسم "القبَّالة"، ورائده موسى بن ميمون المتأثر بالتصوف الإسلامي، حتى يُقال إنه حاول إدخال السجود في الصلاة اليهودية. والتصوف اليهودي، مثله مثل التصوف في الديانات الأخرى، هو سعي إلى الخلاص الفردي.

ولكن الديانة اليهودية، والثقافة التي نشأت مصاحبة لها، والتنظيم الاجتماعي لليهود، يجعل مقولة الخلاص الفردي هذه محدودة التأثير؛ فالكوارث، والنكبات، والاضطهادات، التي نزلت باليهود، كانت تنزل بهم كجماعة، وبسبب يهوديتهم. ومن ثم نشأت حركة، أو دعوة موازية، تالية للتصوف اليهودي تسعى إلى "الخلاص الجماعي". وتنادي هذه الحركة بأن عقيدة اليهود هي العقيدة المثلى، وأن ذلك هو سبب حقد الآخرين على اليهود وغيرتهم منهم، وأن معاناتهم، مع ذلك، سرعان ما ستنتهي، وسوف يعودون إلى وطن أجدادهم القديم. وارتبط بدعوة الخلاص الجماعي هذه، فكرة "المسيح المنتظر"، الذي سيظهر حسب عقيدتهم، لينقذ شعب الله المختار. وسيطرت هذه الفكرة على عدد من الأفراد اليهود، وجعلت كلاً منهم يظن أنه هو "المسيح المنتظر"، وأنه لن ينقذ اليهود، في الحياة الآخرة فحسب، لكن سينقذهم، كذلك، في هذه الحياة الدنيا.

كان هذا الاتجاه، بين أبناء اليهود، يقوى كلما اشتدت المحن. مما يؤكد القول أن محنة طرد اليهود، من أسبانيا، قد أدت بدورها، إلى ظهور أكبر الحركات الاجتماعية تطرفاً، في صوفيتها، أو تطرفاً، في خرافتها. وترددت فكرة ظهور المسيح المنتظر عدة مرات، منذ طرد اليهود من أسبانيا، فادعى "دافيد روبوبيني" النبوة عام 1540، وزعم أنه المسيح المنتظر، وكذلك فعل أخر هو "شلومو شابتاي" عام 1666، وهو من يهود الدونمة في تركيا، الذي أعلن أن عام 1666 سيكون هو عام تخليص اليهود من التعصب والكراهية. وعلى الرغم من عدم تحقق نبوءة شابتاي، ومحاكمته على أنه مدع أفاق، وهروبه إلى تركيا طلباً للحماية، واضطراره إلى اعتناق الإسلام، في 16 سبتمبر 1666، تحت اسم محمد أفندي، إلاّ أن ذلك لم يضع حداً لظهور المدعين بالمسيح المنتظر، فكان آخرهم "جاكوب فرانك" في القرن الثامن عشر. وهكذا حمل المطرودون اليهود، من الأندلس إلى وسط وشرق أوروبا، آثار التداعيات النفسية الجماعية لمحنتهم، ومنها الإغراق في الصوفية، بحثاً عن الخلاص الفردي، أو الإغراق في الخرافة، بحثاً عن الخلاص الجماعي.

5. العقلانية والتحرر بين يهود غرب أوروبا: الهاسكلاه

لم يكن انتشار الحركات الصوفية، أو النزعات الخرافية الأسطورية، بين عامة اليهود، في وسط وشرق أوروبا، خاصة بعد وفود آلاف اليهود، الفارين من الأندلس، مجرد رد فعل للمحن والاضطهادات، ولكنه كان، كذلك، تمرداً واحتجاجاً على تحكم الطبقة العليا، من أثرياء اليهود من ناحية، وحاخامات المؤسسة الدينية التقليدية، بكل صرامتها وجمودها، من ناحية أخرى. أي أن التصوف والخرافة، والبحث عن المعجزات، كانت ردود فعل شعبية يهودية للمحن والمصائب، الآتية من خارج المجتمع اليهودي، من ناحية، ولجمود المؤسسة الدينية، من ناحية ثانية، ولانصراف أثريائهم عنهم، من ناحية ثالثة. إلى جانب النزعة إلى التصوف، والنزعة إلى الخرافة، ظهرت نزعة ثالثة، بين المتعلمين اليهود، وخاصة في ألمانيا وفرنسا، إلى التفكير العقلاني التحرري، الذي كان رمزه المرموق "موسى مندلسون"، في القرن الثامن عشر. فقد تمكن من تطوير مفاهيم اليهودية، فلسفياً، بما يتلاءم مع روح العصر، ويكسر الجمود التقليدي، السائد في مدارس "الجيتو". وحث اليهود على تعلم اللغة الألمانية وثقافتها، وعدم الاقتصار على لغة "اليديش"، التي كانت خليطاً من العبرية واللغات السلافية.

مع الثورة الفرنسية، في نهاية القرن الثامن عشر، تهاوت أسوار الجيتو في فرنسا. فقد تشكلت لجنة، بقيادة اليهودي الفرنسي "سبرف بر"، أحد اتباع مندلسون، وقدمت مقترحات أقنعت قادة الثورة، وخاصة الكونت "ميرابو"، بتحسين أوضاع اليهود. وبالفعل، أقرت الجمعية الوطنية حقوق المواطنة الكاملة، ليهود فرنسا، ومساواتهم الكاملة، في الحقوق والواجبات، مع بقية الفرنسيين. وكان يهود فرنسا، عند نشوب الثورة، لا يتجاوزون 50.000 (خمسين ألفاً)، ولكن في غضون الإحدى عشرة عاماً التالية، أي مع عام 1800، كان قد نزح إلى فرنسا، ضعفا هذا العدد، من بقية أوروبا، طلباً للحرية والإخاء والمساواة، وهي الشعارات التي رفعتها الثورة الفرنسية، في ذلك الوقت. وعلى الرغم من انحسار مد الثورة الفرنسية، بعد مؤتمر فيينا (1815)، إلاّ أن التأثيرات التحررية لتلك الثورة، والتراث المتراكم، لعصر العقلانية والتنوير، استمرا في إحداث التغيرات، والتحولات الفكرية والاجتماعية، بين يهود غرب ووسط وشرق أوروبا، على شكل موجات متتالية: فرنسا وألمانيا أولاً، ثم بولندا والنمسا ثانياً، ثم بقية شرق أوروبا، بما فيها روسيا ثالثاً. وقد عُرفت هذه النزعة العقلانية التحررية، بين يهود وسط وشرق أوروبا، باسم "الهاسكلاه" (Haskla). وهي التي تبلورت اجتماعياً في صورة الدعوة إلى اندماج اليهود في نسيج المجتمعات، التي يعيشون فيها، والمشاركة الكاملة في أنشطتها، لا اقتصادياً وتجارياً فحسب، كما كان الحال دائماً، ولكن ثقافياً، وفكرياً، وسياسياً كذلك.

أن الدعوة بالاندماج، والتي لاقت رواجاً وقبولاً، بين الميسورين والمتعلمين من اليهود، عموماً، وشبابهم خصوصاً، طوال القرن التاسع عشر، كانت تصطدم، بين الحين والأخر، بانتكاسات مأسوية. من ذلك مثلاً، أن روسيا القيصرية، التي كانت تحظر على اليهود الاستقرار في أراضيها، أو مجرد الدخول، إلى بعض أقاليمها، أقرت تشريعات خاصة بحقوق اليهود، في المناطق التي آلت إليها، من بولندا، في عامي 1793 و1795، والتي كان يقطنها نحو مليون يهودي. ولكنها تحولت، بعد هزائم نابليون، ومؤتمر فيينا، وعادت تمارس التفرقة والاضطهاد، ضد اليهود. ففرضت عليهم ضرائب مزدوجة. وفي عام 1835، صدر تشريع حدد مناطق معينة، يُسمح فيها بوجود اليهود في ليتوانيا، وروسيا البيضاء، وإقليم كييف، وأقاليم البلطيق فقط.

6. معاداة السامية

لم يستفد اليهود شيئاً من الدعوة إلى التنوير والتحرر بين صفوفهم، واندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها (بدلاً من الجيتو). بل تسبب ذلك في انتكاسات وتداعيات، وظهور العداء الشديد لهم، وذلك أن العناصر اليهودية التي أخذت هذه الدعوة مأخذ الجد وحاولت الاندماج بالفعل، وأظهرت نشاطاً ملحوظاً في الحياة العامة، سرعان ما برز تميزها في عوالم الفكر والسياسة والمال، وسرعان ما فُسر هذا التميز أنه نتيجة تضامن، أو تآمر اليهود للسيطرة والهيمنة، وخاصة على أسواق المال.

من ذلك مثلاً، أنه عندما أصيبت أسواق المال في ألمانيا بالكساد عام 1873، ألقيت تبعة ذلك على المضاربين اليهود. ووجهت الاتهامات إلى أسرة " روتشيلد " الثرية على وجه الخصوص. وظهرت في الصحف تلميحات، ما لبثت أن تحولت إلى تصريحات، ومقالات، تتهم اليهود بأنهم يتآمرون لاستغلال أوروبا المسيحية وإفقارها. وكانت تلك هي بداية استخدام اليهود ككباش فداء بذنب، وبغير ذنب، لكل ما يقع من أزمات أو كوارث. وللإنصاف، لم يكن اليهود وحدهم الذين يُستخدمون ككباش فداء. فقد تعرض المسيحيون الكاثوليك كذلك لحملة ضارية من الاضطهادات في ألمانيا البسماركية بعد توحيدها، وأُودع كبار رجال الدين الكاثوليك غياهب السجون.

وحقيقة الأمر أنه بارتفاع رايات "القومية"، سادت النزعات التي تعلي من شأن "الأمة"، و"الدولة القومية" Nation State، وصاحب هذه النزعة في ألمانيا والنمسا، نزعة "عنصرية"، تنظر إلى الأمة على أساس عنصري. وأصبحت هاتان النزعتان معاً تكونان نظرية أيديولوجية واضحة، مع نهاية القرن التاسع عشر. وقد أرجع الفلاسفة الألمان من أمثال: كانت، وفخته، وهيجل إلى نيتشه، هذه الأيديولوجية إلى المفكر الدبلوماسي الفرنسي جوزيف دي جابينو. وإذا كان كل من كانت، وهيجل قد تناولا الموضوع من ناحية " الدولة "، وأهمية أن تُقدم متطلباتها الجماعية على أي متطلبات فردية. فإن فختة ونيتشه أضافا البعد العنصري، باعتبار أن الدولة القوية، تحتاج إلى أمة قوية، والأمة القومية لابد أن تعتمد على " جنس قوي "، والجنس القوي، هو الجنس النقي الذي لا تلوثه، ولا تختلط به دماء أجناس أخرى، وخاصة الأجناس الأدنى منه مرتبة.

وبناء على ما سبق، ساد الظن أن الخطر الذي يهدد الأمة الألمانية، والدولة القومية الألمانية، لا يأتي من أي دولة أخرى، وإنما يأتي أساساً، من تلوث "الجنس الآري" الذي هو عماد الأمة الألمانية. وأحط الأجناس القريبة، التي تلوثه، هو جنس اليهود، أو الجنس "السامي". ومن ثم لابد من منع، أو تقليص أي اختلاط بين الألمان الآريين الأنقياء عنصرياً، واليهود الساميين الأدنى عنصرياً. وبناء على هذا التفسير العنصري للمجتمع، والتاريخ، ظهرت نزعات معادية للسامية، أو لليهود وجاهرت بعدائها، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ومن ذلك كتاب دي جبينو الفرنسي "التفاوت بين الأجناس" (1853)، وكتاب مار الألماني "انتصار اليهودية على الألمانية" (1869)، وكتاب درومنت الفرنسي "فرنسا اليهودية" (1886). وتختلف هذه النزعة المعادية للسامية عن نزعة العداء التاريخي الذي كان يحمله المسيحيون لليهود، بسبب ما فعلوه مع المسيح عليه السلام، في أنها لا تقوم على أساس ديني، وإنما تقوم على أساس علماني قومي عنصري بحت.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 25 مارس 2016, 6:41 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 6:26 am

الفصل الأول

الخلفيات التاريخية للصهيونية وجذور الصهيونية

المبحث الأول: الخلفية التاريخية والدينية للجماعات اليهودية


ثالثاً: فلسطين أثناء العهود التي تلت حكم الرومان

1. الحكم البيزنطي (313 ـ 636م)

مع مطلع القرن الرابع الميلادي، انقسمت الإمبراطورية الرومانية، إلى قسمين كبيرين: القسم الغربي في أوروبا، والقسم الشرقي، الذي اتخذ القسطنطينية عاصمة له، بعد أن اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية (313م)، وبنيت الكنائس، في المواقع المسيحية المقدسة، في القدس، وبيت لحم، والجليل، والناصرة، وأقيمت عدة أديرة، في فلسطين. وحُظر على اليهود تولي المناصب الإدارية العامة، أو المشاركة في السلطة، أو حتى دخول القدس، إلاّ يوماً واحداً في العام، لإظهار حزنهم، والبكاء والعويل عند الحائط، الذي تبقى من هيكل سليمان، والذي أُطلق عليه "حائط المبكى". ولكن عندما تمكن الفرس من إعادة احتلال البلاد، سمحوا لليهود بالعودة إلى القدس(614م) وإدارتها، عقب تزايد أعدادهم فيها. ولم يدم ذلك إلاّ أعواماً قليلة. ففي عام 629م، عاد الجيش البيزنطي واحتل المدينة مرة أخرى، وانتقم من اليهود الذين رحبوا بالفرس، وتعاونوا معهم، فطردهم منها. وهكذا، خلال 323 عاماً من الحكم البيزنطي (313 ـ 636م)، لم يهنأ اليهود إلاّ بثلاث سنوات فقط، من العيش في القدس، وإدارتها ذاتياً.

2. الحكم العربي (632 ـ 1099م)

جاء هذا الحكم، بعد الفتح الإسلامي لفلسطين، عام 632، أي بعد أربعة أعوام، من وفاة النبي محمد، صل الله عليه وسلم، وهو الحكم، الذي دام أكثر من أربعة قرون ونصف متصلة، سواء كانت عاصمة هذا الحكم هي المدينة المنورة، أو دمشق (في عهد الأمويين)، أو بغداد في عهد (العباسيين)، أو مصر في عهد (الفاطميين، والأيوبيين). وفي مستهل الحكم العربي الإسلامي، سُمح لليهود بالعودة والاستيطان، في القدس. وعومل اليهود معاملة طيبة، أسوة ببقية أهل الذمة، أو أهل الكتاب، من الطوائف المسيحية. كان ذلك يعني توفير الحماية، وحرية العيش، والعبادة، مقابل دفع الجزية. مع ذلك، فان الأمور كان يتخللها التوتر والقلاقل، بين الحين والآخر، وخاصة عندما كان الحكم العربي (الإسلامي) نفسه، يتعرض لفترات، من الاضطراب والاهتزاز، إبان فترات انتقال الحكم، أو الكساد أو مواجهة ضغوط خارجية. وفي تلك الظروف، كانت ترتفع قيمة الجزية أو الضرائب، وتتقلص حرية العبادة، والإدارة الذاتية. وأخذ عدد اليهود يتضاءل، بسبب الهجرة إلى خارج فلسطين.

3. الحكم الصليبي (1099 ـ 1291م)

امتد نحو قرنين من الزمان، وبدأ عقب زحف جحافل الصليبين، من أنحاء أوروبا إلى فلسطين، بناء على دعوة، من البابا أوربان الثاني، بدعوى تحرير الأراضي المقدسة من أيدي المسلمين. وفي أوائل يوليه 1099، احتل فرسان الصليبيين الأوروبيين القدس، وأسسوا فيها مملكة صليبية، وقتلوا معظم سكانها، من غير المسيحيين. وعلى الرغم من تحصن يهود في كنيستهم، للدفاع عن الحي اليهودي، في المدينة، إلاّ أنهم أيقنوا أن لا جدوى من المقاومة، فأحرقوا أنفسهم، مسترجعين الذكرى الجماعية للانتحار، في مصعدة، قبل ألف عام (70 ميلادية). أمّا من تبقى منهم، حول مدينة القدس، أو في المناطق، التي احتلها الصليبيون، فقد وقعوا في الأسر، أو استسلموا طواعية، وصاروا عبيداً أرقاء لدى الصليبيين. وحينما خفَّت قبضة الصليبيين بعض الشيء، بدأت أعداد قليلة، من اليهود، تتسلل مرة أخرى، إلى فلسطين، ومنهم نحو 300 حاخام من فرنسا وإنجلترا، جاءوا دفعة واحدة، واستقر بعضهم، في عكا والقدس. ولكن العودة الحقيقية الثالثة لليهود إلى القدس، جاءت مع تحرير صلاح الدين الأيوبي لها، من براثن الصليبيين عام 1187. فقد منحهم حق العودة والأمان.

4. الحكم المملوكي

استمر ما يزيد على قرنين من الزمان، من 1291 إلى 1516م. وقد أكمل المماليك بعد صلاح الدين، تحرير باقي أراضي فلسطين، وانطلقوا من قاعدتهم القوية، في مصر عام 1291م، وتمكنوا من طرد آخر فلول الصليبيين. ولكن الحكم المملوكي كان حكماً سيئاً، في فلسطين، بعد ذلك. فعلى الرغم من أن اليهود لم يتعرضوا لاضطهاد، لكونهم يهوداً، إلاّ أن تفشي الظلم والإهمال أدى إلى كساد حالهم، كغيرهم من المسلمين والمسيحيين، في البلاد التي حكمها المماليك. وكالعادة، حينما كانت تسوء الأحوال، بالنسبة لليهود خاصة، فإنهم كانوا يشدون الرحال، ويهاجرون إلى أماكن أكثر أماناً ورخاء، ولم يبق في فلسطين، منهم إلاّ بضعة آلاف.

5. الحكم العثماني

بعد انتصار العثمانيين على المماليك، في مرج دابق 1517، دخلت فلسطين تحت حكمهم، أربعة قرون متصلة، ومعها المشرق العربي بأسره (1517 ـ 1917). وعوملت فلسطين كمقاطعة تابعة لبلاد الشام، تُدار من مدينة دمشق، ولم يكن في فلسطين، في بداية الحقبة العثمانية، سوى حوالي ألف (1000) عائلة يهودية، أي ما لا يزيد على سبعة آلاف نسمة، من اليهود، في فلسطين كلها، موزعين بين القدس، وصفد، ونابلس، والخليل، وغزة.

ومع الاستقرار النسبي، الذي شاع في البلاد، خاصة مع حكم السلطان سليمان القانوني، عاد تيار الهجرة إلى فلسطين، حتى وصل عدد اليهود، مع نهاية القرن السادس عشر، إلى نحو 15 ألف يهودي. ومع القرن التاسع عشر، كان عدد اليهود قد تضاعف عدة مرات، حتى ضاق الحي اليهودي، في القدس بسكانه، فبدأ بعضهم في بناء أول ضاحية يهودية، خارج أسوار المدينة القديمة، عام 1860، سرعان ما تبعها بناء سبع ضواح أخرى، كونت فيما بعد، نواة المدينة الجديدة، التي أُطلق عليها اسم "القدس الجديدة"، أو "القدس الغربية". ومع عام 1880، أصبح معظم سكان مدينة القدس، بشطريها الشرقي (القديم)، والغربي (الجديد)، من اليهود.

ومع زيادة عدد السكان اليهود، في القدس، وبقية فلسطين، بدأ إحياء اللغة العبرية، وتعليمها لليهود، من غير رجال الدين والمختصين، لأول مرة منذ ما يقرب من ألف وستمائة عام، وأصبحت هناك، بالفعل نواة ملموسة لثقافة يهودية في فلسطين، في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، حيث أنشأت مدرسة لتعليم اللغة العبرية ووضع حجر الأساس للجامعة العبرية في عام 1923 م، وعلى مدار ما يقرب من عامين اكتمل البناء وكان افتتاحها في عام 1925م.

6. هامشية الوجود اليهودي في فلسطين (313 ـ 1900م)

تصر الكتابات الصهيونية على أن اليهود لم يقطعوا صلاتهم المادية بوطنهم قط، حتى بعد تدمير القدس وهيكل سليمان، للمرة الثانية، (66 ـ 70 ميلادية). وهذا صحيح، من الناحية الشكلية؛ فقد كان هناك دائماً جماعات يهودية عاشت في مدن فلسطين الأخرى، ولكنها كانت جماعات صغيرة، لا يتجاوز حجمها عدة مئات، أو على الأكثر، بضعة آلاف، في أحسن الأحوال. وكانت تتكون إمّا من العائلات، التي لم تفارق فلسطين قط، وهي تمثل عدة مئات، ما زال أحفادها يعيشون في مدن فلسطينية، مثل نابلس، والقدس الشرقية، إلى اليوم، وهم يهود عرب يُطلق عليهم عادة اسم "اليهود السامريين"، أو كان بعض يهود الشتات يتسللون، ويعودون للعيش، في فلسطين لأسباب دينية، وهؤلاء كان عددهم يصل إلى عدة آلاف، خلال القرون الخمس عشرة، التي تلت التدمير الثاني لهيكل سليمان. وبهذا المعنى، كان الوجود اليهودي في فلسطين، بين القرنين الثاني والتاسع عشر، وجوداً هامشياً.

رابعاً: الخلفية الدينية والكتب المقدسة للجماعات اليهودية

تتسم اليهودية بتعدد كتبها الدينية المقدسة, التي تحتوي على مفهوم عام, وشامل وتتضمن الكتابات المرتبطة بديانة اليهود، سواء كانت كتابات مسجلة لما قاله نبي الله موسى u موحي إليه من الرب ومكتوباً بالألواح, أو شفهياً وتناقله كل أنبياء بني إسرائيل أو الكهنة أو الحاخامات, كل حسب عصره وزمنه حتى دار الصراع والتنافس بين هذه الكتابات أو الكتب التي صدرت عن الحاخامات، فمثلاً في بداية القرن الأول الميلادي كان التلمود وتقديسه وتفضيله على التوراة التي كتبها قبل الميلاد عزرا ونحميا, ثم جاء عصر القبالاه الحلولية وظهور كتابها الزوهار فأصبحت مكانته أفضل, وهكذا كان لكل عصر وزمان عند الجماعات اليهودية تفضيل وتقديس كما يرى حاخاماتهم لذلك الزمان أو العصر. ويرجع المفكرون والمحللون لديانة اليهود سبب ذلك لعدة أسباب، أهمها فكرة العقيدة الشفوية الحلولية, والتي تضفي على كتابات الحاخامات واجتهاداتهم صفة القدسية, بل تساوي الاجتهاد البشري مثل التلمود مثلاً بالوحي الإلهي في التوراة, وسوف نقف على أهم هذه الكتب، وأهم أسفارها على النحو الذي سنبينه بعد.

1. التوراة (العهد القديم)

هو كتاب اليهود الأول، وهو أهم كتبهم المقدسة، والمصدر الأساس للتشريع اليهودي، ويسمي بالتوراة مجازاً، وهو كلمة عبرية تعني الهداية والإرشاد، في حين تمثل التوراة جزءاً من العهد القديم وفق تسمية المسيحيين له، ولكن اليهود يطلقون عليه اسم التناخ لعدم إيمانهم بالعهد الجديد للمسيحيين، ويعد التناخ أو العهد القديم أهم الكتب الدينية اليهودية وأعظمها، حيث يعتقد اليهود أن موسى u بعد تلقيه أوامر ربه في سيناء كتب هذه الأوامر وسلمها إلى اللاويين لحفظها في تابوت العهد، وأمرهم بقراءتها أمام كل بني إسرائيل بعد سبع سنوات في عيد المظال، وقد نفذ ذلك يوشع بن نون خليفته بعد وفاة موسى u، وقد اصطحبها يوشع بن نون في حربه ضد الكنعانيين وحلفائهم للتبرك بها والمحافظة عليها، ولكن الفلسطينيين استولوا عليها لمدة سبعة أشهر ثم أعادوها إلى اليهود، ولكنها فقدت مرة أخرى بتابوت العهد أثناء حصار بنوخذ نصر لمدينة القدس (588 – 586 ق.م) وبعد خراب الهيكل على يديه، وبعد سبعين عاماً، خرج الكاتب النبي عزرا ليعلن أنه عثر على الأسفار (العهد القديم) المفقودة.

يعتقد اليهود أن العهد القديم جميعه قد كتب بتأثير الروح المقدسة من طريق تعليمات وأوامر بواسطة الإلهام السماوي، وهم يولون الأسفار الخمسة الأول من العهد القديم (التناخ) عناية خاصة، وهي المقصود بالتوراة تحديداً لأنها موصي بها من الرب مباشرة إلى موسي u. أما المصادر التاريخية فتذكر أن الكهنة اعتمدوا في التدوين والجمع على ما سمعوه وتناقلوه من جيل إلى أخر، مع إضافة أخبار وأساطير غريبة وكثيرة، وقد أضافوا إلى الأسفار الخمسة كتب الأنبياء، وهي أكثر الأسفار توحيدية، ثم أخيراً أضافوا كتب الحكم والأمثال والأناشيد. ولا مراء في أن أكبر الروابط وأمتنها إلى حالت دون الذوبان اليهودي بعد السبي البابلي، كانت تتمثل في كتابة أسفار العهد القديم خاصة بعد الكفاح الذي قاده عزرا ونحميا النبيين، بالإضافة إلى تجميع اليهود وتكوين المجتمع اليهودي في إقليم يهودا (المملكة الجنوبية سابقاً)، ولم يستقر نص العهد القديم في صورته هذه إلا في القرن الأول الميلادي.

تضاربت الآراء المتصلة بتاريخ تدوين الأسفار، ويرجع ذلك إلى مجموعة أسباب من بينها أن نصوص العهد القديم نقلت شفاهة، ولغة الكتاب المقدس اليهودي هي العبرية، وإن كانت أجزاء منه وضعت وكتبت بالآرامية، وقد قُسم العهد القديم إلى أسفار وإصحاحات وفقرات ومقاطع في القرن الثالث عشر، ويري اليهود الأرثوذكس أن كلمات العهد القديم كلام الإله الذي أوحى به إلى موسى u حرفاً حرفاً. وأما اليهود الاصطلاحيون والمحافظون والتجديديون فيعدون العهد القديم مجرد إلهام من الإله وليس وحياً.

إن أسفار العهد القديم المتداولة اليوم تسعة وثلاثون حسب النسخة البروتستانتية, وستة وأربعون حسب النسخة الكاثوليكية, وأولها سفر التكوين الذي ليس فيه أية إشارة تشير إلى علاقة موسى u به رواية أو إملاءً أو تدويناً أو وحياً, ثم الأربعة التالية لها وهي الخروج واللاويين والعدد والتثنية التي تحتوي ما يفيد أنها عائدة إلى حقبة حياة موسي u, ويأتي بعدها في النسخة البروتستانتية أسفار الأنبياء الأولين، وهم يوشع والقضاة، وصموئيل الأول، وصموئيل الثاني، والملوك الأول، والملوك الثاني، وأخبار الأيام الأول والثاني، وعزرا، ونحميا، واستير، وأيوب، والمزامير والأمثال والجامعة، ونشيد الإنشاد، وأشعيا، وأرميا، ومراثي أرميا، وحزقيال، ودانيال، وهوشع، ويوئيل، وعاموس، وعوبديا، ويونان، وميخا، وناحوم، وحبقوق، وصفنيا، وحجي، وزكريا، وملاخي. والزوائد في النسخة الكاثوليكية هي سفرا طوبيا ويهوديت بعد سفر نحميا، وسفرا الحكمة ويسوع بن سيراخ بعد سفر نشيد الإنشاد، وسفر باروك بعد سفر مراثي أرميا، وسفرا المكابيين الأول والثاني بعد سفر ملاخي, وتسمى النسخة الكاثوليكية سفر اللاويين بسفر الأحبار, وتجعل أسفار الملوك أربعة وأولها وثانيها بدلاً من سفري صموئيل الأول والثاني.

هناك سفران لا يبدو لهما صلة ببني إسرائيل، وهما سفر أيوب الذي يستفاد من عبارته أنه من بني عيسو، وسفر يونان الذي يستفاد من عبارته أنه نبي مرسل إلى نينوي: وهو النبي يونس u المذكور في القرآن الكريم، ويحتوي سفره على قصته مقاربة لما ألمح إليها القرآن الكريم، كذلك وهناك سفر مغفل السمة وهو سفر يسوع بن سيراخ الذي هو من زائد النسخة الكاثوليكية، وهو تشريعي وأخلاقي. ومن الأسفار ما هو طويل تزيد صفحاته على المائة، ومنها ما هو قصير أو قصير جداً، وقد احتوي سفر التكوين قصة الخليقة وطوفان نوح ومواليده، ثم قصة نزوح إبراهيم u إلى أرض كنعان وذريته فيها، ثم في مصر إلى نهاية حياة يوسف u. واحتوت أسفار الخروج والعدد والتثنية قصة ظهور موسى u ومعجزاته وخروجه مع بني إسرائيل وطروئهم على شرق الأردن، واحتوت أسفار يشوع والقضاة وصمويل والملوك وأخبار الأيام قصة بني إسرائيل إلى ما قبل السبي، الذي وقع في الثلث الأول من القرن السادس قبل الميلاد. واحتوت أسفار أستير وعزرا ونحميا ودانيال وأرميا ويهوديت وطوبيا والمكابيين قصتهم أثناء السبي وبعده، وأنه ليس في سفر التكوين أية إشارة إلى علاقة موسى u به رواية أو تدويناً أو وحياً أو إملاءً اللاويين.

لغة الكتابة لأسفار العهد القديم يرجح أنها كانت بالعبرية أو المصرية القديمة التي كان يعرفها نبي الله موسى u بحكم نشأته، ونقلت إلى الآرامية اللغة السائدة في أرض كنعان بعد موت موسى u، حتى جاء غزو الاسكندر وانتشار الثقافة اليونانية، اعتباراً من عام 330 ق.م. وفي عهد ملك مصر (بطليموس فيلادلغوس 285-247 ق.م) قام اثنان وسبعون من فقهاء اليهود في الإسكندرية بجمع الأسفار وترجمتها من العبرية والآرامية إلى اليونانية، وذلك بناء على طلب أحبار اليهود، وسميت هذه الترجمة بالترجمة (السبتاغونية) أي السبعينية. وفي مستهل القرن الأول الميلادي ترجمت إلى السيريانية، وفي القرن الثالث إلى القبطية، فالحبشية، ثم اللاتينية، وفي عام 718 م إلى العربية، ومنها إلى اللغات الأخرى.

أ. سفر التكوين

وهو أول أسفار التوراة الخمس وأكبرها حجماً (خمسون إصحاحا وأربعة وأربعون صفحة) وهو كذلك مقارنة بأسفار العهد القديم كلها, وإن معظمه يدور حول تاريخ نبي الله إبراهيم وأولاده وأحفاده في فلسطين؛ حيث يمكن أن يقال بشي من الجزم إنه ليس سابقا في وجوده تاريخ بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر حيث طابق محتواه أحداث سيرة بني إسرائيل وظروفهم وأحوالهم بعد خروجهم من مصر وإقامتهم في شرق الأردن ثم فلسطين. كما ذكرت فيه أسماء الشعوب التي تقطن أرض كنعان (فلسطين) من خلال ذكر ما وقع فيها من أحداث ومنها اسم الفلسطينيين مقرونا بأحداث مع نبي الله إبراهيم.

(1) يحكي تاريخ العالم من بدء تكوين السموات والأرض وقصة آدم وحواء وأحداثهما في الجنة والخروج منها وكذلك قصة نوح u والطوفان وأولاده سام وحام ويافث وعلاقتهم بأبيهم نوح u وما كان من دعائه على حام وابنه كنعان وذريتهما ليكونوا عبيداً لأبناء سام، وذكر سلالة سام ونسله إلى الجيل العاشر الذي يمثله نبي الله إبراهيم u.

(2) قصة نبي الله إبراهيم u في أرض آبائه وهي أرض الرافدين (نهري الفرات ودجلة) ثم انتقاله إلى أرض كنعان (فلسطين) ثم ذهابه إلى مصر والعودة منها، ثم استقراره في أرض كنعان، وكذا قصص زواجه من سارة وهاجر وقطورة الكنعانية ونسله منهن.

(3) التركيز على نسل نبي الله إبراهيم u من السيدة سارة بداية من اسحق u ثم يعقوب u ثم أولاده (الأسباط) بالتفصيل وصولاً إلى نبي الله يوسف u وقصته مع أخوته، ثم في مصر وانتقال أبيه يعقوب u (إسرائيل) إلى مصر ووفاته بها، مع إظهار العنصرية الواضحة بين الأبناء طبقاً لأم الابن المنتسب إليها.

(4) احتوائه على بعض القصص (الأجاداه) التي يريد بها كتاب ومدونو السفر أن يؤكدوا أسلوب ومسوِّغات الحصول على الأرض والاستيلاء عليها، بذرائع مختلفة في إطار تنفيذ وعد الرب لهم، مع تكرار تأكيد وعد الرب إلى نبي الله إبراهيم u، واسحق ويعقوب عليهم السلام، بصور مختلفة وأزمنة وأماكن مختلفة, وكتب في القرن التاسع ق.م. (اُنظر ملحق نص الوعد والعهد في أسفار العهد القديم للأنبياء إبراهيم وموسى ويوشع وداود)

ب. سفر الخروج

(1) هو ثاني أسفار التوراة وكذلك العهد القديم (أربعون إصحاحاً في ستة وثلاثين صفحة) وهو أول الأسفار الأربعة التي ارتبطت بموسي u وما كتب في هذا السفر (في عبارات كثيرة منه) يدل على أن نبي الله موسى u لم يكتبه ولم يُمْلِه في حياته ولكن كتبه بعده كتاب ومدونون عديدون وفي أزمنة مختلفة بعد مدة طويلة، وعلي أضعف الأقوال فإن كتابتها أعيدت بعد السبي البابلي وعودتهم منه، وخاصة عند ﺫكر الإشارة إلى ما سوف يحل ببني إسرائيل من مصائب وشرور وإجلاء عن أرض كنعان ثم العودة إليها، وذلك بسبب ما سوف يكون من انحرافات منهم وغضب الرب عليهم، وتكرار ذلك في باقي الأسفار الثلاثة التالية ويمكن إيجاز ما جاء في هذا السفر في الأتي:

(أ) ذكر فيه ما كان من نمو بني إسرائيل وتكاثرهم، وامتلاء الأرض بهم، وخشية ملك مصر من عواقب ذلك فأخذ في اضطهادهم وتسخيرهم في بناء المدن الجديدة والأعمال الشاقة.

(ب) قصة موسى u منذ ولادته وإلقائه في اليم والتقاط ابنة فرعون له وتربيته في بيت الملك، وقتله مصرياً، وهروبه إلى مدين، وسقايته لغنم بنات كاهن مدين ولقائه به، وزواجه من صفورة إحدى بناته ثم رحلة عودته إلى مصر، وتجلي الله له في جبل حوريب، وأمره بالذهاب إلى مصر، وطلب إطلاق شعب بني إسرائيل من فرعون مستعيناً بمعجزة العصا وابيضاض يده، وبتعزيز الله له بضم هارون أخيه إليه لفصاحته، ثم دعوته لبني إسرائيل لعبادة الله الواحد، فغضب فرعون ورفض ترك بني إسرائيل رغم المعجزات التي صاحبت نبي الله موسى u واكتمال المعجزات إلى اثنتي عشرة معجزة.

(ج) قصة التخطيط للهروب من مصر، والاستيلاء والتحايل على الجيران المصريين لأخذ متاعهم من الفضة والذهب، والخروج حسب الخطة المرسومة، وكانوا يبلغون نحو ستمائة ألف ما شيا مع عدد كبير من الغنم والأبقار والمواشي، بعد انقضاء أربعمائة وثلاثين عاماً في مصر، وعبورهم البحر بمعجزة الله لهم، وغرق فرعون وجنوده. واستغرقت هذه الأحداث، عموماً، ثلاثة عشر إصحاحاً بما فيها من الخيال والغلو وتأكيد اختصاص الرب لبني إسرائيل واختصاصهم به، وتسجيل أمر الاستيلاء على أموال الناس بهذا الأسلوب يدل على ما كان وظل في نفوس بني إسرائيل من فكرة استحلال أموال غيرهم وسلبها بأي طريقة ووسيلة.

(د) تسجيل مراحل بني إسرائيل وإقامتهم وأحداثهم التي وقعت في برية سيناء، وكذا تسابيح موسى الشكرية لله على إنقاذه لبني إسرائيل، وأيضا تمردهم على موسى وهارون ومطالبهم من المياه والطعام والعودة إلى مصر.

(هـ) تذمر بني إسرائيل من غياب موسى u عند الرب فوق الجبل، وطلبهم من هارون صنع آلهة لهم وتنفيذ هارون ذلك، فصنع عجلاً من ذهب النساء والأولاد، وعبدوا العجل وسجدوا له وإبلاغ الرب لموسى بما فعلوا وعودته إليهم لتدمير العجل وإحراقه، وأمره لهم بأن يقتل الأخ أخاه حتى يرضي الرب.

(و) تحذير الرب لموسى من عقد أي عهد مع أهل الأرض التي هو سائر إليها (كنعان) لئلا يكونوا فخاً بين بني إسرائيل ولئلا يفجروا في إتباع آلهتهم وكذلك إيجاب إبادتهم دون إنذار، ومعاملتهم بدون إنسانية أو رحمة ـ تنزه الله سبحانه وتعالي عن الأمر ـ ولكن هذا ما فعلوه مع أهل البلاد بعد موسى.

(ز) وأخر الإصحاحات في هذا السفر هي وصايا وتعليمات متنوعة بحفظ الأيام، وتخصيص كل بكر للقرابين، كما احتوت على تفاصيل جزئية كثيرة وعجيبة عن صنع تابوت العهد وخيمة العبادة والثياب الكهنوتية لهارون وبنيه، وقد وضع هذا السفر في نحو القرن التاسع قبل الميلاد تقريباً.

ج. سفر اللاويين

يأتي بعد سفر الخروج وهو ثالث أسفار التوراة، ويسمي اللاويين حسب النسخة البروتستانتية وسفر الأحبار حسب النسخة الكاثوليكية، وهو سبعة وعشرون إصحاحاً في أربعة وأربعين صفحة ويسمي أيضاً" كوها تيم" أي شريعة الكهنة ويمكن إيجاز ما جاء به كالأتي:

(1) يتناول شئون العبادات وخاصة الأعياد والأضحية والقرابين والمحرمات من الطيور والحيوانات، وكذا ما يتعلق بالطهارة والتعاليم الأخلاقية والنظم الاجتماعية التي لم تسرد في سفر الخروج والتعليمات الخاصة بخيمة الاجتماع.

(2) يؤكد أن سبط اللاويين هم سدنة الهيكل والمشرفون على الذبح والأضحية وأداء الصلوات والأدعية، وإقامة جميع الشعائر الدينية، وجمع الهبات والجباية , كما أنه كتب في القرنيين الخامس والرابع قبل الميلاد.

د. سفر العدد

هو رابع أسفار التوراة ويسمي بالعبرية (ميدبار) أي البرية وهو ستة وثلاثون إصحاحاً في ستة وثلاثين صفحة ويمكن إيجاز ما جاء به في الآتي:

(1) يشمل معظمه إحصاءات عن قبائل بني إسرائيل العبرانيين (جيوشهم ـ أموالهم ـ أعداد الرجال ـ الأسلحة في حوزة كل قبيلة أو سبط وأي شيء يمكن عده).

(2) يشمل كثيراً من التنظيمات والتشريعات الطقوس والدينية والاجتماعية إما تكراراً كما في السفرين السابقين أو مع شيء من الزيادة أو النقصان.

(3) ذكر فيه تذمر جماعة بني إسرائيل من متابعة خطوات موسى u في البرية وغضبه عليهم، وقصة العصا والصخرة والماء وارتحال بني إسرائيل إلى صحراء مؤاب دون في القرنيين الخامس والرابع ق.م.

هـ. سفر التثنية

هو خامس أسفار التوراة، ويسمي بالعبرية دفاريم، أي: الكلمات. أو مشناه توراة، ومعناها: إعادة الشريعة وتكرارها على جماعة يسرائيل عند خروجهم من سيناء. ويحتوي على أربعة وثلاثين إصحاحا في إحدى وثلاثين صفحة، ويسمي تثنية الاشتراع في النسخة الكاثوليكية، ويختلف هذا السفر من حيث الأسلوب واللغة مع الأسفار الأخرى بل ويناقضها أحيانا كثيرة، واختلف العلماء في تحديد تاريخ كتابته، هل هو في عصر القضاة؟ أم في أواخر القرن السابع؟ وهو أخر أسفار موسى u ويمكن أن نوجز ما جاء فيه بالآتي:

(1) مقدمة تحتوي على مراجعة موسى لما حدث منذ عبور سيناء.

(2) نصائح موسى الأخلاقية، ومنها الوصايا العشر، وتلخيص التشريع لبنى يسرائيل.

(3) خطب موسى الأخيرة، وطلبه من الرب تحديد خليفته، فأخبره بيوشع بين نون.

(4) أفعال موسى الأخيرة، وأغنية الوداع ومعها سرد لأحداث موته.

و. سفر يوشع

هو السفر الذي يلي أسفار موسى الخمسة, وهو من الأنبياء الأولين, ويسمي يوشع نسبة إلى يوشع بن نون خادم موسى u وهو أربعة وعشرون إصحاحاً، في إحدى وعشرين صفحة في النسخة البروتستانتية. وفيه قصة بني إسرائيل وسيرتهم وزحفهم على غرب الأردن (أرض كنعان) بقيادة يوشع بن نون بعد أن ولاه موسى u قبل موته لتنفيذ الخطة الرهيبة والعدوانية للاستيلاء على أرض كنعان، وهذا السفر يشتمل على كثير من المبالغة والخيال بل والتناقض والحث على القتل والحرق واغتصاب أرض الغير، والعدوان على الناس وأموالهم بدون وجه حق ولا شريعة من الله، ولكنها شريعة الإله الخاص بهم؛ حيث جاء في خطابه ليوشع وأمره له بعبور الأردن إلى الأرض التي أعطاها لبني إسرائيل، ووعده له بالتأييد وحثه على الشجاعة والتمسك بالشريعة. وقال له الرب "كل مكان تطؤه أخامص أرجلكم أعطيته لكم كما قلت لموسي من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات وإلي البحر الكبير الذي جهة مغارب الشمس تكون تخومكم"، ويمكن إيجاز ما جاء في هذا السفر في الآتي:

(1) أن يشوع بن نون في الإعداد لعبور الأردن طلب من أسباط جاد وراؤبين ومنسي الذين ورثوا الأرض شرق الأردن الاستعداد لمساعدة أخوانهم في العبور إلى غرب الأردن واحتلاله طبقا لخطة موسى النبي u فلبوا الطلب.

(2) ذكر قصة فتوحات يوشع بن نون لأرض كنعان، وكانت أولها فتح أريحا حيث ضرب بها المثل في الوحشية والقسوة واللاإنسانية في معاملة أهلها، حيث قتل كل من كان حياً بعد الفتح، وأحرق الأخضر واليابس حتى يحدث الخوف والرعب في الباقيين، مع استعمال المكر والخداع لتحقيق ما يريد، وفعل ذلك في المدنية التالية وهي العاى.

(3) قسم يوشع بن نون المدن والقرى على الأسباط التسعة والنصف بالقرعة، وسلم كل سبط أرضه بعد الاستيلاء عليها من أهلها وإبادتهم، والأسفار التالية تتناقض معه؛ لأن الشعوب لم تُبَدْ بل هي قائمة حتى الآن.

(4) أعطي الموافقة لأي سبط في الاعتداء على أي أرض يري ضمها، كما فعل سبط دان من توسعة نصيبهم الذي حدده موسى u بحجة أن الأرض ضيقة عليهم، فحاربوا قوم لاشم وأخذوا أرضهم وورثوها بحد السيف.

(5) اتخاذهم مدينة شيلو (سيلون اليوم) والتي تقع جنوب شكيم (نابلس) باثني عشر ميلاً عاصمة دينية مؤقتة.

(6) أن الأسباط الثلاثة جاد وراؤبين ومنسي (ابن يوسف) بعد ما قدموا الدعم لباقي الأسباط في عبور الضفة الغربية والاستيلاء عليها عادوا إلى أراضيهم شرق الأردن وأقاموا مذبحاً عظيماً على الأردن فاستاء الأسباط الباقون واجتمعوا في شيلوا استعداداً لقتالهم؛ لأنهم رأوا في إقامة المذبح تمرداً وانقساماً دينياً.

(7) ذكر موت يوشع عن مائة وعشرين عاماً  ودفنه في أرض "تمنه سارح" في جبل إفرائيم بعد دفن عظام يوسف في شكيم.

ز. سفر القضاة

هذا السفر يأتي بعد سفر يوشع، وسمي سفر القضاة لأن الذين قادوا بني إسرائيل وتزعموهم سموا قضاة، وهو واحد وعشرون إصحاحاً في إحدى وعشرين صفحة في النسخة البروتستانتية، ويحكي السفر سيرة عهد القضاة وبعض إصحاحات سفر الملوك الأول، ولا يعرف بالتحديد متى كتب، ولكن الأرجح أنه كتب بعد أمد طويل، فكان سبباً في اختلاط الحقائق بالخيال والمبالغة والتناقض مع سفر يوشع، ويمكن إيجاز ما جاء به في النقاط الآتية:

(1) ما جاء بالسفر من حساب المدة الزمنية لحقبة القضاة (350سنة) ما بين حكم القضاة لبني إسرائيل أو استعباد الممالك المجاورة لهم، ومع ذكر أن ملك بني إسرائيل بدأ بشاؤول في عام 1030 ق.م وخروج موسى u من مصر عام 1210 ق.م، وهي مدة مائة وثمانين عاماً منها حكم موسى u ويوشع ثمانون عاماً، يتبقي مائة عام هي فترة القضاة. وهنا التناقض الكبير الذي يقع فيه الرواة والمدونون (فمن أين تأتي صدقية الأحداث)؟!

(2) احتوي السفر تفاصيل كثيرة عن حقبة عهد القضاة، يستفاد منها أن بني إسرائيل حاربوا ونجحوا في بعض حروبهم، وأنهم تعرضوا لغارات وغزوات وإزعاجات كثيرة من داخل الأرض ومن خارجها، وأنهم كانوا ينحرفون انحرافات دينية وخلقية واجتماعية، كانت السبب في تسليط الرب المغيرين والغزاة والمزعجين عليهم حتى يعودوا إلى عبادة الله إله آبائهم.

(3) جاء في الإصحاح الأول أن سبطا يهوذا وشمعون نشطا لمحاربة الكنعانيين، الذين كانوا يزالون في أرض قسمتهم، وزحفوا حتى وصلوا إلى غزة وأشقلون، واستولوا عليها بحد السيف، بينما أسباط بنيامين ومنسي وإفرائيم وأشير ونفتالي عاشوا مع اليبوسيين والكنعانيين، ولم يطردوهم من أقسامهم، واكتفوا بضرب الجزية عليهم.

(4) احتوى السفر على قصة القاضي شمشون، الذي ولد لامرأة عاقر، جاءها الملاك وبشرها به، وما اشتهر به من قوة جبارة، وقتله الفلسطينيين، حتى وقع في حب امرأة فلسطينية اسمها دليلة، وهي التي أسهمت في القبض عليه ونهايته.

(5) أن إصحاحات السفر، التي ذكرت خلاص بني إسرائيل على يد قضاتهم مرة بعد أخرى من أيدي أعدائهم في غرب الأردن وشرقه، تذكر أن بني إسرائيل عاشوا بجوار كل من الفلسطينيين والأموريين والكنعانيين والمؤابيين والعمونيين والأدوميين في غرب الأردن وشرقه، حيث ظلوا مستقرين في الأرض محتفظين بشخصياتهم وكياناتهم القومية، بل وكانوا أصحاب تأثير قوي في بني إسرائيل دينياً واجتماعياً وكان الفلسطينيون في الجنوب أصحاب قبضة واستعلاء.

ح. سفر صموئيل الأول

هو السفر الذي يلي سفر راعوث, ويسمي سفر الملوك الأول في النسخة الكاثوليكية, وهو من الأنبياء الأولين, وهو واحد وثلاثون إصحاحا, في ثمان وعشرين صفحة, واسمه مقتبس من اسم صبي كان يخدم الكاهن الأكبر (عالي) ثم تولى من بعده الكهانة, ومسح شاؤول ملكاً, ومن بعده داود, كما أنه كتب بعد أمد قد يكون طويلا من حقبة الأحداث التي يقصها, وفيه أيضا من المبالغة والخيال والتهويلات مع حقائق تاريخية أيضا, ويمكن إيجاز ذلك في الآتي:

(1) قصة الكاهن (عالي) الذي يوصف برجل الله، وقصة أولاده الذين لا يعرفون الرب، ولا يفرقون بين حق الشعب والكهنة، وكانوا لا يتورعون عن مضاجعة النساء في (خيمة الاجتماع) وعلى علم من الملأ، مثلهم مثل باقي شباب بني إسرائيل.

(2) قصة أم الصبي صموئيل الذي ولد لها بعد صلوات ودعاء الكاهن عالي للرب، فنذرته للرب، وعند مولده سلمته للكاهن ليكون خادماً له أمام الرب الذي راعاه حتى سلمه الكهانة من بعده واتصال الرب به وجعله نبياً.

(3) قصة الحرب بين بني إسرائيل والفلسطينيين، حتى انتهائها بغزو الفلسطينيين أراضي يهوذا واستيلائهم على تابوت العهد لمدة تسعة أشهر، ما أثار عظيم التشاؤم والذعر في بني إسرائيل، حتى إن الخبر عندما وصل إلى الكاهن عالي سقط على الأرض ومات، وظل الموقف هذا عشرين عاماً حتى جاء صموئيل الكاهن وأصر على توبة بني إسرائيل والرجوع إلى الرب إلههم، وترك عبادة الأصنام (بعل وعشتاروت) حتى ينقذهم الرب من أيدي الفلسطينيين.

(4) ذكر قصص ترشيح صموئيل (بإيحاء من الرب) لشاؤول ملكاً على بني إسرائيل، وهو من سبط بنيامين ويتصف بالطول والقوة, والقصة السابقة للقائه مع صموئيل، وهو غلام يبحث عن اتن أبيه التائهة، ومباركة صموئيل له، وإبلاغه بأنه سيكون ملكاً أو قائداً لشعبه، ووصاه ببعض الوصايا. وهكذا أصبح شاؤول ملكاً على بني إسرائيل بعد مئتي سنة من دخولهم أرض كنعان، وانتقلت حالتهم من الفوضى وعدم الاستقرار إلى حياة أكثر استقراراً بقيام المملكة المتحدة.

(5) حقد شاؤول على داود u واعتزامه على قتله لئلا يزاحمه على الملك، ثم أخذ يطارده وينصب له شباك القتل؛ فحاول بنفسه وبرجاله وبتحريضه عليه أولاده؛ حتى إن شاؤول قتل خمسة وثمانين كاهناً من كهان مدينة نوب وأهلها جميعاً؛ لأن كاهنها أوى داود u يوماً وأعطاه سيفاً يدافع به عن نفسه، وقد اضطر داود u إلى الالتجاء إلى ارض الفلسطينيين، مرتين وأرسل أسرته لاجئة إلى مؤاب، وأقام في المرة الثانية في كنف أخيش ملك جت الفلسطيني ستة عشر شهراً.

(6) قصة هزيمة شاؤول من الفلسطينيين وسقوطه قتيلاً في جبل الجلبوع (قرية جلبون حالياً).

ط. سفر صموئيل الثاني

هو سفر صموئيل الثاني في النسخة البروتستانتية، والملوك الثاني في الكاثوليكية، وهو من الأنبياء الأولين وعدد إصحاحاته أربعة وعشرون في ثلاث وعشرين صفحة، ويحكي سيرة داود u بعد شاؤول، وهو كسابقه، فيه كثير من الخيال والتهويل والتناقض، ما يؤكد كتابته بعد موت داود u بمدة طويلة ما كان سبباً في إدخال الزيادة والنقص، ويمكن إيجاز أهم أحداثه بالآتي:

(1) قصة الحرب الأهلية بين داود u مدعم بسبط يهوذا وبين اشبوشت بن شاؤول، ويدعمه بقية أسباط بني إسرائيل، وحقق داود u النصر وتملك بني إسرائيل وأصبح ملكاً على يهوذا، واستولى على حصن صهيون وأورشليم،  واتخذ من تل صهيون مقراً لحكمه، طبقاً لأوامر الرب حين أبلغه أن يبنى له بيتاً، وهنا أول ﺫكر لصهيون في الكتب المقدسة.

(2) قصة نبوءة النبي ناتان، ووحي الرب له بأن نسل داود u هو الذي سيبني للرب بيتاً (الهيكل).

(3) شن داود u الحروب على كل الشعوب والممالك حوله، بما فيهم الفلسطينيون وفرض الجزية وأخذ العبيد منهم.

(4) قصة تمرد أبناء داود u عليه ولكل منهم سببه (تأثر أحد الأبناء لاغتصاب أخته من أخيه غير الشقيقة مثلاً) وثورتهم عليه لدرجة أن داود u انزعج من ابنه أبشالوم، وترك أورشليم ثم عاد إليها محارباً، وعاد إلى أورشليم بعد قتله ابنه.

(5) عندما شاخ داود u أقام ابنه سليمان u ملكاً من بعده، مع معارضة أخيه أودينا وانشقاقه.

(6) مات نبي الله داود u ودفن بصهيون، وكانت مدة حكمه أربعين سنة، حكم منها سبعاً في صهيون وثلاثاً وثلاثين في أورشليم.

ي. سفر الملوك الأول (الثالث)

هو سفر الملوك الثالث في النسخة الكاثوليكية، وجاء في اثنين وعشرين إصحاحاً في سبع وعشرين صفحة، وهذا السفر يستكمل مع سفري صموئيل دور ملوك بني إسرائيل؛ ففي هذا السفر قصة الملك سليمان، وابنه رحبعام فالإصحاحات من الأول إلى الحادي عشر وتحكي قصة سليمان u وتذكر توليه العرش من أبيه نبي الله داود u، ويمكن إيجازه فيما يلي:

(1) استهل سليمان u ملكه بقتل أخيه أودينا، بحجة طلبه الزواج من سرية أبيه داود u، ثم قتل يؤاب رئيس جيش أبيه، وعزل أبيانا الكاهن الأكبر لتأييدهما لأخيه أدوينا حين جهر بأحقيته عن سليمان u في الحكم.

(2) إن الشعب في عهد سليمان u كان يقرب ذبائحه على مشارف جعبون لعدم وجود بيت للرب، وأن سليمان u ازداد عليه الغنى والمجد، واستطاع أن يفرض سلطاته على جميع الأرض وغرب الأردن ما عدا غزة، التي يقطنها طائفة من الفلسطينيين.

(3) إن العلاقات بين ملك صور وسليمان u نمت، وظهر التعاون بينهما واضحاً في الإمدادات التي تساعد على بناء الهيكل, حيث بدأ البناء في السنة الرابعة لملكه، وانتهي بناء الهيكل في السنة الحادية عشرة من ملكه, بالإضافة إلى قصر لسكناه وآخر للقضاء والحكم، وأنشأ بيتاً لزوجته بنت فرعون.

(4) جاء في هذا السفر وصف لعمال البناء وللبناء نفسه، سواء الهيكل أو القصور التي بناها سليمان u ووصف للبذخ والأبهة التي وضعت في هذه المباني وخاصة الهيكل، وما وضع فيه من ذهب وفضة، وكذلك وصف افتتاح الهيكل الذي امتزج بالخيال والذكريات، وقد جمع سليمان u جميع عظماء الآباء والشيوخ الرؤساء للاحتفال بنقل تابوت العهد الذي كان فيه لوحا الحجر اللذان وضعهما موسى u فيه في حوريب حيث عاهد الرب بني إسرائيل عند خروجهم من مصر، وسار الجميع في موكب عظيم حتى أدخل التابوت في مكانه في المحراب.

(5) ذكر أن سليمان u لم يحتفظ باستقامته، وأحب نساء غرائب كثيرات مع ابنة فرعون (من المؤابيين، العمونيين، الادوميين، الصيدونيين والحيثيين) ومن الأمم التي قال الرب: لا تختلطوا بهم، فتعلق بهن سليمان u حتى ليقال كان له سبعمائة زوجة، وثلاثمائة سرية، ولم يكن قلبه مخلصاً للرب، فغضب عليه وقال له "بما أنك لم تحفظ عهدي ورسومي فسأشق الملك عنك وأدفعه إلى عبيدك، ولكني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود أبيك، بل من يد ابنك، ولا أشق الملك كله ولكن أعطي لابنك سبطاً واحداً".

(6) جاءت وفاة سليمان u بعد ملك أربعين سنة، ودفن في مدينة داود بعد أن عين رحبعام ابنه ملكاً على يهوذا مكانه.

(7) يحكي قصة رحبعام بن سليمان، كيف تولى الملك، وما حدث بينه وبين يربعام بن نباط من مناظرة وسط الأسباط في شكيم، ولكن يربعام كسب تأييد عشرة أسباط، وظل مع رحبعام سبطا يهوذا وبنيامين، وانقسمت المملكة اليهودية إلى مملكتين شمالية وعاصمتها شكيم وأسمها إسرائيل، وقوامها عشرة أسباط وجنوبية وعاصمتها أورشليم واسمها يهوذا، وقوامها سبطا يهوذا وبنيامين وقامت بين المملكتين المشاحنات والمواجهات.

ك. سفر الملوك الثاني (الرابع)

هو سفر الملوك الرابع في النسخة الكاثوليكية، وجاء في خمسة وعشرين إصحاحاً في ست وعشرين صفحة وهو يستكمل سيرة ملوك بني إسرائيل وتاريخهم وقصصهم، والأحداث التي تمت بين المملكتين، ويستكمل توضيح العلاقة بينهما، وأحوالهما الداخلية، والعلاقات بينهما وبين جيرانهما سواء كانت مستقرة أو مضطربة، بالإضافة إلى تولي الملوك للملك في المملكتين فهي في يهوذا بين أبناء سليمان عليه السلام ونسله وفي إسرائيل تنتقل لمن هو أقوي سلطاناً وزعامة وأقدر على الدسائس من الأسباط العشرة , ويذكر استيلاء بنوخذ نصر على أورشليم والسبي البابلي في ثالث هجوم عام 586 ق.م، حيث انفرد هذا السفر بكل الأحداث التي حدثت بين بابل (العراق) ومملكة اليهود، وقد ولي بنوخذ نصر على من بقي من الشعب اليهودي يهوديا اسمه "جدليا" وهو من بني إسرائيل، والذي أخذ يدعو الشعب اليهودي أن يسكن الأرض ولا يخافوا من عبودية الكالدانيين، ولكن في الشهر السابع ثار أحد رؤساء الجيش من النسل الملكي ومعه عشرة رجال، وقتل جدليا وقام الشعب معه وضربوا الكلدانيين، وتوجهوا إلى مصر خوفاً منهم. كما ذكر أيضا قصة يوشيا الملك وعثوره على سفر الشريعة لموسي أثناء ترميم بيت الرب بواسطة الكاهن حلقيا وتجديد يوشيا الملك للعهد.

ل. سفرا أخبار الأيام الأول والثاني

هما يأتيان بعد سفري الملوك، وهما من كتب الحكمة والأناشيد، فأخبار الأيام الأول يأتي في تسعة وعشرين إصحاحاً في أربع وعشرين صفحة، وأخبار الأيام الثاني يأتي في ستة وثلاثين إصحاحاً في تسع وعشرين صفحة، وما جاء في هذين السفرين هو تكرار لكثير مما جاء في أسفار صموئيل والملوك من وقائع تاريخية وأحداث الملوك، وبشيء من الزيادة حيناً أو النقص حيناً أخر مع الاختلاف والتناقض أيضاً.

م. أسفار الأنبياء الآخرين أو المتأخرين

يبلغ عددها خمسة عشر سفراً منها ثلاثة أسفار لثلاثة من الأنبياء الكبار (أشعيا ـ أرميا ـ حزقيال) واثني عشر سفراً لأنبياء صغار (هوشع ـ يونيل ـ عاموسي ـ عوفديا ـ يونس (وهو مرسل إلى نينوي) ـ ميخا ـ تاحوم ـ حبقون ـ صفنيا ـ حجاي ـ زكريا ـ ملاحي)، وهي تضم مجموعة النبوءات والمواعظ والقصص وهي منسوبة إلى أنبياء عاشوا في أيام بعض ملوك يهوذا وإسرائيل, وبها تنديدات وتقريعات ورؤى متنوعة. وفي بعضها بشارات ومواعظ ونصائح أخلاقية ودينية واجتماعية، ودعوة إلى التوبة، ووعود حسنة لبني إسرائيل إذا ما عادوا إلى الرب، كما أن الأسفار تدل على الزمن الذي وجد فيه النبي وعاش فيه مع ملوكه، الذين وجه إليهم نبوءاته وتحذيراته ونصائحه، وسنذكر أهم هذه الأسفار في المبحث الثاني لارتباطها بالصهيونية سواء القديمة أو الحديثة حيث تمتد جذورهما عبر التاريخ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 6:28 am

الفصل الأول

الخلفيات التاريخية للصهيونية وجذور الصهيونية

المبحث الأول: الخلفية التاريخية والدينية للجماعات اليهودية




2. التلمود

التلمود مصطلح مشتق من الكلمة العبرية لامد، وتعنى الدراسة والتعليم، وهو أهم الكتب الدينية عند اليهود، وهو الثمرة الأساسية للشريعة الشفوية، أي: تفسير الحاخامات للشريعة المكتوبة (التوراة) وهو يمثل الذاكرة الجمعية لليهود جميعا على مدى عشرين قرناً تقريباً، لما يمثله من المرجعية الدينية للمتشددين اليهود (الأرثوذكس ـ الأصوليين/ التلموديين), والتلمود مصنف للأحكام الشرعية، أو مجموعة القوانين الفقهية اليهودية، وسجل لمناقشات الحلقات التملودية، وكذا المحاولات التي بذلها الحاخامات لتفسير العهد القديم بما يتناسب مع وضع الجماعات اليهودية، بوصفهم جماعات منتشرة في العالم وليس بوصفهم شعباً مستقراً في أرض وله عاصمته وهيكله وديانته المرتبطة بالأرض أو الوطن, وهو محاولة لليهودية الحاخامية لعزل الجماهير اليهود عن بقية الشعوب، وخاصة بعد ظهور المسيحية التي اتخذت العهد القديم كتاباً مقدساً وأكملته وعدلته بالعهد الجديد.

التلمود مصطلح له دلالات عديدة، تعكس مراحل دراسته، وتبلور مادته. وأولي تلك الدلالات أنه يعنى تفسير" المقرأ " أي العهد القديم ويعني أساسا طريقة الدراسة بفرض استنباط الشرائع من المقرأ بالطرق التي تفسر بها التوراة. فمصطلح تلمود مرادف لمصطلح مدراشية أي تفسير، وقد أطلق عليه مصطلح تلمود الأمورائيم (الرواة) أي الجمارا، وقد أبدل اسم التلمود بجمارا شاس أي الشروح الستة بعد أن حرمته الرقابة المسيحية, و التلمود عبارة عن موسوعة تتضمن الدين والشريعة والتأملات الميتافيزيقية والتاريخ والأدب والعلوم الطبيعية، وكذا فصولاً عن الزراعة والصناعة والتجارة والربا والضرائب وقوانين الملكية والرق والميراث وأسرار الأعداد والفلك والتنجيم والقصص الشعبي. أي إنه كتاب جامع يغطى جوانب الحياة لليهودي، حتى لا يدع له فرصة الاختيار في أي وجه من أوجه حياته الخاصة أو العامة.

نظراً لأن عملية الدراسة والتفسير تمت في المعاهد الدينية في بابل وفلسطين فقد تجمع تلمودان هما التلمود البابلي نتاج دروس فقهاء بابل، والتلمود الأورشليمي أو الفلسطيني نتاج فقهاء فلسطين. ويفضل البابلي عن الاروشليمى بميزتين أولاهما: استمرار العمل فيه فترة زمنية أطول من الأورشليمي، وأخراهما أن طريقة جمعه كانت أدق من الأورشليمي، وقد صور التلمودان خاصة البابلي شكل اليهود وطابعهم المميز وعقيدتهم ومعتقداتهم وسلوكهم في الحياة تجاه خالقهم، ومع بعضهم البعض، وكذا مع الأغيار كما صور أنماط تفكيرهم.

يضفى التلمود على نفسه القداسة، حيث يعد كلمات علماء التلمود موصى بها من الروح القدس، وقد أدى هذا إلى أن محاولة التحرر والتغيير والتبديل أصبحت أمراً مستحيلاً، لا يمكن التفكير فيه؛ فالنص المقدس لا يصح تعديله أو الخوض فيه أو تبديله، وفى إطار هذه القداسة والإيمان المطلق بكل ما دونه الحاخامات فيه وردت بعض النصوص الغريبة على العقل، مثل ما ذكر من أن خلافاً ما وقع بين الإله وعلماء اليهود حول أمر ما، وبعد طول جدال تقرر إحالة الأمر إلى أحد الحاخامات الذي حكم بخطأ الإله، الذي اضطر إلى الاعتراف بخطئه. كما ردد بعض الحاخامات أن الإله يستشير الحاخامات على الأرض إذا صادفته مسألة معضلة يتعذر عليه حلها في السماء. وهكذا اختل التوازن (الحلولى) دائماً لصالح المخلوقات من الحاخامات على حساب الإله.

يتكون التلمود من نص وشرح وتعليق على الشرح وإضافات شتى، وقد استمرت عملية وضعه مئات الأعوام في أزمنة مختلفة وأمكنة مختلفة أيضاً، بدأت من التهجير البابلي حتى اكتمل تدوينه، وأضيفت إليه تعليمات الحاخامات إليه في القرن الثاني الميلادي واستمرت التعليمات حتى القرن الثالث عشر أي أن كتابته استمرت عبر التاريخ واشترك فيها ما يزيد عن ألف حاخام جيلاً بعد جيل ودون في كتاب ضخم، متعدد الأجزاء ومجلداته كثيرة وضخمة، تصل في بعض الطبعات إلى ما يزيد عن عشرين مجلداً تحوى 2.5 مليون كلمة.

دون التلمود باللهجة الآرامية الشرقية، وتسمي أيضا بالآرامية البابلية، وهي فرع من الآرامية القديمة كما يضم بقايا لغوية عبرية وتأثيرات لغوية من الفارسية الوسطي (البهلوية)، ويوجد مفردات دخيلة من اليونانية واللاتينية.

أقسام التلمود

أ. المشناه

هي كلمة عبرية مشتقة من الفعل العبري مشناه ومعناه يثنى أو يكرر وكذلك استخدمت بمعنى المعرفة ثم أصبحت تشير تحديداً إلى دراسة الشريعة الشفوية وتكرارها وتلخيصها وحفظها، كما تستخدم مصطلحاً يشير إلى خلاصة القانون الشفهي أو القانون الثاني، ويزعم اليهود أنها أنزلت على موسى في طور سيناء وقد تناقلها عن موسى أربعون جيلاً بعد جيل ويمكن أن نوجزها في الآتي:

(1) المشناه مجموعة موسوعية من الشروح والتفاسير تتناول العهد القديم، وتتضمن مجموعة من الشرائع اليهودية التي وضعها معلمو المشناه على مدى ستة أجيال، ولذا تعد المشناه مصدراً من المصادر الأساسية للشريعة، وتأتى في المقام الثاني بعد العهد القديم الذي يطلق عليه لفظ مقرا (من قرأ) باعتباره هو الشريعة المكتوبة التي تقرأ أما المشناه فهي الشريعة الشفوية أو التثنية الشفوية التي تتناقلها الألسن فهي إذن تكرار شفوي لشريعة موسى u مع توضيح ما التبس منها ولابد من دراسته.

(2) دونت المشناه نتيجة تراكم فتاوى الحاخامات اليهود (معلمي المشناه) وتفسيراتهم وتضاعفها كميا،ً بحيث أصبح من المستحيل تداولها بسهولة، فبدأ تصنيفها على يد الحاخام هليل (ألقرن الأول الميلادي) وبعده الحاخام عقيبا (أكيبا) ثم مئير، أما الذي قيدها في وضعها الحالي كتابا فهو الحاخام يهودا هاناسي عام 19م-200م بعد أن زاد عليها إضافات من عنده.

(3) يرى واضعو المشناه أنها جزء لا يتجزأ من الوحي الذي تلقاه موسى u فهي التوراة (الشريعة الشفوية) وأن بعض أجزائها تلقاه موسى u شفاهة، ثم تناقلتها الأجيال عبر العصور من حاخام إلى آخر، و أن تقاليد التوراة الشفوية لا تزال مستمرة حتى وقتنا هذا. بل يرى العلماء اليهود أن المشناه هي المقابل اليهودي للعهد الجديد فكلاهما إكمال للعهد القديم وشريعة موسى.

(4) إن لغة المشناه هي تلك اللغة العبرية التي أصبحت تحتوى على كلمات يونانية ولاتينية، وعلى صيغ لغوية يظهر فيها التأثر العميق بقواعد اللغة الآرامية ومفرداتها، وهى تسمى عبرية المشناه.

(5) يصل حجم المشناه في الترجمة الإنجليزية إلى نحو 800 صفحة وهى أكبر حجماً من العهد القديم.

(6) أحكام المشناه إما عامة أو مجهولة المصدر، وهى أحكام مقبولة، أو أراء الحكماء أو المعلمين، وهى المفضلة إذا وقع تعارض حول مسألة ما.

(7) تنقسم المشناه إلى أقسام ستة رئيسة تسمى سدا ريم (هي أيضاً أقسام الجمارا) وتنقسم إلى أسفار تبلغ 63 سفراً والأقسام الستة هي:

(أ) السدر الأول زرائيم (البذور)

ويتكون هذا السدر من أحد عشر سفراً أو رسالة، ويتناول قوانين التوراة الزراعية والدينية والاجتماعية وحقوق والكهنة واللاويين في غلال الأرض والحصاد، وكذا قواعد وأنظمة الفلاحة (الحرث وزراعة الحقول والجناين وبساتين الثمار) بالإضافة إلى السنة السبتية وكذا المواد المحظور خلطها في النبات والحيوان والكساء.

(ب) السدر الثاني موئيد (الأيام المقررة)

يحتوى لوائح الأعياد والصيام والمواسم، وكذلك السبت، إضافة إلى الشعائر والفرائض والقرابين وقواعد تنظيم التقويم العبراني، وكيفية معرفة الأشهر العبرية القمرية من الشمسية لتعيين الأعياد اليهودية، وقد تضمن أثنى عشر سفراً في أربعة مجلدات.

(ج) السدر الثالث ناسيم (النساء)

ويشتمل هذا السدر على سبعة أسفار، تختص بقوانين الزواج والطلاق والأحكام التي تحدد العلاقات بين الزوجين خاصةً وبين الجنسين عموماً.

(د) السدر الرابع نزيقين (الإضرار)

يحتوى هذا السدر عشر أسفار ومقالتين، وينقسم إلى قسمين، يضم الأول ثلاثة أسفار، وموضوعها العام القانون المدني، ويضم الثاني مقالتي سنهدرين وماكوت في القانون الجنائي، وتأتى باقي الأسفار العشر ملاحق لهذا السدر.

(هـ) السدر الخامس قداشيم (المقدسات)

ويحتوى هذا السدر أحد عشر سفراً تتناول الطقوس القربانية والتضحيات المتعلقة بالهيكل، واستمر الحاخامات في تنفيذها رغم هدم الهيكل، وانقطاع الصلة بين الممارسة الفعلية والغرض من وراء تلك الشعائر والطقوس، وهذا لغرس الأمل دائماً والتطلع إلى إعادة بناء الهيكل عاجلاً أو آجلاً واستعادة العبادة القربانية.

(و) السدر السادس طهاروث (التطهيرات)

يحتوى أثنى عشر سفراً يختص بأحكام الطهارة والنجاسة لدى الأشياء والأشخاص، وهذه الأحكام لم تكن سارية خارج فلسطين فيما عدا الأحكام المتعلقة بحيض النساء فهي سارية للآن 0

ب. الجمارا

وهى اسم مشتق من الفعل (جامر) الذي يعنى أنهى أو أتم في الآرامية، وتعنى أيضا التنمية أو التكملة أو الإكمال والدراسة وهى عبارة عن التعليقات والشروح والتفسيرات التي وضعها الفقهاء اليهود (الشراح) لتفسير المشناه خلال الفترة من عام 220 – 500 م، وهى عادة ما تكون بطريقة أسئلة وأجوبة، وتعد جزءاً من الشريعة الشفوية، ولكن تسميتها هذه من قبيل المجاز؛ فالشراح لم يكتفوا بالتفسير والتوضيح فقط، بل أجروا عليها من التعديل ما يجعلها تتطابق مع ظروف الزمان والمكان، أي أنهم فعلوا بالمشناه ما فعله رواة المشناه بالعهد القديم، ويمكن إيجازها في الآتي:

(1) الجمارا أطول من المشناه وتصل عشرة أضعاف في الجمارا البابلية، والتي جمعت في خلال مائة عام كاملة، وراجعها في نحو مائة وخمسين عاماً أخرى الحاخامات المفسرون الذين تولوا مراجعتها وصقلها حتى أخذت صورتها الحالية، وقد جمعت أثناء الأسر البابلي في العراق.

(2) وفى القرن الرابع الميلادي نسقت مدارس فلسطين التلمودية شروحها في الصورة المعروفة بالجمارا الفلسطينية، وعدد كلماتها ثلث كلمات الجمارا البابلية.

(3) يعود الاختلاف بين التلمودين إلى الجمارا حيث إن المشناه مشتركة بينهما، ولما كان الجمارا البابلية أكمل وأشمل من الجمارا الفلسطينية فإن التلمود البابلي هو التلمود المتداول بين اليهود حتى الآن، وهو الكتاب القياسي عندهم.

(4) بدأ كتابة الجمارا لأول مرة ابنا الحاخام يهود هاناسي الحاخامان جامائيل وسيميون، وأستأنف الحاخام آشى هذا العمل في صور، وهى مدينة على الفرات من 365-425م وأكمله الحاخام أبينو الذي يسمى رابينا، ووضعه في صورته الختامية الحاخام جوس عام 498م وهو آخر من سمى لدى اليهود بالملقن أو الآمر.

(5) لغة الجماراتين هي الآرامية (الشرقية في البابلي والغربية في الفلسطيني) وقد كتبتا أيضاً بأسلوب إيضاحي، وإذا كان معظم المشناه عبارة عن تشريع قانوني (هالاخيا) فإن الجمارا تجمع بين التشريع القانوني والمواعظ والقصص (اجاداه).

 

[1] سورة البقرة، الآيات 247 ـ 251
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 6:34 am

الفصل الأول



المبحث الثاني: جذور الصهيونية وبعث القومية اليهودية


جذور الصهيونية وبعث القومية اليهودية

أولاً: صهيون في الكتب المقدسة

اعتاد البشر على مر الأزمان على القناعة التامة والإيمان الراسخ بكل ما يرد ﺫكره في الكتب المقدسة، التي تعبر عن الدين الذي يؤمن به سواء كانت مرسلة من السماء وحيا إلى نبي من الأنبياء أو الرسل، أو أعيد كتاباتها على يد أنبياء، أو أصحاب الديانات الدنيوية الأخرى، وتصل في أغلب الأحوال إلى درجة العقيدة الراسخة والقوية والتي يفني فيها المؤمن بها والمعتقد فيها حياته دفاعا عنها وفى سبيلها. و لذا عمد رجال الدين اليهودي على اختلاف توجهاتهم عند إعادة كتابة أسفار العهد القديم أو تأليف وإصدار كتاب التلمود وغيره من كتبهم المقدسة إلى تدوين كل ما يشير إلى أهدافهم المحددة والرئيسة، وهى الوعد الإلهي من يهوه ربهم بالأرض المقدسة، وهى أرض يسرائيل، أرض كنعان وتكرار ﺫلك بدون ملل حتى تصبح قيدا على كل مؤمن ومعتنق للدين اليهودي. فنجد أن كلمة صهيون التي هي محور الفكر الصهيوني القديم والحديث جاء ﺫكرها في أسفار العهد القديم على لسان أكثر من نبي لهم، و كذا توجيه الاهتمام إليها، وتنفيذ كثير من الأعمال والأفعال والتوجيهات والأوامر التي تشير إلى أهميتها وقدسيتها أيضاً، لذلك سنعرض لتلك الأسفار والتي جاء ﺬكر صهيون فيها والأحداث المتصلة بها.

1. سفر صموئيل الثاني

وهو سفر صموئيل الثاني في النسخة البروتستانتية وسفر الملوك الرابع في النسخة الكاثوليكية، ومضى إيضاح ما جاء فيه في المبحث الأول؛ ولكن الحديث هنا عن كلمة صهيون، التي وردت فيه لأول مرة في العهد القديم، حين استولى الملك داود u أثناء حربه مع أهل كنعان على تل من تلال مدينة أورشاليم (القدس) التي كان يتحصن في حصنها اليبوسين أصحاب المدينة، والذين بنوا ﺬلك الحصن، ولكن الملك داود u باستيلائه عليه اتخذه مقراً ومركزا لحكمه، وأنشأ لنفسه بيتا عليه، وأصبح هذا التل رمزاً للحكم اليهودي ولمملكة داود.

2. سفر اشعيا أو نبوءة أشعيا في النسخة الكاثوليكية

أ. يأتي في ستة وستين إصحاحاً وفي إحدى وأربعين صفحة؛ حيث يمتاز أسلوبه التذكيري ببعض الأحداث والغزوات التي وقعت في مملكة يهوذا أو إسرائيل

ب.إن أشعيا عاش في أيام ملوك اليهود عزيا ويوثام واحاز وحزقيا(قبل الأسر البابلي) وهم من ملوك يهوذا

ج. إن في إصحاحاته الأخيرة إشارة إلى تدمير أورشليم، وذكر للملك كورش الأخمينى الفارسي، الذي أعاد اليهود المسببين (الأسري) إلى فلسطين، حيث يدل ذلك على أنه كتب أو أعيدت كتابته بعد السبي، وأدخل عليه ما لم يشهده أشعيا نفسه

د. لعل تلك الإنذارات والتقريعات والشتائم ضد الأمم الأخرى فيه، قد أدخلت عليه بعد السبي، ونتيجة لما بعثته العودة من السبي في نفوس بني إسرائيل من آمال وجددته من ذكريات وآلام وأحقاد.

هـ. تعد دعوة أشعيا للعودة من بابل، وﻛﺫا مراثيه في أورشاليم وصهيون هما من أساس مفهوم الصهيونية الدينية القديمة، إضافة إلى إنه هو واضع فكرة عودة الماشيح المخلص من نسل داود.

3. سفر عزرا

أ. وهو عشرة إصحاحات في ثماني عشرة صفحة، ويحتوى كسابقيه من الأسفار على حقائق تاريخية ممزوجة بكثير من الخيال والمفارقات.

ب. يقص قصة عودة المسبيين من اليهود من بابل إلى أورشاليم بأمر من الملك كورش الفارسي، وما جرى معهم من أحداث ومصاعب.

ج. دعوة كورش الملك الفارسي لدعم بناء بيت للرب في أورشاليم، كما أمره الرب بذلك أثناء منامه وسعيه لتحقيق ﺬلك وتنفيذه.

د. إحصاء للعائدين من اليهود حسب عشائرهم وأسباطهم (أسياد- عبيد- دواب-.......) وتطوع بعضهم لبناء الهيكل بالجهد والمال.

هـ. رفض العائدون مشاركة غير اليهود في بناء الهيكل.

و. صلاة عزرا وبكائه على إثم اليهود وتنكيل الرب بهم وبآبائهم، وإعلانه التوبة بعد جمع كل العائدين ليتوبوا معه، وتكون أول التوبة اعتزال آثام الأرض والنساء الغريبات لنيل مرضاة الرب، حتى ولو أنجبوا منهنَّ أولاداً.

ز. صاغ عزرا مبادئه الثمانية التي سيقوم عليها نظام الحياة وأسس الدين اليهودي.

ح. أعاد عزرا كتابة أسفار العهد القديم والمشاركة في بناء أسوار أورشاليم لحماية تل صهيون الساكن فيه الرب.

4. سفر نحميا

أ‌. يأتي في ثلاثة عشر إصحاحاً، في خمس وعشرين صفحة.

ب. نحميا النبي من الذين تخلفوا عن العودة إلى أورشاليم، وكان يعمل ساقيا للملك ارتحشستا ملك فارس.

ج. علم نحميا بحال أورشاليم وأسوارها المهدمة وحال اليهود المقيمين فيها، حيث الحياة هناك في ضنك شديد وضائقة عظيمة، فاستأذن من الملك للعودة طالباً دعمه برسائل للولاة لمساعدته بالإضافة إلى مصاحبته بفرسان وقواد لتأمينه فأﺬن له.

د. توزع اليهود العمل فيما بينهم وأنجزوا ترميم نصف أسوار أورشاليم حين ترصد لهم أعداؤهم من سكان كنعان وجوارها وخاصة الملك جشم العربي، ولكنهم استمروا في العمل تحت حراسة قسم منهم.

هـ. اكتمل بناء السور في اثنين وخمسين يوماً، وأقام نحميا المصاريع وعين البوابين والحراس، وأمر بعدم فتح الأبواب إلا بعد أن تحمى الشمس.

و. إتخذ من الإجراءات ما يمنع البيع لليهود أيام السبت، وغضب جداً على اليهود الذين تزوجوا نساء من أرض كنعان وجوارها، وأمرهم بترك ﺬلك تأكيدا لتعليمات عزرا النبي.

5. سفر المزامير

وهو السفر الذي يلي سفر أيوب ويأتي في إحدى وخمسين صفحة، ويحتوى مائة وخمسين مزموراً، وهى عبارة عن ترانيم وأدعية وصلوات وتسبيحات لنبي الله داود , وقد جاء في المزمور التاسع وفى القسم الحادي عشر منه الدعاء الأتي "رنمو للرب الساكن في صهيون".

ثانياً: الصهيونية مفهوم وتاريخ

اتصف الدين اليهودي بأنه تركيب جيولوجي تراكمي وعُرف بذلك, مثل التركيب الجيولوجي للأرض طبقات فوق بعضها, لا تتداخل ولا تختلط ولا تمتزج ببعضها, وذلك لأن الدين اليهودي لم ينسخ أو يلغى أي تفسيرات أو دلالات سابقة, أو لاحقة لأي جيل من أجيال اليهود, سواء كانت هذه التشريعات في شريعة موسى, أو أتي بها كتبة الأسفار ومفسروها في التلمود والكتب الدينية الأخرى, فجعل كل ما يرتبط به وبمفاهيمه وعقائده ينتمي أيضاً إلى التركيب الجيولوجي التراكمي, فنجد أن كلمة الصهيونية لم تظهر مصطلحاً إلا في القرن التاسع عشر, إلا أنها اتخذت واحتوت نفس تعريف التركيب الجيولوجي التراكمي وصفاته, وظهرت لها دلالات كثيرة, فمثلاً إذا أرادت الإشارة إلى المعني الديني فإن ذلك يعني كلمة صهيون, وهي في التراث الديني تعنى جبل صهيون والقدس , بل يقصد بها الآن الأرض المقدسة, وكما تشير الدلالة إلى اليهود على اعتبار أنهم بني صهيون، أي: أن اليهود جماعة أثنية دينية كما جاء بالمزمور رقم 137/1، واستخدم في الأوساط البروتستانتية إلى الإشارة والدلالة إلى أن اليهود في أوروبا ليسوا عضوا من التشكيل الحضاري الغربي، وإنما هم شعب مختار من الرب، وطنه المقدس أرض فلسطين، ولذا يجب أن يهاجر إليه، وهذا ما تعنيه الصهيونية المسيحية (وهى تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية الآن بعثاً جديداً).

الصهيونية (Zionism) مشتقة من كلمة صهيون اسم تل من التلال السبعة لمدينة القدس. وأصبحت الكلمتان، الصهيونية وصهيون، مترادفتين، تشيران، عند اليهود، إلى "أرض إسرائيل". وفي الاصطلاح، فإن الصهيونية هي الدعوة إلى استرداد اليهود لما يعدونه وطن آبائهم وأجدادهم. وجمع شتات اليهود للعودة إليه، والعيش فيه، وتطويره، وبناء مجتمع وثقافة ودولة.

إن من أهم صفات الصهيونية صفة العنصرية، ولها جذور تاريخية قديمة ترجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد، حينما أخذ عزرا ونحميا اليهوديان يحثان يهود الشتات في بابل على العودة إلى فلسطين، وقد بذل عزرا جهداً كبيراً في إقناع اليهود بذلك، إضافة إلى جهوده في إحياء اللغة العبرية وتنقية الدم اليهودي للشعب المختار من العنصر غير اليهودي بفصل الزيجات المختلفة، وإبعاد الزوجات الأجنبيات وأولادهن، مستغلاً دعم الملك كورش الإخمينى الفارسي وذلك بعد انتصاره على بابل واستعمارها سنة 539ق.م–538 ق.م، وفك أسر اليهود والسماح لمن يريد منهم بالعودة إلى فلسطين فعاد فريق منهم، ومن المرجح أن يكونوا من أولئك الذين لم يفلحوا في بابل إضافة إلى المتعصبين دينياً، ويريدون بناء الهيكل مرة آخرى0

تشير الدلائل إلى أن هناك عدداً غير قليل من اليهود أصاب النجاح في بابل، فاتصفوا بالغنى والثراء، وأصبحت لهم ممتلكات كثيرة فأثروا البقاء وعدم المغامرة والمجازفة في إعادة بناء الهيكل وإقامة الدولة مرة أخرى مع التزامهم بالدعم الممكن لليهود العائدين، وذلك رغم ما نالوه من دعم سخي من الملك قورش، ولما قدموه له من دعم في حربهم مع البابليين؛ حيث أمر برد كل ما نهب من الهيكل في عهد بنو خذ نصر البابلي إليهم، والدعوة إلى تقديم المساعدة من الجميع لإعادة بناء الهيكل مع العمل على إقامة دويلة يهودية في فلسطين تحت سيطرة الحكم الفارسي، وتكون موالية له حتى تكون حاجزا فاصلا بين الإمبراطورية الفارسية وبين الفراعنة في أرض مصر (نفس الهدف من مساعدة أوروبا لعودة اليهود الحديثة في فلسطين) هدف استعماري، والتاريخ يعيد نفسه، وإسرائيل تؤدي دور مملكة يهوذا القديم نفسه (جماعة وظيفية).

اختصت جهود عزرا في العودة إلى فلسطين بالناحية الدينية والاجتماعية، أما نحميا فقد اختص بالناحية السياسية، وهو من اليهود الذين أُسروا أثناء غزو بنوخذ نصر لأرض كنعان ونقل معهم إلى بابل، وعاش في زمن الملك ارتحششتا الأول الفارسي (465-425ق.م) حيث كان يعمل ساقيا في بلاط الملك، وكان له مكانة عالية عنده جعلته يطلب الملك ويرجوه السماح له بالعودة إلى أورشاليم (القدس) ليبنى أسوارها مرة أخرى فسمح له, فقام بمحاولة بناء أسوار القدس وإعادة توطين اليهود في إقليم يهوذا، حيث عينه أرتحششتا الأول ابن قورش الملك الفارسي حاكما وواليا على الولاية اليهودية عام440ق.م مدعما بكوكبة من الفرسان الفرس لدعمه وحراسته من حكام الولايات والمناطق المجاورة الخاضعة للحكم الفارسي، حيث ظل يحكم الولاية حتى توفي بعد بناء أسوار القدس، ودعم عزرا في جمع وتدوين وكتابة أسفار العهد القديم الخمسة (أسفار موسى)، التي أضافوا إليها كل ما أرادوه من فكر أو دعوة إلى إعادة إقامة الدولة اليهودية العنصرية على أرض فلسطين، متأثرين بما حدث لهم أثناء الأسر من ذل ومهانة واحتقار وعبودية، وأصبحت هي الديانة اليهودية اللاهوتية الضيقة الأفاق، والتي لقنوها وأقنعوا بها اليهود الذين عادوا إلى أرض فلسطين، وأكثرهم من المتعصبين، فزادوا تعصباً على تعصبهم، ويمكن أن نسمي ذلك بالصهيونية القديمة.

عاشت الصهيونية القديمة إلى اليوم في كتبهم المقدسة، وكذلك في تراثهم المقدس لتصبح هي الصهيونية الحديثة بعينها، وهي تعتمد الفكر القديم نفسه حيث يحمل فكرة التميز العرقي والنوعي اليهودي، وطهارة السلالة (الشعب المختار) وفكرة العودة إلى صهيون (الأرض المقدسة) لتنفيذ الوعد والعهد والميثاق بينهم وبين الرب ذلك الذي قطعه مع الآباء الأوائل، بل ومع الشعب نفسه في جبل حوريب في سيناء، مع العمل على تنقية الدم اليهودي، وإحياء اللغة العبرية الميتة بعد انتشار الآرامية والكلدانية، حيث يؤكد ذلك القس سوبر يوس يعقوب توما حين قال "أما لغة اليهود في فلسطين فقد كانت في الأصل السريانية الفلسطينية (الآرامية) ثم طرأ عليها تغيير لامتزاجهم بالمصريين والكنعانيين، ولكنهم استعادوها لما سبوا في بابل بامتزاجهم مع البابليين، وكانت هذه لغتهم أيضاً أيام المسيح عيسي عليه السلام، وبها كتب متى الرسول إنجيله في استجابته إلى رغبة اليهود المتنصرين" ولكن كان للتعصب والعنصرية وجهة نظر أخرى ألا وهي إلغاء الآرامية واستبدالها بالعبرية بعد إحيائها وتداولها، وهذا ما تفعله الصهيونية الحديثة الآن.

اعتمدت الصهيونية الحديثة مبادئ النبي عزرا الثمانية، والتي هي ملخص الأفكار الإستراتيجية التي وضعها النبي عزرا والأحبار عند إعادة كتابتهم لأسفار العهد القديم (الشريعة/ تثنية الاشتراع) لكي تكون هي القواعد التي اتخذتها الصهيونية الحديثة منهاجاً فيما بعد.

عند استعراض تلك المبادئ، والتي عدت هي مبادئ الصهيونية القديمة، والتي كانت نتاج ظروف قاسية بالنسبة لليهود، حيث الأسر البابلي ونتائجه السيئة والضارة بهم، وكذا العودة منه وما تركه في نفوسهم من مرارة وألم، وذل ومهانة وضياع للثقة في أنفسهم. لهذا فإننا نجد عند دراستها أن المبادئ من الأول إلى السابع تشير وتأكد أنها مبادئ عقدية بين الإله (يهوه) وبين العنصر العبري (بني إسرائيل) سواء كانوا أنبياء ورسل أو الشعب كله، فهو الشعب المختار وذلك طبقا لما تخيله عزرا النبي وتوهمه، وأرسى قواعده بين بني إسرائيل أو اليهود وأنصارهم حتى يكونوا ملزمين بالتنفيذ وتحقيق تلك المبادئ, وأما المبدأ الثامن فهو مبدأ عملي يطالب اليهود ويأمرهم أن يحولوا ما يدور بالعهد والعقل والقلب إلى إرادة قوية وعمل فاعل لاستعادة الأرض.

إن أعمال عزرا ونحميا ونشاطهم المحموم والمدعوم من الفرس في أرض كنعان مع يهودية العودة من الأسر البابلي قد قوبل بالرفض من السكان المحليين والأصليين، وكذا من المجاورين لأرض كنعان؛ فقد قامت حركة معارضة من العرب مجتمعين بقيادة ملكهم جشم العربي، وهو جشم بن شهر رئيس قبيلة قيدار العربية في طور سيناء، وسيطرت مملكته (قيدار) على الأرض التي تمتد من دلتا النيل إلى حدود إقليم يهوذا في جنوب فلسطين، واتصف بالمعارض الأول لإعادة بناء القدس وعودة اليهود إليها. والذي كان حليفاً لأمراء حوران وعمون وأشدود ضد هذه الحركة الصهيونية القديمة حيث ذكر اسمه في العهد القديم، سفر نحميا، وما كان ليأتي ذكره إلا إذا كان مؤثراً كبيراً في هذه المعارضة، ولِمَ لا وهو الذي اتصف بالمعارض الأول في ذلك العصر لإعادة بناء أسوار أورشليم القدس وهيكلها وكان ذلك في عام 440ق.م وظل هذا الصراع قائما بين اليهود العائدين وبين العرب الكنعانيين وبقية المعارضين، ولكن الدعم الفارسي ثم المقدوني (اليوناني) بعد غزوهم لأرض الشام بما فيها من ممالك وكذا أرض كنعان وهزيمتهم للفارسيين بقيادة الاسكندر الأكبر عام 330ق.م واستعمارهم المنطقة لمدة تصل إلى حوالي ثلاثمائة سنة تقريبا حتى جاء الرومان بعد ذلك اعتبارا من عام 30ق.م، وكرروا ما سبق من دعم لليهود، كل ذلك لم يسمح بحسم الصراع لصالح طرف دون الأخر.

عندما شن الثوار الحشمونيون (المكابيون) ثورتهم ضد الحاكم السلوقى في أنطاكية عام 167ق.م بقيادة متيتا الحشمونى الكاهن، الذي توفى عام 166ق.م خلفه ابنه يهوذا الذي عرف بالمكابى، وهو الذي استطاع استرداد الهيكل من السلوقيين، ولكنه لم يستطع إجلاء الحامية العسكرية من أورشاليم. كانت مطالب الثورة مقتصرة أول الأمر على حرية العبادة، ولكن المكابيين بعد اتصالهم بروما واستشعارهم تأييدها لهم رفعوا مطالبهم وصعدوها من المقاصد الدينية إلى أهداف سياسية تتمثل في طلب الحكم الذاتي لليهود في فلسطين، والتوسع من أورشاليم في اتجاه جميع الأقاليم لاستيعاب اليهود العائدين على حساب الشعوب الأخرى أصحاب الأرض الأصليين (نفس فكرة الاغتصاب والاستيلاء على أرض الغير بالقوة أو بالحيل والمكر والاستعانة بالمستعمر) ولاسيما الفلسطينيون والأدوميون إضافة لعدم دفع الضرائب وظلت هذه هي سياستهم مع القوى الاستعمارية التي تتولى شؤون فلسطين أو الشام عموماً، حيث تتأرجح المطالب اليهودية على مدار الثورة المكابية خلال الفترة من عام 167-37ق.م فكلما زاد الدعم الخارجي لهم ازدادوا قسوة وضراوة في أعمال القتل والنهب، والاعتداء المتكرر على أصحاب الأرض المحليين وخاصة الفلسطينيين، وعندما ينحسر الدعم يخسر اليهود ما اغتصبوه وينسحبوا ويتقوقعوا في أورشاليم أو مقاطعة يهوذا والدفاع عنها حتى تحين فرصة أخرى، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فقد وهبت روما من أرض فلسطين لليهود وهى ما لا تملكه وقبل احتلالها الشام، وهو ما فعلته بريطانيا في العصر الحديث، حيث وهبت وبسهولة مالا تملكه لليهود عندما أصدرت وعد بلفور.

فشل المكابيون في جميع محاولاتهم لفرض الطابع العنصري للصهيونية القديمة التي أصبحت هي الأساس للديانة اليهودية، والتي رفع شعاراتها الفريسيون الذين ظهروا بعد عهد عزرا ونحميا في القرنين الثاني والأول ق.م وهم جمهرة علماء الشريعة، ويسمون بالربانيين والحاخامات وهم شديدو التعصب والتشدد، وهم واضعو التلمود وهو الكتاب الذي يقدسونه أكثر من العهد القديم، وهو ما يوصف بأشد الكتب عنصرية وحقداً على الأمم الأخرى (الأغيار) كما جاء حكم الإنجيل عليهم بالتزمت الأحمق والتناقض بالأقوال والأفعال والتأمر والنفاق، فكان مخططهم المرسوم يقوم على تدعيم الكيان اليهودي، وكانوا دائما حريصين على غرس بذور الصهيونية العنصرية السياسية بين العوام منهم وتوجيههم إلى احتقار الأمم والأجناس والأديان الأخرى، وقد هدم الهيكل للمرة الثانية وأجلاهم من القدس القائد تيطس الروماني عام 70م بعد إثارتهم للقلاقل والاضطرابات في القدس، ثم طردهم وشردهم نهائياً من فلسطين أدريان الحاكم الروماني سنة 130م فكان الشتات الأكبر لليهود في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا حتى عادوا من خلال الصهيونية الحديثة عام 1948م.

تفرق اليهود بعد شتاتهم عقب عام 130م إلى بقاع الأرض، واتخذوا الجيتو ملاذاً وسكناً لهم، وانعزلوا عن السكان الأصليين لبلاد الشتات، إضافة إلى المعاناة التي عاشوا فيها في تلك البلاد، والتي كانت تصل إلى حد الاضطهاد بسبب سلوكهم الغريب في الحياة فاكتسبوا عداء جميع شعوب الأمم الأوروبية حتى إن الأوساط الثقافية الغربية كافة أنكرت حق الحركات التحررية عند بداياتها على اليهود جميعاً، ما جعل كل جماعة من اليهود تعيش في سوار البلد الجديد (مدنية ـ قرية) منكمشة في الجيتو حيث انحصرت حياتهم في التجارة والمال والربا مع إتباعها طريقة أداء الشعائر الدينية وفقاً لمعتقد الجماعة أو الطائفة الدينية التي تنتمي إليها (اليهودية التلمودية ـ الحسيدية ـ القبالاة) مع استمرار الجدال حول التلمود وكتاب الزوهار (كتاب القبالاة) للاستحواذ على الفكر الديني اليهودي دون المشاركة في الحياة الاجتماعية أو السياسية لبلد الشتات.

جاء عصر النهضة الأوروبية, وما قامت عليه من ثورات, مثل ثورتي التجارة والصناعة واللتين واكبتا الإصلاح الديني المسيحي, وأيضا الثورة على الكنسية وفصلها عن الحكم وظهور عصر القوميات والكيانات السياسية الأوروبية، كما كان لظهور الكنسية الإصلاحية (البروتستانتية) بزعامة القس مارتن لوثر (قائد ثورة الإصلاح الديني خلال القرن السادس عشر بألمانيا) والتي أوجدت رباطاً جديداً أصبح هو أساس الإصلاح، وهو الارتباط بين العهد القديم والعهد الجديد وتطور هذا الارتباط أيضاً ليشمل الكنسية الكاثوليكية، ما كان له الأثر الواضح في انتشار هذا الاتجاه وأصبح المفهوم بأن الإنجيل لا يمكن فهمه ومعرفته دون الرجوع إلى أسفار العهد القديم، وأن رؤيا يوحنا تمثل تاريخا للبشرية ومستقبلها، وان الإشارات والرموز الواردة في العهد القديم إنما هي أمور تخص عالم اليوم وترسم خريطة الطرق السياسية فيه.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 25 مارس 2016, 6:42 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 6:35 am

الفصل الأول



المبحث الثاني: جذور الصهيونية وبعث القومية اليهودية

جذور الصهيونية وبعث القومية اليهودية



كل ما سبق أظهر أزمة اليهودية التلمودية، وعدم قدرتها على مسايرة الواقع الجديد ما أدى إلى ضرورة ظهور الحركات الإصلاحية في اليهودية، حتى تتكيف مع الأوضاع الجديدة في المجتمع الغربي لمواجهة المتغيرات الجديدة مثل متطلبات الثورة الصناعية من تغيير في نمط وسلوك اليهودي في حياته اليومية، حتى يمكن إن تتلاءم حياته مع الواقع الجديد وكذلك تصاعد وانتشار العلمنة الحديثة في تلك المجتمعات بالإضافة إلى مطالب الدولة المضيفة لهم للعمل السياسي فيها شريطة إن يكون الانتماء الكامل للدولة وحدها وحتى يندمجوا في المجتمع سياسياً واقتصادياً وثقافياً ولغوياً، وهو ما كان يتعارض مع اليهودية الحاخامية التي عرفت الهوية اليهودية سابقا تعريفاً دينياً واثنياً وأحياناً عرقياً، وقد استجاب اليهود لنداء الدولة القومية الحديثة وظهرت بينهم حركات الإصلاح مثال: حركة التنوير اليهودية بقيادة موسى مندلسون وحركة اليهودية الإصلاحية بالإضافة لحركة يهود المارانو التجارية وتمويلهم ومشاركتهم في تأسيس الشركات التجارية والاستيطانية الكبرى للحركة الاستعمارية وراء البحار والتي كانت عاملاً قوياً في نشر العلمانية وتعميمها في أوروبا وتأثر كثير من اليهود بأفكارها.

إن الإصلاحات التي قدمها القس الألماني مارتن لوثر وإصداره لكتابه "عيسى ولد يهوديا" أحدث دويا هائلا وأثرا كبيرا في المجتمع الأوروبي وساعد على الأتي:

أ. إعادة اكتشاف العهد القديم وما به من الفكر اليهودي القديم والذي أصبح أكثر للآثار الأدبية والدينية شيوعا بين عامة البروتستانت.

ب. أصبح العهد القديم أهم مصدر للمعلومات التاريخية الدينية عامة، باحتوائه على النبوءات لرؤيا النبي يوحنا الهامة لليهود والمسيحيين.

ج. إعطاء اللغة العبرية قيمة دينية كبرى (لسان الكتاب المقدس).

د. إدانته لاضطهاد الكنيسة الكاثوليكية لليهود (وهم منحدرون من أصل واحد).

هـ. شجع على ظهور المفكرين الأوروبيين واليهود أمثال توماس بيتمان عالم اللاهوت البريطاني حيث أعلن أن عودة اليهود مرة أخرى إلى فلسطين ليس لعبادة الله ولكن لمكافحة الغرباء.

إن ما أحدثته الحركات التنويرية وظهور العلمانية والتطورات الخاصة بالثورات الصناعية والتجارية أحدث حراكا دينيا وسياسيا واجتماعيا في حياة اليهود بجميع طوائفهم، ما ساعد على حصول اليهود على كثير من الامتيازات مثل السماح لهم ببناء معابد يهودية وزيادة في طبعات الكتب العبرية سواء دينية أو أدبية ,وصدور براءة التسامح وإلغاء انعزالهم، إضافة إلى إلغاء الشارة المميزة لهم عند خروجهم من الجيتو، حتى يكونا كالمواطنين أبناء بلد الإقامة, كل ﺫلك ساعد على ظهور الكتاب والمفكرين اليهود المؤمنين الحداثة والتطوير ونعرض لبعض منهم في الآتي:

أ. من حركة التنوير أهم روادها

(1) موسى مندلسون اليهودي الألماني، زعيم حركة التنوير ومترجم أسفار موسى الخمسة إلى اللغة الألمانية.

(2) جبريل رايسر يهودي ألماني، كان يعتقد أن الدين غير القومية وأن الاندماج في الشعوب الأخرى سينهى الانعزل اليهودي في أوروبا ويقضي عليه، وكان يدعو إلى ذلك.

ب. من يهود جماعة المارانو

(1) أورييل داكوستا.

(2) إسبينوزا.

ج. من معارضي حركة التنوير

بيرتس سمولنسكين، وهو مفكر صهيوني يهودي، وعقيدته التي يؤمن بها إيماناً راسخاً ويدعو إليها هي أن جوهر اليهودية دين وقومية في آن واحد.

د. المفكرون الصهيونيون خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وسنعرض لأسمائهم ولأفكارهم بالتفصيل لاحقاً، وأهمهم:

(1) الحاخام يهودا القلعى، وكتاباه "اسمعي يا إسرائيل" و"الخلاص الثالث".

(2) الحاخام اليهودي البولندي تسيفى هيرش كاليشر وكتابه "البحث عن صهيون".

(3) موسى هيس يهودي صهيوني علماني ألماني المولد، وكتابه "بعث إسرائيل"، وعرف فيما بعد باسم "روما والقدس".

(4) الطبيب اليهودي الروسي بنسكر، وكان اندماجياً حتى إصداره كتابه "التحرر الذاتي".

(5) بيرتز سمولنسكن.

(6) موشى ليلينبلوم، وكتابه "حول بعث اليهود على أرض آبائهم".

(7) العيزر بن يهودا.

(Cool تيودور هرتزل اليهودي النمساوي، وكتابه "الدولة اليهودية".

إن الكتابات والدعوات بحق اليهود في العودة إلى أرض الميعاد، والتي تبناها وأطلقها الساسة الأوربيون من غير اليهود (صهيونية غير اليهود) سواء بدوافع استعمارية أو للتخلص من الفائض البشرى اليهودي في أوروبا لم تجد صدى بين يهود أوروبا، الذين كانوا آنذاك بصدد حصولهم على حقوق المواطنة الكاملة في دولهم الأوروبية، إضافة إلى سيل هجرة اليهود من روسيا إلى أوروبا بعد المذابح الروسية لهم. لذا فإن الأوروبيين بدأوا في التفكير في تنفيذ الإبعاد والترحيل عن أوروبا بتوجيه تلك الهجرات إلى أي بلد ما في العالم بعد تجميعهم مثلاً في فلسطين، وذلك في إطار المصالح الأوربية فكانت أول محاولة جدية قام بها نابليون بونابرت الإمبراطور الفرنسي الشهير، وهو واحد من أهم المعادين لليهود في العالم الغربي (سجله في فرنسا يشهد على ذلك) وهو أيضا من أهم دعاة العلمانية الشاملة؛ إذ دعا الصهاينة إلى الاستيطان في بلاد أجدادهم واستحثهم على الانضمام تحت لوائه في حملته الشهيرة على مصر والشام في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادي؛ لإعادة بناء مجد إسرائيل الضائع في القدس والأراضي المقدسة ومن أيدي العرب والمسلمين، ويصف اليهود بأنهم الورثة الشرعيون لفلسطين وذلك في ندائه إلى يهود العالم , وكان الهدف هو استخدام اليهود ومساعداتهم له في تحقيق غايته الاستعمارية ومراميه الخاصة بالشرق، ولكن محاولته فشلت أثر هزيمة جيوشه أمام حصن عكا الحصين، وبذلك يكون أول زعيم دولة وسياسي ينادى بإقامة دولة يهودية في فلسطين.

أصبح مفهوم الصهيونية مفهوما أساسيا في الخطاب السياسي الغربي عام 1841م، مع نجاح أوروبا في بلورة مشروعها الاستعماري ضد العالم العربي والإسلامي، والذي حقق أول نجاح له في القضاء على مشروع والى مصر محمد على الكبير لتحديث مصر والدولة العثمانية، واكتملت بلورة المفاهيم الصهيونية وملامح المشروع الصهيوني تماماً في الفترة ما بين منتصف القرن التاسع عشر وعام1880م على يد المفكرين الصهيونيين غير اليهود ومنهم لورد (شافتسبرى) و(لورنس أوليفانت) وقد لخص شافتسبرى التعريف الغربي لمفهوم الصهيونية في عبارة "أرض دون شعب لشعب بدون أرض"وهى كلمات تقترب كثيرا من الشعار الصهيوني، وقد حاول أوليفانت إن يضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ.

عبرت النزعة الصهيونية في شرق أوروبا عن نفسها من خلال جماعات أحباء صهيون، التي حاولت التسلل إلى فلسطين للاستيطان فيها، وأصبح الصهيوني هو من يؤمن بالتسلل للعودة إلى فلسطين، بعكس المفهوم الذي عرفه المفكر اليهودي النمساوي نيثان بيرنباوم في 1980م في مجلة "الانعتاق الذاتي" وشرح معناه قائلاً: إن الصهيونية هي إقامة منظمة تضم الحزب القومي السياسي، بالإضافة إلى الحزب ذي التوجه العملي (أحباء صهيون)؛ كما صرح بأن الصهيونية تري القومية والعرق والشعب شيئاً واحداً وهكذا أعاد بيرنباوم تعريف دلالة مصطلح الشعب اليهودي الذي كان يشير فيما مضي إلى جماعة دينية أثنية، فأصبح يشير إلى جماعة عرقية بالمعني السائد في ذلك الزمن، واستبعد الجانب الديني منه تماماً، وأصبحت الصهيونية هي الدعوة للقومية اليهودية التي جعلت السمات العرقية اليهودية قيمة نهائية مطلقة بدلا من الدين اليهودي، وخلصت اليهودية من المعتقدات المشيحانية والعناصر الأخروية. وهي الحركة التي تحاول أن تصل إلى أهدافها من خلال العمل السياسي المنظم، لا من خلال الدعم والصدقات من الأغنياء ولكن بعد مؤتمر بازل1897م وهو المؤتمر الصهيوني الأول (الكونجرس الأول/الكنيست الأول) حيث تحدد المصطلح وأصبح يشير إلى الدعوة التي تبشر بها المنظمة الصهيونية، والي الجهود التي تبذلها وأصبح الصهيوني هو من يؤمن ببرنامج مؤتمر بازل الأول.

لم يكن الاعتقاد بوعد التوراة للشعب المختار وانتشار هذا الإيمان به في أوروبا كافيا لقيام الدولة اليهودية على أرض الواقع، ولم تعد اليهودية موضوعا للبحث الأكاديمي، بل أصبحت صيغة واقعية مرتبطة بالأزمة السياسية السائدة في أوروبا، وكان لابد من وجود عدة عوامل سياسية واقتصادية تكون هي الفاعلة المباشرة، ولم يكن مقبولا من الناحية الشكلية وحتى الموضوعية أن يتولي الغرب من طريق مباشر طرد السكان الأصليين في فلسطين علناً وتوطين اليهود بدلا منهم بل لابد أن ينسب إلى الشعب المختار جهاد وعمل شاق لاستعادة أرضه وأرض أبائه الأوائل، ولذا نشطت الصهيونية ومفكروها في تجميع الأفكار القابلة للتنفيذ بعد ما أحكم الربط بين الأفكار الدينية والأطماع السياسية الواقعية الأوروبية في كل محاولة للحصول على نفوذ في منطقة الشرق الأوسط، أو تدعيمه وتقويته كما أصبحت الأفكار الصهيونية مادة خصبة يتجار فيها كل من يريد موطِئ قدم في الشرق؛ ما جعل فلسطين في وحي السياسة الأوروبية وفكرها تقع تحت قوي النفوذ المتصارعة الرئيسية في أوروبا، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا، وذلك في إطار تعامل أوروبا مع أملاك الدولة العثمانية، والتي كانت فلسطين من ضمنها لذا كان لابد من استغلال الدعم المعنوي الأوروبي لليهود، واستغلال الظروف السياسية الاقتصادية والأطماع الاستعمارية لهذه الدول، وربطها مع بعضها في رؤى ومقترحات للتنفيذ، فكانت هذه المقترحات لأهم مفكري الصهيونية.

1. أفكار الحاخام يهودا القلعى

كانت أفكار الحاخام يهودا القلعى (1798 -1878م) هي التي أدت إلى بعث الصهيونية الدينية في العصر الحديث، لما احتوته من دعوة إلى خلاص الشعب اليهودي بالعودة إلى التلمود والقبالاه، وكذا بالعودة إلى الأرض المقدسة، أرض فلسطين، أرض الآباء تحت زعامة وقيادة بشرية يهودية دون انتظار قدوم الماشيح المخلص كما حدث في العودة من بابل، وبناء الهيكل للمرة الثانية، وإعادة بناء أسوار أورشاليم , ويجب أن تكون العودة مصحوبة بإقامة المستعمرات والمستوطنات اليهودية في فلسطين، حتى تكون مقدمة لظهور الماشيح المخلص ومستقبلة وحامية له من الأغيار , وأيضا بقصد تعمير أرض الميعاد أرض الآباء, وقد سجل هذه الأفكار في كتابيه "الخلاص الثالث" و"اسمعي يا إسرائيل" ودعا إلى الخلاص الذاتي التدريجي، وهو العودة إلى فلسطين حيث يعد ﺬلك فرضاً على كل اليهود في التوراة والتلمود ولخص خطوات العودة في البنود الآتية:

أ. الدعوة إلى عقد (كنيست)جمعية يهودية عمومية تحت قيادة مجموعة من حكماء اليهود (السهندرين) لتنظيم عملية استعادة فلسطين وإنشاء المستوطنات اليهودية بها.

ب. إنشاء صندوق يهودي قومي لجمع التبرعات والمساعدات المالية من أثرياء اليهود لإنشاء المستعمرات والمستوطنات وإجراءات عملية تهجير اليهود وشراء الأراضي لهم.

 ج. إنشاء صندوق لجمع الضرائب من المستفيدين من الاستيطان كذا من يهود الشتات.

 د. اشتراك كل فئات اليهود في استثمار قرض قومي لإقامة المشروعات الخدمية لليهود في فلسطين.

 هـ. إحياء اللغة العبرية ووضع بنفسه كراسة لتدريسها.

2. أفكار الحاخام تسيفى هيرش كاليشر

كان الحاخام كاليشر (1795 -1874 م) متأثرا بالحاخام يهودا القلعى تأثراً كبيراً، حتى تلاقت أفكارهما تماما ,وهو قد ولد في بولندا، وعاش وعاصر توتر اليهود واضطرابهم واضطهادهم في روسيا القيصرية، كما كان قريباً من الحركة اليهودية الإصلاحية، ورفض دعوتها إلى الاستنارة بالمفهوم الغربي حيث جوهرها الاندماج في المجتمع الغربي (أي الأغيار) و لذا كانت دعوته دائما تبنى على ضرورة العودة إلى أرض الميعاد (فلسطين) أرض الآباء والاستيلاء عليها بالقوة، دون الانتظار لمجيء الماشيح المخلص حيث إن مجيئه مرتبط بتجمعهم أولا في الأرض المقدسة (فلسطين)، مثل العودة القديمة من الأسر البابلي إلى أورشاليم، وإصداره لكتابه "البحث عن صهيون " حيث ركز في القسم الأكبر منه على الحديث عن العمل الحرفي اليدوي وخاصة العمل الزراعي، لأنه مهم من الناحيتين الآتيتين:

أ. إن العمل الزراعي وثيق الصلة بالاستيطان وتوفير الغذاء.

ب. محو صورة اليهودي القديمة، والتي تصوره غير قادر على العمل إلا في التجارة والنشاط الربوي، وتصويره الآن قادراً على العمل اليدوي المنتج والمعتمد على الذات.

3. أفكار الحاخام/ الرابي افراهام يتسحاق كوك

هو أشهر حاخام/ رابي في العصر الحديث (1865 -1935م) علما ودراية وتبحرا في فقه القبالاة، حيث سخر ﺬلك العلم في خدمة الأهداف الصهيونية وأسس مدرسة "مركاز هراف "الدينية. وقد جمعت أفكاره وكتاباته كل الاتجاهات الصهيونية في الدين والسياسة وأعلن عن فتوى كبيرة لها تأثير عظيم، وهى أن جيل المستوطنين الأوائل في فلسطين ينتمون إلى جيل الماشيح المخلص، على الرغم من عدم تدينهم لأنهم حققوا تعاليم التوراة باستيطانهم أرض فلسطين، وهى أرض الميعاد ولأنها هي مركز التقاليد الدينية اليهودية والقومية على حد سواء، ولهذا كان ملخص أفكاره محددة في الآتي:

أ. إعطاء معنى ديني حقيقي لمركزية أرض إسرائيل في الحياة اليهودية.

ب. تنمية الإدراك الحسي للعلاقة بين الدين اليهودي ونشاط الصهيونية العلمانية.

ج. إعطاء أهمية عالمية للنهضة اليهودية من خلال نظام نابع من الفكر الديني.

4. المشروع الاستيطاني لموسى هس

أ. إن الأوروبيين القوميين يقولون بنقاء العرق الأوروبي، فلِمَ لا يقول اليهود بنقاء العرق اليهودي؟ وإن الرابطة القومية لا الطبقية هي التي يجب أن تسود بين اليهود، وأنها هي الأرض المشتركة للشعب اليهودي من فقراء وأغنياء، وأن مفهوم الأرض القومية يمثل القاعدة التي يرتكز عليها البناء اليهودي في دولتهم بفلسطين.

ب. يجب حث يهود أوروبا الشرقية على التوجه إلى فلسطين؛ حيث أنهم أفقر فئات اليهود، ويمثلون أعلى نسبة من اليهود في العالم، وذلك تحت شعار "لم لا يحق للشعب اليهودي التجمع لتحرير وطنه مثلما فعل الشعب الايطالي".

ج. استيطان اليهود لفلسطين بزعم نشر الحضارة الغربية ومدنيتها، مثلما تزعم الدول الاستعمارية عند احتلالها لراضي ليست ملكاً لها أنها تفعل ذلك من أجل تحديثها وتنميتها ورقيها، ومن ثم سيجعل اليهود فلسطين مراكز لتمدين ورقي شعوب آسيا وأفريقيا المجاورة لها، ومن القدس مركزا للإشعاع الحضاري، وهذا لن يتحقق إلا عن طريق إقامة الدول الصهيونية في فلسطين.

د. الاستعانة بفرنسا الدولة الاستعمارية الكبرى لدعم هذا المشروع؛ لأنها هي صاحبة النفوذ الأقوى في المشرق العربي (شق قناة السويس ـ نفوذها من خلال المارون في سورية).

5. خطة ليوبنسكر في كتابه التحرير الذاتي واشتملت على الآتي

أ. إن حل المشكلة اليهودية لن يتم إلا إذا تحققت المساواة الكاملة لليهود مع مواطني الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيهم، ولأنهم لا يملكون وطنا خاصاً بهم رغم كثرة الأوطان التي يعيشون فيها كما لا توجد حكومة وطنية تمثلهم، ولذا لزم البحث عن حل بإيجاد وطن قومي يجمعهم، وكذلك رابطة قومية يعملون تحت لوائها والمقصود بالوطن القومي أرض تعيد لليهود كرامتهم المفقودة، لا يستوجب أن تكون أرض يهودا القديمة، ولكن أي أرض يملكها اليهود ويعيشون فيها، مع أنه لا يرفض الأرض المقدسة بفلسطين إذا تيسر ذلك.

ب. تحفيز الجماهير اليهودية على الإيمان بأهمية الوجود القومي المستقل وهذا واجب على الصهيونية السياسية وعليها إثارة الدافع لممارستهم لحقوقهم السياسية القومية.

ج. إن الوقت الحالي (1862م) هو أنسب الأوقات لتحقيق التضامن القومي لليهود، وأن يكونوا جميعا مستعدين للتضحية من أجل تحقيق الهدف القومي.

د. الإثارة الدائمة لحركة معاداة اليهود (اللاسامية)، والضرب على ذلك الوتر أبداً، لإقلاق الأغيار، وجعلهم يشعرون بعقدة الذنب الدائمة حيال اليهود، حيث عرفها بأنها مرض موروث منذ أكثر من ألفي عام وهو مرض غير قابل للشفاء.

هـ. استغلال مشكلة الانفجار السكاني بالقارة الأوروبية لمصلحة الصهيونية، حتى يصبح هدف توطين اليهود في بلد يستقرون فيه خارج أوروبا هدفا مشتركا لكل الأوروبيين الذين يرغبون في التخلص من اليهود.

و. تكوين قوة يهودية مادية فاعلة بالتنسيق مع القوي الأوروبية العظمي، خاصة إنجلترا لإقامة التنظيمات السياسية والإدارية والمالية اللازمة لإقامة الوطن القومي لليهود.

ز. التركيز على الفائدة التي ستعود على الدول الاستعمارية؛ لأن المهاجرين الأوائل من المستوطنين اليهود سيقومون بدور العمالة السياسية والاقتصادية للاستعمار الغربي في المناطق المحيطة بدولتهم في حالة إنشائها.

ح. حدد ليوبنسكر فلسطين وطناً قومياً لليهود بعد إصدار هذا الكتاب بعامين.

6. خطة بيرتزسمولنسكن (1842- 1885م)

أ. مناهضة الحركة الإصلاحية اليهودية(الهسكالاه) بزعامة مندلسون، رغم ما قدمته هذه الحركة لليهود في أوروبا الشرقية والغربية على السواء من مساعدة ودعم، بل هي المحرك الأساسي للتحرر من الجيتو والخروج منه لمواكبة التقدم والتطور العالمي ولكنه رفضها وناهضها للأسباب الآتية:

(1) تمسك مندلسون بالتنوير جعل الشخصية اليهودية تذوب في الشخصية الأوروبية.

(2)    تخلي عن أهم قوة محركة للقومية اليهودية المتمثلة في اللغة العبرية وعاء التوراة.

(3) تخلي عن فكرة الخلاص الجماعي للشعب اليهودي.

ب. إبراز العداء لليهود(اللاسامية) لتوجيه الرأي العام اليهودي والتذكير الدائم بمذابح اليهود في روسيا.

ج. دعوة فقراء اليهود في روسيا للهجرة إلى فلسطين بهدف الاستيطان وإقامة كيان يهودي بها.

د. إن العمل الرئيسي للمستوطنين يكون في الزراعة، لأنها تؤدي إلى التفاعل مع الأرض والارتباط والتعلق بها والدفاع عنها إذا لزم الأمر.

هـ. قيام أغنياء اليهود في أوروبا والعالم بدعم عمليات الاستيطان، وشراء الأراضي وإقامة المستعمرات والمستوطنات، وتمويل عمليات التهجير إلى فلسطين، وما تتطلبه من نفقات في مراحلها الأولي.

7. خطة وتصور موشي ليلينيلوم (1843- 1910م)

قام بنشر دعوته من خلال كراسة كتبها بعنوان"حول بعث اليهود على أرض أبائهم" التي احتوت أفكاره على الأسس الآتية:

أ. تصوير حالة الذل والمهانة التي يعيشها يهود روسيا، وضرورة الخلاص من حياة الغربة والمهانة، وهذا لا يكون إلا بالفرار إلى وطن يستقر فيه اليهود.

ب. تأكيد الاعتقاد بأنه لا منقذ لليهود من حياة الذل والمهانة التي يعيشونها في بلاد الشتات إلا ببعث قومي بينهم بإقامة وطن قومي على أرض آبائهم الأوائل.

ج. أن تقتصر هجرات اليهود الأولي إلى فلسطين على المزارعين والحرفيين وصغار الرأسماليين لما لهم من دور في التمسك بالأرض والدفاع عنها، على أن يكونوا هم نواة الدولة القومية اليهودية التي تضم سوريا الكبرى (فلسطين جزء منها) أي أرض الشام القديمة.

د. قيام يهود أوروبا بدعم النفقات اللازمة للهجرة والاستيطان في المرحلة الأولي، ثم الهجرة الشاملة إلى فلسطين في المرحلة الثانية.

8. أفكار العيزر بن يهودا (1858-1925م) وقامت على الأسس التالية

أ. قيام قومية يهودية على غرار القومية الروسية (السلافية) على أساس سياسي علماني.

 ب. أن يظل اليهود محافظين على الوحدة القومية اليهودية بفضل ديانتهم وعزلتهم عن الأغيار وبلورة هذا المفهوم على ثلاثة ركائز هي:

(1)    الأرض (أرض الآباء الأوائل).

(2)    اللغة القومية.

(3)    الثقافة القومية والتراث الديني.

ج. إحياء اللغة العبرية لغة تعامل بين اليهود في الشتات وليست للصلاة فقط.

 د. الإصرار على أن تحقيق الهدف الصهيوني بإنشاء الدولة القومية إنما يكون بالعمل السياسي الايجابي وليس بترقب الماشيح المخلص.

9. أفكار وخطوات تيودور هرتزل (1860- 1904م)

يعتمد كثير من المحللين السياسيين والمفكرين الإستراتيجيين أن الطبيب الروسي اليهودي ليوبنسكر هو الواضع الأساسي لبذور الصهيونية السياسية بوجهتيها النظرية والعملية، وهو الذي مهد الطريق أمام تيودور هرتزل الذي استطاع بعد ذلك أن يجمع ويفند كل الآراء السابقة للمفكرين اليهود بما فيهم ليوبنسكر، ويضع الصهيونية السياسية في حيز التنفيذ ويعد كتاب ليوبنسكر التحرر الذاتي هو المرجع الأساسي لتيودور هرتزل عند تأليف كتابه "الدولة اليهودية" والذي ناقش فيه المشكلة اليهودية ووسائل علاجها حتى قيام الدولة الصهيونية، ولذا كان الفرق بين ليوبنسكر وبين تيودور هرتزل، حيث إن هرتزل كانت له المقدرة على أن يجعل المشكلة اليهودية مشكلة دولية\يهودية لا يهودية فحسب، كما أنه خطا بكتابه الدول اليهودية في سنة 1896م خطوات جادة لتفعيل الصهيونية السياسية وتطويرها في المجال السياسي العملي (الصهيونية الدبلوماسية) لا النظري كسابقيه من المفكرين والباحثين اليهود وغير اليهود (صهيونية غير اليهود) لذا يعد دور تيودور هرتزل هو الدور الأكثر فاعلية حقيقية على أرض الواقع من بين كل الأدوار التي اضطلع بها الزعماء الصهاينة المفكرون منهم والسياسيون، وقد سارت خطواته على الأسس التالية:

أ. إن أرض اليهود التاريخية موجودة ولا تزال فارغة من السكان (علي حد زعمه) وأنه يطلب من اليهود العودة إلى أراضيهم القديمة أرض الآباء وإعادة بناء دولتهم عليها وذلك لتوفر متطلبات الدولة كالآتي:

(1) شعب مميز (الشعب المختار) وهم اليهود وهم المادة البشرية المنتشرة في العالم.

(2) أرض يقيم عليها الشعب وهي فلسطين في الواقع الملموس وليست في الخيال.

(3) القوة الدافعة لإقامة الدولة موجودة في واقع المأساة التي يعانيها اليهود المضطهدون من كل شعوب العالم.

ب. إن العالم الغربي في حاجة إلى قيام الدولة اليهودية، ومن ثم فعليه أن يساعد في إقامتها، واليهود قادرون على نشر الحضارة الغربية والتبشير بها خارج أوروبا.

ج. التضخيم من مسألة عداء اليهود (اللاسامية) وهو قدرهم الأزلي ويجب على اليهود بساميتهم؛ لأن إحساسهم بالاضطهاد يجعلهم يجتمعون ويتضافرون بعكس الشعور بالأمان الذي يمزق الكيان اليهودي الموحد ويدمجهم في الشعوب الأخرى ويضعف الشعور القومي اليهودي والانتماء اليهودي.

د. قيام الدولة اليهودية لن يكون ضارا باليهود المندمجين (صهيوني التوطين) والذين سيبقون في دول المهجر والشتات بل سيكون في مصلحة كل اليهود سواء داخل الدولة أو خارجها، ولأن إحساسهم بأن لهم دولة يلجأون إليها في حالة اضطهادهم يشعرهم بالثقة والاطمئنان والأمان ولذا عليهم أن يقدموا العون المادي للدولة الوليدة طواعية مع تنظيم الهجرة إليها (أي إلى الدولة اليهودية).

هـ. محاولات الاستيطان الأولي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لا يمكن أن تحقق قيام الدولة اليهودية، ولكن يمكن دراستها للاستفادة بسلبياتها حتى يمكن تجاوزها وتصحيحها، وأن الاستيطان غير المنظم (الصهيونية الاستيطانية) وغير المرتبط بسياسة محددة لا يقيم دولة.

و. يجب تدريب اليهود (المستوطنين) على العمل اليدوي الشاق حتى يساعد على الاستيطان والاستقرار في ظل دولة معترف بها من دول العالم.

ز. إن فكرة الدولة موجودة في عقول اليهود وقلوبهم في طول تاريخهم وتراثهم الديني والشعبي، ويحملون حلم الدولة، ودليل ذلك ترديدهم الشعار الأرثوذكسي " العام القادم في أورشليم" عند التقائهم مع بعض أو افتراقهم عن بعض، يجب عندهم التمسك بهذا الشعار حتى تحقيق الهدف منه رغم أنه شعار معنوي.

ح. تبدأ الهجرة بفقراء اليهود الذين يريدون تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية وخاصة الذين يجيدون الأعمال اليدوية مثل الزراعة والصناعات الصغيرة، وأيضاً الحرف التي تحتاج إليها البنية التحتية في المجتمعات الناشئة والحديثة.

ط. إن هجرة اليهود من المجتمعات الأوروبية سينعش اقتصاديات هذه المجتمعات بعد مغادرة اليهود لها لأن أهل البلاد سيأخذون مميزات السوق التجارية والأعمال الاقتصادية التي كانت في حوزة اليهود المهاجرين وتحت سيطرتهم. فضلاً عن أن الاضطرابات والقلاقل الداخلية التي كان يسببها اليهود سوف تنتهي برحيلهم.

ي. ضرورة أن يتحول اليهود إلى قوة مؤثرة في المجتمع الدولي ويقصد هرتزل القوة بمعناها الألماني في شعار" إن الأمة التي لا تملك القوة أمة بلا روح".

ك. ضرورة إنشاء مؤسستين لتنفيذ هذه الأفكار هما:

(1) تجميع وإنشاء مجتمع اليهود.

(2) الشركة اليهودية التي توفر الموارد المالية اللازمة لإنشاء مجتمع يهودي على غرار الشركة البريطانية التي مكنت انجلترا من الاستيلاء على جنوب أفريقيا واستعمارها.

ل. أن يقبل اليهود أي أرض تمنح لهم (الأرجنتين أو فلسطين) مع انه أي هرتزل كان يفضل أرض فلسطين حيث يمكن لدولتهم العمل في وظيفة القوى العظمى، ما سيجعل من الدولة اليهودية حائطا للدفاع عن أوﺠروبا في آسيا والمنطقة العربية وبالتالي ستضمن أوروبا وجودها وبقائها.

م. يمكن وضع الأماكن المسيحية المقدسة تحت إشراف يتفق عليه سواء من الحماية الدولية أو الإشراف الدولي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 6:46 am

الفصل الثاني
هيرتزل والدعوة الصهيونية

المبحث الثالث: أشكال ومفاهيم الصهيونية العالمية

أشكال ومفاهيم الصهيونية العالمية

اتصف الدين اليهودي كما سبقت الإشارة إليه في المبحث الثاني بأنه تركيب جيولوجي تراكمي مثل التركيب الجيولوجي للأرض؛ وذلك لأنه لم ينسخ أو يلغى أي تفسيرات أو دلالات سابقة أو لاحقة لأي جيل من أجيال اليهود. ونجد أن الصهيونية على الرغم أنها لم تظهر مصطلحاً إلا في القرن التاسع عشر، إلا أنها أخذت صفات التركيب الجيولوجي التراكمي للدين اليهودي، وظهرت لها دلالات كثيرة، فمثلاً منها الديني كما عرفها عزرا النبي، ومنها السياسي كما نفذها نحميا النبي حين أتفق مع ملك فارس، وكذلك عند الإشارة إلى التراث الديني تعنى جبل صهيون والقدس، بل يقصد بها الآن الأرض المقدسة كما تشير الدلالة إلى اليهود على اعتبار أنهم بني صهيون أي أن اليهود جماعة أثنية دينية كما جاء بمزامير النبي داود u وخاصة بالمزمور رقم 137/1.

بدأ مفهوم الصهيونية نفسه في التبلور والتخلص من كثير من أبعاده الغيبية الدينية مع تصاعد العلمانية ونموها وانتقل إلى عالم السياسة والمنفعة المادية وأصبحت لها تعريفات كثيرة ومتشابكة ومتداخلة وتشير إلى مجالات كثيرة ولكنها تشترك جميعها في أنها تحتوي على مجموعة العقائد الثابتة التي ذكرت في الفصل التمهيدي، ولكن نذكر هنا أحد هذه التعريفات لاحتوائه على منهاج عملها فهي تعرف بأنها مجموعة من المعتقدات التي تهدف إلى تحقيق برنامج بازل الذي وضع في عام 1897م تحقيقاً عملياً وعلي ذلك فالصهيونيون هم أولئك الذين يعدون الطائفة المعروفة باسم اليهود شعبا قوميا مستقلا ينبغي إعادة توطينه في كيان سياسي مستقل في فلسطين، لكي يقيم فيها دولة قومية خاصة باليهود وحدهم (الدولة اليهودية) تحت ثوابت ثلاث لا اختلاف عليها وهى:

أ. إن اليهود هم شعب الله المختار .

ب. إن الله وعد اليهود وملكهم أرض الميعاد، أرض كنعان من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات .

ج. إن ظهور الماشيح مرتبط بقيام صهيون (يسرائيل) وبتجميع اليهود من شتاتهم بأنحاء العالم في أرض الميعاد (أرض يسرائيل) حتى يتحقق ظهوره .

أولاً: مبادئ عزرا الثمانية

تبنت الصهيونية الحديثة مبادئ النبي عزرا الثمانية والتي هي ملخص الأفكار الإستراتيجية التي وضعها النبي عزرا والأحبار عند إعادة كتابتهم لأسفار العهد القديم (الشريعة/ تثنية الاشتراع) لكي تكون هي القواعد التي اتخذتها الصهيونية الحديثة منهاجاً فيما بعد، وهي نفس مبادئ الصهيونية القديمة منذ الأسر البابلي والمبادئ من الأول إلى السابع عقدية والمبدأ الثامن عملي يحول ما يدور بالعهد والعقل والقلب إلى إرادة عمل قوية وصلبة وعمل فاعل ونافذ لاستعادة أرض الآباء ويمكن صياغتها في الأتي:

أ‌. اختار الله العنصر العبري ليكون شعبا مختارا له باختيار إبراهيم عليه السلام.

ب. أعطي الله ميثاقه لهذا العنصر وهو ليس مجرد عقد، بل عهد أزليّ لا ينقض.

ج. تنفيذا لهذا الميثاق اخرج العنصر العبري من مصر، وأنقذه من بطش فرعون، وأهلك كل من يعيش بأرض كنعان من أجله وأسكنه فلسطين وملكه إياها كما زعموا.

د. اختار الله داود u ودفعه إلى تحقيق الميثاق أي إنشاء الدولة الداودية (المملكة) وجدد الله له العهد بأن هذه الدولة الإلهية لن تزول لهذا جعل الله العنصر اليهودي المختار ملكاً وأرضاً ودولة هي هذا الملك وهذه الأرض وهذه الدولة الإلهية.

هـ. انحرف العنصر العبري عن الطريق العبري فأفلت منه الملك ولكن كيف يضيع الملك ومالكه هو الله.

و. على العنصر العبري أن يتطلع إلى استرجاع هذا الملك بكل عقله وقلبه الذي حققه ملوك بني إسرائيل على الأرض المقدسة (اُنظر خريطة تكوين المملكة المتحدة).

ز. إن استرجاع هذا الملك حتمي لأن العنصر العبري لم ينحرف كله، فقد بقيت بقية صالحة وبذلك يصدق عهد (يهوه) بأن ملك العنصر العبري الذي هو ملكه لن يزول.

ح. ضرورة تحويل أمل العودة واسترجاع الملك إلى إرادة فعالة مخططة وعمل ايجابي من الشعب الموعود بالأرض والملك.

إن مبادئ الصهيونية القديمة التي كانت ترجمة صادقة لأعمال النبيين اليهوديين عزرا ونحميا، وحماسهما العنصري الطاغي والمعادي لكل ما هو غير يهودي، وكذلك استغلالهما لدعم وتعاون كل من قورش الإمبراطور الفارسي وأولاده من بعده لهما، للعودة إلى أرض كنعان، ما أكسب تلك العودة عداء شعوب تلك الأرض، بالإضافة إلى أسلوب أعمال الحشمونيون (المكابيون) وثورتهم ضد الحكم السلوقي بقيادة متيتا الكاهن الحشموني وأولاده من بعده، وأيضاً إثبات فشلهم في إعادة حكم اليهود أو فرض الطابع العنصري في تلك الأرض. كل ذلك وضعه الفريسيون الذين ظهروا في القرنين الثاني والأول قبل الميلاد في كتابهم التلمود، وهو أشد الكتب عنصرية وتحاملاً على الآخرين أو الأغيار، وأصبح هو القاعدة الأساسية، بل منهاج الحياة لليهود في شتاتهم الطويل.

أصبح من الضروري لتنفيذ هذا البرنامج توحيد العمل بين جميع الاتجاهات والمدلولات للمفهوم الصهيوني نتج عن تعدد ذلك المفهوم عدة أشكال للصهيونية ولكل منها روادها ومفكروها وقادتها، ولذا فإننا نجد من أشكالها صهيونية غير اليهود واعتقدها الأوربيون المسيحيون اعتقاداً كاملاً, والصهيونية العمالية (الاشتراكية) في شرق أوروبا, وصهيونية الدياسبورا, والصهيونية الاستيطانية (العملية/التسللية) التي تتبناها جمعية أحباء صهيون, وكذا الصهيونية القتالية (لحاجة المستعمرات والمستوطنات في فلسطين للدفاع عنها) والصهيونية الدبلوماسية (الاستعمارية), والصهيونية السياسية التي اعتنقها اليهود العلمانيون بقيادة هرتزل, والصهيونية التوفيقية التي اتخذها حاييم وايزمان وسيلة لحل التناقضات وتوحيد الجهود بين كل من المتعارضين والمختلفين في الرأي، ونعرض أهم هذه الصهيونيات والتي كان لها الأثر الفعال في العودة إلى فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل في مايو 1948 م .

ثانياً: الصهيونية الدينية

تعرف الصهيونية الدينية بأنها تيار ديني ظهر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي يدعو إلى الهجرة إلى فلسطين لإقامة الشريعة اليهودية والعمل بالوصايا التوراتية لتحقيق مملكة الرب والأمة المقدسة على أرض فلسطين، ويطلق على هذا التيار بأنه التيار الديني الأصولي الذي يضاد الصهيونية القومية/ السياسة التي جاء بها هرتزل ورفاقه من أجل الدولة القومية على أرض فلسطين؛ لإن أصحاب التيار الديني دائما يرون أن إنشاء الدولة القومية بالرؤية التي يتصورها هرتزل ورفاقه تعد استعجالا للنهاية التي ستكون كارثة على اليهود إذ يجب أن تقترن الدولة بظهور الماشيح المخلص، مع الأخذ في الحسبان حقيقة المؤكدة أن التيار الديني المتشدد (الأرثوذكسي) كان لا يزال التيار الأكثر تأثيرا في الجماعات اليهودية خاصة في أوروبا الشرقية حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، إلا أن الحركة الصهيونية العلمانية بقيادة تيودور هرتزل استطاعت أن تستقطب غالب هذا التيار لتدعم بتأثيرها الديني في اليهود طاقات الموقف السياسي القومي بين أوساط اليهود، وكان أصحاب التيار الديني ينظرون إلى الصهاينة العلمانيين (وهم ملاحدة) على أنهم أصحاب فكر علماني يمكن أن يعرض الأرثوذكسية للخطر، ويمحو الصيغة المميزة للكبرياء اليهودي وكان الحاخامات الأرثوذكسيون على حق؛ ذلك لأن هرتزل ورفاقه كانوا يعتقدون بأن مكان الحاخامات هو المعابد بل كانوا ينظرون إلى الدين اليهودي على أنه مجموعة من الأفكار التي لا يمكنها إدارة شئون اليهود المعاصرين أو تغيير وجهتهم من الشتات وتنقلهم إلى أرض تقوم عليها دولتهم القومية، لكن هؤلاء الصهاينة العلمانيين كانوا يقدرون مدي قوة السلطة الدينية التي يملكها هؤلاء الحاخامات الأرثوذكسيون على جمهرة اليهود ومن ثم فلم يمانعوا بأن يعلنوا أن القومية اليهودية يجب أن تقوم على تعاليم التوراة وشروحها في التلمود واللغة العبرية والأرض الموعودة، أي أن الأمر من وجهة النظر العملية البحتة يجب أن يقوم كل يهودي بنصيبه في القومية اليهودية الناشئة.

التحالف الصهيوني الديني العلماني في حقيقته يعني أن الصهيونية تسير نحو التغير من تجمع يقوم على مبدأ ديني إلى تجمع قومي وثورة داخلية جذرية داخل اليهودية تقوم بتغيير طبيعة الشعب من كيان ديني إلى كيان قومي مع الإفادة في الوقت نفسه من تأثير التيار الديني على تجمعات اليهود، وهذا ما تنبه إليه هرتزل رائد الحركة الصهيونية العلمانية في مقولته الشهيرة "الصهيونية هي العودة إلى اليهودية قبل العودة إلى دولة اليهود" وبذلك أيد التيار الصهيوني الديني التيار الصهيوني العلماني بزعامة هرتزل، مع أن زعماء التيار الصهيوني الديني اختلفوا مع الآخرين حول تعريف العلاقة بين الدين والثقافة في المؤتمر الصهيوني الخامس في سنة 1901م إلا أنهم أيدوا مساعي الحركة الصهيونية السياسية العلمانية نحو إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين تحت شعار التوراة، والعمل على الرغم أن الصهيونية الدينية ارتبطت بفكرة الماشيح اليهودي من نسل داود وسليمان (طبقا لوعد الرب لهما) واعتقادهم بأنهما هما الموحدان للأسباط في دولة واحدة قديما (اُنظر خريطة تكوين المملكة المتحدة) ولعل في اشتراطهم أو اختيارهم أن يكون من نسل داود هو استمرار بناء مفاهيم عنصرية يهودية تشعرهم بالاستعلاء على كل الشعوب والأمم فيما عرف في التراث الديني اليهودي بمصطلح مشيحوت، ويعني المشيحانية أي الخلاص بينما ارتبطت الصهيونية العلمانية بذرائع سياسية بحته لإقامة دولة اليهود على أرض فلسطين، مقتنعين بضرورة وجود ضمانات سياسية من الدول الأوروبية العظمي وهي دول علمانية استعمارية في مقدمتها انجلترا، مثل اعتراف صريح للموافقة على هجرة اليهود إلى فلسطين واستيطانها والاعتراف بأحقيتهم في تأسيس الدولة اليهودية على أراضيها أي الحصول على الشرعية الدولية للجهود الصهيونية بإقامة الدول الصهيونية على أرض فلسطين العربية.

أصبح التحام الدين اليهودي بالقومية اليهودية التحاما يتعذر فصله، لأن القومية صارت من أهم مكوناته وصار الدين اليهودي قومية دينية يهودية، ومنها تبلورت فكرة وجوب نقاء الدم اليهودي منذ العودة من المنفي في الأسر البابلي حين بكي عزرا النبي بسبب زواج اليهود من الأمم الأخرى أثناء الشتات الأول، وكانت أهم أوامره لليهود عند العودة من الشتات "ألا تعطوا بناتكم لبنيهم ولا تأخذوا بناتهم لبنيكم"، وكذلك قول نحميا في إصلاحاته النهائية "فطهرتهم من كل غريب". واستمرت هذه المعتقدات حتى الآن في صورة قانون من هو اليهودي ؟ ولم يكن هذا الاستعلاء على الآخرين إلا انعكاسا نفسيا لإحساسهم بالدونية بسبب الانكسارات المتتالية والمعاملات والعلاقات السيئة التي كانوا هم سببا فيها مع الشعوب والأمم التي آوتهم على أراضيها بعد شتاتهم على يد تيطس وهدرمان الرومانيين في أعوام 70م و 135م هذه الأحاسيس بالدونية هي التي ولدت عندهم إظهار مشاعر الاستعلاء القومي وأوجدت حلم بطل ديني من سلالة داود يأتي لخلاصهم ورأوا أن التوبة والعودة إلى تعاليم التوراة تحقق هذا الحلم وتطور هذا المعتقد، وبلغ قمة تطوره في عصر التلمود ثم القبالاة، وأصبح يشير مفهوم المشيحوت إلى مجيء ملك يهودي ترسله السماء بقدرات حربية خارقة ليقود اليهود ويضعهم على قمة السلم البشري بشرط أن تشهد الأرض دمارا يتبعه هدوء وسلام أبدي يمهد لسيادة بني إسرائيل على العالم، فتأتيهم شعوب الأرض من أجل تقديم القرابين لهم خضوعا لبني إسرائيل في إسرائيل التي يجب أن تصبح سيدة على العالم وبذلك تكون الصهيونية الدينية قد وضعت أساسين مهمين ليكونا قاعدة المفاهيم لديها في سيادة بني إسرائيل على العالم هما الشعب المختار والماشيح المنتظر، الذي سيقيم دولة إسرائيل على أرض فلسطين وكعادتهم أضافوا إليها القداسة، وأن أورشليم مركز العالم ولقد سيطر هذا المفهوم على الفكر الديني الكاثوليكي في العصور الوسطي لدرجة أن (دانتي) مؤلف الكوميديا الإلهية جعل أورشليم مركز العالم.

إن إضافة طابع القداسة إلى أرض فلسطين طبقا لآراء الحاخامات الأوائل طور تفسير القداسة على مر السنين، فمثلاً الحاخام موسي بن ميمون العلامة ورائد الفكر القبالاه وضع شرط التوبة لمجيء الماشيح والمصطلح الديني اليهودي بالعبرية "تشوفاه" تعني التوبة وكذلك تعني العودة إلى الأرض المقدسة كما قال "إننا مطالبون بإتباع التوراة والشرائع في كل العصور وبعد أن نفعل ما هو متوقع منا ويجدنا الرب ويجد أحفادنا مستحقين بدرجة كافية لقدوم الماشيح فانه يرسله لنا"، واستمر تطور هذا الرأي حتى أصبح يشير إلى أن الاستيطان بفلسطين واجب ديني يساوي كل فروض التوراة وعلي هذا فيلزم كل فرد يهودي نفسه بالهجرة إليها والعيش فيها تمهيدا لمجيء الماشيح المخلص، ومثل هذه التفسيرات كانت من الأسباب التي دفعت بعض اليهود من حين إلى آخر إلى الهجرة إلى فلسطين والعيش فيها، ولقد اهتم الحاخامات بتوظيف العامل المشيحاني ليكون أحد العوامل المهمة الأساسية في التفكير القومي لدي اليهود وقد أوجد وهم حريصون على أن يكون مفهوم المشيحانية/ الخلاص مفهوم جماعي بحيث يحث اليهود ويحرضهم على التطلعات القومية اليهودية مع أن المشيحانية نشأت إحساسا دنيوياً لا دينياً، إلا أنه أخذ يتلون باللون الديني بادعاء أنه نبع من النبوة الإسرائيلية ليكتسب قوته الاعجازية الخارقة بكفاءة والتي تخلص اليهود من معاناتهم وتقودهم إلى الخلاص القومي بقيادة نبي قومي من نسل داود.

إن ظهور فكرة شخصية الماشيح المخلص الدنيوية ذات الرسالة الدينية المؤيدة من رب إسرائيل أدت إلى بعث الصهيونية الدينية في العصر الحديث على يد الحاخام يهودا ألقلعي (1798- 1878م) بالدعوة إلى الخلاص بالعودة إلى التلمود والقبالاة وبالعودة إلى فلسطين أرض الآباء تحت زعامة بشرية دون ما انتظار للمشيح المخلص، وذلك بإقامة مستعمرات يهودية في فلسطين، لكي تكون مقدمة لظهوره كما رأي أن الخلاص لا يمكن أن يأتي فجأة مرة واحدة وإنما ينبغي العمل بجد لتحقيقه كما رأي أن الخلاص الذاتي سيتم بالدعوة إلى عقد جمعية كبرى (كنيست) وقيام صندوق قومي لشراء الأراضي وهذه الأفكار، هي الأفكار نفسها التي آمن بها اليهودي العلماني تيودور هرتزل فيما بعد، وكذلك جاءت أفكار الحاخام البولندي تسفي هيرش كاليشر (1795- 1874م) تأييدا لأفكار ألقلعي في دعوته إلى الاستيطان بفلسطين وفي كتابه "البحث عن صهيون" الصادر في 1862م رأى هيرش كاليشر أن عذاب اليهود وشقاءهم هما امتحان إيمانهم وان بداية الخلاص تكمن في التطوع للذهاب إلى فلسطين بقصد الاستيطان لان الاستيطان بأرض فلسطين أهم وصايا التوراة وكذلك اتفق معهم موسي هس رائد القومية الصهيونية والمنادي بأنها حتمية اجتماعية وسياسية تجمع اليهود على معنى مشترك تحت لواء واحد وكان له فكره المؤثر حيث وضعه في كتابه بعث إسرائيل The Revival of Israel وهو الكتاب الذي عرف فيما بعد باسم روما والقدس ووضع خطته فيه واشتملت على بعث القومية اليهودية ثم اللاسامية واللامكان والذي دل على اللاسامية بقوله "إن كراهية العرق اليهودي هي الأساس وليس باستطاعة أي إصلاح أو تنصر أو أية ثقافة أو تحرر أن تفتح أبواب المجتمع الألماني لليهود حتى لو تنكروا لعرقهم" كما دلل على اللامكان أي اللامأوى بقوله "من الممكن أن تتحرك المشاعر الإنسانية لدي بعض الشعوب الأوروبية فتحررنا ولكنها لن تحترمنا طالما مبدؤنا أن موطن المرء حيث ينتفع وأن لب المشكلة هو اللامأوى" أي أن عدم وجود وطن قومي لليهود مثل باقي الشعوب سيدفع بهم في النهاية إلى مستوى الطفيليات التي تعتمد في قوتها على الآخرين .

ثالثاً: الصهيونية السياسية

الصهيونية السياسية اصطلاح مرادف لما يسمي الصهيونية الدبلوماسية، وهو الأكثر تفسيرية وارتباطا بظاهرة الصهيونية عموما كما أن كلمة سياسية مصطلح شديد العمومية يفترض أن الصهيونيات الأخرى ليست سياسية ولكن هذه الكلمة تعني في واقع الأمر المناورات السياسية أي الجهود الدبلوماسية، ولذا فإن المصطلح يشير إلى الإجراءات التي تؤدي إلى تحقيق الهدف الصهيوني، وهو السعي لدي القوي الامبريالية الاستعمارية الكبرى في أوروبا لضمان تأييدها للمستوطن الصهيوني في فلسطين وتأييد والهجرة اليهودية ودعمها تمهيداً لإقامة الوطن القومي اليهودي في الأرض المقدسة أرض فلسطين، واستخدام اصطلاح الصهيونية السياسية للتفرقة بين الإرهاصات الصهيونية الأولي التي سبقت ظهور هرتزل قبل جماعات أحباء صهيون، وكذا الصهيونية التوطينية لأثرياء اليهود في الغرب ولكن الحركة الصهيونية التي نظمها هرتزل تعود بداياتها إلى عام 1896م عندما نشر كتابه دولة اليهود، ولم تكن قيادات الصهيونية في مرحلة ما قبل هرتزل تدرك ضرورة وحتمية الاعتماد على الامبريالية والقوي الاستعمارية لوضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ وكانت تظن أن الاستيطان في فلسطين سيتحقق بالجهود الذاتية لليهود دون ضمانات من القوي الاستعمارية الأوروبية وقد علاف وايزمان الصهيونية السياسية (الدبلوماسية) بأنها تعني جعل المسألة اليهودية عالمية أي جزءاً من المشروع الاستعماري الغربي.

الصهيونية السياسية تختلف عن صهيونية غير اليهود في أن المؤمنين بها من أعضاء الجماعات اليهودية، لكنها لا تختلف عنها لأنها تنظر لليهود من الخارج باعتبارهم فائضا بشريا يجب التخلص منه، بإنشاء دولة وظيفية له فالصهاينة السياسيون/ الدبلوماسيون هم عادة إما يهود جاءوا من ألمانيا أو يهود ذوي خلفية ألمانية أو غربية حديثة لذا فهم مبتعدون تماما من اليهودية بالمعني الاثني الديني أو العلماني أي أنهم يهود غير اليهود ولكنهم وجدوا أنفسهم متورطين في المشروع الصهيوني لأن أعداء اليهود صنفوهم يهودا بالإضافة إلى وصول يهود اليديشية من شرق أوروبا هدد موقفهم وتطلب منهم تحركا سريعا باتخاذهم شكل الصهيونية التوطينية وهم لا يهتمون بالمشروع الصهيوني إلا باعتباره مشروعا لتخليص أوروبا من الفائض البشري ولذا لم يعيروا التوجه السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أي اهتمام ويرجع السبب في ذلك لمعرفتهم بلغة الساسة وأصحاب النفوذ في العالم الغربي وكانوا قادرين على أن يقوموا بدور الجسر بين الغرب والمادة البشرية المستهدفة في شرق أوروبا (اليهود) والمطلوب التخلص منها ونقلها إلى خارج أوروبا ولذا فقد تمكنوا من صياغة العقد الصهيوني الصامت وبذل الجهود السياسية والدبلوماسية التي أدت إلى عقد أو وعد بلفور والدليل على ذلك أن هذه الجهود ضعفت إلى أدني حد بعد صدور وعد بلفور ولكن تبني يهود العالم الغربي صيغة توطينية أخري هي الصهيونية العمومية والصهيونية التصحيحية وما يسمي بصهيونية الشتات ويمكن القول أن هرتزل هو المناور الصهيوني الأكبر بلا منازع وواضع أسس الصهيونية السياسية أو الدبلوماسية.

الحركة الصهيونية حركة سياسية بحته لا تستخدم الدين اليهودي، ولم تأت من داخل أي تيار ديني يهودي، ولم تبد رأيا في الديانة اليهودية أو في عقائدها أو تشريعاتها باستثناء عقيدة الماشيح المخلص من نسل داود ولكن بطريقة ذرائعية بحته لننتفع بها في تحريك العامة من اليهود دون تقوية أهدافها السياسية، وأن العنصر الديني فيها غير أصيل استخدمه الصهاينة لخدمة الحركة الصهيونية في تسهيل مهمتها والتعاطف معها ومساعدتها في تنفيذ مخططاتها ولقد أعلن عن الصهيونية رسميا في المؤتمر الصهيوني الأول (الكنيست الأول) بمدينة بال بسويسرا في 1897م حيث أعلن عن قيام المنظمة العالمية وصدور برنامج بال، وإذ أعلنت المنظمة الصهيونية عن مؤسساتها الرئيسية (المالية ـ الإدارية ـ الإعلامية) التي تستهدف اغتصاب أرض فلسطين وطرد شعبها منها بالقوة، وتوطين اليهود مكانه وإقامة دولة يهودية قومية تضم يهود العالم ويعترف بها العالم جميعه أي أن الهدف تكوين كيان قانوني دولة) .

بدأت الصهيونية السياسية تنفيذ مخططها الاستعماري الاستيطاني وأخذ القائمون عليها بنبذ الصهيونية الدينية شكلا، وفكرة أرض الميعاد وفكرة الماشيح المخلص أيضا وبدأوا يفكرون عمليا في كيفية الاستيلاء على الأرض، أرض فلسطين وكيف يفرغونها من أصحابها من أجل إحلال اليهود بدلاً منهم، وبنوا خطتهم على أساس علماني بحت على طريقة الفكر الاستعماري السائد في الغرب الأوروبي، ذلك أن اليهود مادة بشرية وهم جزء من الطبيعة المادية يمكن أن يستوطنوا أي أرض (مادة من الطبيعة أيضاً) وبدأ هرتزل يوجه سهامه لعقيدة الماشيح المخلص أي نبوءة العودة إلى أرض الميعاد التوراتية لأنها ستعطل مشروعه وكان هرتزل يصف الرؤى القديمة بأنها رؤى متخلفة كما وصفها بن حوريون فيما بعد بالسلبية، ولكن هرتزل طرح بدلا منها العودة بقوة السلاح بمساعدة القوي العظمي في الغرب لتأسيس الدول اليهودية حيث غير هرتزل ورفاقه من بعده من الصهاينة السياسيين طبيعة المشروع الصهيوني الديني وحولوه إلى مشروع صهيوني سياسي، له خصائص المشاريع الاستيطانية الاستعمارية التي تقوم على الآتي:

1. تفريغ أوروبا من اليهود فيه فائدة تعود على الدول الغربية التي تري في وجود اليهود بها عبئا ثقيلا والتفريغ له فائدة عظمي للصهيونية.

2. إن هذا المشروع (تفريغ أوروبا من اليهود وإحلالهم بفلسطين) دعم سياسي ومادي متبادل لأن الكيان الصهيوني سيدخل كل بلاد المنطقة في صراع مرير سيشغلها عن الأخذ بالتنمية في كافة المجالات، فتظل متخلفة وفي غياب تمام عن الوعي بأهداف الامبريالية والاستعمار الغربي في المنطقة، وبالمقابل فان الاستفادة العظمي ستكون للدول الغربية بسبب وجود هذا الكيان الصهيوني في المنطقة الغربية، وذلك بسبب الدعم غير المحدود من الدول الأوروبية والاستعمارية الذي يشمل السلاح الذي يضمن تفوقه على العرب عسكرياً وتكنولوجياً، إضافة إلى الإمداد بالخبراء في كافة المجالات، وكذا الغذاء والمواد الاستهلاكية والوقوف بجانبه في المحافل الدولية وخاصة الأمم المتحدة.

بدأت الصهيونية السياسية بمناورة الغرب بالوسيلة التي يفهمها الغربيون فقد تقدمت إلى حكام الغرب على أساس أنها ستقدم لهم خدمة مزدوجة، وكان هرتزل أكثر الصهاينة السياسيين فاعلية فكان يخاطب كل حكومة من الحكومات الغربية باللغة التي يفهمونها في مشروع التفريغ والإحلال حيث التقي هذا المشروع مع مقررات مؤتمر لندن المنعقد منذ عام 1905حتى عام 1907م برئاسة السير هنري كامبل بترمان وكان وزيرا للمستعمرات، وأصبح رئيسا لوزراء بريطانيا في ذلك الوقت حيث كان يبحث ويدرس في هذا المؤتمر النظرية التي تتحدث عن كون الحضارات تمر بدورات متعاقبة تنمو وتزدهر ثم تشيخ وتذبل وتندثر وكان هذا يقلق زعماء الاستعمار الغربي على حضاراتهم الغربية، وأن التاريخ يؤكد ذلك (الحضارة الفرعونية ـ الإغريقية ـ الرومانية ـ الحضارة العربية والإسلامية) فكانت حتمية هذا المؤتمر ودراساته لاتخاذ التدابير اللازمة للوقاية والحذر قبل أن تحل الكارثة الحتمية بالحضارة الأوروبية الحديثة فانعقد المؤتمر في لندن سرا من عام 1905م حتى عام 1907م وحضره عدد كبير من مشاهير المؤرخين وكبار العلماء في جميع أفرع المعرفة والعلوم وكذا خبراء في النشاط الاستعماري وبعد الدراسات المستفيضة توصلوا إلى تقرير سري وخطير أحالته وزارة الخارجية البريطانية إلى وزارة المستعمرات البريطانية، ولكن هذا التقرير اختفي ولم يظهر وظل منسيا حتى قبيل الحرب العالمية الأولي حينما نشره صحفي بريطاني صهيوني في معرض الدفاع عن الوطن القومي اليهودي في فلسطين، استشهد بآراء الحكومة البريطانية وسادة الاستعمار العالمي وقراراتهم في ذلك ومسوِّغاً لقيام إسرائيل على أنه ضرورة اقتصادية وسياسية واجتماعية للغرب ومصالحه والسيطرة على الشرق، وقد سمح بالاطلاع على جزء من هذا التقرير فقط .

التقت وجهتا النظر والمصالح للقوي الاستعمارية الغربية مع وجهتي النظر والمصالح للصهيونية السياسية ومطالبها بواسطة هرتزل وأتباعه من بعده فقامت الدول الغربية الاستعمارية بزعامة بريطانيا راعية الاستعمار الحديث بالعمل على تنفيذ القرارات التي قدمها مؤتمر كامبل بترمان (مؤتمر لندن) حيث كان من أبرز هذه القرارات " إقامة حاجز بشري قوي وغريب يحتل الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم، ويربطها معا بالبحر المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلي مقربة من قناة السويس قوة متحالفة وصديقة للاستعمار ومنفذة لمخططاته ومعادية لسكان المنطقة فقامت من جانبها بإبرام اتفاقية سايكس بيكو، إصدار وتنفيذ وعد بلفور وتنفيذه بغرس إسرائيل في قلب المنطقة العربية والعمل على إقامة حكومات عربية متفرقة وإقامة حلف بغداد ومحاربة الوحدة بين مصر وسورية، والعمل على القضاء على الحركة القومية العربية كل ذلك في خطوات من العمل الاستراتيجي الغربي لتنفيذ السياسة الاستعمارية في المنطقة العربية لتأمين مصالحهم الحيوية في الشرق والعالم القديم ووقع اختيارها لليهود ليمكن دعمهم في ما يسمي الحق التاريخي لهم في فلسطين واستنادا لعقيدتهم التي جاءت بها كتبهم المقدسة وبما تنادي به الصهيونية المسيحية من عقائد الآن.

نشطت الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولي للعمل على تحقيق أهدافها بإسناد من بريطانيا، فقد أصبح الباب مفتوحا على مصراعيه أمامها بعد احتلال الحلفاء لفلسطين في أواخر الحرب العالمية الأولي، وبدأت تعمل بكل نشاط في سبيل تحقيق مخططها الرامي إلى إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وقد غدا وعد بلفور بعد قبوله في مؤتمر سان ريمو في عام 1920م دستورا للسياسة البريطانية في فلسطين يهتدي به في تنظيم مخططات بريطانيا الاستعمارية خاصة بعد أن أقر مجلس عصبة الأمم في 14 يوليو عام 1922م انتداب بريطانيا على فلسطين، فسارعت الصهيونية مركزة جهودها على تنظيم الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإقامة المستعمرات اليهودية فيها لوضع أسس الوطن القومي لليهود حيث أكد ذلك حاييم وايزمان (أول رئيس لدولة إسرائيل فيما بعد) بقوله " طبعا يلزمنا أن تبقي قضيتنا ماثلة أمام مجالس العالم إلا أن عرضنا لقضيتنا لن يقدر له النجاح والفعالية إلا إذا قامت معه أعمال الهجرة والاستيطان والتعليم" كما أضاف بن حوريون بقوله" أنهم كانوا دوما مقتنعين بأن عملهم لن يحقق النجاح إلا إذا ساندته انجازات اليهود الاستيطانية بفلسطين وان جهودهم تظل عاقرة بدون الدعم الذي يأتيها من الصهيونية العملية" وأضاف "وما لم نوسع رقعة استيطاننا البشري فإن جميع مساعينا السياسية مع بريطانيا مهما كانت بارعة ونشيطة لن تسفر عن شيء فالانجاز المادي أقوي حجة سياسية وأكثرها تأثيرا على الحكومة المنتدبة (بريطانيا) أو أية حكومة أخرى".

كانت الأوضاع الدولية التي قامت الحركة الصهيونية في أثنائها ملائمة لتحرك الصهيونية السياسية التي بدأت خطتها بالعمل التنفيذي، فقامت بتسريب بعض اليهود إلى أرض فلسطين ليكونوا نواة بشرية للدولة الصهيونية، ثم دأبوا في العمل ليجعلوا عملية التسريب والتسلل هذه عملا معترفا به من قبل الدول الاستعمارية المستفيدة من إقامة وتنفيذ المشروع الصهيوني، وفي حالة نجاحها فان ضغوطها على هذه الدول يحقق الاعتراف بالمنظمة الصهيونية وأهدافها الاستيطانية في فلسطين وبقدرتها على إقامة دولة يهودية في فلسطين وذلك لأن الدبلوماسية ولو كللت بالنجاح تظل الاتفاقات الناجمة عنها إطارات خاوية ما لم تحقق الحركة الصهيونية (من طريق الانجاز الاستيطاني) المحتوي المادي اللازم لهذه الاتفاقات حيث يقول بن جوريون معلقا على ذلك "إن وعد بلفور أو صك الانتداب من عصبة الأمم يظلان قصاصتا ورق ما لم نعمل نحن على استحضار اليهود إلى فلسطين وتهيئة الأرض للاستيطان على مجال واسع" ارتفع عدد اليهود في فلسطين من (40 ألف) يهودي قبل نشوب الحرب العالمية الأولي إلى (55 ألف) عام 1919م وإلى (108 ألف) عام 1925م وإلى (300 ألف) عام 1935م وإلى (650 ألف) عام 1948م وبعد أن وثق الاستعمار البريطاني بأن الوضع مهيئا لإقامة الدولة اليهودية قرر إحالة القضية إلى الأمم المتحدة التي أقرت مشروع التقسيم وقيام إسرائيل في الرابع عشر من مايو 1948م، وبذلك حققت الصهيونية السياسية أول خطوة بوجودها على جزء من أرض فلسطين وهو وجود قوي يستند على قرارات دولية ومعترف بها من الدول الكبرى العالمية، وقد ثبت ذلك فيما بعد فالمهاجرون اليهود الذين دخلوا في أرض فلسطين في زمن الانتداب البريطاني من سنة 1920م إلى عام 1948م هم فعلا أهم سلاح لتحقيق الأهداف القومية اليهودية للصهيونية السياسية.

تطور فكر الصهيونية السياسية في البحث دائما عن القوي العظمي الصاعدة ومدي سيطرتها في المستقبل القريب والبعيد ففي خلال الحرب العالمية الثانية أدركت الصهيونية أن نجم انجلترا آخذ في الأفول مع صعود نجم الولايات الولايات المتحدة الأمريكية، ولذا كان القرار الذي اتخذته المنظمة الصهيونية العالمية بنقل نشاطها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى شعورها بعدم الأمان من جانب بريطانيا التي كانت سياستها ترمي إلى تحديد كيان إسرائيل وربطه بعجلة الإمبراطورية البريطانية وتسخيره لمصالحها الاستعمارية، فاتصلت باتحادات ونقابات العمال وبالمجالس النيابية في الولايات الأمريكية المختلفة وكذا أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي ولم يأت عام 1944م إلا وكانت برلمانات ثلاث وثلاثين ولاية قد أصدرت توصيات تؤيد فيها المطالب الصهيونية، وكذلك الحال مع الكونجرس الأمريكي وخلال أعوام قليلة تحقق لهم التأييد المطلق مستغلين في دعايتهم جهل الرأي العام الأمريكي بالقضية الفلسطينية، وأنشأت لذلك الاتحادات والمنظمات والجمعيات اليهودية والصهيونية لتنفيذ كل الأهداف السياسية المطلوبة للمحافظة على دولة إسرائيل الوطن القومي لليهود في استقرار دائم وأبرز هذه المنظمات والاتحادات اتحاد الايباك .

رابعاً: الصهيونية القتالية

بدأت الصهيونية القتالية في روسيا القيصرية قبل قيام الثورة البلشفية في ظل نظام الإقطاع الروسي إذ كان الإقطاعيون يوكلون إدارة أموالهم إلى اليهود، وكان الفلاحون يرون فيهم وسائط شريرة تقف بينهم وبين ملاك الأرض التي يعملون فيها ولذلك كان الفلاحون يكرهونهم أكثر مما يكرهون ملاكهم، خاصة وأن عمل اليهود لم تقتصر على تحصيل الأموال من الفلاحين ولكن اليهود كانوا بجانب ذلك يستغلون الفلاحين أسوأ استغلال بأعمالهم الربوية إلى أن جاء وقت فرغ صبر الفلاحين فشنوا الثورة عليهم ثم أخذت الأمور تتفاقم حتى حدثت مذابح اليهود التي عرفت بمذابح (البوجروم) في جنوب روسيا حيث يتكثف الوجود اليهودي، وقد زاد من حجم هذه المذبحة حين أمر (ألفون بلهيف) وزير داخلية روسيا حاكم منطقة بوجروم كشنيف بأن يمنع الشرطة من التدخل فأثخن الفلاحون في اليهود الذين بدوا خرافاً مستسلمة للذبح في مذلة ومهانة، على العكس عندما حدثت في بوجروم أوديسا عام 1908م، لم يستسلم اليهود للمذابح وتعلموا الدرس من المذبحة السابقة فقد تحول عدد كثير منهم إلى مدافعين عن اليهود ومن هؤلاء تكونت أول فرقة قتال يهودية منذ أن أفني الرومان أخر فرقة قتال لليهود في تاريخهم وبرز مقاتلي بوجروم أوديسا وعلي رأسهم (فلاديمير جابوتنسكي) الذي هرب بعد ذلك من روسيا وكون العنصر القتالي الذي انضم إلى قوات الحرب العالمية الأولي ثم كانت نواة عصابة الهاجاناه العسكرية التي تزعمها (مناحم بيجن) تلميذ (جابوتنسكي) والتي كانت بدورها نواة جيش الدفاع الصهيوني والتي سأتحدث عنها في الفصل السادس بالتفصيل.

كانت أصول الذين أقاموا الصهيونية السياسية القتالية من يهود روسيا وبولندا وأوكرانيا وكانوا القوة الصهيونية العسكرية التي عضدت كل من الصهيونية السياسية والصهيونية الدينية ولقد بارك الحاخامات هذا التحول القتالي في الصهيونية بفتوى جاء فيها " أنه طالما أجاز الدين تجاوز القواعد والنواهي من أجل إنقاذ حياة يهودي واحد فانه يمكن توسيع الفتوى بحيث يحل تأسيس قوات قتالية يهودية من أجل إنقاذ المجموعات اليهودية من القتل ومع أن بوتنسكي يهودي علماني لا ديني وقد رفض الدين اليهودي رفضا قاطعا وكان يصرح بأن الشعب اليهودي هو المعبد الذي يجب أن يتعبد له وفيه ولم يكن يعرف الديانة اليهودية بقدر كاف إلا انه في سنة 1932م صرح بأنه لا يمانع في توظيف الدين اليهودي في خدمة الصهيونية السياسية وخير دليل على ذلك أنه قد رحب بفتوى الحاخامات السابقة على أساس أنها احدي الأطروحات الصهيونية الأساسية ذلك لأن الصهاينة من أمثال (هرتزل) و (ماكسي نوردو) وان خالفهم جابوتنسكي في الوسائل يقبلون كل الأطروحات سواء كانت دينية أو علمانية ما دامت تخدم قضايا وأهداف الصهيونية السياسية.

خامساً: الصهيونيتان التوطينية والاستيطانية

لقد أضاف الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته اليهود واليهودية إلى أشكال الصهيونية وتعريفها المتعددة شكلين وتعريفين جديدين حيث يقول " أنه يوجد في الواقع صهيونيتان لا صهيونية واحدة وهما: الصهيونية التوطينية والصهيونية الاستيطانية ومع هذا يشار إليهما بكلمة واحدة وهي كلمة الصهيونية وذلك رغم أنهما ظاهرتان مختلفتان تماما ولهما جذور مختلفة وقيادات مختلفة وأهداف مختلفة " ويرجع ذلك لنتيجة تعثر التحديث في شرق أوروبا أواخر القرن التاسع عشر عنه في غرب أوروبا مما أدي إلى تدفق المهاجرين اليهود من شرق أوروبا (يهود اليديشية) إلى غرب أوروبا الأمر الذي هدد أمن دول الغرب الأوروبي (اقتصادي واجتماعي) كما هدد مكانة ومصالح الجماعات اليهودية فيها لتشابك مصير كل من يهود غرب أوروبا مع يهود اليديشية الوافدين الجدد من شرق أوروبا.

1. الصهيونية التوطينية

هي صهيونية اليهودي الذي يرفض الهجرة إلى فلسطين والاستيطان بها، أي أنها تشير إلى الصهيوني الذي يؤمن بالصيغة الصهيونية الأساسية (وهى نقل بعض أو كل يهود أوروبا خارجها) المنطبقة على كل يهودي أو صهيوني آخر ولا تنطبق عليه هو شخصياً، وتقف صهيونيته عند حد الدعم المالي والسياسي للمشروع الصهيوني دون الهجرة بنفسه أي يتخلي عن التطبيق العملي للصهيونية العملية وقد ظهرت في بداية الأمر بين الصهاينة غير اليهود من أوروبا من المسيحيين والعلمانيين وكذلك بين يهود الغرب المندمجين في الحضارة الغربية والموفقين لأوضاعهم بينها حيث حققوا من الثراء والغني والمكانة التجارية والصناعية ما يدفعهم إلى المحافظة عليها، وبكل قوتهم وبذلك اتحدت مصالح الفريقين وكانوا هم مؤيدو المشروع الصهيوني في العالم الغربي (ضرورة إيجاد وطن قومي لليهود لإعادة البشرية المستهدفة في المشروع) مع أن يهود الغرب لا ينوون الهجرة إلى ذلك الوطن المزمع إنشاؤه ولكنهم يتكفلون بتمويل وتكاليف الإنشاء والهجرة إليه ومعظمهم يهود وصهاينة العالم وقد قدموا كل ما يستطيعون من دعم وعون سياسي أو اقتصادي مستخدمين في ذلك ما يمكن تنفيذه بواسطة الصهيونية الدينية والصهيونية السياسية (الدبلوماسية) أو صهيونية الدياسبورا وقد اتصفت الصهيونية التوطينية بأنها صهيونية المرحلة التكوينية للصهيونية العالمية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث كانت تبحث عن المادة البشرية المستهدفة من يهود العالم للمشروع الصهيوني الغربي للصهيونيين غير يهود (الغربيين) وذلك لإنشاء الوطن القومي لليهود وكان أهم شروط هذه المادة البشرية المستهدفة أن تتصف بعدة صفات منها الصبر والجلد والقوة والنفس العدوانية المستعدة للقتال في أي وقت ولأي سبب مع احتراف المهن اليدوية بالإضافة إلى المهارة في الزراعة والصناعة.

2. الصهيونية الاستيطانية

هي مصطلح يشير إلى الصهيونية التي يؤمن أصحابها بأن الجانب الاستيطاني في الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة لابد أن يوضع موضع التنفيذ، وأنهم على استعداد للاضطلاع بهذه الوظيفة حيث الاستيطان هو جوهر الصهيونية ومن ثم فإن الاستعمار الصهيوني استعمار استيطاني إحلالي بأخذ شكل انتقال الفائض البشري اليهودي من أوطان مختلفة إلى فلسطين للاستيلاء عليها وطرد سكانها الأصليين والحلول محلهم في صهيونية من يستوطن في فلسطين بالفعل ولقد كان للفرق في التحديث بين الحضارتين يهود شرق أوروبا (يهود اليديشية) واليهود الغربيين (المندمجين) والبيئة الغربية التي يعيشون فيها جعل يهود شرق أوروبا في التفكير في المستقبل وأفضل مكان يمكن أن يجدوا فيه ضالتهم بعيد عن التخلف في دول شرق أوروبا وكذلك الاضطهاد العنصري لهم مما جعلهم من أوائل مكتشفي الصهيونية ولكنهم لم يدركوا حتمية الحل الاستعماري الامبريالي من خلال المشروع الاستعماري الغربي ونظرا لقصور رؤيتهم حاولوا الاستيطان في فلسطين دون دعم أي من الدول الأوربية القائمة على المشروع الاستعماري الغربي محاولين تجنيد أثرياء يهود الغرب (المندمجين) ليرعوا مشروعهم ويدعموه فيما أطلق عليه الصهيونية التسللية وفي بعض الأحيان الصهيونية العملية وهي بذلك تكون أول صهيونية استيطانية وأهم ما تتسم به هو أنها نابعة وصادرة من المادة البشرية المستهدفة ذاتها (يهود شرق أوروبا) والمطلوبة للمشروع الاستعماري الغربي وبموافقة وتأييد أغنياء وأثرياء اليهود في غرب أوروبا وأمريكا وقد أتم النشاط الاستيطاني التسلل بشكل هزيل وعملي خارج نطاق أي فكر أيديولوجي وظل محتفظا بطابعه البرجماتي الإغاثي المباشر من أثرياء اليهود الغربيين (المندمجين) ولم يتجاوز مزارع صغيرة لا قيمة لها وقد استفاد التسلليون من نفوذ قناصل الدول الغربية الذين كانوا يتنافسون على حماية اليهود وتحويلهم إلى عنصر وظيفي عميل بخدمة المصالح المشتركة للدول الاستعمارية ولكن يظل مفهوم الدولة (شكلها - تنظيمها – أسلوب بنائها) شاحبا وباهتا وليس له معالم واضحة بين دعاة هذه الصهيونية أي صهيونية الاستيطان بل ذهب البعض منهم إلى أن فلسطين ليست بالضرورة هي ساحة الاستيطان المطلوبة وكان من أهم دعاة الصهيونية الاستيطانية (التسللية) المفكر اليهودي النمساوي (نيثان بيربناوم) والطبيب الروسي الصهيوني زعيم جماعة أحباء صهيون (ليوبنسكر) وجماعات البيلو وأحباء صهيون.


سادساً: القضايا الخلافية بين الصهاينة

ظهرت مجالات عديدة للخلاف الواضح والبين بين أفكار كل الصهاينة في جميع المجالات قد تبدو لأول وهلة عميقة ولكنها في الواقع سطحية إلى حد كبير إذ أن رقعة الاختلاف تظل محكومة بالقبول المبدئي الجوهري للصيغة الأساسية الشاملة للصهيونية ورغما عن ذلك نشأت عدة صراعات بين الصهاينة حول عدة قضايا أهمها موقع الدولة المستهدفة أهي أرض فلسطين (أرض الآباء) أو أي أرض من العالم تحقق تجمع اليهود فيها وكذلك الخلاف حول آليات إنشاء الدولة فمنهم من يرى أن الاستيطان هو السبيل الأول ومنهم من يرى المشروع الاستعماري هو الأضمن والأفضل وكان أكبر الاختلافات بينهم هو عدم الاتفاق على حدود الدولة وما زال قائما بعد قيام الدولة وحتى الآن بالإضافة إلى توجه الدولة الإيديولوجي وسنعرض لهذه القضايا فيما يلي:

1. موقع الدولة

دارت أولي الصراعات حول موقع الدولة وهو صراع دار بين الاستيطانيين والتوطينيين (قبل مرحلة هرتزل وبلفور) فالتوطينيين الذين كان همهم الأكبر التخلص من اليهود كانوا في عجلة من أمرهم فكانوا على استعداد أن يلقوا باليهود في أي مكان سواء في فلسطين أو خارجها (الأرجنتين ـ أوغندا ـ العريش بسيناء) وقد حسم الأمر بعد وعد بلفور فكان القرار فلسطين (أرض الآباء الأوائل) (اُنظر خريطة فلسطين في القرن الأول ق.م)

2. آليات إنشاء الدولة

اختلف الصهاينة فيما بينهم حول أسلوب إنشاء الدولة، ففي البداية كان هناك الصهيونية التسللية (الصهيونية الاستيطانية) ولكنهم فشلوا لانغلاقهم على ذاتهم فكان التوطينيين -الذين قبلوا المشروع الاستعماري الغربي وترجم هذا بواسطة المنظمة الصهيونية العالمية مؤيدة بالصهيونية السياسية رغم أن بعض التوطينيين الذين أطلق عليهم التصحيحيين- ضاقوا زرعا بالوجود اليهودي فكانوا يفرضون على المشروع الاستعماري الغربي ضرورة فرض أغلبية يهودية في فلسطين بالقوة العسكرية وتكوين جيش كبير قوامه (100) ألف يهودي وثم انخفض إلى عشرة آلاف ولكنهم فشلوا في تحقيق ذلك وأنشئت الدولة طبقاً للمخطط بين المنظمة الصهيونية والاستعمار الغربي وقائدته في تلك المرحلة بريطانيا ولا يزال الإشكال قائماً حتى بعد قيام الدولة ولكنها انصرفت إلى آليات إدارة الدولة إلى كيفية التعامل مع العرب.

3. حدود الدولة

أ. الخلاف حول حدود الدولة كان عنيفا وهذا يعود إلى عدة أسباب أهمها:

(1) إن أرض إسرائيل التوراتية ليس ذات حدود معينة.

(2) إن المملكة العبرانية ثم مملكتي يهوذا أو إسرائيل لم تكن لهما حدود مستقرة.

(3) من الصهاينة من يدرك أهمية الموازنات الدولية ويقنع بحدود تتفق مع الدولة الراعية للاستعمار الغربي.

(4) من الصهاينة ما يدرك أهمية الموازنات الدولية ولكنه يدور في إطار الرؤى الحلولية الدينية والتاريخية القديمة وأحلام من نهر مصر إلى النهر الكبير الفرات.

ب. بعد إنشاء الدولة لم تحسم المسألة قط، فهناك من يحاول ربط حدود الدولة بالكثافة البشرية اليهودية فمع تصاعد الأزمة السكانية الاستيطانية ظهر دعاة ما يسمي بالصهيونية السوسيولوجية أي الصهيونية السكانية وهم المهتمون بالطابع اليهودي للدولة دون شريك (العنصرية اليهودية) وهم يطالبون بالحد الأدنى من الأرض بعكس دعاة ما يسمي بصهيونية الأراضي الذين يصرون على الحد الأقصى من الأرض.

ج. استمرار الإشكال في الوقت الحاضر من خلال الحديث عن الحدود الآمنة للدولة إذ تتغير الرؤية للحدود بتغيير الرؤية لأمن الدولة ومقوماته.

4. توجه الدولة الأيديولوجي

إن صيغة المراوغة التي توصلت إليها المنظمة الصهيونية العالمية بشأن الاستيطان كانت محاولة للتوفيق بين كل الصهاينة والجمع بينهم وراء الحد الأدنى الصهيوني فقد تحدد هدف الحركة الصهيونية في الحصول على أراض في فلسطين كي تكون ملكا للشعب اليهودي ولا يمكن التفريط فيها وان يكون الصندوق القومي اليهودي قائما كليا على تبرعات تلقائية من اليهود في جميع أنحاء العالم فالهدف هنا لم يحدد شكل الدولة الصهيونية ولا شكل ملكية الأرض ولا المثل الاجتماعية أو العقائدية الظاهرة أو الكامنة وإنما تحدث فقط عن الحصول على أرض فلسطين كي تكون ملكا للشعب اليهودي بشكل مبهم ومجرد ويبدو أن الصهاينة التوطنيين المسيطرين على المنظمة العالمية قد تنبهوا لحقيقة الموقف في فلسطين وصعوبات الاستيطان فلم يكن توجه الدولة الصهيونية يعنيهم من قريب أو بعد ما دامت تؤدي الأغراض المطلوبة منها مثل إبعاد يهود شرق أوروبا عنهم والقيام بالمحافظة على المصالح الغربية الاستعمارية.

5. التكوين السكاني للدولة

نشأ صراع حوله إذ تنبه بعض الصهاينة منذ البداية إلى طبيعة الدولة الصهيونية دولة إحلالية شاملة ستستعدى السكان الأصليين ضدها، وتجعلها تعيش في صراع دائم، ومن ثم ظهرت فكرة الدولة ثنائية القومية التي دعا إليها (بوبر) و(ماجنيس) وجماعة ايحود وحزب المابام ولكن معظم الصهاينة أصروا على الطبيعة الاحلالية الشاملة للدولة حتى ظهر الآن رئيس وزراء إسرائيل الحالي بنيامين نتانياهو بالدعوة إلى الاعتراف بالدولة اليهودية شرطاً للتفاوض مع الفلسطينيين، حيث إن هذا الاعتراف يسقط حق العودة للفلسطينيين نهائياً، كما يسقط الحق في القدس، ويضع عرب 1948م في مشكلة لا حل لها إلا الرحيل من أرضهم.

6. نطاق سيادة الدولة

كان الصراع بين الصهاينة التوطينيين والصهاينة المستوطنين على أن دولة الشعب اليهودي للشعب بأسره داخل حدودها وخارجها أم أنها دولة المستوطنين لذا حاول المستوطنون أن يؤكدوا أن الدولة هي دولة الشعب اليهودي جميعه والدليل هو أن إعلان قيام الدولة من طريق مجلس قومي يتحدث باسم كل اليهود سواء في فلسطين أو خارجها وقد أصدرت الدولة الصهيونية قوانين كثيرة بهدف ترجمة مفهوم الشعب اليهودي إلى واقع قائم ومن أهم هذه القوانين قانون العودة الذي يمنح جميع اليهود حق مغادرة مسقط رأسهم والعودة إلى وطنهم القومي.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 25 مارس 2016, 6:49 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 6:48 am

الفصل الثاني
هيرتزل والدعوة الصهيونية
 
المبحث الرابع: هيرتزل والدعوة للصهيونية


أولاً: النشأة والتكوين الفكري لهيرتزل

ولد تيودور هيرتزل عام 1860 في مدينة بودابست بالمجر (أو هنغاريا)؛ التي كانت جزءاً من الإمبراطورية النمساوية، في عهد الإمبراطور فرانتز جوزيف. ونشأ تيودور هيرتزل في أسرة برجوازية يهودية. كان أبوه (جاكوب) مديراً لأحد المصارف الكبرى في المجر، وشأن معظم هذه الأسر البرجوازية الصاعدة، لم تكن أسرة جاكوب هيرتزل معروفة بالتدين، أو بالاهتمام بقضايا اليهود. ولم يعرف عن تيودور الطفل، ثم الفتى، أي اهتمام يذكر بالمسألة اليهودية إلى أن دخل الجامعة ودرس الحقوق؛ ثم اشتغل بالصحافة، وأصبح مراسلاً لإحدى الصحف النمساوية الكبرى، في العاصمة الفرنسية باريس، ابتداء من العام 1891م. واستمر اهتمامه بالمسألة اليهودية يتصاعد تدريجياً، إلى أن وصل إلى أقصاه في إحدى قاعات محكمة الجيش الفرنسي في باريس، في 19 ديسمبر 1894م.

سمع هرتزل في تلك المحاكمة، أحاديث تنم عن الكراهية والشك في اليهود. وسمع هتافات تحض على قتل اليهود، أو طردهم من فرنسا. والذي أدهش هيرتزل وأفزعه أن هذا الموقف المعادى للسامية، لم يكن موقف الدهماء والغوغاء في باريس وحدها، بل أدهى من ذلك شهدت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) سجالات حادة، حول مشروع قانون يقضي بتحريم الوظائف العامة على اليهود كافة، وذلك في أثناء نظر قضية دريفوس. صحيح أن مشروع القانون قد رُفض في النهاية، ولكن نسبة التصويت كانت مفزعة. فبينما رفض المشروع 268 نائباً، وافق عليه 208 نائباً (أي بنسبة 56 إلى 44 في المائة)، بما يعني أن أكثر من 40 في المائة من برلمان أكبر بلدان الغرب تحرراً، وثورية، ودعوة للمساواة، يبغضون اليهود؛ ويشكون في مواطنتهم.

كانت محاكمة دريفوس هي نقطة التحول الحاسمة، في حياة تيودور هيرتزل وفكره، فقرر أن يهب حياته للمسألة اليهودية، دراسة ودعوة؛ ودفاعاً، وتخطيطاً وعملاً. فانقطع عدة أشهر، بعد محاكمة دريفوس، لتأليف كُتيب من (23 ألف كلمة) بعنوان (دولة اليهود) أو "الدولة اليهودية"، نشره عام 1896. ثم أعقبه بدعوة لعقد مؤتمر يهودي عالمي لمناقشة ما ورد فيه من أفكار ومقترحات. وهو ما حدث بالفعل في العام التالي، في مدينة بازل السويسرية في 29 أغسطس 1897. وكان الاجتماع العالمي اليهودي الأول من نوعه. وفية وضعت بذور الحركة اليهودية ـ الصهيونية، التي ستنشئ أول دولة يهودية في التاريخ الميلادي، أي خلال الألفيتين الأخيرتين.

1. لماذا هذا التأثير الطاغي لكتاب هيرتزل؟

لم يكن هيرتزل أول من شخَّص المعضلة اليهودية، ولا أول من دعي إلى إنشاء دولة يهودية. ولكن طريقة الطرح والأسلوب الذي استخدمه هيرتزل؛ والتوقيت الذي ظهر فيه الكتاب؛ والمناخ الدولي؛ وطبيعة المرحلة، التي وصل إليها اليهود الغربيون في تطورهم، كانت عوامل مؤثرة، تضافرت معاً لتجعل من ذلك الكتاب، ومن المؤتمر اليهودي ـ الصهيوني الأول، علامتين فارقتين في التاريخ اليهودي الطويل.

فمن ناحية الطرح، كان هيرتزل منهجياً، منظماً، هادئاً، واثقاً في منطقه وفي حججه، يقنع القارئ بالنتيجة التي انتهي إليها، وهي أن دولة اليهود هي الحل الناجح لمشكلتهم الطويلة، وخاصة في أوروبا، وأن هذا الحل قابل للتنفيذ، وأن الظروف والإمكانيات مواتية لتحقيقه.

ولأن قضية دريفوس كانت ما تزال حية ماثلة، في الوعي اليهودي الغربي بقوة؛ فقد جاء توقيت الكتاب مواتياً. واستعرض هيرتزل كيف أن العزلة، والانكفاء اليهودي، في معازلهم (الجيتو) لم يجنبهم الاضطهاد؛ بل كانت أحياؤهم السكنية تتعرض للهجوم والانتهاك دورياً، من جانب حكومات أو أهالي البلدان، التي ولدوا، وعاشوا فيها طوال حياتهم، وذلك كلما كان الحكام أو المحكومون يبحثون عن كبش فداء في مواجهة مشكلات، أو أزمات لا دخل لليهود فيها.

ثم استعرض هيرتزل إنجازات حركة التنوير اليهودي (الهاسكلاه)، التي بدأت في القرن الثامن عشر، والتي أسسها موسى مندلسون (1739 ـ 1786)، وحثت اليهود على كسر أسوار العزلة والاندماج في مجتمعاتهم، ليس لأن ذلك شئ مطلوب في حد ذاته وحسب، ولكن كذلك، لأن التفاعل بين اليهود، وغير اليهود، جدير بإزالة أسباب الشك والريبة، التي يضمرها غير اليهود لليهود. ويؤكد هيرتزل على سلامة وقوة منطق هذا الدعوة التنويرية. ولكنه يستعرض كيف أن تلك المبادرة من اليهود للاندماج، وفي أول بلد أوروبي سمح لهم بذلك، لم تؤد إلى اختفاء العداء لليهود وللسامية. وكان الدليل حاضراً: محاكمة دريفوس، وسجال الجمعية الوطنية الفرنسية؛ وسلسلة الكتب، التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

ومن ثم خلص هيرتزل إلى أنه لا العزلة (في الجيتو) ولا الاندماج (في المجتمع الأكبر) يحقق السلام المطلوب بين الأقلية اليهودية والأغلبية غير اليهودية. ومن ثم فإن الحل الأمثل هو دولة لليهود. واعتبر هيرتزل أن فكرة الدولة وإمكان تحقيقها تحتوي على قوة هائلة قادرة على تعبئة (الشعب اليهودي)، الذي مزقتة "اللاسامية"، وفرقته تيارات التنوير والاندماج والانعزال، ليصبح شعباً واحداً متحداً قوياً. وأن القضية اليهودية ليست قضية دينية أو اجتماعية أساساً، ولكنها قضية قومية. ومن ثم لابد من التعامل معها كقضية سياسية دولية، وكسب التأييد العالمي للدولة اليهودية كأساس لحل المسألة اليهودية.

2. الجماعات اليهودية في نهاية القرن التاسع عشر

سبق هيرتزل مفكرون يهود آخرون بلوروا الفكر الصهيوني، أهمهم خمسة، هم: كاليشر (1795 ـ 1874)، وموزي هيس (1812 - 1875)، وينسكر (1812 - 1891)، وموهيلفر (1824 - 1898)، وجينزبرج (1856 - 1927). وقد استفاد هيرتزل من هذه الكتابات جميعها وتأثر بها. ولكن كتابه عن الدولة اليهودية كان الأكثر تأثيراً لعدة أسباب، سبق ذكرها، ويضاف إليها التطور الاجتماعي ـ الاقتصادي للجماعات اليهودية، في العديد من الدول الأوروبية.

من ذلك أن اليهود، في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبقية بلدان أوروبا الغربية، كانوا قد حققوا، مع وقت ظهور كتاب هيرتزل، قدراً كبيراً من الاندماج والنشاط الاجتماعي، ضمن الطبقات الوسطى والعليا في تلك المجتمعات. وتبوأ بعضهم العديد من المناصب المرموقة، في الجامعات، والصحافة، وعالم المال والأعمال، والمهن الحرة، مثل الطب والمحاماة. وتدرج بعضهم في مناصب وزارية؛ بل وصل أحدهم، وهو ديزائيلي إلى منصب رئاسة وزراء بريطانيا، في أواخر القرن التاسع عشر، واندمج قطاع كبير منهم ضمن الحركات، والأحزاب الثورية، والاشتراكية، مع أواخر القرن.

ولأن اليهود المندمجين كانوا يدركون أن غير اليهود مازالوا يتشككون فيهم، ويناصبونهم الكراهية، فقد حاولوا تعويض ذلك بمزيد من الاجتهاد والتفوق والإنجاز. وبالفعل برزوا، وتفوقوا على الكثيرين، من غير اليهود، في شتى مناحي الحياة الحديثة. ولكن بدلاً من أن يكون ذلك مصدر إعجاب، أو بمثابة بطاقة مرور وقبول من "الآخر" غير اليهودي، فإذا به يولد الغيرة والحقد عليهم. وفي رأي هيرتزل وغيره، لقد جعل ذلك العداء الديني لليهود يتحول إلى عداء عنصري علماني للسامية. ويبدو أن مقولات هيرتزل في هذا الصدد قد مست أوتاراً حساسة عند أبناء جيل من اليهود الأوروبيين، الذين كانوا بالفعل في العقد الثلاثين، أو الأربعين، والخمسين، من أعمارهم، ومن ثم حدث إقبال منقطع النظير على كتاب هيرتزل، الذي ترجم على الفور، من الألمانية إلى اللغات الأوروبية الرئيسية، وخاصة الإنجليزية والفرنسية، في عدة طبعات خلال السنوات الأولى من ظهوره. وقد كان ذلك في حد ذاته مؤشراً على الأوضاع الاجتماعية ـ الاقتصادية لليهود الأوروبيين، عند نهاية القرن. فقد أصبح معظمهم بالفعل، في ذلك الوقت، في عداد الطبقة المتوسطة المتعلمة القارئة، والميسورة مادياً.

كذلك كان من الطبيعي، مع هذا الإنجاز، أن تفرز الطبقة المتوسطة اليهودية عناصر تستمر في شق طريقها الاجتماعي إلى الطبقات العليا الغنية. لذلك عندما وجه هيرتزل الدعوة لمؤتمر يهودي ـ عالمي في بازل لبى على الفور، عدة مئات أغلبيتهم بالطبع من أوروبا، وجاء بعضهم من الأمريكيتين، ومن شمال أفريقيا، وإن كان الذين تمكنوا من الحضور والمشاركة بالفعل، 197 مندوباً والسكرتارية العامة للمؤتمر.

3. الدعوة القومية

كان القرنان الثامن عشر والتاسع عشر يمثلان عصر "القومية" (Nationalism) و"الدولة القومية" (state Nation). وكثرت، في القرن التاسع عشر خصوصاً، النظريات القومية، التي تتحدث عن الأصول التي تُبنى عليها "الأمة". فكانت المدرسة الألمانية تعتقد أن عماد أي أمة هو العنصر أو الجنس، ويليه في الأهمية عنصر اللغة، أمّا المدرسة الفرنسية، ويمثلها رينان، فقد كانت تؤسس الأمة على وحدة المشاعر والذاكرة الجماعية، والخبرات المشتركة في الحاضر، والآمال الجماعية في المستقبل.

وكان المرادف السياسي والترجمة العملية " للقومية " هو أن تجد تعبيراً وتجسيداً لها في دولة "الأمة"، من دون سواها من الأمم. ومن هنا أصبح، في فلسفة القرن التاسع عشر، تلك النزعة إلى الاعتقاد بأن من حق كل قومية أو أمة أن تؤسس دولتها. ومن ثم شاع مصطلح "الدولة القومية" (Nation- state)، تمييزاً لها عن "الدولة الإمبراطورية" (Empire State) التي تحتوي أمماً متعددة ومختلفة، ولكنها تعيش في كنف، أو تحت هيمنة، سلطة مركزية واحدة.

لذلك كان توقيت دعوة هيرتزل إلى قيام دولة اليهود مواتياً، في المناخ الأوروبي في ذك الوقت، من نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقد كان عليه أن يثبت أن اليهود "شعب" (Volk) أو قومية، وأن يكيف ذلك، اعتماداً على إحدى النظريات السائدة عن القومية في ذلك الوقت؛ ومن ثم يطالب لهذا الشعب، الأمة ـ القومية، بوطن؛ ثم دولة. وستظل تلك هي لغة الخطاب السائد في الصهيونية، طوال القرن التالي لظهور كتاب هيرتزل. فهو أول من استخدم كلمة "دولة"، بهذا المعنى الحديث، في عنوان كتاب ظهر عن اليهود في العصر الحديث. وقدم لها التبريرات الكافية، على الأقل من وجهة النظر الغربية عامة، واليهودية خاصة.

4. الحركة الاستعمارية وراء البحار

إن القرنين اللذين شهدا نمو وانتعاش " القوميات "، في أوروبا، شهدا كذلك، انتعاش حركة جديدة، وموازية ومرتبطة بالحركة القومية، وهي الحركة (الاستعمارية) (Colonialism). فقد أصبحت كل دولة قومية جديدة في أوروبا تسعى للبحث عن "مجال حيوي" (Vital Sphere) لها وراء البحار. ولأول مرة في التاريخ الإنساني، تتكون إمبراطوريات استعمارية في أراض غير مجاورة، أو غير ملتصقة، أو غير قريبة من البلد المستعمر. وأصبحت الدعوة إلى إيجاد مثل هذا المجال الحيوي بعيداً عن البلد الأصلي، أمراً مقبولاً.

ومن ثم جاءت دعوة هيرتزل إلى أحقية اليهود كشعب وأمة في دولة، وضرورة أن تجد هذه الدولة، أرضاً لها وراء البحار، أي بعيداً عن أوروبا. فقد أدرك هيرتزل صعوبة، بل استحالة، العثور على أرض للدولة اليهودية في أوروبا، التي كانت تتطاحن أممها نزعات القومية المعترف بها فعلاً. لذلك فانه لم يحدد في كتابه مكان الدولة. كل ما هنالك أنه تساءل عن إمكانية تأسيسها في أراض وراء البحار: " هل يكون هذا البلد فلسطين أم الأرجنتين؟ سنأخذ ما يعرض علينا، وما يختاره الرأي العام اليهودي".

وهكذا لم يكن الأمر بالنسبة لهيرتزل أمراً دينياً، في المقام الأول، ولكنه كان أمراً سياسياً قومياً استعمارياً استيطانياً. لذلك لم يكن هناك إصرار على فلسطين بالذات، ولو أنها كانت هي الأرض المفضلة لديه، لأسباب عملية تعبوية، حيث كان يدرك المعنى الرمزي لها في تحريك عامة اليهود. ولكنه كان مستعداً ـ حسب قوله ـ " لأخذ ما يعرض علينا ".

وهكذا كان اليهود الأوروبيون، في نهاية القرن، أكثر استعداداً لقبول إمكانية تنفيذ الفكرة، ورغبة في تنفيذها. وكان الرأي العام الأوروبي مهيئاً ومستعداً للاستماع إلى الفكرة والتعاطف معها، لأنها صُبغت بلغة العصر الذي سادته فكرة " القومية " وحركة "الاستعمار". فعلى الرغم من سخرية البعض من أفكار هيرتزل، وإعراض أغنياء اليهود عنه في البداية، إلاّ أن القاعدة العريضة من الشباب، والطبقة الوسطى اليهودية، في أوروبا، تلقت دعوته بالحماس والتأييد، وهو ما مكَّنه من عقد المؤتمر اليهودي الصهيوني الأول.
ثانياً: المؤتمرات الصهيونية
1. المؤتمر اليهودي ـ الصهيوني العالمي الأول

مع نشر كتاب هيرتزل عن "الدولة اليهودية"، الاستقبال الحماسي له من القاعدة العريضة ليهود أوروبا، والاستقبال الساخر أو الاستهجاني له من الصحافة الألمانية ومن أغنياء اليهود، إلا أن هيرتزل لم ييأس أو يكل أو يمل من الدعوة لعقد مؤتمر يهودي عالمي لمناقشة والتخطيط لتنفيذ أفكاره ولذلك الغرض أسس هيرتزل من ماله الخاص مجلة أسبوعية باسم "دي فليت" للترويج لكتابة، ولفكرة الدولة اليهودية، ولعقد المؤتمر الأول في بازل، 29-31 أغسطس 1897، في مبنى بلدية مدينة بازل السويسرية، على مدى ثلاثة أيام 29، 30 ،31 أغسطس 1897، في احتفال كبير بإحدى القاعات الكبرى التي زينتها الأعلام، أعلام الدولة المشروع.

ومن الواضح أن هيرتزل كان صحفياً موهوباً في فنون الاتصال، إلى جانب صفاته القيادية الأخرى، التي كشفت عنها أحداث العامين السابقين لانعقاد المؤتمر، والسنوات الأربع التالية، وإلى أن توفى في عمر مبكر، وهو في الرابعة والأربعين من عمره.

من ذلك أنه قام بنفسه بتصميم "العلم" الذي سيصبح فيما بعد علم إسرائيل. وكان ظهور هذا العلم في المؤتمر الأول وفي المؤتمرات التالية يضفي إحساساً بمصداقية الأمل في إنشاء "الدولة". ومن ذلك أيضاً أنه ركز على معنى أن ذلك المؤتمر هو الأول من نوعه لليهود، في الشتات منذ ألفي سنه، وأن مجرد انعقاده، تحت أعلام الدولة المدعوة، هو في حد ذاته دليل على إمكانية تحقيق الأمل.

ومن ذلك أنه اقترح " سلاماً وطنياً " تقول كلماته:

ما دمت في أعماق الفؤاد

روح يهودية مفعمة بالحنين

ونحن أطراف الشرق قدماً

تتشوف الأنظار إلى صهيون

لن تعود الأماني تضيع

أماني ألفين من عمر السنين

وتقول وثائق تسجيل المؤتمر أن عدد المشاركين، في هذا المؤتمر الصهيوني الأول كان 204 عضواً، إلى جانب عشرة من المراقبين الأصدقاء غير اليهود، والذين لم يكن لهم حق التصويت: وإن كان قد سُمح لهم بالجلوس في قاعة الاجتماعات، بالمشاركين من اليهود.

إلى جانب ذلك سُمح لعدد من المدعوين بالحضور، والجلوس في مقصورة المشاهدين.

من بين المائتين والأربعة مشاركاً، كان هناك:

ـ 69 مشاركاً، يمثلون منظمات وروابط صهيونية أوروبية وأمريكية.

ـ 17 امرأة، بعضهن يمثل منظمات، وبعضهن زوجات أتين مع أزواجهن.

ـ 118 مشاركاً، من الأعضاء الأفراد المرموقين في الجماعات اليهودية من 17 دولة مختلفة.

كان الافتتاح رسمياً وبهيجاً، ارتدى فيه جميع المشاركين الملابس الرسمية الداكنة، وأربطة العنق البيضاء، والقبعات الطويلة السوداء. وبعد وصول الجميع، وتناول المشروبات والمرطبات، دعي عريف الحفل "ماكس نورداو" الجميع لأخذ مقاعدهم، لبدأ أول جلسات عمل المؤتمر الصهيوني الأول، وكانت أول بنود العمل هي انتخاب الرئيس، ونوابه، وأمانة المؤتمر.

انتخب "تيودورهيرل"، رئيساً بالإجماع، و"ماكس نورداو" نائباً للرئيس، واثنين آخرين للنيابة والأمانة العامة، وبدأ هيرتزل، على الفور، في ممارسة مهام رئاسة المؤتمر، بادئاً بعرض برنامجه، والذي تضمن:

ـ تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية.

ـ إعلان خطط عمل الصهيونية.

البرنامج الصهيوني

لم يستغرق البند الأول، في جدول الأعمال، إلاّ ثلاث ساعات من النقاش، وتمت الموافقة على تأسيس منظمة صهيونية عالمية، لها أمانة عامة واحدة، على أن يكون لها ثلاثة أنواع من العضوية.

أ. عضوية اعتبارية

للفروع والتجمعات اليهودية حول العالم، ويختار كل فرع أو تجمع ممثليه المفوضين للتصويت في مؤتمرات المنظمة، طبقاً للوزن النسبي (أي: عدد أفراده) لكل فرع أو تجمع.

ب. عضوية طبيعية

للأفراد اليهود المؤمنين بالعقيدة الصهيونية، القادرين على الإسهام المادي والمعنوي في تحقيق برنامج العمل الصهيوني.

ج. عضوية فخرية

للمؤسسات أو الشخصيات العامة اليهودية، أو غير اليهودية، من المتعاطفين مع اليهود عموماً، ومع الصهيونية خصوصاً. ولكن لا تعطيهم هذه العضوية الفخرية حق التصويت في اجتماعات المؤتمر أو المنظمة.

أمّا البرنامج نفسه، فقد استغرق النقاش حوله، طوال يوم 30 أغسطس، وجزءاً من مساء اليوم التالي. وكان من نقاط الخلاف الساخنة، تلك الفقرة من المسودة التي وزعت على الأعضاء، سلفاً حول هدف الصهيونية، والتي جاء فيها.

"إن هدف الصهيونية هو أن تخلق وطناً للشعب اليهودي على أرض إسرائيل؟ بضمان القانون".

فقد أثيرت عدة تساؤلات حول كل كلمة في هذه الفقرة، وخاصة حول " الضمانات القانونية "أي قانون؟ وأية سلطة تقوم بتنفيذ هذا القانون"؟ وكان أكثر المجادلين حول هذه النقطة هو أحد كبار المشتغلين بالقانون في أوروبا، ثم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأستاذ "ليو موتزكين". وأخيراً تم الوصول إلى صيغة توفيقية، بدلاً من تلك التي اقترحها موتزكين، وكانت تنص على أن يكون الضمان هو "القانون الدولي" (International Law). أمّا الصيغة التوفيقية التي اقترحها هيرتزل نفسه، وقبلها المؤتمر بالإجماع، فهي ضمانة "القانون العام" (Public Law)، وهكذا أصبحت صياغة هدف الصهيونية هي:

"تسعى الصهيونية لإنشاء وطن للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، مكفول في ظل القانون العام. ويقترح المؤتمر الوسائل التالية لتحقيق هذا الهدف:

أ. توفير السبل المناسبة لتوطين الفـلاحين والحرفيين والصناع اليهود فـي أرض إسرائيل (Ertz Israel).

ب. تنظيم وتوحيد اليهود في كل مكان بالوسائل، ومن خلال المؤسسات المناسبة، محلياً ودولياً، وطبقاً للقوانين السائدة في كل بلد يوجدون فيها.

ج. تقوية ورعاية المشاعر اليهودية القومية، والوعي القومي بصفة عامة: واتخاذ الخطوات الملائمة، إذا تطلب الأمر الحصول على موافقة الحكومات المعنية لتحقيق أهداف الصهيونية.

وقد أصبح هذا البرنامج المبسط هو دستور عمل المنظمة الصهيونية العالمية، على مدى الخمسين عاماً التالية (1897 ـ 1947) أي إلى أن تم إنشاء الدولة اليهودية، بمقتضى قرار التقسيم الرقم 181 الصادر من مجلس الأمن، عام 1947، والذي قضى بتقسيم أرض فلسطين إلى دولتين، إحداهما "يهودية" (إسرائيل)، والثانية لأهل البلاد من العرب، أي دولة "عربية". وقد عُرف هذا البرنامج باسم "برنامج بازل"، ولم يتغير رسمياً إلاّ في عام 1951، حين عقد أول مؤتمر صهيوني، في القدس بعد إنشاء إسرائيل، فحل محل برنامج بازل، برنامج جديد هو "برنامج القدس".

2. الاستمرارية والتراكم لباقي المؤتمرات

عُقد المؤتمر الصهيوني الثاني والثالث والرابع والخامس في سنوات متتالية هي 1898 و1899 و1900 و1901. ثم تقرر عقده، كل سنتين بعد ذلك، (1903، 1905، 1907) إلى أن نشبت الحرب العالمية الأولى، فتوقف انعقاد المؤتمر من 1914 إلي 1920، ثم استؤنف عام 1921، وظل يُعقد كل سنتين إلى عام 1939، وتوقف أثناء الحرب العالمية الثانية (أي إلى عام 1945). ثم استؤنف عقده دورياً بعد ذلك. وعُقد المؤتمر الثالث والثلاثين في القدس عام 1997.

وأهم ما يُلاحظ على هذه المسيرة هو "الاستمرارية" و"التراكم"، فعلى الرغم من كل الخلافات التي كانت تدب وتحتدم، بين الفصائل اليهودية، داخل وخارج الحركة الصهيونية، إلاّ إن المؤتمرات الدورية لم تنقطع إلاّ "لظروف قهرية"، بلغة القانون (Force Majeure)، مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية.

أمّا التراكم فيتجلى في الأرضية التي بدأ عليها المشروع الصهيوني، والتي بدأت "بفلسطين" كهدف لبناء "وطن" لليهود، بضمانة من " القانون العام "، وبالسعي لدى الدول المعنية لتحقيق هذا الهدف. وخلال الخمسين عاماً التالية، كان المؤتمر الصهيوني يراجع ما تم إنجازه؛ والصعوبات التي صادفها، وكيفية تذليلها.

ومن ذلك مثلاً، أنه عندما رفض السلطان العثماني عبدالحميد، مطالب الحركة الصهيونية عام 1897 بإقامة وطن لليهود في فلسطين، التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية آنذاك، وقد نوقشت هذه البدائل في المؤتمرات الثلاثة التالية. أي أنها لم تتخل عن هدف "الوطن اليهودي"، وإن كانت قد نظرت في بدائل لفلسطين، وطرحت بالفعل البدائل التالية: أوغندا، أو الأرجنتين، أو سيناء. وروعي في هذه البدائل أن تكون غنية بالموارد الطبيعية، وأن تكون تحت سيطرة دول، أو قوى، صديقة للحركة الصهيونية، أو متعاطفة مع اليهود عموماً. وكانت بريطانيا هي أقوى المرشحين لهذا الدور.

في الوقت نفسه، وقع الاختيار على سيناء كبديل أول بعد فلسطين، وذلك لقربها من "أرض الميعاد" (Ertz Israel)؛ ولأنها تحمل العديد من المعاني والقيم الرمزية لليهود، ولأنبيائهم، وخاصة موسى u؛ وأخيراً لأنها كانت جزءاً من مصر؛ ومصر كلها في ذلك الوقت تحت السيطرة البريطانية.

والملاحظ طوال القرن التالي لأول مؤتمر صهيوني، هو هذه المرونة في الوسائل والصيغ، من دون التخلي عن الأهداف الكبرى للمشروع الصهيوني. فحينما لاحت في الأفق، بوادر انهيار الإمبراطورية العثمانية، وبرزت بريطانيا، كأقوى الدول العظمى في بداية القرن العشرين، وخاصة خلال الحرب العالمية الأولى، عادت الحركة الصهيونية مرة أخرى، وبقوة إلى المطالبة" بفلسطين " كبديل أسمى لإنشاء الوطن القومي. وتُوج ذلك بإصدار وعد بلفور 1917، والذي يكاد يكون في كلماته، نسخة طبق الأصل من الوثيقة، التي أقرها المؤتمر الصهيوني الأول في بازل 1897.

من الأقوال المأثورة عن تيودور هيرتزل، في اليوم الأخير للمؤتمر الصهيوني الأول (31 أغسطس 1897) قوله " قد نجحتُ، في الأيام الثلاثة الماضية، أن أؤسس الدولة اليهودية، ولكنِّي لم أجرؤ أن أقول ذلك علناً، وإلاّ ضحك الناس علىَّ ساخرين، وفي مقدمتهم اليهود، الذين لم يحضروا المؤتمر. ولكني على يقين أنه بعد خمس، أو خمسين سنه لن يضحك علينا أحدا، وإنما سينظر الجميع إلينا، إمّا معجبين أو ساخطين، وليسوا ساخرين. إن هيرتزل نفسه لم يعش طويلاً حتى يرى صحة تكهناته، أو ثمار ما زرعته يداه. فقد توفى في أعقاب المؤتمر الصهيوني السادس (1903) في عام 1904، وهو لم يتجاوز الرابعة والأربعين عاماً من عمره.

لقد علق القاضي"برانديز"، أحد قضاة المحكمة الدستورية العليا، في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أول يهودي يصل إلى هذا المنصب الرفيع، بقوله: إن ذلك "المؤتمر الصهيوني الأول هو أهم حدث في تاريخ الشعب اليهودي منذ طردهم من فلسطين.. إلى الشتات، قبل ألفي عام..."

وبالفعل، في ضوء ما تم، على امتداد المائة عام الأولى للمشروع الصهيوني، تحقق قول القاضي برانديز. وسارت المحطات الرئيسية التي مر بها المشروع، والتي تكاد تكون متساوية في أطوالها الزمنية، ما بين 20 و30 عاماً، كالتالي:

ـ 1897: المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا.

ـ 1917: وعد بلفور البريطاني للحركة الصهيونية.

ـ 1947: قرار مجلس الأمن الرقم 181 بتقسيم فلسطين، وإضفاء الشرعية على دولة يهودية.

ـ 1967: حرب الأيام الستة، واحتلال كل فلسطين وبعض أراضي دول عربية ثلاث، هي: مصر، وسورية، والأردن.

ـ 1977: زيارة السادات للقدس وبداية اتفاقيات السلام.

ـ 1979: اتفاقية كامب دفيد.

ـ 1997: محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الحصول على السلام مع الاحتفاظ بمعظم الأراضي العربية المحتلة في الجولان والضفة الغربية.

والمهم في هذا التراكم هو أن البذرة، التي وضعها هيرتزل في كتابه بعنوان " الدولة اليهودية "، والذي ظهرت طبعته الأولى بالألمانية، يوم 14 فبراير 1896، قد أحدثت، من الحماس والتفاعل بين يهود أوروبا وأمريكا، ما جعلهم يعقدون مؤتمرهم الأول، في غضون عام ونصف فقط من ظهور الكتاب. طبعاً كانت هناك عوامل عديدة، طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أخرجت اليهود الأوروبيين من عزلتهم، ودمجتهم في الحياة الأوربية العامة بحلوها ومرها، وإيجابياتها وسلبياتها. كذلك ظهر الكتاب في أعقاب مجموعة من المحن، التي مر بها اليهود، ليس فقط في شرق أوروبا وروسيا، ولكن، كذلك، في فرنسا، قلعة الليبرالية في ذلك الوقت، والتي بدأ منها تحرير اليهود في العصر الحديث. والمقصود، تحديداً، هو ما يسمى بفضيحة " دريفوس "، حيث اتهموا هذا الضابط المسؤول في الجيش الفرنسي بإفشاء أسرار الدولة، لا لشىء، كما جاء في قرار الاتهام، إلاّ لأنه "يهودي"، وقامت حملة عداء واسعة النطاق ضد اليهود الفرنسيين، حتى قبل أن تتم المحاكمة، التي انتهت بتبرئة " دريفوس " على أية حال.

ويلاحظ، منذ يوم 29 أغسطس 1897 ـ أي اليوم الأول للمؤتمر الصهيوني ـ أن أصحاب المشروع قد أخذوا مشروعهم بجدية ووعي وصرامة. نعم كانوا يحلمون بما لا يملكون، ولكنهم فعلوا ذلك بمنهجية علمية، وعلانية، وصراحة كاملة.

باختصار، حرص هيرتزل على أن يكون مؤلفاً، ومخرجاً، ومنتجاً، وموزعاً، لأمل الدولة اليهودية، وأن يشيع بين المائتي عضو، الذين حضروا المؤتمر الأول، من 17 دولة، والمراقبين من غير اليهود، جواً من الدراما، أو الأمل الذي يبدو حقيقة. أو على وشك التحول إلى حقيقة. لقد كان هيرتزل، في هذا الجانب من أدائه، رومانسياً مبهراً ومؤثراً. ولكنه، في جانب آخر، كان واقعياً عملياً ذا قدرات تنظيمية فائقة، كما يتجلى في الفقرات التالية.

3. وثائق المؤتمر ومداولاته وقراراته

كان كتاب هيرتزل عن الدولة اليهودية، هو الوثيقة الأساسية للمؤتمر، التي جرى النقاش حولها، وترجمتها إلى قرارات، أهمها القرار التالي:

"خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام"

والجدير بالتنويه أن هذا القرار، الذي انعقد المؤتمر من أجله وفي سبيله، استغرق معظم المناقشات لسببين:

أ. هو تحديد فلسطين كوطن للشعب اليهودي. فإن هيرتزل لم يصر على فلسطين أو على أي بلد آخر بعينه. وكما قال هو في كتابه "إننا سنأخذ ما يُعرض علينا …" وكان يريد أن يتسم الأمر بالمرونة، تسهيلاً للحركة الصهيونية، ولكن معظم المشاركين أدركوا أهمية النص على "فلسطين"، لاعتقادهم أن ذلك هو الذي سيضمن تأييد معظم يهود العالم، وخاصة البسطاء. كذلك من الملفت للنظر في هذا القرار غياب مصطلح "الدولة"، الذي كان عنوان كتابه ذائع الصيت. ويبدو، كما يذهب الدكتور وليد الخالدي، أن هيرتزل نفسه قد ارتضى كلمة "وطن" أو "مستقر" (Heimstatte) بغرض "التخفيف من مخاوف الدولة العثمانية، وحلفائها، والمتدينين اليهود، وكبار أثريائهم، من دعاة الاندماج بالمجتمعات الأوروبية. فأرسى بذلك سابقة في التمويه على الهدف، من دون التخلي عنه، أصبحت من أهم ركائز الإستراتيجية الصهيونية، فيما بعد".

ب. عبارة "القانون العام"؛ فقد أدرك المحامون وأساتذة القانون، الذين شاركوا في المؤتمر، منذ البداية، أنه ما لم تكن هناك ضمانات قانونية دولية لنشأة هذا الوطن اليهودي، فإن البناء كله سيظل مثل بيت من ورق. وكان الخلاف، مع ذلك، هو هل يكون النص على " القانون الدولي "، أو "ضمانات دولية" أو "القانون العام"؟ واستقر رأي الأغلبية، في النهاية، على "القانون العام"، الذي يدخل "القانون الدولي"، في إطاره. وهو لا يحدد دولة معينه أو مجموعة من الدول. وكشفت المناقشات على أن أية دولة، أو أي قانون من قوانينها، يكفي كركيزة لشرعية "الوطن اليهودي". وهم يدركون أن صك الشرعية القانونية هذا، ليس شرطاً كافياً لإقامة "الوطن اليهودي"، ولكنه ضروري للمضي في التخطيط والتنفيذ والبناء.

ومن الناحية العملية، كانت أهم قرارات المؤتمر هي تبنى مقترحات هيرتزل، التي وردت في كتابه، وهي: إنشاء هيئتين: الأولى "المنظمة الصهيونية العالمية"، والثانية "الوكالة اليهودية". وكانت الأولى بمثابة هيئة تشريعية تنفيذية للحركة الصهيونية. أمّا الثانية فقد كان منوطاً بها جمع المال، واستحداث آليات للاستثمار داخل وخارج فلسطين، أي أن تصبح الذراع الاقتصادي، المالي للحركة الصهيونية.

كذلك حدد المؤتمر الصهيوني الأول، في بازل، الخطوات اللازمة لتحويل القرار الأول إلى واقع، وهي:

أ. العمل على استعمار فلسطين بواسطة مستوطنين زراعيين وغير زراعيين.

ب. تنظيم الشعب اليهودي بأسره، عبر منظمات محلية ووطنية ودولية، تتلاءم مع القوانين السائدة في كل بلد يوجد فيه يهود.

ج. تعزيز الشعور بالهوية اليهودية، والوعي القومي عند اليهود.

د. اتخاذ الخطوات الضرورية للحصول على موافقات وتأييد الحكومات لتحقيق هدف الصهيونية.

وقد انتخب تيودور هيرتزل رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية، كما انتخب مجلس إدارة للمنظمة؛ واختيرت فيينا مقراً لها. وقال هيرتزل، في تصريح له، في نهاية المؤتمر: "لقد وضعنا هنا في بازل أساس الدولة. وسترى النور في غضون سنوات لن تتجاوز الخمسين عاماً…" وقد صدق تكهن هيرتزل، حيث أُعلن تأسيس إسرائيل في 14 مايو 1948. وبكل مقاييس الحركات الاجتماعية في التاريخ المعاصر، فإن إنجاز الحركة الصهيونية يعد إنجازاً مبهراً، خاصة إذا قورن بحركات اجتماعية سياسية قومية أخرى، ومنها حركة القومية العربية، التي بدأت في التاريخ نفسه تقريباً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:02 am

الفصل الثالث

الصهيونية العالمية وإقامة دولة إسرائيل
 
المبحث الخامس: المرحلة الأولى والثانية من إقامة دولة إسرائيل


استطاعت الصهيونية العالمية تجميع ما سبق من أفكار الحكماء والمفكرين ورجال الدين اليهودي، وما صدر عنهم من كتب ومقالات وتصورات خططية، وعرض كل ذلك في المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في بازل بسويسرا، خلال ثلاثة أيام متوالية في السابع والعشرين من أغسطس 1897م والذي أقر ضمن ما أقر الخطة التنفيذية لإقامة الدولة اليهودية على الأرض المقدسة، أرض فلسطين، وحقيقة لم تصدر وثيقة علناً بهذا الاسم أو المعنى يمكن الرجوع إليها، ولكن الشواهد والأفعال المنفذة بكل دقة وصرامة والتزام من جميع الفرق اليهودية، وكذا الأهداف المرحلية المخططة والإجراءات المنفذة لها في كل فترة زمنية، تؤكد ارتباطها ببعضها، وإنها تنفذ على أرض الواقع من خلال مخطط محكم ومتابعة مستمرة ناجحة، تمكن قيادتها من التدخل في التوقيت المناسب عند التعثر أو ظهور بوادر فشل أو ما إلى ذلك للتعديل المناسب والاستمرار في التنفيذ، أو لزيادة القوة الدافعة واستغلال النجاح.

إن أهم مصادر القوة في هذه الخطة أنها جاءت متوافقة ومحققة لما في نفوس كل اليهود وعقولهم، وأنها متوازنة مع المتغيرات السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية التي عاشوا فيها خلال شتاتهم الطويل، ومانحة لهم الأمل للخلاص من ذلك خلال المستقبل القريب، باستعادة ما ظنوا أنهم فقدوه، وكذا استردادهم لشخصيتهم ولكيانهم بين الأمم والشعوب. كما أن هذه الخطة جاءت مطابقة في عناصرها الأساسية لما قام به الآباء الأوائل من قبل، ووثقت في كتبهم المقدسة من خلال الوصايا والعهود والوعود من الرب لهم منذ عصر الآباء، وكذا فكر الحاخامات في التلمود، وتطوير فكرة الخلاص بالعودة إلى أرض يسرائيل بإعطائها الطابع السياسي، كما قال هرتزل، لتكون حلاً عصرياً فكان المعنى الخطير والكامن خلف ذلك هو اغتصاب أرض فلسطين وتشريد أهلها وشعبها (كما فعل الآباء بأرض كنعان)، ومن هنا كان لزاماً أن تكون القوة هي الوسيلة لتحقيق قيام الدولة، ما أوجب إنشاء القوات (العناصر) المقاتلة القادرة على تنفيذ المهمة.

اعتمدت الصهيونية اعتمادا أساسيا على فكرة دينية ثابتة في العقيدة اليهودية، وهى ما فعله الآباء الأوائل في الماضي لامتلاك أرض كنعان (فلسطين)من أجل تنفيذ الوعد الإلهي (المزعوم) لهم بمنح الأرض المقدسة (أرض كنعان) لهم ولأبنائهم ونسلهم من بعدهم, وهذه الفكرة هي الأساس والسنة والواجب الديني المفروض اتباعه، فوضعت تلك الخطة لاستعادة الأرض بحيث تكون مشابهة ومحتوية لأفكار الآباء في محاولاتهم التسلل واغتصاب أرض كنعان واستيطانها والسيطرة عليها، وإقامة دولتهم. فكان التخطيط طويل المدى مشابها للتخطيط منذ عهد موسى النبي حتى عهد سليمان الملك حيث عصر المملكة اليهودية، وكذا التشابه في بداية غزو أرض كنعان بدفع عناصر الاستطلاع والاستكشاف باختيار موسى لفرد من كل سبط من الأسباط يثق فيه، مثل يوشع بن نون، كما قام بتجييش الشعب وإعداده للدخول لأرض كنعان كما أقرت الخطة استمرار دفع المغامرين الأوائل من المستوطنين (محب صهيون) للتمسك بما يقيمون عليه من الأرض وإرسال التقارير واستقبال الجدد من المستوطنين وكذا فرض الأمر الواقع بالاستيلاء على أرض الغير بالقوة والقتل وبث الإرهاب بين السكان الأصليين، كما فعل يوشع بن نون عند الاستيلاء على مدينتي (أريحا) و(عاي) بالإضافة إلى تقنين استيطان وتمليك الأرض المستولى عليها إلى الأسباط طبقا لأوامر يعقوب u وتوزيع نبي الله موسى u (اُنظر خريطة تقسيم فلسطين بين الأسباط) كما اشتملت الخطة على توحيد الفرق اليهودية العديدة تحت راية واحدة كما فعل داود الملك u عندما جمع الأسباط (القبائل) اليهود في المملكة المتحدة حتى نهاية القرن العاشر ق.م ويمكن تحديد معالم هذه الخطة التنفيذية التي اشتملت على أربع مراحل أساسية هي:

·   المرحلة الأولى: التجسس والتسلل إلى فلسطين.

·   المرحلة الثانية: اغتصاب أرض فلسطين.

·   المرحلة الثالثة: التوسع.

·   الانكماش والسلام والفكر الإستراتيجي لإقامة إسرائيل الكبرى.

أولاً: المرحلة الأولى: التجسس والتسلل إلى فلسطين

1. زمن المرحلة: من عام 1865م حتى عام 1917م.

2. هدف المرحلة

أ. الاقتراب من أرض فلسطين واستكشافها.

ب. التسلل إلى المواقع المهمة من الأرض التي يمكن إقامة استيطان(زراعي ـ صناعي ـ حرفي) فيها له المقدرة الدفاعية عن كيانه.

ج. قيام المنظمة الصهيونية العالمية بتنفيذ الفكر السياسي اللازم والتمهيد لاختيار الوطن القومي لليهود من خلال المساعدات الأوروبية وخاصة الدول الكبرى الداعمة والمتوافقة للمصالح المشتركة.

د. خلق النواة للقوة العسكرية لليهود وبنائها في أرض فلسطين (منظمات شبه عسكرية) وإخراجها إلى حيز الوجود.

كان من أهم المؤثرات على هذه المرحلة انتشار فكرة العودة والوطن القومي لليهود، في مطلع القرن التاسع عشر، وترجمتها إلى أعمال فعلية فكان موشى حاييم مونتفيور رئيس الطائفة اليهودية في بريطانيا الذي قام بعدة زيارات لفلسطين بين عامي 1827م و1874م لاستكشاف أرضها ودراسة طرق استغلالها، ومحاولة تطوير حياة الجالية اليهودية فيها (حوالي عشرة آلاف نسمة)، وفى عام 1840م سعى إلى التفاوض مع رئيس الحكومة البريطانية (لورد بالمر ستون) بشأن الاستيطان الزراعي لليهود بفلسطين، وبذا يتحقق الاتجاه نحو الدعوة لتحقيق الأماني القومية والاجتماعية لليهود، وكان أول من صاغ هذه الأفكار الفيلسوف اليهودي (موسى هس) في كتابه روما والقدس عام 1862م والمحتوى على أول ظهور للفكر الصهيوني الحديث، ثم جاءت بعض الخطوات العملية على يد الحاخام تزفى هيرش كاليشر الذي أصدر عدداً من الكتب نادي فيها بان إصلاح حال اليهود لن يتحقق إلا بالعمل الجاد الذاتي، وليس بانتظار الماشيح المخلص، كما عقد مؤتمراً صهيونياً عام 1861م في مدينة ثورن (ببروسيا الشرقية) كان من نتيجته إنشاء جمعية (استعمار أرض فلسطين) وأنشئت أول مدرسة زراعية يهودية في فلسطين عام1870م تحت اسم (مكفية يسرائيل) بواسطة الجمعية الخيرية الفرنسية (أليانس) كما سبق إنشاء(صندوق اكتشاف فلسطين) في بريطانيا عام1865م الذي زود محبي صهيون بصورة مفصلة عن فلسطين، وقدم خدمات جليلة ومهمة لصالح الحركة الصهيونية من إصدار نشرات وكتب حاوية للمعلومات الدقيقة عن فلسطين، وقام بوضع الخرائط المختلفة بعد إضافة الأسماء التاريخية والدينية المستقاة من العهد القديم والجديد وذلك بمساعدة الضباط الانجليز الذين نفذوا تلك المساعدات بموافقة الحكومة البريطانية ومعاونتها، ما شجع دعاة الصهيونية على تخطيط مشروعاتهم بدقة، والمضي في تنفيذها حتى بلغ إجمالي عدد المستعمرات (المستوطنات) المنشأة بفلسطين أربعاً وأربعين مستعمرة، ويقطنها اثنا عشر ألف يهودي في نهاية هذه المرحلة، ويمكن تقسيم تلك المرحلة إلى ثلاث فترات فرعية الأولى منها هي الدعوة وبدء الهجرة، والثانية التمهيد للوطن القومي اليهودي، والثالثة خلق النواة العسكرية لليهود في فلسطين.

1. الفترة الأولى: الدعوة وبدء الهجرة

امتدت هذه الفترة من عام 1865م حتى عام 1897م، ولكن البداية الحقيقية الجادة للاستيطان اليهودي الصهيوني في فلسطين كانت اعتبارا من عام 1878م عند إقامة أول مستعمرة زراعية يهودية وهى مستعمرة (بيتج تكفة) ومعناها (فاتحة الأمل) على شاطئ نهر اليرقون بعد إن كانت الهجرة والاستيطان اليهودي وليد هجرة أفراد متفرقين وجماعات محدودة أطلق عليها (اليشوف القديم)، ودافعهم إلى ذلك يتمثل في دوافع دينية كالعبادة أو الموت في الأرض المقدسة، حتى إنهم كانوا يسكنون المدن (القدس ـ الخليل ـ صفد ـ طبرية) ولم يقيموا أي مستعمرات أو مستوطنات خاصة بهم، ولكن الحال اختلف عند قيام الطلاب اليهود المتحمسين من رواد حركة (حب صهيون) وأطلق عليهم (اليشوف الجديد) بتنظيم الهجرة إلى فلسطين، فأنشأوا جماعة (بيلو) لهذا الغرض أي للاستيلاء على الأرض العربية في فلسطين لصالح الأمة اليهودية، وإقامة مجتمع عنصري انفصالي ونمط جديد من الحياة اليهودية بوصف فلسطين أرض الأجداد (أرض الميعاد) متخذين مبدأ أن القوة هي السبيل إلى تحقيق العودة، فكانت موجة الهجرة الأولى (العلياه الأولى) عام 1882م وهو البداية الحقيقية للعودة الفعلية.

إن الاختلاف الكبير بين اليشوف القديم واليشوف الجديد بقيادة أحباء صهيون ومعهم حركة بيلو هو الاستعمار والاستيطان في مستعمرات أو مستوطنات زراعية، وعدم السكن في المدن بصفة عامة، وكذا إنشاء المجتمع اليهودي المستقل واتخاذ القوة سبيلا للعودة مثلما قام الكولونيل البريطاني الصهيوني العنصري "ألبرت جولدن سميث" بالمطالبة في عام 1883م بإنشاء منظمة شبه عسكرية تعمل على ضمان أمن المستعمرات بالإضافة إلى اليهودي الألماني "بولفريدمان"الذي قام بمحاولة تنفيذ مشروع استعماري لأرض مدين قليلة السكان (الساحل الشرقي لخليج العقبة وشماله) والتي تصلح نقطة وثوب إلى فلسطين باستخدام القوة العسكرية، حيث أعد جيشاً صغيراً من اليهود المتحمسين، وجمع له الأسلحة والمعدات، ودربه التدريب العسكري اللازم في فاليسيا والمجر ثم أبحر إلى أرض مدين وذلك عام 1893م، وعند وصوله واجهته كثير من المشكلات والأزمات أدت إلى فشل مشروعه في مهده، ولكن الحراك السياسي والقومي اليهودي استمر في نمو وتصاعد، وساعد ذلك ظهور كثير من المفكرين والسياسيين اليهود وإصدارهم الكتب التي تعبر عن وجهة نظرهم في القومية اليهودية، وما تولده من دوافع لإقامة الوطن القومي لهم وكان من أهمهم كتاب تيودور هرتزل (الدولة اليهودية) والمتضمن نطاق الدولة اليهودية طبقا لوجهة نظره (اُنظر خريطة تقسيم تيودور هيرتزل 1904) والذي رأوا فيه تجسيداً لأحلامهم ما جعل اليهود في أنحاء أوربا يجاهرون بمطالبهم بإقامة الوطن القومي لهم في فلسطين، ودفعهم إلى تلبية نداء هرتزل بعقد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول (الكنيست الأول) في الفترة من 27-29 أغسطس من عام 1897م والذي كانت قراراته المنهج والخطة التي تحقق أحلامهم وآمالهم في المستقبل .

2. الفترة الثانية: التمهيد للوطن القومي اليهودي

امتدت هذه الفترة من عام 1897م – 1907م وكانت بدايتها بصيحة المعركة التي أطلقها تيودور هرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول/ الكنيست الأول ببال (بازل) بسويسرا، وقد وصفها الكتاب الصهيونيون ببدء معركة اغتصاب الأرض، وطرد شعبها الفلسطيني الذي يسكنها من الآف السنين منها، وكانت المؤتمرات الصهيونية من المؤتمر الثاني إلى المؤتمر الثامن وموجة الهجرة الثانية عام 1904م (العلياه الثانية) وكذا العمل على تنفيذ القرارات الصادرة عن المؤتمر الصهيوني الأول ومتابعة تنفيذها في المؤتمرات التالية، هي أهم معالم هذه الفترة حيث تلخصت وتحددت الغاية الصهيونية في المؤتمر الأول في خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين لا في غيرها يضمنه القانون العام أما الوسائل التي تحقق ذلك فهي كالتالي:

أ. العمل على استعمار فلسطين من طريق العمال الزراعيين والصناعيين اليهود.

 ب. تنظيم قوي اليهود العالمية وربطها بوساطة منظمات محلية ودولية بحيث تتلاءم مع القوانين المتبعة في كل دولة.

ج. تدعيم المشاعر اليهودية وتقوية الوعي القومي اليهودي وأحياء اللغة والثقافة العبرية.

د. اتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على التأييد الضروري لتحقيق غاية الصهيونية.

هـ. السعي للحصول على تأييد دولة كبيرة دائما مع الاستفادة من الظروف الدولية.

بدأت فكرة العودة إلى صهيون تتحول إلى حركة صهيونية سياسية عالمية تسعي إلى إنشاء العلاقات مع الهيئات السياسية الأخرى وخلق الاتصالات مع الحكومات المختلفة، وتحاول تنظيم اليهود وتنمية روح التعصب العنصري في نفوسهم، وشحن معنوياتهم بالآمال العراض والرؤى الزاهية لأرض الميعاد، أحاطت نشاطها بغلاف من الكتمان والتمويه خشية أن يؤدي اكتشاف المخطط الصهيوني إلى ردود فعل عالمية، قد تسبب تعثره منذ البداية، وامتازت هذه النشاطات بالاتصالات التي قام بها هرتزل مع ملوك ورؤساء الدول المعنية والمسيطرة على فلسطين، مثل محاولاته مقابلة السلطان عبد الحميد رئيس الدولة العثمانية، وفشله في ذلك ومتابعة المحاولة بواسطة إمبراطور ألمانيا (ولهام الثاني) للحصول على حكم ذاتي لليهود في فلسطين، وفشل فيه أيضا وتعددت المطالب والوعود وأيضا الأراضي المقترح إقامة الوطن القومي لليهود فيها ما بين العريش وسيناء وأوغندا أو إقامة مستعمرات في سورية والعراق (اُنظر خريطة مناطق الانتداب البريطاني ـ الفرنسي) وكذلك قبرص فرفضت جميعاً وكان الإصرار على فلسطين وذلك في المؤتمر الصهيوني السابع عام 1905م بعد وفاة هرتزل عام 1904م وكان التنفيذ من خلال الأنشطة التالية:

أ. التنظيم السياسي والاجتماعي لليهود.

ب. الاستعمار الزراعي والصناعي لأرض فلسطين.

 ج. التدعيم النفسي والمعنوي لليهود في المهجر أو في المستوطنات بفلسطين.

د. العمل الدبلوماسي الموسع بالمؤسسات والتنظيمات اليهودية في جميع بلدان العالم.

استمر النشاط السياسي اليهودي دائرا في غرب أوروبا، ولكن نشاطاً من نوع مختلف كان هناك في شرق أوروبا عكس آثاره المباشرة على أرض فلسطين ففي عام 1903م ظهرت بوادر موجة جديدة من الاضطهاد ضد يهود روسيا القيصرية، حين بدأت التيارات الثورية والمبادئ الاشتراكية تنتشر فيها، ما أدي لانتشار الأفكار الاشتراكية الصهيونية بين الشباب اليهودي فتأثر بها و جمع نفسه في حركة يهودية جديدة سميت (بوعلي صهيون) أي(عمال صهيون) تدعو إلى أفكار صهيونية متطرفة ترتكز على مبدأين هما

أ‌. الهجرة إلى فلسطين والاستيطان بالعمل والدفاع عنه.

ب‌. تحقيق العدالة الاجتماعية للشعب اليهودي.

أثمرت جهود اليهود ونشاطهم السياسي عن موجة جديدة من الهجرة اليهودية إلى فلسطين (العلياه الثانية) عام 1904م واستمرت عشر سنوات، وكان لفشل الثورة الروسية الأولي عام 1905م و زيادة الاضطهاد لليهود أثرهما المباشر على يهود شرق أوروبا خاصة من شباب صهيون الذين تفتحت عقولهم على التطلعات العنصرية وعلى آمال القومية اليهودية، لذلك كان معظم أفراد هذه الموجة الجديدة من الشباب الصهيوني المتعصب والمتفتح سياسيا ومن أصحاب فكرة البعث القومي الاجتماعي والذي انحصر في ثلاث فئات، على الرغم من اختلاف مفاهيمها السياسية العامة إلا أن طابعها العنصري وحد بينها في العمل والمشاركة في النشاط الصهيوني الإنشائي في فلسطين، حيث وفر المجال العملي لبناء المجتمع الصهيوني إذ هو أول مستلزمات الوطن القومي والدولة اليهودية وكان من نتيجة ذلك الاشتراك في تكوين منظمة (هاشومير) الحارس وإنشاء صندوق عمال أرض إسرائيل وهذه الفئات هي:

أ. جماعات من شباب صهيون نادوا بإيديولوجية قومية تأثرت بالآراء الاشتراكية التي اعتنقها حزب (هابوعيل ها تسعير) العامل الشاب والذي أسس عام 1905م في فلسطين .

ب. جماعات من عمال صهيون تأثروا بالأفكار الماركسية ويتطلعون إلى حضارة قومية دنيوية وهي التي أسست فرعها كحزب بفلسطين عام 1906م .

ج. شباب غير حزبي ولكنه متحمس لأفكار اشتراكية أخري ومتعصب لفكرة (الوطن القومي اليهودي).

3. الفترة الثالثة: خلق النواة العسكرية

امتدت هذه الفترة من عام 1907م حتى عام 1917م، ويعد عام 1907م حداً فاصلاً في تاريخ الصهيونية الحديثة اتجاهاتها الاستعمارية، لانتصار آراء الزعماء الصهيونيين المنادين بالعمل في فلسطين دون ضمانات سياسية، وانتخب دافيد ولفسون رئيسا للمنظمة بعد موت هرتزل، ورغم اتفاق الجميع على الهدف السياسي لبرنامج بال بشأن الوطن القومي اليهودي في فلسطين إلا أنهم اختلفوا في أسلوب التنفيذ، وبادر الصهيونيون العماليون بزعامة (أوتو واربورج) إلى العمل والنشاط الفعلي في فلسطين دون أي ضمانات سياسية. وطبقاً لقرار المؤتمر الصهيوني الثامن المنعقد في لاهاي عام 1907م، وهو ضرورة البدء في استعمار فلسطين بشكل منظم مهما كانت العقبات، واتخاذ كافة الإجراءات المناسبة التي تكفل تدعيم الزراعة والصناعة. وكان زعيمهم هو أول من نادي بفرض الواقع الصهيوني في فلسطين عن طريق التغلغل الاقتصادي .

بدأ الصهيونيون العمليون في عام 1918م يشقون طريقهم نحو المخطط العملي للاستعمار المنظم متخذين من التغلغل الاقتصادي أساساً لهم، مستعينين بالألماني اليهودي فرانز اوبنهايمرا مستشاراً اقتصادياً لهم، لتطوير العمل في فلسطين بزعامة المنظمة الصهيونية العالمية التي أنشأت المكتب الفلسطيني في يافا، وكان أول خطواته إنشاء ضاحية جديدة على حدود يافا هي تل أبيب، ثم أنشأ شركة تنمية أراضي فلسطين بهدف التوسع في استعمار الأرض وإدارة المستعمرات وإنشاء المزارع لتدريب العمال على الزراعة؛ حيث أقيمت أول مستعمرة جماعية (كيبوتز) تسمي "داجانيا" بواسطة (عمال صهيون) وسميت (أم جوني) وأصبحت رمزا لفكرة الكيبوتزيم وعلى يد من أسموهم "هاحلوتسيم" أي الرواد من المستوطنين اليهود وعدت رمزاً للعقيدة الصهيونية الاشتراكية تحت شعار المحراث والسيف وتبلورت بعد ذلك في شعار (العمل والدفاع) حيث وضع هذه الفكرة بن جوريون في صورتها الحية وإطارها الواقعي، مؤكداً ذلك بقوله" إن أرض إسرائيل تصبح ملكنا عندما يصبح عمالها وحراسها من صفوفنا" ثم أضاف " ليس من هدف قومي أو اجتماعي تم انجازه دون جهد وإصرار من المقاتلين والبنائين" ولذلك تحدد شكل المستعمرات الجماعية وأهدافها كالآتي:

أ. أن يكون سكانها من المقاتلين البنائين للاستيلاء على فلسطين عن طريق غزو الأرض وبناء الحصون البشرية والعسكرية.

ب. أن يكون مواقعها في الأماكن الحيوية ووفق المخططات المرسومة.

 ج.أن تقوم على العنصرية الصهيونية والتعصب الديني والتميز عن الآخرين.

د. تعتمد على الذات وإبعاد غير اليهود عن المستعمرات، ومقاطعة الأيدي العاملة العربية، واضطهادها وطردها من الأرض بالقوة والإرهاب.

وضع حجر الأساس للبناء العسكري الصهيوني وخلق نواته العسكرية في بداية عام 1907م بإنشاء أم المنظمات العسكرية في فلسطين وهي منظمة الحارس (هاشومير) تحت ستار الحراسة والدفاع حيث تأسست من أعضاء حزب عمال صهيون (23 شابا) ثم انضمت إليهم عناصر يسارية من اليهود الروس الذين أدخلوا على أساليبها فكرة العمل الايجابي تحت اسم النضال والكفاح، وعدم الاكتفاء بأعمال الحراسة، بل ممارسة العنف ضد السكان العرب حتى يمكن خلق ما يسمي باليهودي العنيف عن طريق أحياء روح الأساطير الشعبية اليهودية القديمة الموجودة في كتبهم المقدسة فبرزت ملامح أيديولوجية هاشومير في الاقتراحات التي أعلنتها عام 1912م أسلوباً لحماية اليشوف على أساس النقاط التالية:

أ. أن تغرس في السكان الإحساس بواجبهم في الدفاع عن أنفسهم إلى دورها في الحماية المادية للمستعمرات.

ب. أن توفر النواة العسكرية القادرة على توسيع نطاق الوظائف الدفاعية في المجتمع اليهودي.

ج. أن تحتكر حق الإشراف على الدفاع عن المجتمع اليهودي في فلسطين.

د. أن تعمل هاشومير قوة مسلحة محترفة ومتخصصة في الدفاع عن البيشوف.

إذا كان إنشاء منظمة هاشومير مساراً أول للصهيونية العسكرية من أهم مخططات الصهيونية السياسية فان الهدف الأول لها هو إنشاء قوات مسلحة يهودية تخدم في ميدان الشرق الأوسط بالقرب من فلسطين تحت القيادة البريطانية بغرض معاونة القوات البريطانية في حربها ضد تركيا خلال الحرب العالمية الأولي، إضافة لما هو أهم ألا وهو استخدامها في مساومة بريطانيا من أجل إنشاء الوطن القومي اليهودي بفلسطين، وأيضاً لاكتساب الخبرة والتسليح بأحدث الأسلحة، ولذا سعي زعماء الحركة الصهيونية أمثال حاييم وايزمان وفلاديمير جابوتنسكي ويوسف ترومبلدور ودافيد بن جوريون إلى تنفيذ المسار الثاني للصهيونية العسكرية، وهو إنشاء تلك القوات ففي مارس 1915 استجابت القيادة البريطانية في مصر لتشكيل كتيبة النقل البغالي الصهيونية من ثمانية آلاف فرد من يهود فلسطين، وبعد تدريب قصير في منطقة برج العرب غرب الإسكندرية، أبحرت إلى الدردنيل يقودها ضابط بريطاني اختار يوسف ترومبلدور أركان حربه، وباءت هذه الحملة بالفشل فسرح ما تبقي منها في مايو 1916م مع استبقاء 120 فردا أرسلوا إلى لندن ليكونوا نواة لكتيبة يهودية يمكن تكوينها مستقبلاً، إلا أن جهود زعماء الصهيونيين لم تتوقف، ولم يهدأ جابوتنسكي -الموقن بأن التحرير لن يتم إلا بحد السيف- إلا بعد وعد من الحكومة البريطانية بقبول فكرة إنشاء كتيبة يهودية في بريطانيا للعمل في فلسطين، بينما ركز بن جوريون جهوده في الولايات المتحدة وشرع في تجنيد كتيبة يهودية من يهود الولايات المتحدة على أن تلحق بالجيش البريطاني وليس الأمريكي كما سعى يوسف ترومبلدور، في صيف 1917م، بعد وصوله إلى روسيا إلى إنشاء جيش يهودي ضخم قوامه من (75 - 100ألف) يهودي يغزو به فلسطين عن طريق القوقاز، بعد أن يشق طريقه بالقوة عبر أرمينيا والعراق ويمثل فلسطين الشرقية (شرق الأردن) ولكن انهيار الحكومة الروسية أفشل هذا المشروع.

أعلنت الحكومة البريطانية في صيف 1917م عن موافقتها على تشكيل كتيبة يهودية بقيادة الكولونيل السابق قائد كتيبة البغال وهذا التحول في السياسة البريطانية كان للأسباب الآتية:

أ. دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب إلى جانب الحلفاء وموافقتها على إنشاء كتيبة يهودية.

ب. اتفاق بريطانيا مع الحكومة الروسية بحقها في تجنيد رعايا روسيا من اليهود.

ج. الموقف العسكري في أوروبا لم يكن يسمح بنقل قوات إلى جبهة الشرق الأوسط.

د. موقف الثورة العربية الكبرى حيث استولت على ميناء العقبة، ما دفع بريطانيا لأن تشترك الصهيونية في القتال حتى لا تكون الغنائم للعرب وحدهم، وتشرك اليهود في تحرير البلاد لكي تكسبهم حق المطالبة بها.

ثانياً: المرحلة الثانية: الاغتصاب

1. مدة المرحلة: من عام 1917 إلى عام 1947م.

2‌. الهدف من المرحلة

أ. العمل السياسي لتقنين الوجود اليهودي في فلسطين.

ب. تكوين الكيانات السياسية اليهودية (الوكالة اليهودية) وإنشاء المنظمة العسكرية (الهاجاناه).

ج. مقاومة المد الثوري الفلسطيني.

د. التحول إلى الهجرة الجماعية.

هـ. إطلاق الإرهاب الصهيوني من المنظمات السرية ضد الفلسطينيين.

3. شعار المرحلة: هو السور والبرج.

يمكن احتساب عام 1917م بداية مرحلة جديدة من مراحل العمل الصهيوني في فلسطين، وانتهت باغتصابها. ولقد نهض بهذه المرحلة جيل من الإرهابيين بالإضافة إلى الزعماء التقليديين للمنظمة الصهيونية، وهذا الجيل اعتنق أسلوبا جديدا في سلب الأرض تحت شعار السور والبرج تعبيرا عن أخذ الأرض بالقوة والانغلاق داخلها للدفاع عنها، واحتوت هذه المرحلة وتبعا لأبرز أحداثها على ثلاث فترات هي:

·   الفترة الأولى: التعيين السياسي للوجود اليهودي وتعزيز الاستعمار.

·   الفترة الثانية: مقاومة المد الثوري الفلسطيني.

·   الفترة الثالثة: انطلاق الإرهاب ونتائجه.

1. الفترة الأولى: التعيين السياسي للوجود اليهودي وتعزيز الاستعمار الاستيطاني

امتدت هذه الفترة من عام 1917م حتى عام 1927م وكانت البوابة في الثاني من نوفمبر 1917م حين صدر تصريح وعد بلفور الذي عدته الصهيونية العالمية نقطة تحول في تاريخها وتاريخ اليهود كله، والواقع أن صدور هذا التصريح البريطاني لم يكن وليد ساعته، أو عملاً أملته ظروف وقتية ودوافع عاطفية، بل كان نتيجة جهود ضخمة بذلتها الصهيونية السياسية وشاركت فيها الدبلوماسية البريطانية، وهو يمثل إحدى حلقات الخطوات التكتيكية والإستراتيجية في السياسة البريطانية لتحقيق أطماع الدول الأوربية الكبرى في تقسيم إرث الدولة العثمانية وإنهاء المسألة الشرقية، وبذلك يكون وعد بلفور ختاما لاتفاقات دولية ثلاثة عقدت لهذا الغرض، أما الاتفاقان الآخران فكانا اتفاق الحسين/ مكماهون الذي عقد في 1915م واتفاق سايكس/ بيكو عام 1916م (اُنظر خريطة اتفاقية سايكس ـ بيكو) حيث جرت مفاوضاته مع الدول الكبرى وخاصة روسيا وفرنسا مع بريطانيا، ولكي تخرج بريطانيا فلسطين من مطامعها اقترحت وضع فلسطين تحت نظام دولي، وبذلك تحقق تأمين حدود مصر الشرقية لتأمين قناة السويس كما نجحت جهود الحكومة البريطانية في مؤتمر سان ريمون في ابريل 1920م فأقر المجلس الأعلى للحلفاء تأييد تصريح وعد بلفور، وكذا انتداب بريطانيا على فلسطين وقد عرضت وثيقة الانتداب على المنظمة الصهيونية العالمية وحظيت بموافقتها. وعين هربرت صمويل اليهودي البريطاني أول مندوب سامي بريطاني على فلسطين، ثم عرضت الوثيقة على عصبة الأمم التي صدقت على صك الانتداب في 24 يوليه 1922م كما جاء في مقدمة التصديق الاعتراف بوعد بلفور.

بدأت الموجة الثالثة من الهجرة اليهودية إلى فلسطين في أعقاب الحرب العالمية الأولي في عام 1919م، وانتهت عام 1923م، وبلغت 90 ألفاً وعندما وضعت فلسطين تحت الانتداب عام 1920م أصبحت الهجرة اليهودية شرقية، بعد أن سمحت بها حكومة الانتداب، ووضعت لها صوريا سعة استيعابية، وكان القسم الأكبر من المهاجرين لفرقة العمال التي أقامت المستعمرات الجماعية (كيبوتزيم) وكذا الاشتراك في المجموعات العسكرية الصهيونية وأصبحت صورة العامل الذي يحمل الفأس في إحدى يديه والبندقية في اليد ألآخري هي السائدة لليهود في أرض فلسطين، كما أقيمت مستعمرات الناحال" الشباب ألطلائعي المحارب" في مواجهة الحدود المصرية وشرق الأردن والسورية واللبنانية وفي عام 1924م بدأت موجة الهجرة الرابعة (العلياه الرابعة) وانتهت عام 1926م وبلغت 60 ألف نسمة معظمهم من بولندا وليتوانيا وروسيا ومن الطبقة المتوسطة واستمر بناء المستوطنات والمستعمرات حتى بلغ عددها 100 مستعمرة وبلغ عدد اليهود 160 ألف نسمة، وهذا يرجع إلى دعم سلطات الانتداب لليهود على حساب العرب واعترفت السلطات بمبدأ تمثيل اليهود في المجالس المحلية والجمعيات واللجان الوطنية وأصبحت اللغة العبرية لغة رسمية في فلسطين، وافتتحت الجامعة العبرية في ابريل 1925م وأنشئت المنظمة العسكرية الصهيونية السرية (الهاجاناه) ومنحت الشركات الصهيونية امتياز الأعمال الرئيسة المهمة كالطرق والكهرباء، كما أنشئت المحاكم اليهودية وتكونت الأحزاب واتحاد العمال (الهستدروت).

2. الفترة الثانية: مقاومة المد الثوري الفلسطيني

امتدت هذه الفترة من عام 1927م حتى عام 1937م وامتازت بالنشاط الثوري العربي في فلسطين، وأنه أخذ في التدرج حتى وصل إلى قمة الثورة في عام 1936م، وذلك لأن أحداً لم يكن يتصور حتى صدور وعد بلفور عام 1917م مدى أبعاد المؤامرة الصهيونية المرسومة ضد العرب، وحتى نهاية العشرينات لم يكن قد تبلور بين العرب إدراك عام عن تحقيق الخطر الصهيوني على العالم العربي، لذلك فرغم ارتفاع معدل الهجرة إلا أن النشاط العربي ظل قاصرا على عقد المؤتمرات، ورفع رسائل الاحتجاج وتشكيل الجمعيات، وبعث الوفود إلى لندن، والإعلان عن رفض الوعد والمطالبة بمنع الهجرة اليهودية وإنشاء حكومة فلسطينية، وانتخاب لجنة تنفيذية برئاسة موسي قاطم الحسيني لقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية؛ حيث أغارت المقاومة الفلسطينية لأول مرة خلال الاضطرابات، على المستعمرات اليهودية وقتال حراسها، واغتيال جوزيف ترميلدور في مستعمرة تل الحي، واستمرت الحركة حتى عام 1923م حين دخلت فترة الانحسار بسبب عوامل خارجية وداخلية ,منها تردد زعماء قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية المكونة من كبار الملاك, ونجاح سلطات الانتداب في تأجيج الصراع بين عائلتي الحسيني والنشاشيبي, إلا أنه قد حدث تفجر في الصراع عام 1925م, وأضربت فلسطين إضراباً شاملاً احتجاجاً على زيارة لورد بلفور إلى القدس لافتتاح الجامعة العبرية, وكذلك بلغت الأحداث عام 1928 حداً كشف حقيقة خطة الصهيونية أمام نظر العرب, بعد أن تأكد أن تزايد النشاط الصهيوني سيؤدي إلى ضياع فلسطين, ولذلك فمنذ عام 1929 ولمدة عشر أعوام واجه الاستعمار البريطاني والصهيوني بفلسطين فترة من أحرج الفترات, نتيجة لانطلاق الثورات العربية التي لم تتوقف, إلا مع بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939م, ولولا السياسات الملتوية التي اتبعتها سلطات الانتداب البريطاني والمواجهة الوحشية التي لاقتها القوى العربية الثائرة، مع قصور القيادات العربية، لكانت هذه الثورات قد أتت ثمارها وتمكنت من القضاء على الأطماع الصهيونية في فلسطين.

إن السبب المباشر الذي جعل النزاع يتخذ طابع الحدة والمجابهة يعود إلى يوم الأربعاء 14 أغسطس 1929 الموافق في العبري يوم الغفران، حين سيرت مظاهرة شبه عسكرية في تل أبيب والقدس، قام بها حزب الإصلاح التابع للمنظمة الصهيونية المتعصبة بيتار وحين وصلت إلى ساحة البراق (المبكى) أدى المتظاهرون صلواتهم وقاموا بطقوسهم تطبيقاً لنص المادة الثالثة عشرة من وثيقة صك الانتداب، ولم يعارض المسلمون تلك الزيارة بفضل التسامح الإسلامي، إلا أن اليهود أخذوا بعد الاحتلال البريطاني يحاولون تحويل هذه العادة إلى حق مكتسب ثم حق ملكية، وبهذا يظهر البعد الديني للصهيونية، لذا سير العرب في يوم الجمعة التالي بمظاهرة شعبية كبيرة في مدينة القدس حيث توافدت عليها من القرى المجاورة جماهير غفيرة ثائرة انطلقت من المسجد الأقصى، وجابهتها السلطات البريطانية بعكس ما فعلت حيال تظاهرات اليهود، وعمت الاشتباكات المدن الفلسطينية وخاصة مرج بن عامر حيث هوجمت المستوطنات الصهيونية ونشبت معارك طويلة مع القوات البريطانية التي تحميها، وقد استخدم الانجليز المدفعية والدبابات والطائرات حتى الغازات الحربية في مواجهة الثوار العرب، وألحقت أضرارا جسيمة في قراهم، وفرضت العقوبات والغرامات المالية الجماعية على مدن وقرى الجليل واتهمهم بمهاجمة المستعمرين الانجليز والصهاينة، ونسفت بعض البيوت في قرى القدس العربية، وفرضت حظر التجوال على العرب دون اليهود والإقامة الجبرية على الكثير من قادة العرب وزعمائهم وفرضت الرقابة على الصحف وقامت بالبحث عن السلاح بهدف نزعه من العرب، وكانت حصيلة انتفاضة البراق التي انتهت في 30 أغسطس إلى مقتل 33 يهودياً وجرح نحو 339 ومن العرب 116 شهيدا و232جريحاً كما استمرت السياسة البريطانية بممارسة سياسة الإرهاب والأبعاد للعرب وفرض القيود الاقتصادية والعسكرية وأعلنت المحكمة البريطانية حكماً بإعدام 27 عربياً ولم ينفذ إلا في ثلاثة فقط.

أذيع تقرير جون سمبسون، وأرفق به الكتاب الأبيض للورد باسفيلد متضمنا رأي الحكومة البريطانية وسياستها، والذي تتضمن عدم توفير أراضٍ لاستيطان مهاجرين جدد من اليهود على حساب العرب، وإذا توفرت فهي من حق الأسر العربية التي لا تملك أرضاً وعلى ذلك يجب عدم السماح بهجرة يهودية جديدة، وقد رأى الصهاينة في ذلك حكما بالإعدام لخططهم التوسعية، وغضب وايزمان وقدم استقالته من رئاسة المنظمة الصهيونية، وكذلك من اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية بفلسطين احتجاجاً على سياسة بريطانيا المناهضة للصهيونية وأرسل خطابا للورد باسفيلد يتهمه بإلحاق الظلم بحقوق اليهود وآمالهم فشكلت الحكومة البريطانية لجنة وزارية لمفاوضة مندوبي الوكالة اليهودية وفي 13 نوفمبر 1931م أذاع رامزي ماكدونالد رئيس وزراء بريطانيا رسالة بعث بها إلى وايزمان ضمنها تراجعاً كاملاً عن السياسة التي رسمتها الحكومة في الكتاب الأبيض، وساق تفسيرات معاكسة تماماً كما جاء فيه وأعلن التزام حكومته بتسهيل الهجرة اليهودية وتحقيق الاستيطان وأن الحظر على شراء الأراضي ليس جزءا من سياسة الحكومة ووعد بإجراء تحقيق جديد لتحديد مساحات جديدة للأراضي الصالحة للزراعة والتي يمكن تقديمها للاستيطان اليهودي الجديد.

نشطت الدوائر الصهيونية لزيادة الدعم المالي والقوى البشرية اللازمة لتقوية كيان اليهود في فلسطين، وتوفير الركائز الضرورية لدعم القوى العسكرية للجيش الصهيوني السري (الهاجاناه) وكانت المؤتمرات الصهيونية الأربعة بين عامي 1923م و1929م تؤكد ذلك وبذل وايزمان جهدا كبيرا في إقناع الطوائف اليهودية وخاصة يهود أمريكا وأنشئ مجلس الوكالة اليهودية الذي حث على الهجرة وتشجيعها، وإحياء اللغة العبرية والثقافة اليهودية واسترداد الأراضي لصالح الشعب اليهودي، والعمل على دعم الاستعمار الزراعي على أيد عمال يهود، وبالفعل طالب المؤتمر الصهيوني عام 1933م بفتح باب الهجرة على مصراعيه حيث تحققت معدلات عالية فبعد أن كانت أربعة آلاف عام 1931م أصبحت أكثر من ستين ألفاً عام 1935م مع تواطؤ السلطات البريطانية في ذلك.

عبر عرب فلسطين عن سخطهم في أكتوبر 1933 بالخروج في مظاهرات صاخبة خاصة في القدس ويافا تحت قيادة موسى كاظم الحسيني، وقوبلت بالبطش والتنكيل والاعتقال فقرر العرب إعلان الإضراب لمدة سبعة أيام، فأجبر سلطات الاحتلال على التراجع للتهدئة، وبذل الوعود واسترضاء زعماء العرب ظاهريا لضمان صداقتهم، وعقدت معاهدات صداقة مع العراق عام 1935م ومع مصر 1936م، وكذا فرنسا مع سورية وطالب الشعب العربي من سلطات الاحتلال حقه في الاستقلال، ولكن كل ما حققته تلك السلطات هو اقتراح يدور حول تأسيس مجلس تشريعي مشترك ونفذ في نهاية عام 1935 من أغلبية عربية وأقلية يهودية حيث تكون من أربعة عشر عضوا عربيا وأربعة عشر عضوا آخرين من اليهود والبريطانيين والأجانب، وذلك بعد أن بدأت الدعوة إلى الثورة تأخذ طريقها بين عرب فلسطين مع مطلع عام 1935 وكان أول الداعين لها الزعيم السوري عز الدين القسام بالتنسيق مع الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، وذلك للإعداد للثورة على أن يعمل القسام في شمال فلسطين والحسيني في جنوب فلسطين، مع أن المفتي كان يرى إن الجهود السياسية كافية ولكن البريطانيين علموا بمساعي القاسم فحاصروه في مقره قرب مدينة جنين، وقتلوه مع أعوانه في نوفمبر 1935م، ولكن دعوته كانت قد انتشرت بين عرب فلسطين فشبت الثورة في أوائل أبريل 1936م وأصدرت بيانا يدعو إلى الاستمرار في الإضراب حتى تتحقق المطالب القومية التي تتبلور في الآتي:

أ. إنشاء حكومة وطنية مسئولة أمام مجلس نيابي.

ب. وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

ج. منع انتقال الأراضي العربية وبيعها إلى اليهود.

بدأ الجهاد العربي المسلح ضد سلطات الانتداب بإلقاء القنابل وإشعال الحرائق في مايو 1936م، وتوالت الإنذارات من الحكومة البريطانية، ولكن اللجنة العربية العليا أصدرت نداء في 16 مايو تدعو إلى العصيان المدني وردت الحكومة بإعلان تطبيق قانون الطوارئ، وفي ظله أخذت تعتقل الشباب العربي، بينما كانت مدن فلسطين تشتعل بالثورة وقد كون العرب مجموعات مقاتلة في كل المدن، واشتبكوا مع القوات البريطانية في معارك طاحنة استخدمت فيها القوات البريطانية سلاحها الجوي، وامتدت المعارك إلى المستوطنات اليهودية المنشأة تحت شعار السور والبرج، التي كان قد خطط لها نظام دفاعي بقوات مدربة ومنظمة جيداً عملت بالتعاون مع القوات البريطانية والنجدات العسكرية البريطانية من مصر ومالطة وبريطانيا بقمع الثورة العربية في فلسطين، وبلغ حجم هذه القوات فرقتي مشاه هما الفرقة الخامسة والفرقة الثامنة، وارتفع عدد قوات حامية فلسطين إلى (40) ألف رجل بالإضافة إلى (20) ألف من رجال الشرطة، وعدة آلاف من حرس المستعمرات الصهيوني المسلح فضلا عن القوات السرية للهاجاناه..

عكست الثورة العربية آثارها الفورية على الحكومة البريطانية، خاصة مع وجود شعور عام بمدى الظلم الذي وقع على العرب وانعكاس ذلك على علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي، فسعت الحكومة لبعض الحكومات العربية (شرق الأردن ـ العراق ـ السعودية) وحثتهم على بذل الجهود لإقناع عرب فلسطين بإيقاف القتال حتى تتاح فرصة مناسبة لإيجاد حل كامل للمطالب العربية، وعينت لجنة ملكية برئاسة (لورد بيل) للتحقيق في أسباب الاضطرابات ودراسة الشكاوى العادلة حول كيفية تطبيق الانتداب، وتقديم مقترحاتها لذلك. وبدأت اللجنة العمل في نوفمبر 1936 ولمدة ثلاثة أشهر في فلسطين من العمل الجاد وغادرتها في يناير 1937، وأذاعت تقريرها في يوليه 1937حيث حددت أسباب ثورة العرب في رغبتهم في الحصول على الاستقلال الوطني، ومعارضتهم لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وأوصت اللجنة بضرورة تنظيم الهجرة اليهودية وألا يزيد معدلها عن (15) ألف يهودي في السنة ولمدة خمس سنوات، وكانت أهم مقترحاتها تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام دولة يهودية ودولة عربية ومنطقة تحت الانتداب البريطاني والحدود بينها (اُنظر خريطة مشروع لجنة بيل 1937) ووافقت عليه الحكومة البريطانية وتعهدت بتنفيذه، مع وقف بيع الأراضي وشرائها حتى لا تعرقل المشروع المقترح، ووافقت عليه المنظمة الصهيونية في مؤتمرها العشرين من حيث المبدأ، وعدَّت ذلك مرحلة من مراحل الدولة الصهيونية في فلسطين، كما جاء بتعليق بن جوريون على ذلك حيث قال "إن دولة يهودية في قسم من فلسطين يحقق هدف الصهيونية خيرا مما تحققه دولة انجليزية في كل فلسطين وان إنشاء الدولة أصبح أمراً عاجلاً لفساد نظام الانتداب ونمو القومية العربية والحاجة لإتباع سياسة هجرة صريحة تنقذ يهود أوربا الوسطى من المهالك"، ولكن لم يتم تنفيذ تلك المقترحات وعينت بريطانيا لجنة أخرى هي لجنة وودهيد البريطانية وقدمت مشروعاً جديداً لتقسيم فلسطين (اُنظر خريطة تقسيم لجنة وودهيد البريطانية(أ)) و(خريطة تقسيم لجنة وودهيد البريطانية(ب)) حتى تستطيع السيطرة على الموقف، والمهم عندها هو نجاحها في احتواء المد الثوري في فلسطين.

3. الفترة الثالثة: انطلاق الإرهاب

امتدت هذه الفترة من عام 1937م حتى عام 1947م، وقامت خلالها الحرب العالمية الثانية، وكان تأثيرها هو تفاقم وزيادة ضغط القوى العالمية والاستعمارية وتحكمها في مصائر الشعوب المستعمرة المغلوبة على أمرها، وكان دور الإرهاب والبطش لهذه القوى هو الوسيلة التي استخدمتها في القضاء على آمال الشعوب وتحطيم أمانيها وتصفية وجودها في بعض الأحيان، وكانت تلك الحرب من أهم الأحداث التي أثرت على القضية الفلسطينية، وبقدر ما كانت معوقا لانطلاق الثورة العربية الفلسطينية كانت عاملاً من عوامل القوة لليهود؛ فقد عرفت الصهيونية كيف تستثمر أحداثها لصالحها، وركزت على هدفها وهو إنشاء الدولة اليهودية بالعمل العسكري المباشر، ورأى الزعماء الصهيونيون أن في ما قامت به بريطانيا من محاولات لتهدئة العرب قيوداً للحد من حرية الهجرة اليهودية، إضافة إلى نمو الشعور بالقومية العربية لدى العرب، وهنا تطور الفكر الصهيوني لمعالجة الظاهرتين السابقتين، وبدأ البحث عن أسلوب جديد لمواجهتهما ولتحديد شكل المقاومة المسلحة التي ينبغي تطبيقها ضد دولة الانتداب، إذا ما حاولت النكوص أو التخلي عن وعودها إرضاء للعرب، وكذا تحديد نوع النظام أو العمل العسكري الذي يجب اتخاذه لمواجهة الثورة العربية الفلسطينية ودولة وسلطة الانتداب أيضاً، وانتهى هؤلاء الزعماء والسلطات العليا للييشوف إلى ضرورة إنشاء جيش يهودي مستقل عن دولة الانتداب، يكون مستعدا لمواجهة التحدي العربي، واتخذت الوكالة اليهودية عدة إجراءات لإعادة الهاجاناه وتطويرها وتوسيع قاعدتها .

كانت السلطات البريطانية قد سمحت لليهود بتدعيم قواهم العسكرية، ووافقت على إنشاء مجموعات مسلحة من الشرطة اليهودية سميت بالشرطة الإضافية الخاصة، ثم أطلق عليها شرطة المستعمرات اليهودية (نوتريم) وقد حولت هذه المجموعات العسكرية التي سلحتها السلطات البريطانية إلى واجهة شرعية لإمداد المنظمة غير الشرعية (الهاجاناه) بالرجال المدربين على أيدي الضباط البريطانيين، وبذا انقلبت هذه الوحدات إلى قوة عسكرية مسلحة غير شرعية بلغ حجمها عام 1937م حوالي (3800) يهودي ولم يكن هذا الرقم سوى الجانب الشرعي للقوة السرية اليهودية التي بلغت العشرين ألف رجل، يعملون تحت ستار شرطة المستعمرات، وسيطر على منظمة الهاجاناه جناحين متضادين في الفكر التنفيذي، الأول بزعامة وايزمان وبن جوريون وينفذ سياسة ضبط النفس مع بريطانيا والعرب وذلك لعنف الثورة العربية المفاجئة لليهود وسلطات الانتداب وخوف الصهيونية من فقدان التأييد الخارجي. وأما الجناح الثاني كان بزعامة جابوتنسكي الذي أعلن أن سياسة الإرهاب للعرب والانجليز هي الطريق لتحقيق الهدف الصهيوني، وأيده جماعة التصحيحيين الذين انشقوا في عام 1937م عن الهاجاناه معلنين قيام المنظمة العسكرية الوطنية (أرجون زفاي ليئومي بارتس يسرائيل) واختصارها (أتسل) والتي حدث بها الانشقاق الثاني بخروج جماعة أبراهام شتيرن مكونة منظمة ليحي وهى مشتقة من الأحرف الأولى للكلمات العبرية (لوحمى حيروت إسرائيل) أي المحاربون لحرية إسرائيل وهي التي عرفت منذ عام 1942م باسم مؤسسها شتيرن بعد مقتله، بواسطة سلطات الانتداب، وقامت المنظمات الثلاث بمهمة تنفيذ الإرهاب الصهيوني في فلسطين حتى قيام الحرب العالمية الثانية، بينما استمرت اتسل بالعمل ضد المنشآت والمعسكرات البريطانية، وليحي في أعمال القتل والبطش والترويع خلال الحرب العالمية الثانية، حيث نفذت عدداً من العمليات الإرهابية، وحجم الخسائر الناجمة عنها في فلسطين أحدث من الترويع ما يفوق الوصف.

إن العلاقة بين الهاجاناه وسلطات الانتداب قد مرت بفترة توتر قصيرة في أعقاب صدور الكتاب الأبيض عام 1939م إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية أدى إلى استعادة علاقات التحالف القديمة ورأى فيها الصهاينة فرصة لاستغلال التناقضات بين الأطراف المتصارعة لتحقيق مشروعهم وهدفهم الأول، وهو إقامة الدولة اليهودية، وقد انضم كثير من أعضاء الهاجاناه إلى جانب بريطانيا والحلفاء، وكذلك انضموا إلى تشكيل اللواء اليهودي للقتال في صفوف القوات البريطانية، وتصدت الهاجاناه للمنظمات اليهودية الأخرى، بل وأمدت سلطات الانتداب بما تحتاجه من معلومات لتعقب تلك المنظمات واعتقال أعضائها، وفي المقابل ساعدت بريطانيا في إنشاء القوة الضاربة للهاجاناه (البالماخ) وتدريبها، كما نظمت ودربت فرقة المظليين من بين أعضاء الهاجاناه للعمل في أوروبا، ولكن بانتهاء الحرب تفجر الصراع مرة أخرى فشاركت الهاجاناه منظمتي اتسل وليحي النشاط الإرهابي ضد كل من العرب والبريطانيين، وأطلق على هذا النشاط الإرهابي اسم حركة المقاومة العبرية، كما نشطت جهود الهاجاناه في تشجيع الهجرة غير الشرعية، وحيث بلغ عدد أعضاء الهاجاناه قبل إعلان قيام الدولة اليهودية (3600 مقاتل)، إضافة إلى ثلاثة آلاف من البالماخ، واكتمل بناؤها التنظيمي، حيث تحولت إلى جيش موحد ومحترف للدولة الصهيونية، وقد أصدر بن جوريون قرار، في 31 مايو 1948م، بتحويلها إلى جيش الدفاع الإسرائيلي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:04 am

الفصل الثالث

الصهيونية العالمية وإقامة دولة إسرائيل

المبحث السادس: المرحلة الثالثة والرابعة من إقامة دولة إسرائيل

 

المرحلة الثالثة والرابعة من إقامة دولة إسرائيل

أولاً: المرحلة الثالثة: التوسع

1. زمن المرحلة: من عام 1947م وحتى يوليه 1973.

ب. أهداف المرحلة:

أ. استمرار الإرهاب وتصعيده لطرد الفلسطينيين من الأرض والاستيلاء عليها.

ب. تأسيس الدولة اليهودية وإعلانها طبقاً للقانون العام.

ج. زيادة معدلات الهجرة إلى فلسطين وتثبيت وضعية الدولة بالمنطقة.

د. العمل على توسيع حدود الدولة اليهودية حتى تضم أرض إسرائيل الكبرى التاريخية.

هـ. إعادة ترتيب القوى وتوازنها بالشرق الأوسط في ظل مصالح الدول الكبرى.

ز. إخضاع العرب وإنهاء مقاومتهم ومطالبهم بأرض فلسطين.

انتهت المرحلة الثانية من مخطط الصهيونية لاغتصاب فلسطين بصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947م بتقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما عربية والأخرى يهودية (اُنظر خريطة قرار تقسيم الأمم المتحدة)، وفي 14 مايو 1948م ومع نهاية الانتداب البريطاني، أعلن قيام دولة إسرائيل، بعد أن تمكن الصهاينة من ابتلاع كل الأراضي التي وصلت إليها أيديهم، ثم تابعت إسرائيل الخطى على نفس الطريقة بواسطة الجيل الفاشي الإرهابي، يغتصب الأرض ويبني عليها المستعمرات لاستيعاب المهاجرين الجدد، وينظم صفوف قواته المسلحة ليحارب العرب ويجليهم عن أرضهم، ويمنعهم من استردادها. وقد حمل دافيد بن جوريون لواء الدعوة إلى هذا العنف والإرهاب، وقد يكون هو الشخص الذي يدين له الصهيونيون بالفضل، فهو الذي عرف كيف يخلق من قرار الأمم المتحدة، وتواطؤ الاستعمار، وضعف العرب، وأطماع الصهيونية العالمية مزيجاً من العوامل التي استغلها إلى أقصى مدى لاغتصاب فلسطين تحت شعار من الشعارات الزائفة مثل الاستقلال والتحرر والأمن، ولم تكن في واقع الأمر سوى عمليات انقضاض على الأرض العربية ثم فرض الأمر الواقع.

لم يمثل قرار التقسيم سوى نقطة ارتكاز للانطلاق الصهيوني نحو التوسع، كما لم يكن إعلان الدولة عام 1948م إلا خطوة في طريق التوسع، أيضاً كان هناك دائما تمييز واضح في الفكر الصهيوني بين مفهوم دولة إسرائيل ومفهوم أرض إسرائيل التاريخية، لذلك فان الأطماع التوسعية سوف تبقى دائما ما لم يتطابق هذان المفهومان على أرض الواقع باستيعاب دولة إسرائيل لهذه الأرض التاريخية؛ وعلى ذلك فان هذه المرحلة التي بدأت بتأسيس الدولة كانت مرحلة انطلاق نحو تحقيق الصهيونية الشاملة من خلال الهجرة والتوسع، وقبل كل شيء إيجاد وطن ذي سيادة لكل اليهود الذين ينتظرون خارجها، ولذا كانت موافقة الصهيونيين على قرار التقسيم، فور صدوره من الأمم المتحدة، مؤكدين أن نصف البلاد يمثل الحد الأدنى الذي يتعذر إنقاصه أو الرجوع عنه، بعكس العرب الذين أعلنوا رفضهم لاقتطاع الأراضي العربية، وتكوين دولة يهودية في قلب الوطن العربي. حيث خص قرار التقسيم اليهود بحوالي (56%) من مساحة البلاد على الرغم من أن الممتلكات اليهودية الفعلية في ذلك الوقت لا تزيد عن (7%) من هذه المساحة وبدأ العرب نضالهم ضد هذا القرار في أول ديسمبر 1947م، فانتشرت المقاومة في أنحاء فلسطين وشملت يافا والقدس وحيف واللد والرملة كما تمكنت عناصرها المسلحة من قطع الطريق بين تل أبيب والقدس، واضطرت الهاجاناه خلال هذه الفترة إلى إتباع الأساليب الدفاعية لبضعة أشهر، قضتها في حشد قوى البيشوف وتجنيد المهاجرين وتسليح القوات والاستعداد لتوجيه ضربتها الكبرى، بمجرد اكتمال المخطط وإعداد الوسائل. كما أن النشاط الدبلوماسي في الأمم المتحدة لم يتوقف، وظهر أن بريطانيا والولايات المتحدة أصبحتا أقل اهتماما بتنفيذ قرار الأمم المتحدة، بل وأعلنتا عدم إمكان تقسيم فلسطين واقترحت الولايات المتحدة وضع فلسطين تحت وصاية الأمم المتحدة، وأن يديرها حاكم من قبلها، ورفض الصهيونيون هذا الاقتراح على لسان بن جوريون بقوله "إن الأمم المتحدة لا يمكنها تغيير الوضع في فلسطين، ولن تستطيع منع تكوين دولة يهودية، وإن تكوين الدولة لا يعتمد على قرار 29 نوفمبر 1947م مع ما له من قيمة معنوية وسياسية لليهود, ولأن الدولة ستخلق بواسطتنا, فنحن الذين نقرر مصير تلك البلاد". (اُنظر خريطة مشروع الوكالة اليهودية)

اقتصرت أعمال المقاومة العربية في ذلك الوقت على قطع بعض الطرق أساساً، ومحاولة حصار المناطق اليهودية لإحباط الأهداف التوسعية المبيتة، ولكن لم يكن تدمير لأية مستعمرة يهودية أو تهجير ساكنيها، وبعد عدة شهور تحولت الهاجاناه إلى عمليات الهجوم على القرى الفلسطينية لممارسة الإرهاب، واقتحمت هذه القرى العربية، التي كانت تبعد أميالاً كثيرة عن المستعمرات اليهودية بحجة مهاجمة العصابات العربية وفي 16 ابريل 1948م. اتخذ المجلس الصهيوني العام قراراً ببدء حرب الإبادة وإقامة الدولة اليهودية بالقوة المسلحة، وإعلان التعبئة العامة وتنظيم السيطرة على البلاد وفي 14 مايو 1948م أنزل العلم البريطاني عن دار الحكومة في القدس، وغادر البلاد السير ألان كننجهام آخر مندوب سامٍ في فلسطين، وكانت القوات الصهيونية قد فرضت سيطرتها على رقعة كبيرة من البلاد (اُنظر خريطة الاحتلال اليهودي لفلسطين) وفي مساء ذات اليوم أعلن بن جوريون إنشاء الدولة اليهودية في أرض إسرائيل، لتعرف باسم دولة إسرائيل وهكذا تعمدت بريطانيا وهي تعلم طبيعة الموقف داخل فلسطين ألا تتخذ أي إجراء من شأنه فرض السيطرة على البلاد، أو نقل السلطة إلى الأمم المتحدة حسب قرار التقسيم ,وأن المعنى الوحيد لتصرف الحكومة البريطانية هو أنها سلمت فلسطين للقوى الصهيونية، وبرت بوعودها بدعم دولة إسرائيل وإخراجها إلى الوجود وفقاً للمخطط الصهيوني الاستعماري السابق وضعه ,ونفذ قبل إنهاء الانتداب البريطاني, ويبدأ الصراع العربي الإسرائيلي بصورته الحديثة ,والذي يمكن رصده من خلال أربع فترات زمنية تشمل في داخلها جولات الصراع حتى الآن.

1. الفترة الأولى: الاحتواء الأول والردع المحدود

بدأت هذه الفترة من عام 1947م وحتى عام 1957م بهدف

·   فرض الدولة اليهودية.

·   تثبيت كيان الدولة اليهودية.

·   ج. إعلان نشأة القوات المسلحة الإسرائيلية.

·   د. إتباع السياسات الحربية وتطوير القوات المسلحة الإسرائيلية.

·   هـ. الجولات العربية الإسرائيلية.

أ. الجولة العربية الأولى (حرب عام 1948م)

أثر إعلان دولة إسرائيل والاستيلاء على مزيد من الأراضي العربية وإصدار بن جوريون الأمر الرقم (4) الصادر في مايو 1948م وأبرز نقاطه هي إنشاء قوات الدفاع الإسرائيلية (تسهال) وتكوينها من القوات البرية والجوية والبحرية وتنفيذ التجنيد الإجباري للتشكيلات والخدمات في أوقات الطوارئ، واعتبار إنشاء أي قوة مسلحة أخرى أو الاحتفاظ بها خارج إطار قوات الدفاع الإسرائيلية محظوراً, وتحركت الدول العربية (سورية والأردن ولبنان والعراق ومصر) ودخلت إلى فلسطين بهدف منع الصهيونية من استكمال الاستيلاء عليها، وتمكنت من استعادة بعض الأراضي وتطويق الأطماع الصهيونية، غير أن تدخل الدول الغربية وعرض القضية على مجلس الأمن أدى إلى إعلان الهدنة الأولى في يونيه 1948م، التي قبلها الصهيونيون فورا لحاجاتهم لكسب الوقت لحشد القوات واستيراد الأسلحة الثقيلة على الرغم أن قرار الهدنة يحظر استيراد الأسلحة، كما قبلها العرب على مضض بوساطة الوسيط الدولي برنادوت، واستمرار الهدنة شهراً، أتمت خلاله القوات البريطانية إخلاء ميناء حيفا فاحتلته الهاجاناه فوراً، وقدم برنادوت اقتراحاته للسلام لكل من العرب واليهود حيث دعا إلى توحيد فلسطين وشرق الأردن في وحدة واحدة مكونة من جزئين أحدهما عربي والآخر يهودي (اُنظر خريطة مشروع برنادوت لتقسيم فلسطين) وتبقى القدس ضمن القسم العربي مع توفير حكم ذاتي بلدي للجالية اليهودية ولكن في 9 يوليه 1948م استؤنف القتال بعد أن تمكنت إسرائيل من أعادت تنظيم قواتها وتدعيمها، وأصبح لها قوات جوية مقاتلة، واستمر القتال لمدة عشرة أيام اهتز فيها الموقف العربي واستولت إسرائيل على 14 مدينة و200 قرية من أراضي العرب بالإضافة مدينتي اللد والرملة بعد أن أخلاها الجيش الأردني نتيجة لمؤامرة بين بريطانيا في شخص جلوب باشا قائد الجيش الأردني والصهيونية وفي 19 يوليه 1948م فرضت الهدنة الثانية دون تحديد مدتها؛ حيث استولت إسرائيل على مزيد من أراضى فلسطين (اُنظر خريطة إسرائيل عام 1949).

قدم برنادوت تقريراً شاملاً لمشكلة فلسطين قبل أن يغتاله الصهيونيون، وعرض على الجمعية العامة للأمم المتحدة بباريس في نهاية سبتمبر 1948م وتضمن اقتراحات محددة للتسوية أهمها تعيين حدود الدولتين وعلاج مشكلة اللاجئين بعودتهم إلى أراضيهم، وأن تبقى القدس تحت إشراف الأمم المتحدة، ووافقت كل من بريطانيا والولايات المتحدة على المقترحات ورفضها العرب كما رفضتها إسرائيل على الرغم من طلبها تعديل الحدود بإضافة مزيد من الأراضي لتسهيل الدفاع عن نفسها، وكذا ممر أرضي يربط بين القدس ودولة إسرائيل للدفاع عن المدينة كما رفضت أن يكون النقب عربياً، على الرغم من ذلك لم تحافظ إسرائيل على الهدنة واستمر اليهود في تحسين أوضاعهم بإضافة أراضٍ جديدة لإضعاف الدفاعات العربية وتطوير الهجمات الإسرائيلية حتى سقطت بئر سبع وحوصرت الفالوجا، كما اضطرت القوات المصرية إلى إخلاء أسدود والمجدل. وفي أواخر ديسمبر 1948م شنت القوات الإسرائيلية هجوماً عاماً ضد الجبهة المصرية، وتوغلت في سيناء حتى بئر الحسنة وجنوب العريش، ثم انسحبت مرة أخرى إلى فلسطين، وفرضت الهدنة الثالثة في 7 يناير 1949م ووقعت اتفاقيات الهدنة بين إسرائيل وكل من مصر في فبراير 1949م ومع لبنان في 23 مارس والأردن في 3 ابريل وسورية في 20 يوليه 1949م وبينما الوفد الأردني في رودس في مفاوضات الهدنة، أصدر جلوب أوامره مرة أخرى بسحب القوات الأردنية من رأس النقب وأم رشراش على خليج العقبة لتستولي عليها القوات الإسرائيلية في 10 مارس وتقيم عليها ميناء ايلات، ويعلن بن جوريون عن نهاية الحرب قائلاً "ثم النصر في حرب الاستقلال التي كلفتنا أكثر من خمسة آلاف قتيل. لقد كانت الحرب نقطة تحول في تاريخ إسرائيل ولها مكانة حروب يوشع بن نون وحملات الحاشمونيين. لقد كانت الدولة حلقة جديدة في سلسلة التاريخ انتظرناها 1835 سنة منذ هزيمة باركوبا".

استأنفت الجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشة مشكلة القدس في نهاية 1949م، وقررت أن المدينة يجب أن تكون تحت السلطة الشرعية للأمم المتحدة لحماية المصالح الدينية والروحية للأديان السماوية الثلاثة غير أن إسرائيل رفضت القرار بل نقلت بعض وزاراتها ومقر الكنيست إلى القدس متحديه قرار الأمم المتحدة، واستمرت إسرائيل رغم الظروف غير الطبيعية في نشأتها تسعى لتثبيت أركان الدولة مستغلة موقعها المعادي وسط محيط عربي، وذلك بطلب الأمن من القوى العالمية وخاصة الولايات المتحدة بعد أن كررت إعلانها بأن الهدف الرئيس من وجود الدولة هو خلاص الشعب اليهودي وتجميع يهود المنفى، وأن الأمن لها يتمثل في دعم هذه القوى الغربية ومساعدة إسرائيل باستمرار تدفق الهجرة الجماعية وبإيقاع سريع لتدعيم قوات الدفاع الإسرائيلية وإقامة المستعمرات وحمايتها وضمان حدودها الحالية مع الدول العربية (اُنظر تقسيم لجنة خريطة وودهيد البريطانية (أ)) وقد ساعد في تنفيذ ذلك نتائج الجولة الأولى التي أسفرت عن الآتي:

(1)     فشل القوات العربية في تحرير فلسطين وذلك للأسباب الآتية:

(أ) حجم القوات لم يكن مناسباً، ولم يكن الإعداد للحرب على المستوى المطلوب .

(ب) لم تكن القيادة على مستوى المواجهة (قيادة وسيطرة ـ خبرة).

(ج) قبول الهدنة مكن اليهود وحلفاءهم من تغيير الموقف العسكري.

(2) وانتصر الصهاينة ونجحوا بنهاية الحرب في إنشاء دولة إسرائيل للأتي:

(أ) المستوى الجيد في الخبرة والتدريب والتسليح للمنظمات الصهيونية.

(ب) الدعم العسكري والسياسي المتوافق والمتزامن لإسرائيل من حلفائها.

(ج) الاحتواء المبكر للدول العربية وإلزامها بتوقيع اتفاقيات هدنة منفردة مع إسرائيل.

ب. الجولة العربية الإسرائيلية الثانية (عدوان عام 1956م)

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والاستعمار يحاول تعزيز قواته في منطقة الشرق الأوسط، عن طريق إقامة الأحلاف العسكرية والضغط على دول المنطقة، بترحيب من إسرائيل، بل وبذلت جهودها للانضمام لأي منها لتأثير ذلك النفسي القوي على العرب ولأن نفوذ الدول الكبرى سيساعد في الضغط على العرب للتنازل إلى حد ما لصالح إسرائيل، وفي نفس الوقت استمرت الدول الغربية تدبر الخطط وترسم المناورات بهدف تأمين سلامة إسرائيل وضمان بقائها، مع طمس معالم ما تبقى من فلسطين والعمل على تصفية قضيتها مع إثارة الفرقة بين الدول العربية لتحقيق أمن إسرائيل واستقرارها، ورفضت مصر سياسة الأحلاف وعرضت على الجامعة العربية مشروع الدفاع العربي المشترك، ووافقت عليه جميع الدول العربية ووقعت عليه في 13 ابريل 1950م واستشعرت الخطر من هذا المشروع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فردوا بإصدار التصريح الثلاثي في 25 مايو 1950م ووافقت عليه إسرائيل بتأييد تام وهو المتضمن الآتي:

(1) معارضة سباق التسليح بين العرب وإسرائيل.

(2) ضمان عدم اعتداء أي دولة على آخري ممن سيسمح لهم بالتزود بالسلاح.

(3) ضمان حدود وخطوط الهدنة واتخاذ الإجراءات لوقف أي انتهاك لها.

استمرت إسرائيل تسعى لتحقيق الأمن بالاشتراك في المخططات الغربية الخاصة بالدفاع عن المنطقة لإيمانها المطلق بأن مصالحها الحيوية لن تتحقق إلا بالارتباط الوثيق بالغرب، وخاصة الولايات المتحدة، ونجحت إسرائيل في تحقيق هدفها حيث حصلت على أسلحة وقروض بريطانية في مارس عام 1952م وتوقيع اتفاقية الأمن المتبادل بينها وبين الولايات المتحدة في يوليه 1952م، إضافة إلى اتفاقية التعويضات الألمانية التي دعمت مواجهة الأعباء الاقتصادية وإنشاء القاعدة الصناعية الكبرى، وكذا استيعاب مشكلات المهاجرين الجدد ومدتها اثني عشر عاماً بقيمة خمسة ملايين دولار في سبتمبر 1952م ولكن إسرائيل لم تحقق شيئا في عام 1953م حيث شعرت بأنها لم تكن موجودة على الخريطة السياسية للمنطقة وكانت أياماً كئيبة للدولة وكذلك عام 1954م حيث وقعت اتفاقية الجلاء عن قناة السويس ثم قرب انتهاء المعاهدة البريطانية العراقية المعقودة في عام 1932م وكذا إعادة النظر في الترتيبات العسكرية البريطانية في الأردن في المستقبل القريب، وكذا أثارت إسرائيل مسألة توازن القوى في المنطقة على نطاق واسع لم يثار من قبل، ذلك لاعتقادها الراسخ أنه يعني تفوقها هي وليس العرب مجتمعين وجاء عام 1955م بصفقة الأسلحة التشكيلية لمصر وفشل بريطانيا في ضم الأردن لحلف بغداد، ولكن نجحت إسرائيل في عقد صفقة أسلحة ضخمة مع فرنسا بدأت في التدفق أوائل عام 1956م بالإضافة إلى سحب الولايات المتحدة الأمريكية تمويل السد العالي، ورد مصر بتأميم قناة السويس فكان قرار بريطانيا وفرنسا بالتدخل عسكرياً ضد مصر لتأمين المصالح البريطانية، وإيقاف دعم مصر للثورة الجزائرية. التقى هذا القرار مع مصالح إسرائيل الأمنية في ضرب الثورة المصرية، وإجهاض قواتها العسكرية الجديدة فكانت المؤامرة الثلاثية التي وقع بروتوكولها في ضاحية سيفر بالقرب من باريس، هي الوثيقة التي رسمت صورة دقيقة لأبعاد المؤامرة وشكل العدوان على مصر، وقد وقعها عن إسرائيل ديفيد بن جوريون ومن فرنسا كريستيان بينو وعن بريطانيا باتريك دين في مساء 24 أكتوبر 1956م. ويمكن تلخيص ما جاء في وثيقة هذا البروتوكول في الآتي:

(1) أن تشن إسرائيل عملية عسكرية ضد مصر (إسقاط جوي عند ممر متلا) تحمل في البداية طابع الإغارة العسكرية ثم يذكر أنها عملية حربية تعرض قناة السويس للخطر (خلق ذريعة للتدخل البريطاني ـ الفرنسي)

(2) الفاصل الزمني بين العملية وتدخل بريطانيا وفرنسا 36 ساعة كحد أقصى ويكون التدخل بالقوات الجوية لهما.

(3) يقدم طلب لإسرائيل وإنذار لمصر للمطالبة بوقف إطلاق النار وسحب القوات عشرة أميال من القناة ويضاف لمصر المطالبة بوضع قوات فرنسية بريطانية في منطقة القنال ويسمح للطائرات الفرنسية استخدام القواعد الإسرائيلية لحماية المدن الإسرائيلية.

(4) يشترط في حالة قيام الأردن بمهاجمة إسرائيل إلا تسارع بريطانيا بتقديم المساعدات له وفي غير هذه الحالة غير مسموح لإسرائيل بمهاجمة الأردن أو التعرض له.

(5) تضمن بريطانيا وفرنسا حرية الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة بعد إنهاء الحرب.

(6) تحدد بدء العمليات ليكون الاثنين 29 أكتوبر 1956، (سعت 1700) بتوقيت إسرائيل.

بدأ العدوان الثلاثي على مصر في التوقيت المحدد بهجوم شامل للقوات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء، ثم أعقبه الهجوم البريطاني الفرنسي ليلة 31 أكتوبر متأخراً 12 ساعة عن الموعد المقرر، وبضرب جميع المطارات المصرية، ورغم عدم اشتراك الولايات المتحدة الأمريكية اشتراكاً فعلياً أو رسمياً، إلا أنها تضررت من العدوان المسلح وفشل العدوان، وتوقف القتال في 7 نوفمبر وانسحبت القوات البريطانية والفرنسية من بورسعيد في ديسمبر 1956م، وانسحب إسرائيل من سيناء وغزة في مارس 1957م، وأخذت الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقها مسؤولية العمل في المنطقة وسد الفراغ الناتج من الهزيمة البريطانية الفرنسية ويمكن إجمال النتائج التي تمخض عنها هذا العدوان في الآتي

(1) في المجال العسكري

فشل العدوان في القضاء على الجيش المصري حيث أظهر قرار الانسحاب من سيناء كفاءة وحسن تقدير الموقف للقيادة والجيش وارتفعت الروح المعنوية له.

(2) في المجال السياسي

تجسد النصر بأبعاد سياسية كبيرة للقيادة المصرية وعزز من نجاح مصر في المنطقة وأظهر قوة علاقاتها الدولية وأهميتها كما برزت قوة عسكرية وسياسية واقتصادية في المنطقة.

(3) في المجال الاجتماعي والاقتصادي

شهدت المنطقة بعد ذلك نهوضا فكريا وثقافيا واقتصاديا وأحس العرب بوجودهم الفعال بين الأمم. 

2. الفترة الثانية: الاندفاع بالعدوان نحو الحدود الآمنة

تبدأ هذه الفترة من عام 1957م حتى عام 1967م وشهدت هذه الفترة متغيرات كثيرة فبعد الهزيمة السياسية لثلاثي العدوان على مصر، وعدم تحقيقهم أياً من أهداف هذا العدوان وانحسار الدور الفرنسي البريطاني ما خلق ما يسمى بفراغ القوة في هذه المنطقة الإستراتيجية الأمر الذي حدا بالولايات المتحدة أن تتدخل بمشروع أيزنهاور (دعم السلام وتوطيد الاستقرار في الشرق الأوسط)، الذي رفضه العرب أجمعون، وكالعادة تأتي السياسة الاستعمارية بعكس المراد منها فعندما أعلن عن الوحدة بين مصر وسورية في فبراير 1958م وبدأت الثورة الشعبية في لبنان ثم ثورة العراق في يوليه 1958م حاولت الولايات المتحدة اختبار مشروع أيزنهاور فتدخلت في لبنان بإنزال بحري من الأسطول السادس ودفعت بريطانيا بقوتها المحمولة جواً إلى الأردن، في محاولة لمنع انتشار حركة التحرر العربية وإيقافها ولو باستخدام القوة ولكن هذه السياسة لاقت فشلاً كاملاً بفضل صمود الشعوب العربية. ولجأت الولايات المتحدة إلى سياسة الأحلاف العسكرية التي تؤيدها إسرائيل، ولكنها فشلت فيها أيضاً. ورحلت فرنسا من شمال إفريقيا وبريطانيا من باقي أراضي الشرق الأوسط، فشعرت إسرائيل بالخطر فقررت أن تكون سياستها الخارجية مركزة لخدمة أمنها القومي، وذلك بالحصول على الأسلحة والمعدات اللازمة لتطوير القوات المسلحة الإسرائيلية، فنشطت مدعومة بالصهيونية العالمية في الضغط للحصول على ما تريد، فحولت الحظر الكامل للأسلحة الأمريكية في بداية الخمسينيات إلى الإمداد بالدبابات والطائرات في الستينيات وفي أعقاب الأزمة بين إسرائيل وكل من مصر وسورية (الجمهورية العربية المتحدة رغم الانفصال) حول المنطقة المنزوعة السلاح على الحدود السورية استطاعت أن تحصل على الصواريخ هوك لحماية سمائها وكانت الوفود السياسية والعسكرية الإسرائيلية لم تنقطع عن فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة حتى حصلت على ما تريده من أسلحة ومعدات أو على الأقل وعدت بها وعلى ما يؤمن وجودها ضد الأخطار العربية.

الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة (يونيه 1967م)

كانت ظروف الموقف الدولي الإقليمي والداخلي في إسرائيل خلال عام 1966م وبداية عام 1967م مواتية لشن الحرب الشاملة ضد الدول العربية المجاورة مع اتخاذ ومشروعات التحويل للمياه في سورية ذريعة لتفجير الموقف ويمكن حصر أبرز هذه الظروف فيما يلي

(1) تزايد الدعم الأمريكي لإسرائيل (بوصول الدبابات وطائرات سكاي هوك) بالإضافة إلى تدهور العلاقات العربية الأمريكية من سيء إلى أسوء وكذلك العلاقات العربية الألمانية (قطع العلاقات).

(2) عكست مؤتمرات القمة العربية صورة التضامن العربي والذي استغلتها إسرائيل بإظهار الدول العربية معتدية وتسعى لتدمير إسرائيل، على الرغم من حالة التفسخ بين العرب ما عدا مصر وسورية بعد عودة العلاقات وظهور التهديد الإسرائيلي لهما.

(3) القوات المسلحة المصرية وتعدها إسرائيل العدو الرئيس لها، حيث قال موشى ديان في يوم 16 مايو أثناء اجتماع رؤساء الأركان العامة السابقين مع رئيس الأركان الحالي اسحق رابين " أن مصر هي عدونا الحقيقي وان علينا أن نركز اهتمامنا نحوها أساسا وقد تأثرت بالصراع الطويل في اليمن ومازال حجم كبير منها في هذا الصراع.

(4) أكملت القوات المسلحة الإسرائيلية استعدادها لخوض حرب جديدة، هدفها الأساس هو تدمير الجيوش العربية والتوسع الإقليمي وفرض السلام الإسرائيلي بالقوة.

(5) تفاقم المشكلات الاقتصادية داخل إسرائيل وزيادة البطالة وأصبحت الحرب هي الخلاص الوحيد من هذه المشكلات.

منذ أوائل عام 1967م بدأ التوتر في المنطقة يتخذ أبعاداً جديدة، نتيجة لتحول قادة إسرائيل إلى إعلان التهديد المباشر بغزو الأراضي السورية والاستيلاء على دمشق. وأخذ الحوار والجدل يزيد بين القادة الإسرائيليين المدنيين والعسكريين داخل الحكومة وخارجها وخاصة بعد إغلاق مصر لخليج العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية، وفي أول يونيه 1967م اضطر ليفي أشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يرضخ لمطالب المؤسسة العسكرية وأن يعيد تشكيل وزارته لتكون وزارة حرب ائتلافية من جميع الأحزاب؛ حيث دخلها اثنان من أكبر دعاة الحرب والقوة وهما موشى ديان وزيراً للدفاع ومناحم بيجين وزير دولة، وفي يوم 4 يونيه عقد مجلس الوزراء الجديد اجتماعه واتخذ قرار شن الحرب في صباح اليوم التالي، حيث اندلعت الحرب صباح يوم 5 يونيه 1967م، وبدأت بضربة جوية على جميع المطارات المصرية، محققة مفاجأة شديدة، أعقبها هجوم بري إسرائيلي احتل فيه سيناء بالكامل، وأغلق قناة السويس واحتل الضفة الغربية والقدس والجولان (اُنظر خريطة إسرائيل والأراضي المحتلة 1967) وكانت نتائج الحرب كما يلي:

(1) في المجال العسكري

تمكنت إسرائيل من هزيمة ثلاث دول عربية، وتدمير الجزء الأكبر من معداتها وأسلحتها، فأزالت الخطر الذي يهدد أمنها مباشرة، حيث تحققت لها حدود طبيعية وعمق استراتيجي كامن، وأثبتت قدرة الردع الإسرائيلي، ومدى التفوق النوعي لجيشها؛ غير أن الصمود العربي وإصرار الشعوب العربية على الدفاع عن حقها، وسرعة التخطيط والعمل على إعادة بناء قواتها المسلحة، قلل من هذا الكسب العسكري وقلل من فاعليته.

(2) في المجال السياسي

أصبحت المبادأة السياسية في جانب إسرائيل، ما أدى إلى تحطيم كافة الجهود الدولية لحل الأزمة، وذلك لإصرار إسرائيل وأعوانها على جني ثمار النصر العسكري، أي بفرض السلام الذي تراه، ومتخذة من رفض العرب المفاوضات المباشرة معها ذريعة لاحتلال الأرض، ولكنها لم تحقق أياً من أهدافها السياسية النهائية وذلك نتيجة التطور السياسي والعسكري العربي، وتغير الرأي العام العالمي للتحرك السياسي الغربي فضلاً عن تغير ميزان القوى السياسية في المنطقة، ما بدأ في تحويل المبادأة السياسية إلى جانب العرب، وقد اعترف إيجال ألون بذلك .

3. الفترة الثالثة: الاحتواء الثاني والردع الجسيم

امتدت هذه الفترة من عام 1967م حتى عام 1977م وشملت نتائج وآثار حرب 1967م على العرب وإسرائيل، وموقف القوى الكبرى العالمية منها، وقد ظهر التعنت الإسرائيلي نتيجة الزهو بالنصر العسكري الساحق على العرب في محاولة الاستفادة مما حققته من توسع واحتواء للأراضي العربية الجديدة، الذي وفر لها مميزات إستراتيجية كبيرة من فرض الأمن والسلام الإسرائيلي، وكما تريد من وجهة نظرها، فعرقلت تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 242 ورفضت جميع مساعي السلام الدولية، واشترطت المفاوضات المباشرة مع العرب، وبدأت تطوير قواتها المسلحة طبقا لمتطلبات المسرح العسكري الجديد، وبما يحقق لها الردع الجسيم على الدول العربية، بعد تسريب بعض المعلومات التي تشير إلى تمكنها من إنتاج أسلحة التدمير الشامل بجميع أنواعها؛ حتى يمكنها الاستقرار احتواء الوضع الجديد لأطول فترة ممكنة، مع العمل على تفتيت العرب وتحطيم الروح المعنوية لهم بالحرب النفسية، ومحاولة جعلهم كما كانوا عقب حرب 1948م للاستسلام للأمر الواقع، حتى يمكن تحقيق إحدى مراحل أهداف الصهيونية العالمية في التوسع للوصول إلى أرض إسرائيل التاريخية.

أحدثت الهزيمة العسكرية التي حاقت بالعرب صدمة نفسية هائلة، جعلت العالم العربي يفقد الثقة في نفسه وقدراته، إلا أن ذلك سرعان ما انقشع واجتمعت كلمة العرب في مؤتمر الخرطوم (29/8 – 1/9/1967م) الذي حملت قراراته سمات وملامح السياسة العربية الجديدة وملامحها القائمة على تشابك المصالح وتداخلها، رافضة الاستسلام والخضوع كالآتي:

أ. وحدة الصف العربي وتسوية مشكلة اليمن بين مصر والسعودية.

ب. رفع شعار اللاءات الثلاثة (لا للصلح- لا للاعتراف- لا للتفاوض).

 ج. تحقيق التضامن العربي الفعلي طبقا لقرارات مؤتمر القمة الثالث بالرباط.

 د. توحيد الجهود في العمل السياسي على الصعيد الدولي.

 هـ. توظيف مردود بيع النفط العربي، بديلاً لسياسة المواجهة مع الغرب، وذلك في دعم اقتصاد الدول العربية التي تأثرت بالعدوان، وكذا إنشاء صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي العربي.

 و. تأييد مطالب القضية الفلسطينية حتى تقرير مصير الشعب الفلسطيني، خاصة وأنه قد تولى مسؤوليته الوطنية وتحول للكفاح المسلح بنفسه (حرب التحرير الشعبية) وليس معتمدا على الحرب الكلاسيكية التي تقوم بها الدول العربية.

رفضت إسرائيل جميع جهود السلام، واستمرت الدول العربية في قبولها لمبدأ السلام للحل الشامل للقضية، والاستعداد لحرب تحرير الأرض، أو لتحقيق النصر في الحرب القادمة كما ذكر الفريق عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث في حرب أكتوبر 1973م، كذا الاستمرار في استكمال وإمداد القوات المسلحة لدول المواجهة بأحدث الأسلحة، وتوفي الرئيس جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970م أثناء أحد مؤتمرات القمة للمصالحة الفلسطينية الأردنية، وجاء الرئيس أنور السادات المعايش للمشكلة من بدايتها، والذي وجد أن الخيار العسكري هو الحل بعد رفض إسرائيل امتداد وقف النيران لمدة سنة، طبقاً لمبادرة روجرز وتعاون المصريون والسوريون في التخطيط للحرب بكل سرية وجدية اعتقادا منهم أن إسرائيل لن تقبل السلام العادل إلا بعد ضربة عسكرية تقضي على أوهامها ولو مرحلياً، وكان اعتقادا صحيحا .

ثانياً: المرحلة الرابعة: الانكماش والسلام والفكر الإستراتيجي لإقامة إسرائيل الكبرى

بدأت هذه المرحلة اعتبارا من يوليه عام 1973م، ومن المنتظر أن تستمر حتى عام 2020م وكانت أهم أهداف هذه المرحلة هي::

أ. احتواء آثار هزيمة حرب الغفران (حرب أكتوبر 1973م)، والتقليل من آثارها السلبية، وتقييم نظرية الأمن الإسرائيلي لمواجهة الواقع بعد حرب أكتوبر .

ب. استغلال الدعم الأمريكي غير المحدود لاستعادة السيطرة على الموقف في المنطقة .

ج. محاولة فرض السلام في المبادرات الدولية ليكون من وجهة النظر الإسرائيلية، وخاصة بعد تنفيذ اتفاق فصل القوات مع كل من مصر وسورية والانسحاب من سيناء إثر معاهدة السلام مع مصر .

د. العمل على استمرار الهجرة إلى إسرائيل وزيادة أعداد المهاجرين .

هـ. الاستمرار في تقوية وتحديث جيش الدفاع الإسرائيلي، مع الاستعداد لتنفيذ ضربات إجهاض للقوى العربية المؤثرة على ميزان القوى في المنطقة .

و. العمل على تفتيت التجمع العربي مرة أخرى وقيام الصراعات الإقليمية (إيران /العراق ....) لإضعاف القوى العربية بصفة دائمة، لتحقيق الأمن الإسرائيلي حتى يمكن الإعداد لاستكمال استعادة أرض إسرائيل الكبرى .

كانت بداية هذه المرحلة باستغلال التضامن العربي الذي بلغ أعلى مستوياته، ونتائج الإعداد والتدريب الجيد لحرب التحرير المنشودة والتي بدأت في السادس من أكتوبر 1973م (حرب الغفران عند اليهود)، وحققت مصر وسورية نصرا عربيا لأول مرة على إسرائيل، ما أجبرها على قبول الدخول في مباحثات مع مصر وسورية لفك الاشتباك بين القوات، والتي أتبعتها مصر وإسرائيل بمباحثات السلام بينهما ما أدى إلى القطيعة العربية لمصر دون تفهم الدول العربية لوجهة النظر المصرية، والظروف الاقتصادية لها، خاصة وأنها خارجة من مرحلة اقتصاد حرب منذ عام 1967م أي حوالي ست أو سبع سنين. حدثت القطيعة ونقلت الجامعة العربية من القاهرة, كما شهدت هذه المرحلة متغيرات كثيرة وأحداث مهمة ومؤثرة، لذا يمكن تقسيم هذه المرحلة إلى فترتين الأولى وهى الانكماش وبداية مباحثات السلام، والثانية المخطط العام للفكر الإستراتيجي لإقامة إسرائيل الكبرى كما جاء في الوعد الإلهي لآباء بني إسرائيل.

1. الفترة الأولى: الانكماش وبداية مرحلة السلام

امتدت هذه الفترة من يوليه 1973م حتى انهيار الإتحاد السوفيتي في نهاية عام 1991م حيث شهدت كثيراً من الأحداث المهمة بداية بالجولة العربية الإسرائيلية الرابعة (حرب أكتوبر) وما تلاها من مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل وقطيعة العرب لمصر ثم العودة والمصالحة معها، وكذا الحرب العراقية الإيرانية (الاحتواء المزدوج لقوتين إقليميتين مؤثرتين كما قال كيسنجر) ثم غزو العراق للكويت وأثره على التضامن العربي حتى الآن، ثم المتغير الأكبر عالميا وهو انهيار الإتحاد السوفيتي في نهاية عام 1991م، وقيام ما سمي بنظام القوة الواحدة أو أحادى القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة والمنحازة لإسرائيل بلا حدود .

الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة (أكتوبر1973م)

نجحت سياسة الخداع المصرية السورية بالإعداد والتجهيز لشن الحرب وتحقيق المفاجأة بإتباع خطط خداع ذات مستوى عالٍ لم يتمكن الإسرائيليون والأمريكيون من اكتشافها ومعرفة نوايا العرب، حيث افتتحت مصر وسورية هذه الجولة بضربة جوية مفاجئة كل على جبهته، وتلقى الجيش الإسرائيلي ضربة قاسية فكان الهجوم المصري وعبور قناة السويس ساحقاً، وحطم خط بارليف المنيع في ست ساعات فقط، وتقدم حتى عمـق يراوح ما بيـن 10-20 كم في سيناء وكذلك على الجبهة السورية حيث استطاع الجيش السوري استرداد الجولان وجبل الشيخ قبل نهاية يوم 6 أكتوبر، وفشلت إسرائيل في استيعاب الضربة المصرية السورية المزدوجة، وأثبت العرب أنهم قادرون على تحقيق النصر، وجاء الدعم الأمريكي الأطلنطي سريعاً، كالعادة، لنجدة إسرائيل حتى استطاعت استرداد الجولان وأقامت ثغرة غرب قناة السويس، وتوقف فعليا يوم 25 أكتوبر حيث صدر قرار مجلس الأمن رقم 338 بعد اجتماع مجلس الأمن الدولي في 22 أكتوبر 1973م وطلب وقف إطلاق النار والدعوة إلى تنفيذ القرار 242 الصادر عام 1967م, وبدأت المفاوضات المكوكية لهنري كيسنجر الأمريكي لفك الارتباط أو الاشتباك بين مصر وإسرائيل وانسحابها من غرب القناة ثم من سيناء على ثلاث مراحل، وكذلك من الجولان، واستمرت الاتصالات بين مختلف الأطراف لعقد ما يسمى بمؤتمر السلام في الشرق الأوسط الذي عقد في ديسمبر 1973م في جنيف على مستوى وزراء الخارجية، ولم تحضره سورية، ولم يكن المؤتمر منبثقا عن الأمم المتحدة ولكنه في نطاقها وحضره الأمين العام، ولكنه لم يحقق شيئا حيث كان هنري كيسنجر حريصا على إبعاد المنظمة الدولية والاتحاد السوفيتي عن أي تسوية، وفضل ما يسمى بدبلوماسية المكوك بين مصر وإسرائيل أو أي طرف عربي آخر وأعيدت العلاقات المصرية الأمريكية في بداية 1974م، وأضاعت إسرائيل فرصة السلام بإضعافها لمهمة هنري كيسنجر عندما رفضت الانسحاب إلا من منطقة محددة فقط مقابل إعلان إنهاء حالة الحرب من مصر، وبذلك تستمر إسرائيل في تجميد مبادرات السلام فيما تحصل على المساعدات المكثفة خاصة العسكرية الحديثة لتأمين احتلالها للأراضي العربية في محاولة فاشلة في احتواء تلك الأراضي التي تحقق أمنها، على الرغم مما شعرت به من خيبة أمل بعد انتصار أكتوبر وتحطيم نظرية الأمن والحدود الآمنة لها.

استمرت حالة الجمود حتى مطلع عام 1977م، عندما تولى كارتر مسؤولية الولايات المتحدة وحزب الليكود الحكم في إسرائيل، ويجد الرئيس السادات أن الوساطة الأمريكية قد استنفذت، ولا حل لذلك إلا بإجراء اتصالات مع قادة إسرائيل، وكانت رومانيا والمغرب مركزين لهذه الاتصالات وفي التاسع من نوفمبر 1977م يعلن عن أنه على استعداد للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلية، وذهب فعلاً في يوم 19 نوفمبر، بعد دعوة من بيجين، وألقى خطابه التاريخي أمام الكنيست وبدأت بعد ذلك مباحثات مينا هاوس، ولم يحضرها أحد من دول الطوق، وتكررت المباحثات في القدس والإسماعيلية، ولكنها لم تسجل أي نجاح للتعنت الإسرائيلي، ثم وجه الرئيس كارتر دعوة إلى الرئيس السادات ومناحم بيجين لعقد قمة ثلاثية في الفترة من 5 إلى 18 سبتمبر 1978م، توصلا فيها إلى إطار السلام في الشرق الأوسط، وأيضاً إلى إطار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ثم التوقيع عليها في مارس 1979م مع تعهد مصر وإسرائيل ببدء مفاوضات إطار السلام في الشرق الأوسط خلال شهر واحد، وأهم ما فيها ما يخص الحكم الذاتي الكامل للفلسطينيين في الضفة وغزة، خلال فترة انتقالية، على أن تنتهي هذه المفاوضات خلال عام واحد.

قاطع العرب مصر ورفضوا كامب ديفيد وما تلاها، وتوفي الرئيس السادات في أكتوبر 1981، وتولى الرئيس مبارك واستكمل المسيرة وحررت مصر آخر جزء من أراضيها (طابا) بالكامل، ورفض الفلسطينيون والسوريون إطار السلام في الشرق الأوسط، وقامت إسرائيل بغزو لبنان في 1982م، وضرب المفاعل النووي العراقي، وخرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان بعد مذابح صبرا وشتيلا، وتجمد الوضع بالنسبة للعرب لاستمرار إسرائيل في عنادها وغرورها بسبب الفرقة وتشتت الآراء العربية، وعدم وحدة القرار، ولم تستكمل مصر التطبيع مع إسرائيل حتى الآن، ثم جاءت المصالحة العربية المصرية، التي أعقبها الغزو العراقي للكويت في حرب تحرير الكويت، وما أحدثته من تصدع من الجدار العربي المتشقق، ولكن كان من نتاجها عقد مؤتمر السلام بمدريد ثمرة وعد الرئيس بوش الأب وكانت هناك مباحثات سرية في أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل، كان من نتيجتها اتفاقيتا أوسلو "1" وأسلو "2" اللتان تنصان على إقامة الحكم الذاتي الفلسطيني في بعض من الضفة الغربية وغزة، والذي قطع تنفيذه بعد عدة مراحل، ولم يستكمل بعد, وجاء نتانياهو وألغى ما تبقى منه، ورجعت الحالة الفلسطينية الإسرائيلية إلى القطيعة، بل والحالة الفلسطينية إلى الأسوأ بين فتح وحماس، وهذا كله يرجع إلى عدم رغبة إسرائيل في الاستكمال لأن المخطط هو إقامة الدولة اليهودية التي أعلن عنها نتانياهو، بعد أن جاء للحكم مرة أخرى عام 2009م، فكيف يتثنى إقامة حكم ذاتي فلسطيني في دولة تسعى أن تكون يهودية خالصة لا وجود لأي عرق آخر فيها.

2. الفترة الثانية: المخطط الصهيوني والمستقبل

تبدأ هذه الفترة من عام 1991م حتى تحقيق إسرائيل الكبرى على الأرض التاريخية لليهود (اُنظر خريطة الاحتلال اليهودي لفلسطين) ولهذا قامت الصهيونية لتحقيق غاية محددة ذات أهداف مرحلية متتالية، وقد وصلت إلى أن تحقيق هذه الغاية إنما يأتي من خلال فرض السلام الإسرائيلي على العرب، تمهيداً لخلق المجال الحيوي للدولة اليهودية، الذي يستند إلى التوسع الإقليمي، ومن ثم تحقيق السيطرة على الشرق الأوسط، ومن المرجح أن أبعاد ذلك المخطط نحو المستقبل سوف يقوم على دعامتين أساسيتين هما

أ. العمل المستمر على تفتيت القوى العربية بالوسائل السياسية والاقتصادية والنفسية (تقسيم العرب إلى دول شمال أفريقيا وجنوبها ـ دول عربية أسيوية وأفريقية من دول عربية غنية بترولية ودول فقيرة...).

ب. تكوين القوة الذاتية الإسرائيلية الرادعة بخلق القاعدة العلمية والصناعية والحربية وتطوير وامتلاك وسائل مطلقة للردع (تقوم تكنولوجي مثل صناعة البرمجيات بالتعاون مع الهند ـ صناعة حربية ثقيلة مثل إنتاج الدبابات والصواريخ ـ تطوير أسلحة الدمار الشامل (احتمال أكيد بامتلاك 50 - 200 قنبلة نووية...).

قد تبدو أبعاد ذلك المخطط بعيدة عن التحقيق نظرا للمتغيرات الدولية المعاصرة، وتشابك المصالح بين الدول الكبرى والدول العربية وكذا الإدراك العربي والإسلامي لتحقيق وضع الدولة اليهودية، ولكن الصهيونية التي بدأت فقط فكرة باهته منذ مائة وبضع سنين، قد سارت على الدرب المرسوم من قادتها، وتمكنت من تحويل هذه الفكرة الباهتة إلى واقع حي استفحل وجوده، حتى تمخض في السنوات الأخيرة عن أزمة من أخطر الأزمات التي تواجه العالم ابتداء من النصف الأخير من القرن الماضي وحتى الآن، وهي أزمة الشرق الأوسط، والتي عمادها الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يزداد تعقيدا واتساعا على مر الأيام، ولكن الصهيونية مازالت تؤمن بقدرتها على فرض الواقع وتشكيل التاريخ وارتقاء سلم يعقوب الذي يقف على أرض الواقع، بينما قمته في السماء، فتلك عقيدتهم كما يعبر عنها قادتها دائماً، كما جاء في حديث موشى ديان في اجتماع مع شباب الكيوبتزات (مافوحماه) في 5 يوليه 1968م حيث قال "هل كان هرتزل واقعياً عندما نادي بإنشاء الدولة اليهودية ؟ هل كانت المطالبة بخلق الفلاح اليهودي والعامل اليهودي والجندي اليهودي واقعية كذلك؟ ولكن أمكننا الانتقال من اللاواقع إلى الواقع، فها نحن نقترب من المليون الثالث وها نحن منتشرون من قناة السويس إلى الجولان، إذن فهذا ممكن إننا نصل إليه عندما نؤمن بسلم يعقوب الذي قمته في السماء ولكن أقدامه على أرض الواقع فنحن نتقدم مرحلة بعد أخرى على أرض الواقع نحن نحقق الأهداف الواسعة" , وتلك هي غاية الصهيونية وذلك هو طريقها، فكيف إذن ستكون الوسيلة لتحقيقها؟ فنجد الإجابة كما حددها شمعون بيريس بالمجال والأسلوب الذي تعمل فيه وبه إسرائيل، فتكون مركزاً سياسياً ومسيطراً يستمد وجوده من قوة مدمرة حديثة تستند على مقدرة تكنولوجية عصرية, ويمكن ترجمة ذلك في أن الأبعاد الرئيسية للمخطط الصهيوني العام والتي ترتكز على الأبعاد العسكرية الذاتية التي تهدف إسرائيل إلى تحقيقها على المدى المتوسط ,أما الأبعاد السياسية والاقتصادية فسوف تأتي بالتبعية إذا نجحت إسرائيل في تحقيق قدرتها الذاتية المرسومة فيها يمكنها تحقيق التفتيت السياسي والاقتصادي والإقليمي العربي والوصول بمخططها إلى غايته النهائية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:10 am

الفصل الرابع

مسيرة الصهيونية وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948

 
المبحث السابع: مسيرة الصهيونية في خمسين عاماً 1897 - 1947





في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، انصرف هيرتزل ورفاقه إلى تنفيذ القرارات، التي اتخذها المؤتمر؛ ومنها إنشاء المؤسسات التي وافق عليها المؤتمر؛ والاتصال بالدول الكبرى للحصول على دعمها، أو على ضمانات منها، برعاية أهداف الحركة الصهيونية.

أولاً: الاتصالات الدولية المبكرة

حاول هيرتزل، بعد المؤتمر مباشرة، الاتصال بالسلطان العثماني للحصول على براءة، أو صك يضفي الشرعية على (الاستيطان الجماعي) لليهود في فلسطين، وفي سبيل ذلك، توسل إلى القيصر الألماني ولهلم الثاني، وعلى الرغم من أن هذا الأخير كان يمقت اليهود، إلاّ أنه وعد هيرتزل بأن يرتب له لقاء مع السلطان. ويبدو أن ولهلم كان يرجو أن يوافق السلطان، حتى تتخلص ألمانيا نفسها من بعض، إن لم يكن كل، اليهود فيها، وخاصة أولئك اليهود النشطين في الحركات الاشتراكية والثورية. وعلى الرغم من حدوث اللقاء، في أكتوبر 1898، مع ولهلم الثاني، إلاّ أنه لم يستطيع ترتيب لقاء مماثل مع السلطان عبدالحميد.

حاول هيرتزل لقاء السلطان عبدالحميد، مباشرة، عن طريق معارف في البلاط العثماني. ونجح فعلاً، خلال المدة من 1899 إلى 1901، في إجراء اتصالات مباشرة مع السلطان، وعده فيها بمساعدات في الحصول على قروض للإمبراطورية العثمانية من البنوك، التي يملكها أو يسيطر عليها أغنياء اليهود، في مقابل " براءة "، أو صك بالاستيطان الجماعي، أو إنشاء شركات يهودية في فلسطين. ولإثبات حسن النية وفتح شهية السلطان، أودع هيرتزل بالفعل ثلاثة ملايين فرنك في بنوك تركيا، إلاّ أن هذه الجهود لم تسفر عن شيء يذكر.

بعد الفشل مع القيصر الأماني والسلطان العثماني، توجه هيرتزل إلى بريطانيا. وفي عام 1902، وبمساعدة اللورد ناثان روتشيلد (اليهودي الثري المعروف)، قابل وزير المستعمرات البريطاني، جوزيف تشمبرلين، الذي عرض على هيرتزل استيطان العريش المصرية في سيناء، حيث كانت مصر نفسها مستعمرة إنجليزية في ذلك الوقت. ولكن الإدارة الإنجليزية في مصر لم توافق على الاقتراح، خوفاً من إثارة حفيظة الحركة الوطنية المصرية. وفي عام 1903 عرض تشمبرلين، على هيرتزل والحركة الصهيونية، صكاً للاستيطان الجماعي في شرق أفريقيا (أوغندا)، ولكن حينما عُرض الاقتراح البريطاني على المؤتمر الصهيوني السادس (1903) رفضه بشدة، وانتقد هيرتزل، بل واتهمه "بالخيانة العظمى" للحركة الصهيونية، لمجرد التفكير في التخلي عن فلسطين. وتوفى هيرتزل في العام التالي (1904).

في كل محاولات هيرتزل، حتى تلك التي لم يوفق فيها، أو تلك التي رفضها المؤتمر الصهيوني السادس، كان همه الأول هو إثبات مبدأ التفاوض بين المنظمة الصهيونية، أو الوكالة اليهودية من جانب، وممثلي الدول والحكومات (العثمانية، الألمانية، الإنجليزية، المصرية) من جانب آخر، وذلك لإضفاء الشرعية على المؤسسات الصهيونية. فقد كان ذلك بالنسبة له ولزملائه، في بداية حركتهم، بمثابة اعتراف دولي بالصهيونية، حتى إذا اختلفوا معها، وأثبتوا هذا الاختلاف "كتابة"، في مراسلات أو مواثيق. ومن ثم فإن السنوات الخمس التالية للمؤتمر الصهيوني الأول كانت سنوات وضع الحركة الصهيونية في خريطة الدبلوماسية الدولية.

ثانياً: المنظمة الصهيونية والمؤسسات المنبثقة عنها

كان الخط الموازى للاتصالات الدولية، في نشاط هيرتزل وزملائه، هو بناء، وتكريس المؤسسات اليهودية للحركة الصهيونية. وكان في مقدمة هذه المؤسسات، المنظمة الصهيونية نفسها، والتي انتخب هيرتزل رئيساً لها، في أول مؤتمر صهيوني، في بازل عام 1897. وأصبح المؤتمر الصهيوني الأول مقدمة لمؤتمرات تالية، انعقد منها ستة في حياة هيرتزل نفسه، وذلك إلى عام 1903. وظلت هذه المؤتمرات تُعقد بانتظام، إلاّ في سنوات الحرب والأزمات الدولية الطاحنة. وعلى سبيل المثال عُقد المؤتمر الثالث والثلاثين في القدس عام 1997، واحتفل بمرور مائة عام على بداية الحركة الصهيونية. أي أن المؤتمر الصهيوني الدولي عُقد بمعدل مرة كل ثلاث سنوات، خلال القرن الأول من ميلاد الحركة الصهيونية.

وبذلك أصبح المؤتمر الصهيوني بمثابة الجمعية العامة، أو الهيئة التشريعية، للحركة الصهيونية، بينما أصبحت المنظمة الصهيونية بمثابة الحكومة، أو الهيئة التنفيذية للحركة، ومن ذلك أن المؤتمر كان هو الذي يرسم السياسات، ويضع برنامج الحركة. فهو الذي وضع ما سمي ببرنامج بازل (1897) الذي سارت عليه الحركة، نحو خمس وخمسين عاماً، إلى أن حل محله برنامج القدس عام 1951، بعد إنشاء الدولة اليهودية.

ومع المؤتمر الصهيوني الثاني عام 1898، كانت شعبية هيرتزل والحركة الصهيونية عموماً قد تضاعفت. فقد بلغ عدد المندوبين في المؤتمر الثاني 400 مندوباً، مقارنة بـ 197 مندوباً في المؤتمر الأول. وأصبح دور المنظمة الصهيونية والمؤتمر الصهيوني هو كسب تأييد القاعدة الشعبية العريضة لليهود، في كل مكان، يستطيعون الوصول إليه.

ولمزيد من ربط هذه القواعد الشعبية اليهودية بالحركة الصهيونية ومؤسساتها، (مثل المنظمة الصهيونية، والمؤتمر الصهيوني، والوكالة اليهودية، وغيرها مما سينشأ من مؤسسات)، أُقر نظام لتمثيل كل يهودي يؤدي اشتراكاً، ولو رمزياً. عبر نظام "الشاقل"، وهو مارك ألماني أو فرنك فرنسي، أو شلن نمساوي. فينتخب كل مائة دافع "شاقل" ممثلاً واحداً عنهم في المؤتمر الصهيوني. وهذا معناه أن الأربعمائة مندوب، الذين حضروا المؤتمر الثاني، كانوا يمثلون في الواقع 40 ألف عضو، ممن أدوا اشتراكاتهم في الحركة الصهيونية. وقد أمَّن ذلك مورداً مالياً لتغطية نفقات المؤتمر ذاته، ونفقات اللجنة التنفيذية، ومكتبها وأعضائه المنبثقين عنه عن طريق الانتخاب. كما أرسى منذ البداية المبكرة، أسساً " ديموقراطية " للتعامل داخل الحركة، ولانتقال السلطة، وأساليب اتخاذ القرار.

وضمنت هذه الترتيبات استمرار "لا مركزية" المنظمة الصهيونية، واكتفاءها ذاتياً. وفي داخل كل بلد، كانت تنشأ جمعيات وروابط يهودية ـ صهيونية محلية، كان يتم حثها، لا إجبارها، على الانضمام، طواعية، إلى اتحاد عام يضمها جميعاً في الدولة نفسها، ما دامت قوانينها الوضعية تسمح بذلك. وسمح ذلك بنشأة اتحادات إقليمية وقومية، واتحادات قطاعية لمختلف المهن والأعمال. أي أنه، منذ البداية، روعي، في التنظيمات الصهيونية، مبدأ "التعددية". كما سُمح للأحزاب اليهودية العقائدية بالانضمام إلى المنظمة الصهيونية، أو إلى الاتحادات القائمة، أو إنشاء اتحاد خاص بها. ممَّا مكن الاشتراكيين والمتدينين اليهود المتعاطفين مع الصهيونية من تأسيس علاقات مرنة مع الحركة الصهيونية، في بلدانهم، وفي العالم. لم تعبأ الحركة الصهيونية لا بالانتماء الأيديولوجي، ولا الطبقي، ولا المهني، ولا الوطني لأي يهودي عند ضمه إلى صفوفها. يكفي أن يعلن تضامنه، أو تعاطفه، مع الهدف الصهيوني الأسمى، وهو "إنشاء وطن قومي لليهود"، وتأدية الرسم المتواضع، أي "الشاقل"، سنوياً.

كذلك كان ضمن المؤسسات المبكرة للحركة الصهيونية "الصندوق الاستعماري اليهودي" Jewish Colonial Trust عام 1899، و"الصندوق القومي اليـهودي" Jewish National Found، وهما الهيئتان الماليتان الرئيسيتان للمنظمة الصهيونية، أو التجسيد العملي لفكرة "الشركة اليهودية" التي كان هيرتزل قد اقترحها في كتابه (الدولة اليهودية). تم تسجيل الصندوق الاستعماري اليهودي في لندن، كشركة مساهمة محدودة، برأسمال معلن قدره مليونا جنيه، غُطى منه فقط حوالي الخمس (400 ألفاً) بسبب إحجام الأثرياء اليهود عن المشاركة في تلك المرحلة، التي بدا فيها المشروع الصهيوني مجرد مغامرة غير محسوبة العواقب. ولم يُقبل على الاكتتاب إلاّ فقراء اليهود وأبناء الطبقة الوسطى. وقام " الصندوق الاستعماري اليهودي" بإنشاء شركات فرعية، بعضها مصرفي، مثل شركة "الأنجلو ـ الفلسطينية" (1903)؛ وبعضها لشراء وتنمية الأراضي، مثل "شركة تطوير أراضي فلسطين" Palestine Land Development Co.  (1908) وعلى الرغم من تسجيلهما في لندن كذلك شركات محدودة، إلاّ أنه تم إنشاء فروع لها في بيروت والقدس ويافا والخليل وحيفا وصفد وطبرية.

أمّا "الصندوق القومي اليهودي"، فقد تخصص في تمويل شراء الأراضي من الفلسطينيين، على أن تبقي ملكاً "للشعب اليهودي"، لا يقبل التصرف. وتؤجَّر لليهود من دون سواهم، ولا يُسمح لغير اليهود بالعمل فيها. وعلى الرغم من تسجيله كشركة في لندن، إلاّ انه لم يعتمد على الأسهم، بقدر اعتماده على الجباية والتبرعات وبيع الطوابع. فكانت المحلات، التي يملكها يهود، تضع صناديق صغيرة عند مداخلها، وعليها لافتات تحث العملاء على التبرع لها. كذلك شجعت الحركة الصهيونية الأطفال والشباب على الاحتفاظ بصناديق ادخار (حصالات) خاصة، لوضع تبرعاتهم للحركة فيها. وكانوا يُمنحون شهادات تقدير، كل مرة يرسلون حصيلة هذه التبرعات التوفيرية للصندوق القومي اليهودي.

من المؤسسات المهمة كذلك "مكتب فلسطين" (The Palestine Office)، الذي تأسس عام 1908، للتنسيق بين كافة الأنشطة الصهيونية في فلسطين. وقد تولى إدارته بيروقراطي ألماني يهودي قدير، هو أرثر روبين (1876 ـ 1943). وهو الذي أوعز للصندوق القومي اليهودي والصندوق الاستعماري وشركة تطوير أراضي فلسطين، بتملك الأراضي المتجاورة، في محاور متصلة، يسهل تنميتها جماعياً من ناحية، والدفاع عنها، في المستقبل، من ناحية أخرى. وقد اختار روبين ثلاثة محاور:

الأول: المحور الساحلي، الممتد بين يافا وحيفا.

والثاني: المحور الداخلي الشمالي، بين حيفا وطبرية.

والثالث: المحور الشرقي، في حوض نهر الأردن، من طبرية إلى أعالي النهر.

وقد التزم الاستيطاني الصهيوني بتلك الخطة، منذ بداية القرن وإلى إنشاء إسرائيل. كذلك كان أرثر روبين هو صاحب فكرة المزارع الجماعية ـ الاشتراكية وهو المشرف على تنفيذها، التي عرفت فيما بعد باسم "الكيبوتس"، والتي أصبحت هي رأس الحربة في الاستيطان اليهودي ـ الصهيوني في فلسطين، والذي تسارع بعد وعد بلفور (1917).

ثالثاً: البذور الجنينة للمشروع الصهيوني في فلسطين

لم يبدأ الاستيطان اليهودي، في فلسطين، بالمؤتمر الصهيوني الأول عام 1898. فمن ناحية كان هناك وجود يهودي في فلسطين، وإن كان صغيراً ومحدوداً، طوال القرون التي أعقبت التدمير الثاني للمعبد، والتشريد الثالث لليهود حوالي عام 79 ميلادية. وفي كل عهد استشعر فيه اليهود الأمان، كانت أعداد منهم تعود من الشتات إلى فلسطين، كما سبق ذكره.

وعشية المؤتمر الصهيوني الأول، أي في أواخر القرن التاسع عشر، كان عدد اليهود في العالم يقدر بحوالي ثمانية ملايين، يعيش ثلاثة أرباعهم في روسيا، وبلدان أوروبا الشرقية. ونحو 13 في المائة منهم في أوروبا الوسطى والغربية، ونحو ثمانية في المائة في البلدان الشرقية (شمال أفريقيا، والعالم العربي، والشرق الأوسط). ولم تتعد نسبة اليهود في الولايات المتحدة في ذلك الوقت أربعة في المائة من يهود العالم ـ أي حوالي 300 ألف يهودي. وطبقاً للمصادر الإنجليزية، لم يتجاوز عدد اليهود في فلسطين، عام 1838، أكثر من عشرة آلاف. ونتيجة النشاط الصهيوني المبكر، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والمذابح والاضطهادات التي تعرض لها اليهود في روسيا القيصرية، وخاصة في ثمانينات القرن التاسع عشر، تحركت موجتان من المهاجرين إلى فلسطين، كانت الأولى حوالي ستة آلاف شخص، والثانية، في أوائل القرن، وعددها أربعون ألفاً. أي أنه، مع بداية الحرب العالمية الأولى (1914)، لم يتجاوز عدد اليهود في فلسطين ثمانين ألفاً.

وعلى الرغم من ضآلة عدد اليهود في فلسطين (أقل من خمسة بالمائة)، إلاّ أن موجتي الهجرة الأخيرتين، من روسيا وأوروبا الشرقية، قرب انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول، مثلتا ركناً إستراتيجياً ومعنوياً مهماً للحركة الصهيونية، التي استفادت منهما فشيدت مؤسساتها التي سبق ذكرها. وبتعبير آخر، كان المهاجرون من روسيا، وأوروبا الشرقية، والصندوق الاستعماري اليهودي، والصندوق القومي اليهودي، وشركة تطوير أراضي فلسطين، ومكتب فلسطين، هي البذور الجنينية للكيان الصهيوني في فلسطين، الذي نما وترعرع، خلال الخمسين عاماً التالية، ليصبح البنية الأساسية للدولة اليهودية، التي بشر بها تيودور هيرتزل.

لم يقتصر الأمر على سكان يهود وافدين، ومؤسسات حديثة ناشئة، وإنما امتد ليشمل معتقدات وممارسات، مثل العقيدة الصهيونية (وطن قومي في فلسطين)، والمشاركة الشعبية اليهودية، والتعددية التنظيمية، والممارسة الديموقراطية. وهذه كلها ثمرات الانفتاح اليهودي الإيجابي، على العالم الأوروبي الغربي، طوال القرن التاسع عشر. ولكن كان، ضمن الممارسات المبكرة للحركة الصهيونية في فلسطين، عملية "الفصل العنصري"، بين اليهود والسكان الأصليين من العرب الفلسطينيين. وهذا الفصل العنصري هو بعث وإحياء لروح الجيتو (المعازل) الذي عاشه اليهود، أو فُرض عليهم إلى القرن الثامن عشر.

من ذلك مثلاً أن جزءاً لا يتجزأ، من ممارسات الصندوق القومي اليهودي، كان تحريم بيع أي من الأراضي، التي يشتريها من فلسطينيين، إلى فلسطينيين آخرين، أو إلى أي أطراف غير يهودية. ومنها كذلك إعطاء الأولوية في العمل، في المزارع اليهودية، وفي المؤسسات اليهودية لليهود؛ وعدم الاستعانة بالعمالة العربية إلاّ للضرورة القصوى ومؤقتاً. وقد أدى ذلك إلى تميز اقتصاديين منفصلين، أحدهما "عربي ـ عثماني ـ تقليدي"، "والثاني يهودي ـ صهيوني ـ متطور". وقد سمح ذلك، فيما بعد، بقيام كيان سياسي منفصل ومستقل، يعتمد على اقتصاد منفصل ومستقل.

كذلك حرص أرثر روبين وغيره، من الرواد الأوائل، لعملية الاستيطان اليهودي الصهيوني في فلسطين، على تدريب كوادر يهودية على أعمال الحراسة، وتحريم استخدام العرب، أو غير اليهود، كحراس في المزارع والمصانع اليهودية. وتألفت أول مجموعة عمالية ـ فلاحية مسلحة من اليهود، عام 1908 باسم هاشومر (Hashomer) أو "الحارس"، والتي كان من أعضائها الأوائل، دافيد بن جوريون، الذي أصبح فيما بعد، أول رئيس وزراء لإسرائيل (1948). وأصبحت مؤسسة الحارس هذه هي النواة للهاجاناة، ثم لجيش الدفاع الإسرائيلي فيما بعد.

وأخيراً حرص الوافدون اليهود، في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، بإيعاز من المعتقدات الصهيونية، ودعم من مؤسساتها، وبتأثير الأفكار الثورية الاشتراكية (مثل الماركسية)، على تكوين نقابات واتحادات عمالية يسارية. ولكن الاتجاه اليهودي الانعزالي الاستبعادي، جعل مؤسسي هذه التنظيمات العمالية والمهنية، فيما بعد، يقصرون عضويتها على اليهود.

وهكذا بعقيدة عنصرية، واقتصاد منفصل، وأمن مستقل، وتنظيمات اجتماعية انعزالية، نما الكيان الصهيوني في فلسطين، وهو يحمل، في بذوره الجنينية ومنذ السنوات الأولى، كل عناصر الشك والريبة والتوجس تجاه " الآخر "، العربي ـ الفلسطيني. ويحمل، في ثناياه، كذلك كل بذور التعبئة والمواجهة والإعداد للعدوانية تجاه الآخر غير اليهودي. وكان من المنطقي، ومن غير المستغرب، أن "الآخر غير اليهودي" سرعان ما بادله الشك بالشك، والريبة بالريبة، والعدوانية بالعدوانية. الفارق الكبير والذي سيتسع، هو أن أحدهما كان منظماً تنظيماً أوروبياً غربياً حديثاً، والثاني ظل على تنظيمه الشرقي التقليدي القديم.

رابعاً: تطور الصهيونية بين الحربين

يُعد حصول الحركة الصهيونية على وعد بلفور، في 2 نوفمبر1917، علامة فارقه وحاسمة في تطور الحركة، مثلها في ذلك تماماً مثل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول، قبل عشرين عاماً. بل إن هذا الوعد هو التطبيق العملي القانوني الدولي، الذي وضعته الحركة في مقدمة أهدافها، في مؤتمرها الأول، وهو: "السعي لإنشاء وطن للشعب اليهودي في أرض إسرائيل مكفول في ظل القانون العام".

1. خلفية الاستعداد البريطاني لمساعدة الحركة الصهيونية

يعود الاهتمام البريطاني بفلسطين إلى أواخر القرن الثامن عشر، بسبب اهتمامها الأكبر بمصر، وتأمين طرق مواصلاتها مع الهند. وحينما غزا نابليون فلسطين عام 1799، من مصر، سارع بإصدار "إعلان ليهود العالم" يعرض عليهم فيه العودة إلى فلسطين، ولم يكن ذلك غريباً تماماً، بسبب موقف الثورة الفرنسية المبدئي في منح اليهود المواطنة الكاملة لأول مرة، كما سبق. كما لم يكن الأمر غريباً على نابليون، الذي كان يسارع إلى شعب كل بلد يغزوه بتعبيرات المودة سعياً إلى الحصول على تأييده. وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك شعب يهودي يُذكر في فلسطين، فقد تطلع نابليون إلى اكتساب تعاطف يهود العالم، وخاصة في أوروبا، وبالأخص في فرنسا، التي كان يستعد للعودة إليها، بكل طموحاته السياسية. (اُنظر ملحق نص بيان نابليون بونابرت إلى يهود العالم)

المهم أن الحملة الفرنسية على مصر والشام فتحت عيون بريطانيا على المنطقة لاعتبارات إستراتيجية. ولكن الساسة البريطانيين، مع تنامي قوة الرأي العام البريطاني، كان لابد أن يغلفوا أي مخطط إستراتيجي تغليفاً معنوياً أدبياً. ووجدوا ضالتهم المنشودة في المشاعر البروتستانتية التي تنامت في بريطانيا، في القرن التاسع عشر، والتي قدمت تفسيراً لنصوص الإنجيل، يفضي إلى السعي لإعادة اليهود إلى فلسطين، اعتقاداً من أصحاب هذا المذهب، أنهم سيتحولون إلى مسيحيين بمجرد عودتهم إلى " أرض الميعاد ". وكان، من أبرز المتحمسين لهذا التفسير الإنجيلي (الساذج)، اللورد شافتسبري، قريب رئيس وزراء بريطانيا الشهير، بالمرستون. ومن ثم كان له تأثير غير مباشر على السياسة الخارجية البريطانية. وفي ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر، أصبحت بريطانيا تتوجس ريبة إزاء مطامع ثلاث قوى خارجية: فرنسا، وروسيا، ومصر (التي كان ابن واليها إبراهيم باشا قد اجتاح الشام، بما فيه فلسطين واستولى عليها، لعدة سنوات، في منتصف ثلاثينيات القرن التاسع عشر. ولما لم تجد بريطانيا أقلية مسيحية، أو إسلامية، لتتولى الادعاء بالدفاع عنها، عمد بالمرستون إلى تكليف نائب القنصل البريطاني في القدس بأن يبحث عن اليهود، ويعرض عليهم استعداد بريطانيا للدفاع عنهم.

كذلك كتب بالمرستون إلى السفير البريطاني، في إستانبول، بالمعنى نفسه، قائلاً:

"إنه من الأهمية بمكان أن يشجع السلطان عودة اليهود واستقرارهم في فلسطين. فالثروة التي سيأتون بها ستزيد من قاعدة موارد السلطان؛ وبعودة الشعب اليهودي، تحت حماية ورعاية السلطان، وبدعوة منه، فإن ذلك سيمثل حاجزاً وقائياً ضد المخططات الشريرة لمحمد علي أو خلفائه في المستقبل..! احرص على لفت انتباه الحكومة التركية إلى تلك الاعتبارات في سرية وكتمان، مع حث المسؤولين الأتراك على تشجيع عودة اليهود الأوروبيين إلى فلسطين".

وهكذا، فمنذ ما يقرب من قرن قبل إصدار وعد بلفور، حرصت بريطانيا في تنافسها الجيوبولوتيكي، على استخدام فلسطين كحاجز مانع للسيطرة المصرية على المشرق، إضافة إلى حرصها على تأمين مواصلاتها في وجه منافسة القوى الكبرى، مثل فرنسا وروسيا وبروسيا. وقد وجدت في اليهود وآمالهم التاريخية، وفي تعاطف بعض الطوائف المسيحية المحلية مع تلك الآمال، في العودة إلى الأرض الموعودة، فرصة مركبة لضرب أكثر من عصفور، بحجر واحد.

من ناحية أخرى اندفعت الحركة الصهيونية صوب بريطانيا، بعد أن يأست من مساعدة الإمبراطور الألماني والسلطان العثماني، خلال السنوات الخمس التالية للمؤتمر الصهيوني الأول. وكانت العروض التي قدمتها بريطانيا لهيرتزل بأراضٍ بديلة في سيناء (سهل العريش) وأوغندا، والتي قدمها بدوره للمؤتمر الصهيوني السادس (1903)، قبيل وفاته المفاجأة، هي نموذج لهذا الغزل العلني، والذي سيتطور بسرعة إلى أن يصل لأي تحالف إستراتيجي، من خلال وعد بلفور.

وقد سهل، من الوعود البريطانية للحركة الصهيونية اعتبارات أخرى، لم تكن متوفرة، في منتصف القرن التاسع عشر، عندما أرسل بالمرستون رسالته السرية الشهيرة إلى سفير بريطانيا في إستانبول؛ فمع نهاية القرن التاسع عشر كانت بريطانيا قد احتلت مصر (1882)، وأصبحت بذلك مناوئة للإمبراطورية العثمانية. التي اتجهت في تحالفاتها الدولية، إلى ألمانيا، في مواجهة بريطانيا وروسيا. ومع بداية القرن العشرين، ونشوب الحرب العالمية الأولى، ودخول الإمبراطورية العثمانية الحرب، متحالفة مع ألمانيا والنمسا، ضد بريطانيا، شعرت بريطانيا أنها في حل من بقايا أية التزامات، ولو أدبية ومعنوية تجاه الإمبراطورية العثمانية. وبدأت تسعى حثيثاً للإسراع بتقويض أركانها، ووراثتها بعد طول انتظار وفاة "رجل أوروبا المريض". ومع قرب انتهاء الحرب، بات واضحاً أن المعسكر المضاد لبريطانيا سينهزم. ومن ثم دارت مناورات ومخططات ومؤامرات كثيفة للإعداد لعالم ما بعد الحرب.

في تلك الأثناء، دخلت بريطانيا في مداولات، بعضها سري، وبعضها علني، مع ثلاثة أطراف لترتيب أوضاع الشرق الأوسط والمنطقة العربية، التي كانت ما تزال تحت السيطرة العثمانية. فدخلت مع فرنسا، فيما سمي بعد ذلك بمحادثات "سايكس ـ بيكو"، لاقتسام غنائم الحرب. ودخلت مع الحركة القومية العربية البازغة، فيما سمي محادثات "حسين ـ مكماهون"، حيث كان الشريف حسين، أمير مكة، يقود الحركة القومية العربية في ذلك الوقت. وأخيراً دخلت في مفاوضات مع الحركة الصهيونية، بزعامة حاييم وايزمان، وهي المفاوضات التي أسفرت عن وعد بلفور، ولم تعبأ بتناقض الأطراف الثلاثة التي كانت تتفاوض معهم، ما دامت المصالح البريطانية في النهاية محفوظة ومخدومة.

2. وعد بلفور

جاء وعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر 1917، نسبة إلى أرثر بلفور الذي كان وزيراً لخارجية بريطانيا، كخطوة عملاقة في إضفاء الشرعية الدولية على الحركة الصهيونية، ليس لأنه صدر عن أقوى دولة في النظام العالمي في ذلك الوقت فحسب، ولكن لأنه تعلق بفلسطين، وليس بأي أرض أخرى. وكانت كلمات الوعد مقتضبة للغاية، كالتالي:

"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي، في فلسطين، وستبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف علماً بأنه من المفهوم بوضوح أن شيئاً لن يفعل يكون من شأنه المساس بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية، في فلسطين. أو بالحقوق والأوضاع السياسية التي يتمتع بها اليهود في أي بلد آخر". (اُنظر صورة وثيقة وعد بلفور)

ونصه بالإنجليزية كما صدر:

“H. M Government view with favour the establishment in Pal estine of a national home for the jewish people, and will use their best endeavours to facilitate the ahievement of this object, it being clearly understood that nothing shall be done wnich may prejudice the civil and religous rights of non- jewish communities in Palestine or the rights and Political status engoyed by jews in any other Country”.

وقد جاءت هذه الصياغة المختصرة نتيجة تمهيدات، استمرت طوال عقدين من الزمان، وتحديداً منذ العرض، الذي كانت قد قدمته بريطانيا العظمى عام 1903، لإنشاء وطن قومي في أوغندا أو العريش، وهو العرض، الذي رفضه المؤتمر الصهيوني السادس، في حينه، والذي توفى هيرتزل بعده بعدة أشهر (1904).


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 25 مارس 2016, 7:13 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:12 am

الفصل الرابع

مسيرة الصهيونية وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948

 
المبحث السابع: مسيرة الصهيونية في خمسين عاماً 1897 - 1947




ولكن خليفة هيرتزل، في قيادة الحركة الصهيونية، وهو حاييم فيتزمان، (1874 ـ 1952) الروسي المولد، والكيميائي المشهور، الذي هاجر إلى بريطانيا، واشتغل أستاذاً في جامعة مانشستر، واصل الاتصالات والمفاوضات مع أقطاب الدوائر السياسية في الحكومة البريطانية وخارجها، طوال الثلاثة عشر سنة التالية. وكثَّف من هذه الاتصالات، أثناء الحرب العالمية الأولى، ووظف المتعاطفين اليهود، وغير اليهود، مع الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل كسب تأييدٍ موازٍ لما صنعه في بريطانيا. وكان حليفه الأول في هذا الصدد هو المحامي اليهودي، لويس براندايز (1856 ـ 1941)، قريب الصلة بالرئيس الأمريكي، وودرو ويلسون، الذي عيَّنه، بعد ذلك، كأول قاض يهودي في المحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الواقع، تكشف الوثائق، والمذكرات الشخصية لعدد من الأسماء المذكورة في هذه الفقرة، عن أن الحكومة البريطانية ما كان لها أن تصدر وعد بلفور، في ذلك الوقت، إلاّ بموافقة، إن لم يكن بمباركة الرئيس الأمريكي ويلسون نفسه، والتي لعب براندايز دوراً حاسماً في الحصول عليها.

وكان أحد أسباب حرص كل من فايتسمان، وبلفور، على مباركة الرئيس الأمريكي، ليس لإضفاء مزيد من الشرعية فحسب، ولكن، كذلك، للتغلب على المعارضة الشديدة لمثل هذا "الوعد"، بين قطاع من اليهود البريطانيين، والغربيين، المناوئين للحركة الصهيونية، ومنهم وزراء بريطانيون يهود، في ذلك الوقت، مثل اللورد أوين مونتاجيو (1879 ـ 1924). وكانت الأغلبية العظمى من يهود بريطانيا وأمريكا، الذين كانوا مندمجين تماماً، ولا يشعرون بأي اضطهاد ضدهم، إضافة إلى الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية المميزة لهم. وكان اليهود في أمريكا وبريطانيا، وغيرهما من البلدان الغربية الليبرالية الديموقراطية، يتوجسون من اتهامهم بـ "الولاء المزدوج"، إن هم شاركوا في حركة تدعو إلى إنشاء وطن قومي يهودي، غير الأوطان التي يعيشون فيها.

وكان هذا الأمر يسبب الحساسية لليهود الأمريكيين خاصة؛ لأن معظمهم كان حديث الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ثم فمن بين نحو ثلاثة ملايين يهودي في أمريكا في بداية الحرب العالمية الأولى (1914)، وعلى الرغم من مرور 17 عاماً على البداية المنظمة للحركة الصهيونية، فإن عدد الأمريكيين، الذين انضموا إليها، لم يتجاوز 12 ألفاً، ولم تتجاوز ميزانية الاتحاد الصهيوني الأمريكي مائة وخمسون ألف دولار. وبعد صدور إعلان بلفور، واحتفاء أهم شخصية يهودية أمريكية به، وهو لويس براندايز علناً، وهجومه على نظرية " الولاء المزدوج ". قفز عدد اليهود الذين انضموا إلى الاتحاد، مع عام 1919، إلى خمسة عشر مِثلاً (إلى 176 ألفاً)، كما قفزت ميزانية الاتحاد إلى ثلاثة ملايين دولار!

لعبت صحيفة المانشستر جارديان، دوراً مهماً، كذلك، في إصدار وعد بلفور، بتوجيه من صاحبها تشارلز سكوت، الذي كان شديد القرب والتأثير على لويد جورج، رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت. وعلى الرغم من أنه لم يكن يهودياً، إلاّ أن صداقته وإعجابه بحاييم وايزمان جعلاه يطلق العنان لكاتب الافتتاحيات، هاري ساكر، اليهودي الصهيوني، واتخذت المانشستر جارديان موقفاً محرضاً، يلح في مطالبة بريطانيا باحتلال فلسطين، في تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى، وعلى منح اليهود وعداً بتأييد مطالبهم في إنشاء وطن قومي فيها. وكانت الحجة، التي تستند عليها المانشستر جارديان، في ذلك هي سهولة الدفاع عن قناة السويس، وطريق مواصلات بريطانيا إلى الهند، ومستعمراتها، في شرق أفريقيا وآسيا.

وهكذا حينما دخلت بريطانيا في محادثات سرية مع فرنسا، وعقدت اتفاقاً، عُرف فيما بعد باتفاق "سايكس ـ بيكو"، استثنت فلسطين من المنطقة، التي وافقت على أن تكون تحت الهيمنة الفرنسية. وعلى الرغم من مفاوضات موازية مع الشريف حسين، عُرفت بمفاوضات حسين ـ مكماهون، والتي وافقت فيها على منح عرب المشرق الاستقلال، والتوحيد، في دولة واحدة، تخلف الإدارة العثمانية، إن هم ثاروا ضد الأتراك، ودعموا مجهودات الحلفاء، إلاّ أنه في النهاية، لم تلتزم بريطانيا إلاّ بوعد بلفور للحركة الصهيونية، وباتفاقية سايكس ـ بيكو مع فرنسا.

وخلاصة القول إن وعد بلفور كان تحقيقاً لإحدى الأماني، والأهداف الصهيونية، ولكنه لم يصدر هكذا بسهولة. بل كان نتاج عمل صهيوني دؤوب، في بريطانيا وأمريكا، وعلى أرض فلسطين نفسها.

3. الانتداب البريطاني والتمهيد الفعلي للدولة اليهودية

في تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى، التي هُزمت فيها ألمانيا والإمبراطورية العثمانية، وفقدت هذه الأخيرة كل ولاياتها، في المشرق العربي، أصبح المناخ ممهداً تماماً لممارسة بريطانيا ما تريد ممارسته من تنفيذ لاتفاقيات والتزامات، منها وعد بلفور. ولكن الحركة الصهيونية لم تأخذ الأمر كقضية مسلم بها. بل حرصت، بعد إصدار وعد بلفور، وبعد احتلال القوات البريطانية لفلسطين، بعد شهر واحد من إصدار ذلك الوعد، على أن تكون قوة ضاغطة في تسيير الشأن الفلسطيني، بل والشأنين البريطاني والدولي، كذلك.

من ذلك، مثلاً، إصرار الحركة الصهيونية على أن يصبح وعد بلفور "وثيقة دولية"، في معاهدات ما بعد الحرب، وضمن مقررات فرساي وسان ريمو، والمنظمة الدولية الجديدة، التي عُرفت باسم "عصبة الأمم"، وهو ما حدث بالفعل. فصدرت من العصبة قرارات تعطى بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وتعترف فيه بالتزام بريطانيا بتسهيل إقامة وطن قومي يهودي، في 24 يوليه 1922.

ومن ذلك، أن الحركة الصهيونية، ضغطت، وحرضت، لاختيار أول مندوب سامي بريطاني على فلسطين بحيث يكون يهودياً صهيونياً. وقد كان، في شخص الوزير هربرت صامويل (1879 ـ 1963)؛ والذي لم يبال بكرسي الوزارة في لندن، وأسرع لكي يخدم في فلسطين، وأثناء ولايته (1920 ـ 1925)، فعل كل ما كانت تريده الحركة الصهيونية، سواء من حيث فتح أبواب الهجرة على مصراعيها، وهو ما كانت تركيا قد قاومته، إلى حد كبير، في أوائل القرن، وإلى عام 1918، بل ورحَّلت، خارج فلسطين، عدة آلاف من اليهود، الذين كانوا يحملون جنسيات روسيا ودول الحلفاء، أثناء الحرب العالمية الأولى. كذلك سهَّل صامويل حصول الصناديق اليهودية المختلفة على الأراضي العامة، التي لم تكن مملوكة لأشخاص. وأخيراً فإنه استحدث من المجالس واللجان المشتركة ما أعطى للحركة الصهيونية مكانة الشريك الفعلي في إدارة فلسطين.

ومن ذلك أخيراً، التواطؤ بين صامويل والحركة الصهيونية في تعطيل تنفيذ مبدأ تقرير المصير، الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي ويلسون، وأقره مؤتمر الصلح في فرساي، وميثاق عصبة الأمم. فقد كان من شأن تطبيق ذلك المبدأ، في ذلك الوقت، كما اقترحت لجنة كرين وكنج، التي أوفدها الرئيس الأمريكي ـ أحقية الفلسطينيين في الاستقلال بالبلاد. فقد كانوا يمثلون أغلبية تزيد على التسعين في المائة في ذلك الوقت (1919 ـ 1920). كان مجموع سكان فلسطين 750 ألفاً لم يتجاوز عدد اليهود بينهم ستين ألفاً. لذلك حرص الصهاينة على ألاّ يفتح أي نقاش، حول حق تقرير المصير، إلى أن يصبح عددهم معقولاً، في الأماكن التي خططوا أن تكون قلب دولتهم القادمة وأساسها.

وبالفعل ارتفع عدد السكان اليهود، خلال الانتداب البريطاني، أي بين عامي 1920 ـ 1947 من 56 ألفاً إلى 650 ألفاً ـ أي نحو 12 مرة، في حوالي ربع قرن. وزاد عدد المستعمرات من 50 مستعمرة إلى 259 مستعمرة، أي أكثر من خمس مرات، وارتفعت نسبتهم في مجموع السكان (1.9 مليون) من أقل من 3% إلى 31%. وقد جاء ثلاثة أرباع هؤلاء السكان اليهود عن طريق الهجرة، في عهد الانتداب، وليس نتيجة الزيادة الطبيعية، كما كان الحال بين السكان العرب.

وتكررت القصة نفسها مع ملكية الأرض. فقد بلغ ما تملَّكه اليهود، عشية الحرب العالمية الأولى عام (1914) 430 ألف دونم (الدونم يساوي ربع فدان) من مجموع مساحة فلسطين الكلية، البالغة 27 مليون دونم ـ أي 1.5 %. ولكن، خلال ربع قرن من الانتداب البريطاني، ازداد أربع مرات ـ أي إلى 6%، ولكن كانت الملكية، على الرغم من ضآلتها المئوية، في غاية الأهمية من ناحية الكيفية، لأنها سادت، حسبما خطط لها أرثر روبين في أوائل القرن. فقد كانت على شكل حرف N، بحيث يشكل الضلع الأيسر الاستيطان الساحلي بين يافا وحيفا، والضلع الأيمن الاستيطاني بين بحيرة طبرية وأعالي حوض نهر الأردن، والضلع الأوسط الاستيطاني عبر السهل الداخلي (مرج بن عامر).

إلى جانب السكان وملكية الأرض، كان هناك تكريس التنظيم الاقتصادي ـ الاجتماعي، لهذا الوجود اليهودي في فلسطين. من ذلك أن العاملين في قطاع الصناعة والتعدين والبناء، بين هؤلاء اليهود، وصلت نسبتهم إلى 37% من قوة العمل اليهودية. وهي نسبة مقاربة لمثيلتها في الدول الصناعية، في ذلك الوقت. ومن ثم نشأت حركة عمالية قوية، نظمت نفسها في اتحاد عام، أُطلق عليه اسم (الهستدروت)، وكان الهستدروت يضم بين أعضائه، العاملين في المستوطنات. بتعبير آخر، كانت معظم قوة العمل اليهودية، في فلسطين، منظمة في اتحادات نقابية أو تعاونية. وكان ذلك يعني أن الفرد اليهودي، في فلسطين، كان له سياج اجتماعي منظم يوفر له ضمانات الأمان والتأمين، بحيث لا يواجه صعوبات البيئة الجديدة وتحدياتها منفرداً.

في هذه الأمور كلها كانت المقارنة، مع الفلسطينيين العرب، هي مقارنة بمجتمع زراعي تقليدي. فقوة العمل الصناعية لم تتعد 12%، وعدد التعاونيات العربية لم يتعد 125 جمعية للإقراض، عدد أعضائها ستة آلاف، ورصيدها 27 ألفاً (مقارنة بأكثر من خمسة آلاف جمعية يهودية، يتجاوز أعضاؤها 355 ألفاً، ورصيدها عشرة ملايين جنيه) وقد انعكس ذلك في مستويات الدخل، فكان متوسط دخل الفرد اليهودي عام (1947) 141 جنيهاً مقابل 50 جنيهاً للفلسطيني، وبلغت قيمة ودائع اليهود في البنوك، 77 مليون جنيه مقابل 18 مليوناً للعرب.

كذلك نمت المؤسسات الخدمية اليهودية، في فلسطين، بشكل متسارع. ففي عام 1946 كانت نسبة القيد في المدارس الابتدائية 67% لليهود، مقابل 33% للعرب. وكان لدي اليهود 33 مدرسة فنية زراعية، مقابل 6 مدارس عربية. وبلغ ما أنفقته حكومة الانتداب على الصحة، مثلاً، في أواسط الأربعينات نحو نصف مليون جنيه، بينتما أنفق صندوق الصحة اليهودي، ضمن الهستدروت وحده، في العام نفسه 1.2 مليون جنيه.

والشيء نفسه يمكن أن يقال عن المؤسسات السياسية؛ فقد جاءت بعض هذه المؤسسات جاهزة التكوين، من أوروبا، على شكل تنظيمات حزبية، معظمها أحزاب يسارية. ولكن، إلى جانب هذه التنظيمات الحزبية، نظم اليهود في فلسطين، أنفسهم في شكل مجلس عام، له لجنته التنفيذية، التي تحدثت مع سلطات الانتداب البريطانية باسم يهود فلسطين، طبقاً لمرسوم بريطاني صدر في ذلك الصدد، عام 1926. وكان المرسوم يسمح للعرب بعمل الشيء نفسه. ولكن العرب رفضوا، لأن المرسوم كان يفترض أن المسلمين يشكلون مجلساً عاماً، والمسيحيين مجلساً آخر مستقلاً. وقد رفضوا مبدأ هذا التقسيم الطائفي، الذي ذكَّرهم بأيام السلطة العثمانية. وكانت النتيجة أن ظل العرب، لمدة طويلة، لا يتحدث باسمهم أو يمثلهم أحد تجاه سلطة الانتداب. وكانت أهمية هذا المجلس أنه خول حق جمع الضرائب للإنفاق منها على شؤون أبناء الملة، وهو الأمر الذي أتاح للمجلس العام اليهودي Va`AD LEUMI أن يكون له قاعدة موارد دائمة تمكنه من الإنفاق على الشؤون البلدية، والخدمية، في المدن، والقرى، والمستوطنات اليهودية. كذلك كان صك الانتداب يسمح بمنح الوكالة اليهودية صفة تمثيل اليهود، في الاشتراك مع سلطة الانتداب، في تقديم "النصح والتعاون" (ADVISING AND COOPERATING).

أمّا المؤسسات العسكرية للكيان الصهيوني، فقد بدأت نواتها، بمنطقة "الحراس"، في أوائل القرن. وفي عام 1920، أسس دافيد بن جوريون حزب "وحدة العمل" (احدوت هافوداه) الاشتراكي القومي. وفي عام 1930، أشرف على دمجه في حزب "العامل الشاب" (هبوعيل هتسعير)، ليؤلفا حزب "ماباي" الذي تولى هو زعامته، والذي كان العمود الفقري للوكالة اليهودية في قيام إسرائيل. والمهم أن معظم التنظيمات السياسية والنقابية الرئيسية كان لها أجنحتها العسكرية. وقد كان الجناح العسكري الرئيسي للمنظمات، التي أشرف عليها، أو قادها، دافيد بن جوريون هو الهاجاناة. ويذهب كثير من المراقبين إلى أن قرار الحرب، أو استخدام القوة، من جانب الحركة الصهيونية، لم يُتخذ في منتصف الأربعينيات، وإنما قبل ذلك، بنحو عشرين عاماً، أي في منتصف العشرينيات، وبعد الاحتجاجات الجماهيرية العربية، في أعقاب وعد بلفور، وفرض الانتداب البريطاني على فلسطين، وتعرض بعض المستوطنين اليهود لأعمال العنف. وهناك من يذهب إلى أن استخدام القوة المسلحة لم يكن رد فعل لأي تحرش عربي، وإنما هو سابق على ذلك، ومن صميم العقيدة الصهيونية. فهي لا تبالي منذ البداية، وبطبيعتها، بضرورة القبول العربي المسبق لأي من الخطط، والسياسات الصهيونية، في فلسطين. ومن هنا كانت ندرة لجوئها للتفاوض مع عرب فلسطين أنفسهم في أي قضايا محورية. لقد كانت الحركة الصهيونية تلجأ دائماً إلى سلطة أو قوة أو "محكمة أعلى"، مثل قيصر ألمانيا، أو سلطان تركيا، أو إلى بريطانيا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو عصبة الأمم. وفي الوقت نفسه، قرنت الحركة الصهيونية سعيها، إلى دعم أطراف خارجية قوية، بالاستعداد العسكري للتعامل مع العرب. بتعبير آخر بدا كما لو كانت "الدبلوماسية" الصهيونية، منذ بداية الحركة الصهيونية قد خُصصت للتعامل مع قوى خارجية عظمى، بينما خُصصت "العسكرية" الصهيونية للتعامل مع القوى الفلسطينية العربية المحلية.

وكانت الحركة الصهيونية حريصة على تدريب أكبر عدد ممكن من المجندين اليهود، في صفوف الجيوش الغربية، وخاصة البريطانية. وهذا ما حدث، في الحربين العالميتين الأولى والثانية. فكان عماد تنظيم الهاجاناة نحو ثلاثين ألف مقاتل من الذين تلقوا تدريباً عملياً، واكتسبوا خبرات قتالية في صفوف الحلفاء. كذلك حرص بن جوريون على تدريب وتسليح صف ثانٍ، من الشباب الصهيوني، فيما سمى "بشرطة المستعمرات اليهودية" (JEWISH SETTLEMENT POLICE). ومع منتصف الأربعينيات، كان قوام هذه الشرطة حوالي عشرين ألف مجند. وبذلك كان في حوزة الوكالة اليهودية، والمنظمة الصهيونية، وحزب الماباي، وهي كلها مؤسسات رئيسية وسيطة، تحت إمرة بن جوريون، قوة عسكرية مدربة، ومسلحة، على أعلى مستوى، حجمها خمسون ألف مقاتل. هذا عدا الميليشيات والتنظيمات العسكرية للأحزاب اليهودية الأخرى، على يسار ويمين، التنظيمات الصهيونية الرئيسية.

وبذلك اكتسب الكيان اليهودي الصهيوني، في فلسطين، معظم مقومات المجتمع وسمات الدولة الحديثة في النصف قرن، الذي تلا المؤتمر الصهيوني الأول. وتبلورت هذه المقومات والسمات، ونمت بوتيرة متسارعة، في العقود الثلاثة للانتداب. ولم يكن قد بقى إلاّ إعلان الدولة. وهو الأمر الذي بدأ بقرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين (القرار الرقم 181) لعام 1947، ثم إعلانه رسمياً من تل أبيب في 14 مايو 1948.

4. قرار تقسيم فلسطين: 1937 ـ 1947

على غير ما يُظَن، فإن فكرة تقسيم فلسطين، لم تظهر للوجود أول مرة، بقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 181 في نوفمبر 1947. بل سبقه مشروع قدمته إحدى اللجان البريطانية الملكية برئاسة اللورد بيل (Peel) في يوليه 1937، في أعقاب نشوب الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936. كانت هذه الثورة، التي ارتبطت باسم زعيمها، عزالدين القسام، أقوى انفجار عربي خبرته سلطة الاحتلال البريطانية، والمستوطنون اليهود معاً. ولذلك سارعت بريطانيا بإرسال تلك اللجنة الملكية لتقصي الحقائق، وإصدار توصياتها. وبالفعل هدأت الثورة مؤقتاً إلى أن انتهت اللجنة من عملها.

وبمجرد صدور تقرير اللجنة بتقسيم فلسطين، بين العرب واليهود، وترحيل العرب من القسم اليهودي، وضم القسم العربي إلى شرق الأردن، انفجرت الثورة الفلسطينية الكبرى من جديد، واستمرت إلى عشية الحرب العالمية الثانية ـ أي إلى عام 1939. ولكن المهم، في هذه النقطة، هو أن تقرير اللجنة الملكية البريطانية كان أول اعتراف رسمي بريطاني بمقولة "دولة يهودية"، وليس مجرد وطن قومي يهودي، كما جاء في وعد بلفور. وعلى الرغم من أن العرب قد عارضوه بشده، واستأنفوا أعمال المقاومة المسلحة، وعلى الرغم من إعلان بريطانيا، في حينه، تجميد توصيات لجنة بيل، وطلبها إلى الزعماء العرب، من الدول المجاورة، التدخل لتهدئة الثورة الفلسطينية، إلاّ أن الحركة الصهيونية، كذلك، رفضت تقرير اللجنة الملكية.

ففي المؤتمر الصهيوني العشرين، المنعقد في زيورخ عام 1937، لقي مشروع قرار التقسيم البريطاني معارضة شديدة، وخاصة من الأعضاء الأمريكيين، الذي بدأ نفوذهم يشتد في هذه المؤتمرات الصهيونية، وفي منظماتها، نتيجة ازدياد أعدادهم في صفوف الحركة، ونفوذهم المالي، وتأثيرهم على صانع القرار الأمريكي. وكانت المعارضة، في زيورخ، لمشروع قرار التقسيم؛ لأنه يعني التخلي عن بقية ما كان يعتبره غلاة الصهيونية "أرض إسرائيل" والقبول بجزء منها فقط. ولكن الحركة الصهيونية، وخاصة الفريق الذي كان يتزعمه بن جوريون، رأت قبول المشروع لأسباب تكتيكية، أهمها عدم الاصطدام ببريطانيا في تلك المرحلة، التي أوشكت فيها على دخول الحرب ضد ألمانيا. ومنها إلقاء تبعية رفض القرار على كاهل العرب، وتزكية الخلاف بينهم وبين بريطانيا، بحيث يستمر صدامها المسلح، والذي ينهكهما لمصلحة الحركة الصهيونية في نهاية المطاف.

كذلك كان من رأي بن جوريون أن قبول مشروع التقسيم، وقيام دولة يهودية معترف بها، يمثل خطوة حاسمة في مسيرة الحركة الصهيونية. وفي خطابه أمام مؤتمر حزب ماباي، قال بن جوريون "إن تحقيق الدولة اليهودية يمر بمرحلتين: الأولى مرحلة البناء وإرساء القواعد. وتستمر من عشر إلى خمس عشرة سنة. وهي مقدمة إلى المرحلة الثانية التي هي مرحلة التوسع (EXPANSION). وغاية المرحلتين معاً تجميع المنفيين، من الشتات، في كل أرض إسرائيل". ويكشف بن جوريون في هذه الكلمات عن إحدى ركائز الصهيونية منذ بدايتها، وهي أخذ ما يمكن أخذه "الآن"، والمطالبة، أو العمل على الحصول على، المزيد فيما بعد.

وبعد عشر سنوات من قرار اللجنة الملكية، بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية تحتوى أكثر من نصف فلسطين، وإلى مناطق عربية تضم الجزء الباقي إلى شرق الأردن، جاء قرار تقسيم آخر يكاد يكون مشابهاً، في 26 نوفمبر 1947، ولكن هذه المرة من خلال أهم منظمة دولية، وهي الأمم المتحدة، التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية. ففي سنوات تلك الحرب (1939 ـ 1945) حدثت تطورات كثيرة مهمة، كان من أهمها ما تعرض له اليهود من اضطهادات، ومحارق على يد ألمانيا النازية العنصرية، بقيادة أدولف هتلر؛ وانطوت على مآس إنسانية بكل المقاييس. ولكن، كالعادة، وظفت الحركة الصهيونية تلك المأساة اليهودية الجماعية لمصلحة مشروعها في فلسطين؛ فضغطت على بريطانيا لفتح أبواب الهجرة، أمام ضحايا النازية، والفارين من محارقها. وكانت بريطانيا قد أغلقت باب الهجرة تقريباً لتهدئة العرب الفلسطينيين، بعد ثورتهم الكبرى (1936 ـ 1939). وهكذا تضاعف عدد اليهود في فلسطين مرة بين عامي 1930 و1935: من 165 ألفاً إلى 355 ألفاً. ثم تضاعف هذا العدد مرة أخرى إلى 650 ألفاً مع نهاية الحرب العالمية الثانية.

وكان بن جوريون، كمسؤول عن الوكالة اليهودية، قد قرر منذ بداية الثورة العربية الكبرى عام 1936، ورؤيته للقدرات العربية القادرة على المقاومة المسلحة أن يضاعف من بناء القدرات الصهيونية المسلحة بشكل منهجي، كان منه تدريب الشبيبة اليهودية على القتال، في صفوف الحلفاء، أثناء الحرب العالمية الثانية. وكذلك قام ببناء قاعدة للصناعات العسكرية اليهودية في فلسطين، واستعد للقيام بعمليات عسكرية، ضد العرب، لترحيلهم بالقوة من المناطق، التي توقع أن يشملها قرار تقسيم جديد، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، القاعدة الجديدة للصهيونية العالمية. أكثر من ذلك خطَّط لصدام مسلح مع قوات الانتداب البريطاني في فلسطين، وهو ما حدث بالفعل، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة، فقد شعر أن الوجود الصهيوني قد وصل إلى حد من القوة، لا يحتاج فيه إلى استمرار حماية الانتداب البريطاني، خاصة، أن هذه الأخيرة كانت قد بدأت تأخذ الدول العربية، الحديثة الاستقلال، في حسبانها، وهي تتعامل مع الأطراف المختلفة في فلسطين. وكان تأسيس الجامعة العربية، بمباركة بريطانيا، عام 1945، رمزاً لتغير الحسابات البريطانية في عالم ما بعد الحرب.

على أي الأحوال، عجَّل بن جوريون، بشن حرب عصابات ضد القوات البريطانية، كما كثّف العرب الفلسطينيون من احتجاجاتهم ضد بريطانيا، وهو الأمر الذي دفعها إلى إحالة القضية برمتها إلى الأمم المتحدة عام 1947. وأرسلت المنظمة الدولية، بدورها، لجنة تقصي حقائق، عادت بتقرير يشبه تقرير اللجنة الملكية عام 1937 (Peel)، أوصت فيه بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية، وعربية. وتبنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، مشروع التقسيم. وفي 29 نوفمبر 1947 صدر القرار الرقم 181. وأعلنت بريطانيا عزمها على الانسحاب من فلسطين، في 15 مايو 1948. وتكرر سيناريو 1937 نفسه، رفض العرب واليهود قرار التقسيم. ولكن الرفض اليهودي جاء خافتاً ومتأخراً، بينما جاء الرفض العربي مبكراً وصاخباً. وبدا للعالم الخارجي كما لو أن العرب هم الذين يعدون العدة لافتراس الدولة اليهودية المقترحة من الأمم المتحدة. وبدا اليهود كما لو كانوا مغلوبين على أمرهم، ولكنهم أعلنوا أنهم سيدافعون عن "دولتهم" بالسلاح، إذا استلزم الأمر ذلك!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:15 am

الفصل الرابع

مسيرة الصهيونية وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948

المبحث الثامن: إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 وتوسعاتها المتتالية والمنتظرة


إعلان قيام إسرائيل عام 1948، وتوسعاتها المتتالية والمنتظرة

أولاً: الحرب العربية ـ الإسرائيلية الأولى

خلال الفترة من 29 نوفمبر 1947 إلى 15 مايو 1948 (موعد خروج بريطانيا)، لم ينتظر الصهاينة؛ وإنما بادروا بترويع العرب الفلسطينيين، ودفعهم إلى الهرب من المدن والقرى الفلسطينية، التي كان قرار التقسيم الرقم 181، قد ضمها "للدولة اليهودية" المقترحة. وانتشرت أخبار هذا الترويع، الذي مارسته قوات الهاجاناة، والبالماخ، وشتيرن، وغيرها من ميليشيات الحركة الصهيونية الرسمية، أو التنظيمات السياسية الأكثر تعصباً، وتطرفاً. من أمثله ذلك، الإرهاب الصهيوني للمدنيين الفلسطينيين، مذبحة "دير ياسين"، وهي قرية عربية تقع في نقطة إستراتيجية، على الطريق بين القدس الغربية (اليهودية) وتل أبيب. اجتاحتها قوات شتيرن، وأعطت السكان مهلة ساعة لمغادرتها، صباح يوم الحصار. وقبل انتهاء الساعة، كانت القوات تقتل كل من وجدته في الشوارع، وداخل منازل القرية، بما في ذلك النساء والأطفال. وانتشرت أخبار المذبحة في كل مكان في فلسطين، وساعد الصهاينة على ترويج أخبارها، على الرغم من التأثير الإعلامي السلبي عليهم. فقد كان هدفهم الإستراتيجي هو ترحيل، أو طرد، أكبر عدد من الفلسطينيين، على الأقل، إلى خارج الحدود المرسومة للدولة اليهودية؛ إن لم يكن من كل فلسطين. (اُنظر جدول بيان بحجم العمليات الإرهابية للمنظمات الصهيونية)

والمهم أن أخبار المذابح، فضلاً عن إحساس الرأي العام العربي خارج فلسطين بالغضب والألم، وعدم رضاء العرب أجمعين، شعوباً وحكومات عن قرار التقسيم، دفع جامعة الدول العربية إلى اتخاذ قرار إرسال جيوش عربية إلى فلسطين، بمجرد انتهاء الانتداب البريطاني رسمياً، في 15 مايو 1948. وكان واضحاً أن حماس الشارع العربي لإرسال الجيوش العربية لإنقاذ فلسطين أقوى من أن توقفه أي حسابات عقلانية لموازين القوى. وكان من الواضح، كذلك، أن اعتداد العرب بحقوقهم الشرعية، وكثرتهم العددية تعطي انطباعاً زائفاً بالثقة في النفس، وتستخف بالعدو الصهيوني في إسرائيل. لقد كانت هناك فجوة معلومات شديدة، لدى الرأي العام العربي، بل ربما لدى الحكومات والجيوش العربية، عن الأوضاع اليهودية في فلسطين. وكان الاعتقاد السائد هو أن العملية لن تتعدى أن تكون "نزهة عسكرية"‍‍‍‍!

‍وغادر آخر معتمد سامي بريطاني، السير آلان كننجهام فلسطين نهائياً، مساء يوم 14 مايو 1948، وفي اللحظة نفسها، التي أبحر فيها المندوب السامي، أعلن دافيد بن جوريون ميلاد دولة إسرائيل. واعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بالدولة الجديدة من البيت الأبيض، بعد إعلانها بست دقائق، وهو الأمر الذي كان له وقع الصاعقة على الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك المندوب الأمريكي نفسه، الذي لم يُحَط علماً بذلك. وفي اليوم التالي 15 مايو 1948، سارع الاتحاد السوفيتي، كذلك إلى إعلان اعترافه. فاكتسبت إسرائيل شرعية دولية أكيدة من جانب كل من: الأمم المتحدة (مركز التقسيم)، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي.

وعلى الرغم من ذلك، دخلت طلائع جيوش خمس دول عربية إلى فلسطين، وهي مصر، والأردن، وسورية، ولبنان، والعراق كما كان مخططاً، أي يوم 15 مايو 1948. ومع المقاومة الفلسطينية، والمتطوعين العرب، الذين كانوا قد سبقوا الجيوش العربية بعد أشهر، استطاع العرب تحقيق سلسلة من الانتصارات السريعة، في الأسبوعين الأولين للحرب. من ذلك وصول القوات المصرية، في هجوم سريع، إلى مسافة 22 ميلاً فقط جنوبي تل أبيب، متفادية المستوطنات المنعزلة في النقب. وهاجمت القوات السورية وادي الأردن، ولكنها اضطرت للانسحاب تحت ضغط المقاومة الشديدة عند مستوطنة "دجانيا".

وبسبب حرج الموقف الإسرائيلي في البداية، طالبت أمريكا مجلس الأمن، بوقف إطلاق النار، وهو ما قبلته إسرائيل، يوم 24 مايو 1948؛ ولم يوافق عليه العرب قي البداية، ولكنهم وافقوا عليه بعد 17 يوماً، عندما أُنهكت جيوشهم بسبب حرب العصابات الصهيونية، التي قطعت خطوط الإمدادات والمواصلات بين الجيوش وبلدانها. وبقبول العرب وقف إطلاق النار، يوم 11 يونيه 1948، عينت الأمم المتحدة وسيطاً دولياً هو السويدي الكونت برنادوت، الذي اتخذ من جزيرة رودس مقراً له، وسعي لإيجاد تسوية مقبولة للأطراف المتحاربة. ولم يكن الوضع مريحاً لأي من الأطراف. فالجيوش العربية اكتشفت صعوبة مهمتها، وأن الأمر لم يكن نزهة على الإطلاق، ولم تحقق هدف القضاء على الدولة اليهودية الوليدة. ومن ناحية أخرى نجحت هذه الجيوش في احتلال ثلث المناطق التي كانت مخصصة للدولة اليهودية طبقاً لقرار التقسيم الرقم (181 لسنة 1947). ففي الشمال كان السوريون محصنين في الضفة الغربية للأردن، ويقذفون بسهولة نسبية، المستوطنات الواقعة أسفل مرتفعات الجولان. وفي الوسط كان العراقيون في إحدى النقاط، على بعد عشرة أميال فقط، من ساحل البحر المتوسط. أي أن الوضع الحرج لكل الأطراف كان مناسباً للوسيط الدولي برنادوت لطرح أفكار توفيقية وسط.

وجاءت خطة برنادوت بإعادة تقسيم فلسطين، وضم الأجزاء العربية لشرق الأردن، ثم إنشاء اتحاد فيدرالي بين الأردن بضفتيه وإسرائيل. وقد رفضت كل الأطراف هذه المقترحات. ونشبت الحرب من جديد، في 8 يوليه 1948. ولكن إسرائيل كانت قد استفادت، فائدة قصوى، من الهدنة التي قاربت شهراً. فضمت 25 ألف محارب متطوع من يهود، وغير يهود، من الخارج وحصلت على دبابات ومدافع وأسلحة خفيفة.

وأخذت إسرائيل المبادرة، وخلال 38 يوماً، أي قبل إقرار الهدنة الثانية، استطاعت تحقيق انتصارات مهمة قي الشمال والوسط. فاستولت على 201 من مجمل 219 قرية عربية تقع قي نطاق الدولة اليهودية، فضلاً عن 14 مدينة عربية، منهاSadعكا، وصفد، والناصرة، وطبرية، وحيفا، وبيسان، ويافا، والمجدل، والشدود، واللد، والرملة، والقدس الغربية) وفي المقابل، استولت القوات العربية على 14 موقعاً يهودياً فقط، بما فيها الحي اليهودي في القدس الشرقية. وكانت هذه، باستثناء مستوطنة واحدة، تقع في المناطق المخصصة أصلاً للعرب في قرار التقسيم.

وتقررت هدنة ثانية قي 18 يوليه 1948. ثم نشبت الحرب مجدداً في 15 أكتوبر 1948، بسبب رفض القوات المصرية السماح لقوافل الإمدادات بالوصول إلى المستوطنات المنعزلة في جنوب. وبالفعل ركزت القوات الإسرائيلية على الجهة الجنوبية في الجولة الثالثة، بعد أن كانت قد حققت انتصاراتها في الشمال والوسط خلال الجولة الثانية. واستمرت القوات الإسرائيلية، في انتصاراتها على القوات المصرية، وإجبارها على الانسحاب، إلى أن وصلت إلى الحدود الدولية المصرية، واخترقتها في ديسمبر 1948، وأصبحت على مقربة من قاعدة العريش المصرية الرئيسية. وهنا تدخلت بريطانيا، ووجهت إنذاراً للقوات الإسرائيلية بالانسحاب فوراً من الأراضي المصرية، تنفيذاً لالتزامها بأحكام معاهدة 1936 " للصداقة والتحالف " بين مصر وبريطانيا. وانسحبت القوات الإسرائيلية فعلاً، بعد محاولات للمماطلة والتسويف. وفي 7 يناير 1949، توقف القتال مع مصر وانتهت بذلك الحرب العربية ـ الإسرائيلية الأولى، والتي استغرقت، في جانبها النظامي، حوالي سبعة أشهر، من 15 مايو 1948 إلى 7 يناير 1949.

وقد أدهش انتصار إسرائيل على جيوش خمس دول عربية العالم، بل وأدهش اليهود أنفسهم. وقد كلفتها تلك الحرب أربعة آلاف قتيل من المحاربين، وألفين من المدنيين. ولكنها كسبت شرعية إضافية، وأراض إضافية لم تكن تحلم بالاستيلاء عليها بهذه السرعة. وضمن هذا الإنجاز الإسرائيلي المبكر التخلص من حوالي 750 ألف فلسطيني أي أكثر من عدد كل السكان اليهود، الذين لم يتجاوزوا في ذلك الوقت 650 ألفاً. وقد أصبح هؤلاء الفلسطينيين هم نواة اللاجئين، الذين ازداد عددهم، مع كل حرب عربية إسرائيلية قادمة (1956، 1967، 1973). وأصبح ذلك هو النمط المعتاد في إدارة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، خلال الخمسين عاماً التالية.

كانت إسرائيل هي عادة صاحبة المبادرة في الحروب والاشتباكات المسلحة، باستثناء حرب أكتوبر 1973، وكانت أهم ملامح الإدارة الصهيونية للصراع، كما يأتي:

ثانياً: جدلية السكان والأرض والعقيدة في مائة عام 1897 ـ 1997

في عام 1905 زار الزعيم اليهودي الروسي، مناحيم أوشكين (1863 ـ 1941) فلسطين. وبعد العودة، كتب منشوراً بعنوان " برنامجنا " أشار فيه إلي أن هناك ثلاثة طرق للاستيلاء على الأرض في أي بلد:

الأولى: "الشراء" طبقاً لقوانين العرض والطلب المعتاد.

والثانية: "البيع القسري" أي بنزع الملكية لأغراض عامة.

والثالثة: "الاستيلاء بالعنف" على أرض الغير.

وقد لجأت الحركة الصهيونية إلى الطرق الثلاثة تباعاً، خلال المائة عام التالية للمؤتمر الصهيوني الأول (1897)، ففي السنوات العشرين الأولى، حين كانت فلسطين ما تزال تحت الحكم العثماني، اتبعت الحركة الصهيونية الطريقة الأولى، أي الشراء من السكان العرب، طبقاً لقوانين العرض والطلب. ولكن ملكيتها، طبقاً لهذه الطريقة المسالمة، لم تتجاوز، مع عام (1918) 440 ألف دونم (أي 110 ألف فدان).

ولكن في السنوات الثلاثين التالية (1918ـ 1948)، أي في ظل الانتداب البريطاني، وبحمايته وتشجيعه، لجأت الحركة الصهيونية إلى الطريقة الثانية، إضافة إلى الطريقة الأولى. فاستمرت في شراء الأرض ممن قبل البيع من الفلسطينيين، ولكنها، كذلك، استلمت أراض حكومية عامة من سلطات الانتداب، أو جعلت هذه الأخيرة تتملكها من الأهالي الفلسطينيين بالبيع القسري. وخلال العقود الثلاثة المذكورة، استولت الحركة الصهيونية على 1.2 مليون دونم (300.000 فدان )، أي ثلاثة أمثال ما كانت قد حصلت عليه قبل الانتداب.

ولكن بطريق الحرب، استطاعت إسرائيل أن تستولي على 21 مليون دونم، في أقل من عام واحد (ديسمبر 1947ـ ديسمبر 1948). وكانت الطريقة الثالثة هذه هي أربح الطرق، وأسرعها، فقد حصلت في عام واحد على عشرة أمثال ما كانت حصلت عليه، في ثلاثين عاماً.

ومن هنا أُعيد تشكيل العقيد الصهيونية، في جدلية مترابطة بين الأرض والسكان والحرب. فجلب مزيد من السكان، يعطي القدرة على التجنيد والحشد، ويزيد الطلب على الأرض. ومن خلال الحرب يتم الحصول على الأرض المطلوبة، ويزيد النشاط الاقتصادي المصاحب للحرب وللاستيلاء على الأرض؛ ويتبع ذلك زيادة في الطلب على عمالة جديدة وجنود جدد، فيتم جلبهم عن طريق الهجرة. وهكذا.

ثالثاً: جدلية "المهاجر" بمال "القادر" إلى أرض "الآخر"

تجاهلت الأيديولوجية الصهيونية الفلسطينيين أصحاب الأرض تماماً. بل وروجت، في العقود الأولى، مقولة "شعب بلا أرض يسعى إلى أرض بلا شعب". وهكذا صُوّر ليهود العالم، وغيرهم، في الغرب، أنهم شعب مشرد مضطهد في كل مكان يبحث عن ضالته المنشودة في فلسطين، التي هي أرض بلا شعب.

وعلى الرغم من أن عتاة الصهيونية كانوا يدركون كذب هذه المقولة، إلاّ أنها كانت مفيدة، وأخاذة، لتعبئة الرأي العام، وتصوير الأمر كما لو كان فقط، مجرد إرسال اليهود التعساء، من أوروبا إلى أرض فقراء في فلسطين، يصلحونها ويعمرونها، ويعيشون فيها. وكان هذا الانتقال من أوروبا، أو من أي مكان آخر يحتاج إلى أموال. وهنا لجأ قادة الحركة الصهيونية إلى أغنياء اليهود، وعلى رأسهم عائلة روتشيلد الشديدة الثراء، بفرعيها الفرنسي والبريطاني، كذلك لجأوا إلى الطبقة الوسطى المهنية الأعرض، وأخيراً إلى كل من يستطيع حتى من بسطاء اليهود.

وحينما اتضح لعدد كبير من اليهود، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وفرض الانتداب أن فلسطين بها شعب فعلاً، وأن هؤلاء الفلسطينيين يمثلون أكثر من 90 في المائة من السكان، ويملكون أكثر من 80 في المائة من الأرض، بصورة طبيعية أصلية، اتضح للكثيرين زيف مقولة " شعب بلا أرض يسعى لأرض بلا شعب ". ولأن كشف هذا الزيف لم يوقف المشروع الصهيوني، أو يبطئ من مسيرته، فقد استحدث أحد مفكري اليهود، وهو "ألفرد ليلنتال" مقولة أخرى لوصف المشروع الصهيوني بأنه توليفة "المهاجر" (اليهود طبعاً) بأموال "القادر" (اليهودي الثري الذي لا يهاجر بنفسه) للاستيلاء على أراضي الآخر الفلسطيني (سواء بالبيع الطوعي، أو القسري، أو الاستيلاء بالقوة).

رابعاً: جدلية يهود الشتات والعائدين

كانت الحركة الصهيونية في أواسطها، بين عامي 1935 و1965، تنتقد تقاعس يهود الشتات في "العودة" إلى الوطن الجديد، والدولة الجديدة، التي بُعثت، أي إسرائيل. وكانت تلح في إشعار هؤلاء اليهود، وخاصة في الغرب، بالذنب لعدم "العودة"، التي وضع لها آباء الدولة اليهودية قانوناً خاصاً، منذ عام 1949/ 1950، يتيح لأي "يهودي" تطأ قدماه أرض فلسطين ـ إسرائيل ـ اكتساب الجنسية فوراً، ومعها كل حقوق المواطنة.

وكان هذا الشعور بالذنب، عند يهود الشتات، يدفع قلة منهم بالفعل إلى العودة. أمّا الذين لم "يعودوا" لتمسكهم بأوطانهم، الأكثر تفوقاً ورخاء وحرية وأماناً، فإنهم كانوا يحاولون التقليل من الشعور بالذنب بتكرار الزيارات، والإغراق بالتبرعات، والانخراط في الجماعات الصهيونية والتنظيمات اليهودية في الشتات، أي في أوطانهم الأصيلة، ويكوّنون بذلك جماعات ضغط قوية للغاية تناصر إسرائيل.

وقد خفت حدة انتقال اليهود في الشتات، بعد حرب 1967، والانتصار الكبير الذي أحرزته إسرائيل على الجيوش العربية. فمن ناحية، أصبح اليهود، في كل العالم، فخورين بالإنجاز الإسرائيلي الباهر. وأصبح معظمهم مشدوداً لإسرائيل، يهاجر إليها أو يقضى فيها بعض الوقت، أو أجازته العائلية. وأيقنت إسرائيل أن يهود الشتات الغربيين يؤدون لها خدمات جليلة في بلدانهم، سياسياً، واقتصادياً، وتكنولوجياً، واستخباراتياً.

وفي السنوات العشرين الأخيرة، بدأت الحركة الصهيونية تركز على اليهود، في البلدان غير الغربية، من إثيوبيا إلى الصين، إضافة إلى المستودع الطبيعي الأكبر، وهو اليهود في روسيا، والاتحاد السوفيتي السابق، وعلى الرغم مما يسببه هؤلاء المهاجرون من المشكلات في الاستيعاب، وعلى الرغم مما يعانونه هم أنفسهم من صعوبات العيش والاضطهاد على أيدي اليهود الغربيين (الاشكناز)، إلاّ أن استمرار تلك الجدلية بين يهود الشتات والعائدين والأسبقين، تحدث توتراً وديناميكية خلاقة داخل الكيان الصهيوني في إسرائيل.

خامساً: اللوبي الصهيوني في بلدان "الشتات"

يرتبط بالنقطة السابقة ما أصبح شائعاً عن " اللوبي اليهودي "، في معظم بلدان العالم التي يوجدون فيها، خاصة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أصبحت "الأيباك" (أو اللجنة الأمريكية ـ الإسرائيلية للشؤون العامة) American – Israeli Public، Affairs Committee – APIAC وهي لجنة تنسيق بين مئات المنظمات اليهودية الأمريكية، تمارس نشاطها، في الدفاع عن الحقوق اليهودية والإسرائيلية، بوصفها جزءاً لا يتجزأ من "المصالح القومية الأمريكية" فهي، بهذا المعنى، تعد كل ما هو في صالح إسرائيل هو كذلك في صالح الولايات المتحدة الأمريكية.

بدأ اللوبي اليهودي في أمريكا، على استحياء، خلال الحرب العالمية الأولى. ولكن بفضل شخصية القانوني اليهودي البارز، لويس برانديز، الذي أصبح قاضياً في المحكمة العليا، نما هذا اللوبي بشكل مطرد، حتى أصبح من أقوى جماعات الضغط، بعد الحرب العالمية الثانية، ثم أقواها على الإطلاق في العقدين الآخرين (الثمانينيات والتسعينيات). ويقال مثلاً، على سبيل المفارقة أن رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتانياهو، يحكم بأغلبية صوت واحد في الكنيست الإسرائيلي؛ ولكنه يتمتع بأغلبية 85 صوتاً (من مائة صوت) في مجلس الشيوخ الأمريكي. وهذه الملاحظة الساخرة هي للدلالة على السهولة التي يوقع بها هذا العدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على أي طلب لإسرائيل، ومن دون مناقشة. وفي ذلك قد يتصرف أعضاء الكونجرس ضد رغبة الرئيس الأمريكي نفسه، وضد توجهات وزارة الخارجية الأمريكية.

وتعود قوة اللوبي اليهودي ـ الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس إلى قوة اليهود العددية بقدر ما هي للتنظيم والكيف. فعلى الرغم من أن عدد اليهود، في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يتجاوز ستة ملايين، من بين أكثر من 260 مليون أمريكي، إلاّ أنهم الأكثر تبرعاً للأحزاب والمرشحين، والأكثر ذهاباً وانتظاماً، والتزاماً، بالتصويت في كل انتخابات عامة. وفي كل هذه المتغيرات، فإنهم يمثلون ضعف المتوسط العام للمجتمع الأمريكي. فإذا كان متوسط ما يتبرع به الأمريكي غير اليهودي مائة دولار، فإن اليهودي يتبرع لمرشحه في المتوسط بضعف هذا المبلغ، أي مائتي دولار. وإذا كانت نسبة من يقرأون الكتب والمجلات الجادة هي 20 بالمائة في المجتمع الأمريكي ككل، فإنها بين اليهود تصل إلى 40 في المائة، وهكذا. ومن ثم فإن معظم مرشحي الكونجرس، يعملون ألف حساب للأصوات اليهودية، ويتقربون لأصحابها.

وما يصدق على اللوبي اليهودي في أمريكا، يصدق على اللوبي اليهودي، في كل الديموقراطيات الغربية: بريطانيا، وفرنسا، وهولندا، والدول الاسكندنافية، وإن كانت ليست بقوة اللوبي اليهودي في أمريكا. والمتتبع لمسار ومسيرة الحركة الصهيونية، خلال القرن الماضي، لابد أن يُلاحظ كيف انتقل مركز ثقلها من شرق أوروبا، في أواسط القرن التاسع عشر، إلى وسط أوروبا (ألمانيا والنمسا) في أواخر القرن التاسع عشر، إلى بريطانيا في الربع الأول من القرن العشرين، إلى أمريكا في بقية القرن العشرين. أي أن الحركة كانت تشم اتجاه الريح في النظام الدولي، وكما اتجهت الريح غرباً، اتجهت معها بل وسبقتها الحركة الصهيونية غرباً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:19 am

الفصل الرابع

مسيرة الصهيونية وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948

المبحث الثامن: إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 وتوسعاتها المتتالية والمنتظرة


إعلان قيام إسرائيل عام 1948، وتوسعاتها المتتالية والمنتظرة



جدول
بيان بحجم العمليات الإرهابية للمنظمات الصهيونية
الخسائر من العرب
المكان
التاريخ
المنظمة
منشآت
جريح
قتيل
 
 
 
 
من عام 1936 – 1947
 
 

 
[ltr]بجوار مستعمرة بتاح تكف[/ltr]
ابريل 1936
الهاجاناه
أينما كانوا
العرب
بإطلاق النار على
أصدرت سبعة  قرارات
أبريل 1936
الهاجاناه
  
عشرات القتلى والجرحى
إلقاء قنبلة سوق الخضار نابلس
أبريل 1937
اتسل
  
3 قتلى
إطلاق النار على قافلة عربية
أبريل 1937
اتسل
 
38
18
قنبلة بسوق حيفا
مارس 1937
اتسل
 
70
350
سيارة ملغومة سوق حيفا
يوليه 1937
اتسل
 
46
27
قنبلة يدوية سوق حيفا
يوليه 1937
اتسل
 
35
34
سيارة ملغومة سوق القدس
أغسطس 1937
اتسل
 
30
10
قنبلة يدوية أمام مسجد في القدس
أغسطس 1937
اتسل
  
الوزير البريطاني  لورد موين
القاهرة
نوفمبر 1944
ليحي
مبنى الفندق
لم يحدد
 
نسف فندق الملك داود
يوليه 1946
المنظمات الثلاثة
    
المذابح بين عامي 1947 - 1948
 
تدمير 10 منازل
30 قتيل وجريح أطفال ونساء
مذبحة قريتي الشيخ وحواسه
31 ديسمبر 1947
المنظمات الثلاثة
تدمير 20 منزل
 
60
مذبحة قرية سعسع
14-15  فبراير 1948
الهاجاناه (البالماخ)
القطار
36
27
مذبحة رحوفوت (نسف قطار)
27 فبراير 1948
اتسل
نسف منازل القرية
 
30
مذبحة كفر حسينية
13 مارس 1948
الهاجاناه
  
61
6
 
24
40
مذبحتي بنيا ميناه
نسف قطار
نسف قطار
 
27 مارس 1948
31 مارس 1948
الهاجاناه
  
260
مذبحة دير ياسين
9 أبريل 1948
اتسل/ ليمى
جميع المنازل
 
جميع سكان القرية عدا 42 فردا
مذبحة ناصر الدين
14 أبريل 1948
اتسل/ ليمى
  
250
مذبحة اللد
يوليه 1948
البالماخ
  
قتل أكثر من 70% من سكانها 35 عائلة
مذبحة قرية الدوايمة عدد سكانها 4 آلاف نسمة
أكتوبر 1948
ليمى
  
161 منهم 14 سيدة بعد اغتصاب بعضهم
مجزرة قرية الصفصاف
أكتوبر 1948
الهاجاناه
ملاحظة
·      إجمالي المذابح حتى إعلان الدولة 34 مذبحة، منها 24 في الجليل، و5 في وسط فلسطين، و5 في جنوبها.   
·   حدثت 17 مذبحة أثناء وجود القوات البريطانية دون تدخل، و17 مذبحة بعد انتهاء الانتداب، وأشهر المذابح قرية دير ياسين وأكبرها الدوايمة.







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:22 am

الفصل الخامس

الصراع المسلح وعلم النكبات العربية

 المبحث التاسع: الصراع المسلح كطريقة حياة لإسرائيل

خاضت إسرائيل، منذ إعلان شهادة ميلادها خمسة حروب نظامية مع جيوش نظامية عربية، وهي:

1. حرب 1948، ضد خمس دول عربية، (مصر، وسورية، والعراق، والأردن، ولبنان).

2. حرب السويس 1956، مع بريطانيا وفرنسا ضد مصر.

3. حرب يونيه 1967، وحدها، ضد ثلاث دول عربية، هي: مصر، وسورية، والأردن.

4. حرب أكتوبر (رمضان) 1973، وحدها، ضد مصر وسورية.

5. حرب لبنان 1982، وحدها، ضد المقاومة الفلسطينية على الأرض اللبنانية.

هذا، عدا الاشتباكات الحدودية، التي لم تنقطع مع هذه الدول العربية، أو تلك، من دول الجوار العربية، فبين عامي 1948 و1967 كانت هذه الاشتباكات مع مصر والأردن وسورية. وبعد 1967، كانت هذه الاشتباكات مع الدول الأربع المحيطة بها، فضلاً عن العمليات التي قامت بها إسرائيل بعيداً عن حدودها، سواء على أراض عربية بعيدة، مثل تونس (اغتيال قيادات فلسطينية)، والعراق (ضرب المفاعل الذري في صيف 1981)، أو على أرض غير عربية مثل (الغارة على مطار عنتيبي في أوغندا عام 1972).

وقد وضع مؤسس الدولة، وأول رئيس لوزرائها، دافيد بن جوريون، عناصر العقيدة والممارسة العسكرية الصهيونية منذ عام 1936، أي مع بداية الثورة الفلسطينية الكبرى، بقيادة عزالدين القسام، وتتلخص تلك العقيدة في العناصر التالية:

1. الهجوم خير وسيلة للدفاع عامة، ولكن في حالة إسرائيل فهو الوسيلة الوحيدة للدفاع.

2. ضرورة أن ينقل الجانب اليهودي المعركة إلى أرض العدو دائماً.

3. ضرورة أن يكون الجانب اليهودي أكثر تفوقاً في عدد المقاتلين الفعليين، في أي معركة.

4. ضرورة أن يكون السلاح اليهودي أكثر تفوقاً من سلاح العدو (أي العرب).

5. ضرورة أن تكون هناك قوة عظمى واحدة، على الأقل، متحالفة فعلياً مع إسرائيل.

6. عدم الركون إلى أية وعود، أو اتفاقيات، أو معاهدات، لا تسندها القوة اليهودية، في نهاية المطاف.

7. ضرورة حصار المشرق العرب بقوى إقليمية صديقة أو حليفة لإسرائيل، أي إحاطة الطوق العربي، حول إسرائيل، بطوق غير عربي حول العالم العربي (يتكون مثلاً من إيران وتركيا وإثيوبيا وإريتريا والهند).

أولاً: حدود إسرائيلية متحركة

من عناصر العقيدة العسكرية الصهيونية ـ الإسرائيلية، التي بلورها بن جوريون، نشأت مقولات أخرى مشتقة منها، وتدعمها الممارسة الفعلية. ومنها عدم تثبيت أي حدود تثبيتاً نهائياً، حتى لو رُسمت خطوطها، فقد تعلمت الصهيونية أن تبتلع أراضي الغير شبراً شبراً، ولقد نما عدد المستوطنات في فلسطين من ثلاثة عام 1882 (روش بينا، وزخرون يعقوب، وريتشون ليتسيون) إلى 16 مستعمرة عام 1899، إلى 50 مستعمرة عام 1914، إلى مائة مستعمرة عام 1938، فضلاً عن المدن اليهودية الجديدة وأهمها تل أبيب، والقدس الغربية.

وقد حدث الشيء نفسه مع حدود الدولة اليهودية، ففي خلال عام واحد، بعد إعلانها، كانت قد ضاعفت أراضيها تقريباً من خلال الحرب. وكذلك بعد العدوان الثلاثي، أو حرب السويس عام 1956، ثم بعد حرب 1967، ثم بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. وربما كان الاستثناء الوحيد هو حرب 1973، والتي بادرت بها مصر وسورية. حيث تحررت أراض عربية كانت إسرائيل قد احتلتها، في حرب 1967. ولكن هذا هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.

لقد أصبحت "الأرض" في العقيدة الصهيونية مرادفة "للأمن". وغرست تلك العقيدة في أعضاء الحركة الصهيونية، إن "الأمن" يبدأ من "الأرض"، وإن مزيداً من الأرض يعني مزيداً من الأمن.

ثانياً: الصراع كوسيلة لتعبئة شعب الله المختار

أقنعت الحركة الصهيونية أعضاءها، ومعظم اليهود، منذ هيرتزل، أن هناك عداءاً دائماً للسامية، أي لليهود، واليهودية، في مجتمعات العالم غير اليهودية. وأن أسباب ذلك عديدة ومعقدة، منها أن اليهود هم "شعب الله المختار". وجزء من هذا العداء، " أسبابه دينية، وجزء آخر أسبابه تنافسية. حين يخسر الآخر، غير اليهودي، في أي منافسة، فان إحباط الفشل يتحول عنده إلى عدوانية ضد اليهود "، ومن ثم ذهب هيرتزل إلى أنه سيكون هناك دائماً " حصة " من العداء للسامية. ولن تتقلص، أو تختفي، هذه الحصة إلاّ بانتقال اليهود إلى وطن خاص بهم.

والجديد هنا هو أن مقولة العداء الدائم للسامية، أو اليهودية، تفرض على يهود العالم، لا أن يتكاتفوا ويتضامنوا فحسب، ولكن أن يظلوا في حالة " حشد وتعبئة كاملة "، كذلك، تحسباً لما قد تأتي به الريح. تضاعف هذا القلق الدائم، وهذا التهيؤ، لغدر أقرب المقربين منهم، عدة مرات بعد الاضطهادات، والمحارق "النازية"، في ثلاثينيات هذا القرن، ضد اليهود بأوامر من أدولف هتلر. بصرف النظر عن الأعداد التي ذهبت ضحايا معسكرات التعذيب وأفران الغاز، وسواء كانوا مليون يهودي، كما تميل بعض المصادر المحايدة، أو ستة ملايين يهودي كما تذهب الدعاية الصهيونية، فإن الأخيرة قد وظفت مأساة اليهود على يد هتلر لتأكيد الشر الذي يضمره الآخرون ضد اليهود بصفتهم يهوداً.

ويذهب روجيه جارودي الفيلسوف الفرنسي المعروف، إلى أن إبادة النازية لستة ملايين يهودي " كانت أسطورة مناسبة للجميع. فالحديث عن أكبر "إبادة جماعية" في التاريخ كان يعني للاستعماريين الغربيين نسيانهم لجرائمهم الخاصة (حصد هنود أمريكا وتجارة العبيد الأفريقيين) وكانت مناسبة للقادة الأمريكيين بعد مذبحة درسدن في 13 فبراير 1945، التي أهلكت، بقنابل الفوسفور، في بضع ساعات، مائتي ألف مدني، من دون سبب عسكري على اعتبار أن الجيش الألماني كان يقاتل متراجعاً على كل الجبهة الشرقية. وكانت الأسطورة مناسبة أكثر من ذلك للولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت قد ألقت على هيروشيما ونجازاكي، قنبلتين ذريتين، ذهب ضحيتهما أكثر من مائتي ألف قتيل، وما يقرب من 150 ألف جريح، محكوم عليهم بالموت، بعد حين. إن استخدام مصطلح المحرقة (الهولوكوست) يبرز، بصورة أفضل، إرادة اختلاق حدث استثنائي من الجريمة المقترفة ضد اليهود.. " ويذهب جارودي إلى أن الصهيونية قد وظفت أسطورة إبادة ستة ملايين يهودي، كما وظفت أساطير أخرى من أجل تبرير اغتصابها لحقوق الآخرين.

وبالفعل لجأ أمثال رئيس الوزراء المتشدد، بنيامين نتانياهو، إلى المنطق نفسه لتبرير الإصرار على احتلال إسرائيل لأراضي الضفة الغربية وغزة، من أجل أمن إسرائيل. فقد سخر من اليسار الإسرائيلي "الذي يعتقد أنه إذا تخلصنا من المناطق المحتلة، سيحل الخير على إسرائيل". وسخر من اليمين الإسرائيلي الذي يعتقد "أنه إذا تخلص من العرب، سيحقق النتيجة نفسها"، وهو يُعد اليسار واليمين في ذلك ساذجين، فهو يريد الاحتفاظ بالأرض، ومن عليها، تحت القبضة الإسرائيلية، على الأقل في الوقت الحاضر، ما دامت تسندها القوة الإسرائيلية المطلقة.

باختصار استفادت الصهيونية، مجسدة في إسرائيل، وتستفيد، من تغذية، وتعميق حالة القلق والخوف لدي اليهود، وتوحي إليهم أن هناك عدوانية متأصلة ضدهم، وأن السبيل لدفعها هو التضامن، والقوة، وتأمين الأراضي، التي تساعد على التصدي لهذه العدوانية.

ثالثاً: من حرب 1967 إلى الانتفاضة إلى أوسلو

إن القلق وعدم الشعور بالأمن، لدي إسرائيل خاصة، واليهود عامة، بلغ ذروته في الأسبوعين السابقين على حرب يونيه 1967، حينما استجاب الرئيس جمال عبدالناصر لطلب سورية دعمها، في مواجهة حشود إسرائيلية على الحدود المشتركة، وعلى الفور أمر بحشد قوات مصرية في سيناء، وبسحب قوات الطوارئ الدولية، التي كانت تعسكر، منذ عام 1957 على الحدود المصرية ـ الإسرائيلية، وأمر الأسطول المصري بمنع الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة، واعتبرت إسرائيل هذه الإجراءات محاولة لخنقها والفتك بها. فبادرت بشن هجوم جوي على المطارات المصرية، حطمت فيه معظم، إن لم يكن كل المقاتلات المصرية، صباح يوم 5 يونيه 1967، وفعلت الشيء نفسه مع المطارات العسكرية السورية. ثم شنت هجوماً عسكرياً كاسحاً على سيناء، ودحرت القوات المصرية، التي حاربت من دون غطاء جوي. وانسحبت القوات المصرية المهزومة، على عجل، واحتلت إسرائيل سيناء إلى الشاطئ الشرقي لقناة السويس. وسرعان ما فعلت الشيء نفسه على الجبهة السورية، واحتلت مرتفعات الجولان السورية، وعلى الجبهة الأردنية احتلت الضفة الغربية لنهر الأردن، وفعلت كل ذلك في ستة أيام فقط فعرفت باسم "حرب الأيام الستة".

وقد أذهلت الانتصارات الإسرائيلية الخاطفة، على ثلاث دول عربية، في هذه الأيام القليلة، العرب والعالم، بل والإسرائيليين واليهود أنفسهم. سادهم شعور بالفخر والاعتزاز، الذي سرعان ما تحول إلى غطرسة قوة، وظل العرب يلعقون جراح الهزيمة، ويستعدون لتحرير أراضيهم، التي احتلت في حرب يونيه 1967، إلى أكتوبر 1973. ففي ظهر السادس من ذلك الشهر، الذي وافق العاشر من رمضان، شنت مصر وسورية هجوماً مفاجئاً، على الجبهتين على إسرائيل. كان ذلك بداية حرب " الأسابيع الستة ". وعلى الرغم من أن العرب لم ينتصروا في تلك الحرب، بمستوى الانتصار الإسرائيلي الخاطف والحاسم، في حرب الأيام الستة، إلاّ أن الأداء العربي، عسكرياً، ودبلوماسياً، واقتصادياً (استخدام سلاح النفط) كان مشرفاً. فاستعادت مصر الجانب الشرقي من القناة، وشريطاً موازياً لها، بعمق عدة كيلو مترات. ولكن الأهم من ذلك، هو استعادة الشعور بالكرامة، بعد مهانة هزيمة الأيام الستة، وأعطى ذلك لمصر بالذات، والتي خاضت الحرب بقيادة الرئيس أنور السادات، إحساساً بالقدرة على التحرك نحو السلام. وقد فاجأ الرئيس السادات العالم بإعلان مبادرته السلمية، واستعداده للذهاب إلى القدس، واللقاء مع زعمائها، في نوفمبر 1977. وتطورت الأمور في هذا الاتجاه بسرعة، على الرغم من امتعاض واحتجاج بقية الدول العربية، وتعليقها لعضوية مصر في الجامعة العربية، ونقل مقرها من القاهرة إلى تونس.

ولكن الرئيس السادات، مع ذلك، مضى في طريقه نحو السلام، ووقع اتفاقيتي كامب دافيد (1978) ثم معاهدة سلام مصرية ـ إسرائيلية (1979)، وانسحبت إسرائيل بالفعل من المناطق، التي كانت تحتلها، في سيناء، خلال السنوات الثلاثة التالية، وتم تطبيع العلاقات بين الدولتين، على الرغم من استمرار الاحتجاجات العربية، التي رأت أن مصر قد تخلت عن أمتها العربية، وعن القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من اتفاقية السلام مع مصر، إلاّ أن إسرائيل استمرت في غطرسة القوة، مع بقية الأطراف العربية، وخاصة الفلسطينيين، تحت الاحتلال، أو الفلسطينيين في " الشتات ". ومن ذلك غاراتها المتكررة على مخيماتهم، وعلى معسكرات المقاومة الفلسطينية في الدول العربية المجاورة. ووصل بها ذلك إلى الحد، الذي اجتاحت فيه جنوب لبنان إلى أن وصلت إلى العاصمة بيروت، وحاصرتها لمدة تسعين يوماً في صيف 1982، إلى أن أجبرت المقاومة الفلسطينية بقيادة الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، على الانسحاب من بيروت، والتوجه مع فلول مقاومته إلى تونس، على بعد ثلاثة آلاف كيلومتر من لبنان وفلسطين، وكان صيف 1982 صيفاً مهيناً للعرب أجمعين، ذكرهم بصيف 1967 وهزيمته المهينة.

ومع ذلك، ففي خلال خمس سنوات، قام الشعب الفلسطيني بانتفاضة شعبية مجيدة ضد الاحتلال الإسرائيلي، في الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان عماد هذه الانتفاضة الأطفال، والفتيان، الذين استخدموا "الحجارة" ضد قوات الاحتلال، ولم يتصور المراقبون الإسرائيليون حين بدأت تلك الانتفاضة في نوفمبر 1987، أنها ستستمر، أو أنها ستكون مؤثرة مع ذلك الاحتلال العنيد، ولكن الانتفاضة استمرت ثلاث سنوات، أنهكت فيها قوات الاحتلال مادياً ومعنوياً، وأنهكت إسرائيل ويهود العالم نفسياً. فقد كان المشهد اليومي، على شاشات التليفزيون العالمية، هو ذلك الذي يواجه فيه الأطفال الفلسطينيون، وفي أيديهم الحجارة، الجنود الإسرائيليين المدججين بأقوى السلاح والعتاد.

ومن ثم أذعنت إسرائيل، في نهاية المطاف، للاعتراف بالشعب الفلسطيني، وبمنظمة التحرير الفلسطينية، كممثلة شرعية، ووحيدة له، وقبلت، على مضض، أن تجلس مع ممثلي المنظمة، في مؤتمر مدريد الدولي للسلام، في نوفمبر 1991، بعد حرب الخليج (يناير 1991)، وبعد أربع سنوات من الانتفاضة. ووقّعت إسرائيل، بعد ذلك بعامين (1 3 سبتمبر 1993)، اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، اعترفت فيها بحقوق للشعب الفلسطيني، يحصل عليها تباعاً في السنوات الست التالية. وعلى الرغم من الشد والجذب، إلاّ أن سلطة فلسطينية وطنية، قد تأسست، وحصلت على حكم ذاتي في جزء من أراضيها. وأجريت انتخابات رئاسية وتشريعية، اختار فيها الشعب الفلسطيني، ياسر عرفات، رئيساً، وانتخب مجلساً تشريعياً في يناير 1996.

إن الأيدلوجية الصهيونية، التي تبلورت، وتغيرت، على مدي قرن من الزمان، ما زالت هي الأيدلوجية الحاكمة في إسرائيل، على الرغم من السلام الفعلي، أو القانوني بين إسرائيل ومعظم الدول العربية (وقَّعت الأردن معاهدة سلام عام 1995)، إلاّ أن الصراع سيظل مستمراً، وهناك من الدروس والعبر ما يمكن، وما لا بد للعرب، أن يستوعبوه، بعدما خبروه من نكبات، في القرن الأول من ذلك الصراع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:24 am

الفصل الخامس

الصراع المسلح وعلم النكبات العربية

المبحث العاشر: علم النكبات العربية، دروس وعبر



مع 29 أغسطس 1997، كان قد مر مائة عام على انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية. في أعقاب المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام، وقال تيودور هيرتزل: "إنني في مؤتمر بـازل قد خلقتُ الدولة اليهودية، ولكنني لم اجرؤ أن أقول ذلك علناً، وإلاّ ضحك العالم ساخراً مني، بما في ذلك أغلبية اليهود، ربما في خلال خمس سنوات، وبالقطع خلال خمسين عاماً سيدرك العالم وأغلبية اليهود، أنني لم أكن أهزل، ولن يضحكوا ساخرين مني عندئذ".

وبالفعل قبل أن تكتمل المدة الزمنية القصوى، التي حددها هيرتزل، وهي خمسون عاماً، كانت الدولة اليهودية قد ولدت بالفعل، وأُعلن هذا الميلاد رسمياً، في قرار الأمم المتحدة عام 1947، تقسيم فلسطين القرار الرقم (181). إن الجدية التي أخذ بها الصهيونيين الأوائل حلمهم ـ تخطيطاً وعملاً وتنفيذاً ـ كان يقابلها غفلة عربية ـ إسلامية عامة، كانت أغلبية العرب والمسلمين، إمّا تغط في نوم عميق، أو كانت تشغلها أمور أخرى. فلم يتنبه العرب والمسلمون للمخطط الصهيوني إلاّ مع وعد بلفور البريطاني، في نوفمبر 1917، وقيام الحركة الصهيونية العالمية بمساعدة اليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين. وحتى عندئذ كانت الأغلبية العربية، شعوباً وحكاماً، منشغلة بالآثار الوخيمة للحرب العالمية الأولى، من تقسيم وانتداب واستعمار، أو بمقاومة الاحتلال الأجنبي، الذي بليت به عدة أقطار عربية أخرى، منذ القرن التاسع عشر، مثل: الجزائر، ومصر، وتونس، وبعض بلدان الخليج.

على أي الأحوال ظل العرب غافلين، أو لاهين أو موزعين، وحتى الأقلية الواعية الجادة بينهم، لم تكن قادرة على نشر هذا الوعي، أو تلك الجدية، بين بقية أبناء شعوبهم، حتى حدث ما حدث، من انتصارات يهودية صهيونية، وهزائم عربية إسلامية في فلسطين أولاً (1947/ 1948) ثم فيما حولها (مصر 1956، ومصر وسورية والأردن عام 1967).

مع مرور مائة عام على بداية المشروع الصهيوني تحول حلم هيرتزل إلى "قوة إقليمية عظمى"، هي "إسرائيل" التي تحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية، وتفرض شروط الصلح معها، ومع بقية بلدان الوطن العربي، كما يحلو لها. وتمتلك من وسائل وأسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك ترسانة نووية، ما يجعلها تتغطرس، وتدير ظهرها لقرارات الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات والمنتديات العالمية.

كتب المفكر العربي الكبير قسطنطين زريق، في أواسط عام 1948، دراسته بعنوان "معنى النكبة"؛ بعد أن هاله قيام إسرائيل وتهجير العرب الفلسطينيين، والعجز الفادح الذي بدا من الدول العربية وجيوشها؛ وحاول فيه أن يحلل الأسباب البعيدة والقريبة لتلك الواقعة، في ضوء الامتحان الداخلي والنقد الذاتي، وأن يتلمس سبل الخلاص من الضعف الذي كان يعانيه العرب، ورصد قسطنطيين زريق الوسائل التي يتحتم على العرب التجهز بها للظفر في المعارك التالية، أو على الأقل، للدفاع عن النفس إزاء الخطر المتفاحل لإسرائيل. فبعكس التفكير الشائع، والغوغائية العربية، في الأربعينيات التي هونت من الوجود الصهيوني في فلسطين قبل عام 1948؛ أو ذلك الذي استهان بإسرائيل، عند إعلانها في 15 مايو 1948، أو ظل يطلق عليها " إسرائيل المزعومة ". كان قسطنطيين زريق واعياً منذ ثلاثينات القرن، وهو يدرس الدكتوراه في الغرب، بحجم الأخطار التي تنطوي عليها الحركة الصهيونية.

أولاً: غياب الديموقراطية

كانت خلاصة الكتيب النحيل (أقل من مائة صفحة) "معنى النكبة" أن هزيمة العرب وانتصار الصهيونية في تلك المعركة الأولى (1948) يرجع إلى غياب أشياء عندنا، وحضورها عندهم، وهي العقلانية، والعلم، والتكنولوجيا، والديموقراطية، والوحدة. وهذه العوامل مرتبطة ومتداخلة، سواء في حضورها وفعاليتها، أو غيابها وسلبياتها. وقد ذاع شأن الكتيب المذكور بل وأصبح ضمن القراءات الإجبارية لحركة القوميين العرب التي أسسها الدكتور جورج حبش، ولحزب البعث العربي ـ الاشتراكي، الذي أسسه كل من ميشيل عفلق، وأكرم حوراني. وكانت جميع الانقلابات، أو تلك التي سمت نفسها بثورات في الأربعينيات والخمسينيات، قد تأثرت بما ورد في كتيب قسطنيين زريق. وفي الواقع أصبح اسم "النكبة"، أو "نكبة فلسطين"، هو الاسم الذائع لما حدث عامي 1947 و1948، لقد حاول "الانقلابيون" و"الثوريون" أن يأخذوا بمعظم ما جاء في كتيب قسطنطين زريق من "وصايا" إلاّ وصية واحدة، من وصاياه الثلاث الكبرى، وهي "الديموقراطية".

ثانياً: الحق والاستحقاق

حين وقعت هزيمة 1967، وكانت لا تقل فداحة عما حدث عام 1948، كتب قسطنطين زريق كتيباً آخر بعنوان "معنى النكبة مجدداً" وقد أعاد فيه إلى الأذهان ما كان قد كتبه، قبل عشرين عاماً تقريباً، وأضاف إليه المستجدات، التي جعلت من هزيمة 1967 هولاً أكبر وأعمق، فقد أصبحت إسرائيل في الفناء الأمامي لكل الدول العربية الرئيسية، وعلى مقربة من قلبها مباشرة. كذلك أعاد الرجل إلى الأذهان وصاياه الأربع، العقلانية والعلم، والديموقراطية، والوحدة العربية. وعدم الأخذ بهذه الوصايا مجتمعة هو المسؤول عن التخلف الحضاري العربي، في مواجهة الكيان الصهيوني المغتصب. وقد سجل قسطنطين زريق من "معنى النكبة مجدداً" مقولة إضافية غاية في الأهمية، وهي الفارق بين "الحق" و"الاستحقاق".

فالحق الفلسطيني العربي واضح وعادل، ومطابق للمبادئ التي أقرتها الإنسانية، واعترفت به منظمة الأمم المتحدة، وأصدرت في تأكيده، من القرارات الدولية، ما لم يصدر في شأن أي قضية عالمية أخرى في التاريخ، ومع ذلك فقد اُنتهك هذا الحق، كما لم يُنتهك أي حق، في هذا القرن. انتهكته إسرائيل، مرات متتالية، وبشكل سافر مفضوح أمام الدنيا بأسرها. وذلك، طبعاً بسبب تفرق الفلسطينيين والعرب عموماً، وعدم أخذهم بأسباب القوة المطلوبة، والمعروفة لكل دارس، أو مراقب في القرن العشرين، العقل والعلم، والديموقراطية، والوحدة القومية.

ويعترف زريق بأن "الاستحقاق" هو ذلك "الحق" الذي يدافع عنه أصحابه، أو يضحون في سبيل استرجاعه، بعد اغتصابه، أو ضياعه، ويسهرون على صيانته، بجهودهم الذاتية التطوعية المستمرة. فالحق وحده لا يكفي للحصول على العدالة والإنصاف في هذا العالم. إن الدفاع عن هذا الحق هو الذي يحوله إلى استحقاق. ومغزى ذلك واضح، فحقوق العرب لن تتحول إلى استحقاقات إلاّ إذا كانوا مستعدين قولاً وعملاً، وليس قولاً فقط، للنضال بجدية للدفاع عما في أيديهم، ولاسترجاع ما فقدوه.

ثالثاً: نكبة الخليج وعلم النكبات العربية

نشر قسطنطيين زريق، في جريدة "الحياة" اللندنية في 25 يناير 1991، مقالاً أثناء حرب الخليج، أثار التساؤلات نفسها "معنى النكبة" 1948، ومعنى "النكبة مجدداً" 1967؛ وكما يقول هو، أوشك أن يطلق على حرب الخليج، المشتعلة وقتها، وما تنطوي عليه من خسائر محققة للعرب "معنى النكبة مثلثاً" وكما يقول الرجل، وكان قد تجاوز الثمانين من العمر وقت كتابة المقال، إنه اقلع عن اختيار "معنى النكبة مثلثاً" فالواقع إن هذه النوائب ليست محصورة في الحروب، وهزائمها وخسائرها، بل تمتد إلى غيرها من نواحي الحياة".

لذلك اقترح أن يؤسس العرب علماً جديداً يسمونه " علم النكبة "، ولم يكن يهزل في اقتراح هذه التسمية. فالعرب من دون باقي الأمم الحية، لا يبدو أنهم يتعلمون من أخطائهم أو آثامهم، فالدروس والعبر من أول نكبة في التاريخ الحديث عام 1948 واضحة جلية. وقد تحدث الرجل، وكثيرون غيره، عن هذه العبر والدروس. وكان المأمول أن تتعلم كثير من القيادات والحكومات، والقوى الحية الأخرى، في الوطن العربي، من هذه العبر والدروس. ولكنها لم تفعل ذلك خلال العقدين التاليين لإنشاء إسرائيل (1948 ـ 1967). ولم تتعلم بما فيه الكفاية العبر والدروس، طوال العقود الثلاثة التالية للنكبة الثانية عام 1967. وكانت النتيجة أن من سماهم بعض المزايدين العرب في الأربعينات " العصابات "، قد تحولوا، في التسعينات، إلى قوة إقليمية نووية كبرى. وتحولت العصابات من " الاستجداء " من الدول العظمى، في النصف الأول من هذا القرن، إلى " الاستخفاف " بهذه الدول، وبقراراتها في الربع الثالث من هذا القرن، إلى "الاستهزاء" بهذه القوى، بما فيها تلك، التي رعتها، وما زالت تدعمها مادياً، ومعنوياً، ودبلوماسياً إلى الوقت الحاضر. ومن لديه شك في ذلك، فما عليه إلاّ مراجعة سريعة لأحداث الشهر الأخير، من أوائل أبريل إلى أوائل مايو 1998. فقد ضربت بضغوط كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، عرض الحائط في محاولتهما إحياء عملية السلام مع الفلسطينيين والعرب. أي أن العرب والعالم أصبحوا في حالة " الاستجداء " للسلام مع إسرائيل.

رابعاً: من الأندلس إلى فلسطين إلى الخليج

كان الاستخدام العربي الأول لتعبير "النكبة"، في وصف ضياع الأندلس، بعد ما يقرب من ثمانية قرون (711 ـ 1492) على قيام دولة الإسلام. وأصبحت النكبة تعني مصيبة جارفة، مصدرها قوة خارجية. بينما ظل مصطلح "الفتنة" يعني مصيبة جارفة كذلك، ولكن على المستوى الداخلي، مثل: الانقسام والتشرذم، وقد رسَّخ "طه حسين" مصطلح "الفتنة" في تناوله "للفتنة الكبرى" في القرن الهجري الأول، حينما استعر الخلاف في ولاية الخليفة الراشد عثمان بن عفان، ثم تحول إلى صراع مسلح بين الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ومنافسيه على السلطة في الإمبراطورية الإسلامية الوليدة.

وقد مثلت كل من الأندلس، وفلسطين، والخليج، مصائب جارفة على العرب والمسلمين؛ وكل منها لها مصدر مزدوج، داخلي وخارجي. أي أن كلاً منها انطوى على " فتنة "، بالمعنى الذي استخدمه طه حسين، ونكبة بالمعنى، الذي استخدمه قسطنطين زريق. ففي الأندلس كان الانقسام، ثم التشرذم الداخلي، بين ملوك الطوائف من العرب المسلمين، وقد بدأ الانقسام بسيطاً بين القبائل العربية المضرية اليمنية، الذين استوطنوا الأندلس في القرن الثامن؛ لكنه استفحل تدريجياً، وغذاه المتنافسون من بني أمية أنفسهم. ثم تعاظم، باعتناق كثير من البربر المسلمين، الذين وفدوا مع طارق بن زياد، فاتح الأندلس، لمذهب " الخوارج "، بينما كان حكام الأندلس الأمويون يعتنقون المذهب السني. وقد استفحلت بذور الخلافات هذه، إلى درجة متصاعدة، مع بداية الألفية الثانية؛ ثم وصلت إلى انقسام الأندلس إلى عدة إمارات عربية إسلامية مستقلة عن بعضها بعضاً، ومتنافسة، ثم متصارعة، مع بعضها، وكانت هذه هي عناصر "الفتنة" الداخلية. وكانت أخطر مظاهر هذه الفتنة استعانة بعض الأمراء، أو الملوك العرب "بالفرنج" من غير العرب المسلمين ضد الأخوة، وأبناء العمومة من الأمراء الأمويين أنفسهم. وقد شجع ذلك، بالطبع، بعض حكام الفرنجة المجاورين على التفكير والتدبير، وتنفيذ الخطط للغارة على الممالك العربية في الأندلس، حتى سقطت "غرناطة" آخر هذه الممالك العربية، في يناير عام 1492. أي أن " الفتنة "، تلتها نكبة. وهذا ما حدث في فلسطين، التي تشرذم أهلها، والعرب من حولها، أي حدثت "الفتنة"، وهو الأمر الذي سهل وقوع "النكبة". وحدث الشيء نفسه فيما يتعلق بالخليج، فقد انقسم العرب أولاً في شأن الحرب العراقية ـ الإيرانية (1981 ـ 1988)، التي شنها صدام حسين، ثم انقسموا وتشرذموا مرة أخرى، بعد غزو صدام حسين للكويت (1990)؛ أي حدثت " الفتنة " أولاً، ثم جاء بعد ذلك، الاستعانة بالقوات الشقيقة والصديقة، والاضطرار إلى إخراج المعتدي، عنوة، من الكويت، فكانت النكبة والخسائر ثانياً. هذه الأخيرة في نظر قسطنطنين زريق، لا تقل عن نكبات العرب الكبرى، لأن استنزاف موارد الأمة العربية، هو الذي يجعل من إسرائيل قوة طاغية كبرى تستأثر وتستحوذ، وتأمر وتتحكم، ليس فقط في فلسطين، وما تبقى منها، ولكن، كذلك، في الوطن العربي والشرق الأوسط بأسرهما.

خامساً: الجد والهزل في إدارة الصراع

يقال إنه بينما كان موكب محمد أبو عبدالله، آخر سلاطين غرناطة خارجاً من المدينة، بعد أن سلمها لفردناند وايزابيل، ملكي كاستيل المنتصرين، لاحت منه نظرة أخيرة على عاصمة ملكه من ربوة صخرية عالية، وانسابت الدموع في عينيه؛ فنهرته أمه قائلة " يحق لك أن تبكي كالنساء، ملكاً لم تدافع عنه كالرجال ". ولا تزال هذه الربوة الصخرية الشاهقة التي أطل السلطان، من قمتها على مملكته الضائعة، قائمة إلى يومنا هذا، ويُطلق عليها الأسبان (التمو سيرو دل مورو)؛ وترجمتها "زفرة العربي الأخيرة"[1].

سادساً: ميزان القوى المتحاربة عشية معركة 1948

1. الجانب الصهيوني ـ الإسرائيلي

أ. 600.000 مستوطن يهودي حشدوا 67.000 مقاتل أي بنسبة 11 في المائة من السكان، لديهم 67.500 بندقية حديثة، و21.300 رشاش و675 مدفعاً مضاداً للطائرات، و250 مدفع ميدان، 24 مليون رصاصة؛ و25 طائرة " مسر شميت " بعتادها وذخيرتها لعشرة طلعات. وكان ثلث القوات الصهيونية (20.000 مقاتل) قد تدرب مع الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، وخاض معارك قتالية بالفعل، وخاصة في إيطاليا.

ب. كانت القيادة موحدة، ولها هدف إستراتيجي واضح، هو الدفاع عن الأرض التي حددها قرار التقسيم للدولة اليهودية، والاستيلاء على أية أراض أخرى للدفاع الوقائي عن الدولة اليهودية.

2. الجانب العربي

أ. 50 مليون عربي من سبع دول (مصر، والعراق، وسورية، والأردن، ولبنان، والسعودية، واليمن)، حشدوا 21.000 مقاتل، أي بنسبة أقل من نصف في المائة من السكان، وأقل من ثلث القوة الصهيونية التي كانوا يواجهونها.

ب. كانت القوات المصرية (لواءين) والعراقية (لواءين) مجهزة تجهيزاً متوسطاً، من حيث عدد البنادق والذخائر، ولديهما معاً نحو أربعين طائرة مروحية قديمة. أمّا القوات العربية الأخرى فقد كان تجهيزها بدائياً، وبعضها مثل القوات السورية، لم يكن لديه ذخيرة تكفي لأكثر من أسبوع.

ج. كانت هناك خمس قيادات عربية مختلفة (حيث انضمت القوة السعودية إلى القوات المصرية، وانضمت القوة اليمنية إلى القوات العراقية) لها هدف إستراتيجي واحد معلن، وهو منع ولادة الدولة اليهودية، وأهداف قطرية أخرى غير معلنة، منها اقتطاع أجزاء من فلسطين وضمها إلى دول عربية مجاورة!

وهكذا أُرسيت قواعد إدارة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، منذ عام 1948: كثرة عددية عربية هائلة. وحشد عسكري هزيل (أقل من نصف في المائة) وتسليح متخلف، وانعدام، أو محدودية الخبرات القتالية. وانقسام إستراتيجي، وتشرذم في القيادات، مقابل أقلية عددية إسرائيلية، وحشد عسكري إسرائيلي هائل (11% من السكان)، وتسليح متقدم، وخبرات قتالية عالية، وهدف إستراتيجي موحد وقيادة موحدة.

لذلك كانت نتيجة المواجهات العسكرية العربية ـ الإسرائيلية دائماً محتومة، ومعروفة للمراقبين العسكريين المحايدين. وكان الاستثناء الوحيد في أربع موجهات عربية ـ إسرائيلية عسكرية نظامية (1948، و1956، و1967، و1973) هو حرب أكتوبر 1973. فقد كان الحشد والاستعداد والتدريب والهدف والقيادة على مستوى الجانب الإسرائيلي نفسه. لذلك كان أداء الجانب العربي فيها رفيع المستوى. فيما عدا ذلك، فقد أدار العرب صراعهم مع الصهيونية، على امتداد قرن من الزمان، ومع إسرائيل، على امتداد نصف قرن، بهزل يشبه الجد، لقد أداروه مثلما أدار ملوك الطوائف في الأندلس صراعهم مع الفرنجة، فجاءت نكبة الأندلس. وقالت أم آخر ملوك الطوائف لولدها، وهو يزفر زفرته الأخيرة على غرناطة "يحق لك أن تبكي كالنساء، مُلكاً لم تدافع عنه كالرجال"، فهل للعرب في النصف قرن القادم أن يديروا صراعهم مع إسرائيل بالجدية نفسها، التي أداروه بها في لحظة أكتوبر 1973، أو بالجدية نفسها، التي أدار بها " أطفال الحجارة " انتفاضتهم (1987 ـ 1990)، أو بالجدية نفسها التي يدير بها " حزب الله " مقاومته الباسلة للاحتلال الإسرائيلي، في جنوب لبنان، طوال السنوات العشر الأخيرة[2].

سابعاً: العرب من الغفلة إلى الإذعان

·   بين غفلة العرب، وإدراكهم، لبداية المشروع الصهيوني كان قد مر عشرون عاماً (1897 ـ 1917).

·   وبين إدراك العرب لجدية المشروع الصهيوني، ومحاولة احتوائه، كان قد مر ثلاثون عاماً (1917 ـ 1947).

·   وبين هزيمة العرب الأولى، وهزيمتهم الساحقة، كان قد مر عشرون عاماً (1948 ـ 1967).
أي أنه إلى عام 1967 كان العرب والمسلمون إمّا غافلين، أو متغافلين، عما يقوم به الصهاينة على أرض فلسطين العربية وبشعبها. كان اليهود في نظر العرب، خلال تلك الفترة " عصابات " أو " شذاذ الآفاق " وكان الكيان الذي خلقوه باعتراف دولي، وهزم جيوش سبع دول عربية، هو " إسرائيل المزعومة "!

·   ولكن مع الهزيمة العربية الساحقة. واحتلال أراضي الدول العربية المحيطة بإسرائيل، ونقل التليفزيونات العالمية لذلك، لم يعد أمام الزعماء العرب، بد من وقف " إنكار الواقع " (Reality Denial)، والاعتراف المر بالحقيقة، والانخراط في طريق التسوية، وقد مر هذا التحول الرسمي والشعبي الجماعي بثلاث مراحل:

1. المرحلة الأولى: 1967 ـ 1973

وهي مرحلة "الرفض" للهزيمة. وللتفاوض مع إسرائيل، وللاعتراف بها، وقد كان عليها ما يشابه الإجماع، وعرفت "بلاءات" قمة الخرطوم. ولكن مع هذا الرفض العلني والفعلي، كانت خلفيات المسرح الرسمي العربي، في بعض البلدان، إن لم يكن كلها، تتداول في شروط التعامل مع العدو الإسرائيلي، الذي وقر في الذهن الجماعي، انه "خُلق ليبقى" ولكن حتى أنظمة تلك البلدان، كانت من الضعف المعنوي والسياسي الداخلي، بحيث لم تقدم على أي خطوة سياسية جريئة، وبات الرفض هو أسلم المناهج بالنسبة لها.

2. المرحلة الثانية: 1974 ـ 1990

وهي مرحلة "الواقعية النصفية" ويرمز لها باستعداد مصر للتفاوض المباشر، مع العدو الإسرائيلي، وعلناً، بدءاً بمحادثات "الخيمة 101" (1973) على طريق القاهرة ـ الإسماعيلية، ومحادثات جنيف (1974)، وانتهاء بزيارة السادات إلى القدس (1977)، وكامب دافيد (1978)، ومعاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية (1979). وما كان لهذه الواقعية المصرية أن تظهر بهذا الشكل العلني إلاّ بعد حرب أكتوبر، التي اعتبرتها مصر رداً للاعتبار الوطني المصري والقومي العربي، أي أنها اعتبرت الأداء العربي في تلك الحرب بمثابة التئام للجراح، وردم للهوة السحيقة، التي فصلت بين المنتصر الإسرائيلي في حرب يونيه، والمنتصر العربي في حرب أكتوبر، أو هكذا صُور الأمر للرأي العام المصري. وعلى الرغم من معارضة عدد كبير من المثقفين والقوى السياسية المصرية والعربية، وعلى الرغم من العقاب الرسمي العربي بتعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية، إلاّ أنه يبدو من استقصاءات الرأي العام المحدودة والمستقلة في مصر، أن الأغلبية كانت تؤيد السادات، في نهجه الواقعي، في التعامل مع إسرائيل.

3. المرحلة الثالثة: 1991 ـ 1997

الواقعية العربية، وهي المرحلة التي أعقبت تطورين عربيين كبيرين، وتطوراً عالمياً فاصلاً، فعلى الساحة العربية حدثت الانتفاضة الفلسطينية (1987) واستمرت بأكثر مما توقع الإسرائيليون والعرب والعالم. وكان تأثيرها الإيجابي واضحاً في كسر حاجز الخوف، والخسارة الإعلامية والمعنوية لإسرائيل، في الغرب والعالم. وبهذا المعنى كانت الانتفاضة، بالنسبة للشعب الفلسطيني، مثل حرب أكتوبر، بالنسبة للشعب المصري، أي أنها ردت الاعتبار للمهزوم، أو المهضوم، في مقابل غطرسة القوة الإسرائيلية، ومن ثم أصبح هناك استعداد فلسطيني ـ إسرائيلي للاعتراف المتبادل، والتفاوض حول شروط التعايش على أرض فلسطين، وهو ما كان يرفضه الفلسطينيون إلى عام 1967، وما كان يرفضه الإسرائيليون إلى عام 1990، ثم جاءت أزمة الخليج، بعد الغزو العراقي للكويت، كتطور آخر على الساحة الإقليمية، أضعف العرب كثيراً، عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً، ومزقهم نفسياً، وجعل بعض البلدان العربية، ليست فقط مستعدة، بل وراغبة، كذلك، في التفاوض المباشر مع إسرائيل للوصول إلى تسوية سلمية للصراع العربي ـ الإسرائيلي.

وباختصار أصبح العرب في المرحلة الثالثة (الحالية) واقعيين تماماً، ومستعدين للتفاوض مع إسرائيل والاعتراف بها، والخلاف بينهم هو فقط حول الشروط!

لقد عرف الفلسطينيون والعرب " الإسرائيلي القبيح "، منذ اليوم الأول للمشروع الصهيوني، الذي يتزامن ذكراه المئوية مع احتدام الصراع في فلسطين هذه الأيام. لقد عرفوا نماذج للإسرائيلي القبيح في العقدين الأخيرين، في أشخاص مثل مناجم بيجين، وإريل شارون، ومائير كاهانا، وشيمون شامير، ولكن الأكثر قبحاً، من هذه الشخصيات على الإطلاق، كان بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق (1998). وهو الأشد قبحاً، لأنه الأشد " استذكاءاً "، والأشد ادعاءا، والأشد "استظرافاً"!

يشترك الإسرائيلي القبيح، مع " الأمريكي القبيح "، في تدني مستوى الحساسية لآلام البشر ومبادئ العدالة. ويشترك معه، في احترام القوة والتخايل بها، وفي الاعتقاد بأن هذه " القوة " مساوية " للحق". والتعبير الإنجليزي الأمريكي عن هذه المقولة هو MIGHT MAKES RIGHT. ويشترك الأمريكي القبيح، مع الإسرائيلي القبيح، في عنصريتهما الشديدة، سواء كانت معلنة أو مستترة، نحو "غير الأمريكي" أو "غير الإسرائيلي"، أو بتعبير أدق "غير اليهودي".

غير أن الإسرائيلي القبيح، من أمثال بيجين، وشارون، وشامير، عادة ما تنقصهم خفة الظل، والقدرة على التواصل مع الرأي العام العالمي عموماً، والغربي خصوصاً، فعنصريتهم وتعصبهم، ليهوديتهم، يأتيان عادة بصورة صارخة، وأكثر كثيراً مما يمكن أن يتستر عليه الرأي العام الغربي، أي أنه حتى لو كانت هناك قواسم عنصرية مشتركة بين الأمريكي القبيح والإسرائيلي القبيح، فإن الأول " يتستر " عليها، ويحاول الادعاء بغيرها، أكثر مما يفعله الثاني، أي أن الأمريكي القبيح مثلاً يجيد فن العلاقات العامة، والدعاية والتمويه، أفضل من زميله الإسرائيلي القبيح.

ولكن بنيامين نتانياهو جمع بين صفات الأمريكي القبيح والإسرائيلي القبيح. فهو على الرغم من "يهوديته" و"إسرائيلية" و"وصهيونيته"، إلاّ أنه نشأ وتربى في الولايات المتحدة الأمريكية، وقضي ثلثي عمره هناك، بما في ذلك فترة الدراسة الثانوية والجامعية، كما عمل في وفد إسرائيل في الأمم المتحدة، عدة سنوات بعد ذلك. أي أنه اكتسب من هذه الخبرة الأمريكية الطويلة كل ما يؤهله لأن يكون "سياسياً أمريكياً" بارعاً، ولكنه، في الوقت نفسه، انضم إلى صفوف حزب الليكود الإسرائيلي الصهيوني المتشدد، وخدم في حكومات الليكود المتعاقبة منذ أواخر السبعينيات. وأهم من ذلك أنه اشتغل مساعداً، ثم متحدثاً باسم شيمون شامبر، وزير الخارجية، ثم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، وشيمون شامبر، هو أحد نماذج القبح في الحياة السياسية العامة في إسرائيل، هذا معناه أن بنيامين نتانياهو قد تشرب أقوى ما تنطوي عليه الثقافة الأمريكية، من فنون العلاقات العامة والدعاية والتمويه، وتشرب من الثقافة الإسرائيلية الصهيونية اليهودية أشد ما تنطوي عليه من شوفينية وعنصرية واستعلاء.

ثامناً: نظرة اليمين الإسرائيلي القبيح للعرب

منذ بداية الحركة الصهيونية، وعلى امتداد مائة عام، كانت تضم أجنحة مختلفة، وتتفاوت في عداوتهـا نحـو العرب عموماً، والفلسطينيين خصوصاً، فهناك جناح عمالي اشتراكي ليبرالي كان وما يزال أقل عداوة للعرب، ويرغب في التعايش معهم والاعتراف ببعض، وليس كل، حقوقهم في فلسطين. في مقابل ذلك، كان هناك، وما يزال جناح يميني متشدد ومتعصب، ينكر وجود الفلسطينيين، وبالتالي لا يعترف لهم بأي حقوق، وإذا جوبه هذا الجناح بحقيقة وجود "فلسطينيين"، فإنه ينكر عليهم كونهم "شعباً" أو "أمة" ويعتقد أن الطريقة المثلى للتعامل معهم، هي طريقة التعامل مع الأفاعي والثعابين والعقارب والحشرات السامة الأخرى، التي كانوا يصادفونها في أرض فلسطين، عند أوائل القرن. وتعني هذه الطريقة في التعامل " الإبادة " الفردية، أو الجماعية، أو الثقافية.

لقد كان أول وأبرز رموز هذا الجناح فلاديمي جابوتنسكي، الذي تتلمذ في مدرسته كل من مناجم بيجين، وشيمون شامير، وهؤلاء هم الذين قادوا عصابات الإرهاب الصهيونية، التي ارتكبت حوادث الاغتيال ضد الشخصيات العربية التي حاولت أن تحد حلولاً وسط، مثل اللورد موين البريطاني في القاهرة، ومثل مبعوث الأمم المتحدة الكونت برنادوت (السويدي). كما نسفت فندق الملك داود في القدس، والذي كان مقراً للقيادة البريطانية في الأربعينيات، حينما أحست بأن بريطانيا تفكر، مجرد التفكير، في أخذ مواقف أكثر حيادية بين العرب واليهود، بعد طول تحيز لليهود. هذه هي عصابات "الأرجون" نفسها، التي ارتكبت المذابح ضد الفلسطينيين، في دير ياسين، وكفر قاسم، وقبية، لترويعهم، حتى يتركوا قراهم ومدنهم في فلسطين، وذلك هو الجناح نفسه، الذي تتلمذ عليه بنيامين نتانياهو مع فارق مهم، أنه بينما أتي جابوتنسكي، وبيجين، وشامير، من بولندا، وأوروبا الشرقية، في الثلاثينيات والأربعينيات، ومن تجربة "الجيتو" الممعنة في ضيق أفقها، أتى نتانياهو من خلفية غربية أمريكية، تعتنق الأفكار والمعتقدات نفسها، ولكنها على استعداد لاستخدام أساليب مقبولة أكثر لدى الرأي العام الأمريكي.

من ذلك أن الرجل كان يستعين بخبراء العلاقات العامة الأمريكيين، ويظهر بملابس وتسريحة شعر تتوافق مع المذاق الأمريكي، ويستخدم من الألفاظ والعبارات الشائعة والمقبولة، في المجتمع الأمريكي الشيء الكثير، والتي يشعر معها المستمع، أو المشاهد الأمريكي، أنه يتعامل مع أمريكي مثله، من بوسطن، أو فيلادلفيا، ومن ثم كان الاستقبال الحافل لخطابه في الكونجرس الأمريكي، بعد انتخابه رئيساً للوزراء، بأسابيع قليلة. لقد استخدم نتانياهو في خطابه في الكونجرس كل الشعارات والكلمات الطنانه (BUZZ WORDS) التي يطرب لها الأمريكيون، من قبيل "أن إسرائيل هي الديموقراطية الوحيدة في المنطقة"، وأنها ترغب في " السلام مع الأمان " وأنها " تنوي الاستغناء عن المساعدات المالية الأمريكية "، وأنها لن تطلب أبداً أن يموت الشباب الأمريكي من أجل الدفاع عنها، كل ما في الأمر أنهم يطلبون الدعم التسليحي والدبلوماسي من الصديق الإستراتيجي الأمريكي.

ويوحي اليمين الإسرائيلي المتشدد للساسة الأمريكيين أنهم (أي اليمين الإسرائيلي):

ـ يعرفون الفلسطينيين والعرب جيداً، ويعرفون أكثر من غيرهم كيف يتعاملون معهم، فقط دعوهم وشأنهم.

ـ إن القاعدة العامة هي انقسام الدول العربية، وأن الاستثناء هو توحدهم على رأي واحد، وحتى عندئذ، فهم قلما ينفذون ما ينطوي عليه هذا الرأي من قرارات عملية.

ـ إن العرب حتى إذا ثاروا وغضبوا، فإن ذلك يكون " لحظياً "، سرعان ما ينسون سبب الثورة أو الغضب، في غضون أيام أو أسابيع، فالعرب، في النهاية، " أغبياء ".

ـ إن العرب في النهاية لا يفهمون إلاّ لغة " القوة "، وإن المشكلة، في الماضي، أن هذه " القوة " أو اليد الغليظة لم تستخدم مع العرب بما فيه الكفاية، وإن اليمين الإسرائيلي كفيل باستخدام هذه القوة بالشكل المناسب، وأن العرب في النهاية " جبناء ".

ـ إن المهم هو ألاّ يتسبب العرب أو يتصورون أنهم يمكن أن يحدثوا " فجوة "، أو " وقيعة "، أو " تباعداً " بين أمريكا وإسرائيل، فقط عندئذ فإن العرب سيذعنون ويستكينون، فهم في النهاية، " متخلفون " و" جبناء ".

هذه النظرة، أو العقيدة النمطية، التي يحملها اليمين الإسرائيلي المتشدد حيال العرب هي التي جعلت شخصاً مثل نتانياهو لا يصدق أن ثورة الغضب العربي في فلسطين، وخارجها، يمكن أن تستمر، وذكر للخاصة في مجالسه، أو مقابلاته في الولايات المتحدة الأمريكية، إنه بعد غضب العرب بسبب فتح " نفق البراق " في سبتمبر 1996، قرب المسجد الأقصى، أذعنوا واستكانوا للأمر الواقع، وهو يعتقد أن الشيء نفسه، سيحدث فيما يتعلق ببناء المستوطنة الجديدة على جبل أبو غنيم، والطريف أن الاسم العربي لهذه المستعمرة هو "راح حوماه" أي "الحائط الواقي" أو "السوار العازل"، وربما القصد هو الوقاية أو العزل ضد "البرابرة المتخلفين أو المتوشحين العرب"!

إن نصف الشعب الإسرائيلي يؤمن بالتعايش مع الفلسطينيين والعرب، ويريد سلاماً معقولاً معهم. ويشعر نصف المجتمع الإسرائيلي بأن البقية الباقية من قيمة " الليبرالية " بات مهدداً بسبب غطرسة اليمين المتشدد، ومعه الأحزاب الدينية المتعصبة، التي أصبح لها نفوذ يفوق حجمها العددي، بسبب اضطرار نتانياهو للتآلف معها في الوزارة، حيث لا يملك حزبه "الليكود" أغلبية، ولا حتى أكثرية في الكنيست، وإذا كانت حكومة هذا اليمين الليكودي المتشدد، ومعه الأحزاب الدينية المتعصبة، قد سقطت فلابد أن يكون ذلك بفعل الضغط الإسرائيلي الداخلي أساساً، فإسرائيل تتبع نظاماً برلمانياً ديموقراطياً، وتنشئ فيه الحكومات، أو تسقطها بواسطة أغلبيات في الكنيست (برلمان إسرائيل). ومن ثم لابد للفلسطينيين والعرب، وكل قوى السلام العالمية، أن تضغط من أجل أن تشتد وتضغط قوى السلام الإسرائيلية بدورها، وتسقط أي حكومة عنصرية. ولابد من استمرار "الانتفاضة"، و"المقاومة"، و"المقاطعة". لا ينبغي للفلسطينيين والعرب أن يرفضوا "التفاوض" أبداً. وفي الوقت نفسه لا ينبغي أن يوقفوا الانتفاضة الشعبية في الأراضي المحتلة. أو المقاومة في جنوب لبنان. أو المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، فكل الأسلحة، ما عدا الحرب النظامية، ينبغي أن تُشهر.

إن لحظات الجدية العربية، في إدارة الصراع مع إسرائيل، ارتبطت دائماً بالمشاركة الشعبية الكثيفة، فثورة القسَّام كانت عملاً شعبياً خالصاً، والمقاومة اللبنانية عمل شعبي خالص. والانتفاضة الفلسطينية عمل شعبي خالص، حتى لحظات الجدية القصيرة التي قادت فيها الحكومات العربية هذا الصراع مع إسرائيل، كان النجاح حليفها فيه، مثلما كان في حرب أكتوبر، بسبب المشاركة الشعبية الكثيفة، والالتفاف الجماهيري العربي حول المعركة. ولعل في ذلك كله عبرة في إدارة الصراع مستقبلاً، سواء حرباً أو سلماً. إن الشعب هو مستودع العبقرية الحقيقية في إدارة السلام، والمقاومة والحرب. من هنا الإلحاح على الانتفاضة الفلسطينية، وعلى المقاومة اللبنانية، فليتفاوض من الحكومات من يريد التفاوض، وليتحاور من المثقفين من يريد التحاور، ولكن، في كل الأحوال، لابد من تشجيع ودعم المقاومة مع المفاوضة، والانتفاضة مع الحوار، والمقاطعة الاقتصادية مع حديث السلام. لابد أن يشعر اليمين المتشدد، أن العرب جادون في إدارة الصراع هذه المرة، وفي المستقبل، وأنهم قد تعلموا حقاً أن يستخدموا كل الأسلحة المتاحة حرباً وسلماً.

إن المرجعيات الحقوقية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، والتي يتمسك بها العرب، تبدأ بقرار "التقسيم" الرقم (181) عام 1947؛ وقرار "الانسحاب" من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967 الرقم (242)؛ وقرار "الانسحاب والاعتراف بالفلسطينيين مقابل السلام والاعتراف بإسرائيل" (338)، وقرار "الجلاء عن جنوب لبنان" الرقم (425) ولكن هذه المرجعيات والمبادئ بما فيها إعلان مدريد (1991)، واتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين (1993) لن تُطبق، إلاّ إذا صاحبتها مقاومة عربية، وبناء قوة ردع عربية.

ودروس لحظات الجدية العربية في إدارة الصراع على قلتها وندرتها، هي الدروس الوحيدة المستفادة، إذا كان للعرب أن يديروا الصراع، إدارة أكثر كفاءة، فيما تبقي من سنوات القرن العشرين.

تاسعاً: توقعات مستقبلية: سيناريو العملية السياسية السلمية

من المتوقع أن يستمر سيناريو العملية السلمية، على الرغم من الهبوط والصعود، الواضحين في المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، والسورية ـ الإسرائيلية.

وليست دول المنطقة، بما فيها إسرائيل، في وضع يجعلها ترحب بالحرب، فإسرائيل من القوة عسكرياً واقتصادياً، بحيث تستطيع إملاء معظم شروطها بلا حرب، فهي تدرك جيداً أن ما لديها من مهاجرين سوفييت واستيعابهم، هو التحدي الأكبر طوال العقد القادم، ثم إن حرباً جديدة من شأنها تقويض فرص النمو الاقتصادي، الذي يسير بشكل غير مسبوق في التسعينيات، حيث تضاعف الدخل القومي والفردي بالفعل، في أقل من سبع سنوات، ومجرد مجيء رئيس وزراء متشدد، يهدد (مجرد تهديد) بالقوة قد أدى بالفعل، خلال عامي 1996، 1997 إلى تباطؤ هذا النمو الاقتصادي وانكماش الاستثمارات الأجنبية. إن إسرائيل تريد " استقراراً " أعمق، و" سوقاً " أكبر، و" قبولاً " أوسع، والحرب بالنسبة لها تعني تقويضاً لهذه المطالب الثلاثة، كما أنها لا تريد مزيداً من أراضي الغير حالياً، بل إن ما لديها من أراضي الغير، هو الذي يتم التفاوض للجلاء عنه.

والدول العربية من الضعف العسكري والاقتصادي، بحيث يعد خيار الحرب بالنسبة لها يمثل مزيداً من الخسائر والدمار، ومزيداً من الأخطار على الأنظمة الحاكمة. ومن ثم فليس لديها إلاّ التفاوض، وحشد مصادر جديدة للقوة، للمساومة بها مع إسرائيل.

هذا، عن الدول أو الحكومات. ولكن يظل على المسرح وفي الأفق، قوى أخرى غير الحكومات. وهي التنظيمات السياسية المسلحة، أو التي يمكن تسليحها، والتي يمكن أن تفجر الأوضاع في المنطقة وتجر الدول إلى حرب لا تريدها. ومن تلك التنظيمات: " حزب الله " في لبنان، و" حماس " في فلسطين. وهذه تبقى علامات استفهام كبيرة. والمد، أو الانحسار، في شعبيتها وقوتها يتوقف على ما تحرزه الحكومات من تقدم في العملية السلمية. وتظل هذه التنظيمات تمثل قوة ضغط متوسطة على كل صناع القرار في الجانبين.

ولا يُتوقع إحراز كثير من التقدم في العملية السلمية، في ظل وجود حكومة يمينية متشددة في إسرائيل، ولكن السيناريو الأكثر تفاؤلاً، مع سقوط حكومة نتانياهو، وعودة حزب العمل بقيادته الجديدة (أيهودا باراك)، والذي أقر بمبدأ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وقيام دولته المستقبلية. ومن ثم، فهو الأقدر على المضي بالعملية السلمية إلى الأمام. كل هذا التوقع، أو سيناريو التشاؤم وسيناريو التفاؤل هو للأجل القصير، أي للسنوات العشر التالية. أمّا بعد ذلك، فإن احتمالات إدارة الصراع مع إسرائيل ستكون أفضل، لسببين رئيسيين.

أولهما: استكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادي، وظهور فئات وطبقات جديدة.

وثانيهما: استكمال مسيرة الإصلاح السياسي، ودخول الفئات والطبقات الجديدة ساحة العمل العام.

إن الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي معاً، سيعنيان قوة عربية اجتماعية، اقتصادية، ثقافية كبرى، تدير العلاقات مع إسرائيل وغيرها إدارة رشيدة، سواء حرباً أو سلماً. وهنا، أي مع عام 2010، ستتوقف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً عن الاستهانة والاستخفاف بالعرب

 

[1] يقول سعد الدين إبراهيم: تذكرت هذه الواقعة التاريخية وأنا في مسجد الصخرة في القدس الشريف، بعد صلاة العصر يوم الأحد 3 مايو 1998. فقد كانت إسرائيل قد فرغت على التو من الاحتفال بعيد ميلادها الخمسين، في أول مايو طبقاً للتقويم العبري، ويوشك العرب على إحياء ذكرى ` النكبة ` يوم 15 مايو، وهو تاريخ دخول ` الجيوش ` العربية إلى فلسطين لإنقاذها من الضياع. وتذكرت ما كنت قد سمعته طفلاً، في التاسعة، في تلك الأيام من مايو 1948، سواء من الراديو أو الأهل أو الأقارب أو مظاهرات المدارس في المنصورة. قيل لنا أن الجيوش العربية على وشك الذهاب إلى فلسطين فيما يشبه ` النزهة العسكرية`، لعدة أيام، أو لعدة أسابيع، على الأكثر، لتأديب العصابات الصهيونية، أو اقتلاعها تماماً ومنع ولادة الدولة اليهودية ` الحرام ` أو ` السفاح`، وأذكر من طفولتي كيف كان حماسنا وهتافنا يخرق عنان السماء في تلك الأيام من ربيع 1948.

[2] يقول سعدالدين إبراهيم، لقد دعوت الله في صلاتي في صخرة الأقصى، إلاّ تكون صخرة زفرة العربي الأخيرة في الأندلس. وليكن عهدنا وتواصلنا في الذكرى الخمسين لنكبة فلسطين، أن نكف عن الفتن، وأن نأخذ بأسباب القوة التي أوصى بها شيخ المؤرخين قسطنطين زريق، وأهمها العقلانية والعلم والديموقراطية، والوحدة العربية. إن ذلك وحده هو الذي يجنبنا النكبات المستجدة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:33 am

الملاحق

·    نص الوعد والعهد في أسفار العهد القديم للأنبياء إبراهيم وموسى ويوشع وداود

·    نص بيان نابليون بونابرت إلى يهود العالم



ملحق
نص الوعد والعهد في أسفار العهد القديم للأنبياء إبراهيم وموسى ويوشع وداود
الوعد/ العهد
الإصحاح
السفر
م
قال الرب لإبرام "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي آريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة. وأبارك مباركيك ولاعنك ألفن وتبارك فيك جميع قبائل الأرض . فخرج وذهب إلى كنعان.
12 (3:1) ص8-9
التكوين
1
قال الرب لإبرام بعد اعتزال لوط عنه "ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالا و جنوبا وشرقا وغربا. لان جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيتها ولنسلك إلى الأبد. واجعل نسلك كتراب الأرض حتى إذا استطاع أحد أن يعد تراب الأرض فنسلك أيضا يعد. قم وأمش في الأرض طولها وعرضها لأني لك أعطيها.
1 (17:14) ص9-10
التكوين
2
في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا قائلا "لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات .
15 (18) ص11
التكوين
3
أما أنا فهو ذا عهدي معك وتكون أبا لجمهور من الأمم. فلا يرعى اسمك بعد إبرام بل يكون اسمك إبراهيم لأني أجعلك أبا لجمهور من الأمم. وأتحرك كثيرا جدا وأجعلك أمما وملوك منك يخرجون . وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهد ا أبديا لأكون إلها لك ولنسلك من بعدك. وأعطى لك ولنسلك من بعدك ارض غربتك كل أرض كنعان ملكا أبديا وأكون إلههم. وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم.
17 (9:4) ص11-12
التكوين
4
 
أثناء تلقى موسى للوصايا العشر على جبل حوريب قال له الرب " إن ملاكي يسير أمامك ويجيء بك إلى الأموريين والحيثيين والفرزيين والكنعانيين والحويين واليبوسيين فأبيدهم. لا تسجد لألهتهم ولا تعبدها ولا تعمل كأعمالهم بل تبيدهم وتكسر أنصابهم. وتعبدون الرب إلهكم فيبارك خبزك وعاءك وأزيل المرض من بينكم. لا تكون مسقطة ولا عاقر في أرضك وأكمل عدد أيامك. أرسل هيبتي أمامك وأزعج جميع الشعوب الذين تأتى عليهم وأعطيك جميع أعدائك مدبرين. أرسل أمامك الزنابير فتطرد الحويين والكنعانيين والحيثيين من أمامك. لا تطردهم في سنة واحدة لئلا تصير الأرض خربة فتكثر عليك وحوش البرية. قليلا قليلا أطردهم من أمامك إلى أن تثمر وتملك الأرض. وأجعل تخومك من بحر سوف إلى بحر فلسطين ومن البرية إلى النهر فاني أدفع إلى أيديكم سكان الأرض فتطردهم من أمامك. لا تقطع معهم ولا آلهتهم عهدا. لا يسكنوا في أرضك لئلا يجعلوك تخطيء إلى إذا عبدت ألهتهم فانه يكون لك فخا ".
23 (33:23) ص63
الخروج
5
قال الرب لموسى "احفظ ما أنا موصيك اليوم. ها أنا طارد من قدامك الأموريين والكنعانيين والحيثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين. احترز من أن تقطع عهدا مع سكان الأرض التي آت إليها لئلا يصيروا فخا في وسطك بل تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم فانك لا تسجد لإله آخر لأن الرب اسمه غيور اله غيور هو. احترز من أن تقطع عهدا مع سكان الأرض فيزنون وراء آلهتهم ويذبحون لآلهتهم فتدعى وتأكل من ذبيحتهم وتأخذ من بناتهم لبنيك فتزني بناتهم وراء آلهتهن ويجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهن.
34 (16:11) ص73
الخروج
6
كلم الرب موسى في عربات موآب على أردن أريحا قائلا: كلم بني إسرائيل وقل لهم إنكم عابرون الأردن إلى أرض كنعان فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم وتمحون جميع تصاويرهم وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة وتخرجون جميع مرتفعاتهم. تملكون الأرض وتسكنون فيها لأني قد أعطيتكم الأرض لكي تملكوها. وتقسمون الأرض بالقرعة حسب عشائركم الكثير تكثرون له نصيبه والقليل تقللون له نصيبه حيث خرجت له القرعة فهناك يكون له. حسب أسباط أبائكم تقسمون. وأن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكا في أعينكم ومناخسي في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها فيكون أنى أفعل بكم كما هممت أن أفعل بهم.
3 (56:50) ص138
العدد
7
كلم الرب يوشع قائلا" موسي عبدي قد مات. فالآن قم وأعبر هذا الأردن أنت وكل الشعب إلي الأرض التي أنا معطيها لهم أي لبني إسرائيل كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيه كما كلمت موسي من البرية ولبنان إلي النهر الكبير نهر الفرات جميع أرض الحيثيين والي البحر الكبير نحو مغرب الشمس تكون تخومكم لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك كما كنت مع موسي أكون معك لا أهملك ولا أتركك. تشدد وتشجع لأنك أنت. تقسم لهذا الشعب الأرض التي حلفت لآبائهم أن أعطيهم. إنما كن متشددا وتشجع جدا تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أحرك بها موسي عبدي. لا تمل عنها يمينا ولا شمالا لكي تفلح حيثما تذهب. لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك بل تلهج فيه نهارا وليلا لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه لأنك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح. أنا أمرتك؟ تشدد وتشجع. لا ترهب ولا ترتعب لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب".
1 (2- 9) ص171
يوشع
8
" اذهب وقل لعبدي داود هكذا قال الرب: أأنت تبني لي بيتا لسكناي؟. لأني لم أسكن في بيت منذ يوم أصعدت بني إسرائيل من مصر إلي هذا اليوم بل كنت أسير في خيمة وفي مسكن. في كل ما سرت مع جميع بني إسرائيل هل تكلمت بكلمة إلي أحد قضاة إسرائيل الذين أمرتهم أن يرعوا شعبي إسرائيل قائلا: لماذا لم تبنوا لي بيتا من الأرز؟. والآن فهكذا تقول لعبدي داود. هكذا قال رب الجنود: أنا أخذتك من المربض من وراء الغنم لتكون رئيسا علي شعبي إسرائيل. وكنت معك حيثما توجهت وقرضت جميع أعدائك من أمامك وعملت لك اسما عظيما كاسم العظماء في الأرض. وعينت مكانا لشعبي إسرائيل وغرسته فسكن في مكانه ولا يضطرب بعد ولا يعود بنو الإثم يذللونه كما كان في الأول. ومنذ يوم أقمت فيه قضاة علي شعبي إسرائيل. وقد أرحتك من جميع أعدائك والرب بخبرك أن الرب يصنع لك بيتا. متى كملت أيامك واصطحبت مع أبائك أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته. هو يبني بيتا لاسمي وأنا أثبت كرسي مملكته إلي الأبد. أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنا. إن تعوج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني أدم. ولكن رحمتي لا تنزع منه كما نزعتها من شاؤل الذي أزلته أمامك. ويأمن بيتك ومملكتك إلي الأبد أمامك. كرسيك يكون ثابتا إلي الأبد.
7 (4: 16) ص249
صموئيل الثاني
9
 






نص بيان نابليون بونابرت إلى يهود العالم

إن العناية الإلهية التي أرسلتني على رأس هذا الجيش إلى هنا قد جعلت رائدي العدل وكلفتني بالظفر وجعلت من القدس مقري العام وهى التي ستجعله بعد قليل في دمشق التي يضيرها جوارها بلد داود.

يا ورثة فلسطين الشرعيين

إن الأمة العظيمة التي تتجر بالرجال كما فعل أولئك الذين باعوا أجدادكم للشعوب تناديكم الآن للعمل على إعادة احتلال وطنكم وحسب وليس بغية استرجاع ما فقد منكم بل لأجل ضمان ومؤازرة هذه الأمة لتحفظوها مصونة من جميع الطامعين بكم لكي تصبحوا أسياد بلادكم الحقيقيين.

انهضوا وبرهنوا على أن القوة الساحقة التي كانت لأولئك الذين اضطهدوكم لم تفعل شيئا في سبيل تثبيط همة أبناء هؤلاء الأبطال التي كانت محالفة إخوانهم بشرف في اسبارطة روما.




الصهيونية Tr
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:37 am

المصطلحات

1. الشريعة المكتوبة/ التوراة المكتوبة/ العهد القديم

مصطلح عبري يسمى (توراة شنحتاف)، ومعناه التوراة المكتوبة أو الشريعة المكتوبة، وهى إشارة إلى الشرائع التي تلقاها موسى u مكتوبة على الألواح، أي الأسفار الخمسة، بالإضافة إلى كتب الأنبياء والحكم والأمثال ولكنها ليست مصطلح عبري (شبعل به)، وهي عبارة عن مجموعة فتاوى وأحكام وأساطير وحكايات وخرافات وضعت لشرح وملزمة ويشار إليها بأنها كلمات من التراث.

2. الشريعة الشفوية/ التوراة الشفوية

تأويل أسفار العهد القديم وتناقلها الحاخامات شفهياً لقرون طويلة، ثم جُمعت ودونت في القرن الثاني الميلادي في التلمود.

3. الكتاب THE BOOK

يعنى العهد القديم أو التوراة، ويطلق عليه بالعبرية "تناخ"، وهو اسم يفضله اليهود وذلك لعدم اعترافهم بالعهد الجديد، كما يطلق عليه المسيحيون مصطلح "Testament Old" للإشارة إلى كتاب اليهود المقدس.

4. كتاب BOOK

يعنى سفر أو سيفر بالعبرية، حيث يقسم العهد القديم إلى أسفار، ويقسم السفر إلى إصحاحات، والإصحاح إلى فقرات، والفقرة إلى مقاطع.

5. مصطلح أو كلمة التوراة

وتعنى أو تمثل الجانب الإلهي عند اليهود.

6. مصطلح اليهودية

أ. ظهر هذا المصطلح أثناء العصر الهيلينى، للإشارة إلى ممارسات اليهود الدينية لتمييزها عن عبارات جيرانها وقد أطلق هذا المصطلح يوسيفوس فلانيوس ليشير إلى العقيدة التي يتبعها أولئك الذين يعيشون في مقاطعة يهودا، مقابل العقائد الأخرى مثل الهيلينية، أما الأصل العبري "يهودية" فيعود إلى العصور الوسطى.

ب. أصبحت كلمتا اليهودية والتوراة مترادفتين مع اختلافات دقيقة بينهما، فاليهودية تؤكد الجانب البشرى، بينما التوراة تؤكد الجانب الإلهي، فيمكن الحديث عن اليهودية العلمانية أو الحاخامية أو الهيلينية، ويصعب الحديث عن التوراة العلمانية، ولا يمكن الحديث عن التوراة الحاخامية.

ج. مصطلح اليهودية يستخدم للإشارة إلى الجوانب التاريخية المتغيرة وتفاعلها مع الحضارات الأخرى كما يطلق تشكلت بعد معالم اليهودية، ولم يكن العبرانيون فيها قد صاروا يهودا وكان يطلق عليها مرحلة عبادة يسرائيل، ثم على تلك المرحلة من تاريخ اليهودية التي تسبق تدوين العهد القديم حيث تتضمن تناقضا تاريخيا فلم تكن قد العبادة القربانية المركزية بعد تأسيس الهيكل.

د. تشير أدبيات جماعة الناطودى كارتا إلى يهودية التوراة بمعنى اليهودية الأصلية أو اليهودية الأرثوذكسية ولكنهم يفضلون اليهودية الأصلية لأنها نابعة منهم عن الأرثوذكسية التي لها النكهة المسيحية.

هـ. تتميز اليهودية كنسق ديني بعدم التجانس لظهورها في مرحل متقدمة من التاريخ ونظرا لاستيعابها كثيراً من العناصر الدينية من سائر الحضارات التي وجدت فيها مثل الحضارات المصرية والآشورية والبابلية والهيلينية والرومانية، وكذا تأثرت بالمسيحية والإسلام كما تأثر مؤلفو التلمود والقبالاة بالعقائد الشعبية والخرافية مما جعل اليهودية تشبه التركيب الجيولوجي الذي تشكل من تراكم عدة طبقات الواحدة فوق الأخرى وغير متجانسة.

و. تتسم اليهودية بأن تقاليدها الشفوية أصبحت أكثر من مجرد تقاليد بل أصبحت شريعة شفوية تعادل الشريعة المكتوبة بل تتفوق عليها وتجبها. أصبحت الطبقة الحلولية أهم الطبقات في التركيب الجيولوجي لها وانتهى الآمر بأن هيمنت العقيدة الحلولية على الرغم أن العقيدة اليهودية تتضمن نزعة توحيدية قوية إلا أن معدلات الحلولية أخذت تتصاعد داخلها حتى العقيدة اليهودية وأصبحت عقيدة التوحيد اسما والحلولية فعلا.

 ز. استولت الصهيونية على العقيدة اليهودية تماما وأوجدت تراد ما شبه كامل بين الصهيونية واليهودية رغم أن أقر الحاخام ملتون بولين بأنه لا توجد يهودية واحدة وإنما هناك يهوديتان هما اليهودية المحافظة والآباء الأوائل للصهيونية كانوا من الملاحدة.

7. الحاخام

كلمة عبرية معناها الرجل الحكيم أو العاقل وكان يطلق هذا المصطلح على جماعة المعلمين الفريسيين وتعنى بالعبرية رابي أي العظيم وفي كتابات المشناه أصبحت تعبا للحكماء والأكثر شيوعا هو استخدامها للإشارة إلى القائد الديني أو المعلم الذي يقوم بوظيفتين الأولى تفسير التوراة وتطوير الشريعة والثانية الأشراف على الصلوات بالمعبد وتقديم الشروح للتوراة وإصدار الفتاوى ومراقبة الأوامر والنواهي ولقد أصبح مركز الحاخامات في الغرب نتيجة لتحول الطوائف اليهودية إلى جماعات وظيفية خلال القرون الوسطى والحديثة.

8. الشريعة اليهودية

مصطلح يستخدم كعبارة للإشارة إلى الدين اليهودي ككل مع تأكيد جانب القوانين أو التشريع الخارجي.

9. العقائد اليهودية

مصطلح يستخدم كعبارة لتأكيد الجانب الإيماني الداخلي اليهودي.

10. الصهيونية

أ. هي جوهرية اليهودية وظاهر إنسانية وثقافية وتاريخية والدولة الإسرائيلية هي التعبير السياسي والإقليمي لها.

ب. وهى تعبير علماني شامل انتشر بين جماعة من مثقفي شرق أوروبا الذين اندمجوا إلى حد كبير في حضارات بلادهم واستوعبوا الحضارة الغربية الحديثة وأمنوا بمنطلقاتها أي أن هويتهم اليهودية كانت قد ضعفت ولكنها لم تختفي.

ج. حولت كثير من المفاهيم الدينية الروحية إلى مفاهيم فيزيقية بحيث تحولت العودة في نهاية الأيام إلى الاستيطان الصهيوني هذه الأيام ودون انتظار لعودة الماشيح.

 د. تقوم الصهيونية على ثوابت ثلاثة :

(1) أن اليهود هم شعب الله المختار.

(2) أن الله وعد اليهود وملكهم أرض الميعاد من النيل إلى الفرات.

(3) أن ظهور المسيح مرتبط بقيام صهيون وبتجميع اليهود فيها حتى يظهر المسيح فيهم (كما تقول الصهيونية المسيحية) أو حتى يظهر المسيح منهم (كما تقول المسيحية اليهودية)، وهذا يعني أن القانون الذي يطبق على اليهود هو قانون إلهي فقط.

هـ. جاءت الصهيونية تتبنى تحقيق التنبؤات وتنفيذ رؤيا الخلاص فهي قائمة في جذور الديانة اليهودية والديانة اليهودية قومية تجسدت في الحركة الصهيونية هذا ما عبر عنه بن جوريون عام 1967م عندما قال: "لقد آمنا طوال آلاف السنين بنبوءات أنبيائنا وبيننا أشخاص يؤمنون بمجيء المسيح الذي سيجمع يهود العالم أمواتا وأحياء في الأرض المقدسة وأن الصهيونية تستمد وجودها وحيويتها وقوتها من مصدر عميق عاطفي دائم وهو مستقل عن الزمن والمكان ـ وقديم قدم الشعب اليهودي ذاته هذا المصدر هو الوعد الإلهي والأمل بالعودة.

11. العلمانية

ظاهرة اجتماعية وحقيقة تاريخية ذات طابع طويل ومركب تعود نشأتها إلى عناصر اقتصادية وفكرية وحضارية عديدة ببنية المجتمع ذاته وهى شأنها شأن كل الظواهر الاجتماعية والتاريخية لا تظهر بسبب رغبة بعض الأفراد أو الجماعات في ظهورها إنما تتم أيضا خارج إرادة الأفراد ورغما عنهم أحيانا تجد جذورها في كتابات "نيقولا مكيافيللي"وفي كتابات الفلاسفة في القرن 16م عندما ظهرت نظريات أصل نشأة الدولة التي تنكر فكرة الحق الإلهي للملوك أو "الثيوقراطية" وبالتالي كانت تبرر السلطة برضاء الشعب ثم ظهرت فلسفة التي تقر بوجود الله وتنكر قدرته كما تنكر البعث واليوم الآخر وأخيرا صاغ "جورج هوليوك" فكرة العلمانية عام. 1846م بهدف التخلص نهائيا من سلطة الكنيسة على الدولة فالفكرة تقوم على الفصل بين الدين والسياسة والفصل بين الدين وكل من العلم والتعليم وعدم الرجوع إلى المصدر الديني عند صياغة القوانين وقد ظهر من نادى بتخليص الفرد والدولة من سلطان الدين ومن ممارساته كلية مثل "فيرباخ" و"كارل ماركس" و"لينين".

12. اللادينو

تحريف لكلمة لاتيفو وهى لهجة أسبانية وتسمى أحيانا اسبانيولى ويتحدث بها اليهود السفارد وخاصة يهود المارانو وهى تتكون من مفردات الأسبانية الوسطى وبضع كلمات من العبرية والتركية واليونانية والبرتغالية وكانت تكتب بالحروف العبرية والآن تكتب بالحروف اللاتينية وقد ظهرت هذه اللغة في القرون التي سبقت طرد اليهود من أسبانيا (1492م).

13. قانون أملاك الغائبين

يسمح بالاستيلاء على أراضي من طالت مدة غيابه عن خمس سنوات وبيعها للصندوق القومي اليهودي "قيرن قايمت" ثم تخصيصها للمستوطنين.

14. قانون الحاضر الغائب

يسمح بوضع يد السلطات الإسرائيلية على كل أملاك الفلسطينيين الذين يتركون منازلهم خوفا من الحرب ولو لمدة محددة.

15. قانون المناطق المغلقة لأسباب أمنية

يعطى قانون المناطق المغلقة لأسباب أمنية الحق لوزير الدفاع في الاستيلاء على أي أراضى ومصادرتها لأسباب أمنية.

16. الدروز

طائفة ظهرت في القرن العاشر الميلادي وسموا أنفسهم هذا الاسم عام 1020م نسبة إلى "محمد بن إسماعيل الدرزي" ويدعون أتباعهم "لجيثرو" "حمى موسى u" وهم يمارسون طقوسا باطنية لا يطلع عليها سوى من بلغ سن الأربعين منهم وكان شديد الرغبة في التدين فمعظمهم "جهال" والقليل "رجال ونساء" "غفال" ورغم اعترافهم ظاهريا بالرسل أصحاب الرسالات السماوية الثلاث فإنهم يمارسون طقوساً تدخلها المجوسية الزرادشتية (ديانة الفرس القديمة) ويوجد نصف مليون درزي في العالم منهم 150 ألفا في سورية ولبنان، و35000 في إسرائيل وهم يسكنون القرى المقامة فوق الجبال.

17. الصابرا

يطلق عليهم بالعبرية "تصابريم" وهي جمع وتعني ثمار التين الشوكي، وتستخدم الكلمة للدلالة على اليهود الذين ولدوا في فلسطين وتربوا في إسرائيل.









       

ثبت الأعلام

1. يوشع بن نون

هو من سبط بنيامين ولم يتحقق من نسبه إلى بني منسي أو بني أفرايم ولدى يوسف بن راحيل، وهو خادم موسى وتابعه وقد أخلفه الرب بعد موسى وأعطاه النبوة وقاد بني إسرائيل للاستيلاء على أرض شرق الأردن وتوزيعها على سبطي روأبين وجاد ونصف سبط منسي ثم العبور إلى الأردن ودخول ارض كنعان وتقسيم أرض كنعان على باقي الأسباط طبقا للمخطط وحين الاستيلاء عليها.

2. السيد هنري كامبل بنرمان

سياسي بريطاني تزعم حزب الأحرار في فترة عصيبة من تاريخ انجلترا، أصبح رئيسا للوزارة البريطانية من سنة 1905 إلى سنة 1908، اضطر للاستقالة من منصبه بسبب مرضه في ابريل 1908م ولم يلبث أن توفي في 22 ابريل من الشهر نفسه، أي بعد استقالته بسبعة عشرة يوما.

3. نيثان بيرنباوم (1864 – 1937م)

كاتب سياسي نمساوي يهودي ولد في فيينا لعائلة حسيدية اقتنع بمبادئ حركة الاستنارة فتخلى عن العقيدة اليهودية وتبنى الحلول الصهيونية واشترك في تأسيس منظمة شبابية هي منظمة قديما عام 1882م. بلور الفكرة الصهيونية قبل ظهور هيرتزل، ونشر كتابا عن المسألة اليهودية عام 1893م بعنوان "البعث القومي للشعب اليهودي في أرضه" كوسيلة لحل المسألة اليهودية.

4. ليوبنسكر (1821 – 1891م)

طبيب روسي يهودي استيطاني وزعيم جماعة أحباء صهيون ولو في روسيا وكان أبوه قديسا وعالما زوده بثقافة روسية علمانية وأفكار حركة الاستنارة اليهودية وأنهي دراسته الثانوية في مدرسة روسية ثم درس الحقوق وتخرج من جامعة موسكو طبيبا وألف كراسة الانعتاق الذاتي (تحذير يهودي روسي لأخوته).

5. بيرتزسمولنسكن

كاتب روسي وداعية صهيوني من مؤسسي منظمة قديما ولد في روسيا وتعلم في المدرسة التلمودية انتقل إلى فيينا واستقر بها وأصدر مجلة هاشاحار (الفجر) وطرح مقالاته "حان وقت الزرع " وفيها تصوره للقومية اليهودية وكتب قصة "انتقام الميثاق" نتيجة الاضطهاد الروسي لليهود.

6. الملك جشم العربي

هو جشم بن شهر رئيس قبيلة قيدار العربية في طور سيناء وسيطرة مملكته قيدار على الأرض التي تمتد من دلتا النيل إلى حدود إقليم يهوذا في جنوب فلسطين واتصف بالمعارض الأول لإعادة بناء وعودة اليهود إلى القدس.

7. موسي هس (1812 – 1875)

رائد القومية الصهيونية وهو يهودي صهيوني علماني نشأته دينية في مدينة بون بألمانيا درس التلمود بعناية ودرس العبرية علي يد جده الحاخام والتحق بجامعة بون وزامل فيها كارل ماركس و يعتبر من أصحاب الفكر الثوري.

8. حركة بيلو

هي الأحرف الأولى للكلمة العبرية "بت يعقوب ليخ ونيلحا" ومعناها "يا بيت يعقوب هلم فنسلك في نور الرب" (سفر أشعيا: الإصحاح 2)، واتخذت الحركة هذه الكلمات شعارا لها.

9. علياه

كلمة عبرية تعنى الصعود ويستخدمها الصهيونيون للتعبير عن العودة والهجرة إلى فلسطين[1].

10. يوسف ترومبلدور

يهودي روسي كان يعمل في الجيش الروسي وفقد أحد زراعيه أثناء اشتراكه في الحرب الروسية اليابانية وانتقل إلى لندن ضمن العناصر المنتقاة من كتيبة النقل البغالى بعد اشتراكها في حملة غاليبولى بالدردنيل الفاشلة.

11. الحسين

هو الشريف حسين شريف مكة المكرمة اختارته بريطانيا لمكانته الدينية وكلمته المسموعة عند العرب للثورة ضد الأتراك.

12. هنري مكماهون

المندوب السامي البريطاني في مصر.

13. مارك سايكس

المندوب الانجليزي في مفاوضات الاتفاقية السرية بين بريطانيا وفرنسا لتقسيم المناطق العربية شرق المتوسط.

14. فرانسوا بيكو

المندوب الفرنسي في ذات الاتفاقية.

15. جون سميسون

السير جون هوف سميسون الخبير المالي البريطاني الذي عينته الحكومة البريطانية في مايو 1930م رئيسا للجنة تقوم بالتحقيق في أسباب انتفاضة البراق ومسائل الهجرة اليهودية وتطوير البلاد تحت الانتداب.

16. باسفيلد

لورد باسفيلد وزير المستعمرات في الحكومة البريطانية والذي عين لجنة للتحقيق في أسباب الاضطرابات في فلسطين وأصدر الكتاب الأبيض وبه المقترحات التي تهدأ من ثورة العرب وامتصاص غضبهم.

17. ليحى

أطلق هدا الاسم على عصابة شترن نسبة إلى زعيمها أبراهام شترن وهى مشتقة من الأحرف الأولى للكلمات العبرية (لوحمى حيروت إسرائيل) أي (المحاربون لحرية إسرائيل).

18. موشى ديان (1915- 1980)

قائد عسكري وسياسي صهيوني وأديب ولد في فلسطين عام 1915 وكان والداه من رؤساء حركة العمل في فلسطين وقد انضم دايان منذ صباه إلى منظمة (الهاجاناه) وعمل ضمن القوة الضاربة الأولى المتحركة التي عملت بين 1936- 1939 وأثناء عملية نفذت في سورية عام 1941 نظمها الانجليز ضد القوات الفرنسية بقيادة "فيشي" جرح ديان، وفقد عينه اليسرى. وفي عام 1949 مثل الجيش الإسرائيلي في محادثات الهدنة في رودس وعين قائدا للقيادة الجنوبية والقيادة الشمالية ورئيسا لشعبة العمليات ورئيسا للأركان وفي 1956 قاد حملة السويس أبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وقد ذهب إلى فيتنام الجنوبية لدراسة أسلوب مقاومة الشعب الفيتنامي للجيش الأمريكي عين وزيرا للزراعة بعد تسريحه من الخدمة ثم عين وزيرا للدفاع 1966 حيث شارك بالأعداد وتنفيذ حرب 1967 وتعرض للنقد الشديد في دوره في حرب 1973 فلم يشترك في حكومة رابين عام 1974 وفي 1977 انضم إلى حكومة بيجين وعين وزيرا للخارجية ثم استقال عام 1979 ويمثل ديان الإخلاص اليهودي للمبادئ الصهيونية وقد أكسبه مولده في فلسطين الإخلاص والولاء للدولة اليهودية باعتبارها تمثل البلاد الوحيدة التي عرفها ولدايان كتابات أهمها: حملة سيناء.

19. ديفيد بن جوريون (1886- 1972)

زعيم صهيوني وسياسي إسرائيلي وعالم توراتي كان اسمه دافيد جرين ثم غيره إلى بن جوريون أي (ابن الشبل) ولد في بولندا ونشأ نشأة يهودية تقليدية انضم إلى جماعة عمال صهيون عام 1904 وكان من المعارضين لمشروع شرق أفريقيا وهاجر إلى فلسطين عام 1906 وكان من دعاة اللغة العبرية وإهمال (اليديشية)، وفي عام 1912 التحق بجامعة استنبول لدراسة القانون وبعد تخرجه عاد إلى فلسطين حيث بدأ حياته زراعيا وحارسا ليليا وحينما نفته السلطات التركية بسبب نشاطه الاستيطاني ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أسس جماعة (الرواد) وساهم في تكوين (الفيلق اليهودي) وعاد معه إلى فلسطين عام 1918 وساهم في (الهستدروت) أي (الاتحاد العام للعمال اليهود) كما ساهم في تأسيس (الماباي) أي (حزب العمال) كما انتخب عضوا في اللجنة التنفيذية ل(الوكالة اليهودية) عام (1937) وفي 1948 أشرف على تكوين رئاسة الحكومة المؤقتة قبل إعلان نهاية الانتداب وقام بنفسه بإعلان قيام (إسرائيل ) حيث ترأس أول وزارة إسرائيلية وكان ممن نصحوا بعدم الإشارة إلى حدود الدولة لأن الجيش الإسرائيلي وحده هو الذي سيعين الحدود كما أيد عدم إعلان الدستور حتى يمكن إرضاء العناصر الدينية وطالب بجعل (القدس) عاصمة الدولة الجديدة وقد تولى منصب رئاسة الوزارة عدة مرات كان آخرها عام 1963 قضى (بن جوريون) أيام حياته الأخيرة يكتب تاريخا لليهود في العصر الحديث ومن أهم مؤلفاته : (إسرائيل سنوات التحدي) و(بعث إسرائيل ومصيرها) و(إسرائيل تاريخ شخصي) و(بن جوريون ينظر إلى الوراء) و(وبن جوريون ينظر إلى العهد القديم.

20. الحاج أمين الحسيني (1896- 1975)

زعيم وطني فلسطيني عربي تخرج من الكلية الحربية باستنبول وانضم إلى الجيش الشريف يابان الحرب العالمية الأولى للنضال من أجل الاستقلال العربي شارك في ثورة القدس عام 1920 ضد الإنجليز وصدرت أحكام غيابية قاسية بحقه عاد إلى فلسطين عام 1921 على أثر تعيين هربرت صموئيل مندوبا بريطانيا ساميا بفلسطين وانتخب مفتيا لبيت المقدس عارض سياسي الوطن القومي اليهودي التي كانت أساس السياسة البريطانية بفلسطين إلا أنه لم يخل من عصبية عائلية ورغبة في الاستئثار السياسي ترأس المؤتمر الإسلامي في عام 1931 وأصبح في طليعة زعماء العرب إن لم يكن الزعيم العربي الأول في الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات ومن أهم الزعماء المسلمين في العالم حاولت السلطات البريطانية إلقاء القبض عليه عام 1937 بتهمة التحريض على الثورة ففر إلى لبنان ثم إلى العراق قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية حيث لعب دورا مهما في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 واضطر بعدها إلى الفرار إلى روما وبرلين أثناء الحرب العالمية الثانية اعتقل في نهاية الحرب العالمية الثانية من قبل جيوش الحلفاء وتمكن من الهرب إلى لبنان وترأس الهيئة العليا العربية أقام في لبنان وأصدر مجلة شهرية أسمها: "فلسطين".

21. فيصل الأول (1882- 1933)

يعد أول ملك عربي يحكم العراق بعد العثمانيين وكان الانجليز قد وعدوا العرب بأن يكون لهم الاستقلال التام في بلادهم بعد الحرب إذا وقفوا معهم وبعد انتهاء الحرب طالب المواطنون في سوريا بالاستقلال غير أن الفرنسيين ماطلوا وقاموا بعدة أعمال تؤخر الاستقلال منها إبعاد الأمير فيصل عن سوريا كان العراقيون أيضا يطالبون بالحرية وبالتخلص من سياسة الانتداب الانجليزي المفروض عليهم وقد وعدهم الانجليز بإنهاء ذلك فور اختيارهم لملك يحكم العراق وتم تكوين أول حكومة وطنية في العراق في 27 أكتوبر 1920 وبعد تكوينها بفترة وجيزة أصدرت قرارا بتتويج سمو الأمير فيصل ملكا على العراق.

22. هنري كيسنجر(1923-)

سياسي أمريكي ولد في ألمانيا من أسرة يهودية وعاش فيها حتى سنة 1938 عندما هاجرت أسرته إلى نيويورك هربا من اضطهادات النازية وحصل على الجنسية الأمريكية سنة 1943 ودرس العلوم السياسية في معهد جورج واشنطن العالي ثم في جامعة هارفارد وقد درس في الجامعة المذكورة حتى 1971 أصبح مستشارا في السياسة الخارجية للرؤساء أيزنهاور وكنيدي وجونسون وفي أواخر 1968 عينه الرئيس نيكسون مستشارا خاصا له لشئون الأمن القومي ونظرا لجهوده في حل مشكلة فيتنام حصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع المسئول الفيتنامي( لي دوك تو)عين كيسنجر عام 1973 بعد الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة وزيرا للخارجية الأمريكية مع احتفاظه بمنصبه السابق مستشارا لشؤون الأمن القومي وقد قام كيسنجر بمحاولات عديدة لحل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي إلا أن مصيرها كان الفشل ولكيسنجر مؤلفات منها (مفهوم السياسة الخارجية)و(درب السلام) (1).

23. محمود عباس "أبو مازن" (1935-)

مهندس اتفاق أوسلو وهو الذي وقع على الاتفاق في حفل التوقيع في واشنطن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين في 13 أيلول 1993 باعتبار رئيس لجنة متابعة المفاوضات مع إسرائيل بشقيها والثنائي منذ 1991 ولد محمود عباس في صفد سنة 1935 وأنهى دراسته الابتدائية فيها ثم هاجر وعائلته إلى سوريا بعد 1948 حيث أكمل دراسته هناك وحصل على أجازة في الحقوق من جامعة دمشق وحصل على دكتوراه في التاريخ من معهد الاستشراق في موسكو بدأ نشاطه السياسي في منتصف الخمسينات بتأسيس جمعية فلسطينية في سوريا سنة 1954 وشارك في نهاية الخمسينات في تأسيس حركة فتح وكان من القلائل الذين اتخذوا قرار انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965 وهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني منذ دخول حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) لمنظمة التحرير الفلسطينية وهو أيضا عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس العلاقات القومية والدولية منذ عام 1980 إضافة إلى العديد من المسؤوليات الأخرى: رئيس الجانب الفلسطيني في اللجنة الفلسطينية المشتركة ورئيس اتحاد جمعيات الصداقة الفلسطينية وهو أول من طرح فكرة الاتصال مع القوى اليهودية المحبة للسلام داخل إسرائيل وخارجها ضمن حركة فتح ساهم بفاعلية في تبني المجلس الوطني الفلسطيني 1977 لقرار فتح الحوار مع القوى اليهودية والإسرائيلية التي تدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وبعد إطلاق المجلس الوطني الفلسطيني لمبادرة السلام الفلسطينية سنة 1988 أشرفت دائرته على كافة الندوات واللقاءات التي تمت مع القوى الإسرائيلية واليهودية في أمريكا وأوروبا وغيرها.

24. زئيف جابوتنسكي فلاديمير

أديب وصحفي خطيب لامع ومؤسس الحركة الإصلاحية ورئيسها ومدير العمل السياسي المستقل ولد في روسيا عام 1880 واشترك في الصحافة الروسية منتحلا لقب (التلينا) لقد نشط جابوتنسكي منذ شبابه في الحركة الصهيونية فاشترك في حركة "الدفاع الذاتي" ضد المشاغبين الروس وكان أحد المتحدثين في مؤتمر هلسنكي ومن المؤكدين على أهمية الثقافة الوطنية واللغة العبرية وفي عام 1915 أقام ومعه يوسف ترمبلدور "كتيبة قادة البغال" لمساعدة الجيش البريطاني في جبهة جليفولي ولكنه امتنع عن الخدمة خارج حدود أرض إسرائيل ودأب جابوتنسكي على تشكيل كتائب عبرية وخدم برتبة ضابط في كتيبة "رماة الملك" التي اشتركت عام 1918 باحتلال مخاضات الأردن من الجيش التركي وإبان الثورة التي نظمها العرب في القدس عام 1920 كان جابوتنسكي أحد رؤساء منظمي حركة الدفاع الذاتي وقد اعتقل مع عدد من أعضاء الحركة وحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة وبسبب الضجة التي ثارت في الاستيطان العبري في فلسطين وخارجها حصل المعتقلون من حركة الدفاع الذاتي على العفو وتم انتخاب جابوتنسي عضوا في جمعية النواب في فلسطين وعضوا في الدائرة السياسية التابعة للإدارة الصهيونية وعضوا في إدارتها وبسبب خلافات حول الخط السياسي الموالي للانكليز الذي انتهجه وايزمن انسحب جابوتنسي وشكل "الحزب الإصلاحي وحركة بيتار" وفي الكونغرس الصهيوني السابع عشر طلب تحديد الهدف النهائي للصهيونية .لكن اقتراحه رفض فانسحب هو ورجاله وشكلوا في عام 1935 الهستدروت الصهيونية الجديدة وقد توفي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1940 وقد نقلت رفاته إلى إسرائيل ودفنت في جبل هرتسل في القدس عام1964.

25. المنظمة الصهيونية العالمية

أسست هذه المنظمة التي يرمز لها اختصارا بأوائل حروفها (W.Z.O) في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد في (بال ـ سويسرا) عام 1897 وقد عرفت المنظمة بأنها الإطار التنظيمي الذي يضم كل اليهود الذين يقبلون البرنامج الصهيوني(برنامج بازل) حيث إن تأسيس هذه المنظمة كان يهدف إقامة الدولة الصهيونية لصالح يهود العالم ولتنفيذ هذا المخطط أنشأت المنظمة (صندوق الائتمان اليهودي للاستثمار) عام 1899 الذي أسس له فرعا في (يافا ـ فلسطين) حيث عرف عام 1903 باسم (البنك البريطاني الفلسطيني) كما أنشأت المنظمة أيضا (الصندوق القومي اليهودي) عام 1903 لشراء الأراضي الفلسطينية وتأجيرها للمستوطنين اليهود كما حصلت المنظمة على امتياز مجلة (دي فيلت) لتكون لسان حال المنظمة وقد شهدت المنظمة انقسامات ولكنها لا تعدو أن تكون اتجاهات.داخل إطار من الوحدة وقد أسست المنظمة ساعدها المعروف (الوكالة اليهودية) عام 1922.. لتدمج معها تحت مسمى (المنظمة الصهيونية العالمية/ الوكالة اليهودية) حتى عام 1971 حيث جرت إعادة تنظيم مزعومة بحيث أصبحتا منفصلتين قانونيا وأول رئيس للمنظمة هو (تيودور هرتسل) حتى عام 1904 ثم (دافيد ولفنسون) حتى عام 1911 ثم (أوتور بورج) حتى عام 1921) ثم حاييم وايزمن حتى عام 1931) ثم ناحوم سوكولوف) حتى عام 1935 ) ثم وايزمن- مرة أخرى- حتى عام 1946 ثم ظلت عشر سنوات بدون رئيس حتى انتخب ناحوم جولدمان) فيما بين عامي 1956- 1968 ) ومنذ ذلك الحين والمنظمة بدون رئيس وان كان للوكالة رئيس إسرائيلي الجنسية ولعله يقوم بدور الرئيس الفعلي للمنظمة وقد تنقل مركز المنظمة من عاصمة إلى آخري حتى استقر في القدس عام 1936 إلى يومنا هذا وتمارس المنظمة نشاطها في كل أنحاء العالم حتى في بعض البلاد العربية والإسلامية ولكن دورها تقلص قليلا عن ذي قبل بعد قيام دولة إسرائيل في 1948

[1] كان الاسم الأول لحزب (العامل الشاب) هو منظمة العمال للشباب العبري في فلسطين لتمييزه عن العمال من أبناء العلياه الأولي وقد تأسس الحزب في عيد الأعراش (1905م)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:39 am

المصادر والمراجع

أولاً: المراجع العربية

1. القرآن الكريم

2. الكتاب المقدس: العهد القديم, دار الكتاب المقدس, الطبعة الثانية, القاهرة, عام 2004م

الكتب

1.  أحمد سوسه، "الصهيونية بدايات وافتراضات", مكتبة الجيل, بيروت, عام 2003م.

2.  بنيامين نتانياهو، "مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم"، ترجمة محمد عودة الوديري، دار الجليل، عمان، 1995.

3.  أديب ديمتري، "هزيمة العقل وجذور الصهيونية", مجلة شؤون فلسطين, بيروت, العدد86.

4.  أسعد عبد الرحمن، "المنظمة الصهيونية تنظيمها وأعمالها", مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية, يوليه 1967.

5.  إسماعيل راجى الفاروقى، "أصول الصهيونية في الدين اليهودي", معهد البحوث والدراسات العربية, القاهرة, 1962

6.  القضية الفلسطينية والحظر الصهيوني, وزارة الدفاع الوطني الجيش اللبناني, مؤسسة الدراسات الفلسطينية, ط1, بيروت، 1973م.

7.  أميل الغوري، "فلسطين عبر ستين عاماً، دار النهار للنشر، بيروت، 1973.

8.  أنيتا شابيرا، "الصهيونية الدينية مبحث إشكالية الصهيونية الدينية", لدافيد فاتيل, مركز الدراسات, جامعة القاهرة, 1998م, القاهرة. - مبحث موقف العلمانية من الدين والتدين في بداية الحركة الصهيونية, لشموائيل الموج.

9.  أنيس فريحة: دراسات في التاريخ, دار النهار, بيروت, عام 1980.

10.  إيمان حمدي، " معسكر السلام الصهيوني"، اتجاهات الثنائية القومية والتقسيم في الحياة السياسية الإسرائيلية 1925  ـ 1996 "، ترجمة صالح عزب، معهد البحوث والدراسات العبرية، القاهرة.

11.  تيودور هرتزل: الكتاب السنوي الجزء الرابع فيينا عام 1901م.

12.  جورجينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية, سلسلة كتب ثقافية شهرية, المجلس الوطني للثقافة, الكويت, 1978م.

13.  جوزيف باركلى : كتاب الأدب العبري , نيويورك ,1901م .

14.  ظاظا: الفكر الدينى الإسرائيلي, ميريت, القاهرة 0

15.  حسين شريف، "من العهد القديم إلى قيام دولة إسرائيل"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1995.

16.  حمزة الفاروقي: ضياع فلسطين, دار الجيل, بيروت, الطبقة الأولي, يونيو2003م.

17.  المعارف العبرية, دار نشر المعارف, القدس, 1974, مجلد 32 0

18.  دراسات فلسطينية رقم (35),مركز الإيمان لمنظمة التحرير الفلسطينية, بيروت, 1968م.

19.  رشاد الشامى:القوى الدينية فى إسرائيل بين تكفيرالدولة ولعبة السياسة, سلسلة عالم المعرفة, الكويت, رقم 186, يونيه 1994م  0

20.  روجيه غارودي، "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، ترجمة حافظ الجمالي وصياح الجهيم، دار عطية، بيروت، 1996.

21.  ستينزلس وعادين :التلمود للجميع ( عبري ) , دار نشر عيدا نيم  ,القدس , 1997.

22.  سعد الدين إبراهيم، "اتجاهات الرأي العام العربي"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1980،

23.  سعد الدين إبراهيم، "العرب في زقاق التاريخ: دروس الفتنة الكبرى في الخليج"، مركز بن خلدون، القاهرة، 1992.

24.  سعد الدين إبراهيم، "سوسيولوجية الصراع العربي الإسرائيلي"، دار الطليعة، بيروت، 1973.

25.  ظفر الاسلام خان:تاريخ فلسطين القديم, دار النفائس, بيروت, ط3 , عام1981م 0

26.  عادل حسن غنيم: الحركة الوطنية الفلسطينية’ مؤسسة الدراسات الفلسطينية’ بيروت  .

27.  عادل مناع، وعزمي بشارة، " دراسات في المجتمع الإسرائيلي "، مركز دراسات المجتمع العربي في إسرائيل، بيت بيرل، إسرائيل، 1995.

28.  عبد السميع الهواري:الصهيونية بين الدين والسياسة, الهيئة المصرية العامة للاستعلامات, القاهرة, 1977م.

29.  عبد الوهاب المسيرى:موجز موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ,دار الشروق, القاهرة ,2003م.

30.  عبدالوهاب الكيالي، "الجذور التاريخية للتحالف الصهيوني الإمبريالي"، بحث مقدم إلى المؤتمر الفكري الدولي حول الصهيونية، بغداد، 1976، بعنوان "الصهيونية والعنصرية" مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، مؤسسة الأهرام، القاهرة، يناير 1977.

31.  عبد الوهاب الكيالي: وثائق المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني والصهيوني (1918- 1939م), مؤسسة الدراسات الفلسطينية, ط2, وثائق رقم 9, 10 بيروت عام 1988م.

32.  عبد المنعم واصل: الصراع العربي الإسرائيلي, مكتبة الشروق الدولية,ط1, القاهرة,عام 2002م.

33.  العسكرية الصهيونية : مركز الدراسات الاستراتيجية بمؤسسة الاهرام ج1 القاهرة 1971م

34.  عصمت عبد المجيد: زمن الانكسار والانتصار, دار الشروق, القاهرة, ط3, عام 1999م.

35.  قسطنطين زريق، "معنى النكبة"، دار العلم للملايين، بيروت، 1948.

36.  قسطنطين زريق، "معنى النكبة مجدداً"، دار العلم للملايين، بيروت، 1967.

37.  مراد الدباغ بلادنا فلسطين ج1 دار الجيل بيروت .

38.  مركز الإعلام الإسرائيلي، القدس، "حقائق عن إسرائيل"، 1995.

39.  محمد بن عيد العتيبي: الأسس القانونية لقوة الدولة, فهرسة الملك فهد الوطنية أثناء النشر, الرياض, 2000م.

40.  محمد خليفة حسن: الحركة الصهيونية وعلاقتها بالذات الديني اليهودي, مركز الدراسات الشرقية, جامعة القاهرة, العدد 4, القاهرة.

41.  محمد عزة دروزة: تاريخ بنى إسرائيل  من أسفارهم, المكتبة المصرية, بيروت 1968م.

42.  مني ناظم: المسيح اليهودي, أبو ظبي, عام 1986م.

43.  الموسوعة الفلسطينية، المجلد الأول, مركز الدراسات الفلسطينية, بيروت, 1984.

44.  موسي الكاظم التونسي: وثائق التدخل الأجنبي في الوطن العربي, من كتاب ملف وثائق فلسطين, ج1, وزارة الإرشاد القومي, دمشق,1972م.

45.  هوارد مورلى ساشار:تاريخ الشعب اليهودي, ترجمة المخابرات العامة,عام 1971م,القسم الأول 0

46.  هيثم الكيلاني، "الإستراتيجيات العسكرية للحروب العربية ـ الإسرائيلية: 1948ـ 1988، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1991.

47.  وليد الخالدي، "الصهيونية في مائة عام: من البكاء على الأطلال إلى الهيمنة على المشرق العربي 1897 ـ 1977 "، دار النهار للنشر، بيروت، 1998.

48.  ياسين عبد القادر، "كفاح الشعب الفلسطيني حتى عام 1948"، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 8، عام 1981م.

ثانياً: المراجع الأجنبية

1.           Abba, Eban “My Country: The Story of Modern Israel”, Weidenfeld and Nicholson, 1972

2.           Pictorial History of  Israel :Jacob Rubin & Mayer Barkal , New Yor;,1958

3.           Arrno ulmann Hrzg. Israel Wegznm Staat. P. 151. Ci

4.           BenGurion David; Rebirth and Desting of Israel; London thomas Yoseioff, Ltd. 1959.

5.           M, LLITARY& Polltiecs Israel.

6.           Shechtman, J. Rebel and Statesman, The Vladimir Jabotinsk story;  The Early Years, New York, Thomas Yoseloff, 1959

7.           St; John, Robert; They came From Every where, Twelve who Helped Mold Modern Israel, New York, 1962

8.           St:John ,Robert,Ben-Gurion,(A Biographic an Extraordinary Man):New York, Double Day Publisheres.1959

9.           Theodor Herzl, “The Jewish State: An Attempt at a Modern Solution of the Jewish Questions”, The American Zionist Emergency Council, New York, 1946.

10.        Kirk, George “E., A Short History of the Middle East”, 6 Ed, New York, Praeger, 1963.9
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصهيونية   الصهيونية Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:42 am

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الصهيونية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الصهيونية
» كتب في الصهيونية
» الصهيونية
» الصهيونية وآثارها
» زعماء الحركة الصهيونية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: عبر التاريخ-
انتقل الى: