منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة غسيل المخ التنويم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70712
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة غسيل المخ التنويم    الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Emptyالأحد 17 أبريل 2016, 8:33 pm

الذاكرة

الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14492   مقدمة
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14493   أولاً: مراحل الذاكرة
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14494   ثانياً: التمييز (الدقة في التذكر)
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14495   ثالثاً: النسيان
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14491   المصادر والمراجع

       

الذاكرة  (Memory)

مقدمة

تحدثت بعض الأساطير عن أناس لهم قدرات خارقة في الحفظ والتذكر. والناظر في كتب الأدب العربي القديم يدهشه أخبار أولئك الأفذاذ، الذين كانوا يحفظون مئات الألوف من أبيات الشعر، بل كان منهم من يحفظها بعد سماعها من المُنشِد المرتجل.

كما حفلت كتب الرحلات بدقائق، رواها الرحالة، عن تجوالهم في أرجاء المعمورة، لعقود عدة، فحفظوا أسماء مئات الألوف ممن قابلوا، وسردوا وصفاً دقيقاً للأماكن التي زاروها، والطرق التي ارتادوها، والمعالم التي شاهدوها، فصارت كتبهم مراجع جغرافية قيمة، مازالت تتداول حتى الآن، بل ويدهش الباحثون من شدة دقتها.

وكل إنسان يشعر بأهمية الذاكرة في الحياة اليومية، ويشعر بقيمتها في تفاعله مع البيئة المحيطة به، وفي رد فعله إزاء العلاقات الاجتماعية، التي صار تعقدها من سمات هذا العصر.

ومنذ قديم الأزل، ربط الإنسان الذاكرة بالعقل تارة، والذكاء تارة أخرى. فالعاقل هو من يتذكر الماضي، ويتعلم من تجاربه في الحياة، ولا يكرر أخطاءه. أما الإنسان الذكي، فهو من يستطيع ربط الأماكن، والأحداث، والأشخاص، والتصرفات، والأزمنة في نسيج واحد، يستشف منه جوانب لا تظهر للشخص الأقل ذكاءً. ويعتقد العلماء أن قوة الذاكرة هي الدعامة الأساسية للذكاء، فضلاً عن مزايا أخرى، يهبها الله للإنسان الذكي.

وتعتمد الحيوانات في حياتها اليومية أيضاً على الذاكرة، الفيل يضرب به المثل في قوة الذاكرة. أما الطيور، فإن ذاكرتها تعد معجزة؛ فهي تحفظ الطرق الممتدة على مدى آلاف الكيلومترات، في رحلاتها السنوية، فتقلع من مواطنها قاصدةً مكاناً واحداً بعينه. والذاكرة في القواقع، التي تُعد من الحيوانات البدائية، والتي ليس لها دماغ مثل الإنسان، قد حير مصدرها العلماء، فقد أثبتت التجارب أنها تتجنب، في سعيها الدؤوب عن الطعام، الطرق الخطرة، مثل: التعرض لشحنة كهربية، أو وخزة بدبوس. ولا تسلك إلا الطرق التي لم تتعرض فيها لأخطار من قبل. ولذا يعتقد علماء الحيوان أن تطور الكائنات الحية، وقدرتها على البقاء، يعتمد، أكثر ما يعتمد، على مقدرتها على التعلم، وربط الحاضر بما استفادته من تجارب ماضية؛ أو بمعنى آخر، تعتمد في ذلك على الذاكرة.

وتُعَرَّف الذاكرة بأنها القدرة على تخزين المعلومات، ثم استدعائها عند الحاجة إليها. وبمعنى أبسط، هي قدرة الشخص على تذكر شيء سبق تعلمه، أو سبق اكتساب خبرة فيه. ويشبه العلماء الذاكرة بأنها مجموعة عمليات عصبية معقدة، تحدث ترابطاً فكرياً، يكون قاعدة يستطيع الإنسان التجول خلالها، وتَذَكُر المعلومات المكتسبة.

ويعتقد العلماء أن الذاكرة محلها المخ، وبخاصة منطقة الحُصَين (Hippocampus)، الموجودة في قشرة المخ، التي تتحكم في عديد من وظائف المخ، مثل: حل المسائل، وتعلم اللغات الأجنبية.

ويقسم علماء النفس الذاكرة إلى ثلاثة مراحل مختلفة، طبقاً للزمن الذي تستغرقه كل مرحلة. وهذه المراحل هي:

1. ذاكرة الإحساس (Sensory Memory)

هي عملية تجميع معلومات، ثم الاحتفاظ بها للحظات قصيرة. فإذا لم يستخدمها الإنسان، تلاشت واختفت. فمثلاً، عندما يكون الإنسان في مكان مزدحم، فإن الأذن تسمع عديداً من الأصوات والكلمات، كما أن العين ترى عديداً من الصور، والأماكن، والأشخاص. وتجمع كل هذه المعلومات ذاكرة الإحساس، إلا أنها تفقد في خلال 20 ثانية، وتختفي تماماً من الذاكرة.

ولكن قد يتبقى في الذاكرة بعض من هذه المشاهد والأهداف، أو بعض معالمها، نظراً إلى انتقالها إلى ذاكرة المدى القصير.

2. ذاكرة المدى القصير (Short-Term Memory)

وهي تذكر المعلومات المستخدمة، في نفس اللحظة. فمثلاً يتذكر الإنسان رقم الهاتف الذي يطلبه. فإذا توقف عن طلب هذا الرقم، أكثر من 20 ثانية، فإن الأرقام ستختفي من الذاكرة تلقائياً.

وذاكرة المدى القصير محدودة جداً، من حيث سعتها؛ إذ يستطيع معظم الأشخاص تذكر 7 أرقام، أو 7 حروف هجائية، عقب سماعها، ولكن لا يمكنهم حفظ أكثر من 10 أرقام.

3. ذاكرة المدى الطويل (Long Term Memory)

وهي تخزن المعلومات، لفترات طويلة، قد تستمر مدى الحياة. وسعة هذه الذاكرة من الكبر، بحيث يمكنها استيعاب كمية هائلة من المعلومات، ولفترات طويلة جداً. وهي مخصصة للأحداث الهامة، في حياة الإنسان أو حياة من يحيطون به. ويعتقد العلماء أن المعلومات تستمر في ذاكرة المدى الطويل نتيجة أحد عاملين؛ التكرار، أو الانفعال الشديد للحدث.




       

أولاً: مراحل الذاكرة

1. التعلم

التعلم هو الخطوة الأولي للذاكرة. والخبرات التي اكتسبها الإنسان، في حياته، هي التي تصبح مادة للذاكرة، ومن ثم تصبح معرضة للنسيان ويوجد ثمة لبس بين التعلم الذي هو معرض للتذكر أو النسيان، والميول الطبيعية والغرائز. فمثلاً، قد يستذكر الطالب درساً استذكاراً جيداً، ثم ينساه بعد ذلك. إلا أنه لا ينسى أبداً أنه في حاجة إلى طعام، إذا أحس بالجوع مثلاً.

ويُعَرَّف التعلم بأنه اكتساب التجارب الجديدة. وقد تكون هذه التجارب جسمية عضلية، مثل: تعلم الكتابة، أو العزف على الآلات الموسيقية، أو ذهنية، مثل: تعلم الحساب، أو القانون، وما شابههما من العلوم العقلية.

ويتعلم الإنسان بطرق عدة منها:

أ. التعلم بالمحاولة والخطأ (Method of Trial and Error)

ومثال ذلك تعلم الرضيع المشي، فأولى محاولاته تكون دائماً فاشلة، حتى يتمكن من تحقيق التوازن بين حواسه، واتزانه، وانقباض عضلاته. وعندئذ يتمكن من المشي، ببطء أولاً، ثم بسرعة أكبر. وهذا النوع من التعلم له أثر واضح في الذاكرة، إذ إن كل ما تتعلمه (بالممارسة الفعلية)، يصعب نسيانه.

ب. التعلم بالملاحظة

الإنسان بطبيعته مقلد، وهذا التقليد يكون أكثر وضوحاً في الأطفال. وهي الطريقة التي يتعلم بها الأطفال كثيراً من العادات، وطريقة الكلام، بل وبعض التصرفات التي تلازمهم على مدى حياتهم. هذا التقليد هو نوع من الملاحظة.

وعندما تعرض لإنسان مشكلة من المشاكل، فإنه يقوم ـ أولاً ـ بملاحظة تفاصيلها، ثم يقارنها ويقيسها على مثيلاتها، من حيث المقدمات والنتائج. وعلى ضوء هذه الملاحظات، يشرع في الحل.

ج. التعلم بالتفكير

وهي أكثر الطرق استعمالاً للتعلم عند الإنسان، وهو يستخدمها لبحث المشاكل المعقدة حينما تكون الملاحظة وحدها غير مجدية. ودراسة العلوم بأنواعها تعتمد على قدرة الإنسان على التفكير المنطقي، واستذكار الطالب لدروسه، هي نوع من التعلم بالتفكير. والتعلم بالاستذكار لا يكون إلا في اكتساب معرفة جديدة.

والتعلم بالاستذكار هو وسيلة محدودة، على الرغم من شيوعها. فتعلم قواعد الأخلاق مثلاً بحفظ تعاريفها، لا يؤدي بالضرورة إلى إنسان أحسن أخلاقاً. وبالمثل فإن تعلم فن من الفنون، أو مهنة من المهن، بحفظ قوانينها وتعريفاتها، لا تخلق فناناً، ولا صانعاً ماهراً، لأن أموراً مثل: المران العملي، والمثابرة، والإصرار، هي الكفيلة بتحقيق ذلك.

وبما أن التعلم هو أولى خطوات الذاكرة، فإن طريقة الاستذكار (أي طريقة التعلم)، يعود إليها الفضل الأكبر في الاحتفاظ بما تم تعلمه. فالطالب الذي يستذكر دروسه، ويقضي في استذكارها ليالي طويلة، ثم ينسى ما تعلمه وقت الامتحان، يحكم على طريقة مذاكرته بأنها فاشلة خاطئة.

وبالمثل، إن الطالب الذي يقضي يوماً لحفظ موضوع ما، في حين يقضي آخر ساعتين لحفظ الموضوع نفسه، فإنه يمكن القول بأن الطريقة الثانية أكثر نفعاً من الأولى.

أما الطالب الذي يستذكر دروسه ثم يفشل في استرجاع بعض حقائقها إذا حور الممتحن أسلوب سؤاله بعض التحوير، يكون ذلك دليل فشل طريقة استذكار هذا الطالب، وأنها غير كافية لهضم هذه المادة وتفهم أسرارها، ومن ثم عليه أن يبحث عن طريقة أخرى توصله إلى النتيجة المرتجاة.

وعلى هذا يرى علماء النفس أنه عند اختيار إحدى طرق التعلم بالاستذكار، يجب أن تراعى الشروط الآتية:

(1) أن تكون الطريقة أقصد في المجهود الذي يبذله الطالب.

(2) أن لا يبعث المجهود المبذول في الاستذكار على السأم والملل والتعب. وفي هذا الصدد، وجد أن الوسائل السمعية والبصرية، تقلل من المجهود المبذول في الاستذكار.

(3) أن تكون الطريقة اقتصادية، من حيث الوقت الذي يبذل في الاستذكار.

(4) أن تكون طريقة الاستذكار كفيلة باسترجاع ما تم تعلمه، على وجه من السرعة والدقة؛ فدرجة النسيان وسرعته، هي المحك الحقيقي لطريقة الاستذكار المختارة. فالمادة التي تظل في ذهن صاحبها واضحة جلية، بعد مرور عام على تعلمها، دليل على أن طريقة الاستذكار كانت من الجودة بمكان، بخلاف استذكار تفقد آثارها بعد أيام قلائل.

وعليه ظهرت عديد من الدراسات التي تتناول طرق الاستذكار، والمفاضلة فيما بينها بحسب الشخص المتعلم، وبحسب نوع المادة ومقدارها.

2. الحفظ

لدى الإنسان استعداد للاحتفاظ ببعض التأثيرات التي وقعت عليه، سواء أكانت تجارب عقلية ومعرفية خاصة، أو أعمالاً جسمية، كبعض العادات التي يكتسبها الفرد بالتعلم.

والحفظ هو الاحتفاظ بالتأثيرات المكتسبة. ويمثل المرحلة التي تفصل بين التعلم أو الاستذكار وبين التذكر. وهو يختلف عن كل منهما، من حيث إن التعلم هو عملية فعلية يقوم بها، الفرد ويبذل في سبيلها مجهوداً، ويستنفد بشأنها طاقة عصبية. أما التذكر، فهو محاولة تتطلب مجهوداً خاصاً، وتستهلك طاقة عصبية معينة.

لكن الحفظ ليس محاولة معينة يقوم بها الفرد، بل هو حالة استقرار أو ركود نسبي. فنحن لا نكرر ما عرفناه، في كل لحظة، حرصاً عليه من النسيان. فالطالب الذي يتعلم شيئاً، ويمكنه تذكره عند سؤاله، يكون قد وعى ما تعلم، أو حفظه.

وهذا الحكم لا يمكن الوصول إليه، إلا بعد اختبار الطالب. فالتذكر هو المقياس الوحيد للحفظ، كما أن الحفظ هو الوسيلة الضرورية التي بدونها لا يكون التذكر.

ودرجة الحفظ تتضاءل شيئاً فشيئاً، إلى أن تنتهي بالنسيان الكامل. وأحياناً تنجح الذاكرة في استرجاع شئ تعلمته وحفظته. بل المدهش، أنه بعد انقضاء فترة طويلة من الزمن؛ تقدر بالسنين، وفي لحظة معينة، يُفاجأ الفرد بقدرة على استرجاع ذكريات قديمة، دلت جميع محاولاته السابقة، على أنها قد محيت من الذاكرة تماماً.

ويتفق علماء النفس على أن ما سبق تعلمه لا يضيع من الذاكرة تماماً، بل إن صادف مؤثراً مناسباً، كان ذلك كفيلاً بتنشيطه وبروزه على سطح الذاكرة من جديد.

وأثبتت التجارب أن للنوم أثراً إيجابياً في تثبيت الحفظ، لاسيما إذا كان بعد الاستذكار مباشرة؛ فالفترة التي يقضيها المتعلم نائماً، ليست فترة خمول كلي، بل تشكل فترة إيجابية للحيلولة دون تفلت ما سبق تعلمه. فالمتعلم يتذكر الجانب الأكبر من المادة بعد مذاكرتها مباشرة، ثم تأخذ النسبة في التناقص كلما بعد العهد بها. أما إذا كانت الفترة التي تعقب عملية التعلم فترة نوم، فإن درجة النسيان تكون غير محسوسة، أو غير مؤثرة نسبياً.

وفي هذا الصدد، قام العالمان فون أورنر (Von Orner)، وسبرايت (Spright)، كل على حدة، بإجراء تجارب توضح أثر النوم على الحفظ، فقاموا بتقسيم عدد من الطلاب إلى مجموعتين، وعملوا على تلقين كل مجموعة عدداً من الكلمات لحفظها، مقسمة على فترتين، على أن يتخلل فترة المجموعة الأولى بعض ساعات للنوم، على عكس المجموعة الثانية. وكانت النتيجة أن حققت المجموعة الأولى درجة في الحفظ والتذكر أعلى من المجموعة الثانية. الأمر الذي يعني أن النوم يعمل على تأخير عملية النسيان الطبيعي.

3. التذكر

التذكر هو استرجاع ما سبقت معرفته. والإنسان يتذكر أشياء شتى؛ فقد يتذكر كلمة يستخدمها في التعبير عن نفسه، أو معرفة، أو صورة، أو حالة نفسية، أو رغبة، أو إحساس، أو عاطفة. والاسترجاع ضروري في مواجهة المشاكل، حيث يحتاج المتعلم إلى الاستعانة بذخيرة تجاربه بطريقة شعورية واضحة.

ولا يحدث التذكر، في معظم الأحوال، إلا إذا وجد مؤثر يستثيره. ولهذا السبب يعرف العلماء التذكر على أنه "استجابة مكتسبة لمؤثر سابق لها". والمؤثرات التي تثير التذكر كثيرة، ويمكن تقسيمها إلى:

أ. المعنى الإجمالي

وهذا يحدث كثيراً في الامتحانات، حينما يطلب الممتحن توضيح حقيقة من الحقائق، أو تفصيل موضوع بعينه.

ب. الألفاظ والأسماء

وهذا يحدث في كل لحظة من لحظات الحياة. فإذا سمع شخص اسم شخص آخر، أخيه مثلاً، فإنه سرعان ما يتمثل له شكل أخيه، وهيئته، ورائحته، وطريقة كلامه. بل، يسترجع المتذكر، أحيانا، كل ما يتعلق بأخيه؛ مثل أصدقائه، وأحب الأماكن التي يتردد عليها، وهكذا.

وكذلك يكفي أن نسمع اسم دولة، حتى نتخيل موقعها الجغرافي، ومن هو حاكمها، والأماكن الهامة بها، وأسماء مدنها... الخ.

ج. المعنى الجزئي

من أكثر الصعوبات في التذكر هي اكتشاف الحلقة الأولى من سلسلة الحقائق التي يريد الشخص تذكرها. فمثلاً تذكر آية قرآنية، تمكن الحافظ من استدعاء هذا الجزء، بسهولة ويسر.

د. تداعي المعاني

ليس من الضروري أن تستدعي لفظة ما ومعناها المباشر أو القريب، بل أحياناً ما تقوم باستدعاء معاني مقتضاة أو لازمة، أو تابعة للمعنى الأصلي. فمثلاً إذا سمع إنسان لفظة "رمضان"، فليس من الضروري أن يستدعي المعنى المقابل مباشرة لهذه اللفظة، وهو الشهر الهجري الذي يلي شعبان، وفيه فرض على المسلمين صوم نهاره. بل ربما تشير اللفظة في الذهن معاني أخرى لازمة، وتنشأ غالباً نتيجة لخبرة ذاتية خاصة؛ مثل: تذكر مشقة الصوم وفرحة الإفطار، ومتعة صلاة التراويح، واستدعاء أكلات معينة، ونحو ذلك.

هـ. الارتباط الزماني والمكاني

يعد الارتباط الزمني أو المكاني مؤثراً طبيعياً قوياً في كثير من حالات التذكر. ويعتمد رجال التحقيق الجنائي، على هذه القرينة، في تذكير الشهود بواقعة من الوقائع، بعد انقضاء زمن عليها، فيصطحبونهم إلى مكان الحادث، في نفس وقت وقوعه، وتعرض عليهم الأدوات المرتبطة بالجريمة، فيساعدهم ذلك على استرجاع حوادثها على نحو دقيق.     

ويكفي أن يذهب الإنسان لزيارة قبر شخص عزيز عليه، فتتدافع الذكريات، ويتذكر الإنسان هذا الشخص، وكثيراً من أحواله.

و. مجموعة من المؤثرات

ليس من الضروري أن يكون هناك مؤثر يدفعنا لتذكر واقعة بعينها، بل إن التفكير وحده، فيما سبق حفظه كافٍ في بعض الأحيان، للتذكر. فمثلاً، يكفي أن نفكر فيمن قابلناه في الصباح، لنتذكر اسمه. ويكفي كذلك أن نتذكر تاريخ اليوم بالتفكير فيه.

وقد تكون هناك مجموعة من المؤثرات تدفعنا لتذكر واقعة بعينها. فمثلاً، إذا قدم شخص لشخص صديقاً للمرة الأولى. فإن اسم هذا الغريب سوف يرتبط بجملة روابط مختلفة، منها: شخص ذلك الصديق، ومكان التعارف، وصورة الشخص نفسه، وزيه، وأسلوبه في الكلام، وموضوع الحديث الذي دار حينذاك. وكل رابطة من هذه الروابط تصلح لأن تكون مؤثراً، لتذكر واقعة مقابلة الصديق.

وتوجد فترة بين التعرض للمؤثر واستدعاء الذاكرة، يطلق على هذه الفترة "وقت التذكر" (Recall Time) وقد وجد أن هذه الفترة تختلف بحسب صعوبة وسهولة موضوع التذكر. وقد وجد أن أقصر مدة للتذكر هي نصف ثانية، وقد تطول إلى ما لا نهاية عندما يُطْبِق النسيان على الذاكرة.

كما تختلف سرعة التذكر باختلاف الفترة التي تمضي على الاستذكار، فمثلاً سرعة التذكر بعد التعلم مباشرة تكون 1.5 ثانية، ولكن هذه الفترة تطول إلى 2.4 ثانية بعد يوم من التعلم، وإلي 3 ثوانٍ بعد أسبوع من التعلم.

وإذا ما قورن بين الاستذكار المتقنة، التي مرت عليها فترة طويلة، وبين الاستذكار قريبة العهد، فسيلاحظ أن نسبة الإجابة الصحيحة للاستذكار القديمة المتقنة، أعلى منها في الحالة الثانية، في حين يكون وقت التذكر في حالة الاستذكار قريبة العهد، أقل منها في حالة الاستذكار القديمة.

ولسرعة التذكر أهمية كبيرة في كثير من نواحي الحياة الاجتماعية، كما في المحادثة أو المناقشة والجدال، وفي المناظرات الأدبية. فالتفقه في مادة من المواد لا يكفي وحده، لإثبات مقدرة صاحبها إذا كان بطيء التذكر، وهو في معرض جدال كلامي، لهذا كان من النادر أن يبرع الباحث الأكاديمي في الخطابة، التي تحتاج إلى سرعة بديهة. وهو، وإن كان يمتلك سرعة بديهة عالية، فإن طبيعة عمله تستلزم منه التمحيص والتأني في استرجاع معلوماته السابقة.

وقد حدد العلماء عدداً من العوامل، التي تحول بين الشخص وتذكره حقيقة معينة، أطلق عليها "عوائق التذكر"، وهي أنواع، أهمها:

(1) الحالة الانفعالية

الانفعال حالة اضطرابية خاصة، تؤثر في وظائف الشخص الجسمية، كما تؤثر في تفكيره. فتحت تأثير انفعال خاص، كالغضب، أو الخوف يعجز الشخص عن تذكر كثير من الحقائق، حتى أبسط الأسماء وأعمها استعمالاً. وقد وجد أن الحيرة، والارتباك، والقلق الذي يساور الطالب، أثناء الامتحان، يفقده كثيراً من معرفته السابقة.

(2) الشعور الذاتي

يكون إحساس الفرد المفرط بشخصه ووجوده، أحياناً، عائقاً له عن التذكر، ويحدث هذا عادة إذا وجد في وسطه، من يحسب له حسابه. لذا كان الخطباء ذوو الحيثية الكبيرة عرضة لنسيان مادتهم، أو التلعثم في النطق، وهذا بدوره يصبح عاملاً جديداً في فقدان الثقة بأنفسهم، الأمر الذي يزيد في اضطرابهم وتخبطهم.

(3) تشتيت الانتباه

إذا لم يكن انتباه الشخص مركزاً في الموضوع. الذي يريد تذكره، فإن  هذا يصبح عائقاً عن التذكر الصحيح. وتفسير ذلك أن المؤثر لا يعمل في كامل قوته. ويظهر ذلك جلياً في التردد، أثناء النطق والكتابة، لأن التشتت في اتجاهات متعددة يعمل على اجتذاب المؤثر الضعيف، فيتعذر على الشخص استرجاع المعلومة، إلا إذا بذل مجهوداً خاصاً لحصر انتباهه.

ولتيسير عملية التذكر، لخص العلماء بعض الإرشادات، منها:

(1) يجب أن يعطي الشخص للمؤثر فرصة كافية، لكي يستثير جميع الاحتمالات المرتبطة به. ولذلك ينبغي على المرء أن يعطي نفسه بعض لحظات للتدبر، واسترجاع المعلومات المطلوبة.

(2) تأكيد الثقة بالنفس، فلا يدع الخطيب مثلاً الفرصة لغيره لنقد رأيه، أثناء الكلام، ما لم يكن قادراً على رد الحجة بالحجة.

(3) القضاء على كل انفعال نفسي، كالغضب، أو القلق، أو الخوف، أو اليأس، أو الفتور.

(4) محاولة تذكر الظرف الزماني أو المكاني، الذي جرت فيه الحادثة، المراد تذكرها.

(5) ترك الموضوع جانباً بعض الوقت، و الرجوع إليه من جديد، لقتل الملل، وقطع الرتابة.





       

ثانياً: التمييز (الدقة في التذكر)

قد يتذكر الشخص حقيقة من الحقائق، ثم يكتشف فيما بعد، (أو يكتشف المصحح)، أن ما ذكره لا يطابق الواقع، وإن كان يشبهه، كما يحدث ذلك إذا أجاب طالب خطأ على سؤال تاريخي. فإذا سئل عن تاريخ الحملة الفرنسية على مصر وأجاب بـ 1897، بدلاً من 1798، فذلك دليل على أن الخطأ يرجع إلى عدم استكمال الذاكرة، فالطالب قد تذكر الأرقام المفردة بنجاح، لكنه في ترتيب الأرقام ترتيباً صحيحاً. ففي عملية التمييز يفرق الشخص بين الحقائق المتقاربة والمتشابهة.

وعموماً، يُعَرِّف علماء النفس التمييز في الذاكرة، بأنه الشعور بأن ما استرجعه الشخص يكون جزءاً معيناً من تجاربه السابقة، التي يرغب في تذكرها فعلاً. ومثال ذلك، ما يحدث للطالب في امتحان، كأن يسأل عن اسم حاكم المملكة العربية السعودية، الذي جاء بعد الملك عبد العزيز، فقد يسترجع الطالب اسم الملك سعود، وقد يسترجع اسم الملك فيصل، لشدة الصلة بين الاثنين، ولأن كليهما من أبناء الملك عبد العزيز، الذين تولوا الأمر من بعده.

فباسترجاع هذين الاسمين، يكون التذكر قد استوفى أصوله، أما عملية الذاكرة، فلم تصل بعد إلى مرحلتها النهائية، وهي الاسترجاع المعين المميز، وهذا لا يكون إلا إذا أرجعنا الحقيقة المذكورة إلى تاريخ زمني معين. فإذا تمعن الطالب في السؤال السابق، فسيجد أن المطلوب هو من تولى أمر المملكة في الفترة التي أعقبت وفاة الملك عبد العزيز مباشرة، فإذا تم ذلك، بأن ذكر الطالب بأن الحاكم المقصود، هو جلالة الملك سعود بن عبد العزيز، استكملت الذاكرة أصولها.

والمثال التالي يقرب معنى التمييز في الذاكرة. مثلاً، إذا كان هناك، شخص مرت عليه عبارة "مقاتل من الصحراء"، وكان قد تصفح الكتاب الذي يحمل هذا الاسم، فسيقوم أولاً بربط العبارة باسم الكتاب الذي رآه معروضاً على رف مكتبة من المكتبات، ثم يذكر اسم مؤلفه، وشكله المدونين على غلافه، ثم يذكر بعد ذلك موضوعه لأنه قلبه سريعاً. فيقول الشخص عند ذاك "إن مقاتل من الصحراء" هو كتاب ألفه الأمير خالد بن سلطان، وأن الموضوع الرئيسي لهذا الكتاب هو حرب الخليج. فإذا تم ذلك تكون عملية الذاكرة قد استوفت خطوة التمييز.

ومن هذا عَرَّف بعض علماء النفس الذاكرة على أنها "قبول حقيقة سابقة على أنها صحيحة ومعروفة، وذلك بإرجاعها إلى التاريخ والمكان الذي اكتسبها الشخص فيه". والشخص الذي سئل عن ما يعرفه عن "مقاتل من الصحراء"، لا شك أنه دار، في خَلَده عديد من الإجابات، واستعرضها واحدة بعد الأخرى، معتقداً، في كل حالة، بأنها الإجابة الصحيحة المقصودة. فإذا اختبرها، واكتشف قصورها، رفضها، واختار غيرها، حتى وصل إلى ما يتحقق صحته. فالشعور بالثقة في الإجابة، هو حالة لازمة في عملية التمييز. لهذا يُعَرِّف بعض العلماء التمييز في الذاكرة بأنه "شعور الثقة الذي يشيع في النفس عند قبول حقيقة من الحقائق".

1. تقوية الذاكرة

يطلق فن تقوية الذاكرة (Mnemonics) على الوسائل والطرائق المختلفة، التي نستخدمها لمعاونة العقل، على حفظ، وتذكر، المادة التي يصعب الإحاطة بها. فوسائل تقوية الذاكرة هي طرق اصطناعية، يستخدمها المتعلم قصداً، إذا رأى نفسه عاجزا عن تذكر ما سبق له تعلمه، كما يحدث في حفظ الكلمات الأجنبية، أو التواريخ، أو الأسماء الغريبة.

وقد عني الإغريقيون بفن تقوية الذاكرة، فاستخدموا الصور، ووسائل الإيضاح، وسيلة لتقوية الذاكرة. وقد اشتهر منهم الشاعر سيمانيديس (Simanides)، بذاكرته الخارقة، وبالطرق التي ابتكرها لتقوية الذاكرة.

فقد روي عنه، أنه كان ذات يوم مدعواً في حفل كبير، وبينما كان الضيوف في لهوهم، تزلزل المكان وسقط سقف القاعة فوق رؤوسهم، حتى اختلطت أشلاؤهم بالأنقاض، وتعذر تمييزهم. إلا سيمانيديس تيسر له التعرف عليهم، لأنه تذكر مكان كل واحد منهم في القاعة، قبل الزلزال، والمعالم الثابتة الموجودة حوله، مثل وجود لوحة معلقة، أو آنية زهور.

اعتمد سيمانيديس على فكرتين للتعرف على الأشياء؛ ربط الشيء المجهول بآخر معلوم، ثم ربط هذا الشيء بمكان معين.

وفي الخطابة المرتجلة، ابتكر سيمانيديس طريقة الرموز. فمثلاً إذا أراد الخطيب التحدث عن موضوع اقتصادي، ينتقل بعده إلى موضوع سياسي، ثم يعقب على حدث قريب، وهو غرق إحدى سفن الأسطول مثلاً، ثم ينهي حديثه بنصيحة يريد توجيهها. فإن كل ما يحتاجه الخطيب هو تذكر قطعة نقود (رمزاً للموضوع الاقتصادي)، ثم تاج (رمزاً للموضوع السياسي) ثم سفينة (رمزاً للموضوع الملاحي)، ثم صورة منيرفا إحدى رموز الحكمة عند الإغريق. ومن الممكن أن يكَوِّن الخطيب، من ذلك، قصة صغيرة، مؤداها أن رجلاً قد وجد قطعة من النقود الذهبية الغالية السعر، فأحب أن يهديها إلى القيصر، ليضعها في تاجه، إلا أنه لم يستطع فعل ذلك؛ إذ كان مسافراً على سفينة، وبعد قليل تراءت له منيرفا، إحدى رموز الحكمة، التي نصحته أن يقلع عن ذلك، ويبحث عن صاحب قطعة النقود النادرة، وسيكون بالطبع أحد المسافرين على ظهر هذه السفينة.

بهذه الطريقة البسيطة، يستطيع الخطيب، في رأي سيمانيديس، أن يعي جيداً الخطوط الرئيسية لخطابه. وبذلك يتغلب على خطر النسيان، أثناء الخطابة.

وكان لظهور الإسلام أهمية خاصة، في عناية العرب بشأن الذاكرة، والحفظ. وتزخر الكتب العربية بالنصائح، في تقوية الذاكرة، على لسان العلماء والفقهاء، الذين كان لديهم مقدرة فائقة على الحفظ والتذكر.

وقد ذكر الزرنوجي في رسالته "تعليم المتعلم طريق التعلم"، كثيراً من الأقوال المنقولة والمأثورة، حول موضوع الاستذكار والحفظ مثل:

ينبغي لطالب العلم أن يكرر سبق الأمس خمس مرات، وسبق اليوم الذي قبل الأمس أربع مرات، والسبق الذي قبله ثلاث مرات، والذي قبله اثنين، والذي قبله مرة واحدة، فهذا أدعى للحفظ". ينبغي أن لا يعتاد الطالب المخافتة في التكرار؛ لأن الدرس والتكرار ينبغي أن يكونا بقوة ونشاط، ولا يجهر جهراً، يجهد نفسه، كيلاً ينقطع عن التكرار، فخير الأمور أوسطها.

وذكر في موضع آخر أن: "أقوى أسباب الحفظ الجد والمواظبة، وتقليل الغذاء، وصلاة الليل، وقراءة القرآن من أسباب الحفظ".

وأكد الباحثون العرب على أهمية الرغبة والمثابرة في التحصيل بحسبانها من أقوى وسائل تقوية الذاكرة. فقد روي أن ابن عباس كان إذا حل من علم الحديث، يقول هاتوا ديوان الشعر. كما روي أن محمد بن الحسن كان لا ينام الليل، فكان يضع عنده الدفاتر، فكان إذا مل من نوع، ينظر في نوع آخر.

وفي عام 1648 اخترع ألماني يدعى "منك" (Mennick) ، طريقة في تقوية الذاكرة، خصوصاً فيما يتعلق بحفظ التواريخ الهامة؛ إذ كان "منك" يحول الأعداد الموجودة في التاريخ إلى حروف، ثم يكون من هذه الحروف كلمات، قد تخلو من المعنى، ومن الكلمات جملاً. فمثلاً إذا رمزنا للأعداد في اللغة العربية بما يلي.

ص                صفر

و                  واحد

ن                  اثنين

ل                  ثلاثة

ع                  أربعة

خ                  خمسة

ست                ستة

س                 سبعة

ثم                  ثمانية

ت                  تسعة

فإذا كانت هناك اتفاقية، تم التوصل إليها عام 1917، يتم بموجبها جلاء القوات على مرحلتين، الأولى عام 1937، والثانية عام 1950. فعملاً بطريقة "منك" ، ينبغي على الطالب حفظ:

بموجب "سوتو" جلاء "سلتو" و"صختو". وقد لاقت هذه الطريقة إقبالاً شديداً، وانتشرت في كثير من البلاد الأوربية، وأدخلت عليها جملة من التحسينات لم تخرجها عن صورتها الأصلية.

ومن الطرق التي شاعت في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، وادعى كل من جربوها فائدتها السحرية في تقوية الذاكرة، خصوصاً لدى الأطفال، هي الإكثار من التمارين التي تعود المتمرن على تكوين صورة في الذاكرة، مطابقة للصورة المرئية. فمثلاً، إذا رأى الطفل زهرة في آنية موضوعة على منضدة، ثم أغلق عينيه، وتخيل شكلها وحجمها. وعندما تصبح الصورة واضحة ومتمكنة في خيال الطفل، يسمح له بفتح عينيه مرة أخرى، ومقارنة الصورة بالأصل. ثم يقفل عينه ثانية، ويبدأ من حوله في سؤاله عن الصورة التي رآها ورسمها في ذاكرته، مثل: ما هو لون الزهرة؟ كم كان ارتفاع الماء في الآنية؟ ما هو لون الماء في الآنية؟ ماذا كان يوجد على يسار ويمين الآنية؟ ماذا كان خلف الآنية؟ ما لون المنضدة. ثم يسمح للطفل بفتح عينيه مرة أخرى وتوضيح الأخطاء التي وقع فيها، ثم يغلق عينه مرة أخرى وتعاد عليه الأسئلة مرة أخرى. وهكذا حتى يعي تفاصيل الصورة المطلوبة، وفي الجلسة الثانية، يطلب من الطفل رؤية منظر آخر، وهنا يعي الطفل أن عليه أن يلم بدقاق الأمور، حيث إنه سوف يسأل فيها، عندئذ ستكون محاولة الطفل للتعلم والحفظ أقوى من سابقتها، وستكون عدد المرات التي يفتح ويغلق فيها عينيه على المشهد المرئي أقل. وبتكرار ذلك، يقول أصحاب هذه الطريقة، أن الطفل ستتولد لديه مقدرة فائقة على الملاحظة، والتذكر، واسترجاع المراد حفظه بسهولة ويسر.

وفي القرن التاسع عشر، مرت دراسة الذاكرة وتحديد أنسب طرق الاستذكار بعديد من التجارب التي أثمر بعضها عن نتائج ومشاهدات ثابتة، في حين لم يسفر بعضها الآخر إلا عن تساؤلات زادت الغموض حول هذا الموضوع الحيوي.

ومن أوائل العلماء الذين أثروا بتجاربهم في هذا الحقل، العالم الألماني كارل ابنجهاوس (Karl Ebbinghaus) الذي أجرى تجاربه في برلين بدءاً من عام 1880.

واستخدم ابنجهاوس في دراسته ألفاظاً لا معنى لها (Nonsense Syllables)، أو أرقاماً لا علاقة بينها. وقد توصل ابنجهاوس وزملاؤه إلى عديد من النتائج التي أضاءت الطريق إلى دراسة الذاكرة البشرية، وعلى ضوء نتائج ابنجهاوس، تم التوصل إلى قوانين، من شأنها تقوية الذاكرة مثل:

2. قانون التجميع (Law of Grouping)

يقول هذا القانون إن المتعلم المتميز بذاكرة قوية، يحاول أن يعقد الصلة بين أجزاء ما يريد تعلمه، بأن يكون منها وحدات أكبر من الوحدات التي تتكون منها أصلاً. وهذا القانون واضح الأثر في حفظ الإعداد. فإذا افترضنا ما يريد المتعلم حفظه، هو السلسلة الآتية من الأرقام: 2، 0، 2، 4، 3، 1، 6، 8، 5، 2.

فإن على المتعلم أن يكون من هذه الأرقام وحدات مجمعة، لتكون أسهل في تذكرها مثل:

52 ـ 68 ـ 431 ـ 202.

وما فعله المتعلم في تجربة ابنجهاوس، يحدث بشكل عملي، في حفظ الأعداد التي نستخدمها في حياتنا اليومية، مثل أرقام الهواتف أو المنازل.

·   التجميع اللفظي

وهي محاولة من المتعلم لعمل لفظ أو كتل صوتية لتسهل تذكر مجموعة معانٍ غير واضحة.

ومن الأمثلة المعروفة لقانون التجميع اللفظي، ما عمد إليه الطلاب في استذكار قواعد اللغة العربية؛ فمثلاً كلمة (أنيت) تتكون من حروف المضارعة، وكلمة (واي) تجمع حروف العلة الثلاثة في اللغة العربية، ومن أشهر هذه التجمعات الصوتية، العبارات التي تجمع الحروف المفخمة: خُصّ، ضِغْطٍ، قِظْ، أو الحروف المهموسة: فَحَثِّهُ شِخْصٌ سَكَت، أو الحروف الشديدة: أَجِدْ قَطِّ بَكَتْ... الخ.

كما يحاول المتعلم ربط كل كلمتين سوياً بعد اكتشاف نوع من العلاقة بينهما. وإذا تعسر ذلك ابتكر علاقة صناعية، لتيسير هذا الربط. فمثلاً إذا أراد المتعلم حفظ مجموعة من أسماء المدن، مثل: الرياض، صنعاء، الخبر، وهران، القاهرة، جدة، الأسكندرية، بنى غازي، واشنطن، بون، بورسعيد، بالتيمور. وفي مثل هذه الحالة يعمد المتعلم إلى تجميع كل نوع على حدة مثل أن يضع جميع عواصم الدول بعضها مع بعض، فتكون: الرياض، القاهرة، واشنطن، صنعاء. وجميع الموانئ كذلك، فتكون: جدة، الأسكندرية، بني غازي، بالتيمور. أو قد يجمع جميع المدن التي تبدأ بحرف واحد، مثل: بون، بورسعيد، بالتيمور، بني غازي. أو يختلق رابطة صناعية، مثل أن يبدأ بالمدن العربية، ثم يضع الآسيوية منها في مجموعة، والأفريقية في مجموعة أخرى. وقد يلجأ بعض آخر إلى ترتيبها حسب موقعها من الشرق للغرب. وهكذا.

وقد يسير بعض المتعلمين شوطاً آخر، فيخترعوا حكاية، قوامها رحلة خلال هذه المدن المبعثرة تجمع بينها حوادث القصة المفتعلة.

3. قانون التكرار

التكرار هو استعادة المادة التي يراد حفظها عدداً من المرات، يكفي لاسترجاعها صحيحة. والمادة التي يراد حفظها، قد تكون ألفاظاً لا معنى لها، وقد تكون جملة أو جملاً ذات معاني متصلة كقانون طبيعي، أو قصيدة شعرية.

والتكرار أكثر أهمية في حفظ المادة التي تربط بين أجزائها وحدة المعنى، مثل بعض القواعد الرياضية (جدول الضرب، النظريات الهندسية)، مصطلحات علمية، كيميائية كانت أم فيزيقية، أو المترادفات في اللغات الأجنبية.

وفي جميع هذه الحالات يعتمد المتعلم على تكرار المادة عدداً كافياً من المرات. وتعرف الاستذكار بهذه الطريقة، بالاستذكار الآلية، أو ما يطلق عليه العامة "طريقة الصَم".

وطريقة الصَم في الاستذكار ضرورية، إذا كانت المادة المراد تذكرها مجهولة المعنى أو غريبة لدى المتعلم. أما إذا كانت المادة غير ذلك، فإن الاستذكار بطريقة الصَم غير اقتصادية، بسبب ما تحتاج إليه من وقت طويل ومجهود كبير، فضلاً عن أنها عرضة للنسيان، أكثر من الطرق الأخرى.

أ. تكون العلاقات بين أجزاء المادة

وجد ابنجهاوس أن المتعلمين ذوي الذاكرة القوية يلجأون إلى تسلسل الفكرة، والاستنتاج المنطقي، في استذكار الأحداث التاريخية، أو سلسلة التفاعلات الكيميائية. وحينما لا يجد المتعلم هذا التسلسل يلجأ إلى عمله.

ب. تأثير النغم

النغم الصوتي له أثر واضح في عملية الذاكرة اللفظية. وهو، فضلاً عن ذلك، مظهر لقانون التجميع الذي سبقت الإشارة إليه. والميل إلى استحداث نغم فطرى عند الإنسان. لذلك، نلاحظ أن محاولات المتعلم التجميع بطريقة النغم موجودة عند الأطفال، دون أن يلقنهم ذلك أحداً. فالطفل يحدث التأثير النغمي بتقصير أو إطالة الفترة بين المقاطع التي تتكون منها الوحدة الواحدة.

ومن المشاهد أن أفراد الطبقات الجاهلة، قد تحفظ ألفاظ هذه الأغاني، مع غرابة معانيها، وبعدها عن مستوي تفكيرهم، تحت تأثير النغم الموسيقي. وقد استفاد رجال التربية الحديث بهذه الظاهرة، فعمدوا إلى تشجيع الأناشيد في استظهار المحفوظات الشعرية، تيسيراً لعملية الذاكرة.

ج. استخدام الشعر

لا يخرج الشعر عن كونه موسيقى لفظية؛ إذ يتكون البيت الشعري من مقاطع يرتبط بعضها ببعض بتوقيع خاص، وهو ما يعرف في الشعر العربي ببحور الشعر أو أوزانه. كما يرتبط كل بيت شعري بالبيت الذي يليه بقافية واحدة، لهذا كان الشعر أيسر حفظاً من الغير.

وقد عمد بعض رجال التربية في تشجيع استخدام الشعر بوصفه وسيلة من وسائل الحفظ، فتحولت كثير من العلوم إلى منظومات شعرية، تحتوي على أصول هذه العلوم وقواعدها.

ومن أشهر هذه المنظومات ألفية ابن مالك في النحو، التي تحتوي على ألف بيت من وزن واحد، مع اختلاف القافية. فمثلا كتب ابن مالك في باب كان وأخواتها:

تَرْفَعُ كـان المبتدا، والخَبَــرْ                 تَنْصِبُه ككــان سَيداً عُمَـرْ

ككـان ظَلَّ بات أضحى أصبحا                أمسى وصار ليس زال بَرِحا

وفي حروف الجر نظم ابن مالك:

هاك حروف الجر، وَهْيَ مِنْ إلى                حَتّى خَلاَ حَاشا عَدا مِنْ عَنْ على

مذ منذ رب اللام كي واوٌ وتــا                والكـاف والبــاء لعـل ومتى

والطالب هنا ينصرف أولاً إلى حفظ المتن وإجادته، دون اعتبار لمعانيه، مستعيناً في حفظه على الموسيقى الشعرية، أو تأثير النغم، حتى إذا توفر له ذلك، رجع إلى الشرح، ليتعرف على معاني ما سبق حفظه.

ولتسهيل حفظ مادة الحساب نظم الأخضري:

الجمـع ضم عـدد لعـدد                 لكـي تعده بلفـظ مفـرد

فتتجمع الآحـاد للآحـاد                    وهكذا الباقي على التمادي

ضع كل رتبة إلى الموضوع              من تحتها واُنظر إلى الجموع

 



       

ثالثاً: النسيان

لا ننسى إلا ما سبقت لنا معرفته، أي ما سبق أن تعلمناه، أو ما سبق حفظه وتذكره وتمييزه. فقد ننسى أن نتذكر شيئاً معيناً، ولكننا نميزه إذ عرض علينا. وقد ننسى أن نميز شيئاً سبق أن عرفناه، ولكننا إذا حاولنا تعلمه من جديد، وجدنا أن المجهود الذي نبذله فيه، أقل من المجهود المطلوب أن نبذله، إذا كان غريباً عنا حقيقة.

وكما أن الذاكرة تختلف شدة وضعفاً ودقة وتهميشاً. كذلك الحال في النسيان، الذي يمكن أن يُعد الصورة السلبية للذاكرة. فكلما ضعفت الذاكرة وضحت مظاهر النسيان. وعوائق التذكر، هي أكبر العوامل المساعدة على النسيان.

عوامل النسيان: يمكن القول، بصفة إجمالية، إن عوامل النسيان ترجع إلى إحدى المراحل التي تتكون منها الذاكرة. وقد لخص العلماء عوامل النسيان في النقاط الآتية:

1. النسيان بمرور الزمن

وهو العامل الرئيسي، كما أثبتته تجارب عدد من العلماء.

2. النسيان بسبب ضعف الاستذكار

فالتعلم إذا كان ناقصاً مبتور، كان ذلك سبباً في سرعة نسيان المادة. وقد قسمت الاستذكار بالنسبة إلى هذا العامل إلى ثلاثة أنواع:

أ. استذكار مناسب

وهو الذي يستطيع الشخص بعده استرجاع المادة مرة أو مرتين استرجاعاً صحيحاً.

ب. استذكار ناقص

وهو الذي لم تكتمل أصوله، فإذا اخُتبر المتعلم مباشرة، فقد يعجز عن استرجاع المعلومة على نحو صحيح، أو قد يسترجعها لكن بطريقة مشوشة، أو على نحو بطئ.

ج. استذكار كافٍ

وهو الذي يبقى بعد استرجاع المادة مرة أو مرتين.

3. النسيان بسبب خطأ في أسلوب التعلم

فالاستذكار الكلي للموضوع المراد تذكره، أفضل من الاستذكار بطريقة جزئية. فالتلميذ الذي يحفظ قصيدة بيتاً بيتاً، يكون عرضة لنسيان أجزائها عما إذا ذاكرها بطريقة كلية.

كما أن سرعة التعلم لها أثرها في هذه الناحية؛ فالذي يقرأ المادة بسرعة شديدة أكثر مما تدعو إليه الضرورة، يكون عمله عرضه للنسيان عن المتمهل المتريث.

فضلاً عن ذلك، فإن درجة اليقظة، والانتباه أثناء التعلم، ومبلغ الرغبة الشخصية، ومدى تشويق المادة للمتعلم، كل هذا له أثره؛ فالمادة التي لا تشوق المتعلم، بطبيعتها، كالنظريات الفلسفية، أو الحقائق الرياضية، أكثر قابلية للنسيان من المادة الشائعة، كالحكايات، أو المرتبطة برغبة شخصية عند المتعلم.

ومن أسباب النسيان بسبب أسلوب الاستذكار، الانتقال إلى مادة جديدة مشابهة، بعد الانتهاء من المادة الأولى مباشرة، بحيث تصبح خطراً على تثبيتها، وهو ما يطلق عليه "الكبت العكسي".

كما أن الفترة التي تلي الاستذكار، إذا قضاها المتعلم في النوم تصبح عاملاً على ترسيب الاستذكار، على نحو ما سبق ذكره.

4. النسيان بسبب العوامل الشخصية

وهي ترجع إلى رغبة الشخص اللاشعورية إلى كبت بعض الحوادث المتصلة به، بسبب ما تثيره في نفسه من آلام، فيفضل التخلص منها بالنسيان.

5. أمراض الذاكرة

قد يأخذ النسيان في بعض الحالات مظهراً شاذاً مرضياً، لا تنحصر آثاره، في العجز عن تذكر حقيقة معينة أو تجربة، بل قد يتعدى ذلك، إلى نسيان جانب بأسره من تجارب الفرد، الذي قد يشمل تاريخ فترة غير قصيرة من حياته. هذا الجانب قد يبتر بتراً من مجموعة تجاربه، ومن ثم تصبح الصلة مفقودة بين ماضيه البعيد وبين حاضره، نتيجة للفجوة التي سببتها هذه الفترة المنسية من حياته.

وتوجد خصائص جامعة لكل الحالات المرضية المرتبطة بالنسيان؛ فمن ذلك:

أ. يحدث فقدان الذاكرة بطريقة مفاجئة، فهو ليس اضمحلالاً تدريجياً. فهو يبدو في أعنف مظاهره فجأة، ثم يأخذ في الفتور فيما بعد. ولا يستثني من ذلك، إلا فقدان الذاكرة التدريجي، الذي ينشأ مع تقدم العمر (النسيان الانعكاسي).

ب. وكما أن فقدان الذاكرة يحدث فجأة، فإنه ينتهي فجأة في أكثر الأحيان، أو بدرجة سريعة لا تتناسب مع مظهره المرضي الشاذ.

ج. تختلف فترة الإصابة طولاً وقصراً؛ فقد يفقد الشخص ذاكرته لبضع دقائق فقط، ثم يعود إلى حياته العادية، دون أن يحس بوجود هذه الفجوة في سلسلة تجاربه. وقد تطول هذه الفترة، فيفقد الشخص ذاكرته وتتوه منه الحوادث التي وقعت في حياته قبل إصابته، وقد يغطي ذلك تاريخ عشرين أو ثلاثين عاماً مثلاً.

د. يختلف فقدان الذاكرة في كل حالة من هذه الحالات، من حيث عمق أثره، فقد لا يمتد عبئه إلا إلى نواحٍ معينة في حياة الشخص لحوادث خاصة، أو كل ما يتصل بها من أشخاص وأمكنة. ولكن فقدان الذاكرة قد يبلغ، من ناحية أخرى، أعنف مظاهره عندما يفقد الإنسان جميع تراث تجاربه الماضية حتى ساعة إصابته، فكأنه يبدأ الحياة، من جديد، طفلاً ناشئاً.

هـ. يتصل فقدان الذاكرة بمجموعة من الأمراض العصبية المختلفة، أهمها الصرع، كما في حالات فقد الذاكرة الفجائي، أو كما يحدث عقب حوادث السيارات أو السقوط، أو نتيجة تعاطي المسكرات.

ومن ظواهر النسيان المرضية، التي تتنافى مع القانون العام للنسيان، أن الشخص لسبب من الأسباب، لإصابة فيه مثلاً، يفقد قدرته على تذكر الحوادث الراهنة الحديثة العهد، في حين يزداد إحاطة بالماضي، كلما ابتعد عنه.

وأوضح حالات النسيان الانعكاسي، النسيان الذي يتميز به العجائز والمتقدمون في السن، فبينما ينسى المريض الحديث الذي دار معه آنفاً، أو نوع الطعام الذي تناوله منذ لحظات، نراه مع ذلك يسترجع حوادث أخرى مرت عليها سنون طويلة، بدقة ووضوح، وكأنها جرت منذ ساعات قليلة.

ومن الأمراض المشهورة، والمتعلقة بالنسيان، مرض الزهايمر (Alzheimer Disease)، الذي اكتشفه العالم الألماني ألويس الزهايمر عام 1906. وهو مرض يصيب المتقدمين في العمر، حيث يسبب لهم تآكلاً واضمحلالاً في خلايا المخ العصبية. فيفقد المرضى ذواكرهم، ثم يفقدون مقدرتهم على الكلام. ويعتقد العلماء أن هنالك جيناً معيناً مسؤولاً عن هذا المرض يورثه حامل المرض إلى ذريته.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70712
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة غسيل المخ التنويم    الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Emptyالأحد 17 أبريل 2016, 8:33 pm

غسيل المخ

تُعد مجاهل النفس، ومعرفة حقائقها، ونوازعها، تحديّاً كبيراً لمحللي النفس البشرية. ولكل إنسان مجموعة من الصفاتِ العقلية، والخلقية، والمزاجية، والجسمية التي تميز هذا الشخص عن غيره. ويُقر العلماء أنه إذا أصيب الشخص بصدمة عصبية أكبر من أن يتحملها إدراكه، تُصاب شخصية هذا الفرد باضطراب يختلف في درجاتهِ وعنفه بحسب نوع الصدمة، ودرجتها، قوة وضعفاً، فبعض هؤلاء قد يكتفي بالتوقف عن العمل، وبعض آخر يلجأ إلى الانزواء، والانسحاب من المجتمع، بحيث يعيش عالمه الخاص الذي يكون غالباً مفارقاً للواقع، وبعيداً عن معطياته، وهؤلاء يمكن أن يمثلوا - بمرور الوقت - خطراً على المجتمع والحياة معاً.

وغسيل المخ طريقة استحدثت منذ قديم الأزل للتأثير على الناس لتغيير معتقداتهم، ولإحلال أفكار جديدة مكان أفكارهم القديمة. وتوجد عدة طرق لغسيل المخ تختلف تبعاً لشخصية الضحية، ومنصبها، ووضعها الاجتماعي، وثقافتها، وطريقة تفكيرها.

فمع الأشخاص المعروفين بالموضوعية في التفكير يتم فتح حوار تُناقش فيه الحجة بالحجة في محاولة لإظهار المعتقدات بصورة خاطئة، أو إثبات أن تصرفات القائمين عليها قد سببت ألماً شديداً وخسارة لأبرياء.

فإذا ما وُجد تجاوبٌ، تبدأ مرحلة غسيل المخ التالية، وهي الإقناع بالفكرة المضادة، وغالباً ما يكون ذلك بالترغيب الذي يسير جنباً إلى جنب مع محاولات الإقناع الفكرية.

أما المرحلة الأخيرة، فغالباً ما يكثر فيها التلويح بأساليب الترهيب، إذا ما ارتد الشخص عن الاعتقاد الجديد الذي تم إقناعه به.

وأحياناً كثيرة تتم عملية غسيل المخ بتعريض الشخص لصدمة عصبية عنيفة تصيبه باضطراب داخلي؛ بحيث تقلل من عوامل استقرار شخصيته.

وغسيل المخ عملية صعبة وشاقة، ويقوم بها أخصائيون متدربون. وكان المصطلح يشير- في أول أمره - إلى طُرق التأثير التي مارسها الشيوعيون الصينيون على مخالفيهم في المعتقدات. وقد وصف هذا المصطلح برامج تجديد الفكر التي طوروها بعد السيطرة على الصين عام 1949م.

وأثناء الحرب الكورية (1950 ـ 1953م)، استعمل الصينيون والكوريون الشماليون أساليب غسيل المخ لتحويل السجناء الأمريكيين إلى شيوعيين. وكان ذلك يتم بأن يعزل الضحايا في زنزانة في السجن أو في غرفة صغيرة. ويكرر على مسامعهم وبطريقة قاسية فظة أن معتقداتهم الاجتماعية، والدينية، والسياسية غير صحيحة، ثم تُعرض عليهم ـ بعد ذلك ـ صورة مثالية للشيوعية.

ومن أساليب غسيل المخ بالإكراه ترك الضحايا يتضورون جوعاً، وعدم السماح لهم بالنوم إلا قليلاً، وممارسة التعذيب العقلي والجسدي معاً، الأمر الذي يجعل كثيرين يتخلون عن معتقداتهم ويتقبلون بدلاً منها معتقدات معتقليهم. ولكن سرعان ما يعود معظم الضحايا إلى معتقداتهم الأصلية عند عودتهم إلى بيئتهم الطبيعية، ولكن يصاحب ذلك أحياناً اضطرابات اجتماعية، أبرزها مخاصمة المجتمع، والنقمة عليه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70712
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة غسيل المخ التنويم    الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Emptyالأحد 17 أبريل 2016, 8:36 pm

التنويم المغناطيسي


الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14481   مقدمة
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14482   أولاً: نشأة التّنويم المغناطيسي
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14483   ثانياً: التطور التاريخي للتنويم المغناطيسي
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14484   ثالثاً: التنويم المغناطيسي والإيحاء
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14485   رابعاً: الأحوال الملائمة للتنويم المغناطيسي
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14486   خامساً: طرق التنويم المغناطيسي
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14487   سادساً: عملية التنويم المغناطيسي وإيقاظ النائم
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14488   سابعاً: التنويم المغناطيسي والطب
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14489   ثامناً: مجالات أخرى للتنويم المغناطيسي
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14490   تاسعاً: الجديد في عالم التنويم المغناطيسي
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14480   المصطلحات
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  BOlevel14479   المراجع والمصادر




       

مقدمة

يعيش الإنسان، محور هذا الكون، و محور كل فلسفة عرفتها البشرية، في ازدواجية تحيط به من كل جانب؛ فهو مكون من جسد وروح، ومن عقل وقلب، ومن وعي ولا وعي ولا شعور، ومن حلم ويقظة. يُضاف إلى ذلك أن الإنسان لا يحرّكه شعوره فقط، وإنما يحركه كذلك اللاشعور. وقد أثبت العلم الحديث أن مجال اللاشعور أشمل وأعم. والتجاذب قائم منذ القدم، والجدل محتدم دون هوادة بين العقل والشعور، بين الوعي واللاوعي، وكل طرف من الطرفين، يدعي أنه المعرفة وسبيلها.

أماّ أصحاب الفريق القائل بالعقل الواعي، فعدتهم المنطق، ولغة الأرقام؛ ويُخضعون كل معرفة لعقلهم ومنطقهم، ولا يؤمنون إلاّ بما تدركه حواسهم، ويؤيده عملهم، وينكرون كل شئ لا يخضع للبرهان والتجربة.

وهناك آخرون يتأرجحون بين الشك واليقين، فينصتون إلى صوت عقولهم أحياناً، فتخامرهم الشكوك، ثم تهب رياح الشّعور قوية عليهم، فيميلون ناحية اليقين.

وأمّا القائلون بغلبة الحياة اللاشعورية، فهم يؤمنون بالعقل وسيلة للمعرفة المجردة العلمية، ويعترفون له بالإنجازات، التي قدمها في مسيرة العلم والاكتشاف. ولكنهم يرون أن وسائل العقل محدودة، ومجال عمله محصور، وإلاّ فما موقف العقل من السّحر، وأسرار التنويم المغناطيسي، ومن التوقع بالغيب، والمعجزات، ومن نظرية التقمص، والتناسخ، والاتصال بالأرواح؟ وما موقف العقل من الحاسة السّادسة، والصّحون الطائرة، والأبراج الفلكية، وتفسير الأحلام؟. وما موقف العقل من أساليب الطب الحديثة، المسماة الباراسيكولوجي Parapsycholog، التي غزت العقل في عقر داره، وفرضت نفسها على أساليب الطب التقليدية المعروفة؟ وما هو هذا العلم بالتحديد؟.

إن "الباراسيكولوجي" من العلوم العصرية، التي تحاول أن تفسر الأحداث الغريبة، التي يبدو العقل عاجزاً عن تقديم التفسيرات الكافية لها. فهناك تنبؤات صادقة حدثت، وهناك بيوت مسكونة، وأناس يمشون على النار، وهناك عمليات جراحية، تُجرى دون الاستعانة بآلات جراحية، وعلاج يتم باللّمس، واستحضار أرواح وقراءة أفكار. وهناك، باختصار، السحر، وتلك القصص المدهشة التي يعجز العقل عن فهمها وإدراكها، فيبقى حائراً أمامها. ولهذا فإن علم الباراسيكولوجي يُعنى بالظواهر والأحداث الغريبة، فيشرحها بشكل علمي، منطقي، عقلاني وواضح، حتى أن ما يبدو للوهلة الأولى خارقاً أو معجزة، يصبح في متناول العقل والمنطق.

أما التنويم المغناطيسي فهو علم له جذوره العميقة، كما له أصوله ومبادئه. وهو، في الوقت نفسه، فنٌ لا يستطيع أن يكتسبه الإنسان من طريق التحصيل فقط. وطالما أن التنويم فن، فقد ينقلب إلى شعوذة إذا مارسه مَنْ تخلى عن مبادئ الخير والحق، ومال به عن غايته الأساسية.

وعلى هذا، فإن المنوّمين الذين يعرضون أعمالهم في الحفلات والمسارح، لإدهاش الحاضرين وكسب المال، لا يعتمدون على أدوات التنويم الحقيقية، بل يستعملون الخفة، والذكاء، وأمور السحر، والتمثيل، والاتفاق مع التابع أو النائم، ويعتمدون على الوهم، الذي يسيطر على الحاضرين.





       

أولاً: نشأة التّنويم المغناطيسي

"المغناطيسية" ـ من الناحية العلمية ـ قوة خفية تُحدث انجذاباً في بعض الأجسام كالحديد، والنيكل، والكروم، وما شابه. وهى من حيث وجودها تشبه الكهرباء، كقوة غير منظورة تؤثر في الأجسام الحية. وقد توصل العلماء إلى أن الجاذبية الكهربائية والمغناطيسية، قوة موجودة في داخل الأجسام الجامدة والنباتية والحيوانية، كوجود الروح داخل الأجسام الحية، لكنها لا تُرى، ولا تُلمس، إنما يظهر تأثيرها فقط، كما يظهر تأثير الهواء من حيث الإحساس بالحرارة والبرودة على جسم الإنسان.

وحين تكون هذه القوة الخفية موجودة في الإنسان، فإن تأثيرها يكون أعظم وأغرب فعلاً، لأن الإنسان مخلوق خصه الخالق بسلطان التأثير على سائر الكائنات. وعلى ذلك، فإن علم التنويم المغناطيسي، هو ذلك العلم الذي يظهر فيه تأثير القوى النفسية في غيرها من الكائنات الأخرى. ويُشار هنا إلى أن للنفس البشرية قوة يُقال لها "قوة الإرادة"، باستطاعتها ـ إذا وجدت في شخص محدد ـ أن تأتي بالخوارق من الأفعال. فالنفس البشرية إذا صفت من أدرانها، وخلصت من الاشتغال بالقوى الأخرى، وانحصرت انفعالاتها في قوة الإرادة انحصاراً كلياً، ثم توجهت هذه الإرادة توجهاً نفسانياً، فكل شئ يريده الإنسان يظهر له، ولو كان ذلك الشيء في أعماق البحار، أو وراء الجبال، أو في الأفلاك المحيطة بالكون.

وأول باب لهذه القوة هو "الفراسة"؛ فالإنسان إذا وجه قوة نفسه الإرادية، باتجاه شخص آخر، وكانت نفسه لا شاغل لها إلاّ ما في نفس ذلك الشخص، ثم عطل كل حركة فكرية لديه، بحيث تصفو نفسه فوق مستوى عالم المادة، فإنه يستطيع أن يُخبر بما في ضمير ذلك الشخص، كأنه شئ ظاهر أمام عينيه ظهور الأشياء الحسية العادية، التي تُدرك بحاسة البصر والعين المجردة.

ولّما كانت النفس البشرية ذات نفوذ وتأثير قويين على الجسد كله، فإنها قد تستخدم أجزاء من الجسد تتلاءم مع حركة قوتها ونفوذها، كأن تستخدم العين، مثلاً، للوصول إلى تأثيرها في الأشياء الخارجية. ومن هنا يُلاحظ أن العين هي الواسطة التي تتخذها النفس من أجل الوقوف على ما خفي عنها، وللسيطرة على ما هو أقوى منها. فالحيوان المفترس إذا أبصر فريسته، فإنه يبعث الرعب في قلبها بواسطة النظر إليها، ثم يسيطر على الفريسة بقوة النظر المنبعثة من نفسه، وبما أن النفس البشرية هي أرقى وأقوى من نفوس الكائنات الأخرى، فإنها، ولاشك، أشد تأثيراً في الإنسان، مثل ما يحدث في التنويم المغناطيسي. ذلك أن لكل إنسان حالات مختلفة من الشعور، تتغير بتغير المؤثرات المحيطة به، وفي التنويم المغناطيسي يمر التّابع أولاً بمرحلة اضطراب الأفكار، ثم تصير الأفكار أحلاماً، ثم ينام نوماً خفيفاً، يعقبه نوم عميق.

1. تعريف التنويم المغناطيسي

عرّف العلماء التنويم المغناطيسي بأنه: حالة نفسية يقبل فيها العقل الباطن الإيحاءات الموجهة إليه بسهولة، ويعمل على تحقيقها بقوة تفوق القوة العادية؛ ذلك أنه في حالة التنويم المغناطيسي يكون العقل الواعي، الذي نعرفه، معطلاً، وهنا تكون الفرصة سانحة لأن يصل الإيحاء إلى العقل الباطن، دون عائق.

كما عرّفه آخرون، بأنه: إحداث حالة لا تختلف من الناحية الفسيولوجية عن حالة النوم العادي. والفرق بين النوم الطبيعي والمغناطيسي، هو أن الطبيعي يقوم به الإنسان بنفسه، أما المغناطيسي، فلا بد أن يحدثه مُنَوِّم موثوق فيه من التابع كما يختلف عن التخدير، الذي هو نوم ينجم عن تقنيات كيماوية. وأما الظواهر التي تحدث أثناء التنويم فمرجعها خيال النائم، وعقله الباطن، الذي يتأثر بالإيحاءات التي يلقيها إليه المنوِّم، ويعمل بموجبها. فحالة التنويم تتعلق بالنائم، وتقوم في عقله الباطن فقط. أما القوة المغناطيسية التي يحوزها المنوِّم، فيتجلى أثرها في سرعة إحداث التنويم، وقوة الإيحاء الصادرة عنه.

كما عُرّف بأنه: نوم ناقص ينجم عن الإيحاء المغناطيسي، وليس نوماً كاملاً. نوم يسترخي فيه الشعور، ولكنه لا يشرد، فيظل الشخص محتفظاً بقدرته على التركيز والانتباه، أما مداركه الحسية فتبقى قائمة ولا تفقد العضلات حيويتها قط، الأمر الذي يتيح للشخص النائم مغناطيسياً المشي والنهوض وأداء بعض التصرفات الأخرى. ويعرّف التنويم المغناطيسي، بحالة الاستيقاظ من النوم الليلي، مع فارق أن المنوّم يستجيب للإيحاءات، ويبدي ميلاً للموافقة عليها. وخلال النوم المغناطيسي يُظهر الشخص النائم قدراً كبيراً من الانصياع نحو الشخص المنوِّم، فيجيب على الأسئلة، ويمتثل لبعض الأوامر، التي يجب أن تنفذ بعد الرّقاد المغناطيسي، وغالباً ما يتم ذلك، لأن تلك الأوامر تُحفظ في عقله الباطن، أثناء النوم، ثم تأمره بتنفيذها، حال الاستيقاظ.

2. حقائق عن التنويم المغناطيسي

أ. التنويم المغناطيسي لا ينجم عنه أي ضرر أو خطر، إذا مارسه شخص مدرب مثقف في هذا الفن، وأهل للثقة، وذو أخلاق.

ب. لا يمكن تنويم أي شخص مغناطيسياً، رغماً عن إرادته.

ج. لا ينشأ عن التنويم المغناطيسي أية أمراض عصبية، أو هستيريا، على الإطلاق، بل على العكس يمكن اتخاذ التنويم وسيلة لعلاج بعض هذه الحالات.

د. التنويم المغناطيسي ليس صراعاً بين إرادة المنوِّم، وبين الشّخص المراد تنويمه، بل هو اتحاد مسبق بين الإراديتين لإحداث حالة التنويم. وليس هناك ما يمنع من أن تكون إرادة النائم أقوى من إرادة المنوِّم، ومن ثم لا صحة لِما يشاع بأن إرادة النائم ضعيفة، ولذلك خضعت لإرادة المنوِّم، الأقوى منها.

هـ. أكثر الناس قابلية للتنويم هم الأصحاء جسدياً وعقلياً. ولا صحة لما يشاع بأن الأشخاص ذوي الإرادة الضعيفة هم أكثر قابلية للتنويم من غيرهم. وقد دلت الاختبارات أن المعتوه لا يمكن تنويمه، لأنه لا يملك قوة التركيز، المطلوبة لعملية التنويم.

و. النائم مغناطيسياً لا يسترسل في الكلام فيبوح بأسرار نفسه، أو بجرم ارتكبه، أو أي شئ آخر، بدليل أن بعض المنوِّمين كانوا يعرفون مسّبقاً أن مرضاهم ارتكبوا جريمة معينة، فلما سألوهم، وهم في حالة التنويم المغناطيسي عن جريمتهم، لم يبوحوا بسرهم مطلقاً، بل كانوا يرفضون الإجابة على السؤال رفضاً باتاً، أو يجيبون بشكل يضلل المنوِّم.

ز. ليس صحيحاً أن التنويم المغناطيسي يضعف إرادة النائم. والواقع أن الاستغراق في النوم المغناطيسي ليس له من أثر، أكثر مما للنوم العادي لمدة مماثلة.

ح. لا يمكن دفع النائم مغناطيسياً إلى القيام بما يتعارض، مع مبادئه الثابتة.

كما أن الشخص النائم مغناطيسياً لا يقوم، على وجه العموم، بأي عمل مناف للأخلاق، وإذا طُلب منه أن يأتي بما يشبه هذه الأعمال، فإنه يستيقظ وقد أصيب بصدمة شديدة. وإذا حدث أن استجاب بعض الأشخاص لهذه الإيحاءات، فإن التحليل النفسي يؤكد أن هؤلاء الأشخاص يميلون إلى هذا النوع من الأعمال، ويمارسونه فعلاً، أي أنهم يفعلون أثناء التنويم ما تعودوا فعله قبل التنويم.

فإن كان النائم ذا صفات طيبة، وخصائص خلقية حميدة أثناء اليقظة، فإنه لن يخالفها في حال النوم، ذلك أن ضمير النائم يظل معه، وما يمتنع عنه عقله الظاهر، لا يمكن أن يقبل به عقله الباطن. وهذه حقيقة أكدت التجارب صحتها بما لا يقبل الشك، وإن حدث خلاف ذلك، ففي الغالب يكون، ثمة اتفاق مسّبق بين المنوِّم والنّائم.




       

ثانياً: التطور التاريخي للتنويم المغناطيسي

1. التنويم المغناطيسي قديماً

للتنويم المغناطيسي جذور عميقة في تاريخ الفكر البشري، قبل أن يتحول في السّنوات الأخيرة علماً قائماً بذاته، له قواعده وأصوله. والتنويم حقيقة علمية، عرفتها البشرية ومارستها في مختلف العصور، بصور وأشكال متنوعة. وقد أخضعه العلماء في العصور اللاحقة للبحث العلمي، فقدموا الأدلة العلمية على وجوده، وعالجوا بواسطته الأمراض المستعصية، فجاءت نتائجه حسية لا يُرقى إليها الشّك.

فمنذ القِدم، كان لبعض الناس تأثير نفسي على أشخاص آخرين، وما زال هذا التأثير يُمارس حتى يومنا هذا، في كل مكان وزمان. وما خلّفته الأجيال الماضية من كتابات متناثرة، وصور منقوشة، تدل بوضوح على أنهم عرفوا التنويم المغناطيسي، ومارسوه بأنفسهم، وأن كثيراً من الأسرار، التي كانت تحيط بالسّحر والكهانة والفراسة وغيرها من الممارسات، إنما كانت قائمة على معرفتهم للتأثير النفسي في صورة التنويم، واستخدامهم إياه بطريقة عملية، شبيهة لما نعرفه عنه اليوم. كان الاعتقاد السائد قديماً، أن فئة من الناس، كالسحرة والمنجمين والكُهان، يملكون قوة خفية مستقرة في باطنهم، يستطيعون بواسطتها التأثير على غيرهم، وهذه القوة تتيح لهم ممارسة أقصى درجات التحكم في مشاعر الآخرين، من حيث الإقناع والأمر والنهي.

أ. التنويم عند المصريين القدامى

كان الكهنة المصريون يمارسون العرافة، وهم في حالة الغيبوبة التّامة، الناتجة عن تحديقهم في أشياء براقة ذات نقوش عجيبة. وكان بعض الكهنة يمارسون طقوسهم الدينية وعيونهم مغمضة، ليهِّيئوا أنفسهم لمشاهدة الآلهة، كما يعتقدون. وكانت الغيبوبة، التي تنشأ في الهيكل أثناء الصلاة، نوعاً من النوم المغناطيسي. وهذا الأمر كان شائعاً حتى عند غير المصريين القدامى، إذ كان الوثنيون بصورة عامة، يعتقدون هذا الاعتقاد. كما أن التمائم والأغاني الدينية كانت تُلقى في نغمات رقيقة، مؤثرة، جامعة لوسائل التأثير الإيحائي، والمغناطيسي، إذ كان يقصد بها جعل المتعبدين في حالة تخدير وغيبوبة.

ب. التنويم عند الفرس والهنود

كان المجوس من الفرس، والكهان من الهنود، يمارسون التأثير النفسي المعروف حديثاً بالتنويم، بصور مختلفة، مثل: التعزيم، والرُقي، والصّلوات لدفع سوء الحظ وإزالة المرض، والرُّقي ضد لدغ الحيات، والتخلص من تأثيرات الجن، وإكثار الخيرات والبركات وغيره.

وتوجد قصائد كُتبت خصيصاً لإحداث النّوم السحري. ودراسة الطقوس الدينية لدى الهنود، تُظهر كيف كان التنويم يلعب دوراً أساسياً لديهم، لاسيما في الاحتفالات التي تقام لآلهة الجو وآلهة الحصاد، تحت إشراف البراهمة، وحالات التأمل والانشغاف، التي يستغرق فيها رهبان الهندوس وراهباتهم. كما يُلاحظ أن وسائل إحداث الغيبوبة عند ممارسة "اليوجا"، لا تختلف كثيراً عن أساليب التنويم الحديث؛ فممارسو اليوجا يبدءون بعض الشعائر والطقوس، ثم يتجنبون كل المؤثرات الخارجية، ويركّزون انتباههم على شئ يضعونه أمامهم ليشغلهم عن العالم الخارجي، الذي يحيط بهم.

وكان أفراد القبائل البدائية يمارسون احتفالات يرقصون فيها على أنغام الطبول، التي تدق على وتيرة واحدة؛ فينشأ عن ذلك مرح وانفعال حاد، في صفوف الحاضرين، يقترب، أحياناً، من حالة الجنون المؤقت، وتبدو في الرقص ظواهر مختلفة، شبيهة بظواهر التنويم المغناطيسي.

ج. التنويم عند العبرانيين والآشوريين

كان العبرانيون والآشوريين يستخدمون وضع الأيدي على الرأس والجبهة ، والنفخ في الوجه، لعلاج الأمراض. وكانوا يلجأ ون إلى العراف يسألونه عن الأمور الخاصة بهم كأفراد، أو عن الشؤون العامة، كالحروب.

د. التنويم عند قدماء الإغريق

مارس أطباء الإغريق قديماً، حركات سحرية، تشبه تمرير اليد وسحبها فوق وجه النائم، كتلك التي يستخدمها أصحاب التنويم المغناطيسي اليوم. وكان لديهم كهنة متخصصون في بعض المعابد، للاستشارة الطبية. فإذا قصدهم المريض وأرادوا معالجته، ألقوا بأنفسهم في حالة من الغيبوبة لمحاولة معرفة سر هذا المرض، والغوص في أعماقه.

هـ. التنويم عند الرومان

كان الرومان يعالجون الأمراض، بوضع اليدين بطرق خاصة على مكان الداء. كما كان المعالجون، يُشخِّصون الأمراض، ويصفون العلاج، وهم في حالة تشبه حالة النائم. وقد استعمل الرومان التنويم لشفاء المصابين بالخبل والجنون، وذلك بواسطة تدليك الجبهة والرقبة والكتفين، وأدركوا أنهم كلّما أكثروا من التدليك، غاص المريض في نوم عميق لفترة أطول.

و. التنويم عند الفرنسيين

كانت النساء اللاتى ينشأن في المعابد والهياكل، يمارسن أعمال الكهان، ومعالجة الأمراض المستعصية، في أجواء هادئة شبيهة بأجواء التنويم المغناطيسي.

2. التنويم المغناطيسي حديثاً

يرجع الفضل في تطوّر علم التنويم المغناطيسي، إلى عدد من العلماء، من مختلف أنحاء أوروبا، أشهرهم: العالم مسمير من ألمانيا، والدكتور جيمس برايد من إنجلترا، والعالمان ليبولت وإيميل كوي من فرنسا.

أ. مسمير والتنويم المغناطيسي

يُعد العالم والطبيب الألماني أنطوني مسمير، أبو المغناطيسية الحيوانية Animal Magnetism ورائد التنويم المغناطيسي الحديث. وقد دخل إلى الدير وهو في العاشرة من عمره، ليتعلم كيف يصبح كاهن المستقبل، واستمر في دراسة اللاهوت حتى دخوله الجامعة. كما درس علم الفلك والفيزياء والرياضيات. ثم ترك الكنيسة واتجه نحو دراسة الطب،الذي كان يرى أن كل شئ يمكن إثباته مادياً فقط ، بينما كان مسمير يؤمن بوجود قوى مجهولة وغامضة. وعندما درس علم التنجيم، كان يعتقد أن للنجوم تأثيراً في أحوال الناس، ونسب هذا التأثير إلى الكهربائية أولا، ثم إلى المغناطيسية، بعد ذلك.

وبعد أن أنهى دراسته للطب في مدينة فيينا النمساوية ، درس علم العلاج المغناطيسي وبرع في ممارسته. وعالج بعض الأمراض بواسطة قطع مغناطيسية معدة خصيصا لهذا الغرض. ثم أعلن نظريته وتجاربه في المغناطيسية الحيوانية عام 1775، فأثار بذلك ضجة كبرى في كافة أنحاء أوروبا.

وتتلخص هذه النظرية في الاعتقاد بوجود سائل كوني، تسبح فيه الأجساد كافة، مشابه للمغناطيسية المعدنية، التي يُشاهد تأثيرها علي المعادن، لكنها مغناطيسية خاصة بالمخلوقات الحية، ولذلك أسموها "المغناطيسية الحيوانية". كما كان يرى أن الإرادة البشرية لها القدرة على استخدام هذا السائل، وجعله يدخل جسم شخص أخر، ليزيد الإرادة فيه، ويقوّي ثقته بقوته الذاتية.

نال مسمير إعجاب الناس بمقدرته العجيبة، وإنجازاته، التي تُعد في إطار المستحيلات. فقد كان يفرض على الناس خضوعهم إليه، فيجعلهم يلّبون إرادته وأوامره، بصورة كاملة. وقد فسر قوته، بسبب مقدرته على ضبط السّائل الشبيه بالقوة المغناطيسية، الذي يحل في جسم الشخص المراد تنويمه. فكان التنويم يتم في قصير حال أن يمرر يديه على المريض. غير أن مسمير، الذي كان ذا عقلية علمية وعملية، في الوقت نفسه، اكتشف أن الأمر سيطول، إذا حاول علاج كل مريض على انفراد، فاخترع طريقة العلاج الجّماعي.

وكانت عيادته صالة كبيرة معتمة، تُغطي الستائر نوافذها وأبوابها، وفي وسطها بركة كبيرة من خشب السنديان تسمح لثلاثين مريضاً بالوقوف حولها. وعندما كان المرضى يحيطون بهذه البركة، كانوا يؤمرون بالصمت التام، وربما كان ذلك لجعلهم أكثر قابلية للموسيقى، المعدة خصيصاً لهذه المناسبة. وكان يجعل بعض المغنيين ينشدون لهم في أصوات رخيمة، فيُصيب المرضى نوع من الذهول. وبعد مرور ساعات عليهم وهم في هذه الحال، يصيبهم شيء من الانجذاب والخمول. وفي اللحظة الحاسمة، يظهر الدكتور مسمير في الصالة بصورة مفاجئة، وهو يرتدي ثوباً حريرياً براقاً، ويمر بين المرضى مثبتاً نظره عليهم، ممرراً يديه على أجسامهم، لامساً إياهم بقضيب من الحديد، لا سيما الأعضاء المريضة. وكان معظم المرضى يشفون بعد جلستين أو ثلاث على الأكثر. وقد استطاع هذا العالم أن يجمع حوله أتباعاً كثيرين، تكونت منهم مدرسة سميت "المسميرزم" Mesmerism، نسبة إليه.

وقد بدا للجميع، في ذلك الوقت، أن المغناطيسية الحيوانية ينتظرها مستقبل باهر، غير أن أساتذة الطب أنفسهم، الذين قبلوا الأطروحة الشجاعة لمسمير، كانوا ينتظرون الفرصة للنيل منها ومن صاحبها.

وقد جاءتهم الفرصة، عقب علاج مسمير لعازفة البيانو، التي كانت تعاني ما يُسمى "العمى الهستيري"، ولم يفلح أحد في علاجها، حتى أفضل أطباء العيون في فيينا، وتمكن مسيمير من إعادة بصرها إليها.

غير أن الفتاة لم تستطيع العزف ببراعة، كما كانت تفعل قبل العلاج. وأخذ الأطباء يلعنون مسمير، ويذيعون أنه السبب في فقد الفتاة قدرتها على العزف، حتى أن والد الفتاة دخل منزل مسيمير، كالمجنون يحمل سيفاً ويريد قتله. وعادت حالة "العمى الهستيري" إلى الفتاة مرة أخرى، فطر مسمير من الجامعة، ولجأ إلى فرنسا. وتشكلت لجنة علمية للتحقيق فيما يدعيه. ولكن اللجنة لم تهتم بمعرفة ما إذا كان مسمير قد نجح في علاج بعض المرضي أم لا، بل كان همها الوحيد هو اكتشاف دقة نظرية "المغناطيسية الحيوانية". ولمّا كان يستحيل البرهنة على ذلك، وضعت حالات الشفاء، التي نجح مسمير في تحقيقها، في خانة الخيال. واحتقره الناس قبل موته، وقالوا إنه دجال وألفوا رواية هزلية للسخرية به. وكتبت الجرائد الإنجليزية تسخر منه. ثم أصبح مسمير في الظل، حتى توفي عام 1815.

ولكن طريقة مسمير ظلت باقية. واستطاع باحث يدعى "دوبو سيغور"، يعمل في مجال التنويم المغناطيسي، أن يتجاوز الطابع الاحتفالي، واستخدام الموسيقى والستائر، وأن يجعل "المنوَّم مغناطيسياً" يستغرق في نوم عميق، ليس بسبب التعب أو عدم المبالاة، ولكن نتيجة لنعاس غريب. وقد أحدثت حوله الكثير من الضوضاء والحركات والصراخ فلم يستيقظ، ولكنه ينهض فجأة ويمشي ويتحدث، وهو يخضع كلياً للسيد دوبو سيغور، الذي لم يكن بعيداً عن اعتبار نفسه ذي إرادة كونية. فقد اكتشف التنويم المغناطيسي، وكذلك الإيحاء المنوم.

وجاء بعد ذلك العالم دولوز، ليكتشف "الإيحاء ما بعد التنويمي"، ويشير إلى أن الشخص عندما يكون يقظاً، فإنه يرد على الأوامر المعطاة له عندما كان نائماً. وهكذا تابع عدد من الباحثين أعمالهم، حتى وصل التنويم المغناطيسي إلى مرحلة الصعود.

وفي عام 1838 أُجريت عمليات بتر رهيبة دون ألم، باستخدام التنويم المغناطيسي. كما استخدم التنويم المغناطيسي ونجح في أكثر من ثلاثمائة عملية كبيرة، دون أية أوجاع. ومع ذلك استقبل هذا الإنجاز المدهش بالاحتقار، وعلى الرغم من النجاحات الكبيرة العملية لتأثير التنويم المغناطيسي، فإن المسميرية تدهورت أكثر مما تطورت.

ب. جيمس بريد James Braid

كان الدكتور جيمس بريد جراحاً شهيراً إنجليزياً، مَثَله مَثَل الغالبية من زملائه الأطباء يُنكر المغناطيسية الحيوانية إنكاراً باتاً، ويرى أن المسميرزم ونتائجه، ناشئة عن خداع النفس والاحتيال. ولكنه بعد أن شاهد إحدى المعالجات بطريقة مسمير، اقتنع بصحتها، وقرر أن يجري بنفسه بعض التجارب. وفي عام 1841 توصل إلى اكتشاف إمكانية إيجاد حالة غيبوبة خاصة، يُمارس معها العلاج أحياناً، وذلك بتركيز الانتباه على نقطة مركزية ثابتة. وهو أول من أطلق عبارة Hypnotism، المشتقة من اليونانية Hypnos ومعناها النّوم، وأطلق هذه العبارة على ظواهر التنويم، وأعلن وجود علاقة ثابتة بين "التنويم" وبين "النوم الطبيعي". وقال: إن التنويم ينشأ عن إجهاد أعضاء الحس، وأن انتباه المريض إذا تركز على شئ براق، ثابت أو خلافه، فإنه تحدث له حالة نفسية باطنة يصبح معها قابلاً للإيحاءات، التي يلقيها إليه المنوِّم.

وقد سمي بريد المغناطيسية الحيوانية بـ "التنويم" أو "الذهول". ويعد تعليله لذلك أول تعليل علمي، قال: إن التحديق المستمر يشل المراكز العصبية المتسلطة على العين، فيرتخي جفناها وينطبقان. فصار يُمسك بيده شيئاً لامعاً أمام عيني من يريد تنويمه، ويرفع يده به، حتى يُضطر الناظر إليه أن ينظر إلى أعلى، فيتعب سريعاً؛ ثم يُدني الشيء اللامع منه رويداً رويداً، فتتعب أجفان عينيه وتنطبق. وإذا لم تتعب في النوبة الأولى، كرر ذلك وأمر الناظر أن يوجه عينيه وعقله إلى ذلك الشيء. وقد سُميت طريقة هذا العالم "البرادزم" Braidism، نسبه إلى اسمه بريد.

ج. ليبولت والتنويم المغناطيسي

بدأ الدكتور ليبولت، في مدينة نانسي في فرنسا، يدرس تجارب مسمير عام 1864، وأنشأ عيادة للعلاج بهذه الطريقة، وحصل على نتائج عظيمة. وفي عام 1866 أعلن أن ظواهر التنويم، إنّما ترجع إلى التأثير النفسي أو الإيحاء. وكان عندما يأمر المرضى أن يناموا، فإنهم، في الحال، ينعسون نُعاساً هادئاً، ثم يأخذون جرعتهم من الإيحاءات الشافية. وعندما تصدر إليهم الأوامر أن يستيقظوا، كانوا يسيرون بهدوء بعيداً. وكان الدكتور ليبولت يحرص على أن يشرح لمرضاه، وأن يؤكد لهم، أن كل ما يحدث عنده من علاج يمكن تفسيره علمياً، وأنه لا يمارس أية قوة خفية، كما يزعم الجاهلون. وقد أُطلق اسم "مدرسة نانسي"، على من قبلوا نظريات الدكتور ليبولت. وتتلخص نظريته في أن التحليل التام للتنويم، إنما يتحقق عن طريقة الإيحاء، وأن التنويم المغناطيسي يُعد ظاهرة طبيعية، وأن الغالبية العظمى من الأشخاص يمكن تنويمهم مغناطيسياً، وأن ما يسمى بالتنويم المغناطيسي ما هو إلاّ إِشغال حيز طبيعي من الدماغ بنشاط معين، هو الإيحائية؛ أي الاستعداد للخضوع إلى تأثير معين، دون مناقشة الفكرة، وأن أشخاصاً لديهم استعداد بدرجة ما لتقبل الإيحاء، ويمكن أن يوحي لهم بأفكار وانفعالات وأفعال وهلوسات.

ويستنتج من ذلك أن إمكانية تقبل التنويم المغناطيسي، مشروط بالحالة العضوية في تلك اللحظة، وأن مظاهر النوم المغناطيسي تعود إلى السبب ذاته، وهو الإيحائية.

د. الدكتور برنارد Bernard والتنويم اليقظ

في عام 1884 أعلن الدكتور برنارد اكتشاف الحالة المعروفة بالتنويم اليقظ، Hypnosis، وهي الحالة التي يكون فيها الشخص واقعاً تحت تأثير الإيحاء الصادر عن المنوِّم، ولكنه مع ذلك يبقى شاعراً بما حوله، محتفظاً بذاكرة تامة، لكل ما يجري له، وما يحيط به. وعدّها برنارد الحالة الأساسية للتنّويم؛ إذ ليس النوم بمقدمة من مقدمات التنويم، ولا هو بلازمة من لوازمه، بل هو مجرد صورة من صوره.

هـ. إيميل كوي Eimile Coue

في عام 1885 التقى ليبولت مع إيميل كوي، الذي تتلمذ على يديه ومارس الإيحاء التنويمي Hypnotic على طريقته. ولاحظ كوي تأثير الإيحاء اليقظ في إحداث الشّفاء، فعكف على دراسته، وأسس ما أسماه: "مدرسة نانسي الجديدة"، وأعطى إيحاءاته الشّافية مجاناً لقاصديه الكثيرين، ونال شهرة واسعة تخطت الحدود، واعتمد كثيراً على الإيحاء اليقظ، وسماه "الإيحاء الذاتي"، مقرراً أن كل إيحاء ليس في الحقيقة، إلاّ إيحاءاً ذاتياً، وأن القوة الفعالة في التنويم إنما هي الإيحاء، والذي يمكن إعطاؤه الإيحاء في غير حالة النوم، بل يمكن أن يمارسه المريض نفسه.

وقد كتب هذا الطبيب الفرنسي أيميل كوي، الذي يُعد سفيراً لنظرية الإيحاء الذاتي، منذ أكثر من نصف قرن، في كتابه: "طريقة كوي" The Coue Method، ما يأتي:

"نحن نمتلك في داخلنا قوة من الطاقة، التي لا يمكن حسابها، وإذا وجّهنا هذه الطاقة بأسلوب حكيم، فستعطينا السّيادة على أنفسنا، إنها تسمح لنا، ليس بالتخلص من الأمراض الجسدية والعقلية فقط، بل تسمح لنا بالعيش في سعادة نسبية".

"ما يعرفه الإنسان بشكل واعٍ يمثل فقط عُشر من جبل ثلج عائم. وبالتنويم المغناطيسي الذاتي، سيصبح من السهل على الإنسان أن يمتلك التسعة أعشار المدفونة تحت الماء".

وقال أيضاً: "عندما تتمنى أن تفعل شيئاً معقولاً، أو عندما يكون عليك أداء واجب، فكر دائماً بأنه سهل، اجعل كلمات "صعب"، و"مستحيل"، و"لا أستطيع" تختفي من قاموسك. قل لنفسك: "أنا أستطيع أن أفعل، وسأفعل، ويجب أن أفعل". وعندما ترى أي شئ سهلاً، فإنه يصبح أكثر سهولة لك، مع أنه قد يبدو صعباً للآخرين.

"إن مدح النفس يساعدك على بناء الثقة بها، ولا شئ له القوة التي يمتلكها صوت نفسك. كما أن تقوية الذات Ego ضرورية، للتعويض عن الانحدار الذي يخضع له معظم الناس خلال سنوات النمو".

فعلى الرغم من الأُسس البدائية للغاية لنظرية أميل كوي، غير أنها تتمتع بميزة كبيرة، لأنه استخدم الإيحاء الذاتي عملياً، فهي عدّه إيحاء ينبع من المريض ذاته. وكمثال ، لا يمكن علاج إنسان خجول، بمحاولة إقناعه، بكل الذرائع المعقولة، كي لا يكون خجولاً؛ فالمُعالج النفسي يعرف أنه من غير المفيد إقناع المريض نفسياً، بأن نقول له: إن سلوكه أحمق لهذا السبب أو ذاك، وأن عليه بذل مجهود... الخ.

ولما كان كل مرض نفسي يعود إلى سبب وجداني، فإن كل معالجة نفسية ينبغي أن تستهدف "الوجدانية". وقد حاول كوي أن يتوصل إلى ذلك، عندما قال: "عندما تكون المخيلة والإرادة في صراع، فإن المخيلة هي التي تنتصر دون استثناء".

لذلك، أولى كوي أهمية كبيرة لدور الحياة النفسية غير الواعية، التي أسماها "المخيلة". وبالتأكيد كانت طريقته بدائية، فقد كانت تستهدف استبعاد الإيحاء المرضي، من طريق إيحاء مضاد صحيح؛ وباختصار: "أمر وأمر مضاد".

كان كوي يطلب إلى المرضى أن يكرروا، حتى وإن لم يؤمنوا بذلك، ولكن بطريقة تؤثر على الأذنين: "إني أتحسن شيئاً فشيئاً يومياً، ومن كافة النواحي".

هذه المقولة المتكررة ميكانيكياً، يجب أن تتوجه هكذا نحو اللاوعي "الوجدانية"، وهذا "اللاوعي" الذي اقتنع أخيراً بواسطة الانعكاس، يدفع الشخص إلى التصرف بشكل طبيعي، عقلياً وإرادياً.

وتعد هذه الطريقة بدائية لأنها لا تتعامل إلاّ مع الأعراض، بصورة عامة. وهي لا ترى سوى المعاناة بصفتها العامة، ولا تُعالج ـ إلا نادراً ـ الحالات العميقة. وتبقى نظرية كوي، بالتأكيد، ضمن الخط الإيحائي، فالشخص يسمع صوتاً "صوته"، يوحي إليه بتحسن، وهذه القناعة تصبح "الوعي الذاتي".

وقد يبدو أمراً طبيعياً، القول، كذلك ـ وبعد اكتشاف علم النفس الحديث والطب النفسي ـ البدني"، Psychosomatic Disorders، إن النفس تؤثر على الجسد، وإذا ما استطاعت النفس أن تولد مرضاً فهي ذاتها التي تتمكن من شفائه. وبذلك تُصبح نظرية كوي مقبولة جداً.

ومما سبق يُقَسّم تاريخ التنويم، أو الذهول، إلى أربعة أقسام هكذا:

الأول: الزمن الذي مرَّ عليه قبل أيام مسمير، حينما كانت أفعال التنويم تعود إلى قوة روحية أو شيطانية.

الثاني: زمن مسمير حينما صارت تنسب إلى فعل مغناطيسي قائم في الشخص المنوِّم.

الثالث: زمن بريد الذي نسب التنويم إلى فعل فسيولوجي محض.

الرابع: زمن الذين ينسبون كل ظواهر التنويم، إلى فعل الاستهواء والإيحاء.

3. نظرية المغناطيسية Magnetism

العلاج بطريقة المغناطيس والجاذبية، عملية معروفة منذ زمن بعيد، وهى تؤدي إلى شفاء الأمراض بواسطة القوة المغناطيسية المعدنية.

أما القوة المغناطيسية الحيوانية Animal Magnetism، التي ظهرت تأثيراتها في المخلوقات الحية، فقد كان لها تأثير مدهش على المرضى، حتى أنه في عام 1955 أقرت إنجلترا بفعالية التنويم المغناطيسي، واستخدامه في المستشفيات، بل وتدريسه بالقدر والأهمية نفسها، التي تدرس بها الفروع الأخرى، وهو ما حدث في الاتحاد السوفيتي وكثير من البلاد، التي تتحدث الإنجليزية.

وظهر التنويم المغناطيسي، الذي يسبق العملية الجراحية، وأمكن من طريق الإيحاء التنويمي رفع أو خفض عدد ضربات القلب. ويؤثر التنويم المغناطيسي تأثيراً كبيراً على الجهاز التنفسي، وشديداً على الجهاز الهضمي، كما يؤثّر على حركات وإفرازات المعدة والأمعاء، وعلى الجهاز البولي "زيادة أو نقصان في كمية البول"، بل هناك تأثير على الوظائف الجنسية أيضاً. أما تأثير النوم المغناطيسي على أعصاب الجلد فكبير، لأن الجلد يرتبط بعلاقة حميمة مع الجهاز السمبثاوي".

والملاحظ أن العلاج المغناطيسي علاج كثير الوضوح والثبوت أحياناً، ولكنه كثير الغموض والإبهام أحياناً أخرى. وهو لا يصلح أن يكون أساساً لتجارب عملية لها نتائج، كالنتائج العملية الثابتة التي لا تقبل الشك. إضافة إلى ذلك، فإن طرق المعالجة قليلة المشابهة ، قليلة الثبات، حتى ليصعب على الإنسان أن يؤديها على نسق واحد، كلما أراد ذلك. وعلى العموم فهي قد تُشبه الغرائب المدهشة، أو الشعوذة أحياناً، ما جعل هذا العلم يقتصر على فئة قليلة من الناس تحوم حولهم الشكوك، وتكثر فيهم الرّيب والأقاويل. فظلت أخبار هذا العلم تقترن، غالباً، بالخرافات والأكاذيب، وقلة الثقة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70712
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة غسيل المخ التنويم    الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Emptyالأحد 17 أبريل 2016, 8:38 pm

ثالثاً: التنويم المغناطيسي والإيحاء

كان يعتقد قديماً في إمكانية تنويم الشخص رغماً عنه، ولكن ثبت عدم صحة ذلك. وبوجه عام، فالشخص المصاب بالهستيريا، قابل للتنويم المغناطيسي بسهولة فائقة. وهذا لا يعني ـ بداهة ـ أن كل شخص قابل للتنويم، هو ـ بالضرورة ـ مصاب بالهستيريا.

وقد أثبتت التجارب أن الشخص المنوّم، لا يفقد مطلقاً سيطرته الإرادية، ونتيجة لذلك لن يرد دون تبصر على كافة الأوامر، التي يصدرها إليها المنوَّم".

وتتمثل القدرة الكبيرة للتنويم المغناطيسي، في إمكانية لتعويضه عن التخدير الكيماوي؛ أما القدرة الأساسية الأخرى، فتتمثل في الإيحاء التنويمي، الذي قد يساعد على تفادي الآلام التي تصاحب العمليات الجراحية.

1. الإيحاء

يجب عدم الخلط بين الإقناع والإيحاء؛ فالإقناع هو التوجه إلى العقل، ومحاولة الحصول على الموافقة الإرادية والواعية بالإقناع، وهو يحدث ما إثر مناقشة واعية، تقنع الطرف الآخر طواعية.

أما الإيحاء، فهو حالة يقبل بها الطرف الآخر دون مناقشة، أو إبداء الأسباب؛ وهي طريقة مغايرة تماماً، تحتم تجاوز الوعي والعقل، والتوجه نحو اللاوعي. وينجح الإيحاء إذا ما فقدت الإرادة القدرة على المقاومة. ويتطلب الإيحاء، وجود ظروف خاصة، وغالباً ما يتطابق مع فكرة موجودة في أعماق الفرد، و يهدف إلى خلق حالة غير واقعية، ينجم عنها الفعل.

إن الاستعداد الذهني، الذي يؤدي إلى احترام الأوامر بسهولة تامة، ودون مناقشة، هو ما يسمي بالإيحائية، أو الاستعداد الإيحائي، ويتضح في حالات متعددة، مثل:

أ. السّذاجة، أو سرعة التصديق، في بعض الأشخاص المستعدين لتقبل كل شئ، غير أنها ليست الإيحائية بمعناها الصحيح.

ب. حالات الاختلال العابرة، مثل التعب الشديد والإنهاك العصبي وكافة الاضطرابات الانفعالية، التي تؤدي إلى فقدان السّيطرة على الذات، والانفعالية الشديدة.

ج. الحالات التي يكون فيها المنطق والعقل في حيرة من أمرهما، فينتصر الإيحاء الانفعالي في مثل هذه الظروف.

2. شروط الإيحاء

إذا كان الإيحاء شيئاً خاصاً، فإن شروطه يجب أن تكون خاصة هي الأخرى. ولا يمكن للإيحاء أن يتحقق إلاّ في مثل تلك الشروط.

أ. الإيحاء المعتاد نسبياً

يعتمد الإيحاء المعتاد على حالة عجز واستسلام مؤقتة، يحدثها التّنويم. ويجب ألا يتم رفض فكرة الإيحاء، باستخدام العقل والإرادة. وقد يكون الإيحاء أحياناً متوافقاً مع شعور مسّبق في اللاوعي للشخص المعني؛ ومثال ذلك ما نراه من إيحاء، في كل حالات التنويم العادية.

ب. الإيحاء المرضي

تعكسه حالة فتاة في الحادية والعشرين من عمرها، تتعرض إلى مرض شديد نتيجة لوفاة والدتها. فكانت ترفض شرب ماء الصنبور لأنها تعتقد أنه لا يُخرج ماء، بل دماً أحمر. وقد بدأ هذا الإيحاء الذاتي، أو هذه الهلوسة لديها، عندما رأت انسياب الماء قطرة قطرة، كما سال الدم من شفتي والدتها. فقد تحول الإيحاء الذاتي إلى فكرة ثابتة متسلطة. والفكرة المتسلطة هي أحد أشكال الإيحاء الذاتي في أقصى حالاته. ويعد التنويم المغناطيسي الأرضية المثالية لزراعة الأفكار المتسلطة، في دماغ شخص ما، إذ يمكن من طريق التنويم المغناطيسي، إقناع المنوّم بفكرة أو إيحاء من المُنَوِّم، ويقتنع بها النائم اقتناعاً متسلطاً وشديداً، بحيث تتحول إلى إيحاء ذاتي؛ أي يعدها إيحاء ذاتياً، وليست إيحاء معتاداً أو خارجياً، ويستيقظ من نومه والفكرة متسلطة عليه، ويستمر ذلك حتى بعد انتهاء عملية التنويم.

ج. الفكرة المتسلطة

يمكن عدّها فكرة تعيش بصورة "طفيلية"، داخل النفس الإنسانية؛ وهي تمتلك ما يكفيها من القوة والاستقرار، للقضاء على الأفكار الأخرى كافة. وليس هناك أي نقاش أو إبداء أسباب يمكنهما طرد الفكرة المتسلطة، التي تبدو وكأنها صخرة راسخة.

وهناك آلاف الأفكار المتسلطة، بدءاً بالحالات الشاذة البسيطة، وانتهاءً بالأفكار المرضية المتطرفة. وقد تفرض هذه الأفكار سيطرتها على الفرد لفترات تطول أو تقصر، وفي حالات خاصة قد تستمر مدى الحياة، وتسبب للمحيطين بالشخص تعاسة شديدة؛ فهناك آلاف الأفكار المتسلطة، التي قد ترسخ في الدماغ البشري.

والأفكار المتسلطة إما أن تكون عادية أو شاذة. وتنجم الفكرة المتسلطة ـ عادة ـ عن اللا شعورية. وتعد كافة حالات الاستحواذ من الأفكار المتسلطة الأكثر شيوعاً، وكذلك أكثر حالات الضيق النفسي، والهوس الشديد، واستحواذ فكرة الجنون الشائعة جداً، واستحواذ الخوف الخ.

ويعد العصر الحاضر، المثقل بالإرهاق النفسي، وحالات الكبت والانفعالات العصبية، أرضية مثالية لظهور هذه الأفكار المتسلطة، التي يمكن أن تنال أي فرد.

الكبح داخل الفكرة المتسلطة

يُعد الشّخص، الذي يركز على مشكلته في نظر بعض الناس "شارداً"؛ بينما الحقيقة غير أنه ليس شارداً: إنه مكبوح. وإذا كان هذا الشخص لا يلحظ شيئاً، فالسبب أنه غير قادر عصبياً على رؤية، أو سماع، أي شئ أخر سوى ما هو مهتم به؛ لأن كافة المراكز العصبية في دماغه، التي لا تعمل في المشكلة متوقفة. وفي حالة الفكرة المتسلطة، فإن الخلايا المتوقفة لا تستطيع ـ بالتأكيد ـ إظهار الردود الضرورية! ولا تُحدث الرسائل الخارجية أي رد فعل.

وينبغي أن يُفرّق بين الفكرة الطاغية المؤقتة، والمرتبطة بالحالة البدنية والذهنية للفرد، في لحظة ما، والتي تنتهي ـ عادة ـ بانتهاء المؤثر الخارجي، وبين الفكرة المتسلطة المرضية، التي تعني وجود شئ ما في حالة الشخص، أتاح بقاءها وذلك بسبب الإيحاء.

وقد تكون الفكرة المتسلطة

(1) واعية: فالشخص يعرف جيداً أنه مصاب بالفكرة المتسلطة، لأنه يقاومها بعقله، دون أن ينجح في إيجاد حل.

(2) لا واعية: وهي الفكرة المتسلطة المتولدة بواسطة الإيحاء التنويمي. وعلى كلٍ، فإن السبب الذي يسمح بظهور الفكرة المتسلطة هو دائماً "لا واعٍ".

والتنويم المغناطيسي قد يولّد فكرة متسلطة، على الأقل لدى بعض الناس، ولكن ليس كل من أُصيب بها قد تعرض للتنويم المغناطيسي.

3. الإيحاء الذاتي

الإيحاء الذاتي مثله مثل الإيحاء، يأتي من الآخرين، وهو وسيلة ممتازة لتربية الفعل والإرادة. والإيحاء الذاتي المبني جيداً، يولّد في اللاوعي طاقات جديدة، ويجمع فيه إيضاحات جديدة. وهو وسيلة جيدة لتوسيع مدارك الشخصية وتعزيزها. وهو يتيح تصحيح العيوب الوجدانية.

وينبغي أن يُعد الإيحاء الذاتي كصيغة تأملية، وليس نوعاً من التركيز. فالتأمل هو ابتعاد للنفس وانفتاح استسلامي هادئ، وهو يتيح دخول الأفكار والأحاسيس دون جهد؛ بينما يعد التركيز جهداً موجهاً إلى نقطة محددة، وهو يجعل قسماً من الدماغ في حالة رقاد، وهو يستبعد بذلك من تلقاء نفسه مئات الأحاسيس، التي قد تكون ذات فائدة.




       

رابعاً: الأحوال الملائمة للتنويم المغناطيسي

1. القابلية للتنويم المغناطيسي:

استطاع الدكتور برايد أن يثبت، أن ظواهر التّنويم المغناطيسي لم تنشأ من تلقاء نفسها، بل ترجع إلى الإيحاءات الذاتية، التي يوجهها النائم إلى نفسه، أو إلى تدريب المنوِّم للنائم.

كما أثبت أن إغلاق العينين في التنويم ليس ضرورياً، بل يمكن إحداث التنويم والعينان مفتوحتان؛ وكذلك فإن الأطراف لا تتبع غلق العينين، بل تحتاج إلى إيحاء خاص بها. والظواهر التي تبدو في درجات السّبات، ترجع إلى إيحاء المنوِّم إلى النائم، أو إيحاء النائم إلى نفسه، لأن الأشخاص الذين ينامون مغناطيسياً يعتقدون أن التنويم هو النوم عينه، والنوم عندهم معناه النسيان عند الاستيقاظ. وفي بعض الأحيان عندما يتذكر النائم عقب استيقاظه ما حدث أثناء التنويم، فإنه يؤكد أنه لم ينم.

2. المؤثرات الملائمة للتنويم المغناطيسي

يحتاج التنويم المغناطيسي إلى جوٍ خالٍ من المؤثرات، التي تستفز الحواس وتنبهها وتشتت الانتباه. كما يتطلب راحة تامة للجسم وهدوءاً كاملاً للعقل. فمن العوامل، التي تحول دون حدوث التنويم: شدة الضوضاء، أو الأكل حتى التخمة مباشرة قبل التنويم، أو الانفعالات النفسية، مثل الحزن الشديد أو السعادة الطاغية، أو كأن تكون القاعة شديدة الحرارة، أو شديدة البرودة، أو يكون النور قوي الإشعاع فيبهر الأبصار، حتى وإن كانت العيون مغمضة، أو يكون الجو كثير الرطوبة، أو يكون الشخص المنوّم مدمناً للكحول، أو المشروبات الروحية، أو المنبهات كالقهوة والشاي وغيرها.

أما توافر الهدوء العقلي والجسمي، والنور الخفيف، والموسيقى الهادئة، والأنغام العذبة، والزهور والورود العطرة، وغيرها من العوامل المهدئة للأعصاب، فهي تساعد على تأمين أجواء ملائمة للنوم المغناطيسي بسرعة ودرجة كافية. ويُعد التأثير القائم على وتيرة واحدة من غير تنوع، بمثابة مخدر يسكّن نشاط الحواس، ويجعل عمليات العقل هادئة. كما يجعل الإنسان يتحرر من سيطرة الإرادة والفكر الوعي. ومن أهم تلك العوامل:

أ. الاسترخاء والتركيز

يُساعد الاسترخاء الجسدي على أن يكون العقل حراً، فيتخلص الإنسان من حالة التوتر. ولتحقيق ذلك لابد من الأتي:

(1) اختيار مكان هادئ وثابت، لأن التعود على المكان نفسه في كل مرة، يعطي تأثيراً مريحاً مطمئناً.

(2) تحديد الوضع المريح للجسد، سواء على فراش أو كرسي أو على الأرض "وهي أفضل الأشياء"، لأن ألفة الوضع والمكان يساعد الأعصاب على التحرر.

(3) التحرر من أي ثياب ضاغطة قد تحد من عمق التنفس، و فك الأزرار والأحزمة، وخلع النعال والجوارب والنظارات والساعات، وأي شئ قد يمنع الاسترخاء.

(4) محاولة إفراغ الفكر من أي مشاغل، وتركه يتجول في حرية، والامتناع عن التفكير في المشاكل.

(5) إذا لم تنجح محاولات الاسترخاء أعلاه، يُعمد إلى تركيز العينين على مكان عالٍ، مع العد حتى الرقم خمسة أثناء الشهيق، ثم العد حتى الرقم خمسة أثناء الزفير.

سبب ذلك أن الاهتزازات المنتظمة للجهاز التنفسي، توصل إلى الاسترخاء العميق، والانجراف في حالة تشبه النوم، تكون فيها العينان مقفلتان، والجفون ناعمة هادئة، الفكان في حالة ارتخاء، والشفتان بالكاد تتلامسان، والأسنان منفرجة، واللسان مسترخياً بقاع الفم، والرقبة مرنة، والأكتاف ثقيلة، والذراعان مرتخيتان، والتنفس هادئ ومنتظم. وتسمي هذه الرحلة: "التنويم الذاتي".

ب. الصلة العاطفية

ينبُع التحفظ والقلق ـ عادة ـ من عملية التنويم المغناطيسي من عاملين أساسيين، هما: الخوف من انتقال السيطرة إلى المنوِّم، والقلق حول الخروج من حالة التنويم؛ لذلك تكون الثقة في المنوِّم أمراً مهماً لنجاح عمله.

وللحصول على أفضل النتائج، لا بد من وجود صلة عاطفية، واتصالات عقلية متميزة، بين المنوِّم والتابع، الذي يميل إلى الخوف والشك، فعلى المنوِّم أن يوحي لتابعه بالثقة والرغبة في المساعدة، ليجعله أكثر قابلية للعمل والاستجابة.

وتعتمد القدرة في الاستفادة من الإيحاء، على الوصول إلى مستوى الإغفاءة للبدء في عملية التنويم المغناطيسي. ويحتاج الوصول إلى تلك المرحلة، إلى إلغاء الشك والمقاومة، لأنها توجد القلق، وتمنع العقل من الاسترخاء اللازم للتنويم. والتعاون من جانب التابع ضروري، إذ لا أحد يمكن أن ينوم تنويماً مغناطيسياً، ضد إرادته.

لذلك، فعلى المنوِّم أن يكون أقل سلطة، وأكثر تعاطفاً، مع التابع، لأن التنويم ليس معركة للإرادة بين الاثنين، بل هي حالة يجب أن يعملا فيها معاً بانسجام، وتلعب العواطف دوراً قوياً في عملية التنويم، ولهذا تبدأ الإيحاءات، غالبا، باستدعاء العواطف اللطيفة في التابع.

3. الفرق بين التركيز في حالة اليقظة، والتركيز في حالة التنويم المغناطيسي:

يكون التركيز العادي في حالة اليقظة ـ غالباً ـ على مادة أو مشكلة من الخارج، بينما خلال التنويم يكون العقل معكوساً، ويفكر بشكل كامل في مشكلة من الداخل، بل ويمعن في إبعاد أي تدخل لتأثير خارجي. ففي حالة اليقظة يُهْدر كثير من الناس طاقاتهم العقلية، في محاولة السيطرة على حالات خارج سيطرتهم. مثل، الحوادث، والضرائب، والعداوة... الخ.

إن تركيز القوى العقلية والشعورية على أهداف يمكن إدراكها، يمنح الإنسان الروح التي يحتاجها ليصل إلى غايته.

إن التركيز يصفّي العقل، ويفتح الباب إلى الإبداع غير المحدود الذي يمتلكه الناس جميعاً، بينما عدد قليل هم الذين يستخدمونه؛ وتبقى المواهب الكامنة مدفونة، ما لم نركّز طاقة عليها.

فالرسام أو الشاعر مكتملاً، يبدع فقط عندما ينجح في حصر تفكيره مباشرة إلى نقطة إبداعه، تاركاً ما عدا ذلك بعيداً عنه. فالاكتشافات العظيمة تحدث دائماً مع التركيز العميق، وخلال أحلام اليقظة، أو أثناء النوم، أو في حالة استرخاء العقل. أما التركيز الإجباري في حالة اليقظة فلا يجدي، لأن الشخص يميل إلى إيجاد الحل بإلحاح. ولكن عندما يركز الشخص قواه العقلية خلال فترة تأمل، فإنه يكتشف قوى عقلية خفية تدهشه أحياناً. وتتميز العقول المبدعة، بشكل عام، بامتلاكها القدرة على الانسحاب من العالم الخارجي، إلى العالم الداخلي. وهي عندما تفعل ذلك، تكتسب بصيرة وحكمة تقودها إلى إنجازات عظيمة. وكانت الصفات المشتركة بين المبدعين والمكتشفين والعباقرة والمشاهير والقادة والناجحين، هي:

أ. الرغبة في النجاح، دافعاً قوياً ومستمراً.

ب. الإدراك التام لما يريدون تحقيقه، باعتبارهم مفكرين إيجابيين و يطبقون مبدأ الإيحاء الذاتي لإيجاد حلول.

ج. استخدام الخيال بطريقة خلاقة، والاسترخاء بتمعن، والتركيز بعمق، خلال فترات التأمل.

وقد استُخدم التنويم المغناطيسي الذاتي بنجاح، لإصلاح وتعديل عادات سيئة واسعة الانتشار، ولتوجيه حياة الناس في اتجاهات أفضل.

4. عملية التأثير

يتعمد التأثير على تركيز التابع في شئ خارجي، أو داخلي. ففي التركيز الخارجي، يُطلب من التابع أن ينظر إلى جسم ثابت أمامه، كالقلم مثلاً، ثم يطلب منه أن يغلق عينيه ويبدأ في العد من وإلى أي رقم يختاره المنوِّم. أما ي التركيز الداخلي، فيطلب من التابع أن يركز على شئ جسدي، كالتنفس العميق، أو الاسترخاء.

وهناك طرق عديدة للتأثير، منها

أ. التأثير بطريقة الإصبع

في هذه الطريقة يضع المنوِّم إصبعه على جبهة التابع ، ويأمره بتتبع الإصبع بعينه، أثناء تحريكه إلى قمة الرأس، وفي اتجاهات مختلفة.

ب. التأثير بالتثبيت على بقعة

يختار التابع بقعة في السقف، مثلاً، ويدقق فيها، ويستمر في النظر إليها مع الاسترخاء التام. ويصاحب ذلك إصدار الإيحاءات من المنوِّم إلى التابع.

ج. التأثير بطريقة الضوء الوامض

في هذه الطريقة يتحقق إغلاق العين بالتحديق الثابت، على نقطة بها ضوء وامض ثابت، أثناء قيام المنوِّم بالإيحاءات.

د. التأثير السريع

في هذه الطريقة يضع المنوِّم يديه على كتفي التابع وهو واقف، وينظر في عينيه، بينما يهز كتفيه برقة شديد من جانب إلى آخر، ويصدر إليه الإيحاءات. وتطبق هذه التقنية على التابعين سريعي التأثر، الذين سبق تنويمهم مغناطيسياً من قبل.

هـ. التأثير بطريقة إدارة الرأس

في هذه الطريقة يغمض التابع عينيه، ويضع المنوم إحدى يديه على جبهة التابع، والأخرى على مؤخرة رأسه، مع إدارة الرأس ببطيء، وترديد الإيحاءات، مع سحب اليد حتى تسقط رأسه إلى الأمام على صدره، ويستمر في ترديد الإيحاءات، لكي يتعمق التابع أكثر.

وعندما يفشل التابع في أن ينام تنويماً مغناطيسياً، يصبح تنويمه مرة أخرى مهمة أشق وأصعب. وذلك لأن جميع طرق التأثير يجب أن تُطبق بعقل، آخذين في الاعتبار العوامل الأخرى، مثل مظهر الموحي، وكون التابع قد نوم مغناطيسياً قبل ذلك أم لم ينوّم.

و. التأثير باستخدام طرق أخرى

يوجد عدد من طرق التأثير، مثل: التحديق المباشر، واللمس، والصوت، واستخدام مهدئ وغيرهما.

5. تقنيات التعميق

هناك طرق عديدة لتعميق التنويم، وذلك من طريق تنبيه الوعي، وإيجاد نوع من التغيير في عقل التابع. ويتحقق ذلك بطرق كثيرة، مثل: إعادة التأثير بالطريقة نفسها، واستخدام السبورة أو المرآة، ورفع اليد والضرب، أو استخدام أسلوب الصّدمة، أو إعطاء بعض الأدوية، التي تستخدم لتعميق الإدراك.

6. درجات التنويم المغناطيسي

لا يمكن الفصل بين درجات التنويم المختلفة بخطوط واضحة صريحة، لأنها تختلط بعضها ببعض اختلاطاً كبيراً، وتقوم بينها روابط متنوعة لا يمكن فصلها. وتوجد ثلاث درجات رئيسية للتنويم المغناطيسي، أولها درجة التخشب، ثم درجة السّبات العميق، وأخيراً درجة اليقظة النومية.

وهناك رأي آخر يقسّم درجات التنويم إلى ستة مستويات، ينجرف التابع فيها من مستوى إلى آخر، خلال جلسة واحدة، بينما يصل آخرون إلى درجة واحدة ولا يستطيعون التعمق أكثر. وفي معظم الحالات يصل التابع إلى مستوى متوسط من التنويم المغناطيسي، بعد جلستين أو ثلاث، ويزداد ذلك العمق خلال الجلسات التالية. والمستويات الستة، هي:

أ. مستوى الإحساس بالنوم الجسدي

في هذا المستوى يحدث ثقل في العضلات، واسترخاء في الأعصاب، ونعاس.

ب. مستوى النوم المغناطيسي الخفيف

وفيه تحدث استجابة عقلية للإيحاء، مع ميل العيون للخلف، ويستجيب التابع للإيحاءات، التي يركّز فيها العقل.

ج. مستوى النوم المغناطيسي المتوسط

في هذا المستوى يكون التابع مسترخٍياً بعمق شديد، لا يستطيع القيام بأي استجابة عضلية عندما يُطلب منه ذلك، ولن يتكلم إلاّ بالإيحاء.

د. مستوى النوم المغناطيسي العميق

يحدث، أحياناً، "فقدان ذاكرة جزئي" عند الاستيقاظ، ويمكن الإيحاء في هذا المستوى أيضا بعدم الشعور بالألم، كما تعمل كذلك الإيحاءات البعد تنويمية.

هـ. المستوى الخامس

وفيه يمكن حدوث "فقدان ذاكرة كامل"، وكذلك تحدث هلوسة إيجابية، مثل الارتداد للطفولة وخلافه.

و. المستوى السادس

يُعد المستوى من المستويات الخطيرة، التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات ومكافحة الجاسوسية، وكما تستخدمها الجماعات الإرهابية، لأن التابع قادر على الهلوسة السلبية، مثل إزالة معلومات مسجلة، أو ما يُسمى "غسيل المخ"، وتنفيذ الإيحاءات البعد تنويمية كأوامر غير قابلة للنقاش، أو الرفض.

وفي المستويات الثلاثة الأولى، يتذكر التابع كل شئ قاله المنوِّم المغناطيسي، ويشك الكثيرون فيما إذا كانوا منوِّمين حقاً. وتستخدم هذه المستويات، أحياناً، في تصحيح بعض العادات كالتدخين، والبدانة، والأرق، أو لتخفيف الألم وتعديل السّلوك المرضي.

أما المستويات الثلاثة الأخيرة من التنويم المغناطيسي، فلا يتذكر فيها التابع، ما قيل أثناء وجوده تحت تأثير التنويم المغناطيسي. وهذه المراحل الأعمق مفيدة في المجالات الطبية، مثل الجراحة، والولادة، وعلاج الأسنان.

ز. طرق السيطرة على التابع

يحدد المنوِّم المغناطيسي ما إذا كان التابع، الذي سيعمل معه، مستسلماً أو مشاكساً مسيطراً. وهذا يحدد اختياره للطريقة، التي سوف يعمل بها، والصفة العاطفية للصوت في إعطاء الإيحاءات، لوضع التابع تحت سيطرته. ويتم هذا من طريق:

(1) مبدأ الإخضاع

وفيه يُصدر المنوِّم المغناطيسي إيحاءات مباشرة، ويتحدث ببطء ووضوح، كما لو كان يتحدث إلى طفل. ويُستخدم هذا الأسلوب مع النوع المستسلم المطيع، الذي اعتاد على تلقي الأوامر.

(2) مبدأ الاختيار

وفيه يستخدم المنوِّم المغناطيسي طبقة أنعم في الصوت، ويطلب من التابع أن يتخيل ويتصور، ويُستخدم هذا الأسلوب مع النوع المشاكس، لأنه أقل قدرة على تقبل الأوامر؛ لذا فعلى المنوم أن يكسب ثقته أولاً. إن نجاح عملية التنويم، يتوقف على الثقة المتبادلة بين التابع والمنوِّم، ويتحقق ذلك تدريجياً، ويرى بعض المنوِّمين أن قوة التنويم المغناطيسي تتأثر إلى حد كبير، بموافقة التابع العقلية.

ح. التنويم المغناطيسي والأمواج الدماغية

للدماغ قدرة على تغيير اهتزازاته، وعلى التأثير على الأعمال اللاإرادية للأعضاء الداخلية. وتقسّم الوظائف الجسدية إلى نوعين: إرادية وغير إرادية. وعن طريق أجهزة رسم المخ حُددت الموجات الدماغية الآتية:

(1) أمواج بيتا Beta Waves

وهي حالة تيقظ وانتباه جسدي، يكون فيها العقل والعواطف في حالة استجابة للأحاسيس، ومعظم أوقات اليقظة، يقضيها الإنسان في هذه الحالة.

(2) أمواج ألفا Alpha Waves

وهي غفوة خفيفة واسترخاءً جسدياً، وفي هذا المستوى ينخفض التوتر ويحدث تباطؤ في نبض الجسم.

(3) أمواج ثيتا Theta Waves

هي مرحلة يمر بها الإنسان عند بداية النوم، وعند الاستيقاظ، أي هي مرحلة بداية النوم وقرب انتهائه، ويكون التابع في هذه المرحلة أثناء عمليات التنويم المغناطيسي.

(4) أمواج ديلتا Delta Waves

هي مرحلة النوم العميق، والأحلام. وهي فترة هدوء روحي وتجديد للخلايا، ومن دون نوم كاف في هذه المرحلة، يعاني الشخص من "حرمان النوم" أو "الأرق".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70712
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة غسيل المخ التنويم    الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Emptyالأحد 17 أبريل 2016, 8:41 pm

خامساً: طرق التنويم المغناطيسي

1. طرق التنويم القديمة

هناك العديد من طرق التنويم القديمة، التي تعتمد على جلوس التابع، وأمامه المنوّم ووالذي يأخذ في تلاوة بعض التمائم من كتب سحرية. ويكون صوته على وتيرة واحدة، وملتزماً نغمة خاصة في التلاوة، من شأنها أن تركز انتباه التابع فيستغرق في النوم. وقد يصاحب ذلك إحراق البخور والقيام بحركات متنوعة لإيهام التابع بأن تأثيراً معين سوف يحدث له .وقد يمسك المنوم أحياناً، بعصا، أو غصن شجرة، ويلمس به الجزء المراد علاجه. وقد برع في هذه الطريقة الصينيون وقدماء المصريين.

وفي الهند استخدم التنويم المغناطيسي لعلاج الروماتيزم، والآلام العصبية، والصداع، وأمراض العيون، والأذن، والأسنان. وطريقته أن ينام المريض على ظهره في غرفة مظلمة، ثم يجلس المنوِّم على رأس الفراش منحنياً فوق المريض، واضعاً إحدى يديه على جسم المريض، بينما يده الأخرى تؤدي حركات منتظمة على وجه المريض، خاصة عينيه. ثم ينفخ عدة مرات على الأنف والعينين وبين الشفتين. فلا يلبث المريض أن ينام من جراء التأثير الإيحائي، الذي تحدثه هذه الحركات الغريبة المنتظمة.

ثم ظهرت طريقة الدكتور "شاركوا" في تنويم أصحاب الأمزجة العصبية، تحت تأثير ضوء شديد اللمعان، مثل ضوء الكهرباء. وكان يطلب من التابع التحديق إلى ذلك الضوء لفترة طويلة، حتى تسكن حركته وتتصلب أعضاؤه. ويستطيع التابع أن يؤدي الأعمال المتوافقة مع الشكل، الذي تصلب عليه. وعند منع الضوء عنه يصبح في حالة تهيج شديد.

أ. طريقة مدرسة نانسي

في هذه الطريقة يجلس التابع على كرسي ورأسه مائلة إلى الخلف، و يقف المنوِّم خلفه ويحدق في عينيه إلى أن ينام، أو أن يجلس الشخص المراد تنويمه على كرسي مريح ذي مسندين، ويجلس المنوِّم على كرسي أعلى، ثم ينظر إليه، ويبدأ بملامسة الركبتين والكفين والإبهامين، للشخص الذي يراد تنويمه، ويرفع المنوِّم يديه ويشير بهما أمام وجهه، حتى يخضع المنوِّم لإرادته.

ب. طريقة الدكتور جيمس برايد

يجلس الشخص المراد تنويمه، في مستوى أقل من مستوى شئ براق، لامع بحوالي عشرين سنتيمتراً، حتى يضطر الوسيط لأن ينظر لأعلى حتى يراه، وفي ذلك نوع من إحكام سيطرة المنوِّم على النائم، حيث يجلس في مستوى أعلى منه، ما يجعله خاضعاً خضوعاً تاماً للتنويم المغناطيسي.

ج. طريقة الدكتور شارل ريشيه

يجلس الشّخص المراد تنويمه أمام المنوِّم، الذي ينظر إليه بعين المسيطر والآمر، مع الضغط الشديد على إبهامي يديه؛ ثم يمرر المنوِّم يديه أمام عيني التابع وجسمه، مع وضع ساعة بجوار أذنه ليسمع دقاتها المنتظمة.

د. طريقة الدكتور مسمير

في هذه الطريقة من التّنويم، وضع مسمير مرآة في كل جانب من جوانب منزله، واستخدم الموسيقى، ورائحة الزهور. وكان المرضى يجلسون حول حوض فيه نار خفيفة، يتصاعد منها بخور، وكان يأمرهم أن يمسكوا بأيدي بعضهم، ثم يمر بينهم بالترتيب لامساً بعضهم ومشيراً إلى آخرين، وناظراً في عيون عدد منهم.

2. طرق التنويم الحديثة

ويوجد عدد من أساليب التنويم الحديثة، التي يجدر بالمنوِّم أن يعرف معظمها، حتى إذا لم تفلح إحدى الطرق أمكنه الاستعانة فوراً بطريقة أخرى. ومن أشهر هذه الأساليب، أن يجلس الشخص المراد تنويمه على كرسي، أو يتمدد على مقعد مريح، ويغلق عينيه؛ ويقف المنوِّم أمامه، ويجري تمريرات على رأسه. أو يجلس الشخص المراد تنويمه على كرسي مريح، في غرفة معتمة بها مصباح واحد يضئ خلفه، ثم يُطلب منه أن يثبت بصره على مصدر ضوئي صغير بيد المنوِّم على بعد 30 سم، ولا يحول عينيه عنه، على أن يكون اتجاه النظر إلى أعلى، حتى يحدث تعب بصري،. ويلاحظ، في معظم الأحوال، أن الأجفان تثقل بسرعة، وتميل إلى الانغلاق، وفي هذه الأثناء يوحي المنوِّم إلى التابع أن أجفانه آخذة في الثقل، وأنه لا يستطيع إبقاءها مفتوحة.وهناك أيضا الأسلوب العقلي، الذي يأمر فيه المنوِّم التّابع بأن يغمض عينيه، ويخلي عقله من كل تفكير؛ ثم يتركه دقائق قليلة يوحي إليه بعدها أنه لا يستطيع أن يفتح عينيه؛ فإذا عجز عن فتحهما ، يكون قد نجح في تنويمه.

ومن الأفضل دائماً الوصول إلى الإغفاءة بشكل طبيعي، وبالتعاون مع المريض، ولكن هناك حالات يكون فيها التركيز مستحيلاً، ما يحتم التّنويم باستخدام المواد المخدرة، مثل أميتول الصوديوم، أو بينتوثال الصوديوم. على كلٍ ينبغي تجنب الاعتماد على العقاقير، بصفة مستمرة.

وكان التنويم المغناطيسي التخديري يُستخدم خلال الحرب على نطاق واسع، لجمع المعلومات من الأسرى. كما استخدمه الجواسيس ومكافحو التجسس أيضاً. وفي حالات الإدمان، على المخدرات أو الكحول، يستخدم التنويم المغناطيسي التخديري عندما يوجد رفض أساسي للتعاون في التغلب على الإدمان، لأن هؤلاء المدمنين قد اعتادوا على أنهم معتمدون على مادة خارج قواهم الذاتية. وفي هذه الحالة يمكن أن تثبت المخدرات مؤقتاً أنها نافعة. وقد ثبت أن الأدوية المخدرة نادراً ما تؤثر على التنويم المغناطيسي، دون تقنيات المهارة مثل الاسترخاء والإيحاء.

3. علاقة الحاسة السادسة بالتنويم المغناطيسي

الحاسة السادسة هي نوع من القوى الطبيعية، التي تتيح لصاحبها أن يدرك ما حوله بواسطة إشارات مادية، محدثة انتقال المعرفة إليه، على نحوٍ يختلف عن الانتقال المادي المعروف في عالم الطبيعيات. فالمواد والقوى والحقائق الطبيعية، محدودة في المكان والزمان. أما قوى الحاسة السادسة فلا يمكن تحديدها بالمكان والزمان، سواء أكان ماضياً أم حاضراً أم مستقبلاً، لأنها لا تتقيد بهما. ولا نعرف، حتى اليوم، قوى مادية لها هذه الخاصية نفسها.

وتعد الحاسة السادسة إحدى خصائص الإنسان الأساسية، وهي لا علاقة لها بأي قوة سحرية في الإنسان. وترجع قلة ظهور الحاسة السادسة إلى عدم معرفة الناس بالعوامل التي تعتمد عليها، فضلاً عن أنهم لا يزالون بعيدين عن معرفة ماهيتها، وعن الارتباطات النفسية والاجتماعية، التي ترتبط بها بشكل واضح.

إن كشف غموض الحاسة السّادسة وإخضاعها للمراقبة، دليل على قدرة الإنسان العظيمة، ومقدرته على كشف أسرار الكون، دون اللجوء إلى الآلات الإلكترونية، مثل تبادل الأفكار على مسافات بعيدة.

ومن الطرق التي توصل إلى مراقبة الحاسة السادسة ودراستها، "التنويم الإيحائي". وهو الإيحاء إلى الشخص المنوِّم، مثلاً بأن يعود إلى الزمان الماضي، ويأتي بمعلومات خاصة، دون أن تكون هناك أي صلة بين الماضي والحاضر. ويشعر النّائم وكأن روحه تجري خارج إطار الزمان والمسافة، وهذا ما يسمي خطأ "رحلة الجسم الأثيري"، ومن يقوم بهذه التجربة يكون على اقتناع أن روحه قد غادرت جسده، وأصبحت في مكان بعيد وزمن بعيد، ويستطيع وصف الأحداث، التي تقع هناك. ويعتقد، من ثم، أنه يعيش تجربة "الروح خارج الجسد"، ويكون حصوله على المعلومات قد تم بفضل حاسته السادسة، دون سواها.






       

سادساً: عملية التنويم المغناطيسي وإيقاظ النائم

من الثابت أن التنويم المغناطيسي موهبة غير قابلة للانتقال، وعلم له نظرياته وحقائقه، وفن له أساليبه، وهو يتطلب علاوة، على ذلك، صفات خاصة، وتنمية قوى محدودة تكفل لصاحبها النجاح.

فمن العوامل الرئيسية، الخاصة بعملية التنويم المغناطيسي ما يلي:

1. المنوِّم

لا يستطيع كل شخص ممارسة التنويم المغناطيسي، مع أن المغناطيسية الحيوانية موجودة حول الناس جميعهم، لأن هناك شروطاً ومواصفات لا بد من توافرها فيمن سيقوم بهذا الدور، أهمها أن يكون سليم البنية، صحيح الجسم، حاد الذكاء، هادئ الطباع، ثابت القلب، خفيف الحركة، قوي الإرادة، ذا هيبة ووقار، صادقاً في أعماله، واثقاً من نفسه ومن نجاحه، حتى يستطيع أن يؤثر في الأشخاص، الذين لديهم استعداد للنوم المغناطيسي. وعلى المنوِّم أن يباشر عملية التنويم بصبر شديد، ولا يكثر من طرح الأسئلة على الوسيط، الذي قد يتألم أحياناً من هذه الأسئلة. وكذلك على المنوّم ألاّ يستهزئ من الوسيط أمام الجمهور، وأن يراعي الآداب العامة وقواعد الأخلاق، فلا يأمر وسيطة بعمل شئ مغاير للآداب العامة والأخلاق. ولا بد أن يجعل فترة النّوم قصيرة قدر الإمكان، وأن يكرر على النائم قبل الاستيقاظ، أنه سوف يكون أحسن حالا، لأن ذلك يؤثر في النائم بعد استيقاظه.

2. مكان عملية التّنويم

تحتاج عملية التّنويم إلى الهدوء التام، والصمت الكامل، وخصوصاً عند الابتداء، ويُفضّل أن يكون المكان بعيداً عن الضوضاء الخارجية، وجيد التهوية. وأن يكون كرسي الوسيط ذا مسندين، ومريحاً للظهر، ويسمح للقدمين بالاستناد على الأرض براحة، وأن تكون الغرفة قليلة الأثاث. أما كرسي المنوم، فلا بد أن يكون أعلى من كرسي الوسيط، لتعميق فكرة السّيطرة. وقد يُستخدم مؤثرات خارجية، مثل البخور والموسيقى والضوء السّريع والمتقطع.

3. ظواهر التنويم المغناطيسي

أ. الجفون

يُعد إغلاق الجفون أول تغيير عضلي يطرأ على النائم مغناطيسياً، ويحدث ذلك إما فجأة أو بالتدريج، ويبقى عادة جزء منها مفتوحاً. وتظل الجفون عديمة الحركة، وفي حالة ارتعاش مستمر. وإذا بقيت العينان مفتوحتين أثناء التنويم، فإنهما لا يعطيان أي تعبير.

ب. التخشب

وهو حالة من انقباض عضلات الجسم وتصلبها، التي قد تُرى أحياناً في التابع حين يبقى جسمه معلقاً في الفضاء، فلا ينثني. وفي بعض أحوال التنويم تكون الأطراف قابلة للثني عند المفاصل، وتحتفظ بالمركز والوضع الذي يعطى لها. وكان يُعتقد أن حالة التخشب التنويمي خطرة، ولكنها في الواقع خالية من كل ضرر، وتزول بعد انتهاء عملية التنويم.

ج. أداء الحركات

يؤدي التابع الحركات المطلوبة منه، كأن يسوق حصاناً أو سيارة، أو يجمع ثمراً، أو يحرك يديه حركة دائرية الواحدة حول الأخرى، فيستمر في أداء العمل أو الحركة، ولا يتوقف إلاّ بأمر من المنوِّم. ويزيد الإيحاء من قواه العضلية، فيحمل أثقالاً لا يستطيع حملها، وهو في حالة اليقظة. كما يمكن له أن يتخذ أوضاعاً جسمية غير مريحة، دون أي أثر للإجهاد أو التعب.

د. النبض و التنفس والحرارة

يكون النبض عادة سريعاً بسبب الانفعالات التي يشعر بها التابع. وكما أن الإيحاء يمكن أن يزيد من سرعة النبض أو يُبْطِئه، وكما يزيد من سرعة التنفس، أو يمكن إبطاؤه أو وقفه بصورة مؤقتة. أما درجة حرارة الجسم، فهناك أقاويل كثيرة حول إمكانية الإيحاء رفع أو خفض درجة الحرارة موضعياً، وفي أماكن محددة من الجسم.

هـ. الدموع

يمكن أن يجعل للإيحاء النائم مغناطيسياً، يبكي، بسبب حالة عاطفية، أو انفعال شديد.

و. الحواس

يستطيع الإيحاء أن يزيد من قوة الحواس، مثل حاسة البصر، فيمكن للنائم أن يقرأ حروفاً صغيرة منعكسة على نظارة، أو عينيّ المنوِّم. وكما يمكن للإيحاء أيضاً أن يؤثر على حاسة السمع، فيجعل التابع يسمع أصواتاً دون الأخرى. كما أن الشم يمكن أن تزداد قوته بالإيحاء إلى درجة أن التابع يستطيع أن يتعرف على شخص محدد، بين عدة أشخاص، بواسطة حاسة الشم فقط. أما اللمس والإحساس فمن الممكن أن يزداد بالإيحاء إلى حد أن التابع يستطيع أن السّير في الظلام، أو معصوب العينين، دون اصطدام، وأن يحس الفروق البسيطة جداً في درجات حرارة أجسام مختلفة. ومن الممكن بالإيحاء إيقاف حاسة التذوق، وإقناع التابع أن يشرب الماء المالح على أنه شراب لذيذ الطعم. وكذلك من الممكن أن يقتنع التابع بأنه فقد الإحساس، أو أنه يشعر بكل شيء عدا الألم، ويستخدم هذا الأسلوب أثناء العمليات الجراحية، كبديل عن التخدير.

ز. الشهية

من الممكن الإيحاء بالشّبع أو الجوع أو العطش، بل يمكن علاج حالات فقد الشهية بهذا الأسلوب.

4. حالات التّنويم المغناطيسي

للتنويم المغناطيسي ثلاث حالات:

أ. حالة عدم الحركة Catalepsy

تتميز هذه الحالة بعدم حركة النائم، وتصلب الأعضاء، على الرّغم من إدراكه لكل ما يحدث حوله. وهي الحالة الأولى في مراحل التنويم. وقد يكون النائم مفتوح العينين، ويستجيب لأوامر المنوم مثل رفع اليد وإبقائها مرفوعة حسب رغبة المنوِّم، ولأي فترة دون تعب أو انزعاج أو حتى رضا. ويكون إيقاظ النائم من هذه الحالة، بالأمر المباشر بالاستيقاظ.

ب. حالة النوم العميق Lethargy

تتميز هذه الحالة بالخمول والنوم العميق، وفيها يسمع النائم كل ما يدور حوله، وهي تُعد المرحلة الثانية من مراحل التنويم، التي لا يمكن الوصول إليها دون المرور بالحالة الأولى، (حالة عدم الحركة Catalepsy) وفيها يغلق المنوّم عيني النائم، الذي يفقد مباشرة تصلب أعضائه، ويرتخي جسده تماماً، ويصبح مثل الميت. ومن الغريب أنه يستجيب في هذه الحالة للأوامر، التي قد تضره، مثل كتابة وصية أو الإيحاء بشهادة زور في المحكمة مثلاُ، أو ارتكاب جريمة بعد اليقظة، أو غير ذلك من التعهدات.

ج. حالة المشي أثناء النوم Somnambulism

وهي الحالة التي يستطيع فيها النائم أن يتكلم ويمشي ويفعل كل ما يؤمر به، ولكن عندما يستيقظ لا يتذكر شيئاً مما حدث له. وللدخول في هذه الحالة Somnambulism، يفرك المنوّم جبهة النائم لمدة ثلاث دقائق، عندما يكون في المرحلة السابقة "Lethargy".

وفي هذه الحالة يأتي النائم بأفعال مدهشة، تفوق ما يفعله الإنسان وهو مستيقظ، وذلك حسب أوامر المنوّم، كأن يرسم مثلاً، كرسام محترف، أو يصور كمصور ماهر، أو يخطب كخطيب متمرس بلسان فصيح، وفي أي موضوع يختاره له المنوِّم. ويأكل السّكر على أنه ملح، ويشمئز منه، وكما يأكل الملح بلهفة وشهية كأنه سكرٌ.

وبعد أن يمر النائم بالحالات الثلاثة للتنويم، فأنه يصل إلى ما يُسمى "حالة الارتباط" التي لا يشعر فيها إلاّ باللمس أو الصوت الصادر عن المنوِّم فقط، وذلك بواسطة التيار المغناطيسي، المتصل بينهما.

5. إيقاظ النائم

إن عملية إيقاظ النائم، أو التابع، هي الجزء السهل في عملية التنويم المغناطيسي؛ فلم يحدث قط أن فشل أحد في الاستيقاظ من هذه العملية، حتى إن كان المنوِّم تحت التدريب، أو عديم الخبرة، لأن التابع ببساطة سيستيقظ وحده، وبشكل طبيعي، ودون إيحاء من المنوم للقيام بذلك.

وقد يحدث الاستيقاظ في اللحظة التي يتوقف فيها المنوِّم عن الكلام، أو يغادر فيها الغرفة. وفي الغالب فإن الطريقة الشائعة بين المنوِّمين، هي أن يأمر النائم بالاستيقاظ مباشرة، مع التربيت على الخد، أو العد حتى يكون الاستيقاظ تدريجياً، أو النفخ في الوجه، أو التصفيق بجانب الوجه. وقد يمرر بعض المنومين اليد على الجفنين، مع تكرار الأمر بالاستيقاظ.

وإيقاظ التابع أفضل من انتظار يقظته تلقائياً، لأن هناك بعض التابعين الرافضين للخروج من شعور الإغفاءة النشيطة والخفيفة، مما يحدث ارتباكاً وقلقاً وربما خوفاً في نفوس الحاضرين.

6. أخطار التنويم المغناطيسي

مما لا شك فيه أن أكثر المخاطر، التي تنجم عن عملية التنويم المغناطيسي هي وقوع المنوَّم تحت تأثير المنوِّم، بحيث يسلب إرادته ويحمله على تنفيذ أغراضه وأهدافه. وما التأثير الذي يجريه المنوِّم على النائم، إلاّ صورة مكبّرة ومبالغة لما نراه في الحياة اليومية العادية من التأثر ببعض الشخصيات، التي تتمتع بقوة شخصية ونفوذ وسلطان يمكّنهم من السيطرة على إرادة من هم أضعف منهم عقلياً وأدبياً، وقيادتهم وتوجيههم حسبما يرون.

وهذا التأثير في الحياة العادية يكون ـ بلا شك ـ أعمق وأقوى في حالة التنويم المغناطيسي، لأن الإيحاءات تكون أشد قوة وأنفذ مفعولاً، إذ هي تنفذ إلى العقل الباطن وتسيطر عليه، وتجعله يفقد حذره الطبيعي، فيزداد اعتماد التابع على المنوِّم، وتقوي ثقته به تدريجياً، على حساب إرادة النائم وثقته بنفسه. وهناك بعض الحالات، التي اغتصبت فيها بعض السيدات، وهن تحت تأثير التنويم المغناطيسي، من بعض المنوِّمين العابثين بأصول عملهم.

وترى مجموعة أخرى من الباحثين أنه لا يمكن، بحال من الأحوال، جعل النائم مغناطيسيا القيام بما من شأنه الأضرار بنفسه سلوكياً أو جسدياً أو مالياً، أو أن يرتكب شيئاً منافياً لأخلاقه، التي هو عليها في حالة الوعي الطبيعي. ولكن مع التسليم بهذا الرأي، تبقى حقيقة لا يرقي إليها الشك، وهى: أن النائم مغناطيسياً عدة مرات، لا بد أن يقع تحت تأثير المنوِّم وسيطرته.









       

سابعاً: التنويم المغناطيسي والطب

بدأت علاقة التنويم بالأبحاث الطبية منذ منتصف القرن التاسـع عشر، حين استخدم لعلاج بعض الأمراض النفسية والعصبية، مثل الهستيريا والصرع، والمساعدة في التخلي عن بعض العادات الضارة، مثل التدخين أو شرب الكحول، وعلاج بعض الأمراض العضوية مثل ضغط الدم العالي خصوصاً في النساء، وكذلك تخفيف الأوجاع الناتجة عن الروماتيزم والمفاصل والأسنان والدورة الشهرية والولادة والقرحة المعوية. كما يساعد التنويم على احتمال الحروق المؤلمة وأوجاع السرطان، وتجنب ألام الصداع، وقد استخدم بنجاح في علاج حالات القلق الليلي، والتبول الليلي اللاإرادي، وفقدان الشهية أو شدتها. وربما يأتي التنويم بنتائج إيجابية في بعض الأمراض، كالتعثر بالنطق أو الثأثأة في الكلام، واستعادة الصوت بعد فقدانه، وقضم الأظافر، وغيرها.

إن حالة التّنويم المغناطيسي نفسها، هي نوع من الاسترخاء الجسدي، الذي يساعد في الإحساس بالراحة الجسدية. كما أن الإيحاء أثناء التنويم المغناطيسي يتم قبوله بعد الاستيقاظ.

وقد منح التنويم المغناطيسي، كعامل مساعد طبي في التخدير، وكمسكن للألم، أملاً جديداً في تخفيف معاناة كثير من المرضى، وأجراء العمليات الجراحية دون مخدر. كما استطاع بعض المنومين معرفة وعلاج الأمراض، التي يعانى منها المصابين بالصمم. وكان سبيلهم إلى ذلك أن ينوِّم المعالج شخصاً سليم البنية غير الشخص الأصم، وينقل آلامه إليه بأن يقول له: "إن وصلتك به فلا بد إنك تحس بآلامه" فيحس النائم في هذه الحال بالألم الذي يعانيه الأصم، ويخبر عن موضعه ويصف العلاج كأعظم خبير، فيصف المنوِّم العلاج، حسب إرشاد النائم.

1. التنويم وعلاج الألم

يفرز المخ مادة كيميائية، تشبه المورفين، ولكن دون آثاره الجانبية، مثل الإدمان، وهي مسؤولة عن تخفيف الألم، وتُسمى أندورفينز Endorphins. وهى قادرة على القضاء على الألم أكثر من المورفين، وتُشكل جزءاً أساسياً من دفاع المخ ضد التوتر والقلق والعصبية. كما أن إفراز هذه المواد يؤثر بشكل عميق على العواطف والسلوك، وهذا يفسر الإحساس بالراحة الذي يشعر به الشّخص الخاضع للتنويم المغناطيسي، حيث يزداد إفراز هذه المادة. ويفسر، كذلك، لم أن بعض الناس مِمَن ينتجون قاتلات ألم طبيعية أكثر، لديهم قوة تحمل للألم أكثر من أولئك الذين يقاومون إفراز هذه المادة، في داخل عقولهم. ويؤكد بعض المنوِّمين قدرهم على السيطرة، على إفراز تلك المادة في عقل النائم، بما يمكّنهم من إقناعه فعلا بعدم الإحساس بالألم، مما يقلل من استعمال قاتلات الألم، التي تسبب الإدمان.

إن إستراتيجية السّيطرة على الألم، تتنوع ـ إلى درجة كبيرة ـ تبعاً لشخصية النّائم وقابليته للتنويم المغناطيسي، و تبعاً لشخصية المنوِّم وقدراته على اختيار إحدى طرق التنويم المغناطيسي. وقد استخدم التنويم المغناطيسي كذلك في علاج من يعانون ألماً مزمناً في الظهر، وفي تخفيف ألام الولادة وتحديداً في المراحل المبكرة من الطلق، دون استخدام مسكن أو مخدر. أما في المرحلة الثانية فتُستخدم بعض المسكنات الخفيفة فقط، ويتوقف ذلك على حالة المريضة، ومدى اقتناعها بالإيحاء.

إن أحد العوامل، التي تقنع المرأة باستعمال التنويم المغناطيسي في الولادة، هو أنها ستكون واعية، وتشارك في عملية الولادة. كما أن معظم الأمهات يخشين على أطفالهم، من أثار استعمال التخدير . وقد أصبحت النساء واعيات لطرق السيطرة على ألم الولادة، واستخدام الإيحاء الذاتي، من طريق التنفس الإيقاعي المنتظم والعميق، الذي يركز انتباه المريضة بعيداً عن الألم، ويوجه أفكارها إلى العد والتنفس، ما يؤدى إلى اختفاء الإحساس بالألم، ويسرع الزمن بين كل مرحلة من الطلق والمرحلة التي تليها، بحيث تكون بداية كل تقلص إشارة للمريضة للاسترخاء في إغفاءة تنويميه عميقة، وتقودها نهاية كل تقلص إلى الخروج من تلك الحالة.

2. التنويم المغناطيسي والجراحة

يُستخدم التنويم أحياناً بدلاً من المخدر في العمليات الجراحية، وذلك في الحالات التي لها تاريخ حساسية لأدوية التخدير، أو وجود مرض بالقلب، أو حساسية صدرية مثلاً، أو لعدم رغبة المريض في تناول المخدر.

وتُجرى الجراحات بواسطة التنويم، دون الإحساس بالألم في معظم الأحيان. غير أن التحضير النفسي للتنويم، يتطلب وقتاً أطول مما يتطلبه المخدر، وهو أمر لا يسمح بإجراء عمليات جراحية طارئة. كما أن المريض قد يستيقظ من تأثير التنويم فجأة، قبل نهاية الجراحة، وهذا يسبب آلاماً شديدة، قد تؤدي إلى صدمة عصبية ويعرض حياة المريض للخطر. ولهذا، وضعت قيود شديدة على استخدام التنويم في هذا المجال.

3. التنويم المغناطيسي والسّرطان

يبدو أن مرض السرطان، بالتحديد، من أكثر المجالات الطبية، التي يستخدم فيها التنويم المغناطيسي، لمساعدة المريض في السيطرة على عواطفه، وبناء ثقة في الشفاء.

وقد حصل مرضى السرطان، المعالجين بالتنويم المغناطيسي، في حالات كثيرة، على راحة كافية من الألم، إذ انخفضت حاجتهم إلى جرعات مخدرة بشكل كبير، كلّما ازداد أيمانهم بالشفاء.

وفي جميع مجالات العلاج، يُعطي التنويم المغناطيسي للمريض أملاً في الشفاء لا ضرر منه بالتأكيد. وقد شكّل التنويم المغناطيسي الملاذ الأخير، لكثير من المرضى الميؤوس من شفائهم، مِمَن تشكلت لديهم مناعة من قاتلات الألم. وهناك حالات كثيرة لمرضى السرطان، الذّين استطاعوا مغادرة الفراش نهائياً، وممارسة حياتهم بصورة أقرب إلى الطبيعية.

4. التنويم المغناطيسي وطب الأسنان

يُعد استعمال التنويم المغناطيسي في مجال طب الأسنان، من أنجح المجالات. فمعظم الناس يشعرون بالخوف والهلع من الجلوس على كرسي الأسنان. لهذا، كانت تهيئة المريض، أولاً، للذهاب إلى الطبيب، ثم الجلوس على الكرسي، هي أولى مهام التنويم المغناطيسي. لذا يمارس بعض المنوِّمين عملهم في غرفة الانتظار، وقبل العلاج بعدة دقائق، وهو أسلوب له أهمية خاصة في علاج الأطفال، لأن هذه التجربة اللطيفة تهيئ الطفل لزيارات مستقبلية، دون الهياج والصراخ المعتادين في مثل تلك الظروف. وقد قال أطباء الأسنان إن المريض المفرط الحساسية، يمكن تنويمه مغناطيسياً بسهولة أكثر.

5. التنويم المغناطيسي والأمراض الجلدية

يُستخدم التنويم المغناطيسي بنجاح في علاج الأمراض الجلدية، الناتجة عن اضطرابات نفسية كالإكزيما، ومرض سقوط الشعر، وداء الصدفية، وحب الشباب والحساسية الجلدية وغيرها؛ والسبب أن ثمة علاقة وثيقة بين الجلد والأعصاب، لأن المنشأ الجنيني للجهازين واحد. ولهذا يلاحظ ارتباط بين الخوف وحدوث قشعريرة، وبين الارتباك واحمرار الوجه، كما أن القلق يزيد من كمية العرق، والتوتر يزيد من الحكة الجلدية. وهذا قد يفسر إصابة أعداد كبيرة من الشباب ببثور جلدية، عندما يكونون معرضين لانفعالات عاطفية. وقد تم بالإيحاء علاج كثير من تلك الحالات.

6. التنويم المغناطيسي والهستيريا

الهستيريا مرتبطة في الأذهان، بصفة عامة، بردود فعل غير سوية، ومبالغ فيها، تجاه بعض الأحداث في الحياة. وهي ليست وليدة هذا العصر فقط، بل إنها شغلت الأطباء منذ مئات السنين.

وقد استُبدل بمصطلح تعبير الهستيريا، مصطلح "المظاهر الهستيرية"، مثل العمى المفاجئ، والشلل المؤقت، وفقد القدرة على الكلام، وفقد الوعي والذاكرة، وحدوث تشنجات. والهستيريا مرض يصيب الرجال والنساء على حد سواء، وليس قاصراً على النساء وحدهن، كما كان يعتقد في الماضي.

ويفسر علماء التنويم المغناطيسي، حالات الشلل والعمى الهستيري بأن المصابين بالهستيريا يضعون في ذهنهم أنهم مشلولون أو عميان. أي أنهم يحملون في رؤوسهم فكرة متسلطة بسبب الإيحاء الذاتي وهى لا تقاوم. وبالمنطق نفسه، يمكن للتنويم والإيحاء أن ينزع تلك الأفكار من رؤوسهم، وإقناعهم بأنهم تماثلوا للشفاء، فيعودون للحركة مرة أخرى.

ومن أهم أعراض الهستيريا أن يحدث مزج بين الكلام غير المفهوم مع الدموع والضحكات والصراخ أحياناً. وإذا سقط على الأرض، فإن المصاب بالهستيريا يختار المكان الذي يسقط عليه، كما أنه لا يعض لسانة ولا يؤذي نفسه نهائيا الأمر، الذي يثبت أنها عملية مصطنعة.

وقد يحدث للمريض بالهستيريا تشنجات وتقلصات، من الممكن تشخيصها على أنها التهاب سحائي كاذب، التهاب الزائدة الدودية الكاذب، وفي بعض الأحيان الحمل الكاذب. مما يوضح عمق العلاقة بين المظاهر الهستيرية، ومظاهر التنويم المغناطيسي.

وعلاج مرضى الهستريا صعب، لأن المريض ينتقل من عَرَضٍ إلى الأخر دون سبب واضح يفسر ذلك. فقد يصبح أصماً، أو أعمى لفترة، ثم يصاب بالشلل ويشفي من العمى، وهكذا.

وعموماً، عند يُصاب أحد بأزمة هستيرية، فيجب ألاّ يظهر المحيطين به الذعر، وعليهم معاملته بهدوء، ومحاولة الوصول إلى أعماقه، لمعرفة سبب الغضب الذي أدى إلى أزمته، ثم علاجه بالإيحاء من طريق علم النفس والتنويم المغناطيسي.

ولا بد أن يجري المعالجة دائماً بصورة معمقة، وعن طريق الاستعانة بالوسائل الطبية والنفسية والتنويمية المناسبة معاً، لأن الهستيريا تمثل مجموعة كبيرة من الحالات. وقد لاحظ العلماء أن الشخص ذو الطباع الهستيرية، بوسعه العيش طيلة حياته دون مظاهر مبالغ فيها. وهو هش فكرياً، وسهل التقبل للإيحاءات، وأن الحياة الهادئة الخالية من الصدمات الانفعالية، قد لا تظهر أياً من أعراضه الهستيرية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70712
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة غسيل المخ التنويم    الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة  غسيل المخ التنويم  Emptyالأحد 17 أبريل 2016, 8:53 pm

ثامناً: مجالات أخرى للتنويم المغناطيسي

حقق التنويم المغناطيسي نجاحاً عظيماً، ومزايا كبيرة، في العديد من المجالات الأخرى غير المجال الطبي، وذلك مثل:

1. علاج السّلوك

حقق التنويم المغناطيسي نجاحاً كبيراً في تغيير عادات سيئة كثيرة، ومن طريق الإيحاء والجلسات المتكررة، التي يمتد تأثيرها من حالة الاسترخاء إلى حالة النشاط العادي، بعد أن تتغلغل تلك الإيحاءات داخل الشخص، وتساعده على تعميق كراهية التدخين أو شرب الخمور والسرقة وإدمان المخدرات مثلاً.

ويستخدم التنويم، كذلك، في علاج حالات البدانة بسبب الإفراط في تناول الطعام، وذلك عن طريق الإيحاء للمريض ليعرف أن الجوع هو حاجة حقيقية للطعام Need، عندما نحتاج إلى أن نتغذى. أما الشّهية فهي عادة Habit، وليست حاجة، وهناك فارق بين الاثنين. وقد يفرط كثير من الناس في تناول الطعام، كتعويض عن مشكلة نفسية، أو حاجة عاطفية، كالحب أو الشعور بالأمان. وهنا يأتي دور التنويم في الوصول إلى جذور المشكلة، وإقناع المريض بالإقلاع عن هذه العادة السّيئة.

2. علاج الأرق

يحتاج الإنسان إلى نوم منتظم، وعدد ساعات من النوم يختلف حسب مراحل العمر. فالطفل تصل ساعات نومه إلى 12 ساعة، بينما ينام البالغ، عادة، بين ست إلى ثماني ساعات يومياً، وتقل عدد ساعات النوم مع تقدم العمر. وهناك دلائل على أن الرجل ينام أكثر من المرأة، وأن الشخص السّمين ينام فترة أطول من النحيف، والشخص القلق ينام أقل من المسترخي.وعندما لا يحصل الفرد على عدد السّاعات المطلوبة يوميا من النوم، يصاب بالصداع، أو آلام الظهر، أو الشعور بالضجر، في اليوم التالي. ومعظم الناس قد يمرون بليالٍ كثيرة منهكين دون راحة نتيجة الأرق، وكلّما جاهدوا بقوة بحثاً عن النوم، يؤرقون أكثر. ويتجه الكثير منهم إلى استعمال الأقراص المنومة.

إن التنويم المغناطيسي الذاتي هو الطريق إلى النوم الليلي المنتظم، عن طريق التدريب على الاسترخاء بعمق، و الانسياب بهدوء، إلى نوم ليلي مريح.

ولم يفشل التنويم المغناطيسي في شفاء مختلف حالات الأرق، وسواء كانت الحالة حادة أو مزمنة أو كلاهما معاً، لأن التنويم المغناطيسي نفسه هو عتبة النوم، وهو يقود الدماغ من "بيتا" إلى "ألفا"، ومن ثم إلى "ثيتا" وأخيراً إلى "دلتا"؛ التي هي النوم.

3. مجال الجريمة والتحقيقات

إن فاعلية التنويم المغناطيسي ونجاحه، في الحصول على المعلومات أثناء التنويم، جعلت عدداً من الوكالات الاستخبارية تحاول الحصول على أناس مدربين، في عملية التنويم المغناطيسي. وتستخدم الطرق الآتية في التحقيقات:

أ. قبل الحصول على المعلومة، لا بد من بناء علاقة ثقة بين المنوِّم والنائم، لتحطيم حواجز القلق الموجودة دائماً، وتعوق جمع المعلومات.

ب. اختبار النائم لمعرفة عمق الإغفاءة، فإذا كان المستوى خفيفاً، فلا يمكن الحصول إلاّ على القليل جداً من المعلومات الصحيحة، وقد يكون إجراء جلسة ثانية أمراً ضرورياً لتحقيق عمق كافٍ، لإجراء استجواب صحيح ذي معنى.

ج. أن تكون الأسئلة مختصرة ومحضرة مسّبقاً، وتتطلب حداً أدنى من الجهد للإجابة عليها. وحسن إعداد الأسئلة أمر مهم، لأن اضطراب السّائل سيؤدي إلى ارتباك النائم.

د. يطلب المحلل من النائم أن يعود إلى الزمان والمكان، حيث وقع الحادث، ويذكر التجربة.

4. مجال الرياضة

استطاع بعض المدربين اتخاذ طريقة التنويم، للإيحاء إلى لاعبيهم بالفوز في المباريات، وتخفيف القلق والتوتر قبل المباريات.

وهذا ما جعل من التنويم المغناطيسي طريقة ناجحة، وأداة للفوز، في شتى أنواع الرياضة. ومرد ذلك أن جميع النشاطات الجسدية هي نشاطات عقلية في الأساس، كما أن الرياضي إذا استطاع أن يدرك ويؤمن، فإنه يستطيع أن ينفذ. فالجسم يقوم بكل ما يُطلب منه، طالما كان الطلب معقولاً.

والرياضي يضع شخصيته في المنافسة ولا يعد الفوز مجرد التغلب على الخصم، ولكنه الشعور الداخلي بالنصر. وباستخدام التنويم المغناطيسي الذاتي، يُوضع اللاعب في حالة تركيز كامل، تبني قناة من الاتصال بين العقل والحركات الجسدية، وعند ذلك يبلغ درجة عالية من المهارة والثقة في النّفس، طوال الوقت.

5. مجال التعليم

يشعر الطلاب قبل الامتحانات بالخوف من الفشل، وبما يسهم في حالات النسيان التامة، التي تصيب بعضاً منهم، خاصة، ليلة الامتحان. ولذلك يساعد التركيز الدقيق على الاستيعاب، والاحتفاظ بالمعلومات واستعادتها. وقد نجح التنويم المغناطيسي عن طريق الإيحاء، بعدم الخوف والتركيز، في المساعدة في العملية التعليمية، مثل تعلم اللغات، واستعادة لغة كان الشخص يتكلمها في وقت من الأوقات، ثم نسيها بمرور الزمن، بل وإخراج المعلومات المفقودة أو المدفونة من تجويف العقل وإعادتها إلى النشاط، مما يخلق اختلافاً بين النجاح والفشل في أي تجربة تعليمية. وقد نجحت الكثير من مناهج اللغات في الإسراع ببرامج التعليم باستخدام التنويم المغناطيسي.

ويكون التعلم باستخدام التنويم المغناطيسي على ثلاث مراحل:

أ. مرحلة ما قبل التنويم

في هذه المرحلة، يقرأ الطالب المادة جيدا، ويتأكد المعلم من فهم الطالب للمادة، ويجيب على أي استفسار.

ب. مرحلة التنويم

يكون الطالب في هذه المرحلة تحت تأثير التنويم المغناطيسي، ويبدأ المعلم في تكرار المعلومة، التي يراد تقويتها بالإيحاء، بناء على التقرير التقيمى لحالة الطالب في مرحلة ما قبل التنويم.

ج. مرحلة ما بعد التنويم

يتبع الطالب في هذه المرحلة طرق عديدة للحفظ والاستذكار، سبق له معرفتها عن طريق الإيحاءات.

أما الطُلاب الذين يعانون من مشاكل تعلُّيمية، لأنهم غير قادرين على التركيز بسبب التوتر والقلق، فإنهم يستجيبون بشكل محبب للإيحاءات والإغفاءة، التي هي حالة من التعلم باسترخاء، دون تدخل أو إجبار.






       

تاسعاً: الجديد في عالم التنويم المغناطيسي

حفل عالم التنويم المغناطيسي، بالكثير مما جرى تطويره وتحديثه ليلائم إيقاع العصر، مثل استخدام الموسيقى، والدّخان، والدخول المسرحي للمنوم، والإضاءة . وقد لاحظ المنومون المحترفون، أن النائم، أو التابع، يصيبه الملل أحياناً، بل التعب إذا استمر في التحديق في نقطة ثابتة لفترات طويلة . وهنا يجب تغيير الغرفة أو المقعد، أو تخفيض الإضاءة، لضمان حدوث التنويم. وقد يحتاج التابع أحياناً إلى أكثر من جلسة، بحيث تختلف كل جلسة عن سابقتها، في استخدام المؤثرات.

ومن الطرق التي تم طوّرها، وحدّثها، المنوّمون المتمرسون ما يلي:

1. التنويم المغناطيسي الجماعي

يعود تاريخ التنويم المغناطيسي الجماعي إلى قدماء المصريين، وذلك من خلال الطقوس الدينية الجماعية، والترتيل الجماعي، والتأمل. ولا زالت تلك الطرق هي وسيلة العلاج، في المجتمعات البدائية، سواء في أفريقيا، أو أسيا، أو أمريكا اللاتينية. ويصاحب تلك الطقوس طبول ذات إيقاع منتظم، وطقوس جماعية، ويتحرك ساحر القبيلة بين المجموعة، ويلمسهم ويعطى كل منهم إيحاءاً خاصاً به، تماما كما يفعل الآن المنوم المحترف. وقد لاحظ المنوّمون أن التنويم الجماعي يعد نموذجاً لبث الطمأنينة في التابع الخائف، حين يرى فوائد التنويم على الآخرين، ويثير ذلك رغبته في الاندماج في مسار التنويم.

وقد استخدم التنويم الجماعي في إصلاح سلوك مرضى معين، أو تحسين العادات الدراسية في المدارس، وكذلك في علاج الإدمان. وتشمل الإيحاءات الجماعية، بناء الثقة، والتحرر من الخوف والجهل، مع بناء صورة داخلية جميلة للفرد، داخل المجموعة.

2. ارتداد العمر، وتوالى الزمن

يُعد ارتداد العمر، إحدى طرق المنّوم ليقود التابع إلى مخزن ذكرياته، للكشف عن الحوادث المخبأة، أو تذكُر المنسي منها. أما توالي الزمن، فهو رؤية مسبقة للأحداث القادمة، أو الاحتمالات المستقبلية، وهما وجهان لعملة واحدة، ومن الممكن استعمال الطريقتين في الجلسة نفسها. بمعنى أن التنويم المغناطيسي يقدم نظرة ارتدادية، وأخرى مستقبلية، في أن واحد.

ويمكن تحقيق ارتداد العمر من طريق استعادة الأحداث والأسماء والأرقام القديمة؛ فيفرغ التابع المعلومات المسجلة لديه عن هذا الموضوع، عن طريق استعادته أو إعادة التخيل.

فالارتداد إلى الطفولة مثلا، أمر لا ضرر منه للمنوم المحترف، وليس المبتدئ، ويجب ملاحظة أن التابع إذا ارتد إلى سن صغير جداً، فقد لا يتكلم، بل يصدر ضجيجاً، ويبكى مثل الأطفال. كما أن ثقة التابع في المنوم، عامل حيوي للنجاح، وعلى المنّوم ألا يسرع في الارتداد. وفي أي لحظة، يبدو فيها الانزعاج على التابع من أي حدث، فعلى المنّوم أن يخرجه من حالة التنويم فوراً.

أما توالي الزمن، فيدخل في مجال إلقاء الضوء على الاحتمالات المستقبلية. وهو يعتمد إلى حد كبير على ذكاء المنّوم، وعلى أن يكون التابع قد ارتد بالعمر إلى الزمن الماضي، حتى أصبح أفضل قدرة على التعامل، ليس مع ماضيه أو حاضرة فقط، بل مع احتمالات مستقبله.

وبدلاً من استغراقه في التفكير في الصورة التي كان فيها، يساعده المنوم على رؤية نفسه كما يستطيع أن يكون وكما يجب أن يكون. ويستند علماء التنويم في تفسيرهم لظاهرة توالى الزمن، إلى أن المغامرون والعظماء والمشاهير، هم أولئك الذين يستطيعون تحرير خيالهم وبناء حلم يكافحون من أجله. ويستطيعون تحويله، فيما بعد، إلى حقيقة واقعة. وكذلك نجد بعض الممثلين أثناء تحضيرهم لعمل ما، وهم يتخيلون ليلة الافتتاح مثلا، وما يتلقونه من ترحيباً حماسياً.

ويمكن للطالب أن يستخدم توالي الزمن لقراءة الامتحان، ويرى نفسه يكتب إجابة جميع الأسئلة.

ولهذا يصر علماء التنويم، على أن توالى الزمن، ليس معرفة الغيب، الذي لا يملك معرفته إلا الله سبحانه وتعالى، ولكنه رؤية مستقبلية، أو حلم مستقبلي، أو توقع مستقبلي، يحدث للنائم بمساعدة المنّوم، معتمداً على استخدام الخيال، والقدرة على تصور الأحداث المستقبلية، وليس الأحداث التي مر بها.

ويتركّز الاستخدام الأمثل لتقنية توالى الزمن، على ثلاثة عناصر أساسية، هي:

أ. إدراك ووعي بما يراه لنفسه في المستقبل.

ب. ثقة بقدرته على تحقيق ذلك.

ج. إنجاز ما أمن به، ليصبح حقيقة وواقع.

وهذه الأعمدة الثلاثة، لابد من وجودها معاً، فقد يدرك الشخص ما يراه في المستقبل، لكن دون إيمان كافٍ به، فيصبح الإنجاز مستحيلاً.

3. الكتابة الآلية

تعد هذه التقنية من أكثر أدوات التنويم المغناطيسي سحراً وإبهاراً، ولكن عدد قليل من المنومين يستخدمونها، وذلك بسبب فهمهم الخاطئ لها، من ناحية، وكونها تحتاج منهم إلى فهم وأدراك ووعى، من ناحية أخرى.

يستطيع خبراء الخطوط، من دراسة الخطوط والرسوم غير المترابطة، التي تُرسم بلا وعى، أثناء مكالمة تليفونية، أو خلال الاستماع إلى محاضرة، معرفة الكثير عن شخصية صاحب الرّسم وعن أفكاره وطباعه، وميله للتشاؤم أو التفاؤل، وما إلى ذلك. والكتابة الآلية تُخرج الحقيقة، فهي عندما تجمع مع التنويم المغناطيسي، تعطي طريقة لكشف معلومات جوهرية تساعد في شفاء المريض. وفي بعض الأحيان يختار التابع أن يرسم، بدل أن يكتب كلمات، وفي هذه الحالة يُفضّل استعمال لوحة رسم كبيرة، وقلم ذو رأس من اللّباد، لأن معظم التابعين يميلون إلى الكتابة بخط أكبر من المعتاد عندما يكونون تحت تأثير التنويم المغناطيسي. ولعل السّبب أنهم يرتدون إلى الأساليب الطفولية في الكتابة.

ويُستعمل الارتداد، عادة، قبل الكتابة الآلية، ويؤخذ التابع إلى أعمق مستوى ممكن من التنويم، ويتركه المنوّم يغفو قليلا، ثم يسأله. وتكون الإجابات في صورة كلمات، إذا كان الارتداد إلى زمن تعلم فيه الكتابة، أو في صورة رموز أو أشكالا مختلفة، عندما يوجد حاجز لغوي، أو عندما يكون الارتداد إلى سن ما تُعلم قبل التابع الكتابة.

4. طريقة الإرباك

تُستخدم هذه الطريقة لتنويم التّابع المتمرّد، الذي يجد المنوم صعوبة في تنويمه بالطرق العادية. فقد لاحظ العلماء أن إعطاء أوامر كثيرة، سريعة ومتتابعة، تصيب هذا النمط من التَابعين المتمردين بالإرباك، ولا يعطيه هذا الأسلوب فرصة لاستخدام عقله، واستعادة السيطرة على نفسه، فيغرق في التغير السريع من أمر إلى آخر، ويستسلم في النهاية للمنوّم.

ويجري ذلك بأن يُحدث المنوّم التنويم سريعاً، ثم يوقظ التابع، ثم يُعيد تنويمه، إضافة إلى الأوامر بالتركيز على التنفس، وتكرار الأوامر، فيُصبح كل ذلك أكثر من أن يفكر فيه التّابع، فيسقط في إغفاءة التنويم دون مقاومة.

وقبل إِيقاظ التابع يوحي إليه المنوم، أن المرة القادمة من التنويم، سوف تكون أسهل بكثير. وبهذا لا يحتاج المنوّم إلى هذه الطريقة في المرة القادمة.






       

المصطلحات

1. التنويم Hypnotism

كلمة يونانية الأصل ، تعني التنويم المغناطيسي، أو النوم المفتعل، وهي مشتقة من كلمة Hypno، التي تعني النوم.

2. منوم، أو نومي Hypnotic

تعني الميل إلى النوم، أو التحريض عليه.

3. المغناطيسية البشرية Personal Magnetism

تعني الجاذبية المغناطيسية في الأجسام البشرية

4. المغناطيسية الحيوانية Animal Magnetism

تعنى المغناطيسية الموجودة بين الكائنات الحية ، بسبب وجود سائل لطيف مشابه للمغناطيسية المعدنية، التي يُشاهد تأثيرها في المعادن.

5. المسميرزم Mesmerism

اسم أخر للمغناطيسية الحيوانية، نسبة إلى مكتشفها العالم والطبيب العالمي فريدريك مسمير.

6. البريدزم Braidism

وتعني التنويم المغناطيسي، نسبة إلى العالم "جيمس برايد" James Braid.

7. المشي أثناء النوم Somnambulism

تعني الحالة، التي يكون عليها النائم مغناطيسياً، بعد أن يفقد الشعور الخارجي جزئياً أو كليا، ويستطيع المشي والحركة والكلام.

8. أمواج بيتا Beta Waves

هي الدرجة الأولى في تصنيف الأمواج الدماغية، ويكون فيها الجسم متيقظاً، والعقل والعواطف في حالتي انتباه.

9. أمواج ألفا Alpha Waves

هي الدرجة الثانية في تصنيف الأمواج الدماغية، ويكون فيها الجسم في حالة استرخاء، والعقل في حالة غفوة خفيفة من التأمل.

10. أمواج ثيتا Theta Waves

هي الدرجة الثالثة في تصنيف الأمواج الدماغية، وهي المدخل للنوم الليلي.

11. أمواج ديلتا Delta Waves

هي الدرجة الرابعة في تصنيف الأمواج الدماغية، وهي حالة النوم العميق.

12. مرحلة التجمد Catalepsy

هي الحالة التي يكون فيها النائم مغناطيسياً فاقداً لجميع أحاسيسه، ويبقى في الوضع الذي نام عليه، دون حركة أو تعب.

13. مرحلة السّبات أو النّوام Lethargy

هي حالة النّوم المستغرق التي يكون فيها الشّخص نائماً مغناطيسياً نوماً عميقاً.

14. مادة الأندورفين Endorphin

هي مادة كيميائية يفرزها الدماغ، وهي أقوى من المورفين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الموسوعة الصحية المصغرة الذاكرة غسيل المخ التنويم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعة الصحية المصغرة جسم اﻻنسان
»  الموسوعة الصحية المصغرة جهاز المناعة
» الموسوعة الصحية المصغرة التهاب الجيوب
»  الموسوعة الصحية المصغرة العقاقير التخدير
» الموسوعة الصحية المصغرة أمراض الإنسان ومسبباتها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الصحة والغذاء-
انتقل الى: