منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 قادة غيروا الدنيا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالسبت 21 مايو 2016, 8:55 pm

ادة غيروا الدنيا، سلسلة مقالات تتناول حياة قادة الإسلام وأعلام المسلمين في المجال العسكري والسياسي، الذين قادوا المعارك ببصيرة حربية مذهلة، فغيروا الدنيا


عز الدين القسام
تامر بدر




قادة غيروا الدنيا Shapetjgf
عز الدين القسام



هو الشيخ المجاهد الشهيد عز الدين القسام، إذا ذكرته تذكَّرت فلسطين، وإذا ذكرت فلسطين ذكرت الأبطال؛ ومنهم عز الدين القسام، الذي سطر التاريخ مجدهم، وكتبت الدواوين ترثيهم، وخاضوا معارك تُهزم بها جيوش في مواجهة قتلة الأنبياء اليهود، لقد كان القسام علمًا من أعلام الجهاد يتردَّد اسمه في بلاد فلسطين كلها.
نشأته
وُلِدَ الشيخ عز الدين القسام في (9 من المحرم 1300هـ= 20 من نوفمبر 1882م) في بلدة جبلة في محافظة اللاذقية في سورية، كان منذ صغره يميل إلى العزلة والتفكير، وتلقَّى دراسته الابتدائية في كتاتيب بلدته جبلة، ورحل في شبابه إلى مصر؛ حيث درس في الأزهر، وكان من عداد تلاميذ الشيخ محمد عبده والعالم محمد أحمد الطوخي، كما تأثَّر بقادة الحركة النشطة التي كانت تُقاوم المحتلَّ البريطاني بمصر، وفي مصر كان يصنع الحلويات ويبيعها ليعيل نفسه، وكان صديقه عز الدين التنوخي يستحي ويختبئ، فكان يقول له أنَّ المفروض أن يتباهى، وعندما جاء والد عز الدين التنوخي ليسأل عن ابنه وعرف خبره، قال له: إن عز الدين القسام علَّمك الحياة.

عاد مرَّة في شبابه من السفر إلى جبلة، فطلب منه والده أن يصطحبه ليُسَلِّم على الآغا (السيد أو الآمر أو الرئيس) فرفض بشدَّة، وقال: إن المقيم هو الذي يأتي ليُسَلِّم على القادم.
العودة إلى سورية
لمَّا عاد إلى بلاده سوريا عَمِل مدرِّسًا في جامع السلطان إبراهيم، وأقام مدرسة لتعليم القرآن واللغة العربية في مدينة جبلة، وعندما اشتعلت الثورة ضدَّ الفرنسيين شارك القسام في الثورة، فحاولت السلطة العسكرية الفرنسية شراءه وإكرامه بتوليته القضاء فرفض ذلك، وكان جزاؤه أن حَكَمَ عليه الديوانُ السوري العرفي بالإعدام.

قاد أوَّلَ مظاهرة تأييدًا لليبيين في مقاومتهم للاحتلال الإيطالي، وكوَّن سريَّة من 250 متطوعًا، وقام بحملة لجمع التبرُّعات، وقد جمع المال والسلاح لنجدة المجاهدين في طرابلس الغرب أثناء حملة الإيطاليين عليها.
ثورة جبل صهيون
باع عز الدين القسام بيته وترك قريته الساحلية، وانتقل إلى قرية الحفة الجبلية ذات الموقع الحصين؛ ليساعد عمر البيطار في ثورة جبل صهيون (1919-1920م)، وقد حَكَم عليه الاحتلال الفرنسي بالإعدام غيابيًّا، وبعد إخفاق الثورة فرَّ الشيخ القسام عام (1339هـ= 1921م) إلى فلسطين مع بعض رفاقه، واتَّخذ مسجد الاستقلال في الحيِّ القديم بحيفا مقرًّا له؛ حيث استوطن فقراء الفلاحين الحيَّ بعد أن نزحوا من قراهم، ونشط القسام بينهم يُحاول تعليمهم، ويُحارب الأُمِّيَّة المنتشرة بينهم، فكان يُعطي دروسًا ليليَّة لهم، ويُكثر من زيارتهم، وقد كان ذلك موضع تقدير الناس وتأييدهم.

رئيس جمعية الشبان المسلمين
التحق القسام بالمدرسة الإسلامية في حيفا، ثم بجمعية الشبان المسلمين هناك، وأصبح رئيسًا لها عام (1345هـ= 1926م).

كان القسام في تلك الفترة يدعو إلى التحضير والاستعداد للقيام بالجهاد ضدَّ الاستعمار البريطاني، ونشط في الدعوة العامَّة وسط جموع الفلاحين في المساجد الواقعة شمالي فلسطين.
عز الدين القسام في فلسطين
لجأ القسام إلى فلسطين واستقرَّ في قرية الياجور قرب حيفا، ولجأ معه من رفاق الجهاد الشيخ محمد الحنفي، والشيخ علي الحاج عبيد، وإلى سنة (1354هـ= 1935م) لم يكن سكان حيفا يعرفون عن عزِّ الدين القسام سوى أنه واعظ ديني، ومرشد سوري، ورئيس جمعية الشبان المسلمين في مدينة حيفا، وكان بنظرهم شيخًا محمود السيرة في تقواه وصدقه ووطنيَّته، كما كانت منطقة الشمال تعرفه إمامًا وخطيبًا بارعًا، ومأذونًا شرعيًّا في جامع الاستقلال، وهو الذي سعى في تشييده.

وفي عام (1348هـ= 1929م) أُشيع أن اليهود يُريدون أن يحرقوا مسجد الاستقلال بحيفا، فاقترح بعض الوُجهاء أن يطلبوا المساعدة من الإنجليز؛ لكنَّ الشيخ القسام رفض رفضًا قاطعًا، وقال: «إن دمنا هو الذي يحمي المسلمين ويحمي مساجد المسلمين، وليست دماء المحتلِّين». كان يرفض أيَّ حوار أو معاهدة مع الإنجليز، ويقول: «مَنْ جَرَّبَ المُجَرَّب فهو خائن». فقد جرَّب بعض العرب الإنجليز ضدَّ العثمانيين، وكانت كلُّ وعودهم كذبًا.
كان يقول للناس في خطبه: «هل أنتم مؤمنون؟» ويُجيب نفسه: «لا». ثم يقول للناس: «إن كنتم مؤمنين فلا يقعدنَّ أحدٌ منكم بلا سلاح وجهاد». وفي إحدى خطبه كان يُخَبِّئ سلاحًا تحت ثيابه فرفعه وقال: «مَنْ كان منكم يُؤمن بالله واليوم الآخر فليَقْتَنِ مثل هذا». فقُبض عليه وأُدخل مباشرةً إلى السجن، وتظاهر الناس لإخراجه، وأضربوا إضرابًا عامًّا إلى أن تمَّ الإفراج عنه، كان يُركِّز على أن الإسراف في زخرفة المساجد حرام، وأن علينا أن نشتري سلاحًا بدل أن نشتري الثريات الفاخرة، كان يَصِلُ إلى جميع الناس من خلال عمله كمأذون شرعيٍّ وكخطيبٍ، وكان يختلف كثيرًا مع الشيوخ لأنهم كانوا لا يهتمُّون سوى بأمور العبادة من صلاة وصوم؛ بينما كان اليهود يُخَطِّطُون ويشترون الأراضي، فكان يرى أنه لا فصل بين الدين والسياسة، وأمورُ السياسة كانت واضحةً بعد أن نال اليهود وعد بلفور، كما كان في شجار مع المستعجلين من أبناء تنظيمه، الذين يُريدون الثورة في حين كان القسام يُعِدُّ ويترَيَّثُ ليضرب في الوقت المناسب، فلبث سنين وهو يُعِدُّ للثورة.
اتصالات القسام
اتصل القسام بالملك فيصل في سورية طلبًا لمؤازرته في ثورته، فوعده ولم يُثمر وعده عن شيء، واتصل بالحاج أمين الحسيني -مفتي فلسطين الأكبر- وطلب منه أن يُهَيِّئَ الثورة في منطقته، فأجابه بأنه يرى أن تُحَلَّ قضية فلسطين بالطرق السلمية عن طريق المفاوضات، واتصل مع الأمير راشد بن خزاعي الفريحات من شرق الأردن للمؤازرة، وليُهَيِّئَ الثورة ضدَّ الانتداب البريطاني وأعوانه في شرق الأردن، وقد قَدَّم الأمير الخزاعي إمدادًا مباشرًا وقويًّا للشيخ القسام بالمال والسلاح، فضلًا عن توفير الحماية للثوار الفلسطينيين في جبال عجلون الحصينة من فترة لأخرى، هذا الذي استدعى من الأمير راشد وقبيلته ومعظم عشائر الشمال الأردني المواجهة المباشرة مع النظام الأردني؛ وخاصَّة مع الملك عبد الله الأول والانتداب البريطاني، الذي حاول تصفية الأمير الخزاعي بقصف مواقعه، وقَتْلِ كثيرٍ من الثوَّار الأردنيين الموالين للخزاعي في ذلك الوقت؛ وهذا ما اضطره بعدها إلى مغادرة الأراضي الأردنية إلى السعودية عام 1937م، واندلعت على إثر لجوئه ثورةٌ في جبال عجلون، امتدَّت بعدها إلى نطاق واسع في إمارة شرق الأردن.

جهاد عز الدين القسام
كشفت القوَّات البريطانية أمر القسام في (18 من شعبان 1354هـ= 15 من نوفمبر 1935م)، فتحصَّن الشيخ عزُّ الدين هو وخمسة عشر فردًا من أتباعه، فلحقت به القوَّات البريطانية في (19 من نوفمبر 1935م) فطوَّقتهم وقطعت الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة.

علم الشعب لأوَّل مرَّة أن الشيخ عز الدين القسام كان قد اعتصم مع إخوانه في أحراش قرية يعبد، وكانوا مسلَّحين ولا يهابون خطر المجابهة مع قوَّات الانتداب البريطاني ولا عواقبها، إلَّا أنَّ قوَّات الأمن كانت قد أعدَّت قوَّة هائلة تفوق عدد الثوار بمئات المرَّات، وكانت كقطيع كبير من الجيش مصمِّمَة على القضاء على الشيخ عزِّ الدين وأتباعه، وأحاطت القوَّات بالمنطقة منذ فجر يوم (23 من شعبان 1354هـ= 20 نوفمبر سنة 1935م)، ووُضِعَت الشرطة العربية في الخطوط الهجومية الثلاثة الأولى ثم القوات البريطانية، وقبل بدء المعركة نادى أحد أفراد الشرطة العربية الثائرين طالبًا منهم الاستسلام، فردَّ عليه القسام صائحًا: «إننا لن نستسلم، إننا في موقف الجهاد في سبيل الله». ثم التفت إلى رفاقه وقال: «موتوا شهداء في سبيل الله خيرٌ لنا من الاستسلام للكفرة الفجرة».
استشهاده
قامت معركة غيرُ متكافئة بين قوات الاحتلال ورجال المقاومة دامت حوالي ساعتين؛ كان الرصاص خلالها يصمُّ الآذان، والطائرات المحلِّقة على ارتفاع قليل تكشف للمهاجمين موقع الثوار وقوَّتهم، وفي نهاية الساعتين أسفرت المجابهة عن استشهاد القسام ورفاقه؛ يوسف عبد الله الزيباري، وسعيد عطية المصري، ومحمد أبي قاسم خلف، وألقى الأمن القبض على الباقين من الجرحى والمصابين.

اكتشفت قوَّات الأمن عند نهاية المعركة مع الشيخ ذي اللحية البيضاء، والمجندل على التراب بملابسه الدينية مصحفًا وأربعة عشر جنيهًا ومسدسًا كبيرًا، وكان الشيخ نمر السعدي ما زال حيًّا جريحًا؛ حيث استطاع صحفي عربي أن ينقل عن لسانه أول الحقائق الخفية عن عصبة القسام، وكانت هذه الحقيقة دليلًا على أن المجابهة المسلحة هذه كانت بقرار بدء الثورة منهم جميعًا.
كانت العناوين البارزة في الصحف بعد المعركة «معركة هائلة بين عصبة الثائرين والبوليس»، و«حادث مريع هزَّ فلسطين من أقصاها إلى أقصاها».
انطلقت بعد المعركة العديد من الثورات المؤازرة للمقاومة الفلسطينية في العالم العربي، وكان منها ثورة عجلون في الأردن في عام 1937م.

https://www.youtube.com/watch?v=9F5LhvCsBrQ






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 10:35 am

الشيخ عمر المختار .. نشأته وجهاده
د. علي الصلابي




قادة غيروا الدنيا 17293_image002
عمر المختار


[size=17]ولد الشيخ الجليل عمر المختار من أبوين صالحين عام 1862م وقيل 1858م، وكان والده مختار بن عمر من قبيلة المنفة من بيت فرحات، وكان مولده بالبطنان في الجبل الأخضر، ونشأ وترعرع في بيت عز وكرم، تحيط به شهامة المسلمين وأخلاقهم الرفيعة، وصفاتهم الحميدة التي استمدوها من تعاليم الحركة السنوسية القائمة على كتاب الله وسنة رسوله قادة غيروا الدنيا R_20.

توفي والده في رحلته إلى مكة لأداء فريضة الحج، فعهد وهو في حالة المرض إلى رفيقه السيد أحمد الغرياني (شقيق شيخ زاوية جنزور الواقعة شرق طبرق) بأن يبلغ شقيقه بأنه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد، وتولى الشيخ حسين الغرياني رعايتهما محققًا رغبة والدهما، فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم من أبناء الأخوان والقبائل الأخرى.
لقد ذاق عمر المختار -رحمه الله- مرارة اليتم في صغره، فكان هذا من الخير الذي أصاب قلبه المليء بالإيمان وحب الله ورسوله قادة غيروا الدنيا R_20، حيث التجأ إلى الله القوي العزيز في أموره كلها، وظهر منه نبوغ منذ صباه، مما جعل شيوخه يهتمون به في معهد الجغبوب الذي كان منارة للعلم، وملتقى للعلماء والفقهاء والأدباء والمربين، الذين كانوا يشرفون على تربية وتعليم وإعداد المتفوقين من أبناء المسلمين ليعدوهم لحمل رسالة الإسلام الخالدة، ثم يرسلوهم بعد سنين عديدة من العلم والتلقي والتربية إلى مواطن القبائل في ليبيا وإفريقيا لتعليم الناس وتربيتهم على مبادئ الإسلام وتعاليمه الرفيعة.
ومكث في معهد الجغبوب ثمانية أعوام ينهل من العلوم الشرعية المتنوعة كالفقه والحديث والتفسير، ومن أشهر شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم، السيد الزروالي المغربي، والسيد الجواني، والعلامة فالح بن محمد بن عبدالله الظاهري المدني، وغيرهم كثير، وشهدوا له بالنباهة ورجاحة العقل، ومتانة الخلق، وحب الدعوة، وكان يقوم بما عليه من واجبات عملية أسوة بزملائه الذين يؤدون أعمالاً مماثلة في ساعات معينة إلى جانب طلب العلم، وكان مخلصًا في عمله متفانيًا في أداء ما عليه، ولم يعرف عنه زملاؤه أنه أجَّل عمل يومه إلى غده.
وهكذا اشتهر بالجدية والحزم والاستقامة والصبر، ولفتت شمائله أنظار أساتذته وزملائه وهو لم يزل يافعًا، وكان الأساتذة يبلغون الإمام محمد المهدي أخبار الطلبة وأخلاق كل واحد منهم، فأكبر السيد محمد المهدي في عمر المختار صفاته وما يتحلى به من خلال، وأصبح على إلمام واسع بشئون البيئة التي تحيط به، وعلى جانب كبير في الإدراك بأحوال الوسط الذي يعيش فيه، وعلى معرفة واسعة بالأحداث القبلية وتاريخ وقائعها، وتوسع في معرفة الأنساب والارتباطات التي تصل هذه القبائل بعضها ببعض، وبتقاليدها، وعاداتها، ومواقعها، وتعلم من بيئته التي نشأ فيها وسائل فض الخصومات البدوية، وما يتطلبه الموقف من آراء ونظريات.
كما أنه أصبح خبير بمسالك الصحراء وبالطرق التي كان يجتازها من برقة إلى مصر والسودان في الخارج، وإلى الجغبوب والكفرة من الداخل، وكان يعرف أنواع النباتات وخصائصها على مختلف أنواعها في برقة، وكان على دراية بالأدواء التي تصيب الماشية ببرقة، ومعرفة بطرق علاجها نتيجة للتجارب المتوارثة عند البدو، وهي اختبارات مكتسبة عن طريق التجربة الطويلة، والملاحظة الدقيقة، وكان يعرف سمة كل قبيلة، وهي السمات التي توضع على الإبل والأغنام والأبقار لوضوح ملكيتها لأصحابها، فهذه المعلومات تدل على ذكاء عمر المختار وفطنته منذ شبابه.
وصف عمر المختار
قادة غيروا الدنيا 17293_image003كان عمر المختار متوسط القامة يميل إلى الطول قليلاً، ولم يكن بالبدين الممتلئ أو النحيف الفارغ، أجش الصوت بدوي اللهجة، رصين المنطق، صريح العبارة، لا يمل حديثه، متزن في كلامه، تفتر ثناياه أثناء الحديث عن ابتسامة بريئة، أو ضحكة هادئة إذا ما اقتضاها الموقف، كثيف اللحية وقد أرسلها منذ صغره، تبدو عليه صفات الوقار والجدية في العمل، والتعقل في الكلام والثبات عند المبدأ، وقد أخذت هذه الصفات تتقدم معه بتقدم السن.
تلاوة عمر المختار للقرآن الكريم وعبادته
كان عمر المختار شديد الحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، وكان يقرأ القرآن يوميًّا، فيختم المصحف الشريف كل سبعة أيام منذ أن قال له الإمام محمد المهدي السنوسي: يا عمر، (وردك القرآن). وقصة ذلك كما ذكرها محمد الطيب الأشهب، أنه استأذن في الدخول على الإمام محمد المهدي من حاجبه محمد حسن البسكري في موقع بئر السارة الواقع في الطريق الصحراوي بين الكفرة والسودان، وعندما دخل على المهدي تناول مصحفًا كان بجانبه وناوله للمختار وقال: هل لك شيء آخر تريده؟ فقلت له: يا سيدي، إن الكثيرين من الإخوان يقرءون أورادًا معينة من الأدعية والتضرعات أجزتموهم قراءتها، وأنا لا أقرأ إلا الأوراد الخفيفة عقب الصلوات، فأطلب منكم إجازتي بما ترون. فأجابني قادة غيروا الدنيا T_20 بقوله: (يا عمر، وردك القرآن).
فقبّلت يده وخرجت أحمل هذه الهدية العظيمة (المصحف)، ولم أزل بفضل الله أحتفظ بها في حلي وترحالي ولم يفارقني مصحف سيدي منذ ذلك اليوم، وصرت مداومًا على القراءة فيه يوميًّا لأختم السلكة كل سبعة أيام، وسمعت من شيخنا سيدي أحمد الريفي أن بعض كبار الأولياء يداوم على طريقة قراءة القرآن مبتدئًا (بالفاتحة) إلى (سورة المائدة) ثم إلى (سورة يونس)، ثم إلى (سورة الإسراء) ثم إلى (سورة الشعراء)، ثم إلى (سورة الصافات) ثم إلى (سورة ق) ثم إلى آخر السلكة، ومنذ ذلك الحين وأنا أقرأ القرآن من المصحف الشريف بهذا الترتيب.
إن المحافظة على تلاوة القرآن والتعبد به تدل على قوة الإيمان، وتعمقه في النفس، وبسبب الإيمان العظيم الذي تحلى به عمر المختار انبثق عنه صفات جميلة، كالأمانة والشجاعة، والصدق، ومحاربة الظلم، والقهر، والخنوع، وقد تجلى هذا الإيمان في حرصه على أداء الصلوات في أوقاتها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]. وكان يتعبد للمولى قادة غيروا الدنيا U1_20 بتنفيذ أوامره ويسارع في تنفيذها، وكان كثير التنفل في أوقات الفراغ، وكان قد ألزم نفسه بسنة الضحى، وكان محافظًا على الوضوء حتى في غير أوقات الصلاة. ومما يروى عنه أنه قال: لا أعرف أنني قابلت أحدًا من السادة السنوسية وأنا على غير وضوء منذ شرفني الله بالانتساب إليهم.
لقد كان هذا العبد الصالح يهتم بزاده الروحي اليومي بتلاوة القرآن الكريم، وقيام الليل، واستمر معه هذا الحال حتى استشهاده.
فهذا المجاهد محمود الجهمي الذي حارب تحت قيادة عمر المختار وصاحبه كثيرًا، يذكر في مذكراته أنه كان يأكل معه وينام معه في مكان واحد ويقول: "لم أشهد قط أنه نام لغاية الصباح، فكان ينام ساعتين أو ثلاثًا على أكثر تقدير، ويبقى صاحيًا يتلو القرآن الكريم، وغالبًا ما يتناول الإبريق ويسبغ الوضوء بعد منتصف الليل ويعود إلى تلاوة القرآن، لقد كان على خلق عظيم يتميز بميزات التقوى والورع، ويتحلى بصفات المجاهدين الأبرار".
وأما الأستاذ محمد الطيب الأشهب فقد قال: "وقد عرفته معرفة طيبة وقد مكنتني هذه المصاحبة من الاحتكاك به مباشرة، فكنت أنام بخيمته وإلى جانبه، وأهم ما كنت أمقته منه -رحمه الله- وأنا وقت ذاك حديث السن هو أنه لا يتركنا أن ننام؛ إذ يقضي كل ليلة يتلو القرآن ويقوم مبكرًا فيأمرنا بالوضوء، بالرغم مما نلاقيه من شدة البرد ومتاعب السفر".
وكأني أراه من خلف السنين وهو قائم يصلي لله رب العالمين في وديان وجبال وكهوف الجبل الأخضر وقد التف بجرده الأبيض في ظلمة الليل البهيم وهو يتلو كتاب الله بصوت حزين، وتنحدر الدموع على خدوده من خشية العزيز الرحيم.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29].
لقد وصى رسول الله قادة غيروا الدنيا R_20 أبا ذر بذلك فقال: "عليك بتلاوة القرآن؛ فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء". وقد حذر الرسول الكريم من هجر القرآن فقال: "إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِبْ".
قال الشاعر:
قم في الدجى واتل الكتاب *** ولا تنم إلا كنومة حائر ولهان
فلـربما تأتي المنية بغتــة *** فتساق مـن فرش إلى الأكفان
يا حبذا عينان في غسق الدجى *** من خشية الرحمن باكيتـان
اعرض عن الدنيا الدنيئة زاهدًا *** فالزهد عند أولى النهى زهدان
زهد عن الدنيا وزهد في الثناء *** طوبى لمن أمسى له الزهدان
إن من اسباب الثبات التي تميز به عمر المختار حتى اللحظات الأخيرة من حياته إدمانه على تلاوة القرآن الكريم، والتعبد به وتنفيذ أحكامه؛ لأن القرآن الكريم مصدر تثبيت وهداية وذلك لما فيه من قصص الأنبياء مع أقوامهم، ولما فيه من ذكر مآل الصالحين، ومصير الكافرين والجاحدين وأوليائه بأساليب متعددة.
لقد كان عمر المختار يتلو القرآن الكريم بتدبر وإيمان عظيم، فرزقه الله الثبات وهداه طريق الرشاد، ولقد صاحبه حاله في التلاوة حتى النفس الأخير، وهو يساق إلى حبل المشنقة وهو يتلو قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27، 28].
شجاعة عمر المختار وكرمه
إن هذه الصفة الجميلة تظهر في سيرة عمر المختار منذ شبابه الباكر؛ ففي عام 1311هـ (1894م) تقرر سفر عمر المختار على رأس وفد إلى السودان يضم كل من السيد خالد بن موسى، والسيد محمد المسالوسي، وقرجيله المجبري وخليفة الدبار الزوي أحد أعضاء زاوية واو بفزان (وهو الذي روى القصة)، وفي الكفرة وجد الوفد قافلة من التجار من قبيلتي الزوية والمجابرة، وتجار آخرين من طرابلس وبنغازي تتأهب للسفر إلى السودان، فانضم الوفد إلى هؤلاء التجار الذين تعودوا السير في الطرق الصحراوية، ولهم خبرة جيدة بدروبها.
وعندما وصل المسافرون إلى قلب الصحراء بالقرب من السودان، قال بعض التجار الذين تعودوا المرور من هذا الطريق: إننا سنمر بعد وقت قصير بطريق وعر لا مسلك لنا غيره، ومن العادة -إلا في القليل النادر- يوجد فيه أسد ينتظر فريسته من القوافل التي تمر من هناك، وتعودت القوافل أن تترك له بعيرًا كما يترك الإنسان قطعة اللحم إلى الكلاب أو القطط، وتمر القوافل بسلام. واقترح المتحدث أن يشترك الجميع في ثمن بعير هزيل ويتركونه للأسد عند خروجه، فرفض عمر المختار بشدة قائلاً: (إن الإتاوات التي كان يفرضها القوي منا على الضعيف بدون حق أبطلت، فكيف يصح لنا أن نعيد إعطاءها للحيوان؛ إنها علامة الهوان والمذلة. إننا سندفع الأسد بسلاحنا إذا ما اعترض طريقنا).
وقد حاول بعض المسافرين أن يثنيه عن عزمه، فرد عليهم قائلاً: إنني أخجل عندما أعود وأقول إنني تركت بعيرًا إلى حيوان اعترض طريقي، وأنا على استعداد لحماية ما معي، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، إنها عادة سيئة يجب أن نبطلها. وما كادت القافلة تدنو من الممر الضيق حتى خرج الأسد من مكانه الذي اتخذه على إحدى شرفات الممر، فقال أحد التجار وقد خاف من هول المنظر وارتعشت فرائصه من ذلك: أنا مستعد أتنازل عن بعير من بعائري ولا تحاولوا مشاكسة الأسد. فانبرى عمر المختار ببندقيته وكانت من النوع اليوناني، ورمى الأسد بالرصاصة الأولى فأصابته ولكن في غير مقتل، واندفع الأسد يتهادى نحو القافلة فرماه بأخرى فصرعته، وأصر عمر المختار على أن يسلخ جلده ليراه أصحاب القوافل، فكان له ما أراد.
إن هذه الحادثة تدلنا على شجاعة عمر المختار، وقد تناولتها المجالس يومذاك بمنتهى الإعجاب، وقد سأل الاستاذ محمد الطيب الأشهب عمر المختار نفسه عن هذه الحادثة في معسكر المغاربة بخيمة السيد محمد الفائدي عن هذه الواقعة، فأجاب بقوله: تريدني يا ولدي أن أفتخر بقتل صيد. قال لي ما قاله قديمًا أحد الأعراب لمنافسه وقد قتل أسدًا (أتفتخر عليَّ بأنك قتلت حشرة). وامتنع عمر المختار بقول الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].
إن جواب عمر المختار بهذه الآية الكريمة يدل على تأثره العميق بالقرآن الكريم؛ لأنه تعلم أن أهل الإيمان والتوحيد في نظرتهم العميقة لحقيقة الوجود، وتطلعهم إلى الآخرة ينسبون الفضل إلى العزيز الوهاب I، ويتخلصون من حظوظ نفوسهم، فهو الذي مرّ كثيرًا على دعاء نبي الله يوسف قادة غيروا الدنيا U2_20: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].
وهو الذي تعلم من سيرة ذي القرنين هذا المعنى الرفيع، والذي لا بد من وجوده في الشخصية القيادية الربانية في قوله تعالى: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: 98]. فعندما بنى السد، ورفع الظلم، وأعان المستضعفين نسب الفضل إلى ربه I.
إن عمر المختاركان صاحب قلب موصول بالله تعالى، فلم تسكره نشوة النصر، وحلاة الغلبة بعد ما تخلص من الأسد الأسطورة، وأزاح الظلم وقهر التعدي، بل نسب الفضل إلى خالقه؛ ولذلك أجاب سائله بقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].
إن صفة الشجاعة ظهرت في شخصية عمر المختار المتميزة في جهاده في تشاد ضد فرنسا، وفي ليبيا ضد إيطاليا، ويحفظ لنا التاريخ هذه الرسالة التي أرسلها عمر المختار ردًّا على رسالة من الشارف الغرياني الذي أكرهته إيطاليا ليتوسط لها في الصلح مع عمر المختار، وإيقاف الحرب.
قال بعد البسملة والصلاة على رسول الله القائل إن "الجنة تحت ظلال السيوف"، إلى أخينا سيدي الشارف بن أحمد الغرياني حفظه الله وهداه، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ومغفرته ومرضاته. نعلمكم أن إيطاليا إذا أرادت أن تبحث معنا في أي موضوع تعتقد أنه يهمها ويهمنا فما عليها إلا أن تتصل بصاحب الأمر ومولاه سيدي السيد محمد إدريس ابن السيد محمد المهدي ابن السيد محمد السنوسي قادة غيروا الدنيا Y_20 جميعًا، فهو الذي يستطيع قبول البحث معهم أو رفضه، وأنتم لا تجهلون هذا بل وتعرفون إذا شئتم أكثر من هذا، ومكان سيدي إدريس في مصر معروف عندكم، وأما أنا وبقية الإخوان المجاهدين لا نزيد عن كوننا جند من جنوده لا نعصي له أمرًا، ونرجو من الله I أن لا يقدر علينا مخالفته، فنقع فيما لا نريد الوقوع فيه، حفظنا الله وإياكم من الزلل، نحن لا حاجة عندنا إلا مقاتلة أعداء الله والوطن وأعدائنا، وليس لنا من الأمر شيء، إذا ما أمرنا سيدنا وولي نعمتنا -قادة غيروا الدنيا T_20 ونفعنا به- بوقف القتال نوقفه، وإذا لم يأمرنا بذلك فنحن واقفون عند ما أمرنا به، ولا نخاف طيارات العدو ومدافعه ودباباته وجنوده من الطليان والحبش والسبايس المكسرين (هم المجندون من بعض الليبيين)، ولا نخاف حتى من السم الذي وضعوه في الآبار وبخوا به الزروع النابتة في الأرض، نحن من جنود الله وجنوده هم الغالبون، ونحن لا نريد لكم ما يدفعكم إليه النصارى، وظننا بكم خير، والله يوفقنا ويهدينا وإياكم إلى سبل الرشاد وإلى خدمة المسلمين ورضاء سيدنا قادة غيروا الدنيا T_20، وسلام الإسلام على من تبع الإسلام.
إعدام شيخ الجهاد عمر المختار في بلادنا الحبيبة
وفي يوم 16 سبتمبر من صباح يوم الأربعاء من سنة 1931م عند الساعة التاسعة صباحًا نفذ الطليان في (سلوق) جنوب مدينة بنغازي حكم الاعدام شنقًا في شيخ الجهاد، وأسد الجبل الأخضر بعد جهاد طويل ومرير.
ودفعت الخسة بالإيطاليين أن يفعلوا عجبًا في تاريخ الشعوب، وذلك أنهم حرصوا على أن يجمعوا حشدًا عظيمًا لمشاهدة التنفيذ، فأرغموا أعيان بنغازي، وعددًا كبيرًا من الأهالي من مختلف الجهات على حضور عملية التنفيذ، فحضر ما لا يقل عن عشرين ألف نسمة. على حد قول غراسياني في كتاب (برقة الهادئة).
ويقول الدكتور العنيزي: (لقد أرغم الطليان الأهالي والأعيان المعتقلين في معسكرات الاعتقال والنازلين في بنغازي على حضور المحاكمة، وحضور التنفيذ وكنت أحد أولئك الذين أرغمهم الطليان على المحاكمة، ولكني وقد استبد بي الحزن شأني في ذلك شأن سائر أبناء جلدتي، لم أكن أستطيع رؤية البطل المجاهد على حبل المشنقة فمرضت، ولم يعفني الطليان من حضور التنفيذ في ذلك اليوم المشئوم، إلا عندما تيقنوا من مرضي وعجزي عن الحضور).
ويا لها من ساعة رهيبة تلك التي سار المختار فيها بقدم ثابتة وشجاعة نادرة وهو ينطق بالشهادتين إلى حبل المشنقة، وقد ظل المختار يردد الشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
لقد كان الشيخ الجليل يتهلهل وجه استبشارًا بالشهادة وارتياحًا لقضاء الله وقدره، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وبصوت مدوي لمنع الاهالي من الاستماع إلى عمر المختار إذ ربما يتحدث إليهم أو يقول كلامًا يسمعونه، وصعد حبل المشنقة في ثبات وهدوء.
وهناك أعمل فيه الجلاد حبل المظالم فصعدت روحه الطاهرة إلى ربها راضية مرضية، هذا وكان الجميع من أولئك الذين جاءوا يساقون إلى هذا المشهد الرهيب ينظرون إلى السيد عمر وهو يسير إلى المشنقة بخُطا ثابتة، وكانت يداه مكبلتين بالحديد وعلى ثغره ابتسامة راضية، تلك الابتسامة التي كانت بمنزلة التحية الأخيرة لأبناء وطنه، وقد سمعه بعض المقربين منه -ومنهم ليبيون- أنه صعد سلالم المشنقة وهو يؤذن بصوت هادئ أذان الصلاة، وكان أحد الموظفين الليبيين من أقرب الحاضرين إليه، فسمعه عندما وضع الجلاد حبل المشنقة في عنقه يقول: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27، 28].
لقد استجاب الله دعاء الشيخ الجليل وجعل موته في سبيل عقيدته ودينه ووطنه، لقد كان يقول: (اللهم اجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة).
المصدر: موقع د. الصلابي.
[/size]

عمر المختار .. أسد الصحراء
تامر بدر




قادة غيروا الدنيا Shapereyewr
عمر المختار .. أسد الصحراء


[size=17]هو عمر المختار الملقَّب بشيخ الشهداء أو أسد الصحراء، قائد أدوار (معسكرات) السنوسية بالجبل الأخضر، مقاوم ليبي حارب قوَّات الغزو الإيطالية منذ دخولها أرض ليبيا حتى عام (1350هـ= 1931م)، حارب الإيطاليين وهو يبلغ من العمر 53 عامًا لأكثر من عشرين عامًا في أكثر من ألف معركة، واستشهد بإعدامه شنقًا عن عمر يُناهز 73 عامًا، وقد صرَّح القائد الإيطالي «أن المعارك التي حَصَلَتْ بين جيوشه وبين السيد عمر المختار 263 معركة، في مدَّة لا تتجاوز 20 شهرًا فقط».

نشأته
وُلِدَ عمر المختار في (13 من صفر 1278هـ= 20 من أغسطس 1861م) في قرية جنزور الشرقية منطقة بئر الأشهب شرق طبرق في بادية البطنان في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا. 
تربَّى يتيمًا؛ لذلك كان قد كفله حسين الغرياني، عمُّ الشارف الغرياني حيث وافت المنية والده المختار وهو في طريقه إلى مكة المكرمة.

تلقَّى تعليمه الأوَّل في زاوية جنزور على يد إمام الزاوية الشيخ العلامة عبد القادر بوديه، أحد مشايخ الحركة السنوسية، ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل من كبار علماء ومشايخ السنوسية؛ في مُقَدِّمتهم الإمام السيد المهدي السنوسي قطب الحركة السنوسية، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنَّه لم يُكمل تعليمه كما تمنَّى.
ظهرت عليه علاماتُ النجابة ورزانة العقل، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسي؛ مما زاده رفعة وسموًّا، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن؛ حتى قال فيه السيد المهدي واصفًا إيَّاه: «لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم». ولثقة السنوسيين به وَلَّوْهُ شيخًا على زاوية القصور بالجبل الأخضر.

اختاره السيد المهدي السنوسي رفيقًا له إلى تشاد عند انتقال قيادة الزاوية السنوسية إليها، فسافر سنة (1317هـ= 1899م)، وقد شارك عمر المختار فترة بقائه بتشاد في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق الجنوبية بتشاد وحول واداي، وقد استقرَّ عمر المختار فترة من الزمن في قرو مناضلًا ومقاتلًا، ثم عُين شيخًا لزاوية عين كلكة ليقضي فترة من حياته مُعَلِّمًا ومُبَشِّرًا بالإسلام في تلك الأصقاع النائية، وبقي هناك إلى أن عاد إلى برقة سنة (1321هـ= 1903م)، وأُسندت إليه مشيخة زاوية القصور للمرَّة الثانية.
معلم يتحول إلى مجاهد
عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يومًا بيوم، فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في (6 من شوال 1329هـ= 29 من سبتمبر 1911م)، وبدأت البارجات الحربية بصبِّ قذائفها على مدن الساحل الليبي؛ (درنة وطرابلس، ثم طبرق وبنغازي والخمس)، كان عمر المختار في تلك الأثناء مقيمًا في جالو بعد عودته من الكفرة؛ حيث قابل السيد أحمد الشريف، وعندما علم بالغزو الإيطالي -فيما عُرف بالحرب العثمانية الإيطالية- سارع إلى مراكز تجمُّع المجاهدين؛ حيث ساهم في تأسيس وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل السيد أحمد الشريف قادمًا من الكفرة، وقد أعقبت انسحابَ الأتراك من ليبيا سنة 1912م وتوقيعهم معاهدة لوزان -التي بموجبها حصلت إيطاليا على ليبيا- أعظمُ المعارك في تاريخ الجهاد الليبي؛ منها على سبيل المثال معركة يوم الجمعة عند درنة في (9 من جمادى الآخرة 1331هـ= 16 من مايو 1913م)، حيث قُتل فيها للإيطاليين عشرة ضباط وستون جنديًّا وأربعمائة فرد بين جريح ومفقود، وذلك إلى جانب انسحاب الإيطاليين بلا نظام تاركين أسلحتهم ومؤنهم وذخائرهم. وغيرها عشرات المعارك الأخرى التي تكبَّدت فيها قوَّات الاحتلال الإيطالي خسائر فادحة.

وحينما عُيِّنَ أميليو حاكمًا عسكريًّا لبرقة، رأى أن يعمل على ثلاثة محاور:
الأول: قطع الإمدادات القادمة من مصر، والتصدِّي للمجاهدين في منطقة مرمريكا.
الثاني: قتال المجاهدين في العرقوب وسلنطة والمخيلي.
الثالث: قتال المجاهدين في مسوس وأجدابيا.
لكنَّ القائد الإيطالي وجد نار المجاهدين في انتظاره في معارك أم شخنب وشليظيمة والزويتينة في فبراير 1914م، لتتواصل حركة الجهاد بعد ذلك؛ حتى وصلت إلى مرحلة جديدة بقدوم الحرب العالمية الأولى.

الفاشيست والمجاهدون
بعد الانقلاب الفاشي في إيطاليا في (صفر 1341هـ= أكتوبر 1922م)، وبعد الانتصار الذي تحقَّق في تلك الحرب للجانب الذي انضمَّت إليه إيطاليا، تغيَّرت الأوضاع داخل ليبيا، واشتدَّت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي، واضطر إلى ترك البلاد عاهدًا بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار؛ وذلك في الوقت الذي قام أخوه الرضا مقامه في الإشراف على الشئون الدينية.

وبعد أن تأكَّد للمختار النوايا الإيطالية في العدوان قصد مصر عام (1341هـ= 1923م) للتشاور مع السيد محمد إدريس السنوسي فيما يتعلَّق بأمر البلاد، وبعد عودته نَظَّم أدوار (معسكرات) المجاهدين، فجعل حسين الجويفي على دور البراعصة، ويوسف بورحيل المسماري على دور العبيدات، والفضيل بوعمر على دور الحاسة، والمجاهد المخضرم صالح الطلحي على قبيلة الوطن الشرقي الأصليين، وتولَّى هو القيادة العامة.
وبعد الغزو الإيطالي لمدينة أجدابيا مقرِّ القيادة الليبية، أصبحت كلُّ المواثيق والمعاهدات مَلْغِيَّةً، وانسحب المجاهدون من المدينة، وأخذت إيطاليا تزحف بجيوشها من مناطق عدَّة نحو الجبل الأخضر، وفي تلك الأثناء تسابقت جموع المجاهدين إلى تشكيل الأدوار (المعسكرات)، والانضواء تحت قيادة عمر المختار، كما بادر الأهالي إلى إمداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح، وعندما ضاق الإيطاليون ذرعًا من الهزيمة على يد المجاهدين، أرادوا أن يقطعوا طريق الإمداد؛ فسَعَوْا إلى احتلال الجغبوب، ووجَّهُوا إليها حملة كبيرة في (رجب 1344هـ= 8 من فبراير 1926م)، وقد شكَّل سقوطها أعباءً ومتاعب جديدة للمجاهدين وعلى رأسهم عمر المختار، ولكنَّ الرجل حمل العبء كاملًا بعزم العظماء وتصميم الأبطال.
لاحظ الإيطاليون أن الموقف يُملي عليهم الاستيلاء على منطقة فَزَّان لقطع الإمدادات على المجاهدين، فخرجت حملة في يناير (1928م = 1346هـ)، ولم تُحَقِّق غرضها في احتلال فَزَّان بعد أن دفعت الثمن غاليًا، ورغم حصار المجاهدين وانقطاعهم عن مراكز تموينهم، فإن الأحداث لم تَنَلْ منهم وتُثَبِّطْ من عزمهم، فاشتبك معهم في معركة شديدة في (ذي القعدة 1346هـ= 22 من أبريل 1928م)؛ استمرَّت يومين كاملين، انتصر فيها المجاهدون وغنموا عتادًا كثيرًا.
مفاوضات السلام في سيدي أرحومة
توالت الانتصارات، وهذا الذي دفع إيطاليا إلى إعادة النظر في خططها، وإجراء تغييرات واسعة، فأمر موسوليني بتغيير القيادة العسكرية؛ حيث عيّن بادوليو حاكمًا عسكريًّا على ليبيا في (رجب 1347هـ= يناير 1929م)، ويُعَدُّ هذا التغيير بداية المرحلة الحاسمة بين الإيطاليين والمجاهدين.

تظاهر الحاكم الإيطالي الجديد لليبيا في رغبته للسلام؛ وذلك لإيجاد الوقت اللازم لتنفيذ خططه وتغيير أسلوب القتال لدى جنوده، وطلب مفاوضة عمر المختار، تلك المفاوضات التي بدأت في 20 أبريل 1929م.
استجاب الشيخ لنداء السلام، وحاول التفاهم معهم على صيغة ليخرجوا من دوامة الدمار، فذهب كبيرهم إلى لقاء عمر المختار ورفاقه القادة في (11 من المحرم 1348هـ= 19 من يونيو 1929م) في سيدي أرحومة، ورَأَسَ الوفدَ الإيطالي بادوليو نفسه، الرجل الثاني بعد بنيتو موسوليني، ونائبه سيشليانو، ولكن لم يكن الغرض هو التفاوض، ولكن المماطلة وشراء الوقت؛ لتلتقط قوَّاتهم أنفاسها، وقصد الغزاةُ الغدر به والدسَّ عليه، وتأليبَ أنصاره والأهالي، وفتنة الملتفِّين حوله.
عندما وجد المختار أن تلك المفاوضات تطلب منه إمَّا مغادرة البلاد إلى الحجاز أو مصر، أو البقاء في برقة وإنهاء الجهاد والاستسلام مقابل الأموال والإغراءات، رفض كل تلك العروض، وكبطل شريف ومجاهد عظيم عمد إلى الاختيار الثالث؛ وهو مواصلة الجهاد حتى النصر أو الشهادة.
تبيَّن للمختار غدر الإيطاليين وخداعهم، ففي (17 من جمادى الأولى 1348هـ= 20 من أكتوبر 1929م) وجَّه نداءً إلى أبناء وطنه طالبهم فيه بالحرص واليقظة أمام ألاعيب الغزاة، وصحَّت توقُّعات عمر المختار؛ ففي (شعبان 1348هـ= 16 من يناير 1930م) ألقت الطائرات بقذائفها على المجاهدين.
غرتسياني
دفعت مواقف عمر المختار ومنجزاته إيطاليا إلى دراسة الموقف من جديد، وتوصَّلت إلى تعيين غرتسياني؛ وهو أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية؛ ليقوم بتنفيذ خطَّة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيلٌ في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها، وقد تمثَّلت في عدَّة إجراءات ذكرها غرتسياني في كتابه «برقة المهدأة»:
1- قفل الحدود الليبية المصرية بالأسلاك الشائكة لمنع وصول المؤن والذخائر.
2- إنشاء المحكمة الطارئة في أبريل 1930م.
3- فتح أبواب السجون في كل مدينة وقرية، ونصب المشانق في كل جهة.
4- تخصيص مواقع العقيلة والبريقة من صحراء غرب برقة والمقرون وسلوق من أواسط برقة الحمراء لتكون مواقع الاعتقال والنفي والتشريد.
5- العمل على حصار المجاهدين في الجبل الأخضر واحتلال الكفرة.

انتهت عمليات الإيطاليين في فَزَّان باحتلال مرزق وغات في شهري يناير وفبراير 1930م، ثم عمدوا إلى الاشتباك مع المجاهدين في معارك فاصلة، وفي 26 من أغسطس 1930م ألقت الطائرات الإيطالية حوالي نصف طنٍّ من القنابل على الجوف والتاج، وفي نوفمبر اتَّفق بادوليو وغرتسياني على خطِّ الحملة من أجدابيا إلى جالو إلى بئر زيغن إلى الجوف، وفي 28 من يناير 1931م سقطت الكفرة في أيدي الغزاة، وكان لسقوط الكفرة آثار كبيرة على حركة الجهاد والمقاومة.
عمر المختار في الأسر
في معركة السانية في شهر أكتوبر عام 1930م سقطت من الشيخ عمر المختار نظارته، وعندما وجدها أحد جنود الإيطاليين أوصلها إلى قيادته، فرآها غرتسياني فقال: «الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يومًا ما».

وفي 28 من ربيع الآخر 1350 هـ= 11 سبتمبر 1931م، وبينما كان الشيخ عمر المختار يستطلع منطقة سلنطة في الجبل الأخضر في كوكبة من فرسانه، عرفت الحاميات الإيطالية بمكانه فأرسلت قوَّاتٍ لحصاره، ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقان في وادي بوطاقة ورجحت الكِفَّة للعدوِّ فأمر عمر المختار بفكِّ الطوق والتفرُّق، ولكن قُتلت فرسه تحته، وسقطت على يده ممَّا شلَّ حركته نهائيًّا، فلم يتمكَّن من تخليص نفسه، ولم يستطع تناول بندقيته ليُدَافع عن نفسه، فسرعان ما حاصره العدوُّ من كلِّ الجهات وتعرَّفُوا على شخصيَّته، فنُقل على الفور إلى مرسى سوسة في الجبل الأخضر؛ ومن ثَمَّ وُضع على طَرَّادٍ (نوع من السفن الحربية السريعة) نَقَلَهُ رأسًا إلى بنغازي، حيث أُودع السجن الكبير بمنطقة سيدي أخريبيش، ولم يستطع الطليان نقل الشيخ برًّا لخوفهم من تعرُّض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم.
كان لاعتقاله في صفوف العدوِّ صدًى كبيرٌ؛ حتى إن غرتسياني لم يُصَدِّق ذلك في بادئ الأمر، وكان غرتسياني في روما حينها كئيبًا حزينًا منهار الأعصاب في طريقه إلى باريس للاستجمام والراحة؛ وذلك هربًا من الساحة بعد فشله في القضاء على المجاهدين في الجبل الأخضر، حيث بدأت الأقلام اللاذعة في إيطاليا تنال منه، والانتقادات المُرَّة تأتيه من رفاقه مشكِّكَة في مقدرته على إدارة الصراع، وإذا بالقدر يلعب دوره؛ ويتلقَّى برقية مستعجلة من بنغازي؛ مفادها أن عدوَّه اللدود عمر المختار وراء القضبان. فأُصيب غرتسياني بحالة هستيرية كاد لا يُصَدِّق الخبر، فتارة يجلس على مقعده وتارة يقوم، وأخرى يخرج متمشيًا على قدميه محدِّثًا نفسه بصوتٍ عالٍ، ويُشير بيديه ويقول: «صحيح قبضوا على عمر المختار؟! ويردُّ على نفسه: لا، لا أعتقد»، ولم يسترح باله فقرَّر إلغاء إجازته واستقلَّ طائرة خاصَّة، وهبط في بنغازي في اليوم نفسه، وطلب إحضار عمر المختار إلى مكتبه لكي يراه بأمِّ عينيه.

الأسد أسيرًا
وصل غرتسياني إلى بنغازي يوم 14 من سبتمبر، وأعلن انعقاد المحكمة الخاصة يوم 15 سبتمبر 1931م، وفي صبيحة ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرتسياني في الحديث مع عمر المختار، يذكر غرتسياني في كتابه (برقة المهدأة): «وعندما حضر أمام مكتبي تهيَّأ لي أن أرى فيه شخصيَّة آلاف المرابطين، الذين التقيتُ بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية؛ يداه مُكَبَّلتان بالسلاسل، رغم الكسور والجروح التي أُصيب بها أثناء المعركة، وكان وجهه مضغوطًا؛ لأنه كان مغطِّيًا رأسه (بالجَرِد [size=15](1) ، ويجرُّ نفسه بصعوبة نظرًا لتعبه أثناء السفر بالبحر، وبالإجمال يُخَيَّل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال، له منظره وهيبته؛ رغم أنه يشعر بمرارة الأسر، ها هو واقف أمام مكتبي، نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح
».[/size]
غرتسياني: لماذا حاربت بشدَّة متواصلة الحكومة الفاشستية؟
أجاب الشيخ: من أجل ديني ووطني.
غرتسياني: ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه؟
فأجاب الشيخ: لا شيء إلَّا طردكم.. لأنكم مغتصبون، أمَّا الحرب فهي فرض علينا، وما النصر إلَّا من عند الله.
غرتسياني: لما لك من نفوذٍ وجاهٍ، في كم يوم يُمكنك أن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويُسلموا أسلحتهم؟
فأجاب الشيخ: لا يمكنني أن أعمل أيَّ شيء، وبدون جدوى نحن الثوَّار سبق أن أقسمنا أن نموت كلُّنا الواحد بعد الآخر، ولا نُسَلِّم أو نُلقي السلاح.
ويستطرد غرتسياني حديثه: «وعندما وقف ليتهيَّأ للانصراف كان جبينه وضَّاءً؛ كأنَّ هالة من نور تُحيط به، فارتعش قلبي من جلالة الموقف، أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية، ولُقِّبْتُ بأسد الصحراء، ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان، ولم أستطع أن أنطق بحرفٍ واحدٍ، فأنهيتُ المقابلة، وأمرتُ بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء، وعند وُقوفه حاول أن يمدَّ يده لمصافحتي؛ ولكنه لم يتمكَّن؛ لأن يديه كانت مُكَبَّلة بالحديد».

محاكمة عمر المختار
عُقدت للشيخ الشهيد محكمة هزلية صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي، مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 من سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديدًا صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقًا حتى الموت.

عندما تُرجم له الحُكْم، قال الشيخ: «إن الحكم إلَّا لله.. لا حكمكم المزيف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون».
إعدام عمر المختار
في صباح اليوم التالى للمحاكمة الأربعاء (16 سبتمبر 1931م= غُرَّة جمادى الأولى 1350 هـ)، اتخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحُكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، وأُحضر 20 ألفًا من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة؛ وذلك لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم، وأُحضر الشيخ عمر المختار مُكَبَّل الأيدي، وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر، وبدأت الطائرات تُحَلِّق في السماء فوق المعتقلين بأزيزٍ مجلجلٍ؛ حتى لا يتمكَّن عمر المختار من مخاطبتهم.
وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا سُلِّمَ الشيخ إلى الجلاد، وكان وجهه يتهلَّل استبشارًا بالشهادة، وكله ثبات وهدوء، فوُضع حبل المشنقة في عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كانوا على مقربة منه: إنه كان يُؤَذِّن في صوت خافت أذان الصلاة. والبعض قال: إنه تمتم بالآية الكريمة: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27، 28]. ليجعلها مسك ختام حياته البطولية، وبعد دقائق صَعِدَتْ رُوحه الطاهرة النقيَّة إلى ربِّها تشكو إليه عنت الظالمين وجور المستعمرين.

سبق إعدام الشيخ أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كلِّ مَنْ يُبدي الحزن أو يُظهر البكاء عند إعدام عمر المختار، فقد ضُرب جربوع عبد الجليل ضربًا مبرحًا بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار، ولكن عَلَتْ أصوات الاحتجاج، ولم تكبحها سياط الإيطاليين، فصرخت فاطمة داروها العبارية وندبت فجيعة الوطن عندما أُعدم الشيخ، ووصفها الطليان «بالمرأة التي كسرت جدار الصمت».
أمَّا المفارقة التاريخية التي أذهلت المراقبين فقد حدثت في سبتمبر 2008م، عندما انحنى رئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني -وفي حضور الزعيم الليبي معمر القذافي- أمام ابن عمر المختار معتذرًا عن المرحلة الاستعمارية وما سبَّبته إيطاليا من مآسٍ للشعب الليبي، وهي الصورة التي قُورنت بصورة تاريخية أخرى يظهر فيها عمر المختار مكبَّلًا بالأغلال قُبيل إعدامه.
آخر كلمات الشهيد عمر المختار
كانت آخر كلمات عمر المختار قبل إعدامه: «نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت.. وهذه ليست النهاية.. بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه.. أمَّا أنا.. فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي».


[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 10:37 am

ساموري توري القائد البطل
قصة الإسلام




قادة غيروا الدنيا 320px-Kpq_samorytoure
ساموري توري


[size=17]أقبل الغربيون في القرن في القرن التاسع عشر الميلادي من كل حدب وصوب على قارة أفريقيا طمعًا في خيراتها وثرواتها، وعملوا على تقسيمها فيما بينهم؛ فاحتلت فرنسا الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، واحتلت إيطاليا ليبيا، واحتلت انجلترا مصر.

ولم يكتفوا بهذا بل زحفوا على قلب القارة السوداء فاقتسموها بينهم، فكانت منطقة نهر النيجر الكبرى من نصيب الفرنسيين لكنهم لم يستولوا عليها إلا بعد مقاومة عنيفة شديدة من الإمام الكبير والمجاهد العظيم ساموري توري[1].
من هو الإمام ساموري توري ؟
يُعد ساموري توري من الزعماء الأفارقة المسلمين الذين لعبوا دورًا مهمًا في غرب القارة قبل الاستعمار وبعده، وقد استمر يحارب الغزاة الاستعماريين حوالي سبعة عشر عاما.

نشأة ساموري توري
ولد ساموري توري عام 1835م في سانكورو في جمهورية غينيا كوناكري، وهو ينتمي إلى مجتمع الديولا التجاري، ولما بلغ سنة السابعة ذهب للعيش مع خالته على بعد عشرين ميلا في إحدى القرى المجاورة، وعندما بلغ 18 عاما أرسله أبوه إلى صديق له بدولة ساحل العاج ليتعلم تجارة السلاح، ومن خلال ذلك عرف ساموري أماكن الحصول على السلاح؛ فبدأ يفكر في بناء إمبراطوريته، ومن خلال هذه المرحلة سافر إلى عدة مناطق في غرب إفريقيا فاطلع على نظام حياة عدة مجتمعات هناك.

وفي عام 1852م أُسرت والدته من قبل ملك بيساندوغو الوثنى وعند سماعه هذا الخبر أخذ يفكر في أفضل الطرائق لإنقاذ والدته من الأسر، وقرر خدمة ذلك الملك لسبع سنوات مقابل الإفراج عن والدته، ومن خلال تلك المرحلة استطاع أن يتعلم طرق الدبلوماسية بالإضافة إلى تدربه على فن قيادة الإغارة والحروب.
كون ساموري جماعة تولى رآستها بنفسه وأقسم على بناء دولة إسلامية في تلك المنطقة ثم قام ساموري بتدريب رجاله على فنون القتال وتم تسليحهم، ومن ثم بدأ نفوذه يمتد.
في عام 1874م بدأ الغزو التدريجي لكل القرى المجاورة لعاصمته، وتحالف مع المسلمين في مدينة كانكان، وبهذا استطاع أن يهزم جماعات مهمة من القبائل، وازدادت سيطرته على كافة فوتاجالون، ونجح في تحطيم كل القوى المنافسة له، وصار أكبر قائد لإمبراطورية إسلامية عرفها شعب المالينك.
في الخامس والعشرين من يوليو سنة 1884م جمع ساموري توري أهله في احتفال وأعلن لهم أنه سيلقب نفسه بلقب الإمام، وطلب من أهله ورعاياه أن يعتنقوا الإسلام، وفي نوفمبر من العام نفسه منع الخمر شربًا وبيعًا في مملكته، ومنع العادات الوثنية، وبدأ في تطبيق الشريعة الإسلامية.
كان عامة جيش ساموري توري من المشاة وقليل منهم من الفرسان، وسلّحهم بأسلحة أوروبية حديثة كان يشتريها من البريطانيين في فريتون مقابل بيع الذهب والعاج وأسرى الحروب، وكان حرسه الشخصي مكونًا من 500 رجل، وكان لأخيه مالنكي تورو قوة خاصة تقدر بمائتي فارس وألف راجل.
كان الفرنسيون قد عزموا على الاستيلاء على كل المنطقة التي يجري فيها نهر النيجر، فأتاهم الله بهذا البطل ساموري توري الذي كبدهم من الخسائر في الأموال والرجال ما لم يتوقعوه، حتى أن بيروز peroz وهو من كبار عساكر الفرنسيين لقبه بنابليون السودان، وهذا البطل العظيم هو في الحقيقة فوق هذا اللقب بكثير، فقد دوّخ الفرنسيين بجهاد جليل دام ثلاثة عشر عامًا بالرغم من بدائية أسلحته أمام آلة الحرب الفرنسية الجبارة، لكنه الإيمان إذا وقر في القلوب فلا يقوم أمامه شيء.
دولة ساموري توري 
وتفصيل إنشائه الدولة ومقاومته الجليلة -رحمه الله تعالى- للفرنسيين أنه اتخذ من بلدة بيساندوجو Bissandougou عاصمة لملكه، وأقامها على الجهاد في سبيل الله تعالى وأحكام الشريعة الإسلامية، وهذا ما أكسبه حيوية وطاقة متجددة لا تنضب، واضطر أن يهادن جيرانه من الإنجليز حتى لا يفتح عليه بابًا ثالثًا هو في غنى عنه فيكفيه أعادءه.

أنشأ ساموري توري جيشًا قويًا نسبيًا قسمه ثلاثة أقسام، على النحو التالي:
أفضلها وأعظمها قوة جعلها قائمة في وجه الفرنسيين ليمنعهم من التدخل في البلاد 
والقسم الثاني جعله لحفظ الأمن في بلاده. 
والقسم الثالث جعله للتوسعات والفتوحات الجديدة للقضاء على الوثنية ونشر الإسلام.

وبلغ من حرصه على جيشه أنه استطاع أن يصنع بعض الأسلحة وقطع الغيار محليًا، وباقي الأسلحة يشتريها من مدينة فريتون بسيراليون.
وقد فرض ساموري توري على زعيم كل قرية أن يأتيه بمجموعة من الشباب الصالحين للجندية، وفي أوقات السلم كانت القوات الاحتياطية تُسرّح ستة أشهر لتعمل في فلاحة الأرض وإجراء المنافع، لتعود بعد ذلك، فإن كان في حاجة لها أبقاها وإلا سرّحها مدة أخرى وهكذا.
قسم ساموري توري بلاده تقسيمًا إداريًا منضبطًا إلى اثنين وستين ومائة إقليم، في كل منه عشرون قرية على كل منها زعيم، وفوق الزعيم حاكم الإقليم، وفوق حكام الأقاليم الإمام الذي من مهامه نشر الإسلام والقضاء على الوثنية، وتقوية الدولة والمحافظة عليها.
وقد أكثر ساموري توري رحمه الله تعالى من بناء المدارس والمساجد، ونشر الوعاظ، واهتم بتحفيظ القرآن الكريم.
خيانة تيبا لـ ساموري توري 
ابتُلي ساموري توري بعدو مسلم واسمه تيبا Tieba حاكم كندوجو kenedougou كدر عليه جهاده، واتفق مع عدوه ضده، وكان تيبا عدوه الأول لكنه ليس الوحيد فقد ابتلي بغيره لكن كان ذلك هو العدو اللدود الذي ساعد الفرنسيين كثيرًا في ضرب ساموري بحيث كان الفرنسيون يهجمون عليه من جهة فيهجم عليه تيبا من جهة أخرى ليصير ساموري بين المطرقة والسندان.

وما درى هؤلاء الحكام المساكين أن استعانتهم بالكفار على هذا الوجه والتنسيق معهم لضرب المسلمين هو تمزيق لعقيدة الولاء والبراء، وإذهاب لقوة المسلمين أدراج الرياح، وسرور الأعداء وشماتتهم لكن قاتل الله الحرص على الكراسي فكم جلب من المآسي، واستعصى انتزاعه على الآسي.
حروب ساموري توري مع فرنسا:
توسعت فرنسا في غرب إفريقيا لتسترد هيبتها التي فقدت عقب هزيمتها في 1870م أمام روسيا، وأيضًا استفادت من مقررات مؤتمر برلين سنة 1302/1884م الذي سمح بتنظيم الاحتلال الأوروبي للقارة السوداء، فوضعت فرنسا نصب عينها مملكة الإمام ساموري توري، ووجدت الفرصة سانحة عندما ارتمى في أحضانها عدوه تيبا المسلم حاكم كندوجو!! 
فكانت فرنسا تنسق مع تيبا ليحرك قواته إذا حركت هي قواتها حتى تُضعِف من مقاومة ساموري، وما زالت فرنسا تحاربه حتى اضطر لهدنة تنجلي بموجبها قواته من الضفة اليسرى لنهر النيجر تماماً ويعترف باستيلاء فرنسا عليها وعلى مناجم الذهب في بوريه وإرغامه على التعامل مع المراكز التجارية الفرنسية، ومقابلها تعترف له فرنسا بملكيته للضفة اليمنى من النهر.

بعد المعاهدة توجه ساموري توري إلى عدوه تيبا ليقضي عليه وحاصره ستة أشهر في عاصمته سيكاسو لكنه أخفق في فتحها، ولجأ الفرنسيون إلى الحيلة ليخففوا عن حليفهم تيبا الحصار ففك الإمام حصاره عن العاصمة وعاد إلى بلاده لكن بعد أن تحمل خسائر كبيرة فقد قُتل سبعة آلاف من جنده واثنين من أشهر قواده، وثار بعض شعبه عليه في أعقاب هذه الحملة، وعارضوا مطالبه بزيادة الجند.
تولى قيادة الجيش الفرنسي في المنطقة قائد شديد العداوة للإسلام والمسلمين اسمه أرشينار، وفرض على ساموري معاهدة أخرى سنة 1307/1889م تنازل فيها ساموري توري عن بعض الأراضي وتعهد بعدم الإغارة على البلاد التي احتلتها فرنسا، وقبلها ساموري توري؛ لأنه كان في حالة ضعف ولم يشأ أن يصطدم مع الفرنسيين آنذاك.
وأراد القائد الفرنسي أن يستغل تيبا في صراعه مع الإمام مرة أخرى، خاصة أن تيبا أرسل له رسالة يقول له فيها: "إني على ثقة من حسن استقبال أهل البلاد لكم فهم لن يخافوكم، ولن يخشوا إغاراتكم، وسوف يتغير رأيهم فيكم، وتتلاشى كراهيتهم عندما يتفهمونكم ويدركون أغراضكم"!!
وهذه خيانة من تيبا لشعبه المسلم، وخيانة لحاكم مسلم آخر، ولشعب مسلم عريض؛ لكن حب الرئاسة يعمي ويصم.
وحاول أرشينار أن يستميل ساموري توري وأن يغريه بمعسول القول في رسائل عديدة أرسلها له واقتراحات اقترحها عليه لكن كان الإمام يقظًا فواجهها بالاحتقار الذي تستحقه.
وقد استطاع القائد أرشينار أن يحتل مدينتين من مدن ساموري توري، وهما: كانكان، وبيساندوجو، لكن عندما دخلها وجدهما أكوامًا من الرماد فقد أحرقهما الإمام حتى لا يستفيد منهما بشيء.
وكانت مملكة ساموري تدعوها فرنسا بالإمبراطورية المتنقلة؛ لأن ساموري كان كلما فقد جزءًا من مملكته عوضه بأجزاء أخرى من الممالك الوثنية المجاورة فكأنه لم يفقد شيئًا وإنما غير حدود مملكته بهذا.
غيرت الحكومة الفرنسية القائد أرشينار وأتت بقائد آخر اسمه بونييه Bonnerr بغية تحقيق نصر سريع بعد أن طالت مدة مقاومة ساموري، وجرد القائد الجديد حملة بقيادة مونتي Monteil لكنها منيت بهزيمة ساحقة من قوات الإمام ساموري وأسر من الجند الفرنسيين عدد كبير، ثم أرسلت فرنسا حملة أخرى فهزمت ولله الحمد كما هزمت سابقتها، فجنحت فرنسا للسلم، وأرسلت حاكم السنغال الفرنسي ليعقد معاهدة مع الإمام الذي قبلها لحاجته إلى الراحة والإعداد وللتفرغ لنشر الإسلام بين الوثنيين، لكن الفرنسيين لجأوا إلى الحيلة والخداع في هذه المعاهدة وتمكنوا على إثرها من تعقب الإمام في معركة كبيرة في يوليو سنة 1898م كسبها ساموري ضد القائد الفرنسي لارتيج Lartigue لكنه أخطأ فتحرك غرباً فدخل الغابات الاستوائية وجبال الدان في فصل الأمطار فأصابت جنده المجاعة وتشتتوا فلم يجتمعوا بعد هذا.
أراد ساموري أن يعود إلى ساننكورو لكن الفرنسيين رفضوا إلا أن يأتيهم بأبنائه رهينة ويسلم أسلحته فعظم عليه ذلك فواصل القتال حتى قبض عليه غدراً ونفي إلى جزيرة أوجويه Ougoue في سنة 1317/1898م وقيل نفي إلى الجابون، وتوفي في سنة 1319/1900 رحمه الله تعالى، واستقرت فرنسا في غرب إفريقيا عقب هذا الانتصار المفاجئ.
وقد ترك حفيدة أحمدوا سيكوتوري ليتولى المقاومة من بعده وليصبح أول رئيس لغينيا التي حصلت على استقلالها سنة 1958م.
أما عدوه تيبا فقد استولى الفرنسيون على بلاده، وهذه عاقبة كل خائن عميل.
وقد انتصرت فرنسا لثلاثة أسباب رئيسة:
• العداء بين القادة المسلمين والخيانة والعمالة من بعضهم.
• مساعدة الوثنيين لهم.
• القوة الحربية كانت لصالحهم في السلاح والعتاد.

لكن يكفي ساموري شرفًا وفخرًا أن أقام دولة نشرت الإسلام وحاربت الوثنية كل تلك المدة، ويكفيه أنه وقف أمام دولة عظمى آنذاك ثلاثة عشر عامًا أذاقها الهزيمة مرات عديدة، ووحد شعب المانديجو بعد أن كان قبائل متناثرة وعشائر متناحرة فرحمه الله ورضي عنه، وأعلى درجته في عليين.
موقف جليل في حياة ساموري توري:
هناك موقف عظيم في حياة الإمام ساموري توري رأيت أن آتي به مذيلاً سيرته حتى يبرز ولا يُنسى، وهو أن الفرنسيين اختطفوا ولده وساوموه على رده بمساومات لم يرضها فلم يقبل فأخذوه إلى فرنسا ست سنوات، واستطاعوا التأثير عليه وتغيير أفكاره ليصبح منهجه مخالفاً لمنهج أبيه تماماً وأرسلوه إلى أبيه ليقنعه بترك الجهاد، وهنا تجرد ساموري توري لله تعالى، وعظمت عنده عقيدة الولاء والبراء، وقتل ولده في مشهد عام بين الناس حتى لا يؤثر على حركة الجهاد، وهذا الصنيع العظيم يصدق فيه قول الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}[المجادلة:22] فلله در هذا الإمام العظيم.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 10:38 am

عبد الكريم الخطابي .. أسطورة الريف
تامر بدر




قادة غيروا الدنيا Shapetsryw45
عبد الكريم الخطابي .. أسطورة الريف


[size=17]الأمير عبد الكريم الخطابي قائد وطني، وزعيم المقاومة المغربية في الشمال الإفريقي خلال الفترة من عام 1919م إلى عام 1929م، وكان قائد حرب الريف الشهيرة، وهو قيادي بارز ضدَّ الاحتلال الفرنسي - الإسباني للمغرب.

نشأة عبد الكريم الخطابي
وُلِدَ محمد بن عبد الكريم الخطابي في بلدة أغادير بالمغرب الأقصى سنة (1300هـ= 1882م)، ونشأ في أسرة كريمة تحت كنف والده، الذي كان يتزعَّم قبيلة بني ورياغل، تلقى تعليمه في جامعة القرويين؛ حيث درس العلوم الشرعية واللغوية، وتولَّى منصب القضاء الشرعي في مدينة مليلة.

الحرب العالمية الأولى
تقاسمت إسبانيا وفرنسا النفوذ في المغرب، التي كانت تُعاني من ضعف وانقسام وصراع داخلي، واستعانة بالقوى الخارجية، وترتَّب على هذا التقسيم أن صار القسم الشمالي من مَرَّاكُش خاضعًا للسيطرة الإسبانية، وهذا الجزء ينقسم بدوره إلى قسم شرقي يُعرف ببلاد الريف، وغربي يُعرف بالجبالة، وتمتدُّ بلاد الريف بمحاذاة الساحل لمسافة تبلغ 120 ميلًا، وتمتدُّ عرضًا لمسافة 25 ميلًا، وتسكنها قبائل ينتمي معظمها إلى أصل بربري، تأتي في مقدمتها قبيلة بني ورياغل، التي ينتمي إليها الأمير الخطابي.

انخرط عبد الكريم الخطابي في النظام الحكومي الإسباني، وعُيـِّن كبير قضاة مليلة في عام (1332هـ= 1914م)، وأثناء الحرب العالمية الأولى عاقبت السلطات الإسبانية عبد الكريم لأنشطته المناهضة للاستعمار بتهمة التآمر مع القنصل الألماني د/ ڤالتر زشلن، وسـُجن في شفشاون من عام 1916م إلى عام 1917م، وبنهاية الحرب استعاد عبد الكريم الخطابي منصبه لفترة قصيرة، إلَّا أنه خوفًا من تسليمه للفرنسيين لنيل عقابه منهم، سرعان ما عاد إلى بلدته أغادير في يناير (1919م= 1337هـ)، وقد أزعجه ظهور العملاء الإسبان في منطقة بني ورياغل، وصمَّم على القتال للاستقلال، وكان ثمة سبب آخر للاستفزاز؛ وهو فقدانه راتبه واستبعاد السلطات الإسبانية له من كونسورتيوم (1) غير رسمي لحقِّ التنقيب عن المعادن، وفي العام التالي بدأ عبد الكريم مع والده وأخيه حربَ التمرُّد ضد الإسبان، وقد أصبح هدفه آنذاك توحيد كل قبائل الريف في جمهورية الريف المستقلَّة.
حرب الريف
كان الأمير الخطابي في التاسعة والثلاثين حين تولَّى مقاليد الأمور في منطقة الريف، وقد حَنَّكَتْهُ التجارِب وأصقلته الأيام، ووَحَّد هدفه، فاستكمل ما كان أبوه قد عزم عليه من مواصلة الجهاد، وإخراج الإسبانيين من البلاد.

وفي تلك الأثناء كان الجنرال سلفستر قائد قطاع مليلة يزحف نحو بلاد الريف؛ لِيُحْكِمَ السيطرة عليها، ونجح في بادئ الأمر في الاستيلاء على بعض المناطق، وحاول الأمير عبد الكريم الخطابي أن يُحَذِّرَ الجنرال سلفستر من مغبَّة الاستمرار في التقدُّم، والدخول في مناطق لا تعترف بالحماية الإسبانية الأجنبية، لكنَّ الجنرال المغرور لم يأبه لكلام الأمير، واستمرَّ في التقدُّم ممنِّيًا نفسه باحتلال بلاد الريف.
كانت قوَّات الجنرال الإسباني تتألَّف من أربعة وعشرين ألف جندي؛ مُجَهَّزِين بالأسلحة والمدفعية، ولم تُصادف هذه القوَّات في زحفها في بلاد الريف أيَّ مقاومة، واعتقد الجنرال أن الأمر سهلًا، وأعماه غرورُه عن رجال عبد الكريم الخطابي الذين يعملون على استدراج قوَّاته داخل المناطق الجبلية المرتفعة، واستمرَّت القوات الإسبانية في التقدُّم وتحقيق انتصارات صغيرة؛ حتى احتلت مدينة أنوال في (7 من رمضان 1339هـ= 15 من مايو 1921م).
معركة أنوال
بعد ذلك بدأ رجال عبد الكريم الخطابي هجومهم على كل المواقع التي احتلَّهَا الإسبانيون، وحاصروا هذه المواقع حصارًا شديدًا، وفشل الجنرال في ردِّ الهجوم، أو مساعدة المواقع المحاصَرَة، وأصبحت قوَّاته الرئيسيَّة -التي جمعها في «أنوال»- مُهَدَّدة، بعد أن حاصرها وطوَّقها رجال الريف، وحين حاول الانسحاب بقوَّاته اصطدم بقوَّات الخطابي في (16 من ذي القعدة 1339هـ= 22 من يوليو 1921م) في معركة حاسمة عُرفت بمعركة أنوال، وكانت الهزيمة الساحقة للقوات الإسبانية؛ حيث أُبيد معظم الجيش المحتلّ، وأقرَّ الإسبان بأنهم خسروا في تلك المعركة 15 ألف قتيل يتقدَّمهم الجنرال سلفستر، ووقع في الأسر 570 أسيرًا، وهذا غير الغنائم من الأسلحة التي وقعت في أيدي المجاهدين.

ما إن انتشر خبر انتصار الخطابي ورجاله في معركة أنوال، حتى هبَّت قبائل الريف تُطارد الإسبان أينما وُجدوا، ولم يمضِ أسبوعٌ إلَّا وقد انتصر الريف عليهم، وأصبح وجود الإسبان مقتصرًا على مدينة تطوان وبعض الحصون في منطقة الجبالة.
من الثورة إلى بناء الدولة
بسط الأمير عبد الكريم الخطابي سلطته على بلاد الريف بعد جلاء الإسبان عنها، واتَّجه إلى تأسيس دولة مُنَظَّمة دون أن يتنكَّر لسلطان مَرَّاكُش، أو يتطلَّع إلى عرشه؛ بدليل أنه منع أنصاره من الدعاء له في خطبة الجمعة. وأعلن الخطابي أن أهداف حكومته تتمثَّل في عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، وجلاء الإسبان من المناطق التي احتلُّوها، وإقامة علاقة طَيِّبَة مع جميع الدول، والاستعانة بالخبراء الأوربيين في بناء الدولة، وقام بتحويل رجاله المقاتِلين إلى جيش نظامي على النسق الحديث، وعَمِل على تنظيم الإدارة المدنية، وقام بشقِّ الطرق، ومدِّ سلوك البرق والهاتف، وأرسل وفودًا إلى العواصم العربية للحصول على تأييدها، وطلب من بريطانيا وفرنسا والفاتيكان الاعتراف بدولته.

وفوق ذلك كله دعا إلى وضع دستور تلتزم به الحكومة، وتمَّ تشكيل مجلس عامٍّ عُرف باسم الجمعية الوطنية، كان أوَّل قراراته إعلان الاستقلال الوطني، وتأسيس حكومة دستورية لقيادة البلاد.
صدى الهزيمة في إسبانيا
كان من أثر هذه الهزيمة المدوية للإسبان أن قام انقلاب عسكري في إسبانيا بقيادة بريمودي ريفيرا سنة (1342هـ= 1923م)، لكن هذا لم يُغَيِّر من حقيقة الأوضاع بالنسبة للمغرب، فلم تُعلن الحكومة الجديدة إنهاء احتلالها للمغرب؛ هذا الذي دعا الأمير الخطابي إلى مواصلة الجهاد ضدَّها؛ فقام بهجوم سنة (1342هـ= 1924م) على مدينة تطوان، لكنها لم تسقط في يده على رغم من وصول جنوده إلى ضواحيها، واضطرت القوات الإسبانية إلى الانسحاب من المناطق الداخلية، والتمركز في مواقع حصينة على الساحل، كما أنها أخلت مواقعها في إقليم الجبالة في أواخر سنة (1343هـ= 1924م) بعد أن ثبت لها عجزها عن الاحتفاظ بهذا الإقليم أمام هجمات الأمير الخطابي.

سياسة فرنسا مع الخطابي
فُوجئ الفرنسيون بانتصار الخطابي على الإسبان، وكانوا يتمنَّوْنَ غير ذلك، كما فُجعوا بانسحاب القوات الإسبانية من إقليم الجبالة كله؛ لذا قرَّرُوا التدخُّل في القتال ضدَّ الخطابي ولمصلحة الإسبان، وكانت فرنسا تخشى من أن يكون نجاح الخطابي في ثورته عاملًا مشجِّعًا للثورات في شمال إفريقيا ضدَّها، كما أن قيام جمهورية قويَّة في الريف يدفع المغاربة إلى الثورة على الفرنسيين ورفض الحماية الفرنسية.

واستعدَّت فرنسا لمحاربة الخطابي بزيادة قوَّاتها الموجودة في مراكش، وبدأت تبحث عن مبرِّر للتدخُّل في منطقة الريف، فحاولوا إثارة الأمير الخطابي أكثر من مرَّة بالتدخُّل في منطقته، وكان الخطابي يلتزم الصمت أمام هذه الاستفزازات؛ حتى لا يُحاربَ في جبهتين، ويكتفي باستنكار العدوان على الأراضي التابعة له، ثم قام الفرنسيون بتشجيع رجال الطرق الصوفية على إثارة بعض القلاقل والاضطرابات في دولة الريف، فلمَّا تصدَّى لهم الأمير الخطابي تدخَّلت فرنسا بحجة حماية أنصارها، واندلع القتال بين الخطابي والفرنسيين في (رمضان 1343هـ= أبريل 1925م)، وفُوجئ الفرنسيون بالتنظيم الجيد الذي عليه قوَّات الأمير الخطابي، وببسالتهم في القتال، فاضطروا إلى التزام موقف الدفاع طيلة أربعة أشهر، وأُصيبت بعض مواقعهم العسكرية بخسائر فادحة.
استسلام الأمير عبد الكريم الخطابي
لم يَعُدْ أمام الدولتين الكبيرتين (فرنسا وإسبانيا) سوى أن يجتمعا على حرب الأمير عبد الكريم الخطابي، وأَعدَّتا لهذا الأمر عُدَّته بالإمدادات الهائلة لقوَّاتهما في المغرب، والإنزال البحري في مكانٍ قرب خليج الحسيمات؛ الذي يمتدُّ في قلب بلاد الريف، وأصبح على الأمير الخطابي أن يُواجه هذه الحشود الضخمة بقوَّاته التي أنهكها التعب والقتال المستمرُّ، فضلًا عن قلَّة المؤن التي أصبحت تُهَدِّدها.

وبالإضافة إلى ذلك لجأت فرنسا إلى دعم موقفها في القتال، فأغرت السلطان المغربي بأن يُعلن أن الخطابي أحد العصاة الخارجين على سلطته الشرعية؛ ففعل السلطان ما أُمر به، كما قامت بتحريض بعض قبائل المجاهدين على الاستسلام، فنجحت في ذلك.
وكان من نتيجة ذلك أن بدأت الخسائرُ تتوالى على الأمير عبد الكريم الخطابي في المعارك التي يخوضها، وتمكَّن الإسبان بصعوبة من احتلال مدينة أغادير عاصمة الأمير الخطابي، ثم تمكَّنت القوات الإسبانية والفرنسية من الاستيلاء على حصن ترجست، الذي اتخذه الأمير مقرًّا له بعد سقوط أغادير في (11 من ذي القعدة 1344هـ= 23 من مايو 1926م).
واضطر الأمير عبد الكريم الخطابي إلى تسليم نفسه إلى السلطات الفرنسية باعتباره أسير حرب؛ وذلك بعد أن شعر بعدم جدوى المقاومة، وأن القبائل قد أُنهكت، ولم تَعُدْ مستعدَّة لمواصلة القتال، وقد قامت فرنسا بنفي الأمير المجاهد إلى جزيرة نائية في المحيط الهندي.
وفي تلك الجزيرة عاش الأمير المجاهد مع أسرته وبعض أتباعه أكثر من عشرين عامًا، قضاها في الصلاة وقراءة القرآن، وفشلت محاولاته لأن يرحل إلى أية دولة عربية أو إسلامية.
الإقامة بالقاهرة
وفي سنة (1367هـ= 1947م) قرَّرت فرنسا نقله إليها على متن سفينة، فلمَّا وصلت إلى ميناء بورسعيد تمكَّن بعض شباب المغرب المقيمين في مصر من زيارته على متن السفينة، ورجَوْهُ أن يتقدَّم باللجوء إلى مصر ليُواصل مسيرة الجهاد من أجل تحرير المغرب، فوافق على هذا الرأي شريطة أن تُوافق الحكومة المصرية على طلبه، كما لاقاه وفد من جماعة الإخوان المسلمين مُرَحِّبين به.

وتمَّت الموافقة على طلبه على الرغم من احتجاج السفير الفرنسي في مصر، وبدأ الخطابي عهدًا جديدًا من النضال الوطني من أجل تحرير بلاده، وأسَّس مع أبناء المغرب العربي لجنة أطلقوا عليها «لجنة تحرير المغرب العربي»، تولَّى هو رئاستها في (25 من المحرم 1367هـ= 9 من ديسمبر 1947م
وفي أثناء إقامته توطدت الصلة بينه وبين الإمام الشهيد حسن البنا، وتكرَّرت اللقاءات بينهما في اجتماعات عامَّة وخاصَّة؛ ولما استشهد الإمام البنا، كتب الأمير عبد الكريم الخطابي: «ويح مصر! وإخوتي أهل مصر! مما يستقبلون جزاء ما اقترفوا، فقد سفكوا دم وليٍّ من أولياء الله، تُرى أين يكون الأولياء إن لم يكن منهم؟! بل في غُرَّتِهم حسن البنا، الذي لم يكن في المسلمين مثله».

وفاة عبد الكريم الخطابي
ظلَّ الأمير عبد الكريم الخطابي مقيمًا في القاهرة، يُتابع نشاط المجاهدين من أبناء المغرب العربي المقيمين في القاهرة، ويمدُّهم بنصائحه وإرشاداته، حتى لقي رَبَّه في (غرة رمضان 1382هـ= 6 من فبراير 1963م).

من أقوال عبد الكريم الخطابي
قال عبد الكريم الخطابي: «إذا تناهى إلى أسماعكم أن الاستعمار أسرني أو قتلني أو بعثر جسمي كما يُبَعثر تراب هذه الأرض، فاعلموا أنني حيٌّ وسأعود من جهة الشرق».

وتروي ابنة المجاهد السيدة عائشة الخطابي كلمة عظيمة قالها والدها –رحمه الله- قبل تحقيق النصر في معركة أنوال الخالدة؛ قال عبد الكريم الخطابي: «أنا لا أُريد أن أكون أميرًا ولا حاكمًا، وإنما أُريد أن أكون حرًّا في بلدي، ولا أطيق مَنْ سلب حريتي أو كرامتي».
أمَّا بعد الانتصار، فقال في اجتماع مع رجال الريف الذين توافدوا عليه بأعداد غفيرة يُريدون إعلانه سلطانًا: «لا أُريدها سلطنة ولا إمارة ولا جمهورية ولا محمية، وإنما أُريدها عدالة اجتماعية، ونظامًا عادلًا يستمدُّ رُوحه من تراثنا».
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 10:39 am

أسد الدين شيركوه .. فاتح مصر الثاني
مفكرة الإسلام




قادة غيروا الدنيا ShapesEFre


[size=17]في أحداث التاريخ الإسلامي تبرز أسماء كبيرة عظيمة كان لها أكبر الأثر في أمة الإسلام، لما كان لها من أعمال وبطولات وتضحيات في سبيل الله عز وجل ومن أجل نصرة دين الله, هذه الشخصيات العظيمة كانت عادة لا تقوم بمفردها بهذه المهام المقدسة، إنما في الأعم الأغلب يكون بجوارهم أسماء وشخصيات أخرى لا يقل دورها وعملها عن الأخرى, ومع ذلك هذه الشخصيات لم تنل الحظ الوافر في كتب التاريخ من الذكر والتقدير، فلقد ضاع ذكرها وانزوى نورها بجانب قوة الشخصيات الأخرى وصاحبنا من هذا النوع أسد الدين شيركوه رحمه الله.

من هو أسد الدين شيركوه ؟
هو الأمير الكبير أسد الدين شيركوه بن شادى الزرزازي الكردي، ولد في إحدى قرى أذربيجان هو وأخوه نجم الدين أيوب والد الناصر صلاح الدين الأيوبي، وهما من أشرف شعوب الأكراد وأكثرها شجاعة وبأسًا, عمل هو وأخوه نجم الدين في خدمة الأمير نهروز أمير شحنة العراق "مدير الأمن"، فاستناب نهروز نجم الدين أيوب على قلعة تكريت, فاتفق أن دخلها عماد الدين زنكي مصابًا في إحدى غزواته، فأحسنا إليه وخدماه فحفظ عماد الدين هذا الصنيع لهما.

في صحبة نور الدين محمود
وحدث ذات يوم أن تعرض رجل من نصارى تلك القلعة لإحدى بنات الأيوبيين، فخرج أسد الدين لهذا الرجل فقتله، فثار قومه في القلعة فأخرجهما نهروز من القلعة، وذلك في نفس الليلة التي ولد فيها صلاح الدين, فسارا إلى حلب ليخدما عماد الدين زنكي فأحسن إليهما، ولما تولى نور الدين محمود الأمر من بعد أبيه زنكي صار أسد الدين مقربًا عنده، ومن يومها بزغ نجم أسد الدين شيركوه في سماء الفتوحات ضد الصليبيين.

ما لبث أن صار أسد الدين شيركوه هو الساعد الأيمن للسلطان نور الدين محمود الشهيد، وأكبر أمرائه، لذلك اعتمد عليه نور الدين في كثير من غزواته ضد الصليبيين لشهامته وشجاعته وصرامته في جهاد الصليبيين، وأقطعه نور الدين بلاد حمص والرحبة، و وكان لأسد الدين شيركوه أكبر الأثر في معارك حاسمة مثل فتح دمشق سنة 549هـ، حيث أرسله نور الدين على رأس مجموعة صغيرة من الفرسان كسلاح استطلاع ومقدمة للجيوش النورية قبل دخولها، واستطاع أسد الدين أن يدخل دمشق وينتصر على جيوش ضخمة على الرغم من قلة جنده.
فاتح مصر الثاني
أما أفضل أعمال أسد الدين شيركوه والتي كانت سببًا لشهرته التي لا يعرفها الكثير هو فتح مصر، والذي جاء على عدة مراحل, وهذا الفتح يعتبر سببًا لسقوط الدولة العبيدية الرافضية في مصر، بعد أن دامت أكثر من مائتي سنة.

وتبدأ فعاليات هذا الفتح العظيم عندما جاء الوزير شاور من القاهرة، يستنجد بالسلطان نور الدين زنكي على الأمير ضرغام الذي استولى على مقاليد الأمور في مصر وقتل أولاد الوزير شاور وذلك في سنة 559هـ. فلما دخل على نور الدين وعرض عليه الأمر رحب نور الدين جدًا بالأمر، وأحس أنها الفرصة المناسبة لتحرير مصر من سلطان العبيديين المجرمين.
فأعد نور الدين جيشًا بقيادة أسد الدين شيركوه، واستطاع الأسد أن يدخل الديار المصرية ويقتل الأمير ضرغام ويعيد شاور للوزارة, ولكن شاور أحد الخائنين الذي يعملون لمصلحتهم، فغدر بنور الدين وأسد الدين، واستغاث شاور بالصليبيين ليطردوا أسد الدين من القاهرة ومصر.
وأبدى أسد الدين شجاعة وقيادة فائقة، واستطاع أن يصمد أمام جحافل الصليبيين أكثر من ثمانية شهور, وجاء هذا الصمود في صالح الإسلام؛ لأن السلطان نور الدين استغل غيبة الصليبيين في مصر ودخل بلادهم وضرب حصونهم وسبى أولادهم ونساءهم، وعندها فك الصليبيون الحصار عن أسد الدين وعقدوا معه صلحًا خرج بموجبه كلاهما من مصر.
ثم كانت الحلقة الثانية من حلقات الفتح الأسدى للديار المصرية, عندما أقبلت جحافل كثيرة من الصليبيين إلى مصر ليأخذوها، وبالفعل استطاعوا بمعاونة بعض الخائنين أن يدخلوها، فاستأذن أسد الدين شيركوه نور الدين في المسير لمصر فأذن له, فلما علم شاور بذلك راسل الفرنج فأتوا من كل مكان وذلك في سنة 562هـ.
واشتبك أسد الدين بجيشه الصغير المكون من ألفي مقاتل مع جحافل الصليب وهزمهم شر هزيمة، ثم اتجه أسد الدين إلىالإسكندرية ففتحها واستناب عليها ابن أخيه صلاح الدين، ثم اتجه للصعيد فملكه، فاستغل الصليبيون الفرصة وحاصروا صلاح الدين في الإسكندرية، فامتنع عليهم صلاح الدين جدًا، واضطر أسد الدين لمصالحتهم ليفك حصارهم، وفي هذه الأثناء أغار نور الدين على بلاد الصليبيين، فغنم وأسر وسبي وقتل.
ثم كانت الحلقة الثالثة والأخيرة في فتح مصر سنة 564هـ، عندما تحكم الصليبيون في مصر وعزموا على دخولها لاحتلالها، وعندها استغاث الخليفة العاضد العبيدي بنور الدين وأرسل له بشعور نسائه ويقول له: "أدركني واستنقذ نسائي من أيدي الفرنجة"، فأرسل نور الدين أسد الدين ومعه صلاح الدين بجيش كبير هذه المرة، فلما سمع الصليبيون بقدومهم خرجوا من الديار المصرية خوفًا من أسد الدين. وكان نور الدين قد استدعى أسد الدين من حمص إلى حلب لقيادة الجيوش، فقطع أسد الدين هذه المسافة الكبيرة في يوم واحد، ولم يتفق هذا لأحد من الناس سوى الصحابة، ففرح نور الدين بذلك جدًا واستبشر بالفتح.
وبالفعل دخل أسد الدين القاهرة في 7 ربيع الآخر سنة 564هـ، فوجد الصليبيين قد هربوا من مصر ووجد شاور الخائن نفسه قبالة أسد الدين الذي افترسه جزاءًا وفاقًا لخيانته المتكررة للإسلام وأهله، وخلع عليه الخليفة العاضد وعينه وزيرًا مكان الخائن شاور، وقبل أسد الدين ذلك كخطوة على طريق إزالة العبيديين من مصر.
وبدأ أسد الدين يعمل على إزاحة العاضد من الخلافة وإسقاط دولة بني عبيد، وبدأ في تنظيم الأمور وعين العمال وأرسل النواب وأقطع الإقطاعات، ولكن أمر الله عز وجل كان أسرع من تخطيطه، فمات رحمه الله فجأة لخنق حصل له في حلقه في 22 جمادى الآخرة سنة 564هـ، بعد أن مكث في الولاية شهرين وخمسة أيام، فجزاه الله عنا كل الأخير ورحمه الله تعالى.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 10:40 am

أبو مسلم الخرساني .. أمير آل محمد
قصة الإسلام




قادة غيروا الدنيا Shapearetger
أبو مسلم الخرساني


[size=17]يحفظ التاريخ لنا عن شخصيتين ظهرتا في الدولة الأموية ثم الدولة العباسية اشتهرتا في التاريخ بالقوة والشدة وسفك الدماء وكان لهما الأثر البالغ في تشييد كلتا الدولتين أولهما الحجاج الثقفي، وثانيهما أبو مسلم الخراساني (100 ـ 137هـ/718 ـ 755م).

من هو أبو مسلم الخرساني ؟
عبد الرحمن بن مسلم أحد كبار قادة الثورة العباسية ودعاتها، تضاربت الروايات حول أصله، ومما زاد في غموض الأمر عدم تصريح أبي مسلم نفسه عن أصله بقوله كما يُعزى إليه: "إنّ ديني الإسلام، وولائي لآل محمد، وأنا على الطريق الصحيح"، وقيل: إنه ادّعى النسب العربي أيضاً إلا أن هذا الادعاء جاء متأخراً، أما الرواية التي يتناقلها كثير من المؤرخين؛ فتذكر أن أبا مسلم ولد في ماه البصرة قرية قرب أصبهان لأب فارسي مسلم وأم أَمَة، اضطر والده تحت ظروف مالية قاهرة إلى بيع الأَمَة وكانت حاملاً بأبي مسلم إلى عيسى العجلي الذي كان يمتلك بعض الأراضي في ضواحي أصبهان، فوضعت طفلاً ذكراً سُمِّي إبراهيم، ونشأ مع أولاد العجلي، وبدأ يخدمهم حينما شبّ يجمع الأموال من مزارعهم المنتشرة في أصبهان والكوفة، وأصبح مولى لهم.

اتصال أبي مسلم الخرساني بإبراهيم الإمام
في الكوفة تعرَّف أبو مسلم الخرساني أول مرة على بعض الأتباع من الشيعة العلوية، وجذبه العمل من أجل أهل البيت، وظلّ ملازماً لرجل اسمه أبي موسى السرّاج يعمل معه في صناعة السروج، ويتلقى منه الآراء الشيعية والولاء لأهل البيت، وكان ممن تلقى أبو مسلم على يده أصول التشيع بكير بن ماهان كبير دعاة العباسيين.

وحينما التقى أبو مسلم الخرساني بهؤلاء الدعاة العباسيين رأوا فيه كفاءة وذكاء، فكسبوه إلى دعوتهم، وأخذوه معهم إلى إبراهيم الإمام بعد أن أذن لهم بذلك أبو موسى السرّاج، وقد رأى إبراهيم الإمام فيه الكفاءة والذكاء والقدرة، فأخبر الشيعة العباسية بأنه قد "أمل فيه شمايل الذي يقوم بهذا الأمر (أي الثورة)، فاحفظوا به…" وبدل اسمه إلى عبد الرحمن، وكنَّاه بأبي مسلم، وكـان عمره وقتــها تسع عشــرة سنة فقط.
بقي أبو مسلم في خدمة الإمام إبراهيم يستعمله في حمل رسائله إلى خراسان والكوفة حتى سنة 128هـ/745م، وحينما اختمرت الدعوة، وضعف أمر الدولة الأموية في خراسان طلب النقباء الخراسانيون من إبراهيم الإمام إرسال من ينوب عنه من أهل البيت؛ ليمثله في خراسان، فأرسل أبا مسلم، بعد أن أخفق في إقناع عدد من الرجال مثل سليمان الخزاعي وقحطبة الطائي، وإبراهيم بن سلمة.
كان أبو مسلم الخرساني على معرفة بأحوال خراسان إذ زارها عدة مرات قبل ذلك، على أن إبراهيم الإمام حين أرسل أبا مسلم هذه المرّة قال له: "أنت رجل منا أهل البيت"، تلك العبارة التي تدل على ثقته التامة به؛ والتي رفعت كثيراً من منزلته بين شخصيات خراسان العربية، وهي تُذكِّر بموقف الرسول صل الله عليه وسلم من سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي عدَّه من أهل بيته.
أبو مسلم الخرساني وبناء الدولة العباسية
تسلم أبو مسلم الخرساني القيادة رغم معارضة شيخ الدعوة سليمان بن كثير لذلك لحداثة سن أبي مسلم، ولكنه أظهر براعة فائقة في قيادة العمل، وكان ذو مقدرة إقناعية عالية، فاستطاع إقناع كثير من ولاة الأمويين الذين استشعروا غروب شمس الأمويين، ولما زادت قوة أبي مسلم دخل في طور العمل العلني وذلك سنة 129هـ عندما نزل قرية من قرى مرو عاصمة خراسان يقال لها سفيدنج، وجعلها قادة للدعوة إليها يلجأ الناس الراغبون في دعوتهم ووقع على حصنها راية السحاب إشعاراً بظهور الدولة العباسية، وصلى بها عيد الفطر وأمر سليمان بن كثير أن يصلي بهم وبالشيعة، وفي نفس اليوم كتب أبو مسلم لوالي خراسان نصر بن سيار يدعوه للدخول في طاعة العباسيين فأرسل له نصر جيشًا كبيرًا ولكن أبا مسلم انتصر عليه في موقعة ألين سنة 130هـ.

ونجح أبو مسلم الخرساني في وقت قصير في أن يسيطر على زمام الموقف في خراسان، وأن يهزم نصر بن سيار، وأن يستولي على مدينة مرو قاعدة خراسان سنة 131هـ، واضطر نصر بن سيار إلى الانسحاب تتبعه الجيوش العباسية، ولكنه مات في الطريق في قرية ساوة بنواحي الري ربيع الأول 131هـ/تشرين الأول 748م.
وكان هذا هو أول صدام عسكري بين العباسيين والأمويين، وبعدها زادت قوة أبي مسلم بدرجة جعلت كل القبائل العربية المتناحرة في خراسان تتحد لحرب أبي مسلم وكان موقفًا عصيباً على القائد الصغير، ولكنه أبدى صنوفًا من الثبات والدهاء والمكيدة لم تخطر على بال الإمام نفسه الذي ولاه، فأوقع القبائل العربية مرة أخرى في بعضها البعض، وهو في نفس الوقت يرسل قواده يستولون على القرى والمدن من عمال نصر ولا يجدون مقاومة تذكر، وأبو مسلم يصالح بعضهم على الآخر ويضرب هذا بذاك حتى قضى على الجميع بالمكر والغدر أحيانًا كثيرة، حتى خضعت مرو كلها له فأخذ البيعة للعباسيين فيها وصارت بلاد خراسان كلها عباسية وصارت نقطة انطلاق الجيوش العباسيين على باقي بلاد الخلافة الأموية.
وفي حين كان أبو مسلم يقوم بإتمام السيطرة على خراسان، واصلت الجيوش زحفها نحو العراق بقيادة قحطبة بن شبيب، واضطر عامل العراق يزيد بن هبيرة إلى الانسحاب والتقهقر نحو مدينة واسط جنوبي العراق والتحصن بها، وفي هذه الأثناء مات إبراهيم الإمام في سجن الأمويين، وبويع أبو العباس السفاح بالخلافة في الكوفة في ربيع الأول سنة 132هـ، وهُزم الخليفة الأموي مروان بن محمد في موقعة الزاب، ثم قتل في أواخر سنة 132هـ، وزالت الدولة الأموية، ولم يبق للأمويين من مدافع سوى يزيد بن هبيرة الفزاري، فلما قُتل مروان رأى أن لا فائدة من المقاومة، فاتفق مع أبي جعفر المنصور على التسليم مقابل التأمين على حياته.
أبو مسلم الخرساني والخليفة السفاح
كان أبو العباس السفاح يحترم أبا مسلم الخرساني جدًا ولا يقطع أمرًا من دونه خاصة أنه يرى في أبي مسلم الركن الذي أقام الدولة العباسية فلما تولى السفاح الخلافة العباسية كأول خليفة عباسي ظل أبو مسلم واليًا على خراسان وزادت قوته ونفوذه.

فقد قام سلطان ونفوذ السفاح على أكتاف ثلاثة رجال:
1- أبو مسلم الخراساني بالمشرق. 2- أبو جعفر المنصور بالجزيرة وأرمينية والعراق. 3- عبد الله بن علي بالشام ومصر، وكان بين الثلاثة شر وحقد وضغائن وفتنة، والتي ما لبثت أن طفت على السطح وظهرت بقوة بعد وفاة السفاح.
أبو مسلم الخرساني والخليفة المنصور
بلغت قوة أبي مسلم الخراساني الحد الذي جعله يشعر أنه لولاه ما كانت الدعوة العباسية قامت، ولولا جهوده وذكائه لم يكن لهم دولة، وجعلته يشعر أنه قرين الخليفة بل هو أولى منه بالأمر، وكان أبو مسلم غير معروف النسب فادعى انتسابه إلى سليط بن عبد الله بن عباس كخطوة أولى لطلبه الخلافة ثم خطب عمة المنصور آمنة بنت علي.

وكان أول الشر بين أبي مسلم والمنصور في حياة السفاح عندما كتب أبو مسلم للسفاح يطلب منه الإذن بإمرة الحج في 136هـ ، ولما علم أبو جعفر المنصور ذلك طلب الإذن من أخيه السفاح إمرة الحج فأذن لكلاهما فلما علم أبو مسلم قال "ألم يجد المنصور عاماً غير هذا يحج فيه" وحقدها عليه، وفي موسم الحج تقدم أبو مسلم  في الطريق على المنصور، وكان أبو مسلم قد وزع أموالاً كثيرة، فكان الصيت له في الحج، فحقد المنصور عليه جدًا وأثناء السير جاءت الأخبار بموت السفاح وتوليه المنصور فلم يكتب أبو مسلم يهنيه بالخلافة فعرف المنصور أنه ينوي الخلاف.
إن حقد أبي جعفر المنصور على أبي مسلم الخرساني لم يمنعه بعد أن تولى الخلافة من الاستعانة به في القضاء على عمه عبد الله بن علي الذي خرج عن طاعته، وبايع لنفسه بالخلافة في مدينة حرّان بالجزيرة.
فقد رأى المنصور أن يضرب عمه عبد الله بن علي بأبي مسلم الخراساني حتى يقضي أحدهم على الآخر ثم يتفرغ لمن بقي منهما بعد أن تكون قوته قد أنهكت، وبالفعل نجحت الفكرة الذكية فقضى أبو مسلم على عبد الله بن علي، وكانت شرارة الخلاف العلني عندما أرسل المنصور رجلاً من عنده يحصي الغنائم المأخوذة من جيش عبد الله بن علي فغضب أبو مسلم، وقال : "أأكون أمينًا على الدماء ولا أكون أمينًا على الأموال"، ثم كتب المنصور لأبي مسلم كتابًا بتوليه علىالشام ومصر ذلك ليصرفه عن خراسان قاعدته التي بها أنصاره، فلما علم أبو مسلم قال: "يوليني الشام ومصر، وخراسان لي".
وقرر أبو مسلم الخرساني العصيان وتوجه إلى خراسان، ودارت بينه وبين المنصور رسائل ومكاتبات لم تفد معه حتى استطاع المنصور أن يعمل الحيلة عليه، فأرسل إلى خليفة أبي مسلم في خراسان أن يعطيه ولاية خراسان طوال حياته، ثم أرسل إلى أبي مسلم رسالة تهديد قال له فيها : "إنه برئ من العباس إذا لم تأتني ولو كنت في آخر بلاد الدنيا لتجشمت الصعاب حتى آتيك ولو كنت في النار لاقتحمتها حتى أقتلك أو أموت دونك"، وزلزلت هذه الكلمات الطاغية الجبار أبو مسلم وتحير في أمره ماذا يفعل ؟! وفي هذا الوقت وصله كتاب من خليفته على خراسان والذي قد استماله المنصور يقول له فيه: "إننا لم نخرج إلا طاعة لله وأهل بيت رسول الله ولم تخرج لمخالفة خلفاءنا فأطع الخليفة فيما أمرك به"، فازداد أبو مسلم همًا وغمًا وتحير أكثر في أمره، ثم أجمع على الذهاب إلى المنصور بالمدائن.
مقتل أبي مسلم الخرساني
عندما علم أبو جعفر المنصور بأن أبا مسلم قادم عليه أمر وجوه الناس وبني هاشم أن يستقبلوه في الطريق ويبالغوا في الاحتفال به حتى يطمئن ويذهب نية الغدر من قلبه، ثم أمر أربعة من الحراس أن يقفوا وراء الستائر وإذا سمعوه يصفق بيديه يخرجوا فيقتلوه.

فلما دخل أبو مسلم على المنصور انبسط له المنصور في الحديث حتى ظن أبو مسلم أنه ناج، ثم بدأ المنصور يعاتبه في أشياء صدرت عنه مثل تقدُّمه في طريق الحج وعدم تهنئته بالخلافة وخطبته لعمته آمنة بنت علي وادعاءه أنه ولد سليط بن عبد الله بن عباس ومخالفته لأمره وعصيانه عليه بخراسان، وأبو مسلم يجيب على هذه المعاتبات بصورة جيدة حتى وصل المنصور لسؤاله عن سبب قتله لسليمان بن كثير وإبراهيم بن ميمون، وغيرهم فقال أبو مسلم: "لأنهم عصوني وخالفوا أمري" وعندها استشاط غضبًا، وقال له: "أنت تقتل إذا عصيت وأنا لا أقتلك وقد عصيتني ؟"، فقال له أبو مسلم: "استبقني لأعدائك يا أمير المؤمنين"، فقال المنصور: "وأي عدو لي أعدى منك"، ثم صفق بيديه فخرج الحراس وقتلوا أبو مسلم وقطعوه إربًا، ثم وقف المنصور عليه وهو قتيل فقال له: "رحمك الله يا أبا مسلم بايعتنا فبايعناك وعاهدتنا فعاهدناك ووفيت لنا فوفينا لك، وإنا بايعناك على ألا يخرج علينا أحد في هذه الأيام إلا قتلناه، فخرجت علينا فقتلناك وحكمنا عليك حكمك على نفسك لنا".
اضطربت خراسان لمقتل أبي مسلم، وظهرت من جرّاء ذلك فرق دينية غريبة عن الإسلام كان أصحابها يظهرون الإسلام، ويبطنون ديانتهم، فلما قُتل أبو مسلم أعلنوا الثورة، واتخذوا من مأساته وسيلة لإحياء ديانتهم القديمة وعدّوه رمزاً لحركاتهم الدينية.
هكذا انتهت حياة هذا القائد العسكري والداهية الذي أقام أساس الدولة العباسية وسفك دماء قرابة ستمائة ألف نفس من أجلها والذي عرف باسم أمير آل محمد، والذي رأى لنفسه الفضل الأكبر لتشييد الدولة وله مكانة تفوق مكانة الخلفاء فاستحقرهم واستهزئ بهم، فنهايته مثل نهاية كثير من القادة الذين قاموا بمثل ما قام به، ولكن الله عز وجل يسلط الظالمين بعضهم على بعض فأخذه الله بما كان منه من سفك الدماء وكانت نهايته على يد من سفك الدماء من أجل ملكهم.
من مآثر أبي مسلم الخرساني
سُئل عبد الله بن المبارك وقد رأى أبا مسلم وسمع منه: "أ هو خير أم الحجاج؟" فقال: "لا أقول إن أبا مسلم كان خيرًا من أحد ولكن كان الحجاج شرًا منه".

وقيل أن أبا مسلم قد تاب مما فعله من أجل العباسيين، ولا يمنع هذا أنه كان نابهًا حازمًا ذا عزيمة تفل الحديد، ولكنه كان سافكًا للدماء، ومن كلماته الشهيرة عندما سئل عن سبب تقدمه وعلو همته قال: "ارتديت الصبر وآثرت الكفاف وحالفت الأحزان والأشجان وشامخت المقادير والأحكام حتى بلغت غاية همتي وأدركت نهاية بغيتي".
وكان أبو مسلم فصيحاً بالعربية والفارسية؛ مقداماً داهية حازماً راوية للشعر، كان خافض الصوت في حديثه، قاسي القلب، سوطه سيفه. وفي الروض المعطار: "كان إذا خرج رفع أربعة آلاف أصواتهم بالتكبير، وكان بين طرفي موكبه أكثر من فرسخ". وفي البدء والتاريخ: "كان أقل الناس طمعاً، مات ليس له دار ولا عقار ولا أَمَة ولا دينار".
المصادر:
نجدة خماش: أبو مسلم الخراساني، الموسوعة العربية العالمية.
مقتل أبي مسلم الخراساني: موقع مفكرة الإسلام.

[/size]

[size]
مراجع للاستزادة:
ـ الدينوري، الأخبار الطوال (القاهرة 1960م).
ـ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي (ليدن 1883م).
ـ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (القاهرة 1966م)
ـ المسعودين مروج الذهب (دار الأندلس، بيروت 1966م).
ـ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد (القاهرة 1931م).
ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ (دار الكتاب العربي، بيروت 1983م).
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 10:41 am

يوسف العظمة .. شهيد الحرية
تامر بدر




قادة غيروا الدنيا Shapetryw5t
يوسف العظمة .. شهيد الحرية


[size=17]هو يوسف بك بن إبراهيم بن عبد الرحمن آل العظَمة، ينتمي إلى عائلة دمشقية عريقة، استُشهد في مواجهة الجيش الفرنسي الذي جاء لاحتلال سورية ولبنان؛ حيث كان وزير الحربية للحكومة العربية في سورية بقيادة الملك فيصل الأول، وهو أول وزير حربية عربي يخوض معركة ويستشهد فيها.

نشأة يوسف العظمة
وُلِدَ الشهيد يوسف العظمة سنة (1301هـ= 1884م) في حيِّ الشاغور بدمشق لأسرة كبيرة وعريقة، ولمَّا أصبح له من العمر 6 سنوات تُوُفِّيَ والده، فكفله شقيقه عزيز.
درس العظمة في دمشق في المدرسة الرشدية العسكرية ابتداءً من عام 1893م، ثم في المدرسة الإعدادية العسكرية منذ عام 1897م، وفي عام 1900م انتقل إلى المدرسة الحربية العسكرية في إسطنبول، وفي العام التالي دخل المدرسة الحربيَّة العالية (حربية شهانه)، وتخرَّج فيها برتبة ملازم ثانٍ سنة 1903م، ورُقِّيَ إلى رتبة ملازم أول سنة 1905م، ثم إلى رتبة نقيب سنة 1907م؛ وذلك بعد أن قام بدورة أركان حرب محلِّيَّة في إسطنبول، وفي أواخر عام 1909م أُوفِدَ في بعثة دراسية إلى ألمانيا؛ حيث درس هناك في مدرسة أركان الحرب العليا لمدَّة سنتين، وبعدها عاد إلى الأستانة، وعُيِّنَ ملحقًا عسكريًّا في المفوَّضِيَّة العثمانية العليا في القاهرة.

شارك يوسف العظمة في حرب البلقان عام (1330هـ= 1912م)، وفي عام 1917م عُيِّن كمساعد لأنور باشا المفتش العامِّ للجيش العثماني، وعمل في أواخر الحرب العالمية الأولى كرئيس لأركان حرب الفيلق التركي الأول، الذي دافع عن الدردنيل حتى نهاية الحرب، وبعد الهدنة بقي يوسف العظمة في تركيا إلى أن سمع بتشكيل الحكومة العربية في دمشق، فاستقال من منصبه في الجيش التركي -رغم زواجه من سيدة تركية رُزِقَ منها بطفلته الوحيدة- والتحق بالجيش العربي.
يوسف العظمة وزير الحربية
بعد التحاقه بالجيش العربي الفيصلي، عُيِّن العظمة كضابط ارتباط في بيروت؛ حيث استخدم الشفرة لأوَّل مرَّة في مكتب الحكومة العربية هناك، وبعد إعلان المَلَكيَّة نُقل من بيروت، وعُيِّن رئيسًا لأركان حرب القوَّات العربية بعد ترقيته إلى رتبة عميد، ثمَّ عند تشكيل وزارة هاشم الأتاسي الدفاعية في (شعبان 1338هـ= 3 من مايو 1920م) أُسندت إليه وزارة الحربية، فعكف على تنظيمها وتقوية الجيش العربي اليافع؛ بل وقام بإجراء عرض عسكري في دمشق لتقوية الروح المعنوية في الجيش ولدى السكان، ولكنَّ الأقدار لم تُمهله لإكمال تنظيم وتقوية هذا الجيش.

صفات يوسف العظمة
كان يوسف العظمة رجلًا بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنًى، معتزًّا بنفسه وبعروبته اعتزازًا واضحًا، وكان يتحلَّى بكثير من الصفات الحسنة، التي شهد له بها الجميع حتَّى أعداؤه، كما كان عسكريًّا بطبعه، يؤمن أن للجيش مهمَّةً واحدةً هي أن يُقاتِلَ بصرف النظر عمَّا إذا كان سيربح أم سيخسر نتيجةً لهذا القتال، وكان يعلم أنَّه لا بُدَّ من معركة فاصلة بين السوريين وفرنسا، لَمْ يمنَعْهُ من خوضها علمه سلفًا أنه سيخسرها؛ لأنه آمن بأن دهسَ الجنودِ الفرنسيين لأجسادِ الشعب، واستيلاءهم على المدن المدمَّرة أفضل وأشرف ألف مرَّة من فتح أبواب البلاد للجيش الفرنسي يدخلها بكل سهولة، ويمشي في شوارعها مستعليًا.

الاحتلال يريد سورية
عندما أخذت الحكومة الفرنسية تسعى لتنفيذ الانتداب -الذي أقرَّه مؤتمر فيرساي حسب تقسيمات اتفاقيَّة سايكس- بيكو- بشكل عملية احتلال عسكرية كاملة، عقدت فرنسا هدنة مع تركيا، وأرسلت قوَّاتٍ عديدةً إلى الشرق، وفوَّضت الجنرال غورو مفوِّضها السامي بإرسال إنذار نهائي إلى الملك فيصل، وتلقَّى الملك فيصل إنذار الجنرال غورو الفرنسي -وكان قد نزل على الساحل السوري- بوجوبِ فضِّ الجيش العربي، وتسليم السلطة الفرنسية السكك الحديدية، وقبول تداول ورق النقد الفرنسي، وغير ذلك ممَّا فيه القضاء على استقلال البلاد وثروتها، فتردَّد الملك فيصل ووزارته بين الرضا والإباء، ثم اتَّفق أكثرهم على التسليم، فأبرقوا إلى الجنرال غورو، وأوعز فيصل بفضِّ الجيش، وعارض هذا بشدَّة وزير الحربية يوسف العظمة, واضطر إلى مجاراة رفاقه في الحكومة والرضوخ لهذا القبول، رغم رأيه القائل دومًا بأن «الجيش وُجِدَ ليُقاتِل حتى لو كانت نتيجة المعركة ضدَّه».

يوسف العظمة والاستعداد للمقاومة
بينما كان الجيش العربي المرابط على الحدود يتراجع منفضًّا بأمر الملك فيصل؛ كان الجيش الفرنسي يتقدَّم بأمر الجنرال غورو، ولما سُئل هذا عن الأمر، أجاب بأن برقية فيصل بالموافقة على بنود الإنذار وصلت إليه بعد أن كانت المدَّة المضروبة 24 ساعة قد انتهت. وهكذا وجد الملك والحكومة أنه لم يَعُدْ هناك مجال لقبول هذه الشروط الجديدة، وتمَّ رفضها، وبدأت القوى الوطنية بحثِّ الناس على الخروج إلى ميسلون (تقع غرب دمشق) لصدِّ العدوِّ، وعاد فيصل يستنجد بالوطنيين السوريين لتأليف جيش أهلي يقوم مقام الجيش المنفضِّ في الدفاع عن البلاد، فتراكض جمع غفير إلى هناك مُسَلَّحِينَ بالبنادق والمسدسات القديمة والسيوف حتى بالمقاليع؛ لينضمُّوا إلى فلول الجيش، التي حاول العظمة جمعها قبل إتمام أمر تسريحها، الذي صدر سابقًا استجابة للإنذار، وتقدَّم يوسف العظمة يقود جمهور المتطوِّعين على غير نظام، وإلى جانبهم عدد يسير من الضباط والجنود, وانطلق بصحبة مرافقه إلى القصر الملكي؛ وذلك ليستأذن الملك فيصل بالذهاب إلى الجبهة.

ولم يَعُدْ هناك بُدٌّ من خوض معركة غير متكافئة بين الجيش الفرنسي المجهَّز بأحدث أسلحة العصر، والبالغ عدد أفراده 9 آلاف جندي بقيادة الجنرال غوابيه، وهو حفيد أحد القادة الصليبيين، الذين جاءوا لغزو بلادنا في الحملة الصليبية الثانية عام (542هـ= 1147م)، وبين 8 آلاف من الجنود؛ نصفهم على الأقلِّ من المتطوِّعين والمسلَّحِين بأسلحة قديمة، دون دبابات أو طائرات أو تجهيزات ثقيلة، بقيادة يوسف العظمة.
معركة ميسلون
خرج يوسف العظمة ليتولَّى قيادة الجيش في ميسلون في يوم 23 يوليو (1920م= 1338هـ)، واجتمع بالضباط الذين لم يُتِمُّوا تنفيذ أمر تسريحهم، وأبلغهم أن الحرب لا بُدَّ قائمة، وأوعز إلى جميع القوى لتكون على أهبة الاستعداد لصدِّ العدوِّ المهاجم، وألقى على قادته فكرة -شفهيًّا- خُطَّته الدفاعية-الهجومية، والتي تتلخَّص في تنظيم خطٍّ دفاعيٍّ في وسط الجبهة على جانبي الطريق (القلب)، مع فرز وحدات خفيفة إلى يمين ويسار الجبهة لحماية الجناحين (الجناح الأيمن والجناح الأيسر)، إضافة إلى وضع ألغام محلِّيَّة الصنع على الطرق المُؤَدِّيَة إلى المنطقة.

وتمركز العظمة في مركز قيادة الجبهة في أعلى مرتفع يُشرف على الجبهة بكاملها، وبعد أن أدَّى صلاة الصبح ليوم الرابع والعشرين بدأ في الاستعداد لخوض المعركة، التي استمرَّت حتى الظهر.
في الساعة التاسعة بدأت المعركة عندما بدأت المدفعية الفرنسية في التغلُّب على المدفعية العربية، وبدأت الدبابات الفرنسية بالتقدُّم باتجاه الخطِّ الأمامي العربي في دفاع القلب، وعوّل العظمة على الألغام المدفونة لتُوقِفَ تَقَدُّم هذه الدبابات، إلَّا أنَّ الألغام لم تَقُمْ بعملها ولم تُؤَثِّر، فأسرع إليها يبحث، فإذا بأسلاكها قد قُطعت!
وتمكَّن الفرنسيون من تحقيق نصر غير شريف؛ نظرًا لكثرة عددهم وقوَّة تسليحهم، وعلى الرغم من استبسال المجاهدين في الدفاع عن الكرامة العربية.
استشهاد يوسف العظمة
وخلال معركة ميلسون وبعد نفاذ الذخائر نزل العظمة من مكمنه على جانب الطريق حيث يُوجد مدفع عربي سريع الطلقات، وأمر الرقيب سدين المدفع بإطلاق النار على الدبابات المتقدِّمة، وما كان من أحد رماتها إلَّا أن أطلق ناره باتجاه العظمة فخرَّ شهيدًا، وأسلم رُوحه الطاهرة هو ورقيب المدفع، الذي كان بجواره في الساعة العاشرة والنصف من صباح 24 يوليو 1920م، واستشهد العظمة في معركة الكرامة، التي كانت نتيجتها متوقَّعة خاضها دفاعًا عن شرفه العسكري وشرف بلاده، فانتهت حياته وحياة الدولة التي تولَّى الدفاع عنها، وانتهت المعركة بعد استشهاد 400 جندي عربي، مقابل 42 قتيلًا من الفرنسيين و154 جريحًا.

ودُفن العظمة في المكان الذي استُشهد فيه، وأصبح قبره في ميسلون إلى اليوم رمز التضحية الوطنية الخالد، تُحْمَل إليه الأكاليل كلَّ عامٍ من مختلف الديار السورية.
ولمَّا استتبَّ الأمر للفرنسيين قَدِم الجنرال غورو إلى دمشق في أوائل شهر أغسطس (1920م= 1338هـ)، وكان أول ما فعله بعد وصوله أن توجَّه إلى ضريح البطل صلاح الدين الأيوبي، وخاطبه بتهكُّم وشماتة: «يا صلاح الدين؛ أنت قلتَ لنا إبان الحروب الصليبية: إنكم خرجتم من الشرق ولن تعودوا إليه. وها نحن عدنا، فانهض لترانا في سورية!».
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 10:45 am

محمد كريم ومقاومة الحملة الفرنسية
تامر بدر




قادة غيروا الدنيا Shapevhgfhtr
محمد كريم ومقاومة الحملة الفرنسية


[size=17]هو محمد بن عبد الرزاق محمد كريم، الذي استطاع أن يمتلك قلوب الناس، وقد كان له الأثر الكبير في إثارة الناس، وقيادة المقاومة الشعبية ضدَّ الحملة الفرنسية في مصر.

نشأة محمد كريم
وُلِدَ السيد محمد كريم بحيِّ الأنفوشي بالإسكندرية قبل منتصف القرن الثامن عشر، نشأ محمد كريم يتيمًا فكفله عمُّه، عَمِل في بداية أمره قبَّانيًّا يزن البضائع في حانوت بالثغر، كان عمُّه قد افتتحه له، وكانت لديه خفَّة في الحركة وتودُّد في المعاشرة، ولم يتلقَ محمد كريم تعليمًا كبقيَّة أقرانه بسبب وفاة والده، فتردَّد على المساجد ليتعلَّم فيها، ثم بدأ يُحَدِّث الناس مستغلًّا الندوات الشعبية، وكانت هذه الندوات طريقًا ليعرفه أهل الإسكندرية عن قرب، ويعرفوا وطنيته وشجاعته.

محمد كريم حاكم الإسكندرية
ويَسَّرت له هذه الندوات امتلاك شعبية كبيرة بين الناس، كانت سببًا في توليته حاكمًا على الإسكندرية، وقد كانت الإسكندرية بوابة مصر البحرية، وتودَّد محمد كريم إلى الناس حتى أحبُّوه -مسلمهم وغير مسلمهم- لأخلاقه التي تربَّى ونشأ عليها، وقد قام محمد كريم بأمر البلاد والعباد على أحسن وجه.

جهاد محمد كريم ضد الفرنسيين
في يوم 19 مايو 1798م أبحر الأسطول الفرنسي بقيادة نابليون قادمًا إلى مصر لينهب ثرواتها، وكان على محمد كريم أن يقف ليصدَّ هذه الهجمات، ويرُدَّها على أعقابها، ولا يُمَكِّنها من دخول بلده، لكن كانت الحملة الفرنسية مزوَّدة بأحدث الأسلحة والمدافع، بينما لم تكن مثل هذه الأسلحة بأيدي المصريين، ولمَّا بلغ أمر الحملة الفرنسية الإنجليز تحرَّك الأسطول الإنجليزي بقيادة نلسون مُتَّجِهًا إلى الإسكندرية، طالبًا من محمد كريم انتظار الأسطول الفرنسي خارج الميناء، وأن يسمح لهم أن يشتروا من المدينة ما يحتاجونه من زادٍ، لكنَّ محمد كريم رفض طلبهم قائلًا: «ليس للفرنسيين أو سواهم شيء في هذا البلد، فاذهبوا أنتم عنَّا».

ووقف أسطول نلسون منتظرًا خارج الثغر أربعًا وعشرين ساعة، ثم أقلع متجهًا إلى شواطئ الأناضول بحثًا عن غريمه الفرنسي، ولم يمضِ على رحيله غير أسبوع حتى ظهر الأسطول الفرنسي أمام شواطئ الإسكندرية، وعندئذٍ بعث السيد محمد كريم إلى القاهرة مستنجدًا بالمماليك وقوَّادهم مراد بك وإبراهيم بك، واستقرَّ الرأي على أن يسير مراد بك مع جنوده إلى الإسكندرية لصدِّ الغزاة، ويبقى إبراهيم بك في القاهرة للدفاع عنها.
وصل الأسطول الفرنسي إلى شواطئ الإسكندرية عند العجمي في أول يوليو 1798م= المحرم 1213هـ، وبادر إلى إنزال قوَّاته ليلًا إلى البرِّ، ثم سَيَّرَ قسمًا من قوَّاته إلى الإسكندرية يوم 2 من يوليو، ولم يكن عدد سكان المدينة يومها يزيد على ثمانية آلاف نسمة، ولم يكن بها من الجنود ما يكفي لصدِّ الجيش الفرنسي الكبير المزوَّد بالمعدات الحديثة.
وكان أن استعدَّ السيد محمد كريم للدفاع عن الإسكندرية بكُلِّ ما لديه من ذخيرة وعتاد، وظلَّ محمد كريم يقود المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين؛ حتى بعد أن اقتحم الفرنسيون أسوار المدينة، ثم اعتصم محمد كريم بقلعة قايتباي ومعه فريق من الجنود، حتى فرغت ذخيرته، فكفَّ عن القتال، وتمَّ أسره هو ومَنْ معه، ودخل نابليون المدينة وأعلن بها الأمان.

أُعجب نابليون بشجاعة محمد كريم فأطلق سراحه من الأسر، وتظاهر بإكرامه، وأبقاه حاكمًا للإسكندرية، ولمَّا تمَّ لنابليون الاستيلاء على الإسكندرية رأى أن يُغادرها إلى القاهرة، وعيَّن كليبر حاكمًا عسكريًّا عليها، وزحف إلى القاهرة في 7 من يوليو عن طريق دمنهور والرحمانية.
ظنَّ نابليون أن محمد كريم سينحاز إلى جانبه بعد أن فكَّ أسره، لكن خاب ظنُّ نابليون، فلم يُمهله محمد كريم إلَّا وأعلن المقاومة الشعبية في أنحاء الإسكندرية؛ مما أرَّق الفرنسيين الذين فشلوا في استمالته معهم، فاعتقله كليبر حاكم الإسكندرية، وأرسله إلى القاهرة ليُحكم عليه بالإعدام.
إعدام محمد كريم
وجَّهت المحكمة الفرنسية -التي شكلها نابليون للحكم على المناضلين- إلى محمد كريم تهمة التحريض على المقاومة وخيانة الجمهورية الفرنسية، وأثناء المحاكمة أرسل نابليون رسالة إلى المحقِّق؛ يأمره فيها أن يعرض على محمد كريم أن يدفع فدية قدرها ثلاثون ألف ريال، يدفعها إلى خزينة الجيش ليفتدي نفسه، ورفض محمد كريم أن يدفع الفدية، ولمَّا ألحَّ عليه البعض في أن يفدي نفسه بهذه الغرامة رفض، وقال: «إذا كان مقدورًا عليَّ أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية، وإذا كان مقدورًا عليَّ أن أعيش فعلام أدفعها؟».

وفي (25 من ربيع الأول 1213هـ= 6 من سبتمبر 1798م) أصدر نابليون بونابرت أمرًا بإعدام محمد كريم ظُهْرًا في ميدان القلعة رميًا بالرصاص، فأركبوه حمارًا، وطافوا به إلى أن بلغوا الرميلة فقتلوه رميًا بالرصاص‏،‏ وقطعوا رأسه ورفعوه على نَبُّوت (عصا كبيرة)، وأخذ منادٍ يصيح‏:‏ «هذا جزاءُ مَنْ يُخالف الفرنسيين»‏.‏ وبذلك أُسدل الستار على مجاهد وطني نادر‏،‏ واستولى أتباع محمد كريم على رأسه المقطوع ودفنوه مع جثته‏، وهكذا أصبح الزعيم محمد كريم رمزًا للفداء، وأحد زعماء الوطنية البارزين في مصر،‏ وأقسم الشعب أن يثأر لشهيده‏،‏ وتحقَّق ذلك بأن تمَّ جلاء آخر جندي فرنسي عن مصر سنة (1216هـ= ‏1801م) بعد مقاومة شعبية كبيرة.


المجاهد محمد كريم
قصة الإسلام
[/size]

النسب والقبيلة

قادة غيروا الدنيا 1250_image002هو محمد بن عبد الرزاق محمد كريم.

النشأة والمولد

ولد السيد محمد كريم بحي الأنفوشي بالاسكندرية قبل منتصف القرن الثامن عشر.
نشأ محمد كريم يتيماً فكفله عمه، عمل في بداية أمره قبانياً يزن البضائع في حانوت بالثغر، كان عمه قد افتتحه له، ولديه خفة في الحركة وتودد في المعاشرة، ولم يتلقى محمد كريم تعليماً كبقية أقرانه بسبب وفاة والده، فتردد على المساجد ليتعلم فيها، ثم بدأ يحدث الناس مستغلاً الندوات الشعبية، وكانت هذه الندوات طريقاً ليعرفه أهل الإسكندرية عن قرب ويعرفون وطنيته وشجاعته، ويسرت له هذه الندوات لامتلاك شعبية كبيرة بين الناس، كانت سبباً في توليه حاكماً على الإسكندرية، وتودد محمد كل الناس حتى أحبوه مسلمهم وغير مسلمهم لأخلاقه التي تربى ونشأ عليها.

جهاده وأهم المعارك ودوره فيها

استطاع محمد كريم أن يمتلك قلوب الناس، ما كان له الأثر الكبير في إثارة الناس، وقيادة المقاومة الشعبية ضد الحملة الفرنسية.
تولى محمد كريم أمر الإسكندرية وجماركها، والإسكندرية هي بوابة مصر البحرية، وقد قام محمد كريم بأمر البلاد والعباد على أحسن وجه، وفي يوم 19مايو 1798م، أبحر الأسطول الفرنسي بقيادة نابليون قادماً إلى مصر لينهب ثرواتها، وكان على محمد كريم أن يقف ليصد هذه الهجمات ويردها على أعقابها ولا يمكنها من دخول بلده، لكن كانت الحملة الفرنسية مزودة بأحدث الأسلحة والمدافع بينما هذه الأسلحة لم تصل بعد إلى أيدي المصريين، ولما بلغ الأمر الانجليز تحرك الأسطول الانجليزي بقيادة نلسون متجهاً إلى الإسكندرية طالباً من محمد كريم انتظار الأسطول الفرنسي خارج الميناء وأن يسمح لهم أن يشتروا من المدينة ما يحتاجونه من زاد.. لكن محمد كريم رفض طلبهم قائلاً... "ليس للفرنسيين أو سواهم شيء في هذا البلد فاذهبوا أنتم عنا.."
ووقف أسطول نلسون منتظراً خارج الثغر أربعاً وعشرين ساعة ثم أقلع متجهاً الى شواطىء الأناضول بحثاً عن غريمه.. ولم يمضي على رحيله غير أسبوع حتى ظهر الأسطول الفرنسي أمام شواطىء الاسكندرية.. وعندئذ بعث السيد محمد كريم الى القاهرة مستنجداً بمراد بك وابراهيم بك.. واستقر الرأى على أن يسير مراد بك مع جنوده الى الاسكندرية لصد الغزاة ويبقى ابراهيم بك في القاهرة للدفاع عنها.
وصل الأسطول الفرنسي إلى شواطئ الإسكندرية ( عند العجمي ) في أول يوليو1798م وبادر إلى إنزال قواته ليلاً إلى البر ثم سير قسماً من قواته الى الاسكندرية (يوم 2 يوليو ).. ولم يكن عدد سكان المدينة يومها يزيد على ثمانية آلاف نسمة.. ولم يكن بها من الجنود ما يكفي لصد الجيش الفرنسي الكبير المزود بالمعدات الحديثة..
وكان أن استعد السيد محمد كريم للدفاع عن الاسكندرية بكل ما لديه من ذخيرة وعتاد..
وظل محمد كريم يقود المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين حتى بعد أن اقتحم الفرنسيون أسوار المدينة.. وظل محمد كريم يقود المعركة، ثم اعتصم بقلعة قايتباي ومعه فريق من الجنود حتي فرغت ذخيرته فكف عن القتال وتم أسره هو ومن معه، ودخل نابليون المدينة وأعلن بها الأمان.
وأعجب نابليون بشجاعة محمد كريم فأطلق سراحه من الأسر، وتظاهر باكرامه، وأبقاه حاكماً للاسكندرية.. ولما تم لنابليون الاستيلاء على الاسكندرية رأى أن يغادرها الى القاهرة وعين كليبر حاكماً عسكرياً عليها وزحف الى القاهرة في 7 يوليو عن طريق دمنهور والرحمانية.
ظن نابليون أن محمد كريم ينحاز إلى جانبه بعد أن فك أسره، لكن خاب ظن نابليون، فلم يمهله محمد كريم إلا وأعلن المقاومة الشعبية في أنحاء الإسكندرية مما أرق االفرنسيين الذي فشلوا في استماته معهم، فاعتقله كليبر حاكم الإسكندرية وأرسله إلى القاهرة ليحكم عليه بالإعدام.  

وفاته

وجهت المحكمة الفرنسية إلى محمد كريم التي شكلها نابليون للحكم على المناضلين تهمة التحريض على المقاومة وخيانة الجمهورية الفرنسية، وأثناء المحاكمة أرسل نابليون رسالة الى المحقق يأمره فيها أن يعرض على محمد كريم أن يدفع فدية قدرها ثلاثون ألف ريال يدفعها إلى خزينة الجيش ليفتدي نفسه.. ورفض محمد كريم أن يدفع الفدية، ولما ألح عليه البعض في أن يفدي نفسه بهذه الغرامة رفض وقال.. "إذا كان مقدوراً علىّ أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية، وإذا كان مقدوراً علىّ أن أعيش فعلام أدفعها ؟.
وفي يوم 6سبتمبر 1798م أصدر نابليون بونابرت أمراً باعدام محمد كريم ظهراً في ميدان القلعة رمياً بالرصاص.. ونفذ في السيد محمد كريم حكم الاعدام بميدان الرميلة بالقلعة لتطوى بذلك صفحة من صفحات الجهاد.
[size]
الحملة الفرنسية على مصر
[size=16]17 من محرم 1213هـ = 1 من يوليو 1798م:
الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت.
 وقد لقيت هذه الحملة مقاومة شرسة من الشعب المصري؛ ما اضطرها في النهاية إلى الجلاء عن مصر بعد ثلاث سنوات فقط.



[/size]
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 10:47 am

عبد القادر الجزائري .. الأمير المجاهد
تامر بدر




قادة غيروا الدنيا Shapekjhguy


[size=17]هو عبد القادر الجزائري أو الأمير عبد القادر مُؤَسِّس الدولة الجزائرية الحديثة، عالِمُ دينٍ، شاعر، فيلسوف، سياسي ومحارب في آنٍ واحدٍ، اشتهر بمناهضته للاحتلال الفرنسي للجزائر.

نسب عبد القادر الجزائري
هو الأمير عبد القادر بن الأمير محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبد القادر بن أحمد بن محمد بن عبد القوي بن يوسف بن أحمد بن شعبان بن محمد بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله (الكامل) بن الحسن (المثنى) بن الحسن (السبط) بن فاطمة بنت محمد رسول الإسلام –صلى الله عليه وسلم- وزوجة علي بن أبي طالب ابن عمِّ الرسول –صل الله عليه وسلم، يرجع أصله إلى الأدارسة الذين حكموا المغرب في القرن التاسع.

نشأت عبد القادر الجزائري
وُلِدَ عبد القادر الجزائري في (23 من رجب 1222هـ= مايو 1807م)، وذلك بقرية القيطنة بوادي الحمام من منطقة معسكر بالجزائر، ثم انتقل والده إلى مدينة وهران.

لم يكن محيي الدين والد الأمير عبد القادر هملًا بين الناس؛ بل كان ممَّنْ لا يسكتون على الظلم، فكان من الطبيعي أن يصطدم مع الحاكم العثماني لمدينة وهران؛ وأدَّى هذا إلى تحديد إقامة الوالد في بيته، فاختار أن يخرج من الجزائر كلها في رحلة طويلة.
كان الإذن له بالخروج لفريضة الحج عام (1241هـ= 1825م)، فخرج الوالد واصطحب ابنه عبد القادر معه، فكانت رحلة الأمير عبد القادر إلى تونس ثم مصر ثم الحجاز ثم البلاد الشامية ثم بغداد، ثم إلى الحجاز، ثم العودة إلى الجزائر مارًّا بمصر وبرقة وطرابلس ثم تونس، وأخيرًا إلى الجزائر من جديد عام (1243هـ= 1828م)، فكانت رحلة تَعَلُّم ومشاهدة ومعايشة للوطن العربي في هذه الفترة من تاريخه، وما لبث الوالد وابنه أن استقرَّا في قريتهم قيطنة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تعرَّضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكَّنت فرنسا من احتلال العاصمة فعلًا في (المحرم 1246هـ= 5 من يوليو 1830م)، واستسلم الحاكم العثماني سريعًا، ولكنَّ الشعب الجزائري كان له رأي آخر.
المبايعة على الجهاد
فرَّق الشقاقُ بين الزعماءِ كلمةَ الشعب، وبحث أهالي وعلماء غريس عن زعيم يأخذ اللواء، ويبايعون على الجهاد تحت قيادته، واستقرَّ الرأي على محيي الدين الحسني، وعرضوا عليه الأمر، ولكنَّ الرجل اعتذر عن الإمارة وقَبِلَ قيادة الجهاد، فأرسلوا إلى صاحب المغرب الأقصى ليكونوا تحت إمارته، فقَبِلَ السلطان عبد الرحمن بن هشام سلطان المغرب، وأرسل ابن عمِّه علي بن سليمان ليكون أميرًا على وهران، وقَبْلَ أن تستقرَّ الأمور تدخَّلت فرنسا مُهَدِّدة السلطان بالحرب، فانسحب السلطان واستدعى ابن عمِّه؛ ليعود الوضع إلى نقطة الصفر من جديد، ولمَّا كان محيي الدين قد رضي بمسئولية القيادة العسكرية، فقد التَفَّتْ حوله الجموع من جديد، وخاصَّة أنه حقَّق عدَّة انتصارات على العدوِّ، وقد كان عبد القادر على رأس الجيش في كثير من هذه الانتصارات، فاقترح الوالد أن يتقدَّم عبدُ القادر الجزائري لهذا المنصب، فقبل الحاضرون، وقَبِلَ الشاب تحمُّل هذه المسئولية، وتمَّت البيعة، ولَقَّبه والده بـناصر الدين، واقترحوا عليه أن يكون سلطانًا، ولكنَّه اختار لقب الأمير، وبذلك خرج إلى الوجود الأمير عبد القادر ناصر الدين بن محيي الدين الحسني، وكان ذلك في (13 من رجب 1248هـ= 20 من نوفمبر 1832م).

ولتكتمل صورة الأمير عبد القادر، فقد تلقَّى الشابُّ مجموعة من العلوم؛ فقد درس الفلسفة، ودرس الفقه والحديث؛ فدرس صحيحي البخاري ومسلم، وقام بتدريسهما، كما تلقَّى الألفية في النحو، والسنوسية، والإتقان في علوم القرآن، وبهذا اكتمل للأمير العلم الشرعي، والعلم العقلي، والرحلة والمشاهدة، والخبرة العسكرية في ميدان القتال، وعلى ذلك فإنَّ الأمير الشابَّ تكاملت لديه مُؤَهِّلات تجعله كُفُؤًا لهذه المكانة، وقد وجَّه خطابه الأول إلى كافَّة العروش قائلًا: «... وقد قَبِلْتُ بيعتَهم (أي أهالي وهران وما حولها) وطاعتَهم، كما أني قَبِلْتُ هذا المنصب مع عدم ميلي إليه، مؤملًا أن يكون واسطة لجمع كلمة المسلمين، ورَفْعِ النزاع والخصام بينهم، وتأمين السبل، ومنع الأعمال المنافية للشريعة المطهَّرة، وحماية البلاد من العدوِّ، وإجراء الحقِّ والعدل نحو القويِّ والضعيف، واعلموا أن غايتي القصوى اتَّحاد الملَّة المحمدية، والقيام بالشعائر الأحمدية، وعلى الله الاتِّكال في ذلك كله».
اضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة مع الأمير عبد القادر؛ وهي اتفاقية «دي ميشيل» في عام (1250هـ= 1834م)، وبهذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر؛ وبذلك بدأ الأمير عبد القادر في الاتِّجاه إلى أحوال البلاد يُنَظِّم شئونها ويُعَمِّرها ويُطَوِّرها، وقد نجح الأمير في تأمين بلاده إلى الدرجة التي عَبَّر عنها مُؤَرِّخ فرنسي بقوله: «يستطيع الطفل أن يطوف ملكه منفردًا على رأسه تاج من ذهب، دون أن يُصيبه أذًى!!».
وعندما تولَّى عبد القادر الإمارة كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي صعبًا، لم يكن لديه المال الكافي لإقامة دعائم الدولة، بالإضافة إلى ذلك كان له معارضون لإمارته؛ ولكنَّه لم يفقد الأمل؛ إذ كان يدعو باستمرارٍ إلى وَحْدَة الصفوف، وتَرْكِ الخلافات الداخلية، ونَبْذِ الأغراض الشخصية، وكان يعتبر منصبه تكليفًا لا تشريفًا، وفي نداء له بمسجد معسكر خطبَ قائلًا: «إذا كنتُ قد رضيتُ بالإمارة؛ فإنَّما ليكون لي حقُّ السير في الطليعة والسيرِ بكم في المعارك في سبيل الله، الإمارةُ ليست هدفي؛ فأنا مستعدٌّ لطاعة أيِّ قائد آخر تَرَوْنَهُ أجدرَ منِّي، وأقدر على قيادتكم؛ شريطة أن يلتزم خدمة الدِّينِ وتحرير الوطن».
بيان من الأمير عبد القادر
ومنذ الأيام الأولى لتولِّيه الإمارة كتب بيانًا أرسله إلى مختلف القبائل التي لم تُبايعه بعد، ومن فقرات هذا البيان: «بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده... إلى القبائل... هداكم الله وأرشدكم ووجَّهكم إلى سواء السبيل، وبعدُ... إن قبائل كثيرة قد وافقت بالإجماع على تعييني، وانتخبتني لإدارة حكومة بلادنا، وقد تَعَهَّدَتْ أن تُطيعني في السَّرَّاء والضَّرَّاء وفي الرخاء والشدَّة, وأن تُقَدِّم حياتها وحياة أبنائها وأملاكها فداءً للقضية المقدَّسة، ومن أجل ذلك تَوَلَّيْنَا هذه المسئولية الصعبة على كره شديد؛ آملين أن يكون ذلك وسيلةً لتوحيد المسلمين، ومنعِ الفُرقَة بينهم، وتوفيرِ الأمن العام إلى كل أهالي البلاد، ووَقْفِ كُلِّ الأعمال غير الشرعية، ولقبول هذه المسئولية اشترطنا على أولئك الذين منحونا السلطة المطلقة والطاعة الدائمة في كل أعمالهم التزامًا بنصوص كتاب الله وتعاليمه, والأخذ بسُنَّة نبيِّه في المساواة بين القويِّ والضعيف، الغنيِّ والفقير؛ لذلك ندعوكم للمشاركة في هذا العهد والوحدة بيننا وبينكم، وجزاؤكم على الله، إنَّ هدفي هو الإصلاح، إنَّ ثقتي في الله ومنه أرجو التوفيق».

جعل الأمير وَحْدَة الأُمَّة هي الأساس لنهضة دولته، واجتهد في تحقيق هذه الوحدة، رغم عراقيل الاستعمار والصعوبات التي تلقَّاها من بعض رؤساء القبائل، الذين لم يكن وعيهم السياسي في مستوى عظمة المهمَّة، وكانت طريقة الأمير في تحقيق الوحدة هي الاقتناع أولاً، والتذكير بمتطلَّبات الإيمان والجهاد، لقد كَلَّفَتْهُ حملات التوعية جهودًا كبيرة؛ لأن أكثر القبائل كانت قد اعتادت حياة الاستقلال، ولم تألف الخضوع لسلطة مركزية قوية، وبفضل إيمانه القوي انضمَّتْ إليه قبائل كثيرة دون أن يُطلق رصاصة واحدة لإخضاعها؛ بل كانت بلاغَتُه وحُجَّتُه كافيتين ليفهم الناس أهدافه في تحقيق الوحدة ومحاربة العدوِّ.
الأمير عبد القادر وتأسيس الدولة
كان الأمير عبد القادر عندما لا ينفع أسلوب التذكير والإقناع، يُشهر سيفه ضدَّ مَنْ يخرج عن صفوف المسلمين، أو يُساعد العدوَّ لتفكيك المسلمين، وقد استصدر الأمير فتوى من العلماء تُساعده في محاربة أعداء الدِّينِ والوطن.

كان الأمير يرمي إلى هدفين: تكوين جيش مُنَظَّم، وتأسيس دولة مُوَحَّدة. وكان مساعدوه في هذه المهمة مخلصين، ولقد بذل الأمير وأعوانه جهدًا كبيرًا لاستتباب الأمن، فبفضل نظام الشرطة -الذي أنشأه- قُضِي على قُطَّاع الطرق، الذين كانوا يهجمون على المسافرين ويتعدَّوْنَ على الحرمات، فأصبح الناس يتنقَّلُون في أمان، وانعدمت السرقات، ولقد قام الأمير بإصلاحات اجتماعية كثيرة؛ فقد حارب الفساد الخلقي بشدَّة، ومنع الخمر والميسر منعًا باتًّا, ومنع التدخين ليُبْعِدَ المجتمعَ عن التبذير، كما منع استعمال الذهب والفضة للرِّجَال؛ لأنَّه كان يكره حياة البذخ والميوعة.
قسَّم الأمير التراب الوطني إلى عدَّة وحدات: (مِلْيَانَة، معسكر، تِلِمْسَان، الأغواط، المدية، برج بو عريريج، برج حمزة (البويرة)، بِسْكِرَة، سَطِيف)، كما أنشأ مصانع للأسلحة، وبنى الحصون والقلاع؛ مثل: (تأقدمات، معسكر، سعيدة). وشَكَّل الأمير وزارته، التي كانت تتكَوَّن من خمس وزارات، وجعل مدينة معسكر مقرًّا لها، واختار أفضل الرجال ممَّنْ تُمَيِّزُهم الكفاءة العلمية والمهارة السياسية إلى جانب فضائلهم الخلقية، ونظَّم ميزانية الدولة وُفق مبدأ الزكاة لتغطية نفقات الجهاد، كما اختار رموز العلم الوطني، وكان شعار الدولة {نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}[الصف: 13].
الأمير عبد القادر والكفاح المسلح
وقبل أن يمرَّ عام على اتفاقية «دي ميشيل» نقض القائد الفرنسي الهدنة، وناصره في هذه المرَّة بعض القبائل في مواجهة الأمير عبد القادر، ونادى الأمير في قومه بالجهاد، ونَظَّم الجميع صفوف القتال، وكانت المعارك الأولى رسالة قوية لفرنسا؛ وخاصَّة موقعة «المقطع»؛ حيث نزلت بالقوات الفرنسية هزائم قضت على قوَّتها الضاربة تحت قيادة تريزيل الحاكم الفرنسي.

ولكنَّ فرنسا أرادت الانتقام؛ فأرسلت قواتٍ جديدةً وقيادةً جديدةً، واستطاعت القوات الفرنسية دخول عاصمة الأمير -وهي مدينة معسكر- وأحرقتها، ولولا مطر غزير أرسله الله في هذا اليوم ما بقي فيها حجر على حجر، ولكنَّ الأمير استطاع تحقيق مجموعة من الانتصارات دفعت فرنسا إلى تغيير القيادة من جديد؛ ليأتي القائد الفرنسي الماكر الجنرال بيجو؛ ولكنَّ الأمير نجح في إحراز نصر على القائد الجديد في منطقة وادي تافنة، أجبر القائد الفرنسي على عقد معاهدة هدنة جديدة؛ عُرفت باسم معاهد تافنة في عام (1243هـ= 1837م).
وعاد الأمير إلى إصلاح حال بلاده وترميم ما أحدثته المعارك بالحصون والقلاع، وتنظيم شئون البلاد، وفي الوقت نفسه كان القائد الفرنسي بيجو يستعدُّ بجيوش جديدة، ويُكَرِّر الفرنسيون نقض المعاهدة في عام (1255هـ= 1839م)، وبدأ القائد الفرنسي في اللجوء إلى الوحشية في هجومه على المدنيين العُزَّل؛ فقتل النساء والأطفال والشيوخ، وحرق القرى والمدن التي تُساند الأمير، واستطاع القائد الفرنسي أن يُحَقِّق عدَّة انتصارات على الأمير عبد القادر، فاضطر الأمير إلى اللجوء إلى بلاد المغرب الأقصى، فهَدَّد الفرنسيون السلطان المغربي، فلم يستجب السلطان لتهديدهم في أوَّل الأمر، وساند الأمير في حركته من أجل استرداد وطنه، ولكنَّ الفرنسيين ضربوا طنجة وموغادور بالقنابل من البحر، وتحت وطأة الهجوم الفرنسي يضطر السلطان إلى توقيع معاهدة الحماية، التي سبقت احتلال المغرب الأقصى.
بداية النهاية
يبدأ الأمير سياسة جديد في حركته؛ إذ يُسارع في تجميع مُؤَيِّديه من القبائل، ولمَّا أراد الاستعانة بشيوخ الطريقة التيجانيَّة في طرد الفرنسيين، رفضوا الانخراط في جيشه، تمشِّيًا مع رُوح صوفيَّتِهم التي تأبى التدخُّل في السياسة، فقام بعدَّة حملات على مركز التيجانيَّة في عين ماضي التي قاومت هذه الحملات.

وعندما غدر به الفرنسيُّون سنة (1251هـ= 1835م) وخرقوا معاهدة دي ميشيل، حاولوا التفريق بينه وبين رجاله، ولكنهم باءوا بالفشل، فاستخدموا أسلوب الحرب التخريبيَّة بتدمير المحاصيل الزراعيَّة، وتدمير المدن الرئيسيَّة، وأقصوه بعد أربع سنوات من النضال، إلَّا أنه لم يستسلم، والتجأ مع إخوانه إلى مَرَّاكُش سنة (1259هـ= 1843م)، ثم عاد إلى الجزائر، وقاد حركة الأنصار.
هُزم الأمير عبد القادر بالخيانة شأن كل معارك المقاومة في العالم الإسلامي، فهاجمته العساكر المراكشيَّة من خلفه، فرأى من الصواب الجنوح للسلم، وشاور أعيان المجاهدين على ذلك، وأَسَرَهُ المحتلُّون سنة (1263هـ= 1847م) وأرسلوه إلى فرنسا.
عبد القادر الجزائري الأمير الأسير
ظلَّ الأمير عبد القادر في سجون فرنسا يعاني من الإهانة والتضييق حتى عام (1268هـ= 1852م)، ثم استدعاه نابليون الثالث بعد تولِّيه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليُقَابِلَ وزراء ووجهاء فرنسا، ويتناول الأميرُ الحديث في كافَّةَ الشئون السياسية والعسكرية والعلمية؛ ممَّا أثار إعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعي الأمير لكي يتَّخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا له، ولكنه رفض، ورحل إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية.

توقَّف في إسطنبول حيث السلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم استقرَّ به المقام في دمشق منذ عام (1272هـ= 1856م)، وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء والعلماء، وقام بالتدريس في المسجد الأموي، كما قام بالتدريس قبل ذلك في المدرسة الأشرفية، وفي المدرسة الحقيقية.
وفي عام (1276هـ= 1860م) تتحرَّك شرارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في منطقة الشام، ويكون للأمير دور فعَّال في حماية أكثر من 15 ألفًا من المسيحيين؛ إذ استضافهم في منازله.
وفاة عبد القادر الجزائري
وافاه الأجل بدمشق في منتصف ليلة (19 من رجب 1300هـ= 26 مايو 1883م) عن عمر يُناهز 76 عامًا، وقد دُفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق لوصية تركها، وبعد استقلال الجزائر نُقِلَ جثمانه إلى الجزائر عام (1385هـ= 1965م)، ودُفن في المقبرة العليا، وهي المقبرة التي لا يُدفن فيها إلَّا رؤساء البلاد.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 10:53 am

الإمام شامل .. صقر القوقاز
تامر بدر




قادة غيروا الدنيا Shapegiuygi


[size=17]الإمام شامل هو أحد أشهر المقاومين للوجود الروسي في القوقاز، كما كان قائدًا سياسيًّا ودينيًّا، قاد المقاومة ضدَّ الروس خلال حروب القوقاز، وهو ثالث أئمة الشيشان وداغستان من عام 1834م إلى عام 1859م، لُقِّبَ بأسد القفقاس وصقر الجبال، أرسلت الملكة فيكتوريا إلى شامل علمًا طُرِّزَ عليه ثلاث نجمات؛ تُمَثِّل الشركس والداغستان وجورجيا.

نشأة الإمام شامل
وُلِدَ الإمام شامل علي بن دينغو في قرية غيمري في داغستان عام (1212هـ= 1797م)، آفاري الأصل، والدته باهو ميسادوو كانت آفارية.

أُطلق عليه اسم شامل حسب العادة القفقاسية باعتباره كان كثيرَ المرضِ، وتغيير الاسم كان لإبعادِ الأرواح الشريرة؛ فلُقِّبَ بشامل أو صامويل، كان له صديق مميَّز هو كوناك، الذي اشتُهِر فيما بعد باسم الإمام غازي مولا، وهو أكبر من شامل ببضع سنين.
كان طول شامل 190سم، وكان له حصان أسود اللون ومن سلالة أصيلة، تميَّز شامل بلبس أبيض وأسود مع معطف فضفاض وعمامته حشفتها حمراء، أمَّا رايته فكانت سوداء اللون، درس شامل العربية والفلسفة والفقه والأدب العربي على يد أستاذه جمال الدين وتعمَّق في الصوفية.
وما زالت ذكرى الإمام شامل تعيش في وجدان وذاكرة الداغساتانيين، فلا يخلو مكان من صوره، ويُسَمُّون كثيرًا من أبنائهم باسمه تيمُّنًا به حتى اليوم؛ فهم يعتبرونه بطلاً قوميًّا خاض محاولة بَدَتْ مستحيلة لوقف الزحف الروسي على أراضي مسلمي القوقاز.
لم يُولَد محمد شامل لأسرة معدمة فقيرة؛ حتى يُفَسِّر البعض قتاله من أجل الحرية بأنه قتال الفقراء ضدَّ الأغنياء؛ فقد كان ملايين الفلاحين الروس يُعانون في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي في روسيا من استعباد الإقطاعيين لهم؛ بينما كان علي بن دينغو والد الإمام شامل فلاحًا من الأحرار، أمَّا أُمُّه فهي ابنة سيد الآفار.
غازي مولا 
بعد أن مات الإمام منصور أشورما في الأَسر سنة (1208هـ= 1794م) لم يهدأ المسرح الشيشاني إلَّا لعَقْدَيْنِ من الزمان، بعدها كان الإمام غازي مولا قائدًا للمريدين (1) يُكمل الطريق؛ ففي عام (1244هـ= 1829م) بدأ الإمام غازي مولا في تحريك شعوب الجبال نحو حرب مقدسة لمواجهة روسيا، وإن عُرف عنه عدم مشاركته في المعارك، بل اشتُهر بقدرته في التأثير على جنوده بسحر الكلمة وبلاغتها، كما قطع شوطًا كبيرًا في إرسال الدعاة من داغستان إلى سكان الجبال الشيشانية؛ وذلك لتحويلهم من الوثنية إلى الإسلام.

وأمام تماسك قوَّة المريدين اتخذ الروس أسلوب حرق البيوت على ساكنيها؛ كي يُجبروا المقاومين على الخروج، وشنُّوا هجومًا واسعًا إلى أن سقط الإمام غازي مولا في معركة غيمري بين جثث آلاف المريدين، وفي معركة غيمري لم ينجُ إلَّا القليل، وتمكَّن اثنان منهم من الفرار، كان أحدهما شامل، الذي كان قد أُصيب إصابة بالغة كادت تقتله، إلَّا أنه تمكَّن من الاختفاء حتى شُفيت جراحه.
قيادة حمزة بك
بعد مقتل غازي مولا وبعد اعتقاد المريدين بمقتل الإمام شامل في معركة غيمري، اختير حمزة بك مِنْ قِبَلِ المريدين قائدًا بعد تزكيةٍ من كبار الشيوخ، وعَمِلَ حمزة على ترتيب الصفوف وتدعيم قوَّة الجيش، إلَّا أنه لقي الهزيمة، ثم اغتيل وهو يَؤُمُّ المُصَلِّينَ في المسجد الجامع بمعقل المقاومة في هونزا بداغستان.

قيادة الإمام شامل
اختار المريدون الإمام شامل إمامًا بعد وفاة حمزة بك في عام (1250هـ= 1834م)، أعاد شامل تنظيم جيش المريدين على نمط أعدائه الكوزاك بشكل أشبه إلى التنسيق الاتحادي الحديث، كما نظَّم العمل البريدي في دولته، ونسَّق الإنفاق على الجيش من ريع الأراضي الزراعية التي ضُمَّتْ إلى المساجد، كما نظَّم جمع الزكاة لتجهيز الجيش.

إجراءات الإمام شامل لتقوية دولته

1- تركيز أسس الدولة:
بدأ الإمام شامل في دعم ركائز نفوذه في القفقاس المعتمد على الشيشان وداغستان وحلفائهم الأديغة، وامتدَّت منطقة نفوذه من بحر قزوين شرقًا إلى البحر الأسود غربًا.

كان السعي دءوبًا للمساواة بين القوميات، بغضِّ النظر عن اللغة والعرق والطبقة، وذلك في وقت كانت العبودية ما زالت مطبَّقة في روسيا، واستمدَّ شامل من القوانين الإسلامية المنهج الذي نظَّم به الحياة الاجتماعية، وبصفة خاصة شئون القِصَاص والعقاب في الجرائم المدنية، بل إنه تشدَّد في بعض القوانين التي كان القانون -في بعض المذاهب الإسلامية- أكثر اعتدالًا؛ رغبة منه في الحفاظ على أركان دولته.

2- تنظيم الجيش:
كان يقوم تنظيم الجيش على أساس النظام العشري؛ في الأول يأتي المائة نائب وهم أعلى ضباطه رتبة، ثم النُّوَّاب ويُعرفون بالمرشدين، ويصل عددهم حوالي الألف، وكان هناك الحرس الخاصُّ، وكان المريدون يُشَكِّلُون معظم جيش شامل، ومقسَّمين إلى فرق العشرات والمئات والخمس مئات، ولكلِّ فرقة قائد، الجنود يلبسون التشركيسكا بلون بني، واللون الأسود للضباط، والبعض يضع عمامة خضراء ومعطفًا أسود، والرايات سوداء.

3-استخباراته واتصالاته مع مصر:
استفاد الإمام شامل من الأسرى من الضباط الروس ومن المرتدين عن التعاون مع الروس، وقد استفاد من خبرتهم في تطوير قدراته العسكرية على نمط أوربي حديث، وحاول شامل أن يستفيد من القوى الدولية لمساعدته، غير أن عزلة الميدان -الذي يُقاتل فيه- حالت دون تحقيق خُطَّته؛ ففي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي سعى شامل إلى فتح خطِّ اتصال بينه وبين كلٍّ من تركيا وإنجلترا وفرنسا؛ وذلك بهدف أن تُقَدِّم هذه الدول لشامل الدعم العسكري في مقابل تحالفه معها في عدائها لروسيا، وقبل ذلك وفي عام (1256هـ= 1840م) تداول المريدون في داغستان خطابًا يحمل توقيع الخاتم الملكي لمحمد علي باشا، يُفَوِّضُ فيه شامل في قيادة سكان الإقليم، ويَعِدُ بوصول الجيش المصري المتوغِّل في الأراضي التركية إليهم لتقديم العون العسكري في مواجهة الروس، غير أنَّ فشل مشروع محمد علي في تركيا بدَّد آمال المريدين في وصول مدد مصري.

4- استمراره في المقاومة:
استمرَّت المقاومة بقيادة شامل في مسلسل متوالي الحلقات بأسلوب حرب العصابات والكرِّ والفر، إلى أن نَفَّذَ شامل انسحابًا تكتيكًا إلى داخل الجبال، مغريًا الروس بالتوغُّل خلفه عبر الغابات الكثيفة، فانقضَّ عليهم المريدون من جهات مختلفة، واستخدم المقاتلون أحد قارعي الطبول الذين تمَّ أسرهم في العزف لحثِّ الجنود الروس على التوجُّه نحو شرَك أَعَدُّوه، فقتلوا فيه أكثر من نصف ضباط الحملة، وتوالت الهجمات على الجيش الروسي المرتبك؛ ففقد أربعة مدافع من خمسة، ويُقَدِّر المؤرخون نتائج معارك الغابات التي استمرَّت أربع سنوات بنحو 10 آلاف قتيل روسي.

5- استخدامه للمدافع:
تمكَّن شامل بالمدافع الأربعة التي غنمها من الروس من الهجوم عليهم في حصونهم، فأسقط آلاف القتلى، واغتنم في سنتين 14 مدفعًا إضافيًّا؛ بشكل بدا وكأنَّ جيشًا جديدًا يُبْنَى لشامل من المدافع الروسية، التي لم يكن يملكها المريدون، كتب أحد الجنرالات الروس في مذكراته مُعَلِّقًا على ما يرى: «يا لها من مصيبة مفجعة، إن الرجال الذين تناثرت أشلاؤهم هنا كان بمقدورهم فتح بلاد تمتدُّ من اليابان في الشرق إلى أوكرانيا في الغرب».

6- نظرته للغنائم:
حين كان شامل يشعر أن قوَّاته قاتلت من أجل الغنائم كان يُلْقِي الغنائم في بحيرة في الجبل، ويعتقد سكان قرية آندي أنه في مكان ما تحت مياه بركة جبلية في الجوار تُوجد صحون ذهبية، وأزرار، وأغماد سيوف ياقوتية، وأساور وخلاخل زمردية، وكاسات شراب مرجانية وكهرمانية كانت غنائم غارات قفقاسية أُلقيت إلى أسماك البركة؛ وذلك للمحافظة على وحدة الصفِّ.

مكافأة مقابل رأس شامل
حينما رصدت روسيا 45 ألف روبل للإيقاع بالإمام شامل، كتب شامل خطابًا إلى الجنرال الروسي على خط المواجهة، يقول فيه: «كم كانت سعادتي حين علمت أن رأسي تساوي هذا الثمن الضخم، ولكنك لن تكون سعيدًا حينما أُخبرك أنَّ رأسك بل رأس القيصر ذاته لا تُساوي لديَّ كوبيكًا واحدًا (الروبل يساوي 100 كوبيك)».

استراتيجية الجنرال بارياتنسكي
وقع الإمام شامل ضحية التسويات الدولية؛ ففي عام (1272هـ= 1856م) انتهت الحرب العثمانية الروسية؛ وهو ما سمح لروسيا بالتركيز بقوَّتها على الجبهة القوقازية بقوَّة 200 ألف رجل، وأوكلت المهمَّة إلى الجنرال الشاب أليكساندر إيفانوفيتش بارياتنسكي في وقت كان شامل قد تخطَّى من عمره الستين، وعكف بارياتنسكي طويلًا على دراسة الجغرافيا العسكرية لمعارك الإمام شامل، وخَلُص إلى أنَّ أهمَّ الانتصارات التي حَقَّقها شامل لم تكن في أرض مفتوحة؛ بل حينما كان يحتمي بالغابة والجبل، واختار سياسة أكثر حنكة عمَّنْ سبقوه، فتقرَّب إلى الأهالي، وأحسن معاملتهم، ومنع التعرُّض للنساء ولغير المقاتلين؛ فضمن عدم انقلابهم عليه في حربه الفاصلة مع الإمام.

ضغط الجنرال بارياتنسكي على قوات شامل حتى لجأ الأخير إلى الاحتماء بالغابات، وهنا سخَّر فرقة عسكرية بأكملها لقطع أشجار الغابات، وبعمل دءوب، وبجنود حملوا الفئوس بدلًا من السلاح أزال بارياتنسكي مساحات واسعة من غابات داغستان والشيشان، وذلك على طول الطرق بين القلاع والحصون الروسية، وفشل جيش شامل في مهاجمة القلاع الروسية، التي صارت أكثر حذرًا تحت أعين بارياتنسكي الساهرة، وبخطوات واثقة زحفت قوات بارياتنسكي على المناطق الخاضعة لشامل، واستمال الروس عشرات القبائل التي أنهكتها الحرب، وبدأت في لوم شامل على ما أصابهم من فقر وتشرُّد.
استسلام الإمام شامل
وبدأت العقلية العسكرية المُسِنَّة تقع في الخطأ القاتل؛ فركن شامل إلى توقُّع الهجوم الروسي من مصدر محدَّد في وقتٍ تمسَّك الروس فيه بسِرِّيَّة المعلومات، وحرَّكُوا جزءًا من جيشهم أوهم شامل أنهم ما زالوا في منتصف الطريق، بينما انقضُّوا عليه من اتجاه آخر بحرب خاطفة، وخدعوا الرجل الذي كان بارعًا في هذا النوع من الهجوم، وحدث ما كان متوَقَّعًا فقد أُسِرَ الإمام شامل، وتمَّ نقله في رحلة طويلة إلى موسكو في موكب بَدَا وكأَنَّه استعراض عسكري بالبطل الذي سقط أخيرًا، وطالب المحاربون القدامى على طول الطريق من ستافربول إلى موسكو بأن يتحدثوا إلى ذلك العدوِّ المهيب.


شامل باساييف .. أسطورة الكوماندوز الشيشاني
موقع المسلم




قادة غيروا الدنيا 23474_image002
[/size]


[size=17]عرفته الجبال الشيشانية وعرفها، مقاتلاً عنيدًا ضد الوجود الروسي الاحتلالي لبلاده الأبية، وعرفته وسائل الإعلام قائد فرق كوماندوز تثير الرعب بذكرها قبل أن تبلغ طلائعها الميادين.

قائد شجاع يعترف له خصومه بالمهارة والفدائية، وإنْ وصموه بالإرهاب، زعيم فريد يأخذ بألباب أعدائه كما أنصاره سواء بسواء، بكرِّه وفرِّه، واقتحامه المباغت وانسحابه الخاطف.
حياة حافلة بالأحداث تثير العجب من محدوديتها (41 عامًا) مقارنة بمناصب عديدة تقلدها، وعمليات كثيرة أشرف عليها.. فالرجل عسكري من الطراز الأول، يفر دومًا من المناصب السياسية التي تلاحقه أنَّى ذهب.
عمليات كوماندوز عديدة منسوبة إليه، بعضها مشروع، وبعضها يثير كثيرًا من الجدل حول إسرافها في القتل غير المبرر.
دائرة اهتمامه النضالية باتساع القوقاز كله بل تزيد، لا يدرك الخبراء المحنكون أين ضربته القادمة، وفي أي إطار أو سبيل، ولأي هدفٍ ترنو.
في قرية فيدينو جنوب شرق الشيشان المعروفة بنضالها ومشاركة أهلها المعروف في المقاومة الشيشانية ولد باساييف في العام 1965م، وقضى سني الطفولة، ثم انتقل إلى موسكو حيث تخرج فيها من معهد الهندسة أوائل التسعينيات بعد أن انتسب إليه في العام 1987م، وبعده انتقل إلى الجيش السوفيتي ليؤدي الخدمة العسكرية فيه، وبعد قليل غادر إلى بلاده بعد إعلان (الرئيس الشيشاني الراحل) الجنرال جوهر دوداييف عن استقلالها عن الجمهورية الروسية في أعقاب انفراط عقد الاتحاد السوفيتي أوائل التسعينيات.
وكما تقدم، فإن حياة باساييف حافلة بالعديد من النشاطات العسكرية وعلميات الكوماندوز التي قام بها في عدة جبهات؛ فباساييف شارك في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا المتنازعين على إقليم ناجورنو قرة باغ ضمن الوحدة العسكرية التابعة لكونفدرالية الشعوب القفقاسية التي انضم إليها في العام 1991م، وبعد عام واحد صار قائدًا لتلك الوحدات بعدما رشح نفسه للانتخابات الرئاسية في الشيشان أمام (الرئيس الشيشاني السابق) جوهر دوداييف، ومن ثَمَّ عينه الأخير قائدًا للوحدات الخاصة، ودعم مع هذه الوحدات النضال التي خاضته أبخازيا المسلمة في العام نفسه من أجل استقلالها عن جورجيا، وقد لعب دورًا فعالاً للغاية في تحرير أبخازيا من الاحتلال الجورجي، وفي هذا العام تزوج باساييف من زوجته الأولى الأبخازية أثناء مشاركته في الحرب التي خاضتها أبخازيا، وله من هذه الزوجة صبي وأربع بنات.
وفي حين كانت الأوضاع ملتهبة في الشيشان قبل إعلان استقلالها، كان باساييف في أفغانستان لمدة شهرين في العام 1994م، حيث تعرف إلى أوضاع المجاهدين الأفغان في عام هو الأكثر حساسية في الشأن الجهادي الأفغاني، وهو كذلك في الشيشان التي سرعان ما غادر إليها في العام ذاته بعد أن أعلن الزعيم الشيشاني دوداييف الاستقلال عن الاتحاد الروسي، وفيها أنيط به في نفس العام مهمة قيادة جبهة فيدينو الشيشانية في الحرب الشيشانية الأولى، التي أبلى فيها الشيشانيون بلاءً حسنًا.
وحين كانت الطائرات الروسية تدك مدينة جروزني عاصمة الشيشان لجأ باساييف إلى محاولة فك الحصار عنها بتنفيذ عملية نوعية أثارت له العديد من الانتقادات، حيث خطط لعملية احتجاز الرهائن في مدينة "بودينوفسك" الروسية في منتصف يونيو 1995م. وكانت هذه العملية الشهيرة الناجحة تهدف للفت أنظار العالم للاحتلال الروسي للشيشان، والفظائع التي يرتكبها في الجمهورية، ومطالبة موسكو بوقف هجومها علي جروزني في مقابل الإفراج عن الرهائن، لكنها كانت أولى مبررات وصم نضاله بالإرهاب لدى خصومه.
في شهر إبريل من عام 1996 انتخب قائدًا للقوات الشيشانية المسلحة، وأدار الهجمة الكبيرة التي استهدفت جيش الاحتلال الروسي في العاصمة جهار قلعة عند نهاية الحرب الروسية - الشيشانية الأولى، وأجبرت هذه العملية روسيا على القبول بمطالب المقاتلين، والانسحاب من الأراضي الشيشانية.
وبموجب قرار اتخذه الكونجرس في اجتماعه الثاني أصبح باساييف رئيس (أمير) مجلس الشورى الإسلامي الذي أسس في 1 أغسطس 1999م، وبعد 11 يومًا فقط من انتخابه هاجمت وحدات روسية منطقة بوتليخ الداغستانية، ما دعا شامل باساييف والقائد خطّاب الذي استشهد قبل أربعة أعوام إلى تزعم مجموعات مقاتلة والذهاب لنجدة المسلمين في تلك المنطقة، ثم عاد إلى الشيشان مطلع شهر سبتمبر من العام نفسه إثر غزو روسيا للشيشان مجددًا، وفي ذات العام تزوج للمرة الثانية من شيشانية، وأنجب منها بنتًا.
وقد أشيع أن باساييف بُترت ساقه في فبراير 2000م بعد أن انفجر فيه لغم، بينما كان يقود فرار المقاتلين من جروزني ليلاً.
وقد تبنى باساييف عملية قتل (الرئيس الشيشاني الموالي لموسكو) أحمد قاديروف قبل عامين، وقبل أربعة أعوام نسبت إليه عملية الاحتجاز الشهيرة التي جرت في مسرح موسكو، وأسفرت عن مقتل المئات بأيدي الروس أنفسهم بعد أن نفذت عملية كوماندوز فاشلة.
وتوجهت لباساييف معظم الأضواء بعد استشهاد الزعماء والقادة الشيشان والموالين لهم: الرؤساء مسخادوف وياندرباييف وعبد الحليم لاييف والزعيم العربي خطاب. ولم تبق من الأسماء البارزة سوى شامل باساييف، وقبل ساعة أعلنت موسكو عن استشهاد باساييف وذلك في 10 يوليو 2006م، لكن جهاد الشيشان لنيل الاستقلال عن الجمهورية الروسية باقٍ ولن يزول.. يحميه إيمان شعب، وإرادة شجعان القوقاز النبلاء.


الإمام منصور أشورما
قصة الإسلام
[/size][justify]

النسب والمولد

قادة غيروا الدنيا 1222_image002 الشيخ منصور، أو (أشورما)، كما لقبه الروس، في مدينة (الدي) ببلاد الشيشان، في موقع قريب من جروزني اليوم، واسمه الحقيقي (محمد).
ولد أشورما عام 1748م في قرية آلدي الواقعة بالقرب من نهر سنج، وكان الابن الثاني في العائلة.

النشأة والتربية

اعتنى به والده منذ صغره فحفظ القرآن في داغستان، وكان منتسبًا للطريقة النقشبندية، وتلقى علومه الدينية في بخارى، كان يحفظ القرآن الكريم كله، عن ظهر قلب، ويحفظ آلافًا من الأحاديث النبوية الشريفة، وصار له نفوذ وتأثير لا يجارى بين الشعوب الشركسية القوقازية المسلمة، وكان يحرِّض الناس جهارًا على القيام ضد الروس يدًا واحدة، مبينًا لهم أهمية الاتحاد، ونجح -أيما نجاح- في إثارة الحقد على الروس.
وعمل في الصغر مهنة النبي قادة غيروا الدنيا R_20، فقد رعى الغنم في صغره.

جهاده وأهم المعارك ودوره فيها

شرع الإمام منصور بعد عودته إلى وطنه من داغستان -وبعد أن تلقى العلوم الشرعية وبعد أن أتم حفظ القرآن- إلى تنبيه الناس إلى الخطر المحدق بهم، وهو توسع الروس في البلاد القفقاسية، فكان يدعو للجهاد والنضال من أجل توحيد القفقاس.
وكان على اتصال بالعثمانيين، الذين كانوا يحثونه على بذل أقصى ما يمكن من جهد لإثارة النقمة على الروس، فدأب الشيخ منصور على التجوال في مختلف أنحاء القوقاز ليخطب في الناس، ويعظهم بترك أمور الدنيا، والتعلق بأهداب الفضيلة، وكان زاهدًا متقشفًا.
وفي عام 1785م، نادى بالجهاد ضد الروس، واستثار الحمية الإسلامية في نفوس القوقازيين. وكان ذلك بداية حرب جديدة، لم يألفها الروس من قبل، وهي حرب الجهاد المقدس. وسرعان ما تجاوب مع الشيخ منصور شعوب داغستان، والقبارطاي، والنوغاي، إضافةً إلى الشيشان. وتجمع لديه جيش ضخم، استطاع أن يلحق بالروس هزائم متكررة في شمالي القوقاز.
خاض الشيخ منصور الشيشاني معارك عدة مع الروس، بعد أن تجمع لديه جيش ضخم، من المجاهدين، في شمالي القوقاز، ورغم أن (كاترين) الإمبراطورة الروسية (1729 – 1796م)، لم تكترث -في بادئ الأمر- بالشيخ منصور وحركته في بلاد الشيشان، فإن هزيمة الكولونيل بيري، جذبت اهتمام كاترينا لهذا الخطر، الذي ظهر، فجأة، في شمال القوقاز. وتمكن الشيشان وحلفاؤهم الداغستان من قتل الكولونيل بيري، ومعه سبعة ضباط آخرين، إضافة إلى ستمائة جندي، وغنموا الأسلحة التي كانت بحوزتهم، ومن ضمنها اثنا عشر مدفعًا. وبعد توالي انتصارات الشيخ منصور في بلاد الشيشان، والداغستان، ازداد تعلق الشراكس بالشيخ، وتدافعوا للانضمام إلى حركته وجهاده.
واستطاع شعب القبارطاي الشركسي الانفصال مؤقتًا عن الروس. ثم حاول الشيخ منصور الاستيلاء على حصن قيزيل يار، وعندها أرسلت كاترين جيشًا ضخمًا، بقيادة الكولونيل ناجل، استطاع أن يهزم الشيخ في معركة (تتار توب) بتاريخ 30/ 10/ 1785م على نهر التيرك، إلا أنها كانت هزيمة مؤقتة؛ لأن الشيخ منصور انسحب من المعركة عندما شعر بأنه سيخسرها، نتيجة التفوق العددي الروسي، وعاد إلى بلاده الشيشان، ولم يحاول الروس اللحاق به داخل بلاده، واقتصر نشاطه بعدها على غارات مُباغتة وسريعة على القلاع الروسية في القبارطاي.
وعندما بدأت بوادر الحرب تلوح بين روسيا وتركيا عام 1787م، استنجد الأتراك بالشيخ منصور فلبى النداء، وظهر فجأة بين الشراكسة في الغرب، الذين التفوا حوله، وقاموا بمهاجمة القوات الروسية من الخلف. وفي الذكرى السنوية لمعركة (تتار توب)، هاجم الشيخ، ومعه الشراكسة، ثلاثة أفواج من فوزاق الدون وأبادوهم. وفي سبتمبر عام 1787م، هاجم الروس قلعة (أنابا) على ساحل البحر الأسود، فقام الشيخ منصور بالهجوم على الروس من الخلف، في منطقة (أوبون)، وقُتل ثلاثة آلاف جندي روسي في هذه المعركة. وإثر هذه الهزيمة، عُزل الجنرال توكالي، وحل محله بيبكوف، وأيقن الروس أن احتلال (أنابا) لن يتم إلا بهزيمة الشيخ منصور أولاً. وكان الأتراك قد أرسلوا حسين باشا (بطال باشا) للدفاع عن أنابا، على رأس جيشٍ قوامه ثلاثون ألف رجل، مزودين بالمدافع والذخيرة والمؤن.
وفور وصوله لأنابا قام بطال باشا بمعاملة الشيخ منصور ومتطوعيه من الشيشان والشراكسة، بجفاءٍ وعجرفة عندما قدموا للترحيب به. ونتيجة لهذه المعاملة غير اللائقة، غادر الشيخ منصور ومتطوعوه أنابا، بعد أن أرسلوا شكوى إلى السلطان العثماني ضد تصرفات بطال باشا. وخوفًا من العقوبة، أخذ 800 كيس من الذهب، وهرب إليهم، وانضم لأعداء الدين.
ونتيجة لإلحاح السلطان العثماني والشراكسة، عاد الشيخ منصور لأنابا للدفاع عنها، وفشل الجنرال بيبكوف في احتلال أنابا، وتم استبداله بالجنرال بيلمان، وبتنسيق مع الأتراك، خرج الشيخ منصور من حصن أنابا، ومعه مقاتلوه، لمهاجمة قوات الجنرال جيرمانيين، أحد مساعدي بيلمان، وجرت معركة (كوبيروسكوي) والتي اضطر الشيخ للانسحاب منها؛ لأن القوات التركية لم ترسل التعزيزات التي كان قد اتُّفِقَ على إرسالها أثناء المعركة، ولكن الشيخ منصور عاد ثانية إلى أرض المعركة، واضطر الجنرال جيرمانيين للانسحاب.
وبعد مسلسل الفشل الروسي في احتلال أنابا، قامت الإدارة الروسية بتعيين الجنرال غوردوفيتش، لقتال الأتراك والشيخ منصور، وأرسلت له تعزيزات كثيرة، من السلاح والجنود. وبعد وصولها، قام غوردو فيتش بالهجوم على أنابا في 21/ 6/ 1791م، وتمكنت القوات الروسية من دخولها في اليوم التالي، بعد أن فاوض الأتراك الروس، وبعد دفاع أسبوعين، قبلوا الاستسلام، بالرغم من احتجاج الشيخ منصور ومتطوعيه، وحثهم القائد التركي على المقاومة لآخر رجل.
ثم تقف المقاومة بعد أسر الشيخ منصور أشورما، لتعود من جديد على يد الشيخ غازي محمد.

وفاته

لقي الإمام الشهيد منصور أشورما ربه شهيدًا بعد حياة حافلة بالعلم والجهاد، وبعد أن دفع الناس إلى الجهاد في سبيل الله تسع سنوات كاملة، أوقع في الروس الكثير من النكبات.
فخلال المعارك الدائرة بينه وبين الروس سقط الشيخ منصور جريحًا، فأسره الروس، ونقلوه إلى الإمبراطورة كاترينا، التي رغبت في رؤية هذا الشيشاني، الذي كان مصدر إزعاج دائم لها منذ عام 1785م. ثم أودع السجن في شليسبرغ، وهناك قُتل، بعد أن قتل الجندي المسئول عن حراسته، وبذلك سقط الشيخ منصور الشيشاني شهيدًا في 13 إبريل 1794م، بعد تسع سنوات من الجهاد المتواصل[size=15][1].

[/size]
[/justify]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 11:09 am

يوسف بن تاشفين .. أمير المسلمين
تامر بدر
12/03/2014 - 4:35pm




shapeeqrqre.jpg

قادة غيروا الدنيا Shapeeqrqre

هو يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن وارتقطين، وكنيته أبو يعقوب، وهو ثاني ملوك دولة المرابطين، اتَّخذ لقب أمير المسلمين، وهو أعظم ملك مسلم في وقته، أسس أول إمبراطورية في الغرب الإسلامي من حدود تونس إلى غانا جنوبًا والأندلسشمالًا، أنقذ الأندلس من ضياع مُحَقَّق، وهو بطلمعركة الزَّلَّاقَة وقائدها، كما وَحَّد وضمَّ كلَّ ملوك الطوائف في الأندلس إلى دولته بالمغرب.
نشأة يوسف بن تاشفين
ينتمي يوسف بن تاشفين إلى قبيلة لمتونة؛ وهي إحدى قبائل صنهاجة الموجودة بجبل لمتونة المشهور باسم أدرار بموريتانيا، وُلِدَ على الأرجح بصحراء موريتانيا، ونشأ في موريتانيا نشأة إيمانية جهادية، وأصله من قبائل «صنهاجة اللثام» البربرية.

عُرف يوسف بن تاشفين بالتقشُّف والزهد رغم اتساع إمبراطوريته، وقد كان شجاعًا وأسدًا جسورًا، قال الذهبي عنه في سير أعلام النبلاء: «كان ابن تاشفين كثير العفو، مقرِّبًا للعلماء، وكان أسمر نحيفًا، خفيف اللحية، دقيق الصوت، سائسًا، حازمًا، يخطب لخليفة العراق» (1)
ووصفه ابن الأثير في الكامل بقوله: «كان حليمًا كريمًا، ديِّنًا خيرًا، يُحِبُّ أهل العلم والدين، ويُحَكِّمهم في بلاده، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام» (2).

يوسف بن تاشفين وقيام دولة المرابطين في المغرب
لقد كانت شخصية يوسف بن تاشفين شخصية إسلامية متميزة؛ استجمعت من خصائل الخير وجوامع الفضيلة ما ندر أن يوجد مثلها في شخص مثله، فيوسف بن تاشفين أبو يعقوب لا يقلُّ عظمة عن يوسف بن أيوب الملقَّب بـ صلاح الدين الأيوبي، وإذا كان الأخير قد ذاع صيته في المشرق الإسلامي وهو يُقارع الصليبيين ويُوَحِّد المسلمين، فإن الأول قد انتشر أمره في المغرب الإسلامي وهو يُقارع الإسبان والمارقين من الدين وملوك الطوائف، ويُوَحِّد المسلمين في زمنٍ كان المسلمون فيه أحوج ما يكونون إلى أمثاله.

كانت الظروف السياسية السائدة في زمنه غاية في التعقيد، وغلب عليها تعدُّد الولاءات وانقسام العالم الإسلامي، وسيطرة قوى متناقضة على شعوبه؛ ففي بغداد كانت الخلافة العباسية من الضعف بمكان بحيث لا تُسيطر على معظم ولاياتها، وفي مصر ساد الحكم الفاطمي، وفي بلاد الشام بدأت بواكير الحملات الصليبية بالنزول في سواحل الشام، وفي الأندلس استعرت الخصومة والخيانة، وعمَّ الفساد بين ملوك طوائفها، وأمَّا في بلاد المغرب الإسلامي -حيث نشأ وترعرع- فكانت هناك قبائل مارقة من الدين تُسيطر على الشمال المغربي، وتُحَصِّن مواقعها في المدن الساحلية كسبتة وطنجة ومليلة؛ وهي من آثار الدولة الفاطمية التي تركت آثارًا عقيدية منحرفة؛ تمثَّلت في جزء منها بإمارة تُسَمَّى الإمارة البرغواطية؛ سيطرت على شمال المغرب، وبنت أسطولًا قويًّا لها، وحَصَّنت قوَّاتها البحرية المطلَّة على مضيق جبل طارق.
وفي عام (445هـ= 1053م) أسَّس عبد اللـه بن ياسين حركة المرابطية (الرباط في سبيل الله)، وبعد عشر سنوات تَسَلَّم قيادة الحركة يوسف بن تاشفين، فبدأ بتعمير البلاد، وحَكَمَهَا بالعدل، وكان يختار رجالًا من أهل الفقه والقضاء لتطبيق شريعة الإسلام على الناس، واهتمَّ ببناء المساجد باعتبارها مراكز دعوة وانطلاق وتوحيد للمسلمين تحت إمارته، ثم بدأ يتوسَّع شرقًا وجنوبًا وشمالًا؛ فكانت المواجهة بينه وبين الإمارة البرغواطية الضالَّة أمرًا لا مفرَّ منه؛ استعان ابن تاشفين في البداية بالمعتمد بن عباد -وهو أحد أمراء الأندلس الصالحين- لمحاربة البرغواطيين؛ فأمدَّه المعتمد بقوَّة بحرية ساعدته في القضاء على الإمارة الضالَّة، وهكذا استطاع أن يُوَحِّد كل المغرب حتى مدينة الجزائر شرقًا، وغانا جنوبًا، وكان ذلك عام (476هـ= 1083م).
جهاد يوسف بن تاشفين في الأندلس
بعد أن قوي أمر يوسف بن تاشفين واستقرَّت دولته وتوسَّعت، لجأ إليه مسلمو الأندلس طالبين الغوث والنجدة؛ حيث كانت أحوال الأندلس تسوء يومًا بعد يوم، فـ ملوك الطوائف لَقَّبُوا أنفسهم بالخلفاء، وخطبوا لأنفسهم على المنابر، وضربوا النقود بأسمائهم، وصار كل واحدٍ منهم يسعى إلى الاستيلاء على ممتلكات صاحبه، لا يضرُّه الاستعانة بالإسبان النصارى أعداء المسلمين لتحقيق أهدافه، واستنابوا الفُسَّاق، واستنجدوا بالنصارى، وتنازلوا لهم عن مداخل البلاد ومخارجها، وأدرك النصارى حقيقة ضعفهم فطلبوا منهم المزيد.

ولقد استجاب ابن تاشفين لطلب المسلمين المستضعفين، وفي ذلك يقول الفقيه ابن العربي: «فلبَّاهم أمير المسلمين ومنحه اللـه النصر، وألجم الكفار السيف، واستولى على مَنْ قدر عليه من الرؤساء من البلاد والمعاقل، وبقيت طائفة من رؤساء الثغر الشرقي للأندلس تحالفوا مع النصارى، فدعاهم أمير المسلمين إلى الجهاد والدخول في بيعة الجمهور، فقالوا: لا جهاد إلَّا مع إمام من قريش ولستَ به، أو مع نائبه وما أنت ذلك. فقال: أنا خادم الإمام العباسي. فقالوا له: أظهر لنا تقديمه إليك. فقال: أَوَلَيْست الخطبة في جميع بلادي له؟ فقالوا: ذلك احتيال. ومردوا على النفاق».
وليكون ابن تاشفين أميرًا شرعيًّا أرسل إلى الخليفة العباسي يطلب منه توليته، ويقول السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء: «وفي سنة تسع وسبعين أرسل يوسف بن تاشفين صاحب سَبْتَة ومَرَّاكُش إلى المقتدي يطلب أن يُسَلْطِنَهُ، وأن يُقَلِّده ما بيده من البلاد، فبعث إليه الـخِلَعَ والأَعلام والتقليدَ، ولَقَّبه بأمير المسلمين؛ ففرح بذلك وسُرَّ به فقهاء المغرب (3).
وبعد أن زاد ضغط النصارى الإسبان القادمين من الشمال استنجد بابن تاشفين المعتمدُ بن عَبَّاد؛ ودخل ابن تاشفين الأندلس وقاد الجيوش الإسلامية، وقاتل النصارى قتالاً شديدًا، وكانت موقعة الزلاقة عام (479هـ=1086م) من أكبر المعارك التي انتصر فيها المسلمون انتصارًا كبيرًا على الإسبان، وهُزم ملكهم ألفونسو السادس هزيمة منكرة، وقد قضت هذه المعركة على آمال الإسبان الصليبيين في احتلال الأندلس بعد أن استولوا على طُلَيْطلَة، وقد وقعت المعركة في سهلٍ في الجزء الجنوبي لبلاد الأندلس، يقال له: الزلاقة. يقال: إنَّ السهل سُمِّيَ بذلك نسبة لكثرة انزلاق المتحاربين على أرض المعركة؛ بسبب كمية الدماء التي أُريقت في ذلك اليوم وملأت أرض المعركة، وتُسَمَّى لدى المؤرخين الغربيين بالاسم العربي نفسه.
كان لمعركة الزلاقة تأثيرٌ كبيرٌ في تاريخ الأندلس الإسلامي؛ إذ إنها أوقفت زحف الصليبيين المطرد في أراضي ملوك الطوائف الإسلامية، وقد أَخَّرت سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس لمدَّة تزيد عن قرنين ونصف.
دولة يوسف بن تاشفين في المغرب والأندلس
ولقد تَبَيَّن ليوسف بن تاشفين بعد ذلك أن ملوك الطوائف هؤلاء ليسوا أهلًا للبقاء في مراكز السلطة في الأندلس، وجاءته النداءات والفتاوى من العلماء كالغزالي بوجوب الاستيلاء على الأندلس؛ فاستولى على الأندلس، وأعاد إليها وَحْدَتَهَا، وطرد هؤلاء الطائفيين الذين كانوا يخشون قدومه، ويُفَضِّل بعضهم النصارى عليه‏،‏ وبذلك انتهى عهد ملوك الطوائف في الأندلس، ووَحَّد يوسف الأندلس مع المغرب في ولاية واحدة؛ لتُصْبِحَ أكبر ولاية إسلامية في دولة الخلافة.

أمير المسلمين يوسف بن تاشفين
ولمَّا كبرت مملكة يوسف بن تاشفين واتسعت عمالته، اجتمع إليه أشياع قبيلته، وأعيان دولته، وقالوا له: «أنت خليفة الله في أرضه، وحقُّكَ أكبر من أن تدعى بالأمير، بل ندعوك بأمير المؤمنين». فقال لهم: «حاشا لله أن نتسمَّى بهذا الاسم، إنما يتسمَّى به خلفاء بني العباس؛ لكونهم من تلك السلالة الكريمة، ولأنهم ملوك الحرمين مكة والمدينة، وأنا راجلهم والقائم بدعوتهم». فقالوا له: «لا بُدَّ من اسم تمتاز به». فأجاب إلى «أمير المسلمين وناصر الدين»، وخطب لهم بذلك في المنابر، وخوطب به من العُدْوَتَيْن (أي المغرب والأندلس).

ومن علامات التقوى والتمسُّك بأهداب الدين تمسَّك الأمراء والحكام بالنقد الشرعي، وفي ذلك يقول ابن الخطيب في كتابه الإحاطة: «كان درهمه فضَّةً، وديناره تبرًا محضًا، في إحدى صفحتيه «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وتحت ذلك «أمير المسلمين يوسف بن تاشفين»، وفي الدائر: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، وفي الصفحة الأخرى «الإمام عبد الله أمير المؤمنين»، وفي الدائرة: تاريخ ضربه وموضع سكِّه». وعبد الله اصطلاحًا هو كنية يصلح لاسم كل خليفة عباسي.
واتخذ يوسف السواد شعارًا للمرابطين، وهو شعار الدولة العباسية نفسه، ورَفْعُ شعارِ السواد يدلُّ على التمسُّك بالسُّنَّة، والتمسُّك بالوَحْدَة، وعدم شقِّ جماعة المسلمين، إضافة إلى أن راية رسول الله –صل الله عليه وسلم- كانت سوداء.
لقد ذاع صيتُ يوسف بن بن تاشفين بين العلماء والقضاة بشكل خاصٍّ، وبين الناس بشكل عامٍّ؛ فتناقلوا أخباره وصفاته، وتواتر عنهم نقلُ صفات الجهاد والعدل والزهد والإخلاص والتمسُّك بالإسلام وبدولة المسلمين الشرعية؛ حتى أثنى عليه معظم العلماء والفقهاء.
وفاة يوسف بن تاشفين
تُوُفِّيَ يوسف بن تاشفين في شهر المحرم عام (500هـ= 1107م) عن عمر يقارب المائة عام، لقد كان يوسف بن تاشفين واحدًا من عظماء المسلمين المغاربة، الذين جدَّدُوا للأُمَّةِ أمر دينها ولم يأخذ حقَّه من الاهتمام التاريخي إلَّا قليلًا.



1- الذهبي: سير أعلام النبلاء، 19/253.
2- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 8/531.
3- السيوطي: تاريخ الخلفاء، ص302.


روائع - يوسف بن تاشفين وشكر الله عز وجل



حلقة جديدة من برنامج روائع للدكتور راغب السرجاني، موقف رائع من مواقف يوسف بن تاشفين قائد دولة المرابطين عندما ذهب لنجدة ملوك الطوائف فهاجت بهم أمواج البحر، فماذا فعل يوسف تاشفين؟ وكيف شكر الله تعالى؟
https://www.youtube.com/watch?v=nkU4XOj8IEo



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 11:18 am

عثمان بن فودي
تامر بدر




قادة غيروا الدنيا Shapedarhgar


[size=17]هو عثمان دان فوديو أو عثمان بن فودي مجاهد إفريقي، دعا القبائل الإفريقية إلى محاربة البدع والوثنية، وهو مُؤَسِّس وسلطان خلافة سوكوتو.

الإسلام يغزو إفريقيا
تُعتبر إفريقيا أول منطقة في العالم وصلها الإسلام بعد مكةمهبط الوحي، وذلك في العام الخامس من النبوة، عندما هاجر الصحابة الأوَّلُون فارِّين بدينهم إلى الحبشة، ثم دخلوا الشمال الإفريقي كله؛ وذلك من مصر إلى المغربالأقصى في القرن الهجري الأول، وقد وصل فاتح المغرب الأعظم عقبة بن نافع إلى أطراف الصحراء الكبرى، وقد عمل ولاة بلاد المغرب من تونس إلى المحيط على نشر الإسلام في القبائل البربرية الموغلة في الصحراء.

ويرجع الفضل في نشر الإسلام في قلب وغرب إفريقيا إلى دولة المرابطين العظيمة، وخاصة الأمير الشهيد أبي بكر بن عمر؛ الذي كان أمير المرابطين الأول، ثم ترك الإمارة لـ يوسف بن تاشفين، وتخلَّى عن الزعامة وتفرَّغ لنشر الإسلام بين الأفارقة، وظلَّ يُحارب القبائل الوثنية وينشر الإسلام بينهم حتى استُشهد سنة (480هـ= 1087م)، وقد وصل بالإسلام إلى خطِّ الاستواء؛ أي على أبواب إفريقيا الاستوائية، عند منطقة الغابات الكثيفة، وهو بذلك قد قام بخدمة عظيمة للإسلام، لا تقلُّ عما فعله يوسف بن تاشفين في المغرب والأندلس.
مأساة الممالك الإسلامية
أخذ الإسلام في الانتشار في قلب القارة الإفريقية شيئًا فشيئًا؛ بالتجارة تارة، وبالجهاد تارة، والدعاة المرابطين تارة، وبالتدريج تحوَّلت القبائل الوثنية إلى الإسلام، وقامت ممالك إسلامية في غاية القوَّة والاتساع مثل مملكة «غانا»، ومملكة «مالي» الضخمة؛ وكانت تشمل «تشاد ومالي والنيجر والسنغال»، وكانت هذه المملكة من أقوى وأعرق الممالك الإسلامية في إفريقيا، ومملكة «الصنغاي»، وغيرها من الممالك القوية، التي دفعت بالإسلام إلى الداخل الإفريقي.

ولكن -وللأسف- الشديد أصاب المسلمين هناك ما أصاب إخوانهم في الشمال وفي كل مكان؛ إذ دبَّ بينهم التفرُّق والخلاف، واقتتلوا فيما بينهم، وصارت الممالك تتقاتل فيما بينها، بدوافع قبلية ودنيوية محضة، فاقتتلت مملكة «السنغاي» مع مملكة «مالي» حتى دمَّرتها، ثم قامت مملكة المغرب أيام حُكْم المنصور السعدي بتدمير مملكة «الصنغاي»، وانهارت مملكة «غانا» بالاقتتال الداخلي؛ وهكذا أكلت هذه الممالك الإسلامية بعضها بعضًا، في الوقت نفسه الذي كان فيه أهل الكفر من الغرب والشرق يجمعون صفوفهم ويُوَحِّدُون راياتهم؛ استعدادًا للانقضاض على العالم الإسلامي.
قبائل الفولاني ونهضة الإسلام
وعلى الرغم من انهيار الممالك الإسلامية الكبيرة، فإنَّ القبائل المسلمة قامت بدورها في نشر الإسلام، واستكمال الدور الدعوي الذي كانت تقوم به الممالك، وربما بصورة أفضل؛ ومن أشهر القبائل المسلمة:
1. قبائل الماندينج؛ وتنتشر في مالي والسنغال وجامبيا وغينيا وسيراليون وساحل العاج.
2. قبائل الولوف والتوكلور في السنغال ومالي.
3. قبائل الهاوسا في النيجر وشمالي نيجيريا وبنين وتوجو.
4. الكانوري في شمال شرق نيجيريا والكاميرون.
ولكنَّ أعظم وأشهر القبائل الإفريقية وأشدَّها تحمُّسًا لنشر الإسلام وتمسُّكًا به هي قبائل الفولاني؛ وهي التي تحمَّلت مسئولية إعادة نهضة الإسلام، وإقامة الممالك الإسلامية من جديد.

دخل الفولانيون الإسلام على أيدي المرابطين في القرن الخامس الهجري، فتحمَّسُوا له واستعلوا به، وكانوا في الأصل من الرعاة الذين يتحرَّكون باستمرار سعيًا وراء الماء والكلأ، وكان موطنهم الأصلي حوض السنغال، ولكنهم انتشروا في قلب إفريقيا من السنغال إلى تشاد إلى قلب وغرب إفريقيا في 4 هجرات شهيرة؛ تفرَّعت خلالها هذه القبيلة الضخمة إلى عدَّة فروع، ولكنَّ أهمَّ هذه الفروع وأكثرَها أثرًا في نشر الدعوة الإسلامية وعودة النهضة الإسلامية إلى القلب الإفريقي هي هجرة الفولانيين إلى نيجيريا، وفي هذا الفرع ظهر صاحبنا، الذي أعاد المجد والعزَّة للإسلام بقلب إفريقيا وهو الأمير الفولاني عثمان دان فوديو.
نشأة عثمان دان فوديو
وُلِدَ عثمان في بلدة «طفل» على أطراف إقليم جوبير شمال نيجيريا الآن في سنة (1168هـ= 1754م)، وكلمة فودي تعني الفقيه، واسمه الأصلي محمد؛ فلقد كان والده مُعَلِّمَ القرآن والحديث في قريته، وينتسب عثمان إلى قبيلة الفولاني العريقة في الإسلام، درس اللغة العربية وقرأ القرآن وحفظ متون الأحاديث.

كان لهذه التربية والجوِّ الإيماني الذي نشأ فيه عثمان أثرٌ بالغ في تكوين شخصيَّته وتوجُّهاته، فقد كان مجتنِّبًا لما اعتاد عليه قومه من أساليب في الحياة بما فيها من بدع وخرافات، شديد الكره والعداء للقبائل الوثنية في إقليم جوبير الذي وُلِدَ فيه؛ لذلك قرَّر عثمان مرافقة أبيه في رحلته الطويلة إلى الحجِّ؛ وذلك وهو في سنِّ الشباب، أمَّا أهمّ أساتذته على الإطلاق فقد كان الشيخ جبريل؛ الذي قام بواجبه تجاه تلميذه مرَّتين: الأولى عندما قَدَّم لعثمان علومًا مفيدة ساهمت في تكوين شخصيَّته العلمية والسياسية، والثانية عندما كان أول مَنْ بايعه على الجهاد في سبيل نشر الإسلام في تلك المنطقة، واعترف له بالولاية وعقد له الراية. وفي المقابل لم يكن عثمان أقلَّ سموًّا من مُعَلِّمه؛ فقد كان يُرَدِّد بشكل دائم هذا البيت من الشعر: «عثمان دان فوديو إن قيل فيَّ بحسن الظنِّ ما قيلَ فموجة أنا من أمواج جبريلا».
عثمان بن فوديو .. نقطة التحول 
لقد كان ذهاب عثمان بن فودي لأداء مناسك الحجِّ مع أبيه، نقطة تحوُّل كبرى في حياة البطل الهُمام؛ ذلك أنه قَدِم مكَّة المكرَّمة والدعوة السلفية للشيخ محمد بن عبد الوهاب في أَوْجِ قوَّتها وانتشارها؛ حيث كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما زال حيًّا، يُعَلِّم الناس التوحيد الخالص، ويُحارب البدع، ويرُدُّ على المبتدعة وأصحاب الأهواء، فلمَّا وصل عثمان بن فودي هناك التقى مع المشايخ والدعاة السلفيين، وسمع منهم الدعوة السلفية وأسلوب الحركة وكيف قامت؟ وكيف انطلقت من منطقة «الدرعية» لتشمل الجزيرة كلها؟ وحضر مجالس العلم للشيخ محمد بن عبد الوهاب.

قرَّر عثمان بن فودي البقاء لفترة بمكَّة للاستزادة من الدعوة السلفية وعلومها ومناهجها؛ وتأثَّر بها بشدَّة؛ ذلك لأن بلاده كانت مليئة بالبدع والخرافات، امتزج فيها الإسلام بالعادات الوثنية، وكانت العادات القبلية تحكم حياة المسلمين، بل هو نفسه كان يتديَّن بكثير من البدع والأوراد غير الصحيحة، والسبب في ذلك أن الإسلام انتشر في هذه المناطق بنشاط دعاة الطرق الصوفية، وأصبح معنى التديُّن مرادفًا لمعنى التصوُّف؛ لذلك قرَّر عثمان المكوث لتصحيح مسار حياته وعباداته.
لذلك نستطيع أن نقول: إن ذهاب عثمان بن فودي إلى الحجِّ، والتقاءه مع دعاة وعلماء الحركة السلفية، وتلقِّيَه لمبادئ وأسلوب هذه الحركة نقطةُ تحوُّل كبرى في حياة هذا الرجل، ولعلَّ هذا من رحمة الله –عز وجل- بالأُمَّة المسلمة بإفريقيا، ونصرة عظيمة للإسلام والمسلمين لما سيقوم به هذا الرجل من جهود كبيرة لخدمة الدين والأُمَّة في إفريقيا.
عثمان بن فودي .. جهاد الدعوة
عاد عثمان بن فودي إلى بلاده في إقليم جوبير في شمال نيجيريا، وفي نيَّتِه نشر الدعوة في بلاده، فأخذ في دعوة أهله وإخوانه إلى محاربة البدع والوثنية، فاستجاب لدعوته كثيرٌ من أبناء بلدته «طفل»، فأسَّس حركة دعويَّة، وأطلق عليها اسم الجماعة.

أخذت دعوته وحركتها المسماة بالجماعة تنتشر بين القبائل الإفريقية، ودخل فيها أفراد من عدَّة إمارات، ومن شعوب عدَّة منها الهاوسا، والطوارق، والكانوري والزنوج، إضافة إلى قبيلته الأصلية الفولاني؛ التي كانت أكثر القبائل انضمامًا لدعوته وحركته، ثم حقَّقت دعوة عثمان بن فودي نجاحًا كبيرًا في نشر الإسلام بين القبائل الوثنية المنتشرة في شمال وجنوب نيجيريا، ويومًا بعد يوم ازدادت جماعته قوَّة واتساعًا.
المواجهة
ضاق ملوك إقليم جوبير -وكانوا من الوثنيين- بنشاط جماعة عثمان بن فودي، وقرَّرُوا اتِّبَاع أسلوب المواجهة المسلَّحة، وأرسل هؤلاء الأمراء يتهدَّدُون الجماعة السلفية، ويتوعَّدُون زعيمها عثمان بن فودي بأشدّ أنواع الوعيد والتهديد، فعندها اجتمع المجاهد العظيم مع رفاقه، واستشارهم في كيفية مواجهة هذه التهديدات، فأشار الجميع وهو أولهم بوجوب إعلان الجهاد؛ وذلك سنة (1218هـ= 1804م)، وبمجرَّد أن أعلن الجهاد على الوثنيين حتى أتاه الكثير من المسلمين من شمال نيجيريا يبغون نصرته، وفي الوقت نفسه جاءت مساعدات كبيرة لأمراء جوبير من باقي إمارات الهاوسا غرب نيجيريا، وانتصرت الدعوة السلفية على الجماعات الوثنية، وأصبح عثمان بن فودي أميرًا على المنطقة الواقعة في شمال غرب نيجيريا، وبايعه المسلمون هناك أميرًا عليهم، وتلقَّب من يومها بالشيخ، واتخذ من مدينة سوكوتو في أقصى الطرف الشمالي الغربي لنيجيريا مركزًا لدعوته؛ وذلك سنة (1223هـ= 1809م).

فتوحات عثمان بن فودي
لم يكن عثمان بن فودي من الرجال الذين يبحثون عن زعامة أو إمارة، وبمجرَّد حصوله عليها يكفُّ عن سعيه وجهاده، ويجلس للتنعُّم بما حازه وناله؛ بل كان يبغي نصرة الإسلام ونشره بين القبائل الوثنية، يبغي الدعوة لهذا الدين في شتَّى أرجاء القارة السوداء.

لذلك قرَّر عثمان بن فودي العمل على إعادة بناء الدولة الإسلامية من جديد، وتوسيع رقعة الإسلام بالجهاد ضدَّ القبائل الوثنية؛ التي اجتمعت على حرب الإسلام ودعوته الجديدة.
قرَّر عثمان بن فودي اتباع استراتيجية الجهاد على عدَّة محاور وضمّ الشعوب الإسلامية تحت رايته؛ فضمَّ إليه عدَّة شعوب وقبائل مسلمة كانت متناثرة ومختلفة فيما بينها، وبدأ بالتوسُّع في ناحيتي الغرب والجنوب الغربي؛ حيث قبائل «اليورومبا» الكبيرة، والتي هي أصل الشعوب الساكنة في النيجر ونيجيريا، فدانت له هذه القبائل ودخلت في دعوته، وأخذت الدولة الإسلامية في الاتساع شيئًا فشيئًا؛ حتى أصبحت أقوى مملكة إسلامية في إفريقيا وقتها.

عثمان بن فودي وسياسة بناء الكوادر
لقد كان عثمان بن فودي رجل دولة من الطراز الأول، وداعية مجاهدًا مخلصًا لدينه ولأُمَّته، ولقد أدرك أن بقاء الدعوة السلفية والدولة الإسلامية التي بناها في غرب إفريقيا لن يصمد طويلًا، إذا لم تتحرك هذه الدعوة وتنتشر مبادئ السلفية بين الناس، وأيضًا إذا لم تتَّسع وتتمدَّد دولته الإسلامية التي بناها بجهاده سنين طويلة.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف السامي اتَّبع عثمان بن فودي سياسة حكيمة تقوم على بناء الكوادر؛ التي تُواصل حمل الراية ونشر الدعوة، وكان لعثمان بن فودي عين فاحصة تستطيع انتقاء النجباء والأبطال وحملة الدعوة؛ خاصَّة وأن فتوحاته التي قام بها في غرب نيجيريا قد حرَّكت الحماسة والحمية للإسلام في قلوب الكثيرين، ومن هؤلاء الكثيرين انتقى عثمان بن فودي ثلاثة نفر كان لهم أعظم الأثر والدور الكبير في خدمة الإسلام والمسلمين:
أولهم الشيخ آدم، وهو شيخ من أهل العلم من أهل الكاميرون، الذي حرَّكت فتوحات عثمان بن فودي حُبَّ الجهاد في قلبه، وبدأ يدعو الناس إليه وإلى نشر الإسلام في القبائل الوثنية، فلمَّا وصلت أخباره إلى الأمير عثمان بن فودي أرسل يستدعيه من الكاميرون سنة (1226هـ= 1811م)، فلمَّا حضر جلس معه وكلَّمه عن مبادئ الحركة وعقيدة السلف، وأقنعه بوجوب الجهاد في سبيل الله لنشر الإسلام في قلب القارة الإفريقية، فلمَّا انشرح صدر الشيخ آدم للفكرة، أعطاه عثمان رايته البيضاء؛ وهي رايته في الجهاد، وكلَّفه بمواصلة الجهاد حتى ينشر الإسلام فيما يلي نهر البنوى جنوبًا؛ وهو فرع كبير من فروع نهر النيجر العظيم، فقام الشيخ آدم بالمهمَّة على أكمل وجه، حتى أدخل بلاد الكاميرون كلها في الإسلام، وكافأه الأمير عثمان بن فودي بأن جعله أميرًا على الكاميرون، وظلَّت الإمارة فيهم حتى احتلال الإنجليز للكاميرون سنة (1319هـ= 1901م).

أمَّا الرجل الثاني فكان أحدَ جنود عثمان بن فودي واسمه حمادو بارى، وقد اشترك في معركة الجهاد الأول ضد أمراء «جوبير» الوثنيين، وبتواصل الجهاد بانت نجابته وظهرت شجاعته وإخلاصه لنشر الدين، فكلَّفه عثمان بفتح بلاد الماسنيا الواقعة في مالي الآن، ونجح حمادو في مهمَّته خير نجاح، فكافأه عثمان بأن أعطاه لقب الشيخ، وجعله أميرًا على منطقة الماسنيا، وأمره بمواصلة الجهاد لنشر الإسلام، ولقد أثبت الأمير حمادو أنه من أنجب وأفضل تلاميذ الإمام عثمان بن فودي؛ فلقد نَظَّم دولته على نسق دولة الخلافة الراشدة؛ حيث قَسَّمها إلى عدَّة ولايات، وأقام على كل ولاية واليًا وقاضيًا ومجلسًا للحُكْم، كهيئة استشارية للحكم الإسلامي على الكتاب والسُّنَّة، وعَمر البلاد فازدهرت دولته بقوَّة، ووصلت إلى بوركينافاسو وسيراليون وغينيا بيساو.
أمَّا الرجل الثالث فكان الحاج عمر، وأصله من قبائل الفولاني عشيرة عثمان بن فودي، وُلِدَ سنة (1212هـ= 1797م)؛ أي إنه كان في أوائل شبابه، والإمام عثمان بن فودي في أواخر حياته، ولكن هذا الشابَّ قُدِّرَ له أن يجتمع مع الإمام؛ وذلك أن الحاج عمر كان محبًّا للدعوة والجهاد، فلمَّا اشتدَّ عودُه قرَّر الرحيل إلى بلد الإمام عثمان ليراه ويسمع منه، وبالفعل ذهب إليه ورآه الإمام عثمان؛ فتفرَّس فيه النجابة والفطنة والشجاعة، فنصحه بأن يذهب إلى حمادو ويلتحق بخدمته، لعلَّه أن يكون خليفة حمادو بعد رحيله في قيادة المملكة الإسلامية هناك، وبالفعل نجح الحاج عمر في أن يلتحق بخدمة حمادو ويخلفه بعد رحيله، وقاد القبائل الإسلامية قيادة عظيمة، وكان جيشه يُقَدَّر بأربعين ألف مقاتل، وحارب الوثنيين والفرنسيين على حدٍّ سواء، وتولَّى أولاده من بعده قيادة المسلمين في هذه المنطقة؛ التي ابتُلِيَتْ بأشرس هجمة صليبية في تاريخ البشرية.
وبالجملة نجح الإمام المجاهد عثمان بن فودي أعظم أمراء إفريقيا في بناء قاعدة عريضة من المجاهدين والقادة والأمراء؛ الذين قادوا الأُمَّة المسلمة في قلب إفريقيا، وأقاموا أعظم الممالك الإسلامية في هذه البقعة الغامضة عن ذهن أبناء المسلمين الآن.
وفاة عثمان بن فودي
تُوُفِّيَ الإمام المجاهد الأمير عثمان بن فودي سنة (1233هـ= 1818م)، بعد أن أعاد إلى الإسلام مجده، وأدخل الدعوة السلفية المباركة إلى القلب الإفريقي، وأبقى للإسلام دولة قوية ظاهرة صامدة أمام هجمات الأعداء، حتى بعد وقوعها فريسة للاحتلال الصليبي بقيت القلوب حيَّة، مجاهدة، تُقاوم الأعداء، تُحافظ على دينها وعزَّتها، فجزى الله –عز وجل- هذا الإمام على ما قدَّمه للإسلام في إفريقيا، ورفع درجاته في علِّيِّين مع المهديين.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 12:10 pm

عقبة بن نافع .. فاتح بلاد المغرب
[size=17]شريف عبد العزيز


[/size]

19218_image002.jpg

قادة غيروا الدنيا 19218_image002
[size=17]لقد أيّد الله قادة غيروا الدنيا U1_20 دينه بنوعية خاصة من الرجال، اصطفاهم المولى جل وعلا، واختارهم من بين خلقه لنيل شرف المهمة الجليلة، هؤلاء الرجال الأبطال تغلغل الإيمان في قلوبهم، وارتقت نفوسهم إلى أعلى عليين من أجل نصرة الدين، فلم يبق لهم همة ولا هدف ولا غاية في الحياة إلا لخدمة الإسلام ونشره بين الناس.
إنهم رجال آثروا مرضات الله قادة غيروا الدنيا U1_20 بدعوة الناس للإسلام على متاع الحياة الدنيا، فودعوا الراحة والدعة والسكون وهجروا الفراش والسلامة وتركوا الديار والأهل والأحباب، وصارت ظهور الخيل مساكنهم، وآلات الجهاد عيالهم، وإخوان الجهاد رفقاءهم، فلا عجب إذًا أن تنتهي حياتهم في آخر بقاع الدنيا، فهذا يموت في بلاد الصين وهذا في أدغال أفريقيا وذاك في أحراش الهند، وكلهم راضٍ بهذه الحياة وهذه النهاية، طالما توجت حياته بأسمى ما يريد: الشهادة في سبيل الله، وهذه قصة واحد من أئمة هؤلاء الأبطال.
عقبة بن نافع نولده ونشأته:
هو عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري، ولد قبل الهجرة بسنة، وكان أبوه قد أسلم قديمًا، لذلك فقد ولد عقبة ونشأ في بيئة إسلامية خالصة، وهو صحابي بالمولد، لأنه ولد على عهد النبي قادة غيروا الدنيا R_20 وهو يمت بصلة قرابة للصحابي الجليل عمرو بن العاص من ناحية الأم، وقيل أنهما ابني خالة.

ولقد برز اسم عقبة بن نافع مبكرًا على ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامي التي بدأت تتسع بقوة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب قادة غيروا الدنيا T_20، حيث اشترك هو وأبوه نافع في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص قادة غيروا الدنيا T_20، ولقد توسم فيه عمرو أنه سيكون له شأن كبير ودور في حركة الفتح الإسلامي على الجبهة الغربية، لذلك أسند إليه مهمة صعبة وهي قيادة دورية استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الإفريقي، ومعلوم عند العسكريين أن سلاح الاستطلاع هو أخطر وأهم سلاح في أي جيش؛ لأنه هو الذي يحدد طريقة الهجوم بين الشجاعة والقوة والذكاء الشديد وحسن التصرف في المواقف الصعبة، وكلها خصال توفرت في عقبة وأدركها عمرو فيه، لذلك عندما عاد عمرو إلى مصر بعد فتح تونس، جعل عقبة بن نافع واليًا عليها على الرغم من وجود العديد من القادة الأكفاء والصحابة الكبار، مما يدل على نجابة هذا البطل الشاب.
أرسل عمرو بن العاص والى مصر البطل الشاب عقبة بن نافع إلى بلاد النوبة لفتحها، فلاقى هناك مقاومة شرسة من النوبيين، ولكنه مهد السبيل أمام من جاء بعده لفتح البلاد، ثم أسند إليه عمرو مهمة في غاية الخطورة، وهي تأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر، فقاد عقبة كتيبة قتالية على أعلى مستوى قتالي للتصدي لأي هجوم مباغت على المسلمين, وتعاقبت عدة ولاة على مصر بعد عمرو بن العاص منهم عبد الله بن أبي السرح ومحمد بن أبي بكر ومعاوية بن حديج وغيرهم، كلهم أقر عقبة بن نافع في منصبه كقائد لحامية برقة.
عقبة بن نافع قائد الفتح الشمالي:
ظل عقبة في منصبه الخطير كقائد للحامية الإسلامية ببرقة خلال عهدي عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ونأى بنفسه عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وجعل شغله الشاغل الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد عادية الروم، فلما استقرت الأمور وأصبح معاوية قادة غيروا الدنيا T_20 خليفة للمسلمين، أصبح معاوية بن حديج واليًا على مصر، وكان أول قرار أخذه هو إرسال عقبة بن نافع إلى الشمال الإفريقي لبداية حملة جهادية قوية وجديدة لمواصلة الفتح الإسلامي الذي توقفت حركته أثناء الفتنة وذلك سنة 49 هجرية.

كانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة بين المسلمين، منها ودان وإفريقية وجرمة وقصور خاوار، فانطلق الأسد العنيف عقبة ورجاله الأشداء على هذه القرى الغادر أهلها وأدبهم أشد تأديب، فقطع أذن ملك ودان وأصبع ملك قصور خاوار حتى لا تسول لهم أنفسهم محاربة المسلمين مرة أخرى (مع العلم أن هذا الأمر لا يجوز شرعًا لأنه مثّله, ولكن عقبة اجتهد في تأديبهم بما يردعهم عن المعاودة للخلاف).
بعد أن طهر عقبة المنطقة الممتدة من حدود مصر الغربية إلى بلاد إفريقية تونس من الأعداء والمخالفين، أقدم عقبة على التغلغل في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في حرب الصاعقة الصحراوية، واستطاع عقبة وجنوده أن يطهروا منطقة الشمال الإفريقي من الحاميات الرومية المختلفة ومن جيوب المقاومة البربرية المتناثرة.
تأسيس مدينة القيروان:
لم يكن عقبة بن نافع قائدًا عسكريًّا محضًا فقط، بل كان صاحب عقلية مبدعة وفكر استراتيجي فذ وهو يصح أن يطلق عليه خبير بشئون المغرب والشمال الإفريقي، ومن خلال حملاته الجهادية المستمرة على الشمال الإفريقي، أدرك أهمية بناء مدينة إسلامية في هذه البقاع وذلك لعدة أسباب من أهمها:

1- تثبيت أقدام المسلمين والدعوة الإسلامية هناك وذلك أن عقبة قد لاحظ أمرًا هامًّا أن أهل الشمال الإفريقي إذا جاءهم المسلمون يظهرون الإسلام وإذا انصرفوا عنهم رجعوا مرة أخرى إلى الكفر، فكان بناء مدينة إسلامية خير علاج لهذه الظاهرة الناجمة عن غياب قاعدة إسلامية ثابتة للإسلام لنشر الهدى والنور وسط ظلمات البربر.
2- ضرورة تكوين قاعدة حربية ثابتة في مواجهة التهديدات الرومية المتوقعة بعد فتح الشمال الإفريقي.
3- أن تكون هذه المدينة دار عزة ومنعة للمسلمين الفاتحين، ذلك لأنهم تفرقوا في البلاد كحاميات على المدن المفتوحة، وهذا التفرق قد يورث الضعف والوهن مع مرور الوقت خاصة لو دهم عدو كبير العدد هذه البلاد.
لهذه الأسباب وغيرها قرر عقبة بن نافع بناء مدينة القيروان في القرن الشمالي لإفريقية في مكان تتوافر فيه شروط الأمن الدعوي والحركي للمسلمين بحيث تكون دار عزة ومنعة وقاعدة حربية أمامية في القتال، ومنارة دعوية علمية لنشر الإسلام، وانطبقت كل الشروط المطلوب توافرها في منطقة أحراش مليئة بالوحوش والحيات، فقال له رجاله: "إنك أمرتنا بالبناء في شعاب وغياض لا ترام، ونحن نخاف من السباع والحيّات وغير ذلك من دواب الأرض"، وكان في عسكره خمسة عشر رجلاً من أصحاب رسول الله قادة غيروا الدنيا R_20 فجمعهم وقال: "إني داعٍ فأمّنوا"، وبالفعل دعا الله قادة غيروا الدنيا U1_20 طويلاً والصحابة والناس يأمّنون، ثم قال عقبة مخاطبًا سكان الوادي: "أيتها الحيّات والسباع، نحن أصحاب رسول الله قادة غيروا الدنيا R_20، فارتحلوا عنا فإنا نازلون، ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه".
فحدثت بعدها كرامة هائلة حيث خرجت السباع من الأحراش تحمل أشبالها والذئب يحمل جروه، والحيّات تحمل أولادها، في مشهد لا يرى مثله في التاريخ، فنادى عقبة في الناس: "كفوا عنهم حتى يرتحلوا عنا", وهكذا يصل الإيمان والثقة بالله قادة غيروا الدنيا U1_20 لهذا المستوى الفائق من اليقين بنصرة الله قادة غيروا الدنيا U1_20 وتأييده ومدده، فهذا هو البطل المجاهد يصل به الإيمان والكرامة لئن يتكلم مع الحيوانات البهائم التي لا تعقل ولا تفهم، فيطيعونه ويسمعون أوامره، وهكذا يصبح الكون كله ومن فيه مسخرًا لخدمة المجاهدين وغايتهم السامية.
استمر بناء مدينة القيروان قرابة الخمس سنوات، حتى أصبحت القيروان درّة المغرب، وشيّد عقبة بها جامعًا كبيرًا أصبح منارة العلم وقبلة طلاب العلم والشريعة من كل مكان، وملتقى للدعاة والعلماء والمجاهدين، وأصبح جامع القيروان أول جامعة إسلامية على مستوى العالم, وذلك قبل الأزهر بعدة قرون.
عقبة بن نافع المجاهد المخلص:
بعدما انتهى عقبة بن نافع من بناء القيروان ومسجدها الجامع، جاءه الأمر الخليفي بالتنحّي عن ولاية إفريقية، وتولية رجل من جنود عقبة اسمه أبو المهاجر دينار، وهو رجل مشهور بالكفاءة وحسن القيادة.

فما كان رد فعل القائد المظفر الذي فتح معظم الشمال الإفريقي وحقق بطولات فائقة عندما جاءه خبر العزل؟ هل تمرّد؟ هل امتنع أو حتى تذمر؟
كلا والله.. إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلا المناصب تبهرهم ولا الدنيا تفتنهم ولا الأحقاد تعرف إلى قلوبهم طريقًا، إنهم خالصين مخلصين لا يريدون إلا وجه الله قادة غيروا الدنيا U1_20، امتثل عقبة فورًا للأمر وانتظم في سلك الجندية.
استطاع أبو المهاجر القائد الجديد أن يحقق عدة مكاسب استراتيجية في الشمال الإفريقي على حساب التواجد الرومي بهذه المناطق، واستطاع أيضًا أن يستميل زعيم قبائل البربر كسيلة بن لمزم، وكان كسيلة شديد التأثير على قومه، قوي الشخصية، محبوبًا في قومه، مطاعًا منهم، وكان نصرانيًّا متمسكًا بدينه, وكان نجاح أبي المهاجر في إقناعه بالإسلام مكسبًا كبيرًا للإسلام والمسلمين، ولكن القائد المحنك عقبة صاحب النظرة الثاقبة الخبيرة بطبائع البربر، لم يطمئن لإسلام كسيلة خاصة وأنه قد أسلم بعد وقوعه في أسر المسلمين وبعدما ذاق حر سيوفهم، وقد صدق هذا الحدس فيما بعد كما سنعلم.
عودة الأسد:
لم يمض كثيرًا من الوقت حتى عاد الأسد الضاري عقبة بن نافع إلى قيادة الجهاد ببلاد المغرب وانتقل أبو المهاجر في صفوف الجنود مجاهدًا مخلصًا، وهكذا نرى خير الأمة ينتقل الواحد منهم من الرئاسة إلى عامة الجند بمنتهى اليسر والسهولة، بلا مشاكل أو اعتراض، وبلا أحقاد وأضغان، وذلك لأن الكل يبتغي مرضات الله ولا يريد شيئًا من عرض الدنيا الزائل.

قرر عقبة بن نافع استئناف مسيرة الفتح الإسلامي من حيث انتهى أبو المهاجر، وكانت مدينة طنجة هي آخر محطات الفتح أيام أبي المهاجر، وهنا أشار أبو المهاجر على عقبة ألا يدخل مدينة طنجة؛ لأن كسيلة زعيم البربر قد أسلم، ولكن عقبة كان يشك في نوايا وصحة إسلام كسيلة، فقرر الانطلاق لمواصلة الجهاد مرورًا بطنجة وما حولها، خاصة وأن للروم حاميات كثيرة في المغرب الأوسط.
الإعصار المدمر:
انطلق عقبة وجنوده من مدينة القيروان، لا يقف لهم أحد ولا يدافعهم أي جيش، فالجميع يفرون من أمامهم، وكلما اجتمع العدو في مكان، انقض عقبة ورجاله عليهم كالصاعقة المحرقة ففتح مدينة باغاية، ثم نزل على مدينة تلمسان، وهي من أكبر المدن في المغرب الأوسط، وبها جيش ضخم من الروم وكفار البربر، وهناك دارت معركة شديدة استبسل فيها الروم والبربر في القتال وكان يومًا عصيبًا على المسلمين، حتى أنزل الله قادة غيروا الدنيا U1_20 نصره على المؤمنين، واضطر الأعداء للتراجع حتى منطقة الزاب.

سأل عقبة عن أعظم مدينة في الزاب فقيل له أربة، وهي دار ملكهم وكان حولها ثلاثمائة وستون قرية عامرة، ففتحها عقبة، والروم يفرون من أمامه كالفئران المذعورة، ورحل عقبة بعدها إلى مدينة ثاهرت, فأرسلت الحامية الرومية استغاثة لقبائل البربر الوثنية فانضموا إليهم, فقام عقبة في جيشه خطيبًا بارعًا بعبارات فائقة تلخص رسالة المجاهد في سبيل الله فقال: "أيها الناس إن أشرفكم وخياركم الذين رضي الله تعالى عنهم وأنزل فيهم كتابه، بايعوا رسول الله قادة غيروا الدنيا R_20بيعة الرضوان على قتال من كفر بالله إلى يوم القيامة، وهم أشرفكم والسابقون منكم إلى البيعة، باعوا أنفسهم من رب العالمين بجنته بيعة رابحة، وأنتم اليوم في دار غربة وإنما بايعتم رب العالمين، وقد نظر إليكم في مكانكم هذا، ولم تبلغوا هذه البلاد إلا طلبًا لرضاه وإعزازًا لدينه، فأبشروا فكلما كثر العدو كان أخزى لهم وأذل إن شاء الله تعالى، وربكم لا يسلمكم فالقوهم بقلوب صادقة، فإن الله قادة غيروا الدنيا U1_20 قد جعل بأسه على القوم المجرمين".
وبهذه الكلمات الموجزة استثار عقبة حمية رجاله، وأعطى درسًا بليغًا للأجيال من بعده عن حقيقة دعوة المجاهد.
التقى المسلمون بأعدائهم وقاتلوهم قتالاً شديدًا، وكانت نتيجته معروفة بعدما وصلت معنويات المسلمين لقمم الجبال، وانتصر المسلمون كما هي عادتهم، وسار عقبة حتى نزل على طنجة فلقيه أحد قادة الروم واسمه جوليان فخضع لعقبة ودخل له الجزية، فسأله عقبة عن مسألة فتح الأندلس, فقال له جوليان: أتترك كفار البربر خلفك وترمي بنفسك في بحبوحة الهلاك مع الفرنج؟ فقال عقبة: وأين كفار البربر؟ فقال: في بلاد السوس وهم أهل نجدة وبأس, فقال عقبة: وما دينهم؟ قال: ليس لهم دين فهم على المجوسية.
فتوجه إليهم عقبة كالإعصار الكاسح الذي يدمر كل شيء بإذن الله، واخترق هذه البلاد كلها هازمًا لكل قبائل البربر حتى وصل بخيله إلى المحيط الأطلنطي فاخترق عقبة بفرسه ماء المحيط, ثم قال بقلب المؤمن الصادق الغيور الذي بذل واستفرغ كل جهده وحياته لخدمة الإسلام: "يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدًا في سبيلك، اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد دونك".
وبهذه النفوس الصادقة والقلوب المؤمنة والعزائم الفائقة انتشر الإسلام في ربوع الأرض.
استشهاد البطل عقبة بن نافع:
حقق عقبة غايته من حركة الفتح الإسلامي بالشمال الإفريقي، فلقد أخضع قبائل البربر وأوقع بها بأسًا شديدًا، حتى وصل إلى أقصى بلاد المغرب واقتحم المحيط بفرسه، وبعدها قرر عقبة العودة إلى القيروان، فلما وصل إلى طنجة أذن لمن معه من الصحابة أن يتفرقوا ويقدموا القيروان أفواجًا ثقة منه بما نال من عدوه، ومال عقبة مع ثلاثمائة من أصحابه إلى مدينة تهوذة، فلما رآه الروم في قلة من أصحابه طمعوا فيه، وأغلقوا باب الصحن وشتموه وهو يدعوهم إلى الإسلام, وعندها أظهر كسيلة مكنون صدره الذي كان منطويًا على الكفر والغدر والحسد، واستغل قلة جند عقبة واتفق مع الروم على الغدر بعقبة, وأرسل إلى إخوانه البربر الوثنيين, وجمع جموعًا كثيرة للهجوم على عقبة ومن معه.

كان أبو المهاجر في ركب عقبة ولكن عقبة قد غضب منه فقيده، فلما رأى أبو مهاجر هجوم كسيلة ومن معه، أنشد أبيات أبي محجن الثقفي المشهورة:
[/size]
كفى حزنًا أن ترتدي الخيل بالقنا *** وأترك مشدودًا عليّ وثاقـيـا
إذا قمت عناني الحديد فأغلقت *** مصـارع دوني قد تصـم المناديا
[size]
ففك عقبة وثاقه، وقال له: "الحق بالقيروان وقم بأمر المسلمين وأنا أغتنم الشهادة"، فقال أبو المهاجر: "وأنا أيضًا أريد الشهادة".
وكسر عقبة والمسلمون أجفان سيوفهم واقتتلوا مع البربر حتى استشهد عقبة وكل من معه في أرض الزاب بتهوذة وذلك سنة 63 هجرية.
كان عقبة بن نافع قادة غيروا الدنيا T_20 مثالاً في العبادة والأخلاق والورع والشجاعة والحزم والعقلية العسكرية الاستراتيجية الفذة، والقدرة الفائقة على القيادة بورع وإيمان وتقوى وتوكل تام على الله قادة غيروا الدنيا U1_20 فأحبه رجاله وأحبه أمراء المؤمنين، وكان مستجاب الدعوة، ميمون النقيبة، مظفر الراية، فلم يهزم في معركة قط، طبق في حروبه أحدث الأساليب العسكرية والجديدة في تكتيكات القتال مثل مبدأ المباغتة وتحشيد القوات وإقامة الحاميات وتأمين خطوط المواصلات واستخدام سلاح الاستطلاع.
ونستطيع أن نقول بمنتهى الحيادية أن البطل عقبة بن نافع قد حقق أعمالاً عسكرية باهرة بلغت حد الروعة والكمال، وأنجز في وقت قليل ما لا يصدقه عقل عند دراسته من الناحية العسكرية البحتة، وترك باستشهاده أثرًا كبيرًا في نفوس البربر وأصبح من يومها يلقّب بـ "سيدي عقبة".
[/size]

عقبة بن نافع
تامر بدر
[url=http://islamstory.com/sites/default/files/14/03/10/shapesfytu %281%29.jpg]

[/url]

قادة غيروا الدنيا Shapesfytu%20%281%29


هو عقبة بن نافع بن عبد القيس من القادة العرب والفاتحين لبلاد الله في صدر الإسلام، واشتهر تاريخيًّا باسم «مرنك إفريقية»، وهو الاسم العربي لشمال قارة إفريقيا.
نشأة عقبة بن نافع
وُلِدَ عقبة بن نافع –رضي الله عنه- في حياة الرسول –صلى الله عليه وسلم- بعام واحد قبل الهجرة، أُمُّه من قبيلة المعز من بني ربيعة؛ أي أنها من العدنانيين؛ ولذلك وُلِدَ عقبة ونشأ في بيئة إسلامية، وهو صحابي بالمولد؛ لأنه وُلِدَ على عهد النبي –صل الله عليه وسلم، وهو يمُتُّ بصلة قرابة لعمرو بن العاص من ناحية الأُمِّ، وقيل: إنهما ابني خالة.

وقد نشأ عقبة بن نافع تحت شمس الصحراء المحرقة، وفي جوها اللافح الذي يشبُّ فيها الرجال أقوياء. وأبوه نافع بن عبد القيس الفهري، أحد أشراف مكة وأبطالها المعدودين، وكان اسم عقبة يُطلق على عدد قليل من الفرسان الشجعان.
نبوغ عقبة بن نافع
برز اسم عقبة مبكِّرًا في ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامي، التي بدأت تتَّسع بقوَّة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب –رضي الله عنه؛ حيث اشترك هو وأبوه نافع في الجيش الذي توجَّه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، الذي توسَّم فيه خيرًا وشأنًا في حركة الفتح، فأرسله إلى بلاد النوبة لفتحها، فلاقى هناك مقاومة شرسة من النوبيين، ولكنَّه مهَّد السبيل أمام مَنْ جاء بعده لفتح البلاد، فأسند إليه مهمَّة قيادةِ دوريةٍ استطلاعيةٍ لدراسة إمكانية فتح الشمال الإفريقي، وتأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر، ثم شارك معه في المعارك التي دارت في إفريقية(تونس حاليًا)، فولَّاه عمرو –رضي الله عنه- برقة بعد فتحها، وعاد إلى مصر.

تعاقب عدَّة ولاة على مصر بعد عمرو بن العاص؛ منهم: عبد الله بن أبي السرح، ومحمد بن أبي بكر، ومعاوية بن خديج.. وغيرهم، أقرَّ جميعُهم عقبةَ بن نافع في منصبه كقائد لحامية برقة.
فتوحات عقبة بن نافع
قادة غيروا الدنيا Okbaظلَّ عقبة بن نافع –رضي الله عنه- في منصبه كقائد لحامية برقة خلال عهدي عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب –رضي الله عنهما، ونأى عن أحداث الفتنة الكبرى التي وقعت بين المسلمين، وصبَّ اهتمامه على الجهاد في سبيل الله، ونَشْرِ الإسلام بين قبائل البربر، ورَدِّ غزوات الروم، فلمَّا استقرَّت الأمور عام (41 هـ= 661م) وأصبح معاوية بن أبي سفيان خليفة للمسلمين، وأصبح معاوية بن حديج واليًا على مصر، أرسل عقبة إلى الشمال الإفريقي في حملة جديدة لمواصلة الفتح الإسلامي، الذي توقَّفت حركته أثناء الفتنة.

كانت هناك عدَّة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة بين المسلمين؛ منها ودَّان وإفريقية وجرمة وقصور خاوار، فحارب عقبة تلك القرى وأبادهم أشدَّ إبادة، بعد ذلك خلف معاويةٌ عقبةَ على إفريقية، وبعث إليه عشرة آلاف فارس، فأوغل بهم في بلاد المغرب، حيث تغلغل في الصحراء بقوَّات قليلة وخفيفة؛ لشنِّ حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضدَّ القوات الرومية النظامية الكبيرة، التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في الحرب الصحراوية، واستطاع عقبة وجنوده أن يُطَهِّروا منطقة الشمال الإفريقي من الحاميات الرومية المختلفة والقبائل البربرية المتينة. حتَّى أتى واديًا فأُعجب بموقعه، وبنى به مدينته المشهورة وسمَّاها القيروان؛ أي محطّ الجند؛ ذلك أنها تُعتبر قاعدة الجيش الإسلامي المتقدِّمة في المغرب الكبير. كما بنى بها جامعًا لا يزال حتى الآن يُعرف باسم جامع عقبة، وفي سنة (55هـ= 675م) عزله معاوية وولَّى بدلاً منه أبا المهاجر بن دينار، وهو رجل مشهور بالكفاءة وحُسن القيادة، فما كان ردُّ فعل القائد المظفَّر -الذي فتح معظم الشمال الإفريقي، وحقَّق بطولات فائقة- عندما جاءه خبر العزل إلَّا أن امتثل فورًا للأمر، وانتظم في سلك الجندية.
استطاع أبو المهاجر -القائد الجديد- أن يُحَقِّق عدَّة مكاسب استراتيجية في الشمال الإفريقي على حساب التواجد الرومي بهذه المناطق، واستطاع -أيضًا- أن يستميل زعيم قبائل البربر كسيلة بن لمزم، وكان كسيلة شديد التأثير على قومه، قوي الشخصية، محبوبًا في قومه، مطاعًا منهم، وكان نصرانيًّا متمسِّكًا بدينه، وكان نجاح أبي المهاجر في إقناعه بالإسلام مكسبًا كبيرًا للإسلام والمسلمين، ولكنَّ القائد المحنك عقبة صاحبَ النظرة الثاقبة الخبيرة بطبائع البربر، لم يطمئن لإسلام كسيلة؛ خاصة وأنه قد أسلم بعد وقوعه في أسر المسلمين، وبعدما ذاق حرَّ سيوفهم، وقد صدق هذا الحدس فيما بعدُ كما سيأتي.
عودة الأسد عقبة بن نافع
بعد وفاة معاوية وفي خلافة ابنه يزيد بن معاوية أعاد عقبةَ مرَّة ثانية إلى الولاية سنة (62هـ= 682م)، فولَّاه المغرب، فقصد عقبةُ القيروانَ، فعاد الأسد الضاري عقبة بن نافع إلى قيادة الجهاد ببلاد المغرب، وانتقل أبو المهاجر إلى صفوف الجنود مجاهدًا مخلصًا.

قرَّر عقبة بن نافع استئناف مسيرة الفتح الإسلامي من حيث انتهى أبو المهاجر، وكانت مدينة طنجة هي آخر محطات الفتح أيام أبي المهاجر، وهنا أشار أبو المهاجر على عقبة ألَّا يدخل مدينة طَنْجَة؛ لأن كسيلة زعيم البربر قد أسلم، ولكنَّ عقبة كان يشكُّ في نوايا وصحَّة إسلام كسيلة؛ فقرَّر الانطلاق لمواصلة الجهاد مرورًا بطنجة وما حولها؛ خاصة وأن للروم حاميات كثيرة في المغرب الأوسط.
الإعصار المدمر
انطلق عقبة وجنوده من مدينة القيروان لا يقف لهم أحد، ولا يدفعهم أي جيش؛ فالجميع يفرُّون من أمامهم، وكلَّما اجتمع العدوُّ في مكان، انقضَّ عقبة ورجاله عليهم كالصاعقة المحرقة؛ ففتح مدينة باغاية، ثم نزل على مدينة تلمسان، وهي من أكبر المدن في المغرب الأوسط، وبها جيش ضخم من الروم وكفار البربر، وهناك دارت معركة شديدة؛ استبسل فيها الروم والبربر في القتال، وكان يومًا عصيبًا على المسلمين، حتى أنزل الله –عز وجل- نصره على المؤمنين، واضطر الأعداء للتراجع إلى منطقة الزاب.

سأل عقبة عن أعظم مدينة في الزاب فقيل له: أربة. وهي دار ملكهم، وكان حولها ثلاثمائة وستون قرية عامرة، ففتحها عقبة، والروم يفرُّون من أمامه كالفئران المذعورة، ورحل عقبة بعدها إلى مدينة تاهرت؛ فأرسلت الحامية الرومية استغاثة إلى قبائل البربر الوثنية، فانضمُّوا إليهم، فقام عقبة في جيشه خطيبًا بارعًا بعبارات فائقة تُلَخِّص رسالة المجاهد في سبيل الله؛ فقال: «أيها الناس إن أشرفكم وخياركم الذين رضي الله تعالى عنهم وأنزل فيهم كتابه، بايعوا رسول الله –صل الله عليه وسلم- بيعة الرضوان على قتال مَنْ كفر بالله إلى يوم القيامة، وهم أشرفكم والسابقون منكم إلى البيعة، باعوا أنفسهم من ربِّ العالمين بجنَّته بيعة رابحة، وأنتم اليوم في دار غربة، وإنما بايعتم ربَّ العالمين، وقد نظر إليكم في مكانكم هذا، ولم تبلغوا هذه البلاد إلَّا طلبًا لرضاه، وإعزازًا لدينه، فأبشروا فكُلَّما كثر العدوُّ كان أخزى لهم وأذلَّ إن شاء الله تعالى، وربُّكم لا يسلمكم فالقوهم بقلوب صادقة، فإن الله –عز وجل- قد جعل بأسه على القوم المجرمين». وبهذه الكلمات الموجزة استثار عقبة حميَّة رجاله، وأعطى درسًا بليغًا للأجيال من بعده عن حقيقة دعوة المجاهد.
التقى المسلمون بأعدائهم وقاتلوهم قتالاً شديدًا، وكانت نتيجته معروفة بعدما وصلت معنويات المسلمين إلى قمم الجبال، وانتصر المسلمون كما هي عادتهم، وسار عقبة حتى نزل على طنجة فلقيه أحد قادة الروم واسمه جوليان فخضع لعقبة ودفع له الجزية، فسأله عقبة عن مسألة فتح الأندلس، فقال له جوليان: أتترك كفار البربر خلفك وترمى بنفسك في بحبوحة الهلاك مع الفرنج؟ فقال عقبة: «وأين كفار البربر؟» فقال: «في بلاد السوس, وهم أهل نجدة وبأس». فقال عقبة: «وما دينهم؟». قال: «ليس لهم دين فهم على المجوسية».
فتوجَّه إليهم عقبة كالإعصار الكاسح الذي يُدَمِّر كل شيء بإذن الله، واخترق هذه البلاد كلها هازمًا لكل قبائل البربر، حتى وصل بخيله إلى المحيط الأطلنطي فاخترق عقبة بفرسه ماء المحيط، ثم قال بقلب المؤمن الصادق الغيور، الذي بذل واستفرغ كل جهده وحياته لخدمة الإسلام: «يا رب لولا هذا البحر لمضيتُ في البلاد مجاهدًا في سبيلك، اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل مَنْ كفر بك حتى لا يُعبد أحد دونك» (1).
وبهذه النفوس الصادقة والقلوب المؤمنة والعزائم الفائقة انتشر الإسلام في ربوع الأرض.
استشهاد عقبة بن نافع
حقَّق عقبة غايته من حركة الفتح الإسلامي بالشمال الإفريقي؛ فلقد أخضع قبائل البربر، وأوقع بها بأسًا شديدًا، حتى وصل إلى أقصى بلاد المغرب، واقتحم المحيط بفرسه، وبعدها قرَّر عقبة العودة إلى القيروان، فلمَّا وصل إلى طنجة أَذِنَ لمَنْ معه من الصحابة أن يتفرَّقُوا ويقدموا القيروان أفواجًا؛ ثقة منه بما نال من عدوِّه، ومال عقبة مع ثلاثمائة من أصحابه إلى مدينة «تهوذة»، فلما رآه الروم في قلَّة من أصحابه طمعوا فيه، وأغلقوا باب الصحن وشتموه وهو يدعوهم إلى الإسلام، وعندها أظهر كسيلة مكنون صدره، الذي كان منطويًا على الكفر والغدر والحسد، واستغلَّ قلَّة جند عقبة واتفق مع الروم على الغدر بعقبة، وأرسل إلى إخوانه البربر الوثنيين وجمع جموعًا كثيرة للهجوم على عقبة ومَنْ معه، وقد أُطلق على تلك الموقعة اسم معركة ممس.

كان أبو المهاجر في ركب عقبة، ولكنَّ عقبة قد غضب منه فقيَّده، فلما رأى أبو المهاجر هجوم كسيلة ومَنْ معه، أنشد أبيات أبي محجن الثقفي المشهورة:
كَفَى حَزَنًا أَنْ ترتدي الخَيْلُ بِالْقَنَا وَأُتْرَكُ مَشْــــــدُودًا عَلَيَّ وَثَاقِيَا
إِذَا قُمْـتُ عَنَّانِي الحَدِيدُ وَأُغْلِقَتْ مَصَارِعُ مِنْ دُونِي تُصِمُّ المُنَادِيَا
ففكَّ عقبة وثاقه، وقال له: «الحق بالقيروان، وقُمْ بأمر المسلمين، وأنا أغتنم الشهادة». فقال أبو المهاجر: «وأنا -أيضًا- أُريد الشهادة». وكسر عقبة والمسلمون أجفان سيوفهم، واقتتلوا مع البربر حتى استُشهد عقبة وكلُّ مَنْ معه في أرض الزاب بتهوذة، وذلك سنة (63 هـ= 683م).
كان عقبة بن نافع –رضي الله عنه- مثالاً في العبادة والأخلاق والورع والشجاعة والحزم، والعقلية العسكرية الاستراتيجية الفذَّة، والقدرة الفائقة على القيادة بورع وإيمان وتقوى وتوكُّل تامٍّ على الله –عز وجل- فأحبَّه رجالُه وأحبَّه أمراء المؤمنين، وكان مستجاب الدعوة، مظفَّر الراية، فلم يُهزم في معركة قط، طبَّق في حروبه أحدث الأساليب العسكرية والجديدة في تكتيكات القتال؛ مثل مبدأ المباغتة، وتحشيد القوَّات، وإقامة الحاميات، وتأمين خطوط المواصلات، واستخدام سلاح الاستطلاع.
ونستطيع أن نقول بمنتهى الحيادية: إن البطل عقبة بن نافع قد حقَّق أعمالاً عسكرية باهرة، بلغت حدَّ الروعة والكمال، وأنجز في وقت قليل ما لا يُصَدِّقه عقلٌ عند دراسته من الناحية العسكرية البحتة، وترك باستشهاده أثرًا كبيرًا في نفوس البربر، وأصبح من يومها يُلَقَّب بـ «سيدي عقبة».
المصدر: كتاب قادة لا تنسى - تأليف تامر بدر


1- انظر: ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 3/206.
ماذا لو لم يأت عقبة بن نافع إلى القيروان - سؤال يجيب عنه الدكتور راغب السرجاني في محاضرته بجامع القيروان في تونس، أوضح فضيلته أن عقبة بن نافع كان يحمل قضية هي حمل الإسلام لمن لا يعرفه، مع بيان تاريخ الإسلام في تونس وبناء القيروان ودور كل مسلم الآن في الدعوة إلى الله تعالى للعالمين

https://www.youtube.com/watch?v=qHL6u6cWSrg




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 12:12 pm

محمد بن القاسم الثقفي .. أصغر فاتح في الإسلام
د. عماد عجوة


[size=17]سنطالع اليوم سيرة بطل شاب من أعظم الأبطال في التاريخ الإسلامي، هو فاتح بلاد السند والبنجاب، وقد أودع الله بين جنبيه نفسًا بعيدة المطامح لخدمة الإسلام، وبلاد السند والبنجاب (بلاد باكستان الحالية) - هو محمد بن القاسم الثقفي مؤسس أول دولة إسلامية في الهند؛ ولذلك يبقى اسمه شامخًا في سجل الفاتحين الأبطال.

محمد بن القاسم الثقفي .. مولده ونشأته
ولد محمد بن القاسم الثقفي سنة 72هـ بمدينة الطائف في أسرة معروفة، فقد كان جدّه محمد بن الحكم من كبار ثقيف. وفي سنة 75هـ صار الحجاج بن يوسف الثقفي واليًا عامًّا على العراق والولايات الشرقية التابعة للدولة الأموية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، فعيّن الحجاج عمّه القاسم واليًا على مدينة البصرة، فانتقل الطفل محمد بن القاسم إلى البصرة. ولما شيد الحجاج مدينة واسط وصارت معسكرًا لجنده الذين يعتمد عليهم في الحروب، وامتلأت بسكانها الجدد، وفيها نشأ وترعرع محمد بن القاسم الثقفي وتدرب على الجندية والفروسية، فلُقّن فنون الحرب وأساليب القتال حتى أصبح من القادة المعروفين وهو لم يتجاوز بعد 17 عامًا من العمر.

صفات محمد بن القاسم الثقفي
بدت على محمد بن القاسم الثقفي أمارات النجابة والشجاعة وحسن التدبير في الحرب منذ نعومة أظفاره؛ مما جعل الحجاج بن يوسف الثقفي يعينه أميرًا على ثغر السند وهو لم يتجاوز 17 عامًا، وكان محمد بن القاسم راجح الميزان في التفكير والتدبير، وفي العدل والكرم، إذا قورن بكثير من الأبطال، وهم لا يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة، ولقد شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء، وقد سحر الهنود بعدالته وسماحته، فتعلقوا به تعلقًا شديدًا.

وكان من دأب محمد بن القاسم الثقفي أن يجنح إلى الصلح والسلم ما وسعه ذلك، وقد أوصاه بذلك الحجاج بن يوسف الثقفي: "إذا أردت أن تحتفظ بالبلاد فكن رحيمًا بالناس، ولتكن سخيًّا في معاملة من أحسنوا إليك، وحاول أن تفهم عدوك، وكن شفوقًا مع من يعارضك، وأفضل ما أوصيك به أن يعرف الناس شجاعتك، وأنك لا تخاف الحرب والقتال".
وكان محمد بن القاسم يتصف بالتواضع الرفيع، فكان في جيشه من يكبر أباه سنًّا وقدرًا، فلم تجنح نفسه معهم إلى الزهو والمباهاة، ولكنه لم يكن يقطع أمرًا إلا بمشورتهم، بَنَى المساجد في كل مكان يغزوه، وعمل على نشر الثقافة الإسلامية مبسطة ميسرة.
محمد بن القاسم الثقفي وفتح بلاد السند
استولى قراصنة السند من الديبل بعلم من ملكهم "داهر" في عام 90هـ على ثماني عشرة سفينة بكل ما فيها من الهدايا والبحارة والنساء المسلمات، اللائي عمل آباؤهم بالتجارة وماتوا في سرنديب وسيلان، وصرخت مسلمة من بني يربوع "وا حجاج، وا حجاج"، وطار الخبر للحجاج باستغاثتها، فنادى من وراء الجبال والبحار "لبيك لبيك".

وحاول الحجاج بن يوسف الثقفي استرداد النساء والبحارة بالطرق السلمية، ولكن "داهر" اعتذر بأنه لا سلطان له على القراصنة، فثارت ثائرة الحجاج، فأعد الحجاج جيشًا تلو الآخر، الأول بقيادة "عبد الله بن نهبان" فاستشهد، ثم أرسل الحجاج "بديل بن طهفة البجلي" ففاز بالشهادة دون أن يصل إلى أمر حاسم.
فاستشاط الحجاج غضبًا بعد أن رأى قوّاده يتساقطون شهيدًا وراء شهيد، فأقسم ليفتحن هذه البلاد، وينشر الإسلام في ربوعها، وقرّر القيام بحملة منظمة، ووافق الخليفة الوليد بن عبد الملك، وبعد أن تعهد له الحجاج أن يرد إلى خزينة الدولة ضعف ما ينفقه على فتح بلاد السند.
وقد وقع اختيار الحجاج على محمد بن القاسم الثقفي ليقود الجيش الإسلامي؛ لما رآه فيه من حزم وبسالة وفدائية، فجهّزه بكل ما يحتاج إليه في ميدان القتال من عتاد، وتحرك البطل محمد بن القاسم الثقفي بجيشه المكون من عشرين ألف مقاتل من خيرة الأبطال وصفوة الجنود، واجتاز الجيش حدود إيران سنة 90هـ إلى الهند، وبرزت مواهب محمد بن القاسم الفذة في القيادة وإدارة المعارك، فحفر الخنادق ورفع الرايات والأعلام ونصب المنجنيقات، ومن بينها منجنيق يقال له: العروس كان يقوم بتشغيله خمسمائة، تقذف منه الصخور إلى داخل الحصون فيدكها دكًّا.
وبعد ذلك اتجه نحو بلاد السند، فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين، ثم زحف إلى الديبل، فخندق الجيش بخيوله وأعلامه واستعد لمقاتلة الجيش السندي بقيادة الملك "الراجة داهر" حاكم الإقليم، في معركة مصيرية سنة 92هـ، وكان النصر للحق على الباطل، فقد انتصر المسلمون، وقُتل ملك السند في الميدان، وسقطت العاصمة السندية في أيدي المسلمين. واستمر محمد بن القاسم الثقفي في فتوحاته لبقية أجزاء بلاد السند ليطهرها من الوثنية المشركة، فنجح في بسط سلطانه على إقليم السند، وفتح مدينة الديبل في باكستان، وامتدت فتوحاته إلى ملتان في جنوب إقليم البنجاب، وانتهت فتوحاته سنة 96هـ عند الملقان، وهي أقصى ما وصل إليه محمد بن القاسم من ناحية الشمال، فرفرف عليها علم الإسلام وخرجت من الظلمات إلى النور، وبذلك قامت أول دولة إسلامية في بلاد السند والبنجاب (باكستان حاليًّا).
قالوا عنه
قال حمزة الحنفي فيه:

[/size]
إن المــــروءة والسماحة والنـدى *** لمحمد بن القاسـم بن محمـد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجّة *** يا قرب ذلك سؤددًا من مولد
[size]
وفاة محمد بن القاسم الثقفي
إن العين لتدمع دمعات حزينة حين تُفاجأ بنهاية محمد بن القاسم الثقفي الأليمة، فلو كان البطل الشهيد قد لاقى مصيره في معترك السيوف، لكان مصرعه مدعاة ارتياح لمن يقدرون البطولة، ولكنه يذهب ضحية للحقد، فتختلق الأكاذيب ضده لتلطخ بسوادها المنكر صحيفة بيضاء ساطعة بنور الفضيلة والكرامة والإباء، ويمضي الشهيد إلى ربه صابرًا محتسبًا، فلم يكن للبطل محمد بن يوسف الثقفي من ذنب لدى الخليفة سليمان بن عبد الملك إلا أنه ابن عم غريمه الحجاج بن يوسف الثقفي، فانتقم الخليفة سليمان من الحجاج الذي عزله من قبلُ عن الخلافة في شخص محمد بن القاسم.

ووصل محمد بن القاسم الثقفي إلى العراق، بعد أن ادعت ابنة داهر ملك السند الذي قتله محمد بن القاسم أن محمد راودها عن نفسها ونالها قسرًا، فأرسله والي العراق صالح بن عبد الرحمن مقيدًا بالسلاسل إلى سجن مدينة واسط، وهناك عذبه شهورًا بشتى أنواع التعذيب حتى مات البطل الفاتح في سنة 95هـ، فخرجت الجموع الحاشدة لتوديعه باكية حزينة، لم يكن العرب وحدهم يبكون على مصيره، بل أهل السند من المسلمين، وحتى البرهميين والبوذيين، كانون يذرفون الدموع الغزيرة، وصوَّره الهنود بالحصى على جدرانهم ليبقى شخصه ماثلاً للعيون، وجذعوا لفراقه جزعًا شديدًا.
مات محمد بن القاسم الثقفي ولم يبلغ الرابعة والعشرين من عمره بعد أن فتح الفتوح وقاد الجيوش وضم الباكستان العظيمة إلى رقعة الإسلام، فاستضاء بجهاده وبمن جاء بعده مائة مليون مسلم.
بقلم: د. عماد عجوة(1)

[/size]

[size]
(1) مدير عام البحث العلمي برئاسة قطاع الآثار الإسلامية والقبطية.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالأحد 22 مايو 2016, 12:13 pm

الحجاج بن يوسف الثقفي.. الوجه المشرق
قصة الإسلام


قادة غيروا الدنيا 19484_image002


احتل الحجاج بن يوسف الثقفي مكانة متميزة بين أعلام الإسلام، ويندر أن تقرأ كتابًا في التاريخ أو الأدب ليس فيه ذكر للحجاج الذي خرج من سواد الناس إلى الصدارة بين الرجال وصانعي التاريخ بملكاته الفردية ومواهبه الفذة في القيادة والإدارة.
وعلى قدر شهرة الحجاج كانت شهرة ما نُسب إليه من مظالم؛ حتى عدَّه كثير من المؤرخين صورة مجسمة للظلم، ومثالاً بالغًا للطغيان، وأصبح ذكر اسمه يستدعي في الحال معاني الظلم والاستبداد، وضاعت أعمال الحجاج الجليلة بين ركام الروايات التي تروي مفاسده وتعطشه للدماء، وإسرافه في انتهاكها، وأضافت بعض الأدبيات التاريخية إلى حياته ما لم يحدث حتى صار شخصية أسطورية بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع، وقليل من المؤرخين من أنصف الحجاج، ورد له ما يستحق من تقدير.
وإذا كان الجانب المظلم قد طغى على صورة الحجاج، فإننا سنحاول إبراز الجانب الآخر المشرق في حياته، والمؤثر في تاريخ المسلمين؛ حتى تستبين شخصية الحجاج بحلوها ومرها، وخيرها وشرها.

الحجاج بن يوسف.. المولد والنشأة

في الطائف كان مولد الحجاج بن يوسف الثقفي في سنة 41 هـ/ 661م، ونشأ بين أسرة كريمة من بيوت ثقيف، وكان أبوه رجلاً تقيًّا على جانب من العلم والفضل، وقضى معظم حياته في الطائف، يعلِّم أبناءها القرآن الكريم دون أن يتخذ ذلك حرفة، أو يأخذ عليه أجرًا.
حفظ الحجاج القرآن على يد أبيه ثم تردد على حلقات أئمة العلم من الصحابة والتابعين، مثل عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وغيرهم، ثم اشتغل وهو في بداية حياته بتعليم الصبيان، شأنه في ذلك شأن أبيه.
وكان لنشأة الحجاج في الطائف أثر بالغ في فصاحته؛ حيث كان على اتصال بقبيلة هذيل أفصح العرب، فشب خطيبًا، حتى قال عنه أبو عمرو بن العلاء: "ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج"، وتشهد خطبه بمقدرة فائقة في البلاغة والبيان.

الحجاج الثقفي وابن الزبير

لفت الحجاج أنظار الخليفة عبد الملك بن مروان، ورأى فيه شدة وحزمًا وقدرة وكفاءة، وكان في حاجة إليه؛ حتى ينهي الصراع الدائر بينه وبين عبد الله بن الزبير الذي كان قد أعلن نفسه خليفة سنة 64هـ/ 683م بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ودان له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي، ولم يبق سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، فنجح في استعادة مصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفي تاركًا لابنه عبد الملك استكمال المهمة، فانتزع العراق، ولم يبق في يد عبد الله بن الزبير سوى الحجاز؛ فجهز عبد الملك حملة بقيادة الحجاج؛ للقضاء على دولته تمامًا.
حاصر الحجاج مكة المشرفة، وضيّق الخناق على ابن الزبير المحتمي بالبيت، وكان أصحابه قد تفرقوا عنه وخذلوه، ولم يبق سوى قلة صابرة، لم تغنِ عنه شيئًا، ولم تستطع الدفاع عن المدينة المقدسة التي يضربها الحجاج بالمنجنيق دون مراعاة لحرمتها وقداستها؛ حتى تهدمت بعض أجزاء من الكعبة، وانتهى القتال باستشهاد ابن الزبير والقضاء على دولته، وعودة الوحدة للأمة الإسلامية التي أصبحت في ذلك العام 73 هـ/ 693م تدين بالطاعة لخليفة واحد، وهو عبد الملك بن مروان.
وكان من أثر هذا الظفر أن أسند الخليفة إلى الحجاج ولاية الحجاز مكافأة له على نجاحه، وكانت تضم مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة فكان عند حسن ظن الخليفة، وأظهر حزمًا وعزمًا في إدارته؛ حتى تحسنت أحوال الحجاز، فأعاد بناء الكعبة، وبنى مسجد ابن سلمة بالمدينة المنورة، وحفر الآبار، وشيد السدود.

الحجاج بن يوسف في العراق

بعد أن أمضى الحجاج زهاء عامين واليًا على الحجاز نقله الخليفة واليًا على العراق بعد وفاة أخيه بشر بن مروان، وكانت الأمور في العراق بالغة الفوضى والاضطراب، تحتاج إلى من يعيد الأمن والاستقرار، ويسوس الناس على الجادة بعد أن تقاعسوا عن الخروج للجهاد، وركنوا إلى الدعة والسكون، واشتدت معارضتهم للدولة، وازداد خطر الخوارج، وقويت شكوتهم بعد أن عجز الولاة عن كبح جماحهم.
ولبى الحجاج أمر الخليفة وأسرع في سنة 75هـ/ 694م إلى الكوفة، وفي أول لقاء معهم خطب في المسجد خطبة عاصفة أنذر فيها وتوعد المخالفين والخارجين على سلطان الخليفة والمتكاسلين عن الخروج لقتال الخوارج الأزارقة، وخطبة الحجاج هذه مشهورة متداولة في كتب التاريخ، ومما جاء فيها: "… يا أهل الكوفة، إني لأرى أرؤسًا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها، وإن أمير المؤمنين -أطال الله بقاءه- نثر كِنانته (جعبة السهام) بين يديه، فعجم عيدانها (اختبرها)، فوجدني أمرّها عودًا، وأصلبها مكْسِرًا فرماكم بي؛ لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مراقد الضلالة. وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم، وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلّب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلاً تخلّف بعد أخذ عطائه ثلاثة أيام إلا ضربت عنقه".
وأتبع الحجاج القول بالفعل، ونفذ وعيده بقتل واحد ممن تقاعسوا عن الخروج للقتال، فلما رأى الناس ذلك تسارعوا نحو قائدهم المهلب لمحاربة الخوارج الأزارقة، ولما اطمأن الحجاج إلى استقرار الأوضاع في الكوفة، ذهب إلى البصرة تسبقه شهرته في الحزم، وأخذ الناس بالشدة والصرامة وخطب فيهم خطبة منذرة زلزلت قلوبهم، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع المهلب قائلاً لهم: "إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو…".
ولم يكتف الحجاج بحشد الجيوش مع المهلب بل خرج في أهل البصرة والكوفة إلى "رشتقباذ" ليشد من أزر قائده المهلب ويساعده إن احتاج الأمر إلى مساعدة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ إذ حدثت حركة تمرد في صفوف الجيش، وتزعم الثورة رجل يدعى "ابن الجارود" بعد أن أعلن الحجاج عزمه على إنقاص المحاربين من أهل العراق 100 درهم، ولكن الحجاج تمكن من إخماد الفتنة والقضاء على ابن الجارود وأصحابه.
وما كاد الحجاج يقضي على فتنة الخوارج حتى شبت ثورة عارمة دامت ثلاث سنوات (81- 83هـ/ 700- 702م) زعزعت استقرار الدولة، وكادت تعصف بها، وكان يقودها "عبد الرحمن بن الأشعث" أحد رجالات الحجاج الذي أرسله على رأس حملة جرارة لإخضاع الأجزاء الشرقية من الدولة، وبخاصة سجستان لمحاربة ملكها "زنبيل".
وبعد أن حقق ابن الأشعث عددًا من الانتصارات غرّه ذلك، وأعلن العصيان، وخلع طاعة الخليفة، وكان في نفسه عجب وخيلاء واعتداد كريه، وبدلاً من أن يكمل المهمة المنوط بها عاد ثائرًا على الدولة الأموية مدفوعًا بطموحه الشخصي وتطلعه إلى الرئاسة والسلطان.
ووجد في أهل العراق ميلاً إلى الثورة والتمرد على الحجاج، فتلاقت الرغبتان في شخصه، وآزره عدد من كبار التابعين انغروا بدعوته، مستحلّين قتال الحجاج بسبب ما نُسب إليه من أعمال وأفعال، وحالف النصر ابن الأشعث في جولاته الأولى مع الحجاج، واضطرب أمر العراق وسقطت البصرة في أيدي الثوار، غير أن الحجاج نجح في أن يسترد أنفاسه، وجاء المدد من دمشق وواصل قتاله ضد ابن الأشعث، ودارت معارك طاحنة حسمها الحجاج لصالحه، وتمكن من سحق عدوه في معركة دير الجماجم سنة 83 هـ/ 702م، والقضاء على فتنته.

الفتوحات الإسلامية

فتوحات قتيبة بن مسلم

تطلع الحجاج بعد أن قطع دابر الفتنة، وأحل الأمن والسلام إلى استئناف حركة الفتوحات الإسلامية التي توقفت بسبب الفتن والثورات التي غلت يد الدولة، وكان يأمل في أن يقوم الجيش الذي بعثه تحت قيادة ابن الأشعث بهذه المهمة، وكان جيشًا عظيمًا أنفق في إعداده وتجهيزه أموالاً طائلة حتى أُطلق عليه جيش الطواويس، لكنه نكص على عقبيه وأعلن الثورة، واحتاج الحجاج إلى سنوات ثلاثة حتى أخمد هذه الفتنة العمياء.
ثم عاود الحجاج سياسة الفتح، وأرسل الجيوش المتتابعة، واختار لها القادة الأكفاء، مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي ولاه الحجاج خراسان سنة 85هـ/ 704م، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد؛ فأبلى بلاء حسنًا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة، مثل: بلخ، وبيكند، وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانه، والشاس، وكاشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر، وانتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز مهمة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند.
وبعث الحجاج بابن عمه محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند، وكان شابًّا صغير السن لا يتجاوز العشرين من عمره، ولكنه كان قائدًا عظيمًا موفور القدرة، نجح خلال فترة قصيرة لا تزيد عن خمس سنوات (89- 95هـ/ 707- 713م) في أن يفتح مدن وادي السند، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في فتح قنوج أعظم إمارات الهند التي كانت تمتد بين السند والبنغال، فأجابه إلى طلبه وشجعه على المضي، وكتب إليه أن "سر فأنت أمير ما افتتحته"، وكتب إلى قتيبة بن مسلم عامله على خراسان يقول له: "أيكما سبق إلى الصين فهو عامل عليها".
وكان الحجاج يتابع سير حملات قادته يوفر لها ما تحتاجه من مؤن وإمدادات، ولم يبخل على قادتها بالنصح والإرشاد؛ حتى حققت هذه النتائج العظيمة، ووصلت رايات الإسلام إلى حدود الصين والهند.

إصلاحات الحجاج بن يوسف

وفي الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على العراق قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها؛ فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة، ومنع بيع الخمور، وأمر بإهراق ما يوجد منها، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره جسور فأمر ببنائها، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين.
ومن أعماله الكبيرة بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واختار لها مكانًا مناسبًا، وشرع في بنائها سنة 83هـ/ 702م، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها مقرًّا لحكمه.
وكان الحجاج يدقق في اختيار ولاته وعماله، ويختارهم من ذوي القدرة والكفاءة، ويراقب أعمالهم، ويمنع تجاوزاتهم على الناس، وقد أسفرت سياسته الحازمة عن إقرار الأمن الداخلي، والضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق.
ويذكر التاريخ للحجاج أنه ساعد في تعريب الدواوين، وفي الإصلاح النقدي للعملة، وضبط معيارها، وإصلاح حال الزراعة في العراق بحفر الأنهار والقنوات، وإحياء الأرض الزراعية، واهتم بالفلاحين، وأقرضهم، ووفر لهم الحيوانات التي تقوم بمهمة الحرث؛ وذلك ليعينهم على الاستمرار في الزراعة.

نقط المصحف

ومن أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف؛ فقام "نصر بن عاصم" بهذه المهمة العظيمة، ونُسب إليه تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.

الحجاج الثقفي في التاريخ

اختلف المؤرخون القدماء والمحدثون في شخصية الحجاج بن يوسف بين مدح وذم، وتأييد لسياسته ومعارضة لها، ولكن الحكم عليه دون دراسة عصره المشحون بالفتن والقلاقل ولجوء خصوم الدولة إلى السيف في التعبير عن معارضتهم لسياسته أمر محفوف بالمزالق، ويؤدي إلى نتيجة غير موضوعية بعيدة عن الأمانة والنزاهة.
ولا يختلف أحد في أنه اتبع أسلوبًا حازمًا مبالغًا فيه، وأسرف في قتل الخارجين على الدولة، وهو الأمر الذي أدانه عليه أكثر المؤرخين، ولكن هذه السياسة هي التي أدت إلى استقرار الأمن في مناطق الفتن والقلاقل التي عجز الولاة من قبله عن التعامل معها.
ويقف ابن كثير في مقدمة المؤرخين القدماء الذين حاولوا إنصاف الحجاج؛ فيقول: "إن أعظم ما نُقِم على الحجاج وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله، وقد كان حريصًا على الجهاد وفتح البلاد، وكانت فيه سماحة إعطاء المال لأهل القرآن؛ فكان يعطي على القرآن كثيرًا، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا 300 درهم".
وقد وضعت دراسات تاريخية حديثه عن الحجاج، وبعضها كان أطروحات علمية حاولت إنصاف الحجاج وتقديم صورته الحقيقية التي طمس معالمها وملامحها ركام الروايات التاريخية الكثيرة.. وتوفي الحجاج بمدينة واسط في (21 من رمضان 95هـ/ 9 من يونيو 714م).

هوامش ومصادر:

* الطبري محمد بن جرير: تاريخ الرسل والملوك - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - دار المعارف – القاهرة - 1971م.
* ابن خلكان: وفيات الأعيان - تحقيق إحسان عباس - دار صادر - بيروت - 1979م.
* إحسان صدقي العمد: الحجاج بن يوسف الثقفي - دار الثقافة – بيروت - 1973م.
* عبد الواحد ذنون طه: العراق في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي - منشورات مكتبة باسل - الموصل - العراق - 1405هـ/ 1985م.
* علي حسني الخربوطلي: تاريخ العراق في ظل الحكم الأموي - دار المعارف – القاهرة - 1959م.
المصدر: موقع إسلام أون لاين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالسبت 28 مايو 2016, 10:04 am

عمرو بن العاص




هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم القرشي السهمي، فاتح مصر، وهو من أشهر قادة العرب العسكريين والسياسيين؛ لما كان يتمتَّع به من دهاء وذكاء شديدين.

عمرو بن العاص قبل إسلامه

يكنى عمرو بن العاص رضي الله عنه بأبي عبد الله وأبي محمد. كان يحترف التجارة؛ فقد كان يُسافر بتجارته إلى الشام واليمن ومصر والحبشة، كما كان من فرسان قريش وأبطالهم المعدودين مذكورًا بذلك فيهم، وكان -أيضًا- شاعرًا حسن الشعر، حُفظ عنه الكثير في مشاهد شتَّى, كما كان معدودًا -أيضًا- من دهاة العرب وشجعانهم وذوي آرائهم؛ ولذلك أرسلته قريش إلى النجاشي ملك الحبشة ليرُدَّ عليهم مَنْ هاجر من المسلمين إلى بلاده، ولكن لم يستجب له النجاشي وردَّه خائبًا.

إسلام عمرو بن العاص

دخل عمرو بن العاص رضي الله عنه الإسلام سنة ثمان للهجرة بعد فشل قريش الذريع في غزوة الأحزاب وقبل الفتح بنحو ستة أشهر؛ حيث قَدِمَ هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة المدينة مسلمين، فلمَّا دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر إليهم، قال: «رَمَتْكُمْ مَكَّةُ بِأَفْلَاذِ كَبِدِهَا». وكان قد همَّ بالإقبال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حين انصرافه من الحبشة ثم لم يعزم له إلى ذلك الوقت، وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ. فبسط يمينه، قال: فقبضتُ يدي، قال صلى الله عليه وسلم: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قال: قلتُ: أردتُ أنْ أشترطَ. قال: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قلتُ: أنْ يُغْفَرَ لِي. قال: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» (1). ولمَّا أسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقَرِّبه ويُدنيه لمعرفته وشجاعته، وقد بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: «خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ وَسِلَاحَكَ، ثُمَّ ائْتِنِي». قال عمرو: فأتيته وهو يتوضَّأ فصعَّد فيَّ النظر ثم طأطأه، فقال: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُسَلِّمَكَ اللهُ وَيُغْنِمَكَ، وَأَرْغَبُ لَكَ مِنَ المَالِ رَغْبَةً صَالِحَةً». قال: قلتُ: يا رسول الله؛ ما أسلمتُ من أجل المال، ولكني أسلمتُ رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صل الله عليه وسلم. فقال: «يَا عَمْرُو؛ نِعْمَ المَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ» (2). ويقول رسول الله صل الله عليه وسلم: « إِنَّ عَمْرَو بْنَ العَاصِ مِنْ صَالحِي قُرَيْشٍ (3). وزاد في رواية أحمد: «نِعْمَ أَهْلُ الْبَيْتِ عَبْدُ اللهِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ (4).

وقد أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله –صل الله عليه وسلم: «ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ هِشَامٌ وَعَمْرٌو (5).

وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه مجاهدًا شجاعًا، يحبُّ الله ورسوله، ويعمل على رفع لواء الإسلام ونشره في مشارق الأرض ومغاربها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف لعمرو شجاعته وقدرته الحربية؛ فكان يُوَلِّيه قيادة بعض الجيوش والسرايا، وكان يُحبُّه ويُقَرِّبه، وقد وجَّه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سريَّة إلى ذات السلاسل في جُمَادَى الآخرة سنة ثمان من الهجرة، وجعل أميرها عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقد جعل النبي صل الله عليه وسلم عمرو بن العاص واليًا على عمان، فظلَّ أميرًا عليها حتى تُوُفِّيَ النبي صل الله عليه وسلم.

فتوحات عمرو بن العاص

بعد وفاة الرسول صل الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه شارك عمرو بن العاص في حروب الردة وأبلى فيها بلاءً حسنًا، ثم قام أبو بكر رضي الله عنه بتوليته أميرًا على أحد الجيوش الأربعة التي اتجهت إلى بلاد الشام لفتحها، فانطلق عمرو بن العاص إلى فلسطين على رأس ثلاثة آلاف مجاهد، ثم وصله مدد آخر فأصبح عداد جيشه سبعة آلاف، وشارك في معركة اليرموك مع باقي الجيوش الإسلامية، وذلك عقب وصول خالد بن الوليد من العراق بعد أن تغلَّب على جيوش الفرس، وبِنَاءً على اقتراح خالد بن الوليد تم توحيد الجيوش معًا على أن يتولَّى كل قائد قيادة الجيش يومًا من أيام المعركة، وبالفعل تمكَّنت الجيوش المسلمة من هزيمة جيش الروم في معركة اليرموك تحت قيادة خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبي عبيدة بن الجراح.. وغيرهم، وتمَّ فتح بلاد الشام. انتقل بعد ذلك عمرو بن العاص ليُكمل مهامَّه في مدن فلسطين؛ ففتح منها: غزَّة، وسَبَسْطِيَة، ونَابُلُس، ويُبْنَى، وعمواس، وبيت جيرين، ويافا، ورفح.

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا ذُكر أمامه حصار بيت المقدس وما أبدى فيه عمرو بن العاص من براعة يقول: «لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب (6).

ثم تولَّى عمرو بن العاص إمارة فلسطين، وكان عُمر رضي الله عنه يحبُّه ويعرف له قدره وذكاءه، فكان يقول عنه: «ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلاَّ أميرًا (7).

عمرو بن العاص وفتح مصر

كان عمرو بن العاص رضي الله عنه يتمنَّى أن يفتح الله على يديه مصر، فظلَّ يُحدِّث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنها حتى أقنعه، فأمَّره الفاروق قائدًا على جيش المسلمين لفتح مصر وتحريرها من أيدي الروم.

وبالفعل قام ابن العاص بإعداد العدد والعتاد من أجل التوجُّه لفتح مصر، فسار على رأس جيش مكَّون من أربعة آلاف مقاتلٍ فقط، ولكن بعد أن قام الخليفة باستشارة كبار الصحابة في الأمر رأوا ألَّا يدخل المسلمون في حرب قاسية، وقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكتابة رسالة إلى عمرو بن العاص جاء فيها: «إذا بلغتكَ رسالتي قبل دخولك مصر فارجع، وإلَّا فسِرْ على بركة الله». وحين وصل البريد إلى عمرو بن العاص وفطن إلى ما في الرسالة، لم يتسلَّمْهَا حتى بلغ العريش، فتسلَّمها وفضَّها ثم سأل رجاله: «أنحن في مصر الآن أم في فلسطين؟» فأجابوا: «نحن في مصر». فقال: «إذن نسير في سبيلنا كما يأمر أمير المؤمنين».

توالت انتصارات عمرو بن العاص رضي الله عنه فدخل بجيشه إلى مدينة الفرما، والتي شهدت أول اشتباك بين الروم والمسلمين، ثم فتح بِلْبِيس وقهر قائدها الروماني أرطبون، الذي كان قائدًا للقدس وفرَّ منها، وبعد أن وصل المدد لجيش عمرو تابع فتوحاته إلى أم دنين، ثم حاصر حصن بابليون حيث المقوقس حاكم مصر من قِبَل هرقل لمدَّة سبعة أشهر، وبعد أن قَبِلَ المقوقس دفع الجزية غضب منه هرقل واستدعاه إلى القسطنطينية ونفاه، فانتهز المسلمون الفرصة وهاجموا حصون بابليون؛ مما اضطر الروم إلى الموافقة على الصلح ودفع الجزية.

توالت فتوحات عمرو بن العاص بعد ذلك في المدن المصرية الواحدة تلو الأخرى؛ حتى بلغ أسوار الإسكندرية، فحاصرها وبها أكثر من خمسين ألفًا من الروم، وخلال فترة الحصار هذه مات هرقل وجاء أخوه بعده مقتنعًا بأنه لا أمل له في الانتصار على المسلمين، فاستدعى المقوقس من منفاه، وكلَّفه بمفاوضة المسلمين للصلح.

وفي اتفاقية الصلح جاء عدد من البنود؛ منها: أن تُدفع الجزية عن كل رجل ديناران، ما عدا الشيخ العاجز والصغير، وأن يرحل الروم بأموالهم ومتاعهم عن المدينة، وأن يحترم المسلمون حين يدخلونها كنائس المسيحيين فيها، وأن يُرسل الروم مائة وخمسين مقاتلاً وخمسين من أمرائهم رهائن لتنفيذ الشروط. وقام عمرو بن العاص بإرسال رسول إلى الخليفة عمر رضي الله عنه ليُبَلِّغَه بشارة الفتح.

عمرو بن العاص حاكما لمصر

قضى عمرو بن العاص في فتح مصر ثلاث سنوات، وقد استقبله أهلها بالكثير من الفرح والترحيب؛ لما عانوه من قسوة الروم وظلمهم، وقد كانوا خير العون لعمرو بن العاص ضد الروم، وكان عمرو –رضي الله عنه- يقول لهم: يا أهل مصر؛ لقد أخبرنا نبينا أن الله سيفتح علينا مصر، وأوصانا بأهلها خيرًا؛ حيث قال الرسول الكريم صل الله عليه وسلم: «إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا؛ فَإِنَّ لهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» (Cool.

وقد كان عهد ولاية عمرو على مصر عهد رخاء وازدهار، فكان يحبُّ شعبها ويُحبُّونه، وكانوا ينعمون في ظلِّ حكمه بالعدل والحرية، وفيها قام بتخطيط مدينة الفسطاط، وأعاد حفر خليج تراجان الموصِّل إلى البحر الأحمر لنقل الغنائم إلى الحجاز بحرًا، وأنشأ بها جامعًا سُمِّيَ باسمه، وما يزال جامع عمرو بن العاص قائمًا إلى الآن بمصر.

اللقاء الثاني بين الروم والمسلمين

كان الأقباط في فترة حكم الروم يُعانون من قسوتهم واضطهادهم، وإجبارهم على ترك مذهبهم واعتناق المذهب الرومي، فجاءت إحدى المواقف المهمة والتي أكَّدت على مدى احترام المسلمين للديانات الأخرى؛ فقد كان للأقباط رئيس ديني يُدعى بنيامين حين تعرَّض للقهر من الروم فاضطر إلى الفرار منهم، وعندما علم المسلمون بالأمر بعد الفتح أرسلوا إليه ليُبَلِّغُوه أنه في أمان، وعندما عاد أحسنوا استقباله وأكرموه، وولَّوْهُ رئاسة القبط، وهو الأمر الذي نال استحسان وإعجاب الأقباط بالمسلمين، فأحسنوا التعامل معهم.

جاءت المعركة الثانية بين المسلمين والروم بعد أن علم ملك الروم أن الحامية الإسلامية بالإسكندرية قليلة العدد، فانتهز هذه الفرصة وأرسل ثلاثمائة سفينة محمَّلة بالجنود، وتمكَّن من اختراق الإسكندرية واحتلالها، وعقد العزم على السير إلى الفسطاط، وعندما علم عمرو بن العاص بذلك عاد من الحجاز سريعًا، وجمع الجيش من أجل لقاء الروم ودحرهم، وبالفعل تمكَّن عمرو من قيادة جيشه نحو النصر؛ فكانت الغلبة لجيش المسلمين، ولم يكتفِ ابن العاص بهذا؛ بل سارع بملاحقة الروم الهاربين باتجاه الإسكندرية، وفرض عليها حصارًا وفتحها، وكسر شوكة الروم وأخرجهم منها، كما قام بمساعدة أهل الإسكندرية لاسترداد ما فقدوه نتيجة لظلم الروم والفساد الذي قاموا به أثناء فترة احتلالهم للمدينة.

دور عمرو بن العاص في فتنة معاوية وعلي

أثناء خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه قام بعزل عمرو رضي الله عنه عن ولاية مصر، وولَّى عليها عبد الله بن سعد العامري، عاد بعدها عمرو إلى المدينة المنورة، وبعد مقتل عثمان بن عفان، سار عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان وشهد معه معركة صفين، ولما اشتدَّت الحرب على معاوية أشار عليه عمرو بن العاص بما عُرف عنه من دهاء بطلب التحكيم؛ ورُفعت المصاحف طلبًا للهدنة، ولما رَضِيَ علي بن أبي طالب بالتحكيم، وُكِّل عمرو بن العاص حكمًا عن معاوية بن أبي سفيان، كما وُكِّل أبو موسى الأشعري حكمًا عن علي بن أبي طالب. اتفق الحكمان أن يجتمع مَنْ بقي حيًّا من العشرة المبشرين بالجنة ويُقَرِّرُوا مصير قتلة عثمان، ولم يكن قد بقي منهم إلَّا سعد بن أبي وقاص وعلي بن أبي طالب وسعيد بن زيد، وهذا القرار لم يُنَفِّذْه علي. ثم إن معاوية أرسله على جيش إلى مصر فأخذها من محمد بن أبي بكر، ثم ولَّاه معاوية على مصر حتى وفاته.

وفاة عمرو بن العاص

توفي عمرو بن العاص رضي الله عنه سنة (43هـ= 663م)، وقد تجاوز عمره 90 عامًا، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 39 حديثًا. وحين حضرته الوفاة، ومَرِضَ مرض الموت، دخل عليه ابنه عبد الله رضي الله عنهما، فوجده يبكي، فقال له: يا أبتاه! أما بَشَّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بَشَّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ فأقبل بوجهه فقال: إني كنتُ على أطباق ثلاث (أحوال ثلاث)، لقد رَأَيْتُنِي وما أحدٌ أشدَّ بغضًا لرسول الله صل الله عليه وسلم مني، ولا أَحَبَّ إليَّ أن أكون قد استمكنتُ منه فقتلتُه، فلو متُّ على تلك الحال لكنتُ من أهل النار، فلمَّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيتُ النبي صل الله عليه وسلم فقلتُ: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه، قال: فقبضتُ يدي، فقال: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قال: قلتُ: أردتُ أن أشترط. قال: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قلتُ: أن يُغفر لي. قال: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟».

وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ من رسول الله صل الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنتُ أطيق أن أملأ عيني منه إجلالًا له، ولو سُئِلْتُ أن أصفه ما أطقتُ؛ لأنني لم أكن أملأ عيني منه إجلالًا له، ولو متُّ على تلك الحال لرجوتُ أن أكون من أهل الجنة، ثم وَلِينَا أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا متُّ، فلا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ، فإذا دفنتموني فَشُنُّوا (صبُّوا) عليَّ التراب شنًّا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور (الوقت الذي تُذبح فيه ناقة)، وَيُقْسَمُ لحمها؛ حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أُرَاجِعُ (أُجاوب) بِهِ رُسُلَ رَبِّي (9).



1- مسلم: كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، (121).

2- رواه أحمد في مسنده (17798)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. والحاكم (2926)، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم لرواية موسى بن رباح وعلى شرط البخاري لأبي صالح.

3- رواه الترمذي في سننه (3845).

4- رواه أحمد في مسنده (1382).

5- الحاكم في مستدركه (5053)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ورواه أحمد في مسنده (8029)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن.

6- الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 3/605، وابن الأثير: الكامل في التاريخ، 2/328، وابن كثير: البداية والنهاية، 7/63.

7- ابن عساكر: تاريخ دمشق، 46/155.

8- مسلم: كتاب فضائل الصحابة -رضي الله عنهم، باب وصية النبي –صل الله عليه وسلم- بأهل مصر، (2543)، والحاكم (4032)، واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. والطبراني: المعجم الكبير، (15782).

9- مسلم: كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، (121).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالسبت 28 مايو 2016, 10:06 am

خالد بن الوليد


خالد بن الوليد
خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي فارس وقائد إسلامي، لقَّبه الرسول صل الله عليه وسلم بسيف الله المسلول، حارب في بلاد فارس وبلاد الروم وفي الشام، وتُوُفِّيَ ودُفن بعدها في حمص.
نشأة خالد بن الوليد
وُلد خالد بن الوليد رضي الله عنه سنة 592م في مكة، وكان والده الوليد بن المغيرة سيِّدًا في بني مخزوم ومن سادات قريش، واسع الثراء ورفيع النسب والمكانة؛ حتى إنه كان يرفض أن تُوقد نارٌ غير ناره لإطعام الناس؛ خاصة في مواسم الحجِّ وسوق عكاظ، ولُقِّبَ بريحانة قريش؛ لأنه كان يكسو الكعبة عامًا وقريش أجمعها تكسوها عامًا، وأُمُّه هي لبابة بنت الحارث الهلالية.

كان له ستة إخوة وأختان، نشأ معهم نشأة مترفة، وتعلَّم الفروسية منذ صغره مُبديًا فيها براعة مميزة؛ حيث كان أحدَ الاثنين اللذين يُقاتلان بسيفين في آن واحد هو والزبير بن العوام ويقود الفرس برجليه؛ ولذلك جعلته فروسيَّتُه أحد قادة فرسان قريش.
خالد بن الوليد قبل الإسلام
لم يُحارب خالد بن الوليد في غزوة بدر؛ لأنه كان في بلاد الشام وقت وقوع الغزوة الأولى بين المسلمين ومشركي قريش, وحارب المسلمين في غزوة أحد، وكان صاحب دور رئيسي في كسر انتصار المسلمين في غزوة أحد في نهاية الغزوة؛ وذلك بعد أن قتل مَنْ بقي من الرماة المسلمين على جبل الرماة، والتفَّ حول جيش المسلمين وطوَّقهم من الخلف، وقام بهجوم أدَّى إلى ارتباك صفوف جيش المسلمين في هذه الغزوة، وقَتَل من المسلمين عددًا كبيرًا.

وفي غزوة الأحزاب قاد كتيبة من فرسان المشركين محاولاً اقتحام الخندق، الذي حفره المسلمون حمايةً للمدينة، ولما أخفقت محاولاتُ المشركين وانصرفوا منسحبين؛ قام خالد مع عمرو بن العاص بحماية مؤخِّرتهم، ثم كان على رأس خيَّالة قريش الذين أرادوا أن يَحُولُوا بين المسلمين ومكة في غزوة الحديبية.
إسلام خالد بن الوليد
كان خالد بن الوليد كثيرَ التردُّد في الانتماء للإسلام، غير أنه مال إلى الإسلام وأسلم متأخِّرًا في صفر للسنة الثامنة من الهجرة، قبل فتح مكة بستة أشهر، وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين، وتعود قصة إسلام خالد بن الوليد إلى ما بعد معاهدة الحديبية؛ حيث أسلم أخوه الوليد بن الوليد، ودخل الرسول صل الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء فسأل الوليد عن أخيه خالد، فقال: «أَيْنَ خَالِدٌ؟» فقال الوليد: يأتي به الله.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِثْلُهُ جَهِلَ الْإِسْلَامَ، وَلَوْ كَانَ يَجَعَلَ نِكَايَتَهُ مَعَ المُسْلِمِينَ عَلَى المُشْرِكِينَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَقَدَّمْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ». فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده، فترك له رسالة قال فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمَّا بعدُ.. فإني لم أَرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وَعَقْلُهُ عَقْلُكَ، ومِثْلُ الإسلام يجهله أحدٌ؟! وقد سألني عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أَيْنَ خَالِدٌ؟» -وذَكَرَ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم فيه- ثم قال له: فاستدركْ يا أخي ما فاتك فيه؛ فقد فاتتك مواطن صالحة». وقد كان خالد –رضي الله عنه- يُفَكِّر في الإسلام، فلمَّا قرأ رسالة أخيـه سُرَّ بها سرورًا كبيرًا، وأعجبه مقالة النبـي صل الله عليه وسلم فيه، فتشجَّع وأسلـم (1).

الحلم
رأى خالد بن الوليد في منامه كأنه في بلادٍ ضيِّقة جدبة، فخرج إلى بلد أخضر واسع، فقال في نفسه: «إن هذه لرؤيا». فلمَّا قَدِمَ المدينة ذكرها لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال له: «هو مخرجُكَ الذي هداك الله للإسلام، والضيقُ الذي كنتَ فيه من الشرك» (2).

رحلة خالد بن الوليد إلى المدينة
يقول خالد عن رحلته من مكة إلى المدينة: (وددت لو أجد مَنْ أُصاحب، فلقيتُ عثمان بن طلحة، فذكرتُ له الذي أُريد فأسرع الإجابة، وخرجنا جميعًا فأدلجنا سرًّا، فلما كنا بالسهل إذا عمرو بن العاص، فقال: «مرحبًا بالقوم». قلنا: «وبك». قال: «أين مسيركم يا مجانين؟». فأخبرْنَاه، وأخبرَنَا -أيضًا- أنه يُريد النبي صل الله عليه وسلم ليُسلم، فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان).
فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «رَمَتْكُمْ مَكَّةُ بِأَفْلَاذِ كَبِدِهَا (3)». يقول خالد: «ولما اطَّلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سَلَّمتُ عليه بالنبوة، فردَّ عليَّ السلام بوجهٍ طلقٍ، فأسلمتُ وشهدتُ شهادة الحقِّ». وحينها قال الرسول صل الله عليه وسلم: «الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي هَدَاكَ، قَدْ كُنْتُ أَرَى لَكَ عَقْلًا رَجَوْتُ أَنْ لَا يُسْلِمَكَ إِلَّا إِلَى خَيْرٍ». وبايعتُ الرسـول وقلتُ: «استغفر لي كل ما أوضعـتُ فيه من صدٍّ عن سبيل الله». فقال: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ». فقلتُ: «يا رسول الله على ذلك». فقال: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ كُلَّ مَا أَوْضَعَ فِيهِ مِنْ صَدٍّ عَنْ سَبِيلِكَ». وتقدَّم عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، فأسلما وبايعا رسول الله (4).
وقال الرسول صل الله عليه وسلم عن خالد: «نِعْمَ عَبْدُ اللهِ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ» (5).

خالد بن الوليد بعد إسلامه
شارك خالد بن الوليد في أولى غزواته في غزوة مؤتة ضد الغساسنة والروم، وقد استشهد فيها قادتها الثلاثة: زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة، فسارع إلى الراية ثابت بن أرقم فحملها عاليًا، وتوجَّه مسرعًا إلى خالد قائلاً له: «خُذِ اللواء يا أبا سليمان». فلَمْ يجد خالدٌ أنَّ من حقِّه أخذها؛ فاعتذر قائلاً: «لا، لا آخذ اللواء أنت أحقُّ به، لك سنٌّ وقد شهدتَ بدرًا».
فأجابه ثابتٌ: «خذه فأنت أدرى بالقتال مني، ووالله! ما أخذتُه إلَّا لك». ثم نادى في المسلمين: «أترضون إمرة خالد؟» قالوا: «نعم».
فأخذ الراية خالدٌ وأنقذ الله به جيش المسلمين، يقول خالد: «قد انقطع في يدي يومَ مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلَّا صفيحة يمانية (وهي نوع من السيوف تكون عريضة النصل)».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عندما أخبر الصحابة بتلك الغزوة: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ -وعيناه صل الله عليه وسلم تذرفان-، حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ» (6).
فسُمِّيَ خالد من ذلك اليوم سيف الله.

ولقد أَمَّره الرسول صل الله عليه وسلم على إحدى الكتائب الإسلامية التي تحرَّكت لفتح مكة، واستعمله الرسول -أيضًا- في سريَّةٍ للقبض على أُكَيْدر ملك دومة الجندل أثناء غزوة تبوك.
وكان على مُقَدِّمة جيش المسلمين يوم حنين في بني سليم، فجُرح خالد، فعاده رسول الله، ونفث في جرحه فبرأ، وأرسله رسول الله إلى أكيدر بن عبد الملك، صاحب دومة الجندل، فأسره خالد، وأحضره عند رسول الله فصالحه على الجزية، وردَّه إلى بلده.
وأُرْسِل من قِبَل رسول الله صل الله عليه وسلم سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بن مَذْحِج، فقَدِمَ معه رجال منهم فأسلموا، ورجعوا إلى قومهم بنجران.

دور خالد بن الوليد في حروب الردة
أَمَّره الخليفة أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صل الله عليه وسلم على قتال المرتدين، فواجه خالد بن الوليد بجيشه المرأة سجاح مُدَّعِيَة النبوَّة, كما واجه مسيلمة الكذَّاب، الذي كان من أشدِّ أولئك المتنبِّئين خطرًا ومن أكثرهم أعوانًا وجندًا، ودارت معركة عنيفة بين الجانبين انتهت بهزيمة بني حنيفة ومقتل مسيلمة، كما قاتل مالك بن نُوَيْرَة الذي اتُّهِمَ بالردَّة، إلَّا أنَّ الناس اختلفوا في قتل مالك بن نُوَيْرَة، فقيل: إنه قُتِل مسلمًا لظنٍّ ظنَّهُ خالد به، وكلامٍ سمعه منه، وأنكره عليه أبو قتادة وأقسم أنه لا يُقَاتِل تحت رايته، وأنكر عليه ذلك عمر بن الخطاب.

دور خالد بن الوليد في فتح بلاد فارس
بعد أن قضى أبي بكر الصديق رضي الله عنه على فتنة الردة -التي كادت تُمَزِّق الأُمَّة وتقضي على الإسلام- توجَّه الصديق ببصره إلى العراق؛ يُريد تأمين حدود الدولة الإسلامية، وكسر شوكة الفرس المتربصين بالإسلام.

وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه في طليعة القوَّاد الذين أرسلهم أبو بكر لتلك المهمة، واستطاع خالد أن يُحَقِّقَ عددًا من الانتصارات على الفرس، واستمرَّ خالد في تقدُّمه وفتوحاته حتى فتح جزءًا كبيرًا من العراق، ثم اتجه إلى الأنبار ليفتحها، ولكنَّ أهلها تحصَّنوا بها، وكان حولها خندق عظيم يصعب اجتيازه؛ ولكنَّ خالدًا لم تُعجزه الحيلة، فأمر جنوده برمي الجنود المتحصِّنين بالسهام في عيونهم؛ حتى أصابوا نحو ألف عين منهم, ثم عمد إلى الإبل الضعاف والهزيلة فنحرها، وألقى بها في أضيق جانب من الخندق؛ حتى صنع جسرًا استطاع العبور عليه هو وفرسان المسلمين، تحت وابل من السهام أطلقه رماته لحمايتهم من الأعداء المتربصين بهم من فوق أسوار الحصن العالية المنيعة، فلمَّا رأى قائد الفرس ما صنع خالد وجنوده طلب الصلح، وأصبحت الأنبار في قبضة المسلمين.
ثم اتَّجه خالد إلى عين التمر التي اجتمع بها عدد كبير من الفرس تُؤازرهم بعض قبائل العرب، فلما بلغهم مقدم خالد هربوا، والتجأ مَنْ بقي منهم إلى الحصن، وحاصر خالد الحصن حتى استسلم مَنْ فيه، فاستخلف «عويم بن الكاهل الأسلمي» على عين التمر، وخرج في جيشه إلى دومة الجندل ففتحها.
دور خالد بن الوليد في فتح بلاد الشام
رأى أبو بكر –رضي الله عنه- أن يتَّجه بفتوحاته إلى الشام بعد أن ثَبَّت خالد بن الوليد –رضي الله عنه- أقدامه في العراق، وبعد انتصاراته الكبيرة على الفرس؛ فقد كان خالد قائده الذي يرمي به الأعداء في أي موضع، حتى قال عنه: «والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد (7). ولم يُخَيِّب خالدٌ ظنَّ أبي بكر فيه؛ فقد استطاع أن يصل إلى الشام في وقت قليل لنجدة المسلمين هناك بعد أن سلك طريقًا مختصرًا عبر صحراء السماوة.

وما إن وصل خالد رضي الله عنه إلى الشام حتى عمد إلى تجميع جيوش المسلمين تحت راية واحدة؛ ليتمكَّنُوا من مواجهة عدوِّهم والتصدِّي له، وقد أعاد خالدٌ تنظيم الجيش؛ فقسَّمه إلى كراديس (كتائب) ليكثروا في عين عدوِّهم فيهابهم، وجعل كلَّ واحد من قادة المسلمين على رأس عدد من الكراديس، فجعل أبا عبيدة في القلب على (18) كُرْدُوسًا، ومعه عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو، وجعل عمرو بن العاص في الميمنة على 10 كراديس ومعه شرحبيل بن حسنة، وجعل يزيد بن أبي سفيان في الميسرة على 10 كراديس.
والتقى المسلمون والروم في وادي اليرموك، وحمل المسلمون على الروم حملة شديدة، أبلَوْا فيها بلاءً حسنًا حتى كُتب لهم النصر في النهاية, وقُبيل المعركة تُوُفِّي أبو بكر –رضي الله عنه- وتولَّى الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي أرسل كتابًا إلى أبي عبيدة بن الجراح يأمره بإمارة الجيش وعزل خالد؛ لأن الناس فُتنوا بخالد؛ حتى ظنُّوا أن لا نصر بدون قيادته، ولكنَّ أبا عبيدة آثر أن يُخفي الكتاب حتى انتهاء المعركة وتبيّن النصر تحت قيادة خالد، وقد استُشهد من المسلمين في هذه الموقعة نحو ثلاثة آلاف، فيهم كثير من أصحاب رسول الله –صل الله عليه وسلم.
ولم ينتهِ دور خالد بن الوليد رضي الله عنه في الفتوحات الإسلامية بعزل عمر رضي الله عنه له وتولية أبي عبيدة أميرًا للجيش؛ وإنما ظلَّ خالدٌ يُقاتل في صفوف المسلمين فارسًا من فرسان الحرب، وبطلاً من أبطال المعارك الأفذاذ المعدودين.
وكان له دورٌ بارزٌ في فتح دمشق وحمص وقِنِّسْرِين، ولم يَفُتُّ في عضده أن يكون واحدًا من جنود المسلمين، ولم يُوهن في عزمه أن يصير جنديًّا بعد أن كان قائدًا وأميرًا؛ فقد كانت غايته الكبرى الجهاد في سبيل الله، ينشده من أي موقع وفي أي مكان.
قلنسوة خالد بن الوليد
كان في قلنسوة خالد رضي الله عنه التي يُقاتل بها شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنصره به وببركته، فلا يزال منصورًا، ففي حجة الوداع ولمَّا حلق الرسول صل الله عليه وسلم رأسه أعطى خالدًا ناصيته، فكانت في مقدم قلنسوته، فلمَّا سقطت منه قلنسوته يوم اليرموك، أضنى نفسَه والناسَ في البحث عنها؛ فلمَّا عُوتب في ذلك قال: «إن فيها بعضًا من شعر ناصية رسول الله وإني أتفاءل بها وأستنصر».

مقولة خالد بن الوليد قبل موته
تُوُفِّيَ خالد بن الوليد بحمص في 18 من رمضان 21هـ، الموافق 20 من أغسطس 642م، وحينما حضرته الوفاة، انسابت الدموع من عينيه حارَّة حزينة ضارعة، ولم تكن دموعه رهبة من الموت؛ فلطالما واجه الموت بحدِّ سيفه في المعارك، يحمل رُوحه على سنِّ رمحه، وإنما كان حزنه وبكاؤه لشوقه إلى الشهادة؛ فقد عزَّ عليه أن يموت على فراشه، وهو الذي طالما ارتاد ساحات القتال فترتجف منه قلوب أعدائه، وتتزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وقد جاءت كلماته الأخيرة تُعَبِّر عن ذلك الحزن والأسى في تأثُّر شديد: «لقد حضرتُ كذا وكذا زحفًا وما في جسدي موضع شبر إلَّا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء  (Cool.

وحينما يسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بوفاته يقول: «دع نساء بني مخزوم يبكين على أبي سليمان، فإنهن لا يكذبن، فعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي».


1- انظر: ابن كثير: السيرة النبوية، 3/451، والبيهقي: دلائل النبوة 4/350.
2- انظر: ابن كثير: السيرة النبوية، 3/451، والبيهقي: دلائل النبوة 4/350.
3- بأَفلاذ كبدها أَراد صميم قريش ولُبابَها وأَشرافها.
4- انظر: ابن كثير: السيرة النبوية، 3/453، والبيهقي: دلائل النبوة، 4/351.
5- الترمذي (3846)، وقال: هذا حديث حسن.
6- البخاري: كتاب فضائل الصحابة، مناقب خالد بن الوليد –رضي الله عنه، (3547).
7- الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 3/408.
8- ابن كثير: البداية والنهاية، 7/129.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69938
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

قادة غيروا الدنيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: قادة غيروا الدنيا   قادة غيروا الدنيا Emptyالسبت 28 مايو 2016, 10:07 am

قادة لا تنسى


قادة غيروا الدنيا Shapeweytw_0
لم يحفل مجال تقدَّم فيه المسلمون مثلما حفل المجال العسكري؛ فالقادة المسلمون العسكريون النبلاء لا يُحصيهم عددٌ، ولا يحويهم إحصاءٌ؛ وقد يكون ذلك راجعًا إلى كثرة الحروب والمواجهات التي واجهها المسلمون أثناء نشر دعوتهم والدفاع عن أنفسهم وديارهم.
فلن ينسى العالم أعلام الأُمَّة الإسلامية من أمثال: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، والمثنى بن حارثة، والقعقاع بن عمرو، وعقبة بن نافع، وصلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح، ونور الدين محمود.. وغيرهم من عظماء العسكريين المسلمين الذين قادوا المعارك ببصيرة حربية مذهلة، واستطاعوا أن يجعلوا من الجهاد في سبيل الله تجارب عملية وتطبيقات فدائية يشيب لها قادة العدوِّ.
وقد كان عمل القادة -في الغالب- لا يقتصر على العمليات العسكرية؛ بل يشمل القضايا الإدارية؛ لأنهم كانوا ولاةً يُمارسون الإدارة، وقادةً يُمارسون القيادة، وتاريخهم الإداري لا يقلُّ أهمية عن تاريخهم العسكري، وتاريخُهم الرسمي قادةً وإداريين جزء من تاريخهم الكامل، فينبغي دراسة تاريخهم بشرًا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويعملون عمل سائر البشر؛ زواجًا وإنجابًا، ولهم سماتهم البشرية بما فيها من مزايا ومآخذ؛ ليكون تاريخهم كاملاً جهد الإمكان؛ بحيث يستطيع الذي يدرس تاريخهم أن يتصوَّر أي نوع من البشر كانوا في حياتهم، بالإضافة إلى تصوُّرِهم أيَّ نوع من القادة والولاة كانوا، ولا ينبغي الاقتصار على سيرهم قادةً عسكريين، وإبراز سماتهم العسكرية فقط، والسكوت عن أية سمة لأي قائد إنسانًا؛ فذلك وحده يُكمل الصورة لتاريخ القادة العسكري وغير العسكري.

وللقادة العرب والمسلمين سماتهم ومزاياهم التي تُناسب عصرهم وعقيدتهم وتقاليدهم، فيجب الإبقاء على تلك السمات والمزايا كما هي، وكما كانت على أصحابها، دون أن نمسخ سيرتهم بإضافة سمات ومزايا جديدة إليهم، لم يكونوا يعرفونها ولم يسمعوا بها، ولا كانوا يحلُمون بها، ولو عادوا إلى الحياة لاشمأزُّوا منها ورفضوها.
إن الأعمال الباهرة التي قَدَّمها القادة العرب المسلمون لعقيدتهم وأُمَّتهم، ينبغي أن تُذكر لهم بكثير من العرفان، وتُسَجَّل في سيرة كل واحد منهم بالفخر والاعتزاز، في صفحات مشرقة بالنور من صفحات الرجال الأفذاذ.
أمَّا إذا تكلَّمنا عن أعظم القادة فإننا نقول بثقة وبدون أي شكٍّ: إنه النبي -صل الله عليه وسلم؛ فهو خير النماذج العسكرية المسلمة على الإطلاق؛ فكان قائدًا محنَّكًا، وزعيمًا عسكريًّا فذًّا، يُشارك جنوده المعارك جنبًا إلى جنب، ويُشاورهم في أمور الحرب، ويكفينا ذكرًا هنا أن هؤلاء القادة من أصحابه رضي الله عنهم كانوا ثمرة تربيته وفكره وتوجيهه ومبادئه العسكرية الجهادية.
لقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحوِّل هزيمة المسلمين في غزوة أحد إلى نصر سياسي وعسكري، ولو أن قائدًا مكانه صل الله عليه وسلم لَنَدَبَ حظَّه، أو لحاكَمَ الرماةَ مُحاكمة عسكرية قاسية، ولكنه لم يفعل ذلك فهو خير البشر، فقد خرج في اليوم التالي لغزوة أحد واشترط ألَّا يخرج معه إلَّا مَنْ شَهِد أُحُدًا، فما كان من قريش إلَّا أن انسحبت؛ فحفظ ماء وجه المسلمين، ورُدَّتْ إلى المسلمين كرامتهم.
وموقفه صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين بعد أن فَرَّ جيشه، ولم يَثْبُتْ إلَّا هو وقلَّة لا تتجاوز المائة -على أكثر التقديرات- فاستطاع بشجاعة القائد والفدائي أن يُعيد جنوده إلى مضمار المعركة؛ وذلك بعد أن غامر بحياته، ورفع صوته على مقربة من الأعداء مناديًا: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِب أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِب» (1)؛ ليلتفَّ حوله أصحابه وجنوده الكرام، ويعودوا بكل حماس وإصرار، ويُحَوِّلُوا الهزيمة إلى نصر. وقد قاد النبي صلى الله عليه وسلم ثماني وعشرين غزوةً مع جنده؛ كان النبي صل الله عليه وسلم فيها خير قدوة للمسلمين في فنون القيادة والسيطرة والحزم والتسامح.. وغيرها من الأمور الحربية والسياسية التي لم ولن تتواجد في إنسان غيره؛ سواء قديمًا أو حديثًا.
وإذا سألنا أنفسنا: ما الذي دفع مفكِّرًا أميركيًّا مثل «مايكل هارت» أن يُورد محمدًا صل الله عليه وسلم في صدارة كتابه «العظماء المائة»؟
سيكون جوابنا أن غير المسلمين من المنصفين لا يسعهم إلَّا أن يُقَدِّرُوا لنبي الإسلام قدره من باب الإنصاف لا أكثر.

وإذا صنَّفْنَا القادة العرب المسلمين -الذين تخرَّجوا من المدرسة العسكرية النبوية- فإننا نُقَسِّمهم إلى ثلاث طبقات:

أ- الطبقة الأولى: قادة الفتوح الإسلامية: وتشمل:
1- قادة النبي صل الله عليه وسلم: الذين قادوا سراياه، أو قادوا تشكيلاته التعبوية في غزواته؛ كقادة المقدمات والمؤخرات والمجنبات التي كان يتَّخذها لحماية جيشه في مرحلة مسير الاقتراب، وقادة المفارز (2) الاستطلاعية، وقادة أصحابه كالمهاجرين والأنصار والقبائل، وقادة أرتاله (3) المكلَّفة بواجب خاصٍّ، كالأرتال التي دخلت مكة المكرمة في غزوة الفتح.

2- قادة الفتح الإسلامي: الذين بدءوا الفتح الإسلامي سنة (11هـ= 132م)، وانتهى سنة (100هـ= 718م)، وكان مدُّ الفتح الإسلامي عاليًا في عهد أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وإلى سنة (31هـ= 651م) من عهد عثمان بن عفان رضي الله عنهم، ويمكن إضافة أسد بن الفرات فاتح صقلية، ومحمد الفاتح فاتح القسطنطينية إلى طبقة قادة الفتح، كما يمكن إضافة القادة الذين فتحوا أجزاء من أوربا أيام الخلافة العثمانية؛ فهم بلا شكٍّ من قادة الفتح.

3-قادة إعادة الفتح الإسلامي بالنسبة للبلاد التي سبق فتحها ثم احتُلَّتْ؛ كالقادة الذين استعادوا فتح بلادٍ إسلامية سبق احتلالها من قِبَل أعداء المسلمين في عهد الدولة العباسية، وفي الحروب الصليبية خاصة؛ فهم -بلا مراء- من قادة استعادة الفتح؛ مثل القائد صلاح الدين الأيوبي الذي أعاد فتح بيت المقدس.
ب- الطبقة الثانية: هم قادة الدفاع عن البلاد الإسلامية: وهم الذين استطاعوا صدَّ العدوان الخارجي؛ كالقادة الذين استطاعوا الدفاع بنجاح عن بلاد المسلمين في عهد العباسيين وملوك الطوائف في الأندلس، وفي أيام الحروب الصليبية، أو خلال العصور الإسلامية المختلفة؛ كالسلطان قطز الذي صدَّ التتار وانتصر عليهم في معركة عين جالوت.
ج- الطبقة الثالثة: قادة المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الأجنبي: وهم القادة المسلمون الذين قاموا بجميع حركات التحرُّر التي أخذت الطابع العسكري ضد قوات الاحتلال الأجنبي للبلاد الإسلامية؛ كشيخ المجاهدين عمر المختار، الذي تزعَّم الثورة الليبية ضدَّ الاحتلال الإيطالي.


1- البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب من قاد دابة غيره في الحرب، (2709)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين، (1776).
2- المفارز: الفِرَق أو المجموعات.
3- الأرتال: جماعة أو صفوف الجنود.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
قادة غيروا الدنيا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عظماء غيروا مجرى التاريخ
»  كتاب "100 من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ"
»  تحميل كتاب مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ PDF
» قالوا عن الدنيا ؟؟
»  الدنيا تتغير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: شخصيات :: شخصيات سياسيه-
انتقل الى: