منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69932
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية Empty
مُساهمةموضوع: الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية   الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية Emptyالخميس 26 مايو 2016, 12:26 am

الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية

محسن محمد صالح


الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية Palestine
الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية

لقد أحيت القضية الفلسطينية ببعدها الإسلامي، ومركزيتها بين قضايا الأمة الرباط الإسلامي الجامع بين أعضاء جسد الأمة الإسلامية...وكما جعل الإسلام المسجد الأقصى واحدًا من المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها...فإن القضية الفلسطينية قد غدت محور القضايا الإسلامية التي تشد إليها رحال شعوب الأمة الإسلامية على امتداد أقطار وقارات عالم الإسلام، مغالبة بذلك معوقات النزعات القطرية التي تغل أيدي الأمة عن الانتصار لهذه القضية المركزية.
وإن هذه الحقائق بمثابة الوعي السياسي والفكري والحضاري المتميز، والذي يجب على كل مسلم أن يفقهها ليفقه حقيقة الصراع بين الإسلام والصهيونية.
الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية
يطلق اسم فلسطين على القسم الجنوبي الغربي لبلاد الشام، وتقع فلسطين على ساحل البحر الأبيض المتوسط، غربي قارة آسيا، وتعد صلة الوصل بين آسيا وإفريقيا، كما تتميز بقربها من أوربا.

ويحدّها شمالاً لبنان، ومن الشمال الشرقي سوريا، ومن الشرق الأردن، ومن الجنوب والجنوب الغربي مصر. وتبلغ مساحة فلسطين في حدودها المتعارف عليها حالياً 27 ألف كم2. وهي تتمتع بمناخ معتدل "مناخ البحر المتوسط".
 
أرض فلسطين من أقدم المناطق الحضارية في العالم، وحسب الاكتشافات الأثرية الحديثة فهي أول أرض شهدت تحول الإنسان إلى حياة الاستقرار والزراعة قبل حوالي 11 ألف سنة (9000 ق.م.)، وفي ربوعها أنشئت أقدم مدينة في التاريخ "مدينة أريحا" حوالي 8 آلاف سنة ق.م.، وما زالت معمورة زاخرة بالحضارات المختلفة إلى عصرنا هذا.

لأرض فلسطين مكانة عظيمة في قلب كل مسلم فهي: أرض مقدسة ومباركة[1] بنص القرآن الكريم، وفيها المسجد الأقصى أول قبلة للمسلمين، وثاني مسجد بُنِي لله في الأرض، وثالث المساجد مكانة في الإسلام، وهي أرض الإسراء، فإليها أَُسرى ب- رسولنا محمد صل الله عليه وسلم، وهي أرض الأنبياء فقد ولد في هذه الأرض وعاش عليها ودفن في ثراها الكثير من الأنبياء عليهم السلام الذين ذكروا في القرآن الكريم.
كما تعد فلسطين في المنظور الإسلامي أرض المحشر والمنشر، وعقر دار الإسلام، والمقيم المحتسب فيها كالمجاهد في سبيل الله، ومركز الطائفة المنصورة والثابتة على الحق إلى يوم القيامة.
 
أرض فلسطين أرض مقدسة لدى اليهود والنصارى أيضاً: فيعُدُّها اليهود أرضهم الموعودة، ومحور تاريخهم، ومرقد أنبيائهم، وبها مركز مقدساتهم في القدس والخليل. ويعُدُّها النصارى مهد ديانتهم حيث ولد عيسى عليه السلام وقام بدعوته، وبها مراكزهم الدينية العظيمة في القدس وبيت لحم والناصرة.
 
يؤمن المسلمون أنهم الورثة الحقيقيون الجديرون بميراث داود وسليمان وأنبياء بني إسرائيل وصالحيهم، ممن حكموا فلسطين ردحاً من الزمن تحت راية التوحيد، وأن شرعية حكمها تحولّت إلى المسلمين لأنهم رافعو راية التوحيد من بعد هؤلاء الرسل، والسائرون على درب الأنبياء. ويعتقد المسلمون أن اليهود تنكبوا عن طريق الحق، وحرّفوا كتبهم، وقتلوا أنبياءهم، وباؤوا بسخط الله سبحانه وغضبه.

كان السُّلوك العام للمسلمين في أثناء حكمهم لفلسطين -وخصوصاً بيت المقدس- سلوكاً جامعاً مبنياً على التسامح والتعايش، وكفالة حقوق الآخرين وحمايتها. أمَّا السلوك العام لغيرهم فقد كان سلوكاً مانعاً يرفض التعايش مع الديانات الأخرى، ويضطهد أتباعها ويسعى للتخلص منهم .
 
إن أقدم شعب معروف سكن فلسطين، وطبعها بطابعه هم "الكنعانيون"، الذين قدموا من جزيرة العرب منذ نحو 4500 عام، وعرفت أول الأمر باسم "أرض كنعان". وشعب فلسطين الحالي هم سلائل الكنعانيين ومن اختلط بهم بعد ذلك من شعوب شرقي البحر المتوسط الـ"بلست" أو الفلسطينيون، والقبائل العربية. ورغم  أن فلسطين حكمها أقوام شتى بين فترة وأخرى إلا أن أهلها ظلوا يعمرونها دونما انقطاع. وإن أهل فلسطين هؤلاء هم أنفسهم الذين أسلمت أغلبيتهم الساحقة وتعربت لغتهم مع قدوم الإسلام. حيث تأكدت الهوية الإسلامية لأرض فلسطين لأطول فترة تاريخية متواصلة منذ الفتح الإسلامي لها في 15 ه- -636م وحتى الآن، ولا عبرة بإخراج جزء من أهلها قهراً تحت الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948م.

إن مزاعم الحق التاريخي لليهود في فلسطين تتهافت أمام حق العرب المسلمين في أرضهم، فأبناء فلسطين عمروا هذه الأرض قبل نحو 1500 عام من إنشاء بني اسرائيل دولتهم "مملكة داود"، واستمروا في أثنائها، ثم بعد أن انقطعت صلة اليهود بها إلى الآن. لقد حكم اليهود أجزاء من فلسطين -وليس كلها- حوالي أربعة قرون خصوصاً بين 1000ـ586 ق.م، وزال حكمهم كما زال حكم غيرهم من الدول كالآشوريين والفرس والفراعنة والإغريق والرومان، بينما ظل شعب فلسطين راسخاً في أرضه. وكان الحكم الإسلامي هو الأطول حيث استمر حوالي 1200 سنة (636ـ1917م) باستثناء الفترة الصليبية (90عاماً). وقد انقطعت صلة اليهود عملياً بفلسطين نحو 1800 عام (منذ 135م - وحتى القرن العشرين) دون أن يكون لهم تواجد سياسي أو حضاري وريادي فيها، بل وحرَّمت تعاليمهم الدينية العودة إليها. وإن أكثر من 80%من اليهود المعاصرين - حسب دراسات عدد من اليهود أنفسهم مثل الكاتب الشهير آرثر كوستلر - لا يمتون تاريخياً بأيّ صلة لفلسطين، كما لا يمتون قومياً لبني إسرائيل، فالأغلبية الساحقة ليهود اليوم تعود إلى يهود الخزر (الأشكناز) وهي قبائل تترية - تركية قديمة كانت تقيم في شمالي القوقاز، وتهودت في القرن الثامن الميلادي. فإن كان ثمة حق عودة لهؤلاء اليهود، فهو ليس إلى فلسطين وإنما إلى جنوب روسيا.
ثم إن دعوى تعلق اليهود بفلسطين وارتباطهم بها لا تقف أمام حقيقة أن معظم بني إسرائيل رفض الانضمام إلى موسى -عليه السلام- في مسيرته للأرض المقدسة، كما رفض معظمهم العودة إليها من بابل بعد أن عرض عليهم الإمبراطور الفارسي قورش ذلك، وطوال التاريخ وحتى أيامنا هذه لم تزد أعداد اليهود في فلسطين في أفضل أحوالهم عن 40% من اليهود في العالم.
 
تعود أسباب نشأة الحركة الصهيونية، التي سعت لإنشاء كيان يهودي في فلسطين، إلى ظهور النـزعات الصهيونية -المؤيدة لتجميع اليهود في فلسطين- وسط مسيحيي أوربا، وخصوصاً البروتستانت منذ القرن السادس عشر الميلادي. وإلى ظهور الأيديولوجيات القومية والوطنية ونشوء الدولة القومية في أوربا خصوصاً في القرن التاسع عشر، وإلى نشأة "المشكلة اليهودية" خصوصاً في أوربا الشرقية، وما تعرض له اليهود من اضطهاد على يد الروس، وإلى تمكُّن اليهود من الوصول إلى عدد من دوائر النفوذ في أوربا وأمريكا، بالإضافة إلى فشل حركة الاستنارة اليهودية "الهسكلا" التي سعت إلى دمج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها.
 
إن فكرة إنشاء الكيان اليهودي ليقوم بدور "الدولة الحاجزة" والتي دعمها الاستعمار الغربي، وخصوصاً بريطانيا، تمثل ذروة الخطر الغربي - الصهيوني في قلب العالم الإسلامي. إذ تهدف إلى شطر جناحي العالم الإسلامي في آسيا وأفريقيا إلى شطرين منفصلين. وهي بذلك تسعى إلى إضعافه ومنع وحدته ، وإبقائه مفككاً عاجزاً عن النهضة، قابعاً في دائرة التبعية، منتجاً للمواد الأولية وسوقاً استهلاكياً للمنتجات الغربية. كما تهدف إلى منع ظهور قوة إسلامية كبرى، تحل مكان الدولة العثمانية التي كانت في طور الانهيار.

إن معادلة بقاء الكيان الصهيوني واستقراره ونموه في وسطٍ معادٍ مرتبطة بضمان ضعف ما حوله من أقطار المسلمين وتفككها وتخلفها.
وكذلك فإن معادلة نهضة الأمة ووحدتها وقوتها مرتبطة بالقضاء على المشروع الصهيوني الجاثم على قلبها.
نشأت المنظمة الصهيونية العالمية في بال بسويسرا في آب/أغسطس 1897م بقيادة تيودور هرتزل، وربطت نفسها بالمشروع الاستعماري الغربي، وفشلت في الحصول على أي شيء ذي قيمة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. والحركة الصهيونية حركة عنصرية قائمة على ديباجات وخلفيات دينية وتراثية وقومية يهودية، وشرط نجاحها مرتبط بإلغاء حقوق أهل فلسطين العرب في أرضهم والحلول مكانهم. ولا فرق في جوهر الفكرة الصهيونية بين تيارات علمانية أو اشتراكية أو دينية أو ثقافية أو سياسية، فالصهاينة كلهم في  النهاية صهاينة توفيقيون يسعون إلى الأهداف العليا نفسها.
 
تبنَّت بريطانيا المشروع الصهيوني ،فأصدرت في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917م وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وتمكنت من إتمام احتلالها لفلسطين في أيلول/سبتمبر 1918م. وتنكرت لوعودها للعرب بزعامة الشريف حسين بالحرية والاستقلال. وقسّمت دوائر النفوذ في بلاد الشام والعراق بينها وبين فرنسا وفق اتفاقيات سايكس بيكو مايو 1916 التي خططت لجعل فلسطين منطقة دولية، ثم إن بريطانيا  استأثرت بفلسطين وفق اتفاقيات سان ريمو (نيسان/إبريل 1920م)، وتمكنت من إدماج وعد بلفور في صك انتدابها على فلسطين الذي أقرته لها عصبة الأمم في تموز/يوليو 1922م.
 
فتحت بريطانيا خلال احتلالها لفلسطين 1918ـ1948م الأبواب للهجرة اليهودية فتضاعف عدد اليهود من 55 ألفاً سنة 1918م إلى 646 ألفاً سنة 1948م (أي من 8% من السكان إلى 7,31%)، كما دعمت تملك الأراضي فتزايدت ملكية اليهود للأرض من نحو نصف مليون دونم (2% من الأرض)، إلى نحو مليون و800 ألف دونم (6.7% من أرض فلسطين)، تسربت إلى اليهود في الغالب من الحكم البريطاني أو من أيدٍ إقطاعية غير فلسطينية، وتمكّن شعب فلسطين رغم قسوة الظروف والمعاناة من الصمود في أرضه طيلة ثلاثين عاماً محتفظاً بأغلبية السكان 3,68% وبمعظم الأرض 93.3%. وقد تمكن اليهود تحت حماية الِحراب البريطانية من بناء مؤسساتهم الاقتصادية والسياسية والتعليمية والعسكرية والاجتماعية، وفي سنة 1948م كانوا قد أسّسوا  292 مستعمرة، وكونوا قوات عسكرية من منظمات الهاغاناه و الأرغون وشتيرن يزيد عددها عن سبعين ألف مقاتل، واستعدوا لإعلان دولتهم.
 
رغم أن المؤامرة على فلسطين كانت أكبر بكثير من إمكانات الشعب الفلسطيني، إلا أن شعب فلسطين رفض الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني، وطالب بالاستقلال. وقامت التيارات الوطنية والإسلامية بزعامة موسى كاظم والحاج أمين الحسيني ورفاقهم بالتعبئة الشعبية والتحركات السياسية والثورات العارمة، فكانت ثورات القدس 1920م، ويافا 1921م، والبراق 1929م، وتشرين الأول/أكتوبر 1933م، وحركة الجهادية بقيادة الشيخ القسّام ومنظمة الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني. وتحت ضغط الثورة الكبرى 1936 - 1939م اضطرت بريطانيا في كتابها الأبيض (أيار/مايو 1939م) أن تتعهد بقيام الدولة الفلسطينية خلال عشر سنوات وبأن توقف بيع الأرض لليهود إلاّ في حدود ضيِّقة، وبأن توقف الهجرة اليهودية بعد خمس سنوات. ولكنها تنكرت لالتزاماتها في تشرين الثاني/نوفمبر 1945م (تصريح بيفن)، وعادت الحياة للمشروع الصهيوني من جديد برعاية أمريكية.
 
في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947م أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 181 ب- تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية (نحو 54% للدولة اليهودية، و45% للدولة العربية و1% منطقة دولية منطقة القدس.

وقرارات الجمعية العامة ليست قرارات ملزمة حتى ضمن مواثيق الأمم المتحدة نفسها. والقرار نفسه مخالف للأساس الذي قامت عليه الأمم المتحدة، وهو حق الشعوب في الحرية وتقرير مصيرها بنفسها. ثم إن الشعب الفلسطيني المعني أساساً بالأمر لم تتم استشارته ولا استفتاؤه. فضلاً عن الظلم الفادح في إعطاء الأقلية اليهودية الصهيونية الدخيلة المهاجرة الجزء الأكبر والأفضل من الأرض.
 
أعلن الصهاينة دولتهم "إسرائيل" في مساء 14 أيار/مايو 1948م، وتمكنوا من هزيمة الجيوش العربية التي مَثَّلت نموذجاً لسوء القيادة وضعف التنسيق وقلة الخبرة، والتي كان عددٌ منها لا يزال واقعاً تحت النفوذ الاستعماري. واستولى الصهاينة على نحو 77% من أرض فلسطين (20770كم2)، وشردوا بالقوة 800 ألف فلسطيني خارج المنطقة التي أقاموا عليها كيانهم، وذلك من أصل 925 ألفاً كانوا يسكنون في هذه المنطقة (كان المجموع الكلي للفلسطينيين في نهاية 1948م نحو مليون و 400 ألف نسمة). ودمَّر الصهاينة 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية كانت قائمة في المنطقة المحتلة، وارتكبوا 34 مجزرة. أما بالنسبة لما تبقى من فلسطين فقد قامت الأردن بضم الضفة الغربية رسمياً إليها (5876 كم2) كما وضعت مصر قطاع غزة (363 كم2) تحت إدارتها. وقد  وافقت الأمم المتحدة على دخول الكيان الصهيوني "إسرائيل" في عضويتها، بشرط السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم ، وهو ما لم يفعله الكيان الصهيوني مطلقاً.
 
ساد شعارا "قومية المعركة"، و"الوحدة طريق التحرير" الفترة 1948ـ1967م، وتولت الأنظمة العربية بقيادة جمال عبد الناصر زمام المبادرة، بينما تراجع الدور القيادي الوطني الفلسطيني  إفساحاً للمجال أمام الحلِّ العربي، غير أن الأنظمة العربية افتقدت المنهجية الصحيحة والجدية والإرادة الحقيقية للقتال، وتبنَّت المقاومة الفلسطينية لأسباب تكتيكية مرحلية، وليس ضمن خطة استراتيجية شاملة، وانشغلت بدغدغة عواطف الجماهير بدلاً من إعدادها للمعركة، بينما كان الكيان الصهيوني "الغَضُّ" يشتد ويزداد قوة ورسوخاً.
 
أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية (م . ت. ف) سنة 1964م برئاسة أحمد الشقيري، وبدعم مباشر من جمال عبد الناصر الذي خشي أن يفلت زمام القضية من يديه، بعد أن بدأت الساحة الفلسطينية تموج بالحركات السرية والتنظيمات، وخصوصاً "فتح" التي ترجع جذورها إلى سنة 1957م. وهدفت (م . ت. ف) إلى تحرير الأرض المحتلة سنة 1948م، وشدَّد ميثاقها على الكفاح المسلح طريقاً وحيداً للتحرير. وقد رحب عامة الفلسطينيين بإنشائها باعتبارها تجسيداً للهوية الوطنية والكيانية الفلسطينية بعد تغييب طويل. وفي عام 1968م انضمت المنظمات الفدائية الفلسطينية وعلى رأسها "فتح" إلى (م.ت.ف) وتولى ياسر عرفات زعيم فتح قيادة (م.ت.ف) منذ شباط/فبراير 1969م. وفي سنة 1974م أقرت الأنظمة العربية ل- (م.ت.ف) بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وتم تمثيلها في العام نفسه بصفة عضو مراقب في الأمم المتحدة.
 
كانت حرب حزيران/يونيو 1967م هزيمة مُرَّة للأنظمة العربية، ففي بضعة أيام احتل الكيان الصهيوني باقي فلسطين فسقطت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، وتم تشريد 330 ألف فلسطيني. كما سقطت الجولان السورية (1150كم2) وسيناء المصرية( 61198كم2).
 
واصل الكيان الصهيوني تهويد أرض فلسطين بشكل حثيث، وسعى لاجتثاث هويتها الإسلامية ومعالمها الحضارية، فقد صادر حوالي 96% من الأرض التي احتلها سنة 1948م بما في ذلك أراضي وأملاك الفلسطينيين الذين قام بتشريدهم، ومعظم الأوقاف الإسلامية، والكثير من أراضي من بقي من العرب هناك، وبنى الصهاينة 756 مدينة وقرية استيطانية في الأرض المحتلة 1948م. ومنذ حرب 1967م صادر الصهاينة حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية وبنى فوقها 192 مستعمرة، كما صادر 30% من مساحة قطاع غزة وبنى فوقها 14 مستوطنة. وبينما حرَم الكيانُ الصهيوني أبناءَ فلسطين من العودة إلى أرضهم ، فتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين فهاجر إليها أكثر من مليونين و 800 ألف يهودي خلال الفترة 1949 - 2000م، ليبلغ العدد الكلي لليهود حوالي خمسة ملايين و200 ألف في سنة 2002م.

ركز الصهاينة على تهويد مدينة القدس، فسيطروا على 86% منها، وملؤوها بالمهاجرين اليهود (450 ألف يهودي مقابل 210 ألاف فلسطيني حسب إحصائيات سنة 2000م). وفي منطقة القدس الشرقية  - حيث المسجد الأقصى - أسكنوا نحو 200 ألف يهودي بعد أن أحاطوها بسوار من المستوطنات اليهودية يعزلها عن محيطها العربي الإسلامي. وأعلنوا أن القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني. واهتم اليهود الصهاينة بالسيطرة على المسجد الأقصى، فصادروا الحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق)، ودمروا حي المغاربة المجاور له، وصادروا أرضه. وأنهوا حتى الآن عشر مراحل من الحفريات تحت المسجد الأقصى، وحفروا أربعة أنفاق بشكل يهدد بانهيار المسجد في أي لحظة. وتَشكَّل نحو 25 تنظيم إرهابي يهودي يهدف  إلى تدمير الأقصى وإقامة الهيكل اليهودي مكانه. وقاموا خلال 1967 - 1998م بأكثر من 112 عمل عدائي ضد المسجد الأقصى (72 منها بعد اتفاق أوسلو1993م)، وكان أشهر الاعتداءات إحراق المسجد الأقصى في 21 آب/أغسطس 1969م.
 
تمسك اللاجئون الفلسطينيون بحقهم في العودة إلى أرضهم، ورفضوا كل مشاريع توطينهم خارج أرضهم والتي وصلت إلى 243 مشروعاً، ورغم أن الأمم المتحدة أصدرت أكثر من 110 قرارات بحق اللاجئين في العودة، إلا أن أياً منها لم ينفذ بسبب إصرار الكيان الصهيوني على رفضها، وعدم جدِّية الدول الكبرى والمجتمع الدولي في إجباره على ذلك. ويبلغ الآن (سنة 2003) عدد اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من الأرض المحتلة سنة 1948م أكثر من خمسة ملايين و400ألف، بينما هناك نحو مليون فلسطيني من أبناء الضفة والقطاع محرومون من حق العودة إلى أرضهم. أي أن هناك نحو 6 ملايين و400 ألف لاجئ يمثلون 68.8% من شعب فلسطين، وهذا يُعدّ أكبر عدد للاجئين بين شعوب العالم، وهي أيضاً أعلى نسبة للاجئين في العالم وبفارق مضاعف عن أي شعب آخر. وتمثل قضية اللاجئين الفلسطينيين أقدم وأطول وأكبر مأساة إنسانية للاجئين في القرن العشرين.
 
تعاملت الأمم المتحدة مع قضية فلسطين على أنها قضية لاجئين منذ 1949م وحتى بداية  السبعينيات من القرن العشرين. ومنذ 1974م أخذت تصدر قرارات كثيرة بأغلبية ساحقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير، وبشرعية الكفاح الفلسطيني (بما فيه الكفاح المسلح) لاسترداد الحقوق المغتصبة، وباعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال التفرقة العنصرية، وبحق اللاجئين غير القابل للتصرف في العودة إلى أرضهم. لكن الولايات المتحدة وحلفاءها كانوا على استعداد دائم لدعم الكيان الصهيوني في رفض هذه القرارات وتجاهلها وإجهاضها، واستخدام حق النقض "الفيتو" لمنع التنفيذ العملي لأي منها. في الوقت نفسه استخدموا هذه "الشرعية" الدولية لإقامة الدولة الصهيونية على أرض فلسطين وترسيخ وجودها، مما يكشف عن الوجه القبيح الظالم لهذه "الشرعية".

وطوال تاريخ القضية الفلسطينية ظلت إحدى الإشكاليات الكبرى تتمثل في انحياز القوى العظمى الصارخ للمشروع الصهيوني، وخصوصاً في التسليم فيما يسمَّى "حقُّه" في إنشاء دولته على الأرض التي اغتصبها سنة 1948، أي 77% من أرض فلسطين.
 
مثلت الفترة 1967ـ1970م الفترة الذهبية للعمل الفدائي والمقاومة الفلسطينية، غير أنها حرمت منذ 1971م من استخدام الساحة الأردنية، ورغم تركزها بعد ذلك في الساحة اللبنانية إلا أنها عانت من محاولات الاستهداف والاجتثاث خلال الحرب الأهلية اللبنانية 1975 -1990م، وأسهم العدوان الصهيوني المستمر على لبنان، واجتياحه الجنوب اللبناني سنة 1978م، وتشكيله لحزام أمني عميل، ثم اجتياحه الجنوب سنة 1982م في ضرب البنية  التحتية للمقاومة وإجبار (م. ت. ف) ومقاتليها على الانسحاب من لبنان. وبذلك أُغلقت كل الحدود العربية مع الكيان الصهيوني في وجه المقاومة الفلسطينية.
 
وبشكل عام، عانت الثورة الفلسطينية بشدة من أشقائها العرب "الألدَّاء"، واستُنـزفت طاقاتها ودماؤها في صراعها مع الأنظمة العربية التي حاولت ترويضها وضبطها، والتحدث باسمها والقفز فوقها. وبعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973م ضد الكيان الصهيوني، والتي حققت أساساً انتصارات معنوية لمصر وسوريا، وبعد أن عُدَّت (م.ت.ف) ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني 1974م، أخذ يتضاءل الشعور العربي بالمسئولية تجاه فلسطين. وبتوقيع مصر لاتفاقيات كامب ديفيد في أيلول/سبتمبر 1978م خرجت أقوى قوة عربية من الصراع العربي - الصهيوني،  ثم إن الحرب العراقية - الإيرانية1980 - 1988م، وتراجع الدعم المالي الخليجي للثورة الفلسطينية بسبب انخفاض أسعار النفط، فضلاً عن الاجتياح العراقي للكويت 1990م، وما نتج عنه من حرب الخليج، ومن تمزّقٍ عربي إسلامي واسع، بالإضافة إلى انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، كل ذلك أدى لإضعاف المقاومة الفلسطينية وتوجه قيادة (م.ت.ف) نحو التسوية السلمية، وبالتالي حصر نشاطها في دائرة "الممكن السياسي"، خصوصاً مع وجود استعداد ذاتي لدى قيادة (م.ت.ف) للتنازل عن بعض الثوابت، مقابل الاستمرار في القيادة وفي تمثيل الفلسطينيين .
 
أعطت الانتفاضة المباركة 1987 - 1993م زمام المبادرة للداخل الفلسطيني، وبرز التيار الإسلامي بقوة ليعود عنصراً أساسياً في المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً من خلال حركة المقاومة الإسلامية حماس، وأحيت الانتفاضةُ التعاطفَ والاهتمام العربي والإسلامي والدولي بالقضية الفلسطينية، لكن الظروف السائدة وطبيعة العقليات القيادية الفلسطينية والعربية لم تسمح بتأجيجها وتوسيعها باتجاه التحرير، وإنما استخدمتها للاستثمار السياسي السريع باتجاه التسوية مع الكيان  الصهيوني الغاصب.
 
مع تزايد ضعف (م.ت.ف) أخذ التيار المؤيد للتسوية السلمية مع الكيان الصهيوني في الاتساع في أوساط المنظمة إلى أن جاء قرارها في تشرين الثاني/نوفمبر 1988م بالاعتراف بقرار الأمم المتحدة 181 الداعي لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وقرار مجلس الأمن 242 الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر 1967م الذي يتعامل مع قضية فلسطين بكونها قضية لاجئين ،ويدعو لحل القضية بالطرق السلمية. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1991م دخلت (م.ت.ف) والدول العربية في مفاوضات سلمية مباشرة مع الكيان الصهيوني في مدريد. وخلال حوالي سنتين لم يستطع وفد المنظمة الرسمي التوصل إلى اتفاق مع الكيان الصهيوني. ولم تحدث أية حالة انفراج إلا من خلال قناة مفاوضات سرية مختلفة كانت قد فتحت في كانون الأول/ديسمبر 1992م، وأدت إلى ما يعرف  باتفاق أوسلو أو "غزة - أريحا أولاً"، الذي تم في أوسلو بالنرويج، والذي وقعت عليه رسمياً المنظمة مع الكيان الصهيوني في واشنطن في 13 أيلول/سبتمبر 1993م.
 
تعترف قيادة (م.ت.ف) من خلال اتفاق غزة - أريحا بحق "إسرائيل" في الوجود، وبشرعية احتلالها وملكيتها ل- 77% من أرض فلسطين، وتتعهد (م.ت.ف) بالتوقف عن المقاومة المسلحة والانتفاضة، كما تتعهد قيادة (م.ت.ف) بحذف وإلغاء كافة البنود الداعية لتحرير كل فلسطين وتدمير الكيان الصهيوني من ميثاقها الوطني، وتتعهد أيضاً بحل كافة المشاكل بالطرق السلمية. وبهذه الاتفاقية تشطب منظمة التحرير –عملياً- نفسها وأهدافها وميثاقها. وتحصل قيادة المنظمة، في مقابل ذلك، على اعتراف من "إسرائيل" بها باعتبارها ممثلة الشعب الفلسطيني، وتُعطى حكماً ذاتياً محدوداً في قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، على أن يتم حلُّ القضايا الرئيسية الأخرى خلال خمس سنوات.
 
ووجه اتفاق أوسلو (غزة - أريحا) بمعارضة قوية فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، وكانت أبرز نقاط الاعتراض:

- لقد أفتى علماء المسلمين الموثوقون بعدم جواز التسوية السلمية مع الكيان الصهيوني، حسبما يريد الداعون إليها، وبضرورة الجهاد المقدس لتحرير الأرض المغتصبة وإرجاعها كاملة تحت راية الإسلام. وباعتبار هذه المعركة بين حق وباطل  تتوارثها الأجيال حتى يأذن الله بالنصر والتمكين، وبأن فلسطين أرض وقف إسلامي لا يملك أحد حق التنازل عنها، ولا يجوز لجيل إن انتابه حالة ضعف أن يحرم الأجيال القادمة من حقها. كما أن قضية فلسطين هي قضية كل المسلمين الذين يرفضون التنازل عن حقهم فيها مهما طال الزمن، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم فضلاً عن أن تكون قضية (م.ت.ف) أو قيادتها.
- انفردت قيادة م.ت.ف. بإقرار اتفاق أوسلو دون الرجوع إلى الشعب الفلسطيني، حيث توجد معارضة قوية لهذا الاتفاق في أوساط الإسلاميين والوطنيين واليساريين على السواء، وحتى في أوساط حركة فتح نفسها.
- أجّل هذا الاتفاق البتّ في أهم القضايا الرئيسية وأكثرها حساسية، وأصبح حسمها مرتبطاً بمدى "كرم" الطرف الصهيوني، الذي استغل قوته لفرض شروطه على الطرف الفلسطيني الأضعف، وأبرز هذه القضايا:
أ. مستقبل مدينة القدس
ب. مستقبل اللاجئين الفلسطينيين.
ج. مستقبل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
د.طبيعة الكيان الفلسطيني المستقبلي وصلاحياته وحدوده.

وبعد أكثر من ثمانية سنوات من المفاوضات لم يتم حل أي من القضايا الكبرى، بينما يسابق الكيان الصهيوني الزمن في تهويد الأرض المحتلة تحت يديه دونما احترام لأي تعهدات أو اتفاقات، ولم تتسلم السلطة إدارياً وأمنياً أكثر من 18% من أرض الضفة الغربية، و60% من قطاع غزة، أي نحو 4.72% فقط من مساحة فلسطين التاريخية، بينما يخضع لإدارتها ولكن تحت الإشراف الأمني المشترك مع الكيان الصهيوني نحو 24% من مساحة الضفة، في الوقت الذي احتفظ فيه الصهاينة بالسيطرة الكاملة أمنياً وإدارياً على 58% من الضفة الغربية و40% من قطاع غزة.
- وافق هذا المشروع رغبة صهيونية هدفت إلى التخلص من عبء مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية بما تحمله من مشاكل أمنية واقتصادية، وكانت "إسرائيل" تحلم بالتخلص من قطاع غزة الذي يعتبر من أكثف المناطق السكانية في العالم ،بل وسبق أن عرضته على مصر التي رفضت ذلك.
- الحصيلة العملية للاتفاق إدارة حكم ذاتي ذات صلاحيات تنفيذية محدودة مرتبطة بالاحتلال وتحت هيمنته المباشرة، وللكيان الصهيوني حق النقض "الفيتو" على قراراتها وقوانينها التشريعية، كما حُرِمت السلطة الفلسطينية من حق تشكيل جيش خاص بها، وهي لا تملك أن تُدخل أية أسلحة إليها إلا بإذن الكيان الصهيوني.

- أصبحت إدارة الحكم الذاتي مضطرة لقمع وسحق أي جهاد وعمليات مسلحة ضد الكيان الصهيوني، والقبض على مجاهدي المنظمات الفلسطينية لإثبات "حسن نواياها" وحرصها على "السلام"، وتشكلت لها تسعة أجهزة أمنية تحصي على الناس أنفاسهم، بينما كان أداؤها أكثر ضعفاً في الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، واستشرى الفساد في أجهزتها. ولم تخفف السلطة من قبضتها الأمنية على الناس إلا إثر اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول/سبتمبر 2000.
- ظلت الحدود تحت السيطرة "الإسرائيلية"، وظل دخول مناطق السلطة الفلسطينية أو الخروج منها مرتبطاً "بحقّ" الصهاينة في إعطاء الإذن بذلك أو منعه.
- لا تشير الاتفاقية إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وإنشاء دولتهم المستقلة، ولا تتحدث عن الضفة الغربية وقطاع غزة باعتبارها أراضٍ محتلة.
- فتح هذا الاتفاق الباب على مصراعيه للدول العربية والإسلامية لعقد اتفاقيات وبناء علاقات مع الكيان الصهيوني، وأعطى الفرصة للتغلغل الصهيوني في المنطقة وتحقيق الهيمنة الاقتصادية، وضرب القوى الإسلامية والوطنية في المنطقة.
 
أكدت انتفاضة الأقصى (أيلول/سبتمبر 2000م - الآن (تشرين الثاني/نوفمبر2003م) تمسّك الشعب الفلسطيني بحقه في أرضه، وأكدت تفاعل الشعوب العربية والإسلامية الواسع مع الانتفاضة ، كما أكّدت البعد الإسلامي للقضية، وكشفت شراسة الصهاينة والوجه القبيح لأدعياء السلام الصهيوني، كما وجهت لطمة كبيرة لمشروع التسوية، الذي يجري على حساب حقوق الأمة وثوابتها. وعانى أبناء فلسطين من ظروف في غاية القسوة، واستشهد منهم أكثر من 3300 وجُرح أكثر من 45 ألفاً ووصلت نسبة العاطلين عن العمل إلى نحو 58%… لكن صمودهم الرائع ومقاومتهم البطولية، التي شاركت فيها كافة الفصائل الفلسطينية، أحدثت لأول مرة "توازن رعب" مع الكيان الصهيوني، الذي تعرّض لضربات قاسية في كل مكان، مما أدى إلى مقتل نحو 890 صهيونياً وجرح أكثر من 6250 آخرين. كما أدى استمرار الانتفاضة إلى إسقاط الخيار الأمني الصهيوني، وإلى تدهور الاقتصاد الصهيوني، وتدمير قطاع السياحة، وإلى هجرة يهودية معاكسة متزايدة إلى خارج فلسطين. وبذلك، هزت الانتفاضة الدعامتين اللتين يقوم عليهما المشروع الصهيوني، وهما الأمن والاقتصاد.
 
تعرض نصارى فلسطين إلى الظلم والقهر والتشريد نفسه الذي تعرض له مسلمو فلسطين. وشاركوا في الحركة الوطنية الفلسطينية منذ بدء الاحتلال البريطاني لفلسطين. وقدّموا نموذجاً للتماسك والوحدة الوطنية في وجه المشروع الصهيوني، وشاركوا في الدفاع عن عروبة فلسطين بالكلمة والقلم والبندقية. وعبّروا عن انتمائهم الحضاري للمنطقة بهويتها ولغتها وتراثها.
 
إن حب الوطن والدفاع عن أرضه وشعبه ومقدساته هو واجب شرعي وحق إنساني، وإن المشاعر الوطنية وحب القوم والعشيرة هو سلوك طبيعي ما دام لا يحرم حلالاً ولا يحل حراماً، ولا ينتقص من حقوق الآخرين. وإن دوائر العمل لفلسطين سواء كانت وطنية أم عربية أم إسلامية أم إنسانية هي دوائر تركيز متكاملة متناغمة، ويجب ألا تكون متعارضة.

ومن جهة أخرى، فإن السعي لعلاج أمراض المجتمع وتحقيق التطور الحضاري والتمكين لدولة الإسلام في الأرض، والسعي لتحقيق الوحدة العربية والإسلامية، وكذلك السعي لتحرير فلسطين، هي جهود متكاملة، يخدم بعضها بعضاً، ويمكن أن تسير جنباً إلى جنب، دونما تعارض أو تضاد.
 
الإسلام دين السلام، فالله هو السلام، وتحية المسلمين فيما بينهم السلام، والجنة هي دار السلام. والعلاقة في الإسلام مع الآخرين قائمة على التسامح الديني والتعارف والتعايش السلمي والحوار بالتي هي أحسن. وبالتالي، فإن الإسلام هو ضد "الإرهاب" وضد قتل الأبرياء. والإسلام في الوقت نفسه هو دين الحق والعدل والحرية، يأبى أتباعه أن يُظلموا كما يأبون أن يَظلموا، ويرفضون الدنيّة في دينهم، ويبذلون الغالي والنفيس دفاعاً عن كرامتهم وأرضهم ومقدساتهم. ولا يمكن لأي "سلام" في فلسطين أن يقوم بناء على ظلم أهلها واغتصاب حقوقهم وإخراجهم من أرضهم. وإن فرض شروط القاهر الغاصب على شعب مستضعف قد يوصل إلى "تسوية" مؤقتة، ولكنه لن يؤدي إلى السلام. وسيظل الجهاد لتحرير فلسطين واجباً وشرفاً ووساماً على صدر كل شريف، ولا عبره بالطغيان الإعلامي الصهيوني والغربي الذي يتلاعب بألفاظ ومصطلحات "الإرهاب" و "السلام".
 
إن المسلمين لا يقاتلون اليهود لمجرَّد كونهم يهوداً فقط. فالأصل في علاقة المسلمين بأهل الكتاب أو أهل الذمة هو العدل والإحسان وإعطاء كافة الحريات والحقوق الدينية وحقوق المواطنة الكاملة لهم تحت حكم الإسلام، وإن "المشكلة اليهودية" والعداء للسامية نشأت في أوربا وليس في العالم الإسلامي الذي كان اليهود يلجأون إليه آمنين من الاضطهاد والتعصب الديني والقومي في أوربا. إن المسلمين يقاتلون اليهود الصهاينة المعتدين الذين اغتصبوا أرض فلسطين وشردوا شعبها وانتهكوا مقدساتها، وسيقاتل المسلمون أية فئة أو جماعة تحاول احتلال أرضهم مهما كان دينها أو قوميتها.
 
إن الإسلام ينبغي أن يكون هو القاعدة التي يستند إليها مشروع التحرير وتتبير المشروع الصهيوني، لأن الله سبحانه تكفل بنصر عباده الصادقين، ولأن الإسلام هو عقيدة الأمة، وبه خيرها وفلاحها، ولأنه الأقدر على تعبئة الجماهير وحشد طاقاتها، ولأن تجارب التاريخ (سواء في فتح القدس أو تحريرها من الصليبيين والتتار) أثبتت نجاح الحل الإسلامي، كما أثبت تاريخنا الحديث والمعاصر فشل الأيديولوجيات الأخرى.
 
إن أبرز معالم الحل الإسلامي لقضية فلسطين تتمثل في:
أ. تبني الإسلام عقيدة وسلوكاً ومنهج حياة، والحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى.
ب. القيادة الإسلامية الكفؤة الصادقة هي وحدها المؤهلة لمواجهة المشروع الصهيوني وهزيمته.
ج. توسيع دائرة الصراع مع العدو اليهودي الصهيوني ليشمل العالم الإسلامي بأسره، وعدم قصر هذا الصراع على الدائرة الفلسطينية أو الدائرة القومية العربية. لأن تحرير فلسطين أصبح فرض عين على كل مسلم، ولأن الصهاينة اليهود ينفذون مشروعهم بشكل عالمي منظم، فلا بد من مواجهة مكافئة ترتقي إلى مستوى التحدي.
د. دعم شعب فلسطين ومساندته وتأهيله بكافة الوسائل، لكونه خط الدفاع الأول عن الأمة الإسلامية، حتى يثبُتَ على أرضه، ويستمر في صموده وجهاده.
 
هـ. السعي لتحقيق نهضة حضارية تكون مدخلاً للتغيير والارتقاء الإيجابي الشامل في مجتمعاتنا المسلمة سياسياً واقتصادياً وعلمياً وعسكرياً، حتى يكون المسلمون قادرين ذاتياً على مواجهة تكاليف الجهاد وأعباء التحرير، وتحقيق شروط التمكين والاستخلاف في الأرض وريادة الإنسانية.
 
إن القضية الفلسطينية قضية ذات أبعاد إنسانية كبرى، إذ تمثل صرخة المظلوم في وجه أدعياء حقوق الإنسان، وتكشف المعايير المزدوجة وسوءات النظام الدولي الجديد، وتزري بالنفاق المقيت لحضارة تزهو بالتقدم والمعرفة والتكنولوجيا وترعى حقوق الحيوان، بينما تتقبل أن يُرمى أكثر من ستة ملايين و 400 ألف لاجئ في العراء، وأن تحل جماعات يهودية من أشتات الأرض وفق دعاوى بالية - لا تتوافق مع منطق التاريخ ولا قيم المدنية الحديثة ولا القوانين الدولية - مكان قوم عمروا الأرض منذ 4500 عام. وأن تسفك الدماء في الأرض المقدسة، التي يجب أن تكون أرضاً للمحبة والسلام. إن الحركة الصهيونية واحتلالها لفلسطين هي النموذج المتبقي للاستعمار التقليدي الأوروبي الغربي الذي زال عن أرجاء العالم، ويجب أن يزول عاجلاً أم آجلاً عن فلسطين.
 
إن العلو اليهودي في الأرض حقيقة لا مراء فيها، وإن النفوذ اليهودي الصهيوني في دوائر القرار والتأثير العالمية واضح مشهود سواء كان ذلك في السياسة أم الإعلام أم الاقتصاد، وخصوصاً في الولايات المتحدة. وإذا كان الله سبحانه قد قدّر لهم سُبل العلو والنفوذ، فإنه لا ينبغي أن يُضخّم الأمر، كما لا ينبغي أن يُنظر لليهود وكأنهم وراء كل صغيرة أو كبيرة من الأحداث، أو كأنهم قدر الله الغالب. فهم بشر خلقهم الله، وتجري عليهم سنن الله في الكون والتدافع وتداول الأيام. وإذا كانوا ينجحون - بقدر الله - بجدهم ومثابرتهم وحسن تنظيمهم، فقد وقعت لهم كوارث كثيرة في تاريخهم. وينبغي أن يُنظر إلى هذا العلو باعتباره حافزاً للمسلمين للاستجابة لهذا التحدي، ولاستكمال شروط الاستخلاف في الأرض والنهضة الحضارية.
 
إن وجود الكيان الصهيوني في فلسطين - قلب العالم الإسلامي - وحشده لأسلحة الدمار الشامل بما فيها 200 قنبلة نووية، وقدرته على تعبئة جيش يصل إلى 700 ألف جندي خلال 72 ساعة، سوف يظل الفتيل المشتعل الذي يهدد السلام العالمي بالانفجار، ويهدد بحرب عالمية ثالثة. فالمسلمون سيملكون يوماً ما أسباب القوة وأسلحة الدمار  الشامل، وهم لم ولن يتنازلوا عن أرضهم ولن يقبلوا كياناً في قلبهم يضعفهم ويمزق وحدتهم، وسيسعون لإزالته كما أزالوا غيره من قبل. وعند ذلك ستعلم القوى الكبرى أن الظلم الذي اقترفته بإيجاد هذا الكيان سيجلب على الإنسانية الموت والدمار، وخير لهذا الكيان أن يتفكك قبل أن تأتي تلك اللحظات الرهيبة.
 
إن هزيمة المشروع اليهودي الصهيوني في فلسطين واندحار ليست أمراً ممكناً فقط، وإنما هي حقيقة أكيدة لأنها بشرى ربانية، جاءت في القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولأنها بشرى نبوية، حدثنا عنها المعصوم رسول الله صل الله عليه وسلم والذي لا ينطق عن الهوى. ثم لأن سنن الله سبحانه في الكون وتجارب التاريخ تخبرنا أن الظلم لا يدوم، وأنه على الباغي تدور الدوائر، وأنه لا يضيع حق وراءه مُطالِب.



[1] إن حدود القداسة والبركة لأرض فلسطين غير مرتبطة بالضرورة بالحدود الجغرافية المتعارف عليها حالياً ،وهي حدود  وضعها الاحتلال البريطاني في النصف الأول من عشرينيات القرن العشرين.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69932
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية   الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية Emptyالخميس 26 مايو 2016, 12:32 am

السبب الحقيقي لمعركتنا مع اليهود

د. يوسف القرضاوي


الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية 20164_image002الواقع أن المعركة بدأت بيننا وبين اليهود بسبب واحد لا شريك له، وهو: أنهم اغتصبوا أرضنا -أرض الإسلام، أرض فلسطين- وشردوا أهلنا، أهل الدار الأصليين، وفرضوا وجودهم الدخيل بالحديد والنار، والعنف والدم..
تكلم السيف فاسكت أيها القلم! وستظل المعركة قائمة بيننا وبينهم ما دامت الأسباب قائمة، وسيظل الصلح مرفوضًا إذا كان مبنيًّا على الاعتراف بأن لهم حقًّا فيما اغتصبوه من الأرض؛ إذ لا يملك أحد أن يتنازل عن الأرض الإسلامية، إنما يمكن إقامة هدنة بيننا وبين إسرائيل، لفترة من الزمن، تقصر أو تطول، يكف فيها الطرفان عن الحرب، ويسود فيها الأمن، وتتبادل بعض العلاقات مع بعض.
أما مبدأ (الأرض مقابل السلام) فهو مبدأ غريب حقًّا، فرضه منطق القوة الغاشمة للعدو، لا غير؛ لأن الأرض أرضنا، لا أرضه، حتى يتفضَّل بتنازله عنها، مقابل سلامه!!
وحتى هذا السلام الأعرج، رفضته إسرائيل في النهاية؛ فهي تريد أن تأخذ ولا تعطي شيئًا.
المصدر: كتاب "القدس قضية كل مسلم" للدكتور يوسف القرضاوي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69932
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية   الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية Emptyالخميس 26 مايو 2016, 12:33 am

الشعوب المسلمة وفلسطين

د. راغب السرجاني


الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية 4451_image003

أحزن كثيرًا عندما تصلني رسائل أو مكالمات أشعر منها أن بعض المسلمين يشعرون أنهم مهيضو الجناح، وضعفاء الجانب، ولا حيلة لهم ولا قوة. 
إن الشعور بالعجز شعور قاتل، وهو أمر يحتاج الإنسان أن يستعيذ منه، وأن يسأل الله سبحانه أن ينقذه من أخطاره، وقد علَّمنا رسول الله صل الله عليه وسلم ذلك فقال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ..."[1].
إن كل فرد من أبناء هذه الأمة يستطيع أن يكون فاعلاً، ويمكن أن يكون إيجابيًّا، ويمكن كذلك أن يكون مؤثِّرًا في الأحداث لا متأثِّرًا بها؛ بل إن الذي يرضى بواقعه دون أن يحاول أن يُغيَّره ما هو إلا إمَّعة، وذلك كما وصف رسولنا الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية R_20.. قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "لا تَكُونُوا إِمَّعَةً؛ تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا. وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا"[2].
إنه لا عذر لأحد في أن يكون له دور في كل قضايا المسلمين، وأولها الآن -وبلا جدال- قضية فلسطين.
أعلم أن الحكام قد تخاذلوا عن نصرة إخوانهم المسلمين في فلسطين، بل وأعلم أن منهم من يمارس ضغطًا ماديًّا ومعنويًّا ليُعلنوا الاستسلام أمام جحافل اليهود، وأكثر من ذلك فهم يتتبَّعُون من "يُتَّهم" بنصرة المجاهدين في فلسطين، فيزجُّون بهم في السجون، ويُشَهِّرُون بهم في وسائل الإعلام.
أعلم ذلك وأشاهده، لكن ليس للحكام أن يُكَبِّلوا طاقات الشعوب، وليس لهم أن يُضْعِفوا من عزيمة المخلصين، وليس لهم أن يوقفوا طوفانًا حقيقيًّا كطوفان الإيمان في قلوب الصالحين.
فليفعل الحكام ما يشاءون، لكننا كشعوب مسلمة في أيدينا الكثير والكثير، ممَّا تعجز قوى البغي والظلم عن منعه أو إحباطه.
إننا نملك لسانًا نستطيع أن نحفظ به قضية فلسطين حيَّة أبد الدهر..
إننا سنتكلم عنها في كل المحافل الإسلامية وغير الإسلامية.. سنشرح ونُفَصِّل في حَقِّ الفلسطينيين في أرضهم، وسنشرح ونُفَصِّل ظلم اليهود وبغيهم، وسنصل بلساننا إلى مشارق الأرض ومغاربها، إننا سنُبَلِّغ، وسيحمل ربُّنا البلاغ إلى العالمين.
إن من أخطر الآفات التي يمكن أن تُصيب قضية فلسطين أن تموت القضية في قلوب أبناء الأمة، فلا ننشط لها إلا عند حدوث كوارث ضخمة، أو عندما يسقط الشهداء بالمئات.
إن فلسطين ما زالت محتلة، وحتى ولو هدأت الأمور تمامًا، وتوقَّفت الصواريخ، وانسحبت الجيوش اليهودية من غزة، حتى لو حدث كل ذلك ففلسطين ما زالت محتلة، ولا يجب أن تهدأ قضيتها أبدًا. وهذا من ألزم أدوارنا كشعوب، ولا يستطيع حاكم ولا ظالم أن يُوقفه ما دامت هناك حميَّة في قلوب المسلمين، وما دام المسلمون يعيشون حياة الجدية والجهاد.
إذا كنا نتألَّم الآن لأحداث غزة فلماذا ننشغل عن القضية بأمور قد تكون تافهة وبسيطة، بل أحيانًا قد تكون من باب المعاصي؟! ليس هذا إلا لأننا نتعامل مع القضية بعواطفنا لا بعقولنا، والعقل يُلزم الشغل الدائم بالقضية حتى مع هدوء الأمور؛ لأن تحرير البلاد من العدو فرض عين كالصلاة والصيام، والذي ينساه كالذي ينسى الصلاة تمامًا بتمام.
وليس هذا فقط الذي نملكه كشعوب..
إننا نملك أموالاً كثيرة، حتى وإن كانت في أعيننا قليلة، فالقليل إلى جوار القليل يُنْشِئ الجبال الرواسي، وإخواننا في غزة يحتاجون المال لا شكَّ في ذلك، والجهاد بغير مال لا يستقيم، وقد جعل الله عَزَّ وَجَلَّ المال قرين النفس، فجمع في أكثر من موضع بينهما عند الحديث عن الجهاد، فقال على سبيل المثال: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التوبة: 88].
بل إن الرسول صل الله عليه وسلم يُسعدنا ببشارة رائعة عندما يقول: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا"[3]. أما الكثير من الشباب الذين حال الحكامُ بينهم وبين الجهاد في أرض فلسطين، فالفرصة أمامهم سانحة ليأخذوا أجر الجهاد؛ وذلك بمساندة المجاهدين بالأموال ولو كانت بسيطة، ولا نريد عطاءً متحمِّسًا في لحظة واحدة من لحظات الأزمة، ولكن نريد عطاءً مستمرًّا دائمًا يحفظ مسيرة الجهاد من التوقُّف، وفي ذات الوقت يحفظ القضية حيَّة في قلوبنا.
ونملك أيضًا أن نقاطع بضائع عدونا ومن يسانده، وهذا السلاح العظيم المقاطعة ليس الغرض منه إحداث خسارة اقتصادية عند أعدائنا فقط، ولكن الغرض الرئيسي أن نُثْبِتَ لأنفسنا وللجميع أننا لا نقبل أن نتعامل مع مَن يقتلون أبناءنا وإخواننا، ومن يحتلون أرضنا ومقدساتنا. وإذا كنا نطالب حكامنا بوقف التطبيع مع الأعداء، فيجب علينا أن نكون أوَّل المطبِّقين لذلك بوقف التطبيع مع البضائع اليهودية والأمريكية والإنجليزية، ومع كل حكومة تتبنَّى موقفًا مساندًا للظلم اليهودي في فلسطين.
وفوق كل ما سبق فإن حكامنا لا يملكون أن يمنعوا أيدينا من أن ترتفع إلى الله عز وجل، وألسنتنا من أن تلهج بالدعاء، وقلوبنا أن تتوجَّه إلى خالق السموات والأرض، أن ينصر إخواننا المجاهدين في فلسطين، وأن يُثَبِّتَ أقدامهم، ويرزقهم من خزائنه التي لا تنفد. كما لن يستطيع الحكام أن يمنعونا من أن ندعو على الظالمين، سواء كانوا غير مسلمين أو مسلمين؛ فالمظلوم لا تُرَدُّ دعوته، وليس بينها وبين الله حجاب.
هذا بعض ما في أيدي الشعب، وإن كان في أيديهم الكثير والكثير، ولا بُدَّ لشعوب الإسلام أن تتحوَّل من كونها مضغوطًا عليها من حكامها، إلى كونها ضاغطة عليهم، ولا بُدَّ أن يسعى المسلمون لتغيير الواقع الأليم الذي يعيشونه، وليس الحكام واقعًا مريرًا كُتب علينا أن نقبل به أو نرضى به، إنما علينا أن نسعى إلى إصلاح حياتنا والخروج من أزمتنا، وقد فعلت ذلك شعوب كثيرة في الأرض، وليست بمسلمة، فليس مقبولاً لهذه الأمة العظيمة أن تكون أهون من عامَّة الخلق، وهي التي جعلها الله عز وجل خير أمة أُخرجت للناس.
لعلَّ الكثير يتساءل: وكيف الخلاص؟ أقول: إن الذي يسأل ويحتار لم يصل بعدُ إلى درجة الإخلاص واليقين التي تنير الطريق، وتهدي السبيل، وإلاَّ فراجعوا قول الله عز وجل الذي يُثْبِتُ فيه الهداية لمن رسخ إيمانهم، وثبت الصدق في قلوبهم.. {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].
إن السبيل الصعب الذي نغيّر به أحوالنا، ونُعِزَّ به أُمَّتَنَا، سيصبح واضحًا جليًّا إذا عشنا بصدق حياة المجاهدين، واطَّلع الله سبحانه على ذلك في قلوبنا، وعندها لن نسأل أبدًا أين الطريق!
ونسأل الله عز وجل أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.


[1] رواه البخاري عن أنس بن مالك: كتاب الجهاد والسير، باب ما يتعوذ من الجبن (2668)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من العجز والكسل وغيره (2706).
[2]رواه الترمذي عن حذيفة بن اليمان: كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الإحسان والعفو (2007)، وقال: حديث حسن.

[3] رواه البخاري عن زيد بن خالد: كتاب الجهاد والسير، باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير (2688)، ومسلم: كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله... (1895).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69932
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية   الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية Emptyالخميس 26 مايو 2016, 12:35 am

قضية فلسطين ودور المسلمين

د. راغب السرجاني


الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية 16486_image002

تعتبر قضية فلسطين من أهم القضايا التي تشغل أمتنا الإسلامية في زماننا الآن، بل إنها من أهم القضايا التي ظلت تشغل الصالحين من أبناء هذه الأمة على مدار العصور المختلفة؛ ذلك لأن أطماع المعتدين فيها لا تنتهي؛ فهي الأرض المباركة، والأرض المقدسة، والأرض التي شهدت مسيرة الأنبياء، والأرض التي حوت الكثير من المقدسات، والأرض التي رويت بدماء الشهداء، وبها أُولَى القبلتين وثالث الحرمين، وإليها أُسْرِيَ برسول الله الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية R_20، وعلى ترابها صلَّى حبيبنا الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية R_20 إمامًا بعامة الأنبياء والمرسلين.

إنها الأرض التي لا يصلح أن تخرج من أذهاننا، ولا يصحُّ أن تُهْمَل مهما كانت مشاغلنا وأعمالنا.

وبرغم هذه القيمة العالية، والدرجة السامية التي وصلت إليها هذه الأرض الكريمة إلا أننا نراها -وللأسف الشديد- رهن الاحتلال البغيض منذ ما يزيد على تسعين عامًا -وقت كتابة هذه السطور- فقد احتلها الإنجليز عام 1917م، ثم سلموها إلى الصهاينة في عام 1948م، وما زالت في أيديهم إلى الآن، ولا شكَّ أن هذا يُصِيب قلوب المؤمنين بجرح عميق، وألم دفين.

ومع هذه الآلام والأحزان، إلا أننا -بفضل الله تعالى- نرى في السنوات الأخيرة صحوة إسلامية رائعة، أيقظت الإيمان في قلوب الغافلين، فَهَبُّوا يبحثون عن مرضاة ربهم، وسلكوا في ذلك كل سبيل، وكان من أهم ما تحرك الناس له قضية فلسطين.

إن قضية فلسطين بميراثها الديني والتاريخي والواقعي لَتُمَثِّل إحدى أهم القضايا التي اهتمَّ بها المؤمنون والصالحون، بل إنها في حدِّ ذاتها إحدى محرِّكات الإيمان، وإحدى بواعث الهمة في نفوس المسلمين؛ لذلك ليس مستغرَبًا أبدًا أن يكون السؤال الأعمُّ والأشهر الذي نسمعه في وقتنا الآن هو: ماذا يمكن أن أفعل حتى أُسْهِم في تحرير فلسطين؟!

إنه السؤال الذي اهتمَّ عموم الناس بسؤاله، كما اهتمَّ عموم العلماء والدعاة بالإجابة عليه، وهنا ظهرت عِدَّة مشاكل!

أما المشكلة الأولى: فهي تضارُب الأقوال بين العلماء والدعاة؛ حتى يصل الأمر أحيانًا إلى التراشق بالكلمات على شاشات الفضائيات! فهذا يُؤَيِّد وسيلة، وآخر يُعارِضُها، وهذا يقترح أمرًا، وذاك يرفضه، وهكذا؛ مما أدى إلى بلبلة عظيمة في الرأي عند جمهور المسلمين.

والمشكلة الثانية: فهي عدم واقعية الحلِّ بالنسبة إلى كثير من الناس؛ فقد يذكر عالمٌ أن الحلَّ الوحيد هو الجهاد في سبيل الله، ويكون المستمع مقتنعًا بهذا الأمر تمامًا، ولكنه غير قادر عليه، فلا يدري ماذا يفعل. أو يطلب داعية من الناس أن يُنفقوا أموالهم لدعم أهل فلسطين، فيسمع ذلك فقير فيتحسَّر، ثم يتساءل: أليس لي دور في القضية؟ وهل أعتمد على نيتي في أن أنفق لو كان عندي مال فقط، أم أن هناك أدوارًا أخرى يمكن أن أقوم بها؟!

أما المشكلة الثالثة: فهي فقدان الآليات المناسبة لتنفيذ كل دور من الأدوار، فقد أكون مدركًا لأهمية نشر القضية والتعريف بها، لكنني لا أعلم كيف أفعل ذلك، ولا كيف أُطَبِّقه.

ولقد نظرت في هذه المشاكل وغيرها، فبدا لي أن السبب الذي يكمن وراء الأغلب منها هو أن العلماء والدعاة عندما يطرحون وسائل الحلِّ، وآليات التنفيذ، قد لا ينظرون إلى طبيعة المتلقِّي، ولا الشريحة المستهدفة؛ بمعنى أنه لا يُقَدِّر إمكانيات السامع أو القارئ، ولا يعلم الاختلافات البيِّنَة التي بين أفراد الأمة بشكل عامٍّ، فلا شكَّ أن أدوار الرجل تختلف عن أدوار المرأة، ولا شكَّ -أيضًا- أن أدوار المسلمين في فلسطين تختلف عن أدوار المسلمين في خارجها، ولا شكَّ -كذلك- في أن أدوار الأغنياء غير الفقراء، وأدوار العلماء غير الحكام، وأدوار المواطنين غير المغتربين، وهكذا.

إن الأمة تذخر بشرائح كثيرة من المسلمين المتحمسين لنصرة فلسطين، وغيرها من قضايا الأمة، لكنهم يحتاجون إلى معرفة الطريق فقط.

لقد قمتُ بتقسيم الأمة إلى شرائح مختلفة متباينة، ونظرتُ إلى إمكانيات كل شريحة على حدة، ومن ثَمَّ بدأتُ في وضع الأدوار التي تناسب كل شريحة، ثم بدأت بعد ذلك في تفصيل كل دور، والبحث عن آليات مقترحة لتطبيقه، مع يقيني أن أصحاب كل شريحة ستكون لهم من الوسائل ما لم يخطر لي على بال؛ فهم أهل التخصُّص والخبرة، وهم الأدرى بما يملكون من قدرات ومواهب. ولقد وضعتُ عِدَّة عوامل لتقسيم هذه الشرائح؛ منها: المكانة العلمية، والسنّ، والمكان، والوظيفة.. وغير ذلك، وإن كنتُ أشعر أن هناك شرائح أخرى كثيرة لم أتطرَّق إليها، وليس هذا إهمالاً مني لأي شريحة لم تُذْكر، ولكنه النقص الذي لا بُدَّ أن يعتري البشر؛ ولهذا فإنني سأسعد كثيرًا بأي توجيه أو إضافة تُثري الموضوع، وتزيد من نفعه.

ولقد لاحظتُ كذلك أن هناك بعض الأدوار التي لا بُدَّ أن يقوم بها كل فرد في الأمة، بصرف النظر عن مكانته أو وظيفته؛ فهي أدوار لازمة لكل مسلم ومسلمة، بحيث إنَّ مَنْ تركها، فإن قيامه ببقية الأدوار لا يُغني عنه شيئًا، وسنصبح كالذين ينقضون ما يُشَيِّدون، ويهدمون ما يبنون. قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل: 92].

ثم إن على القارئ أن يلاحظ شيئًا آخر في غاية الأهمية، وهو أنه من الممكن أن يكون مندرجًا تحت أكثر من شريحة من الشرائح المذكورة! فهو لا شكَّ من عموم الأمة، كما أنه من الممكن أن يكون شابًّا، وإضافةً إلى ذلك فقد يكون اقتصاديًّا، وغيره من المسلمين قد يكون عالمًا، وهو في الوقت نفسه يعيش في البلاد الغربية، وثالث قد يكون طبيبًا، وهو في الوقت ذاته أستاذ في الجامعة، وقد يجمع الرجل أو المرأة بين ثلاث شرائح أو أربعة أو أكثر، وهكذا.

ولذلك فإن على كل القُرَّاء أن يُحَدِّدُوا بداية إلى أي الشرائح ينتمون، ثم يبدأ في قراءة أدواره في كل شريحة، ويبحث بجدية عن طريقة تطبيقها، ويُحاسب نفسه على ذلك، ثم عليه أن يقرأ بقية الأدوار لبقية الشرائح؛ حتى يستطيع أن يُعَرِّفَ زملاءه ومعارفه بأدوارهم؛ فالطبيب عنده مجموعة من المرضى؛ منهم: العالم، والاقتصادي، والإعلامي.. وغيرهم، والأب عنده زوجته المرأة، وأولاده الشباب والأطفال، وإخوانه وأخواته؛ المهندسون، والمحامون، والزراعيون.. وغيرهم.

إننا لو تعاملنا مع الموضوع بهذه الصورة الجدية؛ لتحوَّلَت الأمة الإسلامية إلى خلية نحل، كلها تعمل في سبيل الله، وكلها يسعى لتحرير فلسطين، ولا ينشغل أحدنا بتقصير غيره أو ضعفه، إنما ينشغل بنفسه، فيُصلحها ويُقَوِّمها، ويدفعها إلى العمل الجادِّ من أجل تحرير البلاد الإسلامية، بشكل عملي، وبطريقة واقعية مدروسة.

إننا نستطيع -بفضل الله- أن نُحَوِّل أزمة فلسطين إلى فرصة! إنها فرصة للعودة إلى الله، وفرصة لتجميع الجهود، وفرصة لاستثمار طاقات الأمة، وفرصة لإشعار كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية أن له دورًا مهمًّا في الحياة، ورسالة خالدة يستطيع أن يؤدِّيَها هو لا غيره، وعندها لن تكون النتيجة فقط هي تحرير فلسطين، بل سيعقب ذلك سيادة الدنيا، وقيادة العالمين، وليس ذلك على الله بعزيز.

ونسأل الله I أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
المصدر: مقدمة كتاب "فلسطين.. واجبات الأمة" للدكتور راغب السرجاني،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» القضية الفلسطينية
» عن القضية الفلسطينية
» القضية الفلسطينية
» مسارات القضية الفلسطينية
»  الواقع الجديد في القضية الفلسطينية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: بلادنا فلسطين-
انتقل الى: