ما زلنا نخفي جانبا للعنف وللردة عن الحضارة المدينية (من المدن) بسبب حداثة عيشنا في المدينة
تبرز أمامنا بين الفينة والاخرى مشاهد مخزية من التصرفات الفردية وأحيانا الجماعية التي لا تجد لها تفسيرا في أي قاموس أخلاقي او مهني، ومن ذلك ما يمكن أن نشير له بوضوح مثل قيام مجموعة طلاب شباب بمحاولة تدمير سيارة أستاذٍ لهم في كراج السيارات عن طريق المشاركة في دفعها للأمام والخلف لتصطدم بالحائط من الجهتين في سابقة سيئة، ونشاهد أن هؤلاء الطلاب لا يبدون أي شعور بالذنب، بل هم اقرب للتفاخر منهم للشعور بالذنب. شباب متعلمون يتصرفون بعقلية الجاهلية بكل فخر وهم يدمرون ممتلكات غيرهم. ومهما كان عذرهم او السببب الذي دفعهم لمحاولة تدمير سيارة معلمهم فإنهم لم يستعملوا طريقة الحوار أو الإقناع أو الاسلوب اللطيف الذي يستخدمه غيرنا لحل مشاكلهم.
نقتني افخر السيارات وأكثرها حداثة ولكننا نقودها كأننا نركب الدواب في وسط الصحراء الواسعة فلا يهمنا أن نراعي شروط القيادة السليمة أو أن نستغني عن العدائية، أو أن تعمل على أن نقود بكل سلاسة وأريحية، وبحيث نترك حيزا للتحية والإبتسامة عندما نترك المجال لغيرنا للمرور بكل أريحية، بل على العكس من ذلك نتسابق في سرقة أولويات المرور والدخول إلى الدواوير أو الشوارع الرئيسية، وعندما نريد أن نوقف سياراتنا فإنه لا يهمنا أن نتركها على طرف الشارع غير المعبد، او أن نركنها أمام سيارات أخرى غير مهتمين اذا ما كنا نعطل حركة سيارات اخرى او ان نحجزها في مكانها لحين قيامنا بتحريك سياراتنا!!!
وتاخذنا سيئات اعمالنا للتصرف بقسوة مع بعضنا كلما كانت هناك فسحة للجدال أو للخلاف، ولقد شاهدت حالات من التصادم اللفظي او الجسدي بين شخصين فترى كل واحد منهما يستخدم التكنولوجيا التي يحملها معه وأقصد الهاتف الجوال ليقوم باستدعاء إخوته واصدقائه للمشاركة معه في العراك ، وما يدهشك هو سرعة الاستجابة والرغبة في الدخول في العراك من قبل الذين فزعوا لقريبهم أو صديقهم وكأنهم فرقة للتدخل السريع!!!! وللأسف يقوم بهذه الافعال أناس على مستويات احتماعية مختلفة فبعضهم من قدامى الرياضيين، وبعضهم من طلبة الجامعات، وبعضهم من موظفي المؤسسات الرسمية!!!
كما ونتنقل بسياراتنا ونحن نحمل عائلاتنا غلى مناطق التنزه، فترى سيارة النقل (الفان) مليئة بأفراد العائلة من أطفال ونساء، وفي لحظة زمنية غادرة يحصل جدل بين قائد هذه السيارة وقائد سيارة مقابلة فتراهما يختلفان على اولويات المرور، وعندما يحتدم الجدل ويترجل فارس سيارة الفان من وراء المقود ويتجه نحو قائد السيارة الأخرى فإنك تشاهد جميع من في سيارته يترجلون وكل منهم يحمل قطعة معدنية في يده مثل المفك ومفتاح براغي العجلات وكذلك ترى يد الرافعة للسيارة في يد الوالدة وهكذا، وإذا أنت امام مجموعة متحركة جاهزة للقتال وترغب في المشاركة القتالية، ولا مكان هنا للطف الانثوي أو التراحم العائلي أو مراعاة وجود الاطفال!!! لقد كنا في مثل هذه الحالات نطلب من أحدنا أن يأخذ النساء والاطفال بعيدا عن مناطق الشجار حفاظا على كرامتهم وعدم جرح مشاعرهم، ولكننا على الغالب قد وصلنا الى جهوزية عالية لدى لنسوة للمشاركة والقيام بدور قيادي في الشجار مع تقدمنا التكنولوجي وسياراتنا الحديثة!!
ما زلنا نخفي جانبا للعنف وللردة عن الحضارة المدينية (من المدن) بسبب حداثة عيشنا في المدينة، أو لأننا نبني حولنا جدارا من الاقارب والاصحاب الذين يجسدون مفهوم العزوة أو القبيلة التي تشعرنا بأنهم عزوتنا ويجب أن يكونوا في القرب عند الحاجة لهم. وأهم من كل ما ذكرناه بشكل سلبي هو أننا نتفاخر بهذه القدرة على التجييش للقتال والعراك!!!!
نعم، ما زلنا نحبو في دروب المدنية ولكننا نركض بحرية مطلقة في دروب الجاهلية!!!
الرئيسية 
البوابة 
