منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 10:48 pm

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى


الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15585   مقدمة
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15586   المبحث الأول: الزواج عند الشعوب القديمة
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15587   المبحث الثاني: اختيار الزوجة في الإسلام
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15589   المبحث الثالث: أهلية وولاية الزواج
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15590   المبحث الرابع: طبيعة عقد الزواج وشروطه
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15591   المبحث الخامس: المحرمات من النساء
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15592   المبحث السادس: الحقوق الزوجية
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15593   المبحث السابع: تعدد الزوجات وحكمته
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15594   المبحث الثامن: انتهاء الزواج بالطلاق
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15595   المبحث التاسع: انتهاء الزواج بطرق أخرى
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15588   الملاحق
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى BOlevel15596   المصادر والمراجع



مقدمة

أولاً: تعريف الزواج لغة

الزوج خلاف الفرد فيقال: هما زوجان، وهما زوج. والأصل في الزوج: الصنف والنوع من كل شيء، وكل شيء مقترن بغيره مماثلاً له كالخف والنعل، أو مضاداً له كالأسود والأبيض، والحلو والحامض؛ فهما زوجان، وكل واحد منهما زوج؛ فالمرأة صنف والرجل صنف.

وقد جاء الزوج بمعنى النوع أو الصنف، في كتاب الله، كثيراً، كقوله تعالى: ]وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ[ (سورة الحج: الآية 5). وقوله: ]أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ[ (سورة الشعراء: الآية 7)، وقال: ]فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَان[ (سورة الرحمن: الآية 52)، وقال في خلقه أصناف الموجودات من جماد وغيره: ]سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُون[ (سورة يس: الآية 36).وفي التنزيل: ]كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ[ (سورة الدخان: الآية 54). أي قرناهم.

ويطلق على كل من الرجل والمرأة اسم الزوجين إذا ارتبطا بعقد الزواج، قال تعالى مخاطبا آدم: ]وَقُلْنَا يَا ءادَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ[ (سورة البقرة: الآية 35) ، وقال: ]فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ[ (سورة البقرة: الآية 230).

ويطلق الزوج، في عالم الحيوان، على كل واحد من القرينين من الذكر والأنثى، قال تعالى: ]وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى[ (سورة النجم: الآية 45).وقال: ]ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ[ (سورة الأنعام: الآية 143).

كما يطلق الزوج على معانٍ أخرى كالنمط الذي يطرح على الهودج واللون من الديباج ونحوه، كما يطلق على الرجل والمرأة على حدٍ سواءً.

فزوج المرأة بعلها وزوج الرجل امرأته[1]، والزوج عند أهل الحساب خلاف الفرد، وهو العدد الذي ينقسم بمتساويين. وإطلاق لفظة "زوجة" جائز في اللغة، بلا خلاف، ودليل ذلك نطق الرسول r ـ وهو أفصح العرب ـ بها، كقوله r:

]إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلاءُ فَقِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا كَانَ الْمَغْنَمُ دُوَلا وَالأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَبَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَبَاهُ وَارْتَفَعَتْ الأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ وَلُبِسَ الْحَرِيرُ وَاتُّخِذَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ أَوْ خَسْفًا وَمَسْخًا[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2136). وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَكَّافُ بْنُ بِشْرٍ التَّمِيمِيُّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r: ]يَا عَكَّافُ هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ قَالَ لا قَالَ وَلا جَارِيَةٍ قَالَ وَلا جَارِيَةَ قَالَ وَأَنْتَ مُوسِرٌ بِخَيْرٍ قَالَ وَأَنَا مُوسِرٌ بِخَيْرٍ قَالَ أَنْتَ إِذًا مِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ وَلَوْ كُنْتَ فِي النَّصَارَى كُنْتَ مِنْ رُهْبَانِهِمْ إِنَّ سُنَّتَنَا النِّكَاحُ شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ وَأَرَاذِلُ مَوْتَاكُمْ عُزَّابُكُمْ أَبِالشَّيْطَانِ تَمَرَّسُونَ مَا لِلشَّيْطَانِ مِنْ سِلاحٍ أَبْلَغُ فِي الصَّالِحِينَ مِنْ النِّسَاءِ إِلا الْمُتَزَوِّجُونَ أُولَئِكَ الْمُطَهَّرُونَ الْمُبَرَّءُونَ مِنْ الْخَنَا وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ إِنَّهُنَّ صَوَاحِبُ أَيُّوبَ وَدَاوُدَ وَيُوسُف[.(مسند أحمد، الحديث الرقم 20477) وقول عَبْدَاللَّهِ: ]دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ r حُجْرَتِي فَقَالَ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ قَالَ بَلَى قَالَ فَلا تَفْعَلَنَّ نَمْ وَقُمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجَتِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِصَدِيقِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَطُولَ بِكَ عُمُرٌ وَإِنَّهُ حَسْبُكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثًا فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا قُلْتُ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قَالَ صُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قَالَ صُمْ صَوْمَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام قُلْتُ وَمَا كَانَ صَوْمُ دَاوُدَ قَالَ نِصْفُ الدَّهْرِ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 2350).

وورد كذلك في الشعر العربي قول الشاعر:

يـا صـاح بلِّـغ ذوي الـزوجات                   كلَّهمُ أنْ ليس وصلٌ إذا انحلَّت عرى الذنبِ

وقال الفرزدق:

وإنَّ الـذي يسعى يحِّرشُ زوجتي                    كسـاعٍ إلـى أُسـْدِ الشـرى يَسْتَبِيـلُها

ثانياً: تعريف الزواج في الاصطلاح

يطلق الزواج على: عقد النكاح نفسه. وطرفا العقد هما الرجل والمرأة، وهو: عقد يتم بموجبه استمتاع الزوجين ببعضهما ويلزمهما به حقوق وواجبات. كما تبنى عليه آثار قانونية، كحل الاستمتاع بين الزوجين، والمهر، والنفقة.

وعرفه بعضهم بركنيه الأساسيين، وهما: الإيجاب والقبول. والإيجاب هو ما يصدر أولاً من أحد المتعاقدين للتعبير عن رغبته في إنشاء الصلة الزوجية. أما القبول فهو ما يصدر ثانياً، من المتعاقد الآخر، من العبارات الدالة على الرضا والموافقة.

وعرفه آخرون بأنه: "اتفاق يقصد به حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، واستئناسه به طلباً للنسل على الوجه المشروع".

منذ أن هبط آدم الأرض، وكُتب عليه وعلى ذريته أن يعيشوا على ظهرها، والزواج شيء أساس وأمر ضروري لحياتهم، وقد بدأ أول زواج في الدنيا حين تزوج آدم، عليه السلام، حواء عندما وجد لديه شعوراً نفسياً ورغبة أكيدة في البحث عن شيء ينقصه، وهو المرأة؛ فتزوجها، وعاشا وحيدين في كوكب الأرض، ثم ولدت البنين والبنات، فكان يجري زواج الذكور بالإناث حتى كثرت العائلة فمنع زواج الأخت بأخيها إلى غيره، وتكاثر النسل واستمر الزواج.

والزواج أمر فطري مستقر في إحساس وشعور الرجل والمرأة؛ كل منهما يبحث عن الآخر. ومهما توفر للرجل والمرأة من المأكل والمشرب والراحة الجسدية، فإن ذلك لا يغني أحدهما عن البحث عن شريكه وبالزواج يكثر عدد أفراد الجنس البشري وتعمر الأرض وتخرج خيراتها، وتبنى ديارها، وتسير الحياة. ولقد راعى الإسلام ذلك وسما بالزواج عن الحيوانية ووضعه في مكانه اللائق؛ فشرع اتصالاً كريماً بين الرجل والمرأة، يعلي من قدرهما، ويناسب كرامة الإنسان، وأفضليته على المخلوقات، وعظّم الإسلام شأن الزواج، وبين أثره البالغ في أكثر من موضع في الكتاب والسنة:

1. الزواج، عند المسلمين، آية من آيات الله في خلقه، قال تعالى: ]وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً[ (سورة الروم: الآية 21).

2. الزواج ضرورة حياتية؛ فهو الأسلوب الذي اختاره الله للتوالد والتكاثر؛ واستمرار الحياة: ]يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً[ (سورة النساء: الآية 1)، ]وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ[ (سورة النحل: الآية 72).

3. تلبية الرغبة الطبيعية المستقرة في الرجل والمرأة التي جعلها الله عز وجل لكمال الحياة البشرية وإيجاد نفس أخرى يسكن إليها الرجل، ويأوي إليها ويبثها شكواه وحزنه، ويطلعها على ما في نفسه لتخفف عنه، وتواسيه وتسليه، ويجد الراحة التامة بذلك، ومن أجل كمال هذا الارتباط جعل الله بين هاتين النفسين مودة ورحمة.

4. تمام الدين، وطهارة النفس والبدن وحفظ السمعة، حيث تعف الرجل زوجته، ويعفُّها، ويجد بها متنفساً لشهواته، فلا يفكر في مقاربة المعاصي. ويقول رسول الله r ]من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني[.

5. الزواج يربط بين الأسر، ويقوي أواصر المحبة في المجتمعات الإنسانية ]وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا[ (سورة الفرقان: الآية 54).

6. والزواج فيه تكثير الأمة، وحفظها من الزوال، ولذا قدم كثير من العلماء أحكام الزواج، في مؤلفاتهم، على أحكام الجهاد[2].

والزواج هو السبيل الأمثل لإعفاف كل واحد من الزوجين نفسه وإحصانها، حتى لا يقع في المحرم أو يسلك مسلكاً خاطئاً في قضاء الشهوة، واستمتاع كل واحد من الزوجين بالآخر، استمتاعاً أحله الله لعباده، وفي الحديث ]عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ[.(صحيح مسلم، الحديث الرقم 2668) وفي القرآن الكريم: ]فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً[ (سورة النساء: الآية 24)[3].

في نظام الزواج يتحقق اختصاص الرجل بالمرأة، واختصاص المرأة بالرجل على نحو يليق بالإنسان وكرامته، وعلى نحو لا يوجد في عالم الحيوانات، ومن آثار هذا الاختصاص إيجاد النسل الثابت النسب منهما، وما يتبع ذلك من رعاية مادية ومعنوية لهذا النسل من قبل الزوجين، فينشأ هذا النسل سوياً خالياً من الشذوذ والانحراف، بخلاف أولاد الزنا الذين يرفضهم المجتمع ولا يعترف لهم بنسب، ولا يجدون حنان الوالدين ولا رعايتهما،وبهذا وضع الإسلام للغريزة سبيلها المأمونة، وحمي النسل من الضياع، وصان المرأة عن أن تكون كلأ مباحاً لكل أحد.

والزواج سبيل لاكتمال خصائص الرجولة والأنوثة عند الرجال والنساء، فكثير من الخصائص تكتمل وتتحقق في ظلال الحياة الزوجية، ومنها العواطف النبيلة، التي يشعر بها كل واحد من الزوجين تجاه الآخر، ومنها مشاعر الأبوة والأمومة، ومشاعر العطف والحنان، والشعور بالمسؤولية التكاملية مع الطرف الآخر وفهم طبيعة مشاكل الناس وكيفية إيجاد الحلول المناسبة.

ثالثا: مشروعية الزواج، والترغيب فيه

دلت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على مشروعية النكاح، وذلك في النقاط الآتية:

1. امتنان الله على عباده بأنه خلق لهم من أنفسهم أزواجاً ليسكنوا إليها، وأنه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة. ومن النصوص الدالة علي هذا المعنى قوله تعالى: ]جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنْ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا[ (سورة الشورى: الآية 11). وقوله: ]يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا[ (سورة النساء: الآية 1).

2. حث القرآن الكريم والسنة النبوية على الزواج كما في قوله تعالى: ]فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ[ (سورة النساء: الآية 3). وحث القرآن الأولياء على تزويج من لا زوج لها في قوله: ]وَأَنكِحُوا الأَيَامَى[4] مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ[ (سورة النور: الآية 32).

وبين القرآن الكريم أن النكاح من سنن المرسلين في قوله: ]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً[ (سورة الرعد: الآية 38).

وفي السُّنة قوله r قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الْحَيَاءُ وَالتَّعَطُّرُ وَالسِّوَاكُ وَالنِّكَاح[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 1000).

وفي القرآن الكريم الثناء على عباد الرحمن الذين وصفهم في آخر سورة الفرقان بأنهم يدعون ربهم قائلين: ]رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ[ (سورة الفرقان: الآية 74). وامتن الله على زكريا بـإصلاح زوجه، ورزقه الولد منها: ]فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ[ (سورة الأنبياء: الآية 90).

وأخبر الله في القرآن الكريم أن من نعيم الله، الذي يمن به على عباده في جنات النعيم، تزويجهم بالحور العين ]كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ[ (سورة الدخان: الآية 54). ]وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُون[ (سورة البقرة: الآية 25). ]هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ[ (سورة يس: الآية 56).

ويصحب المؤمنين في الجنة زوجاتهم المؤمنات من أهل الدنيا: ]جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ[ (سورة الرعد: الآية 23).

وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: ]تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ ‏ ‏تَرِبَتْ يَدَاكَ[ (صحيح البخاري، كتاب النكاح: الحديث الرقم 4700).

وحث الرسول r الشباب على النكاح في قوله: ]‏يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ‏مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ[5] ‏فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ ‏ ‏أَغَضُّ ‏‏لِلْبَصَرِ ‏وَأَحْصَنُ ‏ ‏لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ ‏‏وِجَاءٌ[(صحيح البخاري، كتاب النكاح: الحديث الرقم 4678).

إنكار الرسول r على الذين أرادوا ترك الزواج، واعتزال النساء، والانقطـاع في العبادة، ففي الحديث عن أنس بن مالك قال: ]جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r‏ ‏يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ r‏ ‏فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ ‏ ‏تَقَالُّوهَا‏ ‏فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ r‏ ‏قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ‏r‏ ‏إِلَيْهِمْ فَقَالَ ‏ ‏أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي ‏ ‏لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي [ (صحيح البخاري، كتاب النكاح: الحديث الرقم 4675).

وعن سعد بن أبي وقاص قال: ]‏رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَلَى ‏ ‏عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ  ‏التَّبَتُّلَ[6] ‏‏وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا [ (صحيح البخاري، باب النكاح: الحديث الرقم 4685).

وأنكر الرسول r على عبدالله بن عمرو تركه لزوجته وإهماله لها واشتغاله بالعبادة من الصيام والقيام، وأرشده إلى التوازن والاعتدال.فعن أَبِي جُحَيْفَة قَالَ : ]آخَى رَسُولُ اللَّهِ r بَيْنَ سَلْمَانَ وَبَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ مَا شَأْنُكِ مُتَبَذِّلَةً قَالَتْ إِنَّ أَخَاكَ أَبَا الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا قَالَ فَلَمَّا جَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَامًا فَقَالَ كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ قَالَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِيَقُومَ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ نَمْ فَنَامَ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ قَالَ لَهُ سَلْمَانُ قُمْ الآنَ فَقَامَا فَصَلَّيَا فَقَالَ إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَيَا النَّبِيَّ rَ فَذَكَرَا ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ صَدَقَ سَلْمَانُ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2337).

أجمع المسلمون على أن النكاح مشروع، بل إن أهل العلم استفادوا من النصوص التي سبقت أن النكاح شرعة عامة للبشرية، فلذلك يقول البلقيني: (النكاح شرع من عهد آدم u، واستمرت مشروعيته، بل هو مستمر في الجنة).

[1] والأفصح في لغة العرب أن يطلق الزوج على كل من الذكر والأنثى بصيغة واحدة، وهذه لغة أهل الحجاز، فتقول المرأة في لغتهم: هذا زوجي، ويقول الزوج: هذه زوجي. وبنو تميم يقولون في المؤنث: زوجة، وأبى الأصمعي هذا الإطلاق، محتجاً بعدم وروده في القرآن.

[2] وقد قرر كثير من أهل العلم أن الاشتغال بالنكاح أفضل من التخلي لنوافل العبادات، لما يشتمل عليه النكاح من القيام بمصالحه، وإعفاف النفس عن الحرام، وتربية الولد،

[3] ويرى المسلمون أن الاستمتاع الذي يتحقق به قضاء الشهوة عند كل واحد من الزوجين فيه إشباع للغريزة، وتحقيق للفطرة، وتحصيل للسكون النفسي، وهو ضروري للإنسان؛ لأن الله خلق الذكر والأنثى، وجعل في كيان كل واحد منهما الميل إلى الآخر، والذي يعاند هذا الميل الفطري يخالف حقائق علمية، ويغالب الفطرة، والفطرة في النهاية تغلب من يعاندها، وفي كثير من الأحيان ينفجر الكبت المغالب للفطرة، فيدمر المجتمعات التي تغالبه، وقد يميل هذا النهج بصاحبه ويحرف مساره.

[4] الأيم من النساء: المرأة التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً. ومن الرجال: من لا امرأة له، وتزوج من قبل أو لم يتزوج.

[5] الباءة: الجماع، وقيل: مؤونة النكاح وتكاليفه.

[6] التبتل: يعني الانقطاع عن النساء، وترك النكاح، انقطاعاً إلى عبادة الله.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 10:58 pm

المبحث الأول

الزواج عند الشعوب القديمة

أولاً: العزوبة والزواج

الزواج هو وسيلة استمرار الحياة والتكاثر، ومن ثم كانت العزوبة تعد جريمة كبرى لدى الشعوب القديمة، وإغضاباً لآلهتهم التي يعبدونها، ويظنون أنها تمنحهم الأمان والرزق. وكان الأعزب، لدى كثير من الجماعات البدائية، يلقى الاحتقار، ويُمنع من المشاركة في الاحتفالات الدينية، ويظنون أنه يلقى عذاباً شديداً في الآخرة، ويُقطَّع إرباً. أمَّا اليونانيون فكانوا يعدون العزوبة جرماً في حق آلهة الأسرة، يستوجب لعناتها وعقابها.

وساد لدى الشعوب القديمة ضرورة أن يسعى الرجل، الذي بلغ سن الزواج، إلى الزواج، فإذا كانت الزوجة عاقراً أو كانت لا تلد سوى البنات، كان على الزوج أن يتزوج من امرأة أخرى أو يشتري ولداً يتبنّاه. وإن كان الزوج عقيماً، كان على الزوجة أن تحمل من أخيه أو من أقرب أقربائه! فإذا ولدت ذكراً، نُسب إلى الزوج ولم ينسب إلى الأخ أو القريب الذي حملت منه. وإذا مات الأب عن بنت، ولم يولد له ذكر، كان على البنت أن تحمل من أقرب أقربائها! وينسب الولد إلى أبيها. كل ذلك من أجل أن تستمر العبادة في الأسرة؛ لأن الأسرة كالديانة، لا تستمر إلا عن طريق الذكور، وبهذا قضت ديانة الصين والهند واليونان والرومان.

وكان بنو إسرائيل يعدون الزواج أداء لفريضة أمر الرب بها لاستمرار عبادته؛ فمن تأخر عن أداء هذه الفريضة وعاش عزباً، كان سبباً في غضب الله على بني إسرائيل. وفي الشريعة الإسلامية يُفرض الزواج على كل قادر عليه؛ لكي تستمر عبادة الله في الأرض، وفي ذلك يقول تعالى: ]وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون[ (سورة الذاريات: الآية 56). وقد حضّ الرسول r على الزواج، فقال يخاطب الشباب: ]يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَة فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4677).

من ناحية أخرى، كان التبتل أو العزوبة، أحياناً يمثل نوعاً من العبادة، والانقطاع لها، ظناً بأن المعاشرة الجنسية دنس؛ ومن ثم فُرضت العزوبة على الكهنة والسحرة، لأنهم ـ حسب الظن السائد آنذاك ـ هم المتصلون بالآلهة التي لا تستجيب إلا للأطهار. وعند بعض الجماعات كانت العزوبة مفروضة على النساء، اللاّئي ينذرن أنفسهنّ للآلهة؛ ففي المكسيك والبيرو كان من العذارى من ينذرن أنفسهنّ لإله الشمس، ويمضين حياتهنّ في أماكن يعتزلن فيها الناس، حتى يتوفّاهنّ الله. ولا يحلّ لإنسان أن يكلّمهنّ أو يراهن، ولو كان من الأقربين. وفي جزر الكناري تقوم بعض العذارى بمساعدة الكهنة في أداء مراسم العبادة، ولا يحلّ لهنّ أن يتزوجن، ما دمن يقمن بهذه المهمّة. وفي سواحل أفريقية الغربية تفرض الجماعات العزوبة على البنت البكر، التي تلد لزعيم الجماعة، وتحتل مكانة عظيمة عند قومها، وتفقد مكانتها إذا هي تزوجت. وفي جماعات أخرى، ومنها البوذيون، تفرض العزوبة على الكاهنات أو على الكهان، لأنّ البوذية ترى أن اللذة الجسدية لا تأتلف مع الحكمة والقداسة. وتروي الأساطير أن أم بوذا كانت من الأطهار، وأنها حملت من قوة خارقة، ولم تلد سواه. وفي التيبت الغربية يجب على كل أسرة أن تخصّص أحد أبنائها الذكور للكهنوت، وأن تفرض العزوبة عليه، والتبتّل على بعض بناتها. وفي الصين كانت تفرض العزوبة على الكهنة البوذيين. وعند قدماء الفرس كانت العزوبة مفروضة على كاهنات إله الشمس. وعند اليونان والرومان كانت تفرض العزوبة على راهبات معبد النار المقدسة (فيستا Vesta) ولا يسمح لهنّ بمغادرة المعبد إلاّ إذا أمضين ثلاثين سنة، وكانت تفرض عليهنّ قيود شديدة في حياتهن في داخله، فإذا خالفنها، كان جزاء المخالفة أن تُدفن وهي حية.

عند بعض الجماعات القديمة تعد الراهبات زوجات للإله الذي يقمن بخدمته، ويحرم عليهنّ الزواج من غيره. ففي البيرو والمكسيك يعد كوكب الشمس زوجاً للعذارى المنقطعات لعبادته، ولا يحلّ لهنّ أن يتزوجن، حتى لا تختلط دماؤهن بدماء بشرية. ومثل هذا السلوك الديني كان شائعاً في بعض الجماعات الأفريقية. وفي معبد الإله (جوبيتر) في روما القديمة كانت تنام امرأة عزباء، اختارها هذا الإله ـ حسب زعمهم ـ من دون النساء لتكون زوجة له، ويحرم عليها أن يمّسها إنسان. ويروي (هيرودوت) أن امرأة كانت تنام في معبد (طيبة) في مصر القديمة وتنذر نفسها له، وتدلّ النصوص المصرية القديمة على أن هذه المرأة كانت الملكة، وأن الولد الذي تلده كان يعد إلهاً.

ويقول المؤرخ القديم بلوتارخ: إن المصريين كانوا يعتقدون أن من الممكن أن تعاشر المرأة إلهاً، وأن يعاشر الرجل إلاهة. كذلك ساد الاعتقاد، عند المسيحيين الأوائل، أن من الممكن أن تقيم المرأة علاقة مع الرب (المسيح)، ويتحدث القديس (سيبيريانوس) عن نساء عازبات تزوجن المسيح زواجاً روحياً ونذرن أنفسهنّ له وتخلين عن لذة الجسد. وهذا الاعتقاد كان امتداداً للعادة اليونانية التي قضت بأن يمتنع كهنة الإله (ديمتريوس) عن الاتصال الجنسي، وأن يغتسلوا بعصير السوكران[1] لقتل شهوتهم، وآخرون كانوا يختصون.

وقد تأثرت، بفكرة، العزوبة طائفة من اليهود يدعون (الآسينيون[2] Les essenieus) يرون أن الزواج دنس وأن قهر اللذة انتصار للفضيلة، ولذلك كانوا يعرضون عن الزواج. ولم يؤثر مذهب هؤلاء في اليهودية، لكن المسيحية تأثرت به إلى حدّ كبير. ففي رسالة القديس (بولص) إلى أهل (كورنثة) يقول: (حَسَنُ للرجل إلا يمسّ امرأة). ويقول: (لكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل، إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا، ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا لأن التزوج أصلح من الحرق)، ويقول: (أريد أن تكونوا بلا هم، غير المتزوج يهتم في ما للرب، كيف يرضي الرب. وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم، وكيف يرضي امرأته. إن بين الزوجة والعذراء فرقاً، غير المتزوجة تهتم في ما للرب، لتكون مقدّسة جسداً وروحاً، وأما المتزوجة فتهتم في ما للعالم، كيف ترضي رجلها) وقد أشاع قول هذا القديس وغيره من القديسيين الحماس والرغبة في العزوبة، لأنها كما يقول القديس (امبرواز) هي الطريق الأقصر إلى مملكة المؤمنين، أما الزواج فهو الطريق الأطول إلى تلك المملكة. وقد أدّت هذه الآراء شيئاً فشيئاً إلى فرض العزوبة على رجال الدين المسيحي، ثم اقتصر فرضها على أصحاب المراتب العليا منهم.

أما الشريعة الإسلامية فقد نهت عن العزوبة وحضّت على الزواج والاستكثار من النسل، وفي ذلك يقول أبو هُرَيْرَة: ]قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r انْكِحُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ[ (سنن ابن ماجة، الحديث الرقم 1853).

وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ t قال: ]جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ r فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ r قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4675).

ومن ثم فالزواج من سنّة الإسلام، وتكاثر المسلمين من أهداف الزواج؛ فكل من بلغ سنّ الزواج وكان قادراً عليه في ماله وبدنه وجب أن يتزوج، فيحصن بالزواج نفسه من مزالق الهوى، ويقيم أسرة تزيد في قوة المجتمع الإسلامي. والنهي عن العزوبة يشمل الأحرار والأرقاء، فالزواج في نظر الإسلام حقّ إنساني والإسلام لا يحرم أحداً من حقوقه الإنسانية، ولذلك نهي النبي r عن خصاء الذكور من الرقيق وحرّمه، وعدَّه تعذيباً لا يحل أن ينزل بإنسان ولا حيوان، وفي ذلك يقول النبي r: ]مَنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ[ (رواه أبو داود، الحديث الرقم 4673) وبذلك أجمع الفقهاء على تحريم الخصاء لأنه يمنع حقاً أساسياً من حقوق الحياة.

ثانياً: الخطبة والعقد

تنوعت أساليب الخطبة في المجتمعات القديمة: ففي الجماعات البدائية التي تعيش على الصيد والقنص، يعلن الرجل رغبته إلى المرأة التي اختارها مباشرة، فإذا استجابت تزوّجا؛ فهي صاحبة الشأن في قبول الرجل أو رفضه.

وتختلف أساليب الرفض والقبول في تلك الجماعات، باختلاف عاداتها وتقاليدها، فعند بعضها يأتي الخاطب ببعض صيده فيلقيه أمام المرأة؛ فإن هي أخذته فقد رضيت به زوجاً. وعند بعضها يأتي الخاطب إلى كوخ المرأة فإن هي أحسنت استقباله، وقدّمت إليه بعض الفاكهة، فقد ارتضته زوجاً لها، وإذا أكل مما قدمته إليه انعقد الزواج بينهما وصحبته إلى كوخه. وعند جماعات أخرى يخطب الرجل المرأة من أبيها، ويقدم إليه بعض الهدايا، فيسأل الأب ابنته، فإن رفضت لا يجبرها على القبول ويعيد الهدايا إلى الخاطب. وعند جماعات أخرى تُخطَب المرأة من ذويها فلا يرفضون، وإنما يختارون يوماً تُرسَل فيه المرأة إلى الغابة وتختفي فيها، ثم يتبعها الخاطب بعد زمن معينّ ليفتّش عنها، فإن ظهرت له فيعني ذلك أنها رضيت به زوجاً، وإن اختفت عنه ولم يعثر عليها؛ فيعني ذلك أنها رفضته. وإذا تقدم للمرأة عدّة خطّاب، فتقعد في كوخ ولا تظهر لهم ويطوف الخطّاب، وفي يد كلّ منهم عصا من شجر (البامبو)، فمن أخذت المرأة عصاه فهو الذي اختارته من دون الآخرين.

وتفقد المخطوبة حقها في التعبير عن رضاها بخاطبها أو بمن تحب، في الجماعات التي تقدمت في سلم الحضارة على الجماعات البدائية، وهي الجماعات الراعية والزراعية؛ ففي هذه الجماعات ظهر رأس المال في الماشية وفي محصول الأرض وثمراتها، وفيه تجلت فكرة الملكية، وسيطر الرجل على وسائل الإنتاج وموارد العيش، وفقدت المرأة بهذا التقدم الاقتصادي مكانتها، وأصبحت بعض ما يملك الرجل، يبيعها ويغتني بثمنها. واتّسعت سلطة الأب مع الزمن حتى أصبحت كلمته هي العليا في الأسرة، فهو الذي يختار لأولاده زوجاتهم وأزواجهم، وهو الذي يصرّف أمورهم باعتباره المالك لرأس المال، وليس لأحد أن يخرج عن أمره. وفي المجتمعات القبلية تقترن سلطة الأب بسلطة رؤساء القبيلة وشيوخها، وخاصة إذا كان الزواج من غريبة أو من غريب، ولا بدّ من مشورتهم.

وفي بعض بلاد اليونان جرت العادة أن يتقدم الشاب إلى والد الفتاة، فإذا وافق، كان هناك طقس عجيب؛ إذ توضع خطة بالاتفاق بين الجميع، كالتالي: يختطف الشاب الفتاة التي خطبها، ويأتي بها إلى امرأة من أقربائه فتأخذها وتقص شيئاً من شعرها، ثم تتركها في مكان على فراش. ثم يتسلل إليها خاطبها، في الظلام، ويعاشرها، ويظل الحال على ذلك بضعة أيام، ثم تعود إلى أهلها، ويتم الاتفاق على باقي مراسم الزواج.

وقد نظّمت القوانين القديمة أحكام الخطبة وناطت إجراءها بالآباء والأولياء؛ ففي قانون حمورابي عند البابليين تتمّ الخطبة وينعقد الزواج باتفاق والدي الزوجين، وبمثل ذلك قضت قوانين الهند وقوانين أثينا وروما. وتعد الخطبة عقداً تمهيدياً لعقد الزواج، يحدد فيها المهر ويتفق فيها على الشروط التي يتضمنها العقد. وقد نصّ قانون حمورابي على أن الخاطب إذا عدل عن الزواج فَقَدَ المهرَ الذي دفعه، أمّا إذا عدل والد الزوجة عن تزويج ابنته فيردّ ما قبض ومثله معه (أي مضاعفاً)، تعويضاً عن الضرر الذي ألحقه بالعدول عن الزواج.

ويعقب الخطبة احتفال يقصد منه إعلان الاتفاق على الزواج، ويلتقي الخاطبان في هذا الاحتفال ويعقدان أيديهما. وعند بعض الشعوب يتقدم أكبر الحاضرين سناً فيعقد أيديهما. وعند شعوب أخرى يقوم الكاهن بذلك ليضفي قدسية على الزواج. وعقد أيدي الخاطبين يعد من رسوم الخطبة عند جميع الشعوب الهند أوروبية. وعند قدماء الهندوس يتبادل الخاطبان خاتمين، يضعه كل منهما في إصبع الآخر. وقد سرت هذه العادة بعد ذلك إلى اليونان والرومان وأصبحت شائعة في العالم.

وقد يُرمَزُ إلى اتحاد الخاطبين بالدّم؛ ففي بعض مناطق بريطانيا تجرح المخطوبة تحت ثديها الأيسر، ويقوم الخاطب بمص قطرة من الدمّ السائل. وعند بعض جماعات الهند تجرح المخطوبة بنصرها الأيسر، ويجرح الخاطب بنصره الأيمن، وتؤخذ قطرات من دم البنصرين تمزج في أرز مطبوخ، يأكل منه الخاطبان.

وعند شعوب أخرى يمسح كل من الخاطبين يده من جرح الآخر. وقد يمسح الخاطبان جبينيهما بدم دجاجة تُذبح على عتبة منزل المخطوبة. وعند كثير من الجماعات القبلية في أمريكا، يقتسم العروسان (كعكة) تصنع من دقيق الذرة، أو يأكلان من طعام واحد يقدّم إليهما. وعند قدماء اليونان والرومان كان الخاطبان يقتسمان (كعكة) مصنوعة من دقيق القمح ويقدم كل منهما قطعة إلى الآخر. وقد شاعت هذه العادة في العصر الحديث عند أكثر الشعوب.

1. الخطبة والعقد عند عرب الجاهلية

كانت المرأة تُخطب إلى وليّها: أبيها أو عمّها أو أخيها؛ فيقبل الوليّ الخاطب أو يرده، ولا يحق للمرأة أن تبدي رأيها في خاطبها. فإذا ارتضى الوليّ الخاطب، جرى الاتفاق على المهر، وتحدّد يوم الخطبة، وفيه يأتي الخاطب مع أبيه وأعمامه وأخواله وإخوته، وقد لبسوا أجمل ثيابهم، فيلقاهم والد المخطوبة بالترحيب. وبعد أن يستقر المجلس بالحاضرين يقول وليّ الخاطب لوليّ المخطوبة، ولمن حضر من أهلها: نحن أكفاؤكم ونظراؤكم، وقد جئنا نخطب ابنتكم (فلانة) ونحن لمصاهرتكم حامدون.

والبنت لا تزوج إلاّ لمن يساوي أباها في الحسب والنسب. وفي الأسر الشريفة، لا يجوز أن تقلّ مرتبة الزوج في قومه عن مرتبة والد الزوجة في السيادة والشرف. وإذا تقدّم لخطبة البنت نظير لأبيها فليس للبنت أن ترفضه إذا رضيه أبوها. وإذا تقدّم لخطبتها رجلان، كل منهما نظير لأبيها، فإن أباها يخيرها بينهما ويذكر لها صفات كل منهما وسجاياه، وليس للبنت أن ترفض، وإنما لها أن تختار احدهما.

وقد يكون لسيد من سادات العرب عدة بنات، ويرغب نظير له في مصاهرته والزواج من إحدى بناته، فيجمع الأب بناته ويستشيرهن فيه، ويشرح لهن صفاته لتختاره إحداهن.

2. نوادر عربية (أُنظر ملحق قالوا في الأمثال عن الزواج)

على أن من نساء العرب من كان أمرهنّ بأيديهنّ، فكان يأتيها الخاطب فتجلس إليه وتظهر أمامه على طبيعتها، دون تكلف ولا مصانعة، فإن وافقت هواه تقدّم وإلاّ انصرف. فقد رُوي أن معبد بن خالد الجدلي خطب امرأة من بني أسد، فجاء ينظر إليها، وكان بينه وبينها رواق يشفّ[3]، فدعت بجفنة مملوءة ثريداً، مكللّة باللحم، فأكلت وأتت على آخرها، وألقت العظام نقيةّ، ثم دعت بإناء مملوء لبناً فشربته حتى أكفأته على وجهها، وقالت لجاريتها: ارفعي الستر، فإذا هي جالسة على جلد أسد، وإذا امرأة شابّة جميلة، فقالت لخاطبها: يا عبدالله، أنا أسدة من بني أسد، وعليَّ جلد أسد، وهذا مطعمي ومشربي، فإن أحببت أن تتقدم فافعل، فقال: أستخير الله في أمري واُنظر، فخرج ولم يعد.

وقد تشترط من كان أمرها بيدها أن يوافق خاطبها هواها، فمنهنّ من كانت تطلب أن يكون كريماً؛ فقد رُوي أن امرأة من العرب تدعى ماوية، ذات جمال وكمال وحسن ومال، فآلت ألا تزوّج نفسها إلاّ كريماً، ولئن خطبها لئيم لتجدعنّ أنفه. فتحاماها الرجال حتى انتدب إليها زيد الخيل وحاتم بن عبدالله الطائي وأوس بن حارثة، وكلهم من رؤساء طيئ، فارتحلوا إليها، فلما دخلوا عليها قالت: مرحباً بكم ما كنتم زوّاراً، فما الذي جاء بكم؟ فقالوا: جئنا زوّاراً وخطّاباً. قالت: أكفاء كرام، فأنزلتهم وفرّقت بينهم، وأسبغت لهم القِرى وزادت فيه. فلما كان اليوم الثاني بعثت بعض جواريها متنكرة في زيّ سائلة تتعرّض لهم، فدفع لها زيد وأوس شطر ما حمل كل واحد منهما، فلما صارت إلى حاتم دفع إليها جميع ما حمل. فلما كان في اليوم الثالث دخلوا عليها، فقالت: أمّا أنت يا زيد فقد وترت العرب وبقاؤك مع الحرّة قليل. وأما أنت يا أوس فرجل ذو ضرائر، والصبر عليهنّ شديد. وأما أنت يا حاتم فمرضيّ الخلائق، محمود الشيم، كريم النفس، وقد زوجتك نفسي.

وقد تردّ المرأة خاطبها إذا عرفت من صفاته ما لا يرضيها؛ فقد روي أن رجلاً، يسمى أبو جلدة، تقدم لخطبة امرأة من بني عجل يقال لها خليعة، فأبت أن تتزوجه وقالت له: أنت صعلوك فقير، لا تحفظ مالك، ولا تلقى شيئاً إلا أنفقته في الخمر، فقال أبو جلدة في ذلك:

لما خطبت إلى خليعـة نفسـها                      قالت خليـعة ما أرى لك مـالا

أودى بمالي يا خليـع تكرّمـي                      وتخرقـي وتحمـلي الأثقـالا

إنيّ وجدّك لو شهدت مواقفـي                       بالسـفح يـوم أجلل الأبطـالا

سيفي، لسرك أن تكوني خادمي                       عندي إذا كره الكمـاة نـزالا

وهؤلاء النساء اللائي كان أمرهنّ بأيديهن، كنّ من الأعراب، ممن تعاقب عليهن الأزواج، وكن شريفات في أقوامهنَ.

وكان العربي يبحث عن المرأة الجديرة به، أو يكلف قريباته من النساء، اللاتي يأخذن في البحث وتقصي أخبار النساء في الحيّ، فإن تعذّر طفن في الأحياء الأخرى حتى يجدن مطلبهنّ. وكانت حمّامات النساء العامة مكان تتّبع الفتيات؛ ففيها يظهرن مكشوفات الأعضاء، ويتجلىّ ما فيهن من محاسن وعيوب يخفيها الحجاب.

وقد تناط الخطبة بالقابلات أو امرأة تدعى (الخطّابة) تجوب البيوت، وتتمتع عادة بحظّ وافر من الذكاء وطلاقة اللسان، وتُحسن التشبيه وضرب الأمثال، وقد تتعاطى بيع أصناف من سلع النساء للاّئي يمتنع عليهن الخروج إلى الأسواق. وهذه الطرائق في الخطبة سادت المجتمع العربي والإسلامي منذ حجبت المرأة عن الحياة العامة، وما زالت سارية في بعض الجماعات.

ولم تكن مهمّة الخطّابة البحث عن زوجة لرجل فحسب، بل كانت تدعى للبحث عن زوج لفتاة كاسدة أو يخشى كسادها، أو لامرأة أيّم، فإذا وجدت الخطّابة رجلاً أعزب أو أيّماً أو غريباً، يبحث عن زوجة، أحاطت به واستهوته بما تبتدع من أوصاف لمحاسن الفتاة أو المرأة، فتصيبه بطلاقة لسانها وسحر قولها وتدفعه إلى القبول، وغالباً ما تكون المرأة قبيحة أو عجوزاً، فإذا زفّت إليه وكشف عن وجهها فيا هول ما يرى. وفي ذلك أمثال كثيرة وحكايات تروى عمّن وقع في أحبولة الخطّابات. منها ما روي عن أعرابي جاء إلى البصرة وأراد أن يتزوج، فوقع على خطّابة امتدحت له امرأة على أنها شابّة وجميلة، ثم دست له عجوزاً متصابية، فكانت كلّما تزيّنت له ازدادت قبحاً فيقول:

عجوز تَرجّـى أن تكون فتيّة                         وقد نحل الجنبان واحدودب الظّهر

تدسّ إلى العطار سِلعة أهلها                          وهل يُصلِح العطّار ما أفسد الدهر؟

تزوجتها قبـل المحاق بليلة                           فكان محـاقاً كله ذلـك الشـهـر

وما غرّني إلاّ خضاب بكفها                          وكحل بعينيها وأثوابـها الصـفر

ويقول في وصف أعضائها:

لها جسـم برغـوث وساقا نعامة                     ووجـه كوجـه القـرد بل هو أقبح

وتبـرق عينـاها إذا ما رأيتـها                     وتعبس في وجـه الضجيع وتكلـح

وتفتح ـ لا كانت ـ فمّا لو رأيته                     توهمته بـابـا مـن النـار يفتـح

فَما ضحكت في الناس إلا ظننتها                     أمـامـهم كـلبـاً يـهـرّ ويـنبح

إذا عاين الشيطان صورة وجهها                      تعـوذ منـها حـين يمسي ويصبح

وقد أعجبتها نفسـها فتملّحـت                       بـأيّ جـمال لـيـت شعري تملّح؟

وهكذا كان شأن الخطابات مع من يقصدهنّ من الرجال، وخاصة الغرباء، فقد كنّ يستعملن كثيراً من أساليب التمويه والخداع في تنفيق من تتوسط في تزويجهنّ من النساء، فكثيراً ما تُستبدَل بالشابة امرأة مسنّة، وبالوسيمة امرأة قبيحة، فتجلو المسنّة والقبيحة بأنواع الدهون والمساحيق، فتخفي غضون المسنّة وتستر عيوب القبيحة، ولكن ما يخفى لا يلبث أن يظهر ويفضح ما سترته الدهون وأخفته المساحيق. وإنما يكون ذلك في المدن، إذ المرأة محجوبة عن النظر، لا تعرف إلاّ بالوصف، وكثيراً ما يخطئ أو يضلّ. أمّا في الأرياف والبوادي، فالمرأة تبدو على طبيعتها، إن كانت جميلة أو قبيحة، مسنّة أو شابة، فلا تجلب الحسن بتطرية ولا تمويه، كما تفعل نساء الحواضر، بل تظهر مكشوفة الوجه والكفين، لأنها تشارك الرجل في كثير من الأعمال.

3. من عجائب حفلات الزفاف (أُنظر ملحق أرقام وأحداث قياسية)

كان اليونانيون القدماء يهتمون بحفل العرس اهتماماً كبيراً، ويحرصون على إقامته ليلة البدر. تبدأ الطقوس في الصباح الباكر؛ فيستحم العروسان من مياه بعض الينابيع المقدسة عندهم. ثم حين تشرق الشمس يلبس العروسان ملابس الزفاف، وتمد الأطعمة وتتلى الترانيم. وينطلق موكب الزفاف يحمل العروس إلى بيت الزوجية، يتقدمه حملة المشاعل والمنشدون.

عندما يصل الموكب إلى منزل الزوج تصطنع العروس التمنُّع عن دخول البيت، فيحملها الزوج بين يديه، ممثلاً عملية اختطاف، وهي تصرخ وتستغيث، ويتظاهر أهلها، وصويحباتها من الفتيات، بالدفاع عنها. وبعد هذه المعركة الصورية، يدخل بها الزوج إلى داره، من دون أن يمس العتبة بقدميه، وتغلق هي الباب بعنف وراءهما، دلالة على أنها تركت وراءها كل حياتها السابقة.

وقد شاعت عملية تمثيل عملية اختطاف العروس، ليلة الزفاف، في كثير من جهات العالم؛ فقد أخذها الرومان عن اليونانيين، ووجدت عند كثيرين غيرهم. ويقال أنها تعبير عن الخفر والحياء من جانب الزوجة وأهلها. وكذلك جرت العادة بين قبائل الإسكيمو في جرينلاند، أنه إذا أخذ الرجل عروسه إلى بيته، فإن من أدبها أن تبدي أشد المقاومة، وعليه أن يحملها عنوة إلى الداخل بين صراخها واستغاثتها، فإن لم تفعل كانت امرأة لا حياء عندها.

في ويلز بإنجلترا، في القرن الثامن عشر الميلادي، كان أصدقاء الزوج يعدون خيولاً خاصة، يمتطونها مع الزوج، ويتوجهون إلى بيت العروس، فيطلبونها من أهلها لتزف إلى زوجها، ويرفض هؤلاء الأهل، وينشب قتال تمثيلي بين الطرفين، ثم يختطف الزوج عروسه ويفر بها على حصانه، يحيط به أصدقاؤه، إلى مكان حفل الزفاف.

وفي غرب أفريقية، لدى قبيلة وولوف، يرفض أهل العروس تسليمها لزوجها، فيذهب ليختطفها عند بئر ماء، ويساعده أصدقاؤه، فيحملها على كتفه، أو على فرسه، ويهرب بها، بينما تصرخ صديقاتها ويغنين. أمّا في تركمانيا، وحتى أواخر القرن التاسع عشر فقد كانت العروس تمتطي جوادها وتفر يطاردها الزوج حتى يدركها، وهي تتمنع وتصطنع البكاء والصراخ، وكذلك في بولندا إلى وقتنا هذا.

في اسكتلندا تغسل صديقات العروس قدميها، في ليلة الزفاف، تفاؤلاً باللحاق بقطار الزواج مثلها. أمّا في جزيرة جاوة بأندونيسيا فلا بد من أن تغسل العروس قدمي زوجها وتقبلهما، بينما في إيران يغسل كل من العروسين قدمي الآخر.

في بلدان كثيرة تُجمع النقود من جميع المدعوين، وتُعطى إلى العروس، أثناء نزولها إلى قاعة الرقص، وتأخذ في الرقص بين المدعوين الذين يلصقون الأوراق المالية على ثوبها بمشابك.

في بريطانيا يعتقد الناس أنه لا يجب أن يمر أي شخص، أو أي شئ، وخاصة القطة أو الكلب، بين العروسين، أثناء ذهابهما لإجراء عقد الزواج، وأنهما ينبغي ألا يتفرقا، أثناء مشيهما سوياً جنباً إلى جنب؛ ومن ثم يلتصق أحدهما بالآخر، ويخفضان بصرهما إلى الأرض بشكل دائم، ولا ينظر أحدهما في عيني الآخر.

وفي بعض البلاد الأخرى يسود الاعتقاد أن أرواحاً شريرة يمكن أن تهدد العروسين، ومن ثم يرتدي الرجال والنساء المصاحبون للعروسين ملابس، مثل ملابس العروسين، ظناً منهم بأن الأرواح الشريرة ترتبك وتتحير. أمَّا في الصين فيحمل أحد الرجال مرآة، ويمشي أمام العروس، لكي يبعد عنها نظرات العيون الشريرة.

وفي السويد ترتدي العروس ثوباً مزركشاً، ومزيناً بالأجراس اللامعة، لكي تبعد أعين الحُسّاد، بينما يحمل الزوج وخادمات العروس أعشاباً خاصة يظنون أنها تحمي الزوجين من الساحرات.

أمّا في ألمانيا فيتشاءمون إذا عطس القس وهو يعقد عقد الزواج، أو إذا دق جرس الساعة، ثم لا بد من أن تنثر أم العروس الملح على قدم العروس، أمّا في كثير من بلاد الشرق، مثل مصر، فتنثر أم العروس الملح على رأسي العروسين.

في بلغاريا يقود أقرب أصدقاء الزوج عنزة، لها قرنان طويلان مطليان بالذهب، أمام موكب الزفاف، ظناً منهم أن ذلك يكفل الثروة والغنى للعروسين في المستقبل. ويتشاءمون إذا اعترض موكب الزفاف خنزير أو قطة سوداء، أو مرت بهم جنازة، أو سُمع رنين جرس كنيسة معلناً وفاة امرأة ما.

في بريطانيا يربطون نعلاً قديماً بالعربة، التي سيركبها العروسان بعد الحفل، ويُستحب أن يكون نعل طفل صغير. وقد يقذف المشيعون العروسين بالأحذية والنعال، فإذا أصابت أحد الزوجين فردة حذاء فإن هذا يعد حظاً سعيداً. وأحياناً تلقى العروس فردة حذائها اليمنى، فإذا التقطها شخص؛ فإن معناه أنه سيتزوج في القريب العاجل.

من التقاليد التي كانت شائعة بين نساء " البندقية " في إيطاليا ـ أن المرأة إذا شاءت أن يبقى حبها لزوجها ما بقيت على قيد الحياة، عليها أن تكتب اسمه على قطعة من الورق في ليلة عرسها، ثم تضعها داخل " سندوتش " وتأكله، ومن ثم يصبح حبهما جارفاً مدى الحياة!

حتى تظل عروس " النيجر" مطيعة لزوجها، طيلة حياتها الزوجية، لا بد لعريسها أن يحمل ليلة الزفاف عصاً رفيعة يستعملها عقب انتهاء الحفل، وقبل أن يختليا معاً، وذلك بأن يظل يضرب عروسه ضرباً مبرحاً حتى تتعهد له بالطاعة والمحافظة على بيته.

من مراسيم الزواج عند بعض العائلات في جزيرة "قبرص"، أن تنجد "مراتب" سرير الزوجين، في حفل يشهده الأقارب والأصدقاء، ويضعون في داخلها بعض النقود. ولا يصح فتح هذه "المراتب" وأخذ النقود منها إلا بعد مضي عام من الزواج!. أما في ليلة الزفاف، فقد كان أطفال العائلة يقومون بتغطية العروسين بملاءة سرير، بين تصفيق المدعوين ودعائهم بأن يرزقا بصبي، حتى إذا فرغا، رُفعت الملاءة، ويبدأ أصدقاء الزوج في الرقص حول السرير على أنغام الموسيقى، ثم يوزعون الخبز على الزوج وعروسه إيذاناً ببدء العيش بينهما.

وفي اليابان قديماً كانت العروس ترتدي ملابس الحداد وقت العرس رمزاً إلى أنها قد تركت بيت أبيها إلى الأبد. ولون ثياب الحداد القديم عند اليابانيين هو الأبيض!. وفي اليابان كذلك كانوا يرفعون نقاب الزوجة بعد حفل الزواج ويحفظونه لتكفن به الزوجة عند موتها. وفي أثناء الحفل يشير المحتفلون برايات حمراء.

وفي بورما كانت تُطرح العروس أرضاً أثناء الاحتفال بزفافها، ويتولى رجل مسن ثقب أذنيها، فتتألم وتتوجع، وتطلق الصرخات المدوية، ولكن ليس من مجيب، لأن الفرقة الموسيقية تبدأ بالعزف بأصوات صاخبة تغطي على صرخات العروس.

في بلدة "كارليا" يقيم أهل هذه البلدة مراسم الزواج قبل الفجر. وفي الحفل يظل الرجل واقفاً، في حين تركع العروس بجانبه، وحولها المحتفلون يرتلون الأغاني الحزينة طيلة مدة الحفل.

وفي روسيا قديماً كان الأب يضرب ابنته العروس في رفق "بسوط" جديد، ثم يعطي هذا "السوط" إلى زوجها!.

وعند قبائل الهنود الحمر يقوم أهل العروس بتزيينها، فيدهنون جسدها كله بالألوان الصفراء والسوداء، ويدهنون رأسها بزيت السمك، ووجهها بالفحم، ثم يصحبونها بعد ذلك إلى بيت العريس. والمرأة في قبيلة "البايجا" الهندية تغطي جسمها كله بالوشم، وتترك شعرها مسترسلاً ولا تقصه أبداً.

عند قبيلة "تودا" بالهند تزحف العروس على يديها وركبتيها حتى تصل إلى عريسها، وينتهي هذا الطقس بأن يضع العريس قدمه على رأس العروس. وفي قبيلة أخرى يتضمن الاحتفال بالزواج شُربَ نوع معين من المشروبات في جمجمة جد من الجدود!.

ومن عادات بعض قبائل أفريقية الاستوائية أن تهدي الزوجة إلى زوجها، عند الزفاف، خنجراً مسنوناً لكي يقتلها به إذا هي خانته.

وفي بورما تتزوج المرأة من قبائل "الطاوري"، وتُطلق في اليوم نفسه، فإن ظلت مقيمة على حب زوجها، بعد خمس سنوات، ألغي الطلاق وعادت إليه.

وفي جزيرة "مونباسا" بالصومال قانون ينص على أن كل فتاة يجب أن يطلب يدها اثنان، بحيث يتقابلان في مصارعة حامية، ويفوز المنتصر بيد الفتاة.

وفي جزر "كوك" تسير العروس إلى الكنيسة على بساط من الآدميين من شباب القرية؛ إذ حسب التقاليد، في تلك الجزر، يستلقي شباب القرية على الأرض على بطونهم، وتأتي العروس وتسير على ظهورهم إلى المكان الذي تُقام فيه الاحتفالات. وفي الأقاليم الريفية من جزيرة "جرينلاند" يذهب العريس إلى بيت عروسه ويجرها من شعر رأسها إلى أن يوصلها إلى الكنيسة.

وفي "ألبانيا" يتم الزواج، ولا يُعلن أو يحتفل به، إلا عندما تلد الزوجة ذكراً، لأن هدف القبائل هناك أن تكثر من النسل وتنجب أبناء تفاخر وتعتز بهم!

كان البعض في اليابان يحتفل احتفالاً دينياً بالزواج؛ فيذهب العروسان إلى المعبد، بحيث يجلسان أحدهما أمام الآخر، وتوضع في المعبد ثلاث قطع من الصنوبر والقصب الهندي والبرقوق: فالأول رمز العمر الطويل، والثاني يرمز إلى المرونة، أما الثالث فيرمز إلى النقاء والطهارة. ويشرب العروسان ثلاث جرعات من منقوع الأرز، رمزاً للحصول على بركة الآباء.

ومن عادات الزواج في الهند قديماً أن تُزَفَّ العروس بعد أن تُزَيَّن وتتجمل بالحلي التي تغطي جسمها كله. وتسير في موكب ضخم يحيط به الموسيقيون والراقصات وحملة المشاعل والمغنون. وتنفق الأسرة في سبيل ذلك النفقات الباهظة التي تتسبب في رهن أملاكهم، أو بيعها لزواج الأبناء.

في الصين كانوا يتفاءلون باللون الأحمر، ويعدونه شيئاً يجلب الحظ السعيد للعروسين. ومن ثم ترتدي العروس ملابس حمراء (رداء، وسروالاً، وحجاباً)، ويكتبون عقد الزواج على ورق أحمر. بينما في المناطق الريفية في اليونان يرتدي العروسان الملابس الخضراء.

عند النورمانديين تضع العروس على رأسها وردة بيضاء. وبعد انتهاء الحفل تضعها أعلى فراش الزوجية طوال الليل.

في المجر تحيط العروس رأسها بعدد كبير من الأشرطة تكاد تخفي رأسها، وتلبس نحو عشرين إزارا "تنورة" تحت ثياب الزفاف المليئة بالأشرطة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 10:59 pm

المبحث الأول

الزواج عند الشعوب القديمة


أبسط طقوس الزواج وأقلها تعقيداً تلك الطقوس التي تمارسها قبيلة "نيجريتو" في جنوب المحيط الهادي؛ ففي تلك الجزيرة يذهب الخطيبان إلى عمدة القرية فيمسك برأسيهما، ويدق إحداهما بالأخرى، وبهذا يتم الزواج!.

وعند الاحتفال بعقد الزواج لدى قبائل "الزولو" من الزنوج في أفريقية يقسم العريس، أمام عروسه على مشهد من الحاضرين، قائلاً: "لينزف كل عرق من عروقي، ولتفترسني التماسيح، ولتمزقني الصاعقة إلى شطرين، ولتحل عليَّ كل المصائب والنوائب، إن خُنت زوجتي يوماً، ولم أكن وفياً لها!".

لدى معظم البوذيين يقف العروسان، في ليلة الزفاف، يفصل بينهما ستار. وينشد الكاهن ترانيم العُرس، بينما ينثر الحاضرون الأرز على العروسين. ثم يُزاح الستار، ويقدم والد العروس ابنته إلى زوجها، ويتم تبادل الهدايا. ثم تُلف خيوط من القطن حول العروسين دلالة على اتحادهما معاً، بينما يفرغ أحدهما على رأس الآخر كميات من الأرز. ثم يضع الزوج عقداً حول عنق زوجته، ثم يوضع الأرز والسمن على النار ويدور العروسان حول تلك النار، متشابكة أيديهما، يتعاهدان على الحب والوفاء.

في اسكتلندا ويوركشاير. يدخل أصدقاء الزوج وصديقات العروس إلى غرفة العروسين، ويخلع الأصدقاء ملابس الزوج، بينما تخلع الصديقات ثوب العروس، ويقال أن الفتاة التي تفك الزر الأول من الثوب ستكون أول من تتزوج قريباً. ثم تجلس الصديقات على أحد جانبي السرير، ويجلس الأصدقاء على الجانب الآخر، وظهورهم جميعاً إلى العروسين، وهما يبدءان حياتهما الزوجية. تأخذ الفتيات جوارب العروس، ويأخذ الشباب جوارب الزوج، ثم يقذفونها سوية من فوق أكتافهم إلى العروسين. فإذا لامس أحد جوارب العروس جسم الزوج، أو العكس، فإن الرامي سوف يتزوج في القريب العاجل.

4. حيلة بوليسية

في عام 1990، وفي فلينت بولاية ميتشيجان الأمريكية. حضر 15 شخصاً من كبار مهربي المخدرات حفل زفاف. أثناء الحفل فوجئ الجميع بالعروس "ديبرا ويليامز"، ترفع تنورتها وتخرج من جوربها مسدساً تصوبه نحو المهربين، الذين نظروا فوجدوا أن كثيراً من ضيوف الحفل يحيطون بهم، وقد شهروا مسدساتهم. كانت العروس ضابطاً في المباحث العامة، وكذلك كان الضيوف الذين شهروا مسدساتهم.

5. زفاف تحت الرصاص

تم زفاف سالم أبو سمرا إلى عروسه "ريتا زغيبة" في زلكا شمال بيروت في إبريل 1990. واضطر العروسان إلى تغطية رأسيهما وثياب الزفاف بأغصان الشجر من أجل التمويه؛ فقد كان الرصاص والقذائف ينهال مثل المطر؛ بسبب اشتباكات مسلحة عنيفة بين الميلشيات المسيحية المتنافسة.

ثالثاً: أنواع الزواج

شاعت بين عرب الجاهلية أنواع من الأنكحة غريبة أبطلها الإسلام، ومن ذلك:

1. نكاح الرهط أو المخادنة

المخادنة لغة المصاحبة، والخدن هو الصديق والصاحب. وفي الجاهلية كانت تطلق على معاشرة رهط من الرجال لامرأة واحدة ، وقد أوضحت السيدة عائشة، زوج النبي r هذا النوع في حديث طويل لها بقولها: ]يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلانُ تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4732).

ويدعونها (المقسَّمة). وقيل إن هذا إنما يكون إذا كان المولود ذكراً، أما إذا كان أنثى فلا تفعل ذلك؛ لما عرف من كراهيتهم للبنات، وخوفاً عليها من الوأد.

وقد ذهب (سترابون) إلى أن هذا النوع من النكاح كان يجري عند العرب في الجاهلية بين الإخوة، يشتركون في المال، وفي المرأة، فلهم زوجة واحدة، فإذا أراد أحدهم الاتصال بها وضع عصاه على باب الخيمة، لتكون علامة على أن أحدهم في داخلها، وأمّا في الليل فتكون من نصيب الأخ الأكبر.

وعادة زواج الإخوة من امرأة واحدة كانت مألوفة عند جماعات قبلية كثيرة، نقل أخبارها الرحالون، ومن هذه الجماعات قبائل التركستان وسيبريا وجبال همالايا وجنوب الهند وسيلان (سيرلانكا) وكوشنشين (فيتنام) وبورما والفيليبين والتيبت، كذلك كانت مألوفة عند كثير من قبائل أفريقية وأستراليا وغابات البرازيل. وفي بلاد اليونان كان الأزواج يقبلون أن يشترك معهم في زوجاتهم غيرهم وخاصة إخوتهم. وعند جماعات أخرى ينسب الأولاد إلى جميع الأزواج؛ فكل منهم أب له، وهو ابن لكل واحد منهم.

ويبدو أن المخادنة كانت نكاحاً متعدد الأزواج، وكانت تجري عند القبائل التي تقتل البنات لقلّة مواردها؛ فيقلّ بذلك عدد الإناث ويكثر عدد الذكور؛ فتكون المرأة زوجاً لعدد منهم؛ فالعامل في نشوء هذا النكاح هو عامل اقتصادي، يدلّ على ذلك أن أحد الأزواج إذا أيسر اشترى زوجة، واستقلّ بها من دون الآخرين. وكان تعدد الأزواج يقتضي أن يكون أحد الأزواج جاهزاً دائماً ليعتني بأمور البيت وشؤونه.

وكان نظام تعدد الأزواج هذا شائعاً في جنوب الهند، وهو لا يزال إلى الوقت الحاضر، لدى كثير من القبائل الجبلية على حدود الهند الشمالية. وقد تعودت عشائر الريدي الهندية على أن تتزوج المرأة، وهي بين سن السادسة عشرة والعشرين، بطفل في سن الخامسة. ويعد هذا الطفل هو زوجها الشرعي النظري، ولكن يجب أن يكون لها زوج آخر عملي، وهو عم الطفل أو ابن عمه، أو أبوه نفسه أحياناً.

وجميع من تأتي المرأة به من الأولاد يلحق نسبهم بزوجها الشرعي وحده، حتى إذا بلغ هذا الغلام أشده تكون المرأة قد وهن العظم منها وأدركتها الشيخوخة، فيتصل بإحدى زوجات أولاده أو أقاربه الصغار، ويصبح زوجها العملي إلى جانب زوجها الشرعي، ويقوم بالدور نفسه الذي قام به غيره مع زوجته وهو صغير، وهكذا دواليك.

وفي عشائر "النير" في الهند، يكون للمرأة عادة خمسة أزواج أو ستة، وقد يصل هذا العدد أحياناً إلى عشرة أو اثني عشر، بل قد يباح لها أحياناً أن تقترن بأي عدد تشاء من الرجال، ولكن يشترط في الأزواج أن يكونوا أقرباء بعضهم لبعض ينتمون إلى عشيرة واحدة. وقد جرت العادة أن تبيت مع كل واحد منهم نحو عشر ليال، وأن يتناوبوا معها أدوارهم بالترتيب.

2. الزواج بالسبايا

كان الزواج بالسبايا شائعاً عند عرب الجاهلية، وأخبار الشعر الجاهلي حافلة بأخبار السبي في الغزوات. وكان يطلق على السبية اسم "النزيعة" أي المرأة التي انتزعت من أهلها كما يطلقون على ولدها اسم النزيع. وكانت مكة، منذ عهد قديم، مركزاً لبيع السبي من مختلف البقاع. وكان الأسرى في الجاهلية يعدون ملكاً لليمين. وجرت العادة في كثير من الأحيان أن يتزوج الآسر من سبيته ولم يكن في ذلك أي معنى من معاني الإذلال والاستعباد بل كان ضرباً من الفروسية، ولأن العرب كانوا يعتقدون أن أبناء السبايا من خيرة الأبناء وذلك واضح من قول حاتم الطائي:

وما أنـكحونا طائـعيـن بناتهم                      ولـكن خطبنـاهـا بأسيافنا قســراً

فمـا زادهـا فينـا السباء مذلة                       ولا كلفت خبـزاً ولا طبـخت قــدراً

ولكن خلطناها بـخير نسـائنـا                      فجـاءت بـهم بيضاً وجوههم زهـراً

وكـائن ترى فينا من ابن سبية                       إذا لقـي الأبطـال يطعنـهم شـزراً

ويـأخذ رايـات الطعـان بكفه                      فيـوردها بيـضاً ويصـدرها حمراً

وكان سبي النساء مذلة وعاراً على الرجال؛ لذلك كانوا يستبسلون في القتال حتى لا يُغلبوا وتُسبي نساؤهم. وفي الجاهلية كان الرجل القوي إذا أعجبته امرأة خطفها وتزوجها. والمرأة المسبية، مهما لقيت من كرم خاطفها ومحبته، فإن شعورها بالهوان يلازمها، وتحتال بقدر استطاعتها للعودة إلى أهلها.

3. الاستبضاع

نكاح الاستبضاع أن يَدْعُوَ الزوج زوجته للاتصال جنسياً برجل عظيم؛ لتأتي له بأولاد نجباء ينسبون إلى الزوج، من الناحية المدنية، ويحملون اسمه، ويعدون من أولاده، ولكن تتوافر فيهم بالوراثة صفات الرجل العظيم الذي جاءوا من مائه، والذي كان مجرد أداة استخدمت في إنجابهم.

وكان أهل كابل إذا رأوا فحلاً جسيماً من العرب، خلوا بينه وبين نسائهم، رجاء أن يولد فيهم مثله. وكان نساء الأتراك يخرجن عند قدوم القوافل، ويتعرضن للرجال، فمن أعجبها رجل اصطحبته إلى منزلها، وأنزلته عندها وأحسنت إليه، وتصرَّف زوجها وأخوها وولدها في حوائجه، ولا يقربها زوجها مادامت تريد الرجل الذي أعجبها.

وكان الاستبضاع شائعاً في اسبرطة القديمة، وكانت السلطة تشجع الناس عليه، فكان ليكورجورس، مشرَّع اسبرطة وواضع دستورها، يسخر من غيرة الرجال، واحتكارهم لزوجاتهم، ويقول: "إن أسخف الأشياء أن يُعني الناس بكلابهم وخيلهم، فيبذلون جهدهم ومالهم ليحصلوا منها على سلالات جيدة، ثم نراهم يعزلون زوجاتهم ويمنعونهن من باقي الرجال، وينفرد الواحد منهم بالإنجاب من زوجته، وقد يكون أولاده ضعفاء أو متخلفين أو مرضى". ومن ثم كان كبار السن يستدعون الشباب الأقوياء، ويطلبون منهم معاشرة زوجاتهم.

كذلك كان يفعل سكان أمريكا الشمالية الأصليين مع الغرباء. ويوجد اليوم التلقيح الصناعي، وتلجأ إليه المرأة إذا كان زوجها عقيماً، فيتم حقنها بماء رجل تختار أوصافه، وذلك بموافقة زوجها. فإذا حملت نُسب الولد إليه.

4. نكاح المضامدة

كان في الجاهلية يطلق على معاشرة المرأة لغير زوجها، وكانت تلجأ إليه نساء الفقراء، في زمن القحط، فتذهب إلى رجل غني وتقيم عنده، حتى إذا اكتفت من المال والطعام، عادت إلى زوجها.

يقول الشاعر:

لا يُخِلصُ الدهـرَ، خليـلٌ عشـرا                   ذات الضمـاَّد أو يـزور القبـرا

إني رأيـت الضّمـد شـيئاً نـكرا

فهذا الشاعر يستنكر الضّمد ويفسره بأن الجوع هو الدافع إليه، ويقول بأن الرجل في سنة القحط لا يدوم على امرأته ولا تدوم المرأة على زوجها إلا قدر عشر ليال، ثم يضطره الجوع إلى دفعها للمضامدة؛ لأنه إذا لم يفعل ذلك فسيموت جوعاً.

وكان الرجل إذا ضامد امرأة، يأبى أن تضامد معه غيره، فقد روي أن أبا ذؤيب الهذلي كان يضامد امرأة في الجاهلية، وقد أرادت أن تشرك معه رجلاً يدعى خالدا، فأبى عليها ذلك وقال:

تريدين كيما تضمديني وخالـدا                       وهل يُجمع السيفان ويحك في غمـد؟

ويقول آخر:

أردتِ لكيما تَضْمديني وصاحبي                      ألا، لا، أَحِبـّي صـاحبي ودعينـي

وقد عرفت المضامدة عند اليونان القدامي؛ ففي أثينا كانت البغايا على درجات، فالدرجة العليا منهنّ تدعى (هيتائير Hitaire) وكانت تضمّ نساء على قدر كبير من الجمال، ممن تميّزن بالذكاء وحصلن على قدر من العلم والثقافة. وكان لكل منهنّ عشيق من كبار الحكام ومشاهير الفلاسفة تضامده، وقد بلغ بعضهنّ منزلة عالية في مجالس الرجال الاجتماعية في أثينا. وفي روما اتخذ كبار الحكام والأثرياء، في العصر الإمبراطوري، عشيقات لهم وزهدوا في زوجاتهم، وكان لبعضهنّ سلطان في سياسة الدولة والحكم.

5. نكاح الضَّيزن (وراثة الزوجة)

كان الرجل إذا مات، وترك زوجة وأبناء من غيرها، ورث نكاحها أكبر أبنائه، في جملة ما يرث من مال أبيه، وكان هذا الابن يسمى الضَّيزن. فإذا أعرض عنها، انتقل حقه إلى الذي يليه، فتصبح زوجة لمن وقعت في نصيبه من أبناء زوجها من غير مهر ولا عقد. فإذا لم يكن للميت ابن، انتقل الحق إلى أقرب أقرباء الميت. وكان من حق الضيزن أن يمنع زوجة أبيه من النكاح إلا إذا أرضته بمال.

وإذا تزوج ابن الميت من امرأة أبيه، وأنجب منها، صار أولاده منها اخوة له. وكان هذا النوع من النكاح شائعاً في بلاد الفرس، فانتقل إلى العرب، وكان كثير من العرب يمقت هذا النوع من الزواج، ويسمون المولود منه (مقيتاً). وقد عيَّر أوس بن حجر الكندي ثلاثة اخوة من بني قيس تناوبوا على امرأة أبيهم، وكانت فارسية، فقال:

والفـارسية فيـهم غيـر منكـرة                   فـكلهم لأبيهـم ضيـزن سلـف.

6. نكاح البدل (أو تبادل الزوجات)

كان الرجل في الجاهلية يقول للرجل: انزل لي عن امرأتك أنزل لك عن امرأتي، ويسمى عندهم نكاح البدل. هذه العادة لا تزال موجودة لدى بعض القبائل الأفريقية وسكان جزر هاواي، وفي بعض جبال الهيملايا وغيرها.

وكان البدل لدى كثير من القبائل البدائية يعد فعلاً كريماً، بل كان من بالغ الكرم أن يقدم الزوج زوجته لضيوفه احتفاءً بهم. وفي بعض قبائل أفريقية الوسطى والشرقية يجري تبادل الزوجات بين الزائرين، وفي جزيرة مدغشقر قد ينقلب التبادل إلى زواج دائم، إذا رأى الزوجان أنهما أسعد حالاً في حياتهما الجديدة. وفي غربي موزمبيق بأفريقيا الشرقية، إذا اعترفت الزوجة بمعاشرتها لرجل، فعلى هذا الرجل أن يقدم زوجته لزوج تلك المرأة لتمضي عنده مثل المدة التي أمضتها زوجته.

وكانت بعض الفرق الضالة، في العصر العباسي، تقول بحل الأموال والنساء، فقد كان لطائفة الخرَّمية (التي ثارت على الدولة العباسية وتمكن الخليفة المعتصم من إخماد ثورتهم، وقتل زعيمهم)، ليلة يجتمعون فيها على شرب الخمر والطرب، وتختلط الرجال والنساء. وكذلك كان يفعل القرامطة، ويعدون تبادل الزوجات دليلاً على صحة الود وعظيم الألفة بينهم، وعندهم لا يجوز للرجل أن يحجب امرأته عن إخوانه في الطائفة.

وقد صار هذا التبادل في ليال بعينها، وفي الاحتفالات والأعياد، أمراً شائعاً في أوروبا وأمريكا، وأقيمت له نواد مخصوصة يقصدها المتزوجون.

7. البغاء

يطلق البغاء على زنا المرأة، إذا كان لقاء أجر، أي بدافع الكسب إذا دعت الحاجة إليه، أمّا إذا كان بغير أجر ولم تدع الحاجة إليه، فهو الزنا. وفي كليهما يعاشر الرجل امرأة غير زوجته. وقد كانت المضامدة والمخادنة في الجاهلية ضرباً من البغاء، لأنها كانت لقاء عوض دعت الحاجة إليه، غير أنها تفترق عنه في أنها قاصرة على رجال محصورين. أمّا البغاء ففيه تستجيب البغيّ لكل طالب يدفع لها أجراً. وكان تعاطي البغاء في الجاهلية مقصوراً على الإماء المجلوبات من بلاد أخرى أو المولّدات. وكانت تقام لهنّ في المدن بيوتات تدعى (المواخير). وفي الأسواق الموسمية، كسوق عكاظ وذي المجاز ودومة الجندل كان لهنّ بيوت من شعر. كان العرب يحتقرون البغايا، ويحتقرون من يتردد عليهن من سفلة الناس، الذين كانوا لا يترددون على بيوت البغايا إلا عندما يرخي الليل سدوله، وكانوا يجرَّون خلفهم أطراف مآزرهم، لتطمس آثار أقدامهم من فوق الرمال. ومن ثم كان من صفات المدح عند العرب قولهم: "فلان لا يرخي لمظلمة أزراره".

وكان تجار الرقيق يدفعون إماءهم دفعاً لتعاطي البغاء ويفرضون على كل منهن ضريبة تؤديها إليهم من كسبها وسعيها، وكان البغاء يسمى المساعاة. وتسمى البغيّ (المساعية) وكانت ترفع على بيوت البغايا رايات حمر تدل عليها، فكن يدعون بأصحاب الرايات، وإذا ما حملت إحداهنّ ووضعت، دعوا لها القافة[4] فيلحقون ولدها بمن يشبه من دخل عليها، ويدعى ابنه، ولا يمتنع من ذلك.

وقد عرفت الشعوب القديمة نوعاً من البغاء يعرف بالبغاء الديني أو المقدس؛ فكانت النساء تمارسه إرضاء للآلهة وتقرباً لها، وكان على نوعين:

أ. النوع الأول

كانت تمارسه المرأة مع رجل غريب عنها، وغالباً ما تكون عذراء، وكان يجري إرضاء لآلهة إناث ولمرة واحدة في حياتها. فقد روى "هيرودوت" أن المرأة في بابل كان ينبغي عليها أن تجلس مرة واحدة في حياتها، في فناء هيكل الإلهة (عشتار Ishtar) وأن تضاجع غريباً عنها. وكان النسوة يجلسن في ممرات مستقيمة في الفناء ويمرّ الغرباء ليختاروا من النساء من يرتضون، فإذا جلست المرأة هذه الجلسة، كان عليها ألاَّ تعود إلى منزلها حتى يُلقي أحد الغرباء قطعة من الفضّة في حجرها، وعليها أن تأخذها مهما قلّت لأنها مقدسة، ويضاجعها الغريب خارج المعبد، وعلى من يُلقي القطعة أن يقول للمرأة: "أضرع إلى الإلهة ميليتا أن ترعاك، فتنالين بما فعلت رضا الإلهة وبركتها"، وتعود بعد ذلك إلى منزلها، ولا يمكن لأحد بعد ذلك أن يغريها أو أن ينال منها مأرباً مهما بذل لها من المال، وإن فعلت فتكون زانية تستحق العقاب. ويرى "هيرودوت" ومؤرخون ورحاّلة آخرون أن هذه العادة سرت إلى آسيا الصغرى وبلاد اليونان، وكانت مخصوصة بالعذارى يمارسنها مع رجل غريب، قبل زواجهّن لينلن بركة آلهات الخصب والحب والجمال. ففي قبرص كانت العذارى يذهبن إلى ساحل البحر في أيام معيّنة من السنة، وتضاجع الفتاة من يطلبها من الغرباء لقاء أجر تقدمه إلى الإلهة (فينوس Venus). ومثل ذلك كان يحدث في كثير من بلاد اليونان وأرمينيا وتركيا.

ب. النوع الثاني

كانت تمارسه النساء لمدة طويلة مع كهّان المعبد وزوَّاره، وكان يجري إرضاء لآلهة ذكور. ففي مصر القديمة كانت العادة، حتى الفتح الروماني (سنة 30 ق. م)، أن تُختَار أجمل بنات الأسر الشريفة في مدينة (طيبة) العاصمة وتنذر نفسها للإله (آمون)، وكانت تضاجع من تختاره من الرجال إرضاء للإله، فإذا أسنّت وأضحت عاجزة عن إرضائه، أخرِجَت من خدمته بمظاهر التشريف والتعظيم وتزوجت في أرقى الأوساط.

وفي الهند كانت تقوم على خدمة المعبد فتيات يرقصن أمام الآلهة وينشدن الأناشيد الدينية لإثارة الحماس الديني في المتعبدين، ويُدعَون راقصات المعبد، فإذا فرغن من الرقص والنشيد، فُتِحَت لهن حجرات حول المعبد، فيها يُضاجعهنَّ الكهّان والزائرون إرضاء للآلهة، ويتحوّل المعبد إلى ماخور.

وفي بابل كان قانون حمورابي يميّز بين النساء اللاّئي يزرن المعبد ويمارسن الجنس فيه لأول مرة، وبين نساء يلازمنه ويقمن على خدمة كهنته وزوّاره، ومنها مضاجعتهّن.

وبجانب هذا الصنف من البغايا كان يوجد صنف آخر يعرفن باسم "البغايا الراقيات"، اللاتي يتميزن بجمالهن الباهر، وذكائهن الوقاد، وكُنَّ موضع تقدير كثير من الناس، بل كان عظماء الرجال أنفسهم يحرصون على الاتصال بهن، حيث يعتبرن من الطبقات الراقية في المجتمع.

ومن أظهر أمثلة البغاء المقدس عند الشعوب البدائية ما ذكره علماء الأنثروبولوجيا عن بعض زنوج أفريقية، الذين ينظرون إلى البغاء على أنه عمل من أعمال البر الديني، حتى إن الموسرات من النساء ليشترين إماء يخصصن للبغاء، ويتخذن من ذلك وسيلة للتقرب إلى الله، " كما تفعل الموسرات من نساء إنجلترا، إذ يوصين قبل وفاتهن بجزء من ثرواتهن لعمل خيري عام ".

وفي ساحل العبيد بأفريقية يوجد، في كل مدينة من مدنهم، مؤسسة تقدم إليها الفتيات الجميلات من سن العاشرة إلى الثانية عشرة. ويقضي هؤلاء الفتيات بهذه المؤسسات ثلاث سنين يتعلمن في أثنائها الرقص الديني، وترتيل الأوراد المقدسة في صوت غنائي شجي. فإذا انتهت مدة تعلمهن تخَصَّصْنَ للبغاء المقدس، ويصبحن من الناحية النظرية وقفاً على رجال الدين، وإنْ كُنَّ في الواقع لا يمتنعن عمن يريدهن من غيرهم. وينظر الناس إليهن في هذه البلاد على أنهن زوجات للآلهة. ويعتقدون أن ما يأتينه من أعمال ليس إلاَّ نوعاً من أنواع العبادة، التي يتقرب بها إلى الله زلفى، ويستدر بها عطف السماء، ولذلك كان ينظر إلى من يأتين به من أولاد على أنهم أولاد الله.

وفي ساحل الذهب يحرم على الراهبات الزواج، ولكن كن يزاولن نوعاً من البغاء المقدس، يشبعن عن طريقه رغباتهن مع من يشأن من الرجال، فإذا راق في أعين إحداهن رجل ما دعته إلى منزلها، وأنهت إليه أن الإله، الذي وقفت حياتها على عبادته، قد أوحى إليها أن تتخذه عشيقاً لها، فيغتبط الرجل الذي وقع عليه هذا الاختيار، ويظل حبيساً لديها يحقق لها رغباتها حتى تمله، فتستبدل به رجلاً آخر تعيد معه القصة نفسها، وهكذا دواليك!

وقد تجمع الواحدة منهن أكثر من رجل واحد في منزلها، بحيث قد يصل عدد عشاقها إلى ستة رجال، أو نحو ذلك. وتسير الواحدة منهن في الحفلات المقدسة يحيط بها عشاقها، كما تحيط الحاشية بملكة أو أميرة.

وكان كثير من اليابانيين يخصصون بناتهم للبغاء، للانتفاع بأجورهن، فيلحقونهن بمنزل من منازل الفسوق حيث يقضين حياتهن كلها، أو فترة منها. وما كان يجوز للبنت أن تعصى أباها، ولا أن تعترض على أمره. يضاف إلى هؤلاء طائفة أخرى كبيرة العدد ممن يسلكن هذا الطريق بمحض اختيارهن، ومن ثم انتشر البغاء في اليابان انتشاراً مروعاً، حتى إن الحكومة الحاضرة لتجد صعوبة في القضاء عليه، أو تخفيف مضاره.

وقد جرت عادة بعض الأزواج في الصين أن يقدموا زوجاتهم للبغاء للانتفاع بأجورهن. ولذلك ورد في تشريعهم، المعروف بالأوامر، أنه إذا أكره رجل امرأته على البغاء ليبتغي من وراء ذلك عرض الحياة الدنيا، وانتحرت المرأة حتى لا تقترف هذا المنكر، وجب أن يُقام لها، على مقربة من منزل أبيها، نُصُب تذكاري على هيئة "قوس النصر".

كثير من الدول المتحضرة في العصور الحديثة، في أوروبا وأمريكا وغيرهما، تقر البغاء الرسمي، وتسن له اللوائح والقوانين، وتنتفع حكوماتها بما تدفعه تلك البغايا من رسوم وضرائب. ولا يزال هذا النظام معمولاً به في كثير من هذه الدول في وقتنا الحاضر.

 

[1] السوكران: Cigue نبات يجري فيه نسغ شديد السم.

[2] الآسينيون: طائفة يشتق اسمها من أصل آرامي قيل من فعل (آسي) وهم الموأسون الذين يساوون بين الناس، وقيل من (الأسى) وهم الأساة، بمعنى الزاهدون وكانوا لا يأكلون اللحم ويأبون الذبح وينصحون بالاستعفاف إلا من اضطر غير باغ. وكانوا يعيشون في مستعمرات خارج المدن. وعندهم أن الملكية يجب أن تكون شائعة، ويحظرون اكتناز المال، وإذا تهيئوا للطعام اغتسلوا وصلوا. يقولون إن العبادة غاية، وينكرون المعاد الجسماني ولكنهم يؤمنون بالثواب والعقاب وبخلود الروح.

[3] رواق : كساء مرسل على مقدّم البيت من الأعلى إلى الأرض.

[4] القافة: أي خبراء الأثر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:00 pm

المبحث الثاني

اختيار الزوجة في الإسلام

أولاً: حُكم الزواج

قد يراوح حكم الزواج بالنسبة للفرد الواحد بين الوجوب، والاستحباب، والكراهة، والتحريم، على النحو التالي:

·   الزواج الواجب: يجب على من قدر عليه وتاقت نفسه إليه وخشي على نفسه الزنى؛ لأن صيانة النفس وإعفافها عن الحرام واجب، ولا يتم ذلك إلا بالزواج.

·   الزواج المستحب: أما من كان تائقاً وقادراً عليه ولكنه يأمن على نفسه من اقتراف ما حرم الله فإن الزواج يستحب له ويكون أولى من التخلي للعبادة، قال ابن عباس: "لا يتم نسك الناسك حتى يتزوج".

·   الزواج الحرام: في حق من يخل بالزوجة في الوطء والإنفاق، مع عدم قدرته عليه وتوقانه إليه.

·   الزواج المكروه: وهو في حق من يخل بحقوق الزوجة في الوطء والإنفاق. حيث لا يقع ضرر بالمرأة؛ بأن تكون غنية مثلاً وليس لها رغبة قوية في الوطء. فإن انقطع الزوج، بسبب هذا الزواج عن شيء من الطاعات أو الاشتغال بالعلم، اشتدت الكراهة.

·   الزواج المباح: إذا انتفت الدواعي والموانع وتساوت المضار والمنافع.

·   يعد اختيار الزوجة هو أهم مرحلة في بداية الحياة الزوجية، وقد وضع الإسلام قواعد لاختيار الزوجة المناسبة هي:

1. أن تكون ذات دين؛ لأن المتدينة يمنعها دينها من طلب ما ليس لها، ويدفعها إلى أداء ما عليها من حقوق. وقد وصفها لله تعالى بقوله ]فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّه[ُ (سورة النساء: الآية 34). ووصفها نبيه r بقوله ]تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ‏ ‏تَرِبَتْ يَدَاكَ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4700)، وذات الدين يطمئن إليها القلب، ويأمنها المرء على نفسه وماله ونفسها.

2. أن تكون ذات خلق حسن؛ لتستطيع التودد إلى زوجها والتحبب إليه، فقد وصف الله عز وجل نساء الجنة بأنهن عرباً أترابا، أي متوددات لأزواجهن، وقد وصفها رسول الله r بقوله: تزوجوا الودود، فإذا كانت عاقلة حسنة الخلق هادئة الطبع عاملت زوجها معاملة حسنة، وجنبته المشكلات والنزاع. وهيأت له حياة مريحة، وبالعكس فالحمقاء تقلب البيت إلى جحيم لا يطاق بسوء تصرفها وقبيح فعلها.

3. أن تكون من أسرة كريمة؛ لأنها ترث الأخلاق وتأخذ الطباع من بيتها، فإذا كان بيتها معروفاً بالصلاح والشرف والوقار كانت حرية بالكمال والعقل والاتزان.

4. يستحب أن تكون بكراً؛ وخاصة للشاب الذي لم يتزوج بعد لأن النبي r قال لجابر: هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك. وذلك ما لم يكن هناك مصلحة من التزوج بالثيب من توفر الشروط فيها، وملاءمتها لسنه ووضعه الاجتماعي، فإنها تكون أفضل في هذه الحال.

5. يستحب أن تكون جميلة مقبولة؛ حتى يحصل بها الإعفاف والإحصان، وغض البصر وسكون النفس، وكمال المودة. ]عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ قَالَ كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ فَانْطَلَقَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُ كَبُرَ عَلَى أَصْحَابِكَ هَذِهِ الآيَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إلاّ لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ فَكَبَّرَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَلاّ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1417)

ثانياً: الخطبة

الخِطبة: بكسر الخاء؛ هي طلب نكاح المرأة من نفسها أو من وليها، أو هي: طلب المرأة للزواج بالوسيلة المعروفة بين الناس، وحكمها: الإباحة، وقال الشافعي إنها مستحبة.

1. رؤية المخطوبة

من العجيب أن الذين يمانعون في رؤية المخطوبة ليس لديهم دليل على ذلك، بل إن الإسلام صريح في أن للخاطب أن يرى من مخطوبته ما يدعوه إلى نكاحها، وهذا من مناقب الإسلام وفضله؛ لأن العين دائماً رسول القلب، توصل إليه ما يهمه، فإن اطمئن تم ما عزم عليه، وإن داخله شك أو فتور امتنع، وذلك خير للطرفين، فالوقاية خير من العلاج.

أ. أدلة مشروعية الرؤية

]عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ فَخَطَبْتُ جَارِيَةً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَكُنْتُ أَخْتَبِئُ لَهَا تَحْتَ الْكَرَبِ حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 14059).

]عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ r انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1007).

ب. المواضع التي ينظر إليها

ذهب جمهور العلماء إلى أن الرجل ينظر إلى الوجه والكفين لا غير. لأنه يستدل بالنظر إلى الوجه على الجمال والدمامة، وإلى الكفين على خصوبة البدن أو عدمها، فالوجه والكفان عنوان الجسم ودليل على ما ورائهما.

والأحاديث لم تعين مواضع النظر، بل أطلقت لينظر إلى ما يحصل له المقصود بالنظر إليه.

وإذا نظر إليها ولم تعجبه فليسكت ولا يقل شيئاً؛ حتى لا تتأذى بما يذكر عنها، ولعل الذي لا يعجبه منها قد يعجب غيره.

2. نظر المرأة إلى الرجل

للمرأة أن تنظر إلى خاطبها فإنه يعجبها منه مثل ما يعجبه منها.

قال عمر: لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم، فإنه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن.

3. حكمة تشريع الخطبة

شرعت الخطبة لأن فيها إعطاء فرصة كافية للمرأة وأهلها وأوليائها للسؤال عن الخاطب، والتعرف على ما يهم المرأة وأهلها معرفته من خصال الخاطب مثل: تدينه، وأخلاقه، وسيرته، ونحو ذلك. كما أن فيها تمهيد لإظهار الزواج، وفيها كذلك فرصة للخاطب ليعرف عن المرأة، التي يريد الزواج منها، ما لم يعرفه عنها قبل الخطبة، ويكون الإقدام على الزواج على هدى وبصيرة.

4. من تباح خطبتها

تباح خطبة امرأة إذا توافر فيها شرطان:

أ. أن تكون خالية من الموانع الشرعية التي تمنع زواجه منها في الحال.

ب. ألا يسبقه غيره إليها بخطبة شرعية.

فإن كان ثمة موانع شرعية، كأن تكون محرمة عليه بسبب من أسباب التحريم المؤبدة أو المؤقتة كما سيأتي، أو كان غيره قد سبقه بخطبتها، فلا يباح له خطبتها.

5. خطبة معتدة الغير

تحرم خطبة المعتدة. سواء أكانت عدتها عدة وفاة أو عدة طلاق، وسواء كان الطلاق طلاقاً رجعياً أو بائناً. فإن كانت معتدة من طلاق رجعي حرمت خطبتها، لأنها لم تخرج من عصمة زوجها. وله مراجعتها في أي وقت تشاء.

وإن كانت معتدة من طلاق بائن حرمت خطبتها بطريق التصريح إذ حق الزوج لا يزال متعلقاً بها، وله حق إعادتها بعقد جديد.

وإن كانت معتدة من وفاة يجوز التعريض لخطبتها أثناء العدة دون التصريح؛ لأن صلة الزوجية قد انقطعت بالوفاة، فلم يبق للزوج حق يتعلق بزوجته التي مات عنها. وإنما حرمت خطبتها بالتصريح، رعاية لحزن الزوجة وحدادها من جانب، ومحافظة على شعور أهل الميت وورثته من جانب آخر.

قال تعالى: ]وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ[ (سورة البقرة: الآية 235).

قالت سكينة بنت حنظلة: استأذن عليَّ محمد بن علي ولم تنقض عدتي من مهلك زوجي. فقال: قد عرفت قرابتي من رسول الله r، وقرابتي من علي، وموضعي في العرب، قلت: غفر الله لك يا أبا جعفر، إنك رجل يؤخذ عنك… تخطبني في عدتي؟.. قال: إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله r ومن علي. وقد دخل رسول الله r على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة، فقال: لقد علمتِ أني رسول الله وخيرته، وموضعي في قومي وكانت تلك الخطبة.

6. الخطبة على الخطبة

يحرم على الرجل أن يخطب على خطبة أخيه، لما في ذلك من اعتداء على حق الخاطب الأول، وقد ينجم عن هذا التصرف التباغض والشقاق بين الأسر]إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَر[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2536).

وتجوز الخطبة لو وقع التصريح بالرد، أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول، أو أذن الخاطب الأول للثاني. وإذا خطبها الثاني بعد إجابة الأول وعقد عليها أثم والعقد صحيح .

7. استشارة المخطوبة (أنظر ملحق أوس بن حارثة يستشير بناته)

يحتم الإسلام استشارة المخطوبة، والالتزام برأيها، في قبول أو رفض من تقدم لخطبتها؛ وكان هذا أمر يحدث لدى شرفاء الناس وسادتهم في العرب قبل الإسلام، مثل ما حدث مع أوس بن حارثة وأبي سفيان بن حرب . وهو الذي استقر عليه الأمر في الإسلام، ومن أمثلة ذلك أن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، كانت له ابنتان من أجمل النساء هما: فاطمة وسكينة. تقدم إليه ابن أخيه (الحسن بن الحسن) يخطب إحداهما فقال له الحسين: يا ابن أخي، قد كنت أنتظر هذا منك، انطلق معي، فخرج حتى أدخله منزله فخيره في بنتيه فاطمة وسكينة، فاختار فاطمة فزوجه إياها. وكان يقال أن امرأة تختار على سكينة لمنقطعة القرين في الحسن، ويقال أنه لما اختار فاطمة قال الحسين: قد اخترتها لك فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله r.

8. حظر الخلوة بالمخطوبة

يحرم الخلوة بالمخطوبة؛ لأنها محرمة على الخاطب حتى يعقد عليها، ولم يرد الشرع بغير النظر؛ فبقيت على التحريم، ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة ما نهى الله عنه . فإذا وجد محرم جازت الخلوة، لامتناع وقوع المعصية مع حضوره. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ] مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إِلا بِمِئْزَرٍ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَان[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 14124).

9. العدول عن الخطبة وأثره

إن الخطبة مجرد وعد بالزواج، وليست عقداً ملزماً.

ولم يجعل الشارع لإخلاف الوعد عقوبة مادية يجازي بمقتضاها المخلف، وإن عد ذلك خلقاً

ذميماً، ووصفه بأنه من صفات المنافقين، ‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏t‏ عَنْ النَّبِيِّ ‏r  ‏قَالَ ‏]آيَةُ ‏الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ ‏أَخْلَفَ ‏وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 32)، إلا إذا كانت هناك ضرورة ملزمة تقتضي عدم الوفاء.

وما قدمه الخاطب من المهر فله الحق في استرداده؛ لأنه دفع في مقابل الزواج، عوضاً عنه. وما دام الزواج لم يوجد، فإن المهر لا يستحق شيء منه، ويجب رده إلى صاحبه. وأما الهدايا فحكمها حكم الهبة فلا يجوز فيها الرجوع إذا كانت تبرعاً لا لأجل العوض؛ لأن الموهوب له حين قبض العين الموهوبة دخلت في ملكه وجاز له التصرف فيها؛ فرجوع الواهب فيها انتزاع لملكه منه بغير رضاه وهذا باطل شرعاً وعقلاً ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ يَرْفَعَانِ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ  قَالَ: ]لاّ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا إِلاّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَه[ (رواه ابن ماجه، الحديث الرقم 2368).

ثالثاً: زيجات إسلامية شهيرة

حفل التاريخ الإسلامي بقصص زيجات شهيرة صارت مضرباً للأمثال، ومنها:

1. قصة زواج النبي r وسلم بعائشة

]عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ r وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي فَوَفَى جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ r فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِين[ (رواه مسلم، كتاب النكاح: الحديث الرقم 2547).

2. قصة زواج علي من فاطمة رضي الله عنها

]عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ r وَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ r حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r أَعْطِهَا دِرْعَكَ فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا[ (أبو داود، كتاب النكاح: الحديث الرقم 1816).

3. قصة زواج عثمان بن عفان من أم كلثوم وذلك بعد عرض عمر حفصة عليه

]عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r قَدْ شَهِدَ بَدْرًا تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ قَالَ سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَقَالَ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ r فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا[ (صحيح البخاري، كتاب المغازي: الحديث الرقم 3704).

4. قصة تزويج سعيد بن المسيب ابنته لتلميذه أبي وداعة

كان لدى التابعي المعروف سعيد بن المسيب ابنة تناقل الناس جمالها، وبهاءها، وعلمها ورجاحة عقلها، فبعث إليه الخليفة عبدالملك بن مروان يخطبها إلى ابنه الوليد ولي عهده، فأبى سعيد ورد رسول عبدالملك، وما زال الخليفة يراجع ويلح عليه حتى آل به الحال إلى ضربه. وعجب الناس من رفض سعيد لهذه الخطبة، وصاروا ينتظرون ما يؤول إليه أمر هذه الفتاة.

وكان لسعيد بن المسيب تلميذ يدعى ( أبا وداعة )، قال أبو وداعة ( كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياماً فلما جئته قال: أين كنت؟ قلت: توفيت أهلي فاشتغلت بها، فقال: هلا أخبرتنا فشهدناها. قال: ثم أردت أن أقوم، فقال: هلا أحدثت امرأة غيرها؟ فقلت: يرحمك الله ومن يزوجني، وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة، فقال: إن أنا فعلت تفعل؟، قلت: نعم. ثم حمد الله تعالى وصلى على النبي r وزوجني على درهمين أو قال على ثلاثة، قال: فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ وأستدين، وصليت المغرب وكنت صائماً، فقدمت عشاي لأفطر وكان خبزاً وزيتاً. وإذا بالباب يقرع، فقلت من هذا؟ قال: سعيد. ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم ير منذ أربعين سنة إلا ما بين بيته والمسجد، فقمت وخرجت، وإذا بسعيد بن المسيب فظننت أنه قد بدا له ـ أي ظهر له رأي غير الرأي الذي رآه من قبل، أي أنه يريد أن يرجع ـ فقلت: يا أبا محمد هلا أرسلت إليّ فآتيك؟ قال: لا، إنك أحق أن تُؤتى، فقلت: فما تأمرني؟ قال: رأيتك رجلاً عزباً قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك؛ فإذا هي قائمة خلفه في طوله، ثم دفعها في الباب ورد الباب فسقطت المرأة من الحياء. فاستوثقت من الباب ثم صعدت إلى السطح فناديت الجيران فجاؤوني وقالوا: ما شأنك؟ فقلت: زوجني سعيد بن المسيب ابنته وقد جاء بها على غفلة وهاهي في الدار فنزلوا إليها، وبلغ أمي فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثاً ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل الناس وأحفظهم لكتاب الله، وأعلمهم بسنة رسول الله r وأعرفهم بحق الزوج. قال: فمكثت شهراً لا يأتيني ولا آتيه. ثم أتيته بعد شهر وهو في حلقته، فسلمت عليه فرد عليّ ولم يكلمني حتى انفض من المسجد، فلما لم يبق غيري. قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: هو على ما يحب الصديق، ويكره العدو. قال: إن رابك شيء فالعصا، وفي رواية القضاء، فانصرفت إلى منزلي.

5. قصة زواج القاضي شريح

قال عامر الشعبي: قال شريح بن الحارث: يا شعبي، عليكم بنساء بني تميم، فإنهن النساء! قلت: وكيف ذاك؟ قال: انصرفت من جنازة ذات يوم ظُهراً، فمررت بدور بني تميم، فإذا امرأة جالسة في سقيفة على وسادة وتجاهها جارية، ولها ذؤابة على ظهرها كأحسن من رأيت من الجواري، فاستسقيت ـ وما بي من عطش ـ فقالت: أي الشراب أعجب إليك؟ الماء أم اللبن؟ قلت: أي ذلك تيسر عليكم. قالت: اسقوا الرجل لبناً فإني أخاله غريباً. فلما شربت نظرت إلى الجارية فأعجبتني، فقلت: من هذه؟ قالت: ابنتي، فقلت: وممن؟ قالت: زينب بنت حدير، إحدى نساء بني تميم. قلت: أفارغة أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة، قلت: أتزوجينيها؟ قالت: نعم. إن كنت كفئا ولها عم فاقصده.

وانصرفت إلى منزلي لأقيل فيه، فامتنعت مني القائلة؛ فأرسلت إلى إخواني القراء، ووافيت معهم صلاة العصر، فإذا عمها جالس، فقال: أبا أمية: حاجتك قلت: إليك. قال: وما هي؟ قلت: ذكرت لي بنت أخيك زينب، فقال: وما بها عنك رغبة، ثم زوجنيها. وما بلغت منزلي حتى ندمت وقلت: تزوجت إلى أغلظ العرب وأجفاها. ثم هممت بطلاقها، ولكن قلت أجمعها إليّ فإن رأيت ما أحب وإلا طلقتها.

ثم مكثت أياماً حتى أقبل نساؤها يهادينها، ولما أدخلت قلت: يا هذه إن من السنة إذا دخلت المرأة على الرجل أن يصلي ركعتين وتصلي ركعتين، ويسألا الله خير ليلتهما ويتعوذا به من شرها. فتوضأت فإذا هي تتوضأ بوضوئي، وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي، ولما قضينا الصلاة قالت لي: إني امرأة غريبة، وأنت رجل غريب، لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما أحب فآتيه، وما تكره فأنزجر عنه، فقلت: قدمت خير مقدم، قدمت على أهل دار، زوجك سيد رجالهم، وأنت سيدة نسائهم، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فأبثثيها، وما رأيت من سيئة فاستريها.

قالت: أخبرني عن أختانك، أتحب أن يزوروك؟ فقلت: إني رجل قاض وما أحب أن يملوني. قالت: فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له ومن تكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون وبنو فلان قوم سوء.

وأقمت عندها ثلاثاً، ثم خرجت إلى مجلس القضاء، فكنت لا أرى يوماً إلا وهو أفضل من الذي قبله، حتى إذا كان رأس الحول دخلت منزلي امرأة عجوز تأمر وتنهى. قلت: يا زينب من هذه؟ قالت: أمي فلانة قلت: حياك الله بالسلام، قالت: أبا أمية، كيف أنت وحالك؟ قلت: بخير، أحمد الله، قالت: أبا أمية، كيف زوجك؟ قلت: كخير امرأة، قالت: إن المرأة لا تُرى في حال أسوأ خلقاً منها في حالتين: إذا حظيت عند زوجها، وإذا ولدت غلاماً، فإن رابك منها ريب فالسوط، فإن الرجال ما حازت ـ والله ـ بيوتهم شراً من الورهاء المتدللة. قلت: أشهد أنها ابنتك، فقد كفيتني الرياضة، وأحسنت الأدب، قالت: أتحب أن يزورك أختانك؟ قلت: متى شاؤوا.

قال شريح: فكانت كل حول تأتينا وتوصي تلك الوصية ثم تنصرف ومكثت مع زينب عشرين عاماً، فما غضبت عليها إلا مرة كنت لها فيها ظالماً.

6. زواج من تايلاند

نقلت إحدى الصحف هذا الخبر"إن حفل الزواج في جنوب تايلاند شرعي جداً يبدأ بتلاوة القرآن الكريم ثم تلقين العروسين الشهادتين. ثم يقرأ كل منهما بعض الآيات في المصحف. وبعد ذلك يصطف الرجال في جانب والنساء في جانب آخر، ويتوجه الجميع إلى الله يقرؤون المعوذتين وآية الكرسي والفاتحة، وبعدها يطلب الجميع من الله أن يرزق العروسين الذرية الصالحة والتوفيق في حياتهما الزوجية".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:03 pm

المبحث الثالث

أهلية وولاية الزواج

أولاً: أهلية الزواج

تعرف الأهلية بأنها: صلاحية الإنسان لما يجب عليه من الحقوق، وما يلزمه من الواجبات، بعد توفر الشروط اللازمة في المكلف، لصحة ثبوت الحقوق له، والواجبات عليه.

1. شروط الأهلية

أ. العقل وفقه الخطاب؛

فمن لا عقل له وهو المجنون يكون فاقد الأهلية؛ لأن القوة المميزة بين الأمور الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب غير موجودة عنده، وعلى هذا لا تكون لأفعاله وأقواله حاكم يحكمها.

وكذلك فقه الخطاب؛ فالصبي غير المميز قلما يفقه، فإن كان مميزاً ففقهه قاصر، يقول الزركشي: ( الصبي ليس مكلفاً لقصور فهمه عن إدراك معاني الخطاب، ولذا جاء في الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُر[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3822).

والقول بعدم جواز مباشرة من ليس بأهل للنكاح ـ لصغره أو جنونه ـ الزواج بنفسه متفق عليه، ولا خلاف فيه، لكن الذي يحتاج إلى بحث هو تزويج الصغير والمجنون من قبل وليهما.

ب. البلوغ

عرف الفقهاء البلوغ بأنه: (قوة تحدث في الصغير يخرج بها من حالة الطفولة إلى حالة الرجولة).

أي هو: بلوغ الحد الذي يصبح فيه الصغير مكلفاً، بحيث يجب عليه القيام بالتكاليف التي كلفه الله بها، وبالبلوغ تصح تصرفات البالغ بيعاً وشراءً وهبة ووصية، وزواجاً وطلاقاً، ونحو ذلك.

2. علامات البلوغ

بلوغ الصغير والصغيرة له علامات تدل عليه، وهي:

أ. الاحتلام وهو: خروج المني المتدفق بلذة في حال النوم.

وقد جاء في الحديث: ]أُتِيَ عُمَرُ بِمَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ فَاسْتَشَارَ فِيهَا أُنَاسًا فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ مُرَّ بِهَا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t فَقَالَ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا مَجْنُونَةُ بَنِي فُلانٍ زَنَتْ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ فَقَالَ ارْجِعُوا بِهَا ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ قَدْ رُفِعَ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَعْقِلَ قَالَ بَلَى قَالَ فَمَا بَالُ هَذِهِ تُرْجَمُ قَالَ لاَ شَيْءَ قَالَ فَأَرْسِلْهَا قَالَ فَأَرْسَلَهَا قَالَ فَجَعَلَ يُكَبِّرُ. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مُرَّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t بِمَعْنَى عُثْمَانَ قَالَ أَوَ مَا تَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يَفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَخَلَّى عَنْهَا[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3823).

ب. ظهور شعر العانة، وهو الشعر الخشن الذي ينبت حول الفرج الذي يحتاج في إزالته إلى حلق، دون الشعر الزغب الضعيف الذي ينبت للصغير.

ج. البلوغ بالسن، وقد اختلف أهل العلم في تحديده، وقيل إنه ما بين العاشرة والثامنة عشرة. ولكن المرجح عند كثير من العلماء تحديد سن البلوغ بخمس عشرة سنة، لما صح ]عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ عَرَضَنِي رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْقِتَالِ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَعَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3497).

ولا خلاف بين أهل العلم في أن حيض الأنثى وحملها علامتان دالتان على بلوغها، وهاتان العلامتان تنفرد بهما البنت عن الصبي، والثلاثة الأولى مشتركة بينهما. وعند الحنفية سن بلوغ البنت هو سبع عشرة بكل حال.

ثانياً: الولاية في الزواج

1. تعريف الولاية لغة واصطلاحاً

الولي لغةً: كل من ولي أمراً أو قام به، وولي اليتيم هو الذي يلي أمره ويقوم بكفايته.

والولاية: (قدرة الشخص شرعاً على إنشاء التصرف الصحيح النافذ، على نفسه أو ماله، أو على نفس الغير وماله).

2. الحكمة من اشتراط الولاية

شرعت الولاية على الصغار والمجانين؛ لأنهم ليسوا بأهل للتصرف في أمورهم، فيحتاجون إلى من يقوم بمصالحهم. أما الحكمة من الولاية على المرأة البالغة العاقلة فتكمن في:

أ. صيانة المرأة عما يشعر بميلها إلى الرجال، فالمرأة تستحي من مباشرة ذلك، وقد طبعت على الحياء.

ب. الرجال أقدر من النساء على البحث عن أحوال الخاطب، ولو تُركت المرأة وحدها تقرر مصيرها، بلا معونة من أهلها وأقاربها، فقد لا توفق إلى اختيار الرجل المناسب.

ج. اشتراط الولي فيه مزيد من الإعلان عن النكاح، والشريعة تدعو إلى إعلان النكاح وإشهاره.

د. ارتباط المرأة بالرجل الذي تختاره ليس شأناً خاصاً بالمرأة دون سواها، فالزواج يربط بين الأسر، ويوجد شبكة من العلاقات؛ فالآباء والأخوة ونحوهم يهمهم أن تكون الأسرة، التي يرتبطون بها، على مستوى من الفضل والخلق، وارتباط المرأة بالزوج الصالح يريح أسرتها، مثلما يقلقهم ويتعبهم تعثرها في حياتها الزوجية. وسيقعون في بلاء أعظم وأشد إذا وصل الشقاق بين المرأة وزوجها إلى الطلاق، فتعود إليهم، وفي يدها أولادها، أفلا يشاركون في قرار له انعكاساته على حياتهم جميعا؟!.

3. الذين تشترط لهم الولاية

أ. الولاية على الصغير

لا يجوز أن يباشر الصغير عقد زواجه بنفسه؛ لأنه ليس بأهل لمثل هذه التصرفات.

ذهب بعض الفقهاء من المتقدمين والمعاصرين إلى المنع من تزويج الأولياء الصغار، كما ذهب إلى ذلك قوانين الأحوال الشخصية في كثير من البلاد الإسلامية. ولكن نقل جمع من العلماء إجماع أهل العلم على جواز تزويج الولي للصغير والصغيرة، ومن هؤلاء ابن المنذر، وابن قدامة، وابن حجر. وخالف في ذلك ابن شبرمة القاضي، والأصم من متكلمي المعتزلة، أما ابن حزم من الظاهرية فذهب إلى منع تزويج الصغير دون الصغيرة.

(1) أدلة الذين أجازوا تزويج الصغار

احتج العلماء الذين يرون جواز تزويج الأولياء الصغار، بأدلة منها. قوله تعالى: ]وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ[ (سورة الطلاق: الآية 4).

ووجه الدلالة من الآية، عندهم، أنها جعلت عدة المطلقات اللاتي لم يحضن، كعدة اليائسات، ثلاثة أشهر، والمطلقة التي لم تحض هي الصغيرة، فعدم حيضها لصغرها، ولا يكون طلاق إلا بعد زواج.

وقد عقد البخاري بابا قال فيه: (باب إنكاح الرجل ولده الصغار) وذكر تحته الآية السابقة. ثم قال: (فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ) وساق البخاري في هذا الباب حديث عائشة أن النبي r تزوجها وهي بنت ست سنين، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع، فإن قيل لهم: هذه الآية في النساء اللواتي بلغن سن الرشد ولم يحضن قالوا: إن الآية شاملة للنوعين للبالغة التي لم تحض، وللصغيرة التي لم تحض.

أما القائلون بعدم جواز تزويج الصغار، فقد احتجوا بالأدلة التالية: قوله تعالى: ]وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ ءاَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ[ (سورة النساء: الآية 6).

ووجه الدلالة أن الآية جعلت النكاح بعد البلوغ[1].

وقالوا: الأصل في الأبضاع التحريم إلا ما دل عليه الدليل، فلما ردَّ عليهم المجيزون بحديث تزوج الرسول r عائشة، وهي في السنة السادسة، ودخوله بها في سن التاسعة، قالوا تلك خصوصية للرسول r [2].

وقالوا: إن ثبوت الولاية على الصغير إنما تكون لحاجته للولاية، فإن لم يكن بحاجة للولاية فإن الولاية لا تثبت كالتبرعات، ولا حاجة بالصغار إلى النكاح، أضف إلى هذا أن عقد النكاح عقد خطير، يستمر بعد البلوغ، ويكون له خيار بعد بلوغه، وقد لا يرضى الصغير به عند كبره[3].

(2) ترجيح بعض علماء المسلمين في تزويج الصغار

ويرى بعض علماء  المسلمين أن النصوص الصريحة الواضحة التي تجيز تزويج الصغار لا يجوز لأحد مخالفتها، ولكنهم يرون أن يؤخذ بالشروط، التي تضيق هذا النوع من الزواج، وتحصره في أضيق الحدود، فلا يجوز لأحد من الأولياء، غير الأب، تزويج الصغار، إلا بشرط أن يكون الزوج كفأ، ويكون للصغير مصلحة بينة واضحة في هذا الزواج، وفي حال الدخول، يشترط أن تكون الصغيرة صالحة للمعاشرة الجنسية.

ويرون أنه على القول بأن تزويج الصغار ممنوع قانوناً؛ فلا يجوز أن يعد هذا المنع حكماً شرعياً، يدخل في دائرة الأحكام الباطلة شرعاً، وكل ما يمكن قوله إن من يفعل هذا من الأولياء، يعاقب قانونا، ولا يحكم على فعله بالبطلان، كما هو الحال في اشتراط عقد الزواج على يد المأذون، واشتراط توثيق عقد النكاح، وهذه الشروط تسمى الشروط القانونية، لا الشرعية، فالزواج الذي يستوفي الشروط، التي جاءت بها الشريعة، يعد صحيحا لازما شرعاً وقانونا، والشروط القانونية لا تنشئ حكماً شرعياً دينيا، يحل حراماً، أو يحرم حلالاً، بل هو شرط قانوني لا دخل له في الحكم الشرعي الديني .

(3) جواز أن يكون ولي الصغير غير الأب

وذهب آخرون منهم الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وعطاء بن أبي رباح وطاووس بن كيسان وقتادة بن دعامة، وابن شبرمة والأوزاعي، إلى أنه يجوز لغير الأب تزويج الصغيرة ولها الخيار إذا بلغت.

وذهب أبو حنيفة إلى جواز تزويج الأولياء الصغار، وليس لهم الخيار عند البلوغ.

وقد احتج بعض الشافعية على منع غير الأب والجـد من تزويج الصغيرة، فيمـا نقله ابن حجر عنهم، بحديث: لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر. وأورد عليهم: أن الصغيرة لا تستأمر.

فأجابوا: إن الحديث يشير إلى تأخير زواجها حتى تبلغ فتصير أهلاً للاستئمار.

وإذا قيل لهم: بأن المرأة بعد البلوغ لا تكون يتيمة.

أجابوا: إن في الحديث محذوفا تقديره: ]لا تنكح اليتيمة حتى تبلغ فتستأمر[، جمعا بين الأدلة.

واحتج الذين أجازوا للولي تزويج الصغيرة وان لم يكن أبا بقوله تعالى: ]وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ[ (سورة النساء: الآية 3).

وقد بوب البخاري على هذه الآية بقوله: (باب تزويج اليتيمة) وأورد فيه الآية، وساق فيه حديث عائشة المبين لسبب نزولها[4].

ب. الولاية على المجنون والمعتوه[5] في زواجهما

من أهل العلم من لا يفرق بين العته والجنون. وبعض علماء المسلمين يجيزون للولي تزويج المجنون والمعتوه، وبعضهم يشترط إذن القاضي. وينبغي إطلاع الطرف السليم على ما بالزوج المجنون أو المعتوه من بلاء، كما ينبغي أن يشترط أن لا يكون جنونه من النوع الذي يلحق الضرر بالآخرين[6].

ج. الولاية على السفيه

والمراد بالسفيه هنا: المبذر لماله المضيع له على خلاف ما يقتضيه العقل والشرع، كأن يشتري الشيء التافه بالمال الكثير، أو يبيع السلعة الثمينة بالثمن القليل .

والسفيه ليس كالمجنون والصغير، فالمجنون مختل العقل، والصغير غير كامل الأهلية، أما السفيه فإن لديه خفة في عقله تعود إلى اختياره، فهو يبذر المال عالماً بذلك راضياً به، يدفعه إلى ذلك طيش وسوء تصرف، ولكنه أهل للخطاب والتكليف ومحاسب على أفعاله[7].

د. الولاية على المرأة البالغة العاقلة

ذهب جمهور علماء المسلمين إلى اشتراط الولي في تزويج المرأة البالغة العاقلة لا فرق في ذلك بين البكر والثيب[8]. واستدلوا بأدلة كثيرة منها:

قوله تعالى ]الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ[ (سورة النساء: الآية 34).

واستدلوا بالنصوص الآمرة للرجال بتزويج النساء أو الناهية عن تزويجهم كقوله تعالى: ]وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُم[ْ (سورة النور: الآية 32 )، وقوله تعالى: ]وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا[ (سورة البقرة: الآية 221).

واستدلوا بقوله عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِل[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1021).

ويتبين هنا أن النصوص خاطبت الرجال آمرة بالإنكاح أو ناهية عنه، ولو كان أمر تزويج النساء عائداً إليهن لما وجه الخطاب إلى الرجال.

واستدل الشافعي: بقوله تعالى في الإماء ]فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ[ (سورة النساء: الآية 25).

ووجه الاستدلال بالآية أنه اشترط لصحة النكاح إذن ولي الأمة، وهذا يدل على أنه لا يكفي عقدها النكاح لنفسها.

واستدلوا بالنصوص الناهية للأولياء عن عضل النساء كقوله تعالى: ]وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوف[ (سورة البقرة: الآية 232).

فالمخاطب بالنهي عن العضل هم الأولياء، نهوا عن عضل النساء اللاتي طلقن وأتممن عدتهن عن العودة إلى أزواجهن إذا جاء الزوج خاطباً، ورضيت المرأة بالعودة إليه[9].

هـ. انعقاد النكاح بعبارة النساء

قال الجمهور: إن النكاح لا ينعقد بعبارة النساء، بينما قال الحنفية: يجوز للمرأة أن تعقد النكاح بعبارتها. بتزويج عائشة ابنة أخيها عبدالرحمن بن أبي بكر -عندما كان غائباً في الشام- زَوَّجَتْها بالمنذر بن الزبير،  فلما قدم عتب عليها في تزويجها بناته، إلا أنه أمضى نكاحها[10].

وذهب الإمام محمد بن الحسن في ظاهر الرواية إلى اشتراط الولي، ومع ذلك أجاز للمرأة أن تعقد النكاح بعبارتها. واستدل لمنع المرأة من تولي عقد النكاح والتوكل فيه، بحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1872)[11].

و. حكم إجبار الولي للمرأة الثيب

اتفق علماء المسلمين، إلا من شذ منهم، على منع الولي من إكراه المرأة الثيب البالغة العاقلة على الزواج. واستدلوا على عدم صحة ذلك بما ورد في الحديث ]عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6432).

وحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا[ (سنن أبوداود، الحديث الرقم 1796). وحديث عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا[ (رواه مالك، الحديث الرقم 967).

ز. حكم إجبار البكر البالغة العاقلة

الأصل عند كثير من علماء المسلمين أنه لا يجوز إجبار المرأة البكر العاقلة على الزواج، بينما يرى البعض أنه يجوز بضوابط وشروط، واختلفوا في تحديد الأولياء الذين يحق لهم الإجبار.

قال ابن قدامة مبينا الاختلاف في هذه المسألة: عن أحمد في إجبار البكر البالغة العاقلة على الزواج روايتان:

·   إحداهما: له إجبارها على النكاح وتزويجها بغير إذنها كالصغيرة، وهو مذهب مالك وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق بن راهويه.

·   والثانية: ليس له ذلك، وهو مذهب الأوزاعي والثوري وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر.

وقد رجح أحمد ابن تيمية الرواية الثانية، وفي ذلك يقول: (واختلف العلماء في استئذان الولي البكر البالغة هل هو واجب أو مستحب، والصحيح واجب).

واستدل الذين لم يجيزوا للولي إجبار المرأة البالغة العاقلة على الزواج بأدلة منها:

(1) النصوص المشترطة استئذان البكر في نكاحها، ومن هذه الأحاديث والبكر تستأذن في نفسها ، وفي رواية: والبكر يستأذنها أبوها . وفي رواية واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها وفي حديث عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: ]لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُت[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4741).

(2) النصوص المصرحة برد الرسول r نكاح من زوجها وليها من غير إذنها. روي جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ r: ]فَقَالَتْ إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ قَالَ فَجَعَلَ الأَمْرَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الآبَاءِ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1264) وحَدَّثَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ]أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ r فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ r.[ (رواه أبي داود، الحديث الرقم 1794).

تزويج الفتاة مع كراهيتها مخالف للأصول والعقول، والله لم يسوغ لوليها أن يكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها، ولا على طعام أو شراب أو لباس لا تريده، فكيف يكرهها على مباضعة ومعاشرة من تكره مباضعته ومعاشرته، والله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له، ونفورها منه، فأي مودة ورحمة في ذلك.

وقد تتابع أهل العلم على النص على بطلان العقود التي تتم بالإكراه، كالبيع والشراء والإجارة، فالقول بجواز إنكاح المرأة من غير رضاها مخالف للقاعدة العامة التي قررتها الشريعة الإسلامية، وأخذ بها أهل العلم.

إذا وقع شقاق بين الزوجين فإن الشريعة جعلت للمرأة سبيلا للخلاص من زوج لا تريده، سواء عن طريق الحَكمين أو الخلع.

فكيف يجوز تزويجها إياه ابتداءً،  ومقتضى ما سبق ذكره أنه لا يجوز تزويجها من غير إذنها، ولا يعني اشتراط إذنها أن الولي غير لازم في نكاحها، ولكن لا بد من اتفاق إرادتها وإرادة وليها في التزويج على أقل تقدير.

ح. عضل الولي (منع موليته من الزواج)

كما لا يجوز للولي إجبار المرأة على الزواج فلا يجوز له عضلها كذلك، والعضل هو منع الولي موليته من الزواج، وفي ذلك يقول الله تعالى: ]وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ[ (سورة البقرة: الآية 232)، فإذا ارتضت المرأة رجلاً وكان كفأً فليس لوليها منعها من التزوج به، فإن منعها في هذه الحالة من فعل أهل الجاهلية.

وإذا عضل الولي موليته فإن الولاية تنتقل عنه إلى غيره، وقد ذهب الشافعي وأحمد، في رواية، إلى أن الولاية تنتقل في حالة العضل إلى الحاكم، وذهب أبو حنيفة، في المشهور عنه، إلى أنها تنتقل إلى الأبعد بشرط أن يكون كفأ، فإن منع الأولياء جميعا تزويجها وعضلوها، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم قولاً وأحداً.

ط. ولاية الحاكم

تبين فيما سبق أن المرأة التي لا ولي لها، أو لها أولياء اتفقوا على عضلها فإن الولاية تنتقل إلى السلطان، كما سبق عن بعض أهل العلم أن الولاية تنتقل إلى السلطان في حال عضل الولي الأقرب، ولا تنتقل إلى الولي الأبعد. ويرى بعض من أهل العلـم أن الولاية تنتقل إلى السلطان في حال غيبة الولي بأن يكون مسافراً، أو يكون هو في بلد وهي في بلد آخر، وهذا صحيح، إذا كان الوصول إلى الولي متعذراً أو متعسراً، أما إذا أمكن حضوره من غير تفويت المصلحة في زواج المرأة؛ فلا يجوز الافتيات عليه، وقد كانت الاتصالات في الماضي فيها صعوبة، ولكنها تيسرت اليوم في كثير من الأحيان[12].

ي. زواج المرأة التي لا ولي لها ولا حاكم للمسلمين في بلدها

إذا زال حكم المسلمين عن البلد، أو كانت المرأة في موضع لا يوجد فيه للمسلمين حاكم، ولا ولي لها مطلقاً كالمسلمين في ديار الغرب ونحوها، فإن كان يوجد في تلك الديار مؤسسات إسلامية تقوم على رعاية شؤون المسلمين فإنها تتولى تزويجها، وكذلك إن وجد للمسلمين أميرٌ مطاع أو مسؤول يرعى شؤونهم ، قال ابن قدامة: (فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها).

وهذا القول أحد ثلاثة أوجه في مذهب الشافعية، والوجه الثاني: تزوج نفسها للضرورة. والثالث: لا تتزوج مطلقا، والمختار عند الشيخ ابن تيمية هو القول الأول[13].

ك. أولياء المرأة الذين لهم حق تزويجها والأولى منهم بالتزويج

أولى الناس بتزويج المرأة عصبتها، والمراد بالعصبة أقارب الرجل من جهة أبيه من الذكور فقط، سموا عصبة لأنهم يحيطون به، وكل شيء استدار بشيء فقد عصب به، ومنه العصابة التي يضمد بها الجرح، وسمت العرب العمائم بالعصائب؛ لأنها تحيط بالرأس.

وجمهور أهل العلم على أنه لا ولاية لغير العصبة، فإن عدموا انتقلت الولاية إلى السلطان، وذهب أبو حنيفة إلى أن الولاية تنتقل إلى بقية الأقارب حسب قوة قرابتهم، فتنقل عنده بعد الذكور إلى الأم والبنات وبنات الابن والأخوات وسائر ذوى الأرحام.

والأولى بتزويج المرأة أقربهم إليها، لأنه أحرى أن يراعي مصلحة موليته، وهذا مشهود منظور، فكلما كان المرء أقرب كانت مراعاته لموليته أقوى، وحرصه عليها أعظم.

قال الشوكاني: (كان يعقد نكاح النساء في زمن النبوة قرابتهن، وكان يقدم الأقرب فالأقرب، فإذا كان الأب موجوداً كان ذلك إليه، كما كان من أبي بكر وعمر في تزويجهما عائشة وحفصة من رسول الله r، وكما كان منه r في تزويج بناته، وهكذا كان عمل سائر الصحابة، ثم إذا عدم الأب تولى ذلك الأقرب فالأقرب إلى المرأة ).

وقال ابن حزم محتجاً على الأولوية في الولاية: (لا يجوز إنكاح الأبعد من الأولياء مع وجود الأقرب، لأن الناس كلهم يلتقون في أب بعد أب إلى آدم عليه السلام بلا شك، فلو جاز إنكاح الأبعد مع وجود الأقرب لجاز إنكاح كل من على وجه الأرض، لأنه يلقاها لا شك في بعض آبائها، فصح يقينا أنه لا حق مع الأقرب للأبعد).

ولا توجد نصوص تدل على الأولى بالولاية، ولذا فإن الفقهاء، في ترتيبهم للأولى والأقرب، قد يتفقون وقد يختلفون، لعدم علمهم بالأقرب، وفي ذلك يقول الله تعالى: ]ءاَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا[ (سورة النساء: الآية 11).

ومن اتفاقهم في هذا الموضوع تقديمهم الأب على الجد والأخوة والأعمام، ولكنهم اختلفوا في أيهم المقدم الأب أو الابن، والجد أو الأخوة[14]، حسب التالي:

المرتبة
الحنفية
المالكية
الشافعية
الحنابلة
الأولى
الأبناء ثم أبناؤهم
الأبناء ثم أبناؤهم
الأب ثم الجد
الأب ثم الجد
الثانية
الأب ثم الجد
الأب
الإخوة ثم أبناؤهم
الأبناء ثم أبناؤهم
الثالثة
الإخوة ثم أبناؤهم
الإخوة ثم أبناؤهم
الأعمام ثم أبناؤهم
الإخوة ثم أبناؤهم
الرابعة
الأعمام ثم أبناؤهم
الجد
ـ
الأعمام ثم أبناؤهم

 
(1) الأولى بالتزويج عند اتحاد الرتبة

إذا كان للمرأة أكثر من ولي، وكانوا في درجة واحدة في قربهم من المرأة، كالإخوة فانه يصح أن يبرم عقد النكاح أي واحد منهم، إذا تحققت فيه شروط الولي، ولم يختلف في ذلك علماء المسلمين، وإنما اختلافهم في الأولى بالولاية، هل هو الأتقى أو الأكبر.

فإذا اتفق الأولياء على واحد منهم، أو تقدم أحدهم ولم يعترض الآخرون فالنكاح صحيح سواء أكان المتقدم لإبرام العقد هو الأكبر أو الأصغر، العالم أو الجاهل، التقي أو غيره.

والإشكال إنما يكون عند اختلافهم وتنازعهم فقط في تحديد الذي يبرم عقد النكاح منهم، فأي واحد سبق بإبرامه منهم صح تزويجه، وسقط اعتراض الآخرين. أمّا إذا كان تنازعهم واختلافهم على الرجل، الذي يريد كل ولي أن يزوجه، فإن المشكلة هنا تتعمق وتشتد؛ لأن اختلافهم يضير المرأة، ويضر بها[15].

(2) تزويج الأبعد في حال غيبة الأقرب

المقصود بالأبعد هنا الذي يلي الأقرب وليس أبعد الأولياء، فإذا لم يكن في انتظار الولي الأقرب تفويت لمصلحة المخطوبة، بأن كان الخاطب موافقاً على الانتظار لحين حضوره، أو كانت الغيبة قصيرة، أو أمكن الاتصال، بالولي الغائب بالهاتف أو غيره من وسائل الاتصال فإن حق الولاية لا ينتقل إلى غيره.

فإن تعسر أخذ رأي الولي الذي يلي الولي الغائب أو لم يكن للمرأة ولي غيره انتقلت الولاية إلى القاضي[16].

(3) توكيل الولي بالتزويج وتوصيته به

 يجوز للولي أن يوكل غيره في تزويج من يلي أمرها من النساء؛ لأن وكيله نائب عنه، وقائم مقامه، ويثبت للوكيل ما يثبت للموكل.

4. الشروط التي يجب توافرها في الولي

اشترط أهل العلم في الولي شروطاً عدة، بعضها متفق عليه تقريباً، وبعضها مختلف فيه، المتفق عليه: الذكورة والعقل، والبلوغ، والإسلام.

أما الإسلام فهو شرط لا بد من تحققه في من تجوز له الولاية؛ فلا ولاية لكافر على مسلمة، وسئل ابن تيمية عن رجل أسلم، هل يبقى له ولاية على أولاده الكتابيين، فأجاب: (لا ولاية له عليهم في النكاح، كما لا ولاية له عليهم في الميراث، فلا يزوج المسلم كافرة، سواء كانت بنته أو غيرها، ولا يرث كافر مسلما ولا مسلم كافرا، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وأصحابهم من السلف والخلف، والله سبحانه قد قطع الولاية في كتابه بين المؤمنين والكافرين، وأوجب البراءة منهم من الطرفين، وأثبت الولاية بين المؤمنين). وساق كثيراً من النصوص الدالة على ثبوت الولاية بين المؤمنين وانقطاعها بينهم وبين الكافرين، فمن ذلك قوله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[ (سورة الأنفال: الآية 72). وقوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض[ (سورة المائدة: الآية 51).

واختلف أهل العلم فيمن تزوج كتابية ذمية هل يجوز أن يلي أمرها وليها الكافر، فذهب أبو حنيفة والشافعي وهو قول عند الحنابلة إلى جوازه، وهناك قول عند الحنابلة أن الحاكم هو الذي يزوجها، ولا يجوز عندهم أن يعقد عقد المسلم كافر .

واشترط بعض أهل العلم شروطاً أخرى في الولي منها: الحرية، العدالة، والنطق، والبصر، وكونه وارثاً. واشتراط الحرية هو قول أكثر أهل العلم، كما يقول ابن رشد، فلا يجيزون للعبد أن يكون وليا في النكاح، وعللوا لقولهم بأن العبد لا ولاية له على نفسه؛ فعدم ولايته على غيره أولى. والحنفية يجيزون تزويج العبد بإذن المرأة، لأنهم يجيزون لها أن تزوج نفسها من غير ولي.

أما العدالة فإن أهل العلم اختلفوا في اشتراطها في الولي، فذهب أكثرهم إلى عدم اشتراطها، وهو قول أبي حنيفة والمشهور من مذهب مالك، وهو رواية عن الشافعي والإمام أحمد. وذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد في الرواية الأخرى إلى اشتراط العدالة والولاية.

والذين اشترطوا العدالة نظروا للمعنى، فقالوا: لا يؤمن مع عدم العدالة أن لا يختار لها الكفء. والذين لم يشترطوها قالوا: إن الحالة التي يختار الولي الكفء لموليته غير حالة العدالة، وهي خوف لحوق العار بهم، وهذه هي موجودة بالطبع.

استدل الحنفية على عدم اشتراط العدالة في الولي بعموم قوله تعالى: ]وَأَنكِحوا الأَيامَى مِنْكُمْ[ (سورة النور: الآية 32). واستدلوا بإجماع الأمة، فإن الناس عن آخرهم خاصهم وعامهم من لدن رسول الله r إلى اليوم يزوجون بناتهم من غير نكير، من أحد. واحتجوا بأن هذه ولاية نظر، والفسق لا يقدح في القدرة على تحصيل النظر، ولا في الداعي إليه، وهو الشفقة، وكذا لا يقدح في الوراثة؛ فلا يقدح في الولاية على غيره كالعدل.

وجمهور العلماء على أنه لا يشترط في الولي أن يكون بصيرا، ولا ناطقا، فتصح ولاية الأعمى وولاية الأبكم. يقول ابن قدامة: (لا يشترط أن يكون الولي بصيرا؛ لأن شعيباً u زوج ابنته وهو أعمى، ولأن المقصود في النكاح يعرف بالسماع والاستفاضة، فلا يفتقر إلى النظر).

ولا يشترط كونه ناطقا، بل يجوز أن يلي الأخرس إذا كان مفهوم الإشارة، لأن إشارته تقوم مقام نطقه في سائر العقود والأحكام، فكذلك في النكاح. أما اشتراط كونه وارثاً فهو مذهب الحنفية، واستدلوا لمذهبهم بأن سبب الولاية والوراثة واحد وهو القرابة، وكل من يرثه يلي عليه، ومن لا يرثه لا يلي عليه، فلا ولاية للمرتد، لأنه لا يرث، وذهب جمهور المسلمين إلى عدم اشتراط كونه وارثاً.

[1] ويرد على استدلالهم بأن المراد بالنكاح هنا القدرة على الوطء، وليس المراد منها منع الولي من عقد النكاح للصغير، فكما يجوز للولي التصرف في مال الصغير إن كان في ذلك مصلحة له، فكذلك التزويج.

[2] رد َّعليهم هؤلاء بأن الخصوصية لا تثبت من غير دليل، ولا دليل يدل على أنها خصوصية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهناك أدلة أخرى تدل على ما دل عليه هذا الدليل.

[3] ويعتذر المجيزون: أن التزويج مشروط بتحقيق المصلحة، ومن المصلحة أن يزوج الصغير بالكفء.

[4] وقال ابن حجر في شرحه للحديث: (فيه دلالة على تزويج الولي غير الأب التي دون البلوغ بكرا كانت أو ثيبا، لأن حقيقة اليتيمة من كانت دون البلوغ، ولا أب لها، وقد أذن في تزويجها بشرط أن لا يبخس من صداقها). ولعل الملحظ الأقوى لمن منع غير الأب من الأولياء تزويج الصغار أن الأب تام الشفقة على أولاده، ونظره في مصالحهم في غاية القوة، ولا يطعن في شفقته ولا في نظره، وليس ذلك لغير الأب، وان كان الجد قريبا منه.

[5] الجنون: زوال العقل، ومظهره جريان التصرفات القولية والفعلية على غير نهج العقلاء، أما العته: آفة توجب خللاً في العقل، فيصير صاحبه مختلط الكلام يشبه بعض كلامه كلام العقلاء، وبعضه بكلام المجانين، وكذا سائر أموره.

[6] وموافقة القاضي مشروطة بوجود مصلحة للمجنون أو المعتوه في الزواج، فالوالي قد يزوج من به جنون أو عته لا لمصلحة لهما، إنما للعاطفة غير المحكومة بميزان العقل، وقد يزوج الولي المجنون لمصلحة نفسه مراعياً اعتبارات خاصة به.

[7] والشافعية لا يجيزون للسفيه الزواج من غير إذن وليه، كبيعه وشرائه وهبته، ومذهب الحنفية صحة نكاح السفيه من غير إذن الولي؛ لأنه ليس بعقد مالي، والسفيه محجور عليه في تصرفاته المالية، وقد ذهب: أبو يوسف ومحمد، صاحبا أبي حنيفة، إلى أن من حق الولي أن يتدخل لمنع الزيادة في المهر عن مهر المثل (ومهر المثل هو: ما اعتاد الناس أن يدفعوه مهراً لأمثال هذه المرأة من قريباتها). والمالكية يصححون زواج المحجور عليه لسفه، ويكون النكاح موقوفاً على إجازة الولي. ويرى الحنابلة أنه إذا تزوج بغير إذن وليه يصح نكاحه إذا كان محتاجاً إلى النكاح، فإن عدمت الحاجة لم يجز.

[8] وذهب أبو حنيفة وزفر والشعبي والزهري وقول الإمام مالك إلى عدم اشتراطه، والولي في النكاح عندهم مندوب إليه، وليس بشرط. والقول بالاستحباب وأنه يجوز للمرأة غير الشريفة أن تستخلف رجلا من المسلمين على إنكاحها. وقال داود الظاهري باشتراطه في البكر دون الثيب. وذهب ابن سيرين والقاسم بن محمد، والحسن بن صالح، وأبو يوسف إلى أن المرأة إن زوجت نفسها من غير ولي كان زواجها موقوفا على إجازة الولي فإن أجازه صح، وإن لم يجزه لم يصح.

[9] يقول الطبري في هذه الآية: إن الله تعالى ذكره أنزلها دلالة على تحريمه على أولياء النساء مضارة من كانوا له أولياء من النساء، بعضلهن عمن أردن نكاحه من أزواج كانوا لهن، فبن منهم بما تبين به المرأة من زوجها، من طلاق أو فسخ أو نكاح ) ووافقه ابن كثير، وقال: وهذا هو قول جمهور علماء المسلمين.. وقد ورد في الحديث أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار عندما منع أخته من الرجوع إلى زوجها بعد طلاقه إياها وخروجها من عدتها، ثم عاد إليها خاطبا، فلما نزلت الآية ناهية له عن عضلها، دعاه الرسول r وقرأ الآية عليه، فزوجها إياه.

[10] ومنع الماوردي حمل هذا الأثر عن عائشة على ظاهره؛ لأنها هي الراوية للحديث الذي يبطل نكاح المرأة المتزوجة بغير إذن وليها، ونصه (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطـل). ولأن لبنت أخيها أخوة وأعمام هم أحق بالولاية من عائشة، ولأن عائشة في الأثر الذي نقل عنها كانت تفتتح النكاح بالتشهد، فـإذا بلغت العقد أمرت الولي بالإنكاح، والذي يظهر أن عائشة أشارت على الفتاة والولي الحاضر بقبول المنذر زوجاً، وقد تكون هي ابتدأت النكاح بخطبة النكاح فيه، ثم عقد الولي دونها، وعتب عـليها أخوها دون غيرها؛ لأنها كانت العامل المؤثر في التزويج، وإن لم تعقد هـي، فكانت هي المزوجة بالاعتبار الذي ذُكِر.

[11] وعلق الماوردي على هذا قائلا: (وهذا إجماع منتشر في الصحابة، لا يعرف له مخالف). واستدل بقياس الأولى، فإذا كانت المرأة لا ولاية لها في عقد نكاحها، فأولى أن لا يكون لها ولاية في حق غيرها، وكل عقد لم يصح أن تعقده المرأة لنفسها لم يجز أن تعقده لغيرها.

[12] ولا يد أهل العلم بالسلطان أو الحاكم إمام المسلمين وحده، وإنما يريدون به إمام المسلمين وولاته ونوابه وقضاته.

[13] وقد تكلم الإمام الجويني عن هذه المسألة، ورد قول الذين منعوا النكاح عند انعدام الولي وانعدام السلطان، فقال: (إذا لم يكن لها ولي حاضر، وشغر الزمان عن السلطان، فنعلم قطعا أن حسم باب النكاح محال في الشريعة، ومن أبدى في ذلك تشككاً، فليس على بصيرة بوضع الشرع. ويرى أن الذي يتولى أمر النكاح في هذه الحالة هم العلماء الذين يتعين الرجوع إليهم في تفاصيل النقض والإبرام ومآخذ الأحكام.

[14] وليس لغير العصبة ولاية كالأخ من الأم والخال وعم الأم والجد والد الأم، هذا هو قول أحمد والشافعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة، والثانية عنه أن كل من يرث بفرض أو تعصيب يلي لأنه من أهل ميراثها، والأول هو المشهور.

[15] لا إشكال في حال رضى المرأة بأي رجل يوافق عليه أي واحد منهم في حال تساويهم في الدرجة، ويكون سبق أي منهم بالتزويج مسقطاً لاعتراض الآخرين، أما إذا رفضت المرأة الرجل الذي رضى به من سبق من أوليائها فلا يجوز، في هذه الحالة، أن يقال: إن الزواج لازم، فرضى المرأة البالغة لا بد منه، فإن كانت ثيبا لا يجوز تزويجها إلا إذا صرحت بالموافقة، فإذا كانت بكرا فلا يجوز تزويجها إلا إذا استشيرت فسكتت أو صرحت بالرضا، فإذا اعترضت فلا سبيل عليها، ولذا فإن تنازع الأولياء المستوون في الدرجة وسبق أحدهم بالموافقة أو التزويج لا يعتبر تزويجه إذا لم ترض المرأة بذلك، ويصح تزويج الولي الذي رضيت المرأة باختياره. فإن تمادى التنازع وتعمق، فمن حق المرأة أن ترفع الأمر إلى القضاء، وللقاضي حق التزويج في حال اختلاف الأولياء وتنازعهم، وفي ذلك يقول الرسول r: (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له).

[16] وفي حال قبول الولي الأبعد بالتزويج، في حال غيبة الولي الأقرب، فليس من حق الولي الأقرب بعد ذلك الاعتراض على الزواج والمطالبة بفسخ العقد. وانتقال الولاية من الأقرب إلى الأبعد عند غيبة الأقرب هـو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وقد اختلف العلماء في الغيبة التي تنتقل الولاية بها إلى الأبعد، فبعضهم حددها بالزمن، وبعضهم بالمسافة، وآخرون نظروا إلى الغيبة التي تنقطع بها أخبار الغائب، وآخرون يرون أنها تحصر في الغيبة التي تفوت بها مصلحة المخطوبة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:06 pm

المبحث الرابع

طبيعة عقد الزواج وشروطه

أولاً: أنواع عقود الزواج

1. العقد الصحيح

ويكون العقد صحيحاً في حال توافر أركانه وشروطه، فتترتب عليه أحكامه المقصودة كما تترتب عليه آثاره. والآثار المترتبة على الزواج الصحيح كثيرة، فيجب فيه للزوجة المهر والنفقة والسكنى، كما يثبت بين الزوجين حق التوارث.

ويستحق الزوج على زوجته الطاعة بالمعروف، ومتابعة المرأة لزوجها، ويثبت بالزواج الصحيح  نسب الأولاد، كما يثبت به حرمة المصاهرة.

2. العقد الباطل والفاسد

كل ما ليس بصحيح عند جمهور الفقهاء فهو باطل، ولا فرق بين الباطل والفاسد فكل باطل عندهم فاسد، وكل فاسد فهو باطل، أما الأحناف فجعلوا الفاسد قسماً متوسطاً بين الصحيح والباطل.

وإذا كان الصحيح من العقود ما ترتب عليه أثره من ملك المبيع واستباحة الوطء، فالباطل والفاسد ما لا يترتب عليه أثره، وعلى ذلك فإن الباطل والفاسد لا يعتد بهما عند الجمهور.

3. الاحتفاء بعقد الزواج

لا يحتفل المسلمون بعقد البيع، ولا بعقد الإجارة، ولا غيرهما من العقود احتفالهم بعقد الزواج، وعند بعض المسلمين يدعى الأقارب والجيران والأصدقاء لحضور العقد، وتخطب فيه خطبة تبدأ -عادة - بالتسمية، ويثنى فيها بحمد الله، والصلاة على رسول الله، وتبين فيها أحكام الزواج، والغاية منه، كما يشار فيها إلى الآداب والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الزوجان، وحقوق كل منهما على الآخر، ثم يجري الإيجاب والقبول بحضور الشهود، وقد أمر الرسول صل الله عليه وسلم بإعلان النكاح والضرب عليه بالدف كما شرعت فيه الوليمة.

4. الدعاء عند العقد

ويستحب تهيئة العروسين والدعاء لهما، وقد وردت جملة من الأحاديث في هذا الأمر، منها ]عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r: "تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قُلْتُ بَلْ ثَيِّبًا قَالَ فَهَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْ قَالَ خَيْرًا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4948).

وكان الرسول r كان إذا دعا للمسلم في زواجه: ]عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ إِذَا رَفَّأَ الإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1819).

وقالت نسوة من الأنصار لعائشة عند تزوجها بالرسول r (على الخير والبركة، وعلى خير طائر).

5. العقد مرهون بإرادة العاقدين

والزواج في الإسلام مرهون بإرادة العاقدين، وفق ما شرعه الله، كما يستطيعان الانفكاك منه بإرادتهما أما الزوج فيملك الطلاق، وأما الزوجة فتستطيع الفكاك بالخلع، كما يمكن للقاضي التفريق بين الزوجين إذا طلب أحدهما ذلك، وكان للتفريق مبرراته وأسبابه[1].

ثانياً: الشروط الشرعية لعقد الزواج

يعد بعض هذه الشروط ضرورياً لنشوء الانعقاد، يعد وبعضها شرطاً لصحة العقد، وفقدها يبطل العقد، وهذه الشروط أنواع: نوع يتعلق بصيغة العقد، ونوع يتعلق بالعاقدين، ونوع ثالث يتعلق بأمر خارج عن الصيغة والعاقدين.

1. أمّا الشروط المتعلقة بالصيغة فهي أربعة شروط:

أ. الإيجاب والقبول

بأن تكون بألفاظ معينة، وهذا متفق عليه بين أهل العلم، وإن اختلفوا في الألفاظ التي يتأدى بها عقد النكاح. وأشهرها: "زوجتك موليتي"، فيقول الزوج: "قبلت زواجها".

ب. الدوام والتنجيز

فإن كانت دالة على الاستقبال لم يصح العقد.

ومن هنا أبطل أهل العلم العقود المضافة إلى المستقبل والمعلقة على شرط غير متحقق؛ لأنها غير منجزة.

يقول النووي رحمه الله تعالى: (النكاح لا يقبل التعليق كقوله: إذا جاء رأس الشهر فقد زوجتك).

ومثال الزواج المضاف إلى المستقبل أن يقول الولي لرجل: زوجتك ابنتي عندما يأتي الربيع، أو في أول السنة القادمة، أو في رمضان القادم، أو عندما يقدم جدها من السفر، أو عندما تنجح في الامتحان، أو عندما ترضى أمها.

فإن كان الشرط متحققا فالنكاح صحيح، كأن يقول له: زوجتك ابنتي إذا نجحت في الامتحان، وكان قد نجح فيه فعلا، أو زوجتك إياها إذا قدم جدها من سفره، وكان قد قدم فعلا، والسبب في عدم جواز النكاح في حالة إضافته إلى المستقبل أو تعليقه على شرط غير متحقق أن عقد الزواج يجب أن يكون منجزا، بحيث تترتب عليه آثاره في الحال، ومن هذه الآثار حل الاستمتاع، وإذا كان مضافا للمستقبل أو معلقا على شرط غير متحقق فإنه لا يكون منجزا. ويكون الزواج منجزا إذا لم تتقيد صيغته بشيء، وكانت دالة على الوقوع الجازم بصيغة الماضي، أو المضارع الدال على الحال، ويصح أن يكون أحد لفظي النكاح بلفظ المضارع كأن يقول أزوجك على أن يقول الآخر قبلت، فإن قال زوجني بصيغة الأمر، وقال آخر: زوجتك، والذي عليه جمهور علماء المسلمين صحة هذا العقد، وإن خالف في صحته بعض أهل العلم.

ج. موافقة القبول والإيجاب من كل وجه

فإن اختلفا لم يصح النكاح، فإذا قال الولي: زوجتك ابنتي خديجة على مهر مقداره ألف دينار، فقال الخاطب: قبلت نكاح ابنتك فاطمة على مهر مقداره خمسمائة دينار لم يصح النكاح، لاختلاف الإيجاب والقبول.

د. الموالاة بين الإيجاب والقبول

بحيث لا يتراخى القبول عن الإيجاب، والذين يشترطون هذا الشرط من أهل العلم يقولون: إن تحقق العقد يتم باجتماع الإرادتين، فإذا توالى الإيجاب والقبول كامن معنى ذلك أن الإرادتين اتفقتا، فإذا وقع فصل بين الإيجاب والقبول فلا يُجزم باتفاق الإرادتين، لإمكان أن يكون الموجب قد تراجع عن إيجابه، في فترة الفصل بين الإيجاب والقبول.

فإذا كان الفصل يسيرا فلا يضر، وهذا هو المذهب عند الشافعية.

ولم يشترط الحنفية والحنابلة الفورية، وإنما اشترطوا أن يتم الإيجاب والقبول في مجلس واحد، فإن وقع التفرق بعد الإيجاب وقبل القبول لم يصح العقد، حتى لو صرح الطرف الآخر بالقبول بعد وقوع التفرق، ويشترط الحنابلة مع المجلس الواحد أن لا يتشاغل العاقدان عن العقد بغيره.

ولا يوجد في الشريعة ما يمنع من إجراء العقود مع اختلاف المجالس إذا تحققت الفورية وتحقق كل واحد من العاقدين من هوية الطرف الآخر، وأمن التزوير[2].

2. ألفاظ عقد الزواج

ينعقد عقد الزواج بلفظ الإنكاح والتزويج وبكل لفظ يدل عليهما، وذلك يتحقق بوجود عرف أو بوجود قرينة، فإذا لم يوجد شيء من ذلك لم يصح النكاح وذهب جمهور أهل العلم إلى أن النكاح لا يختص بلفظ الإنكاح والتزويج فحسب، بل ينعقد بكل لفظ يدل عليه، وممن قال بهذا القول الإمامان: أبو حنيفة ومالك، وهو قول في مذهب الإمام أحمد.

أ. أدلة الشافعية والحنابلة

استدل الذين قصروا التزويج على لفظي النكاح والتزويج بالأدلة التالية:

أن هذين اللفظين هما اللفظان اللذان ورد استعمالهما في الكتاب والسنة، دون غيرهما، قال تعالى: ]فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا[ (سورة الأحزاب: الآية 37)، وقال: ]فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ[ (سورة النساء: الآية 3). وقال: ]وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ[ (سورة البقرة: الآية 221) [3].

قوله تعالى: ]وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة الأحزاب: الآية 50).

قالوا: إن الآية في غاية الوضوح في الدلالة على أن التزويج بطريق الهبة من خصوصيات الرسول r، وما كان من خصوصياته لم يصح أن تشاركه فيه أمته، وهذا هو معنى الخالص[4].

واحتجوا بأن التزويج بغير هذين اللفظين كناية، والكناية لا تقتضي الحكم إلا بالنية، والنية في القلب لا تعلم، ولما كان العقد لا يصح دون الإشهاد عليه لم يصح العقد بالكناية، لأن النية لا يمكن الإشهاد عليها، وإنما جاز الطلاق والعتق والبيع بالكناية، لأن الشهادة لا تشترط في صحة ذلك.

ب. أدلة الحنفية والمالكية

استدل الدين قالوا بجواز التزويج بكل لفظ يدل عليه بما يأتي:

أن العبرة في العقود بالمقصود والمعاني لا بالألفاظ والمباني؛ فألفاظ البيع والشراء وكذلك النكاح ليست ألفاظا تعبديه لا يجوز تجاوزها إلى غيرها، ولذا فإن الصحيح من أقوال أهل العلم انه يجوز لكل أمة من الأمم أن تعقد عقد النكاح بالألفاظ المستعملة في ذلك في لغتها[5].

واحتج من ذهب هذا المذهب بما ثبت في الحديث أن الرسول r زوج رجلا امرأة، فقال: ]اذْهَبْ فَقَدْ ‏مُلِّكْتَهَا‏ ‏بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ[ (صحيح مسلم، كتاب النكاح: الحديث الرقم 2554).

فإن قيل: ورد في الحديث أن الرسول r قال له: ]أنكحتكها بما معك من القرآن[، وهذا يدل على أن الراوي إنما نقل الحديث الأول بالمعنى. والجواب أن هناك ثلاثة احتمالات لروايات الحديث، وكلها تدل على صحة التزويج بلفظ ملكتكها:

الأول: أن r قال: (أنكحتكها) والراوي نقل لفظ الرسول r بالمعنى.

والثاني: أن الرسول r قالهما جميعا، فنقل الراوي هذا مرة، وهذا مرة.

وعلى كلا الاحتمالين فالحديث حجة واضحة لمن ذهب إلى عدم الاقتصار على لفظي الإنكاح والتزويج في عقد النكاح.

والثالث: أن الرسول r قال: (أنكحتكها)، والراوي نقل لفظه بالمعنى، وهذا يدل على أن هذين اللفظين: الإنكاح والتمليك كانا سواء في عقد الزواج لا فرق بينهما.

3. الشروط المشترطة في العاقدين

أ. العقل.

ب. رضاهما، فإن عقد العقد من غير رضاهما، أو رضى أحدهما، لم يصح.

ج. أن يكون للعاقد الحق في إنشاء العقد بنفسه إذا كان ذكراً بالغاً عاقلاً راشداً، أو ولياً أو وكيلاً كلفه غيره بالعقد له، أما الفضولي فعقده غير صحيح.

د. أن لا يوجد بين الزوجين سببٌ من أسباب التحريم التي تمنع الزواج، لا فرق في ذلك بين أن يكون التحريم مؤبداً أو مؤقتاً.

هـ. أن يكون كل واحد من الزوجين معروفاً معلوماً فإن قال الولي زوجتك واحدة من بناتي، ولم يُسَمِّها لم يصح.

و. أن يسمع كل واحد من العاقدين كلام الآخر ويفهم كلامه.

ثالثاً: أنواع الأنكحة الباطلة أو الفاسدة

1. تزوج المسلمين بالمشركين(من غير اليهود والنصارى)

لم يأذن الله للمسلم ولا للمسلمة الزواج من المشركين، قال تعالى مبيناً الحكم والحكمة في ذلك: ]وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ ءايَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون[َ (سورة البقرة: الآية 221).

وقد أجمعت الأمة الإسلامية على حرمة الزواج من المشركين، غير أهل الكتاب، واتفق أهل العلم على جواز تزوج المسلم من المرأة الكتابية يهودية كانت أو نصرانية، ولم يخالف في جواز هذا إلا بعضهم كعبدالله بن عمر محتجاً بقوله تعالى: ]وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا[ (سورة البقرة: الآية 221)، فيرى أن اليهود والنصارى داخلين في عموم المشركين، ويرى جمهور الصحابة والتابعين وأكثر علماء المسلمين أن هذا النص عام، ويخصصه النص الذي أباح الزواج من نساء أهل الكتاب وهو قوله: ]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ[ (سورة المائدة: الآية 5). نص خاص، وقد تقرر عند أهل العلم أن العام والخاص إذا تعارضا قدم الخاص على العام.

واتفق أهل العلم على حرمة تزوج المسلمة من كتابي، لعدم ورود نص يستثني أحدا من الكفار في حق المرأة المسلمة، فبقي قوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ[ (سورة الممتحنة: الآية 10).

وإنما أجازت الشريعة التزوج من الكتابية دون المشركة؛ لأن أهل الكتاب وإن كانوا غير مسلمين إلا أن عندهم من الدين ما يعرفون به شيئاً عن الإيمان، وهم يفرقون بين شيء من الحلال والحرام، وأهل الشرك لا يوجد عندهم شيء من ذلك، وعلى ذلك فإن التنافر بين المسلم والبوذية وغيرها من الوثنيات شديد، لا يمكن أن تقوم حياة زوجية سوية بين زوجين بينهما مثل هذا التنافر[6].

ولا يجوز التزوج من امرأة مرتدة ولو كانت ردتها إلى النصرانية أو اليهودية؛ لأن المرتد لا يجوز إقراره على ردته.

فإذا ارتد أحد الزوجين المسلمين فسخ نكاحه من زوجته، وإذا أسلم أحد الزوجين الكتابيين، فإن كان المسلم هو الرجل صح له إمساك زوجته، وإن كانت المرأة فسخ زواجها، إذا لم يسلم زوجها في عدتها.

2. نكاح المتعة

وهو: نكاح المرأة لمدة مؤقتة على مهر معين.

وقد اتفق أئمة علماء الأمصار من أهل الرأي والآثار على تحريم نكاح المتعة.

وهو قول عامة الصحابة والفقهاء يقول ابن قدامة: وإذا كان النكاح باطلاً، فيجب فسخ هذا النوع من النكاح  قبل الدخول وبعده. وخالف زفر من الحنفية، فعد نكاح المتعة ثابتاً والشرط باطلاً، والمبطل في نكاح المتعة هو التصريح بالتأجيل في العقد، فإذا نواه في قلبه ولم يصرح به؛ فإنه لا يبطل النكاح، وخالف الأوزاعي فأبطل النكاح بالقصد، بدعوى أنه نكاح متعة.

وذهب الشيعة إلى القول بصحة نكاح المتعة.

واستدل القائلون ببطلان نكاح المتعة بقوله تعالى: ]وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُون َ(3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ[ (سورة المؤمنون: الآيات 3- 7).

ودلالة الآية على تحريم نكاح المتعة أن الله مدح المؤمنين بحفظهم فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، وعد ابتغاء المؤمنين غير هذين السبيلين من العدوان الذي حرمه الله، والناكح في المتعة ملوم؛ فالمنكوحة فيه ليست بزوجة ولا مما ملكت يمينه.

3. النكاح بشرط الطلاق

يذهب الجمهور إلى أن الرجل إذا تزوج امرأة بشرط أن يطلقها في وقت معين، فإن هذا النكاح لا يصح، مثل أن يشترط عليه طلاقها إذا قدم أبوها أو أخوها، وعدوا هذا الشرط مانعاً من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة فالشرط يفيد التأقيت، والتأقيت مبطل للنكاح . وقال أبو حنيفة يصح النكاح ويبطل الشرط، وهو أظهر قولي الشافعي؛ لأن النكاح وقع مطلقا، والشرط لا يؤثر فيه، كما لو شرط عليه أن لا يتزوج عليها ولا يسافر بها.

4. نكاح المحلل

إذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً يطأها فيه، قال تعالى: ]إِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ[ (سورة البقرة: الآية 230)، فإن عقد عليها، ثم توفي عنها قبل أن يطأها، أو طلقها قبل ذلك فلا تحل بذلك لزوجها الأول. وهذا النوع من النكاح حرام وباطل في قول عامة أهل العلم.

وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح النكاح ويبطل الشرط، وقد جاء النهي عن نكاح المحلل في حديث ]عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ وَعَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالاَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَعَنَ الْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ[ (سنن أبي داود، الحديث الرقم 1778). وقد سمى الرسول r المحلل بالتيس المستعار، ففي الحديث عن عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَه[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1926).

5. نكاح الشغار

والشغار أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو من يتولى أمرها على أن يزوجه الآخر كذلك، ليس بينهما صداق، كثير من العلماء يصحح هذا النكاح، ويوجب مهر المثل، فيفرضون لكل واحدة من الزوجتين مهر مثلها، وحجة الذين صححوا هذا النكاح أن النكاح يصح مع عدم فرض المهر، فإذا فرض مهر المثل في نكاح الشغار كان مثل النكاح الذي لم يفرض فيه مهر، لأن كل واحد من الناكحين فرض فيه المهر بعد العقد.

جاء عن محمد بن الحسن قوله: (إذا تزوج امرأة على أن يكون صداقها أن يزوجه ابنته، فالنكاح جائز، ولها صداق مثلها، لا وكس ولا شطط، وهو قول أبي حنيفة والشافعي).

والذي اختاره ابن تيمية أن النكاح لا يجوز مع نفي المهر، لأن الله فرض عليهم أن لا يتزوجوا إلا بمهر، وأباح لرسول الله r وحده أن يتزوج بلا مهر، ]قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ[ (سورة الأحزاب: الآية 50)، فلا بد في الزواج من مهر مفروض أو مسكوت عن فرضه، ثم إن تراضيا به، وإلا فلها مهر نسائها.

والمعتمد عند الحنابلة والإمام مالك أن علة النهي في نكاح الشغار هو اشتراط كل واحد من الرجلين على الآخر أن ينكحه موليته، لا اشتراطه خلو العقد عن المهر. وعلى ذلك فإن نكاح الشغار باطل، ولو فرض فيه المهر.

6. اشتراط الزوجة طلاق ضرتها

حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: ]نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ التَّلَقِّي وَأَنْ يَبْتَاعَ الْمُهَاجِرُ لِلأَعْرَابِيِّ وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2525)، والنهي يقتضي الفساد المنهي عنه، ولأنها شرطت عليه فسخ عقده، وإبطال حقه وحق امرأته.

وفي رواية عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: ]لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا[ (صحيح البخاري: الحديث الرقم 4755).

رابعاً: شروط الزواج

1. تعريف الشروط

الشرط في اللغة: (ما يوضع ليُلتَزم في البيع أو نحوه)، كاشتراط المرأة على زوجها أن لا ينقلها من بلدها، ولا يمنعها من عملها، ونحو ذلك.

والشرط عند الأصوليين: ما يلزم من عدمه العدم. ومثاله الوضوء، فإنه شرط في صحة الصلاة، فإذا لم يوجد الوضوء فإن الصلاة لا تصح بدونه.

والشرط قد يكون مشترطاً من الشرع، وقد يشترطه أحد العاقدين، والبحث هنا فيما يشترطه أحد العاقدين على العاقد الآخر، من الشروط المقترنة بالعقد، أو السابقة عليه المرتبطة به.

2. أنواع الشروط في النكاح

والشروط التي يتصور اشتراطها في العقد ثلاثة أنواع:

أ. الشروط الموافقة لمقصود عقد النكاح ومقصد الشرع.

ب. الشروط المنافية لمقصود العقد أو المخالفة لما نص عليه الشرع وألزم به.

ج. الشروط التي لم يأمر الشرع بها ولم ينه عنها، وفي اشتراطها مصلحة لأحد الطرفين (الشروط الجائزة).

وفيما يلي حكم كل واحد من هذه الأنواع الثلاثة:

أ. الشروط الموافقة لمقصود العقد ولما أمر الشرع به

اتفق أهل العلم على صحة هذا النوع من الشروط، كاشتراط الزوجة العشرة بالمعروف، والإنفاق والكسوة والسكنى، وأن يعدل بينها وبين ضرائرها، أو أن يشترط عليها الزوج ألا تخرج إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، وألا تتصرف في ماله إلا برضاه، ونحو ذلك.

وفي ذلك يقول ابن حجر العسقلاني: (من الشروط ما يجب الوفاء بها اتفاقا، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).

ب. الشروط التي تنافي مقصد عقد النكاح أو التي تخالف ما شرعه الله

اتفق أهل العلم على عدم صحة الشروط التي تخالف ما أمر الله به أو نهى عنه، أو تخل بمقصود النكاح الأصلي.

مثل أن تشترط المرأة على زوجها ألا تطيعه، أو أن تخرج من غير إذنه، أو ألا يقسم لضرائرها، ولا ينفق عليهن، ونحو ذلك، أو يشترط عليها ألاّ مهر لها، ولا يقسم لها، ولا ينفق عليها.

أو أن تشترط عليه ما ينافي المقصود الأصلي للنكاح، (وهو المعاشرة الزوجية)، كأن تشترط عليه أن لا يطأها، أو يطأها في العمر أو في العام مرة واحدة، فإن هذه الشروط لا تجوز بحال.

يقول ابن تيمية: (من اشترط في الوقف أو العتق أو الهبة أو البيع أو النكاح أو الإجارة أو النذر أو غير ذلك شروطاً تخالف ما كتبه الله على عباده، بحيث تتضمن تلك الشروط الأمر بما نهى الله عنه، أو النهي عما أمر الله به، أو تحليل ما حرمه، أو تحريم ما حلله، فهذه الشروط باطلة باتفاق المسلمين في جميع العقود).

وقد وضع أهل العلم قاعدة فقهية تصلح للتعليل بها في هذا الموضع، فقالوا: (ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط).

ذهب الحنفية إلى أن الشروط الفاسدة لا تبطل النكاح إلا إذا اشترطت التأقيت في العقد، يقول الكاساني: (النكاح المؤبد الذي لا توقيت فيه لا تبطله الشروط الفاسدة) وعلى ذلك فإن الأنكحة المنهي عنها عند الحنفية صحيحة كنكاح الشغار ونكاح التحليل إذا أبطلت منها الشروط الفاسدة، بخلاف نكاح المتعة والنكاح المؤقت فإنهما باطلان عندهم، وحجتهم أن عدم تعيين المهر وتقديره والاتفاق عليه عند العقد لا يبطل العقد بإجماع أهل العلم، فاشتراط عدمه لا يبطل النكاح، ومثل ذلك غيره من الشروط، فإذا أبطلت هذه الشروط كان العقد صحيحاً.

وذهب جمع من أهل العلم، منهم الشافعية والحنابلة، إلى أن من شروط النكاح ما يبطل الشرط ويصح العقد، ومنها ما يبطل العقد من أصله. وضابط النوع المبطل- كما يقول النووي- أن يكون مخلا بمقصود النكاح، ومثل له باشتراطه في العقد طلاقها، أو عدم وطئها[7].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:08 pm

المبحث الرابع

طبيعة عقد الزواج وشروطه


أما الشروط الباطلة، التي يصح معها عقد النكاح، فهي الشروط التي لا تخل بالمقصود الأصلي للنكاح كما يقول النووي، ومثل لها باشتراطها خروجها متى شاءت، أو أن تشترط طلاق ضرتها، أو يشترط عليها أن لا قسم لها ولا نفقه، وجعل النووي من هذه الشروط، الشروط الجائزة.

وعلل ابن قدامه بطلان هذه الشروط وصحة عقد النكاح معها بقوله: (هذه الشروط كلها باطلة في نفسها؛ لأنها تنافي مقتضى العقد، ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده…).

أدلة الذين أبطلوا عقد النكاح بكل شرط باطل:

ذهب ابن تيمية إلى أن الشروط الفاسدة مبطلة لعقد النكاح، لا فرق بين ما نهى عنه الشارع أو لم ينه عنه، واستدل بما يأتي:

الأنكحة التي نهت النصوص عنها كنكاح الشغار ونكاح التحليل، ونكاح المتعة، يكفي في إبطالها ذلك النهي الذي ورد فيها فالنهي يقتضي الفساد.

أبطل الصحابة هذه العقود، ففرقوا بين الزوجين في نكاح الشغار، وجعلوا نكاح التحليل سفاحا، وتوعدوا المحلل بالرجم.

تصحيح العقود مع إبطال الشروط الفاسدة يؤدي إلى الإلزام بالعقود من غير رضى العاقدين أو أحدهما؛ لأن تصحيح العقد إما أن يكون مع الشرط المحرم الفاسد، أو مع إبطاله.

واستدل بقياس الأولى: فالبيع لا يجوز إلا بالتراضي لقوله تعالى: ]إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ[ (سورة النساء: الآية 29). والنكاح أولى بعدم الجواز وأحرى إذا لم يكن بالتراضي.

ج. الشروط الجائزة

وهي الشروط التي لا تنافي مقصود النكاح، ولا تخالف ما قرره الشرع، مثل أن تشترط الزوجة على الزوج ألا يخرجها من دارها، أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، أو تستمر في عملها الذي تبيحه الشريعة ونحو ذلك.

والدليل على ذلك: قوله r فيما رواه عنه عقبة بن عامر الجهني[8] t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوج[ َ(صحيح البخاري، الحديث الرقم 2520). وهذا يدل على أن الوفاء بالشروط في النكاح أولى منها في البيع.

قال ابن حجر في شرحه: (أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح؛ لأنه أحوط وبابه أضيق).

ولكن الشروط قد تكون باطلة فاسدة لأحد أمرين:

الأول: منافاتها لحكم الله وشرعه.

والثاني: منافاة الشرط لمقاصد العقد كمن زوجه واشترط عليه الطلاق، فهذا الشرط يناقض مقصود العقد، ويصبح العقد به لغوا.

فإذا لم يشتمل الشرط على واحد من هذين الأمرين، فلا وجه لتحريمه؛ لأن الشروط عمل مقصود للناس، يحتاجون إليه، إذ لولا حاجتهم لذلك لم يفعلوه.

خامساً: الكفاءة في الزواج

1. تعريف الكفاءة

الكفء في اللغة: النظير والمثيل والمساوي، وكل شيء ساوى شيئاً فهو مكافئ له، ومنه قوله تعالى: ]وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد[ (سورة الإخلاص: الآية 4) ، ومنه حَدَّثَنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2371) أي في القصاص والدية.

والكفاءة في النكاح، في اصطلاح أهل العلم، أن يكون الرجل مساوياً للمرأة، و نظيراً لها. في خصال محددة، كالدين، والنسب، والحرية، واليسار، والصنعة، ونحو ذلك. ويختلف المشترطون للكفاءة في هذه الخصال بين متوسع ومقتصد.

أ. الجانب الذي تعتبر الكفاءة له

لا يشترط أهل العلم مكافأة المرأة بالرجل، بمعنى أن للرجل حرية اختيار الزوجة الأدنى منه مكانة في الدين أو النسب أو غير ذلك من جوانب الكفاءة، ، فالرسول صل الله عليه وسلم  تزوج من قبائل العرب، وهو لا مكافئ له، بل تزوج صفية بنت حيي بن أخطب اليهودي.

ب. حكم الكفاءة في النكاح

اختلف العلماء في حكم الكفاءة على قولين:

الأول: أنها ليست بشرط لصحة النكاح، إلا كفاءة الدين فقط الذي هو بمعنى الإسلام نفسه، وهو قول أكثر أهل العلم، وعليه العمل بين المسلمين من أوائل العصور؛ فكم من امرأة ذات نسب رفيع تزوجت من رجل ذي نسب أقل شأناً وكذا الصنعة وغير ذلك.

الثاني: أنها شرط لصحة النكاح، ونُسب هذا القول لسفيان، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهذا مذهب بعض الزيدية المتأخرين إذ لا يرون غير الفاطمي كفؤاً للفاطمية.

والقائلون بالقول الثاني قسمان:

القسم الأول: قسم يرى أنها شرط لزوم النكاح، فإن عقد النكاح مع وجودها  لزم النكاح، وإن عقد مع عدم وجودها برضى المرأة والأولياء صح، ومن لم يرض منهم فله فسخ النكاح، وهذا قول عامة العلماء.

والقسم الثاني: لا يرى أن الكفاءة مشترطة أصلاً ولا معتبرة، وكل مسلم يعتبر كفؤاً للمسلمة إلا إذا كان فاجراً، وهذا مذهب مالك وابن حزم والشوكاني وصديق حسن خان.

ج. اعتبارات الكفاءة في النكاح

الأول: أنها غير معتبرة إلا في الدين والصلاح.

الثاني: أنها شرط لزوم النكاح.

2. القائلون بعدم اشتراط الكفاءة إلا في الدين وأدلتهم:

وقد ركزوا على ميزان الإسلام، وقالوا إنه الأصل الذي يحكم المسألة ويحسم القول فيها.

واستدلوا بالنصوص الدالة على أن البشر ـ عند الله ـ جنس واحد، لا يفضل بعضهم بعضا إلا بالتقوى ]إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[ (سورة الحجرات: الآية 13)، وإنما جاء الإسلام ليصحح الخلل الذي وقع فيه البشر قديماً وحديثاً، من عداوات وأحقاد بسبب تعصبهم لأعراقهم وأجناسهم وقبائلهم.

جاء الإسلام فعلّم الناس أنهم من أصل واحد هو التراب، وأن أباهم واحد هو آدم، وأمهم حواء، وربهم وخالقهم واحد، وأخبرهم أن اختلافهم إلى قبائل وشعوب لا يستدعي فضلاً لقبيلة على قبيلة، ولا لشعب على شعب، إذ أن حكمة الاختلاف إنما هي التعارف، أما ميزان التفاضل فهو التقوى.

وقال تعالى: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[ (سورة الحجرات: الآية 10). وقال: ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء[ُ (سورة التوبة: الآية 71). وقال تعالى: ]فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض[ (سورة آل عمران: الآية 195).

عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r: ]جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ أَلاَ إِنَّ آلَ أَبِي يَعْنِي فُلانًا لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِين[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 316).

حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1005).

حَدَّثَنَا عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ ]لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ r: يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 29).

]عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ r ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5966).

وتحقيقاً لهذا الميزان زوج الرسول r ابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية ـ وأمها أميمة بنت عبدالمطلب- إلى مولاه زيد بن حارثه الكلبي، وفي زيد وزينب أنزل الله: ]فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا[ (سورة الأحزاب: الآية 37).

وأمر الرسول r فاطمة بنت قيس أن تنكح مولاه أسامة بن زيد، وكان قد خطبها معاوية ابن أبي سفيان وأبو الجهم. وزوج الرسول r ابنتيه رقية وأم كلثوم من عثمان بن عفان t واحدة بعد الأخرى، وزوج ابنته زينب من أبي العاص بن الربيع الأموي. وعثمان وأبو العاص من بني أمية لا من بني هاشم، وهم أقل كفاءة من بني هاشم فكيف بأسرة النبي r نفسه، وهي أعلى بني هاشم مكانة وشرفاً.

وزوج علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، وهو من بني عدي لا من بني هاشم. وزوج الصديق أخته أم فروة  من الأشعث بن قيس الكندي[9]، وتزوج المقداد بن الأسود الكندي[10] ضباعه بنت الزبير بن عبد المطلب[11] ابنة عمة رسول الله r.

وزوج أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس[12] ـ وكان ممن شهد بدراً ـ بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن رييعة إلى سالم مولاه، وكان أبو حذيفة تبنى سالماً قبل أن يحرم الإسلام التبني.

وروى الدار قطني[13] أن عبدالرحمن بن عوف t زوج بلالاً الحبشي[14] t أخته.

ومن تأمل في هذه الآثار أن الكفاءة إنما هي في الدين والتقي والصلاح، بغض النظر عن المستوى الاجتماعي، لا فرق في ذلك بين بني هاشم وغيرهم من قريش، ولا فرق بين قرشي وغيره من العرب، ولا فرق بين عربي وغير عربي.

3. القائلون بالكفاءة وأدلتهم:

والفريق الثاني الذي اعتبر الكفاءة في النكاح شرط لزوم نظر إلى رضى كل من المرأة وأوليائها بالخاطب، يدرسون أحواله وصفاته وقدراته، ولا ضير عليهم في أن يختاروا الأفضل في نظرهم إذا كان من الدائرة التي يجوز الاختيار منها، وهي دائرة المسلمين الأتقياء.

إن الذي يرفضه الإسلام اختيار الرجل الذي فقد التقى والصلاح، واختير لجماله أو ماله أو حسبه فحسب، أما إذا كانت هذه الصفات أو بعضها مقرونة بالتقى والصلاح فإن هذا كمال فوق كمال، وفضل فوق فضل.

4. الخصال المعتبرة في الكفاءة

جملة الخصال التي عدها أهل العلم في الكفاءة ست، هي النسب، والدين، والصنعة، والحرية، والسلامة من العيوب، والغنى. ويضيف بعضهم إليها العلم، والجمال[15].

ومعرفة ما يعتبر وما لا يعتبر من خصال الكفاءة هو ثمرة البحث في المسألة، إذ قد يقع الخلاف بين المرأة وأوليائها في خصلة من هذه الخصال، فيمنعونها من الزواج بحجة أن الخاطب غير كفء لفقره مثلاً، بينما لا تعده هي مانعاً من الكفاءة، وقد يقع النزاع بين الأولياء، فما يراه أحدهم من الكفاءة لا يعده آخر منها.

أ. الكفاءة في الدين

أجمع أهل العلم على أن الرجل الكافر ليس بكفء للمرأة المسلمة.

وجاءت النصوص قطعية في ثبوتها، ودلالتها على تحريم تزويج المرأة المسلمة من كافر، كتابياً كان أو وثنياً، ومن هذه النصوص قوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ[ (سورة الممتحنة: الآية 10 )، وقال تعالى: ]وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِن[ (سورة البقرة: الآية 221).

فالآية الأولى نصت نصاً صريحاً على أن الكافر لا يحل للمؤمنة، والمؤمنة لا تحل للكافر، والآية الثانية نهت المؤمنين نهياً ليس فيه غموض عن أن يزوجوا المشركين، وحددت لذلك غاية وهي إيمانهم، فدل ذلك على حرمة تزويجهم قبل إيمانهم، فالإسلام يقرر أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والزوج له حق القوامة على الزوجة ]الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ[ (سورة النساء: الآية 34)، وهذه القوامة تعطيه علواً ورفعة عليها، وهي الدرجة المنصوص عليها في قوله: ]وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ[ (سورة البقرة: الآية 228). فإذا تزوجت المسلمة كافراً كانت له القوامة عليها، وهذا ممنوع في شرع الله وحكمه ]وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً[ (سورة النساء: الآية 141).

يقول ابن رشد الفقيه المالكي: لم يختلف المذهب أن البكر إذا زوجها الأب من شارب الخمر، وبالجملة من فاسق أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم فيفرق بينهما، وكذلك إن زوجها ممن ماله حرام. والمرأة من بنات الصالحين إذا زوجت نفسها من فاسق كان للأولياء حق الاعتراض؛ لأن التفاخر بالدين أحق من التفاخر بالنسب والحرية والمال، والتعيير بالفسق أشد وجوه التعيير وكذلك رأي الشافعي وأحمد.

ومن النصوص التي أوردوها في هذا الباب قوله تعالى: ]الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة النور: الآية 3)، فالنص حرم تزويج العفيفة من زان حرمة تزويجها من مشرك.

وقوله تعالى: ]أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ[ (سورة السجدة: الآية 18)، فقد نفت الآية المساواة بين المؤمن والفاسق.

وقال الشوكاني وأبو إسحاق الشيرازي إن المجاهر بالفسق ليس بمرضي الدين.

السر في عدم تزويج الفاسق

علل أهل العلم لمذهبهم في عدم تزويج أهل الفسق بتعليلات متقاربة، يقول السبكي: (الفاسق لا يؤمن أن يحمله فسقه على أن يجني على المرأة).

وقال عبدالقادر بن عمر الشيباني: (الفاسق مردود الشهادة والرواية، وذلك نقص في إنسانيته، فلا يكون كفأ للعدل).

وقال الصاوي: مخالطة الفاسق ممنوعة، وهجره واجب شرعاً، فكيف النكاح.

وقال ابن قدامة: (الفاسق مردود الشهادة والرواية، غير مأمون على النفس والمال، مسلوب الولاية، ناقص عند الله وعند خلقه، قليل الحظ في الدنيا والآخرة، فلا يجوز أن يكون كفأً للعفيفة ولا مساوياً لها، لكن يكون كفأً لمثله).

ب. الكفاءة في الحسب والنسب

الحسب، في الأصل الشرف بالآباء والأقارب، مأخوذ من الحساب؛ لأنهم إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر قومهم وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده على غيره.

واعتبر الكفاءة بالحسب بعض العلماء، وذهب النووي إلى فسخ نكاح المولى إذا تزوج عربية.

والأنساب، عند الحنفية، ثلاث مراتب: الأولى: قريش، والثانية: العرب، والثالثة: الموالي. ولا اعتبار عندهم بالتفاوت الواقع في كل رتبة من الرتب، فبطون قريش وإن تفاوتوا في الفضل رتبة واحدة، فالمخزومي كفء للهاشمية، وكذلك الأموي والعدوي. وبعض أهل العلم جعل لبني هاشم وبني المطلب رتبة متقدمة على بقية بطون قريش، فلا يكافئهم غيرهم، أما ما سواهم من بطون قريش، فبعضهم أكفاء لبعض.

والعرب متساوون فيما بينهم على اختلاف قبائلهم وبلدانهم فالتميمي كفؤُ للحنفية والعكس، والموالي متساوون فيما بينهم، وان اختلفت شعوبهم.

والأصل، عند الشافعية، اعتبار النسب في العجم كالعرب، فالفرس أفضل من القبط، وبنو إسرائيل أفضل من القبط. أمّا عند الشافعية أن بطون قريش فهم رتبة واحدة.

والمشهور عن الإمام مالك رحمه الله أن النسب غير داخل في الكفاءة، فيجوز نكاح الموالي من العرب. وعن الإمام أحمد أن المسلمين في النسب رتبتان: عرب وعجم، وعلى ذلك فالعرب بما فيهم قريش بعضهم لبعض أكفاء، وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء.

وعن الإمام أحمد رواية ثانية ذهب فيها إلى أن القرشية لا تزوج لغير قرشي، والهاشمية لا تزوج لغير هاشمي.

ج. الكفاءة في المال

ذهب إلى اعتبار المال في الكفاءة الحنفية، فقد عده الكاساني من خصال الكفاءة المشترطة فيها، وقال: (فلا يكون الفقير كفأ للغنية؛ لأن التفاخر بالمال أكثر من التفاخر بغيره عادة، ولأن للنكاح تعلقاً بالمهر والنفقة تعلقاً لازماً، فإنه لا يجوز دون المهر).

والأصح عدم اعتبار الكفاءة في المال عند المالكية والشافعية.

واستدل القائلون بعدم اعتباره بأن النبي r لم يكن من أهل اليسار، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام أهله، ولأن الفقر ليس بنقص في الكفاءة في العادة.

والقول باعتبار الكفاءة في المال رواية عن الإمام أحمد اختارها بعض من الحنابلة[16].

والذين اعتبروا اليسار في الكفاءة اختلفوا في المقدار المعتبر من ذلك، فجمهور أهل العلم أنه يكفي في اليسار أن يكون الزوج قادراً على المهر والنفقة، فإذا أيسر بذلك فإنه كفء للمرأة مهما بلغ غناها.

هذا هو مذهب الحنفية، والحنابلة، وبعض الشافعية. وذكر ابن أبي يعلى الحنبلي أن المعتبر في المال عند ابن عقيل هو حصول المقدار الذي لا تتغير به عادة المرأة في بيت أبيها.

الذين لا يجعلون المال من خصال الكفاءة لا يقولون بوجوب التزويج مع الإعسار بالمهر والنفقة، بل إن منهم من يوجب الفسخ بالإعسار بذلك، وليس هذا مبنياً على اعتبار الزوج غير كفء، بل لأنه بخسها حقها، فهو كالغني المماطل.

د. الكفاءة في الحرية

جمهور أهل العلم على اعتبار الكفاءة في الحرية؛ فلا يكون العبد كفأً للحرة.

وقد غلا بعض أهل في اشتراط الحرية، إذا لم يجعل الحر، الذي مسه الرق يوماً أو مس أحد آبائه، كفأ للحرة التي لم يمسها ولا آباءها رق أبداً.

هـ. الكفاءة في الصناعة والحرفة

ذهب الشافعية إلى أن أصحاب الحرف الدنيئة ليسوا أكفاءً لغيرهم، فالكناس والحجام وقيِّم الحمام والحارس والراعي ونحوهم، لا يكافئون بنت الخياط، والخياط لا يكافئ بنت تاجر أو بزاز، ولا المحترف يكافئ بنت القاضي والعالم. واعتبار الحرفة في الكفاءة رواية عن الإمام أحمد، أخذ بها جمع من فقهاء الحنابلة.

واعتبر الكفاءة في الحرف والصناعات أبو يوسف والطحاوي من الحنفية، ولم يعتبرها أبو حنيفة رحمه الله[17]، كما أن مذهب المالكية والراجح في مذهب الحنابلة أن الحرفة لا تعتبر من الخصال المعتبرة في الكفاءة.

و. الكفاءة في السلامة من العيوب

تكاد تكون بحوث الفقهاء مقصورة على العيوب التي لا يكتشفها الزوج في زوجته إلا بعد إبرام العقد، أو تلك التي تحدث بعد العقد. أما العيوب التي يعلم بها كل واحد من الزوجين قبل العقد، أو العيوب الظاهرة التي لا تخفى فإن الفقهاء لا يعرضون لها، فإن مردها إلى رضى الطرف السليم بالطرف المريض، ومادام قد رضي فلا إشكال بعد ذلك.

والمعنى الذي يذكره الفقهاء في إجازتهم للفسخ بسبب العيب يرجع لواحد من أمرين:

الأول: منع تلك العيوب الزوج السليم من الاستمتاع بالزوج المريض، وهذا يكون في العيوب الجنسية.

الثاني: تنفير تلك العيوب الزوج السليم من الزوج المريض، كأن يكون المرض برصاً أو جذاماً أو جنوناً.

ويجعلون الحق في فسخ النكاح لكل واحد من الزوجين إذا وجد بزوجه عيباً.

أما الظاهرية وفقهاء الشافعية والحنابلة فلا يردون النكاح بعيب من العيوب مطلقا، وأبو حنيفة وأبو يوسف يجيزان للزوجة فسخ النكاح إذا وجدت في الزوج مرضا يمنعه من الوطء، أما العيوب المنفرة فلا يجيزان لها فسخ النكاح به.

ز. المرجع فيما يعتبر وما لا يعتبر من خصال الكفاءة

الأصل عند الاختلاف هو رد الأمر إلى الله ورسوله r، وعند النظر في اختلاف العلماء في اعتبار الكفاءة الذي تقدم، يتبين أن الدين، بمعنى التقى والصلاح، هو الخصلة الوحيدة التي جاءت النصوص الشرعية آمرة بها، أما ما عداها من الخصال فلا يوجد فيها نص واضح وصريح يلزم باعتبارها .وفي هذا يقول ابن القيم: (الذي يقتضيه حكم الرسول r اعتبار الكفاءة في الدين أصلا وكمالا، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك، فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسبا ولا صناعة، ولا غنى، ولا حرفة).

إن التأمل في كلام أهل العلم يدل على أن المرجع هو عرف الناس وعادتهم؛ فكل ما عده الناس واعتبروه من الأنساب والأحساب والحرف ونحوها فإنه معتبر، ومالا عبرة به فإنه غير معتبر. وعلى ذلك فإن خصال الكفاءة في غير التقوى والصلاح تختلف من عصر إلى عصر، ومن بلد إلى بلد.

 

[1] أما ما جرى عليه العمل في البلاد الإسلامية من وجوب توثيق عقود النكاح، وعقده على يد القاضي أو المأذون فهو عائد إلى أحكام إدارية تنظيمية، ألزمت بها الدول قطعا لما يحدث بين الناس من تنازع واختلاف، ولو تم الزواج من دونها فلا يكون عند الله باطلاً، ولكن العاقدين ومن عقد لهما قد تنالهم العقوبة من الدولة.

[2] وقد بلغ الأمر بفقهاء الحنفية أن أبطلوا العقود التي يعقدها العاقدان إذا كانا يسيران على أقدامها أو دوابهما إذا كان هناك فاصل ولو يسيرا بين الإيجاب والقبول، وعللوا البطلان بعدم اتحاد المجلس. وردَّ المجيزون بأنه قد صح أن الرسول r ;اشترى جمل جابر بن عبدالله وكانا على جمليهما عائدين إلى المدينة في إحدى الغزوات، وكان الصحابة يتبايعون وهم يسيرون على أقدامهم أو يركبون دوابهم. واستجد في هذه الأيام الاتصال بطريق الهاتف والإذاعة والتلكس والفاكس والتلفاز. والقول باشتراط اتحاد المجلس، يبطل العقد بها.

[3] والفريق الآخر لا يسلم لهم هذا الاستدلال.

[4] والجواب: أن الذي اختص به الرسول r; في النص الكريم هو الزواج من غير ولي ولا شهود ولا مهر، لا انعقاد النكاح بلفظ الهبة مع وجود الولي والشهود والمهر.

[5] وقد رد ابن تيمية على من ذهب من الشافعية والحنابلة إلى عدم جواز عقد النكاح إلا بالعربية فقال: (تعيين اللفظ العربي في عقد النكاح في غاية البعد عن أصول الأدلة الشرعية، إذ النكاح يصح من الكافر والمسلم، ومعلوم أن العقد لا يتعين له لفظ، لا عربي ولا عجمي، وكذلك الصدقة والوقف والهبة لا يتعين لها لفظ عربي بالإجماع، ثم العجمي إذا تعلم العربية في الحال قد لا يفهم المقصود من ذلك اللفظ كما يفهمه من اللغة التي اعتادها أما إذا قيل: تكره العقود بغير العربية لغير حاجة كما يكره سائر أنواع الخطاب بغير العربية لغير حاجة لكان متوجها)، كما قد روي عن مالك وأحمد والشافعي ما يدل على كراهية اعتياد المخاطبة بغير العربية لغير حاجة.

[6] وأجاز الشرع تزوج المسلم من الكتابية، ولم يجز تزوج المسلمة من كتابي؛ لأن المسلم يؤمن بجميع الرسل الذين أرسلهم الله، وجميع الكتب التي أنزلها، أما أهل الكتاب فلا يؤمنون برسول الإسلام ولا بالقرآن الكريم، وبذلك فإن دين الكتابية الأصلي قبل تحريفه محترم، وكتابها ورسولها محل احترام المسلم، أما الكتابي فإنه لا يحترم شيئاً من ذلك في حال تزوجه من مسلمة، أضف إلى هذا أن الإسلام يأبى أن يعلو أهل الكفر على أهل الإسلام، والحياة الزوجية تقضي أن يكون للزوج القوامة على زوجته مما يعني أن يعلو الكافر على المسلمة.

[7] ومثل له ابن قدامه بنكاح المتعة، ونكاح الشغار، أو أن يطلقها في وقت بعينه، أو يعلق النكاح على شرط، أو يشترط الخيار في النكاح لهما أو لأحدهما.

[8] عُقْبَة بن عَامر (000 ـ 58هـ = 000 ـ 678م); بن عبس بن مالك الجهني: أمير من الصحابة. وشهد صفين مع معاوية، وحضر فتح مصر مع عمرو بن العاص.

[9] الاَشْعَث (23ق.هـ ـ 40هـ = 600 ـ 661م) الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي، أبو محمد: أمير كندة في الجاهلية والإسلام. كانت إقامته في حضرموت، ووفد على النبي r بعد ظهور الإسلام، في جمع من قومه فأسلم، وشهد اليرموك فأصيبت عينه.

[10] المِقْداد بن الاَسْوَد (37 ق.هـ ـ 33هـ = 587 ـ 653 م)، ويعرف بـ ابن الأسود، الكندي البهراني الحضرمي، أبو معبد، أو أبو عمرو صحابي، من الأبطال. هو أحد السبعة الذين كانوا أول من أظهر الإسلام. وهو أول من قاتل على فرس في سبيل الله. شهد بدراً وغيرها. وسكن المدينة. وتوفي على مقربة منها، فحمل إليها ودفن فيها.

[11] ضُباعَة بنت عامِر (000 ـ نحو 10هـ = 000 ـ نحو 631م) بن قرط بن سلمة الخير،من بني قشير: شاعرة صحابية. كانت زوجة هشام بن المغيرة، في الجاهلية، ولها قصيدة في رثائه. وأسلمت بمكة، في أوائل ظهور الدعوة. وكانت في صباها من الشهيرات في الجمال.

[12] اَبُو حُذَيْفَة بن عُتْبة (42ق.هـ ـ 12هـ = 578 ـ 633م) بن ربيعة بن عبد شمس، صحابي. هاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة. وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها. وقتل يوم اليمامة.

[13] الدّار َقُطْني (306 ـ 385هـ = 919 ـ 995م) علي بن عمر بن أحمد بن مهدي،أبو الحسن الدارقطني الشافعي: إمام عصره في الحديث، وأول من صنف القراآت وعقد لها أبواباً. ولد بدار القطن (من أحياء بغداد) ورحل إلى مصر، فساعد ابن حنزابة (وزير كافور الإخشيدي) على تأليف مسنده. وعاد إلى بغداد فتوفي بها. من تصانيفه كتاب السنن والعلل الواردة في الأحاديث النبوية وغير ذلك.

[14] بلاَل الحَبَشي (000 ـ 20هـ = 000 ـ 641م) بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد الله: مؤذن رسول الله r وخازنه على بيت ماله. من مولدي السراة، وأحد السابقين للإسلام. وفي الحديث: بلال سابق الحبشة. وشهد المشاهد كلها مع رسول الله r ولما توفي رسول الله أذن بلال، ولم يؤذن بعد ذلك. وأقام حتى خرجت البعوث إلى الشام، فسار معهم. وتوفي في دمشق.

[15] وقد صاغ بعض الفقهاء ما يعده أهل مذهبه من خصال الكفاءة وما اختلفوا فيه شعراً فقال: نسب دين صنعة حرية فقد العيوب وفي اليسار تردد.

[16] واستدل من ذهب إلى اعتبار المال في الكفاءة بقول الرسول r لفاطمة بنت قيس عندما أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها ]وَأَمَّا ‏مُعَاوِيَةُ ‏ ‏فَصُعْلُوكٌ ‏‏لَا مَالَ لَهُ[. (صحيح مسلم، كتاب الطلاق: الحديث الرقم 2709). ولكن الآخرين لم يروا في الدليل شرطاً وإنما فيه اختيار من النبي r بما يراه أنه أصلح لتلك المرأة التي استشارته.

[17] وعلى قولهما تثبت الكفاءة بين الحرفتين من جنس واحد كالبزاز مع البزاز والحائك مع الحائك، وتثبت عند اختلاف جنس الحرف إذا كان يقارب بعضها بعضاً، كالبزاز مع الصائغ، والصائغ مع العطار، والحائك مع الحجام، ولا تثبث فيما لا مقاربة لأنهما، كالعطار مع البيطار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:09 pm

المبحث الخامس

المحرمات من النساء

حرمت الشريعة الزواج من بعض النساء وهن نوعان: نوع حرم على سبيل التأبيد، لسبب غير قابل للزوال كالأمهات والبنات والأخوات، ونوع حرم على سبيل التأقيت، لسبب قابل للزوال، كأخت الزوجة والمعتدة…الخ، وذلك كالتالي:

أولاً: المحرمات على سبيل التأبيد

وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1. المحرمات على سبيل التأبيد

أ. المحرمات بسبب النسب

يحرم على التأبيد تزوج الرجل بامرأة من ذوات رحم محرم منه، وهن:

(1) الأم والجدات.

(2) البنات والحفيدات وإن نزلن.

(3) الأخوات وبناتهن وإن نزلن.

(4) العمات والخالات.

قال تعالى: ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ[ (سورة النساء: الآية 23).

ويدخل في الأمهات النساء الوالدات وأمهاتهن، وإن علون كأم الأم وجداتها، وأم الأب، وقال العلماء في ضابط هذا النوع من المحرمات: كل امرأة لها عليك ولادة فهي أمك.

والأخوات محرمات سواء كن أخوات شقيقات، أو لأب، أو لأم.

ويحرم كذلك بنات إخوته وأخواته وإن نزلن، سواء أكان الإخوة والأخوات لأب وأم، أو لأب، أو لأم.

والعمات المحرمات أخوات الأب، سواء شقيقات، أو من أبيه، أو من أمه، ويدخل في العمات اللواتي يحرم الزواج منهن، عمات الأب وعمات الأم، وعمات الأجداد والجدات.

والخالات أخوات الأم محرمات سواء كن شقيقاتها، أو من أبيها أو من أمها، ويدخل في الخالات: خالات الأب، وخالات الأم، وخالات الأجداد والجدات.

ب. المحرمات بطريق المصاهرة وهن على أربعه أصناف

(1) زوجات أولاد الرجل وزوجات أحفاده، وإن نزلوا.

(2) أم زوجته وجداتها، وإن علونَ.

(3) زوجات الأب وزوجات أجداده، وإن علوا.

(4) ربائبه أي بنات زوجته وبنات أولاد زوجته، وإن نزلوا[1].

جاء تحريم النساء اللواتي تزوج منهن الآباء في قوله تعالى: ]وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً[ (سورة النساء: الآية 22).

يقول ابن كثير: (حرم الله تعالى زوجات الأب تكرمة لهم، وإعظاما واحتراما أن توطأ من بعده، حتى إنها لتحرم على الابن بمجرد العقد عليها، وهذا أمر مجمع عليه) وهو يؤدي إلى مقت الابن أباه بعد أن يتزوج بامرأته؛ فإن الغالب أن من تزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله.

وقال: (أجمع العلماء على تحريم من وطئها الأب بتزويج أو ملك أو شبهة).

وقوله: إلا ما قد سلف، أي إلا ما سبق قبل أن تنزل هذه الآية، يقول ابن كثير: (كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين).

بنت الزوجة وهي الربيبة، وتشمل كذلك بنت بنتها وإن نزلت، وجمهور العلماء على أن الربيبة تحرم على زوج أمها سواء أكانت في حجره أو لم تكن. وقوله: وقوله: واللاتي في حجوركم خرج مخرج الغالب، فالغالب أن تكون الربيبة في حجر زوج أمها.

وذهب علي بن أبي طالب إلى جواز تزوج الرجل ابنة الزوجة، التي لم تترب في حجره، إذا طلق أمها أو توفيت، وأخذ بهذا القول داود الظاهري، قال ابن كثير في أثر علي بن أبي طالب: هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب على شرط مسلم، وهو قول غريب، وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك، واختاره ابن حزم.

متى تحرم أم الزوجة وابنتها

النص القرآني صريح في أن الربيبة لا تحرم على زوج الأم إلا بعد دخوله بها، فإن لم يدخل بها بأن فارقها قبل الدخول أو توفيت قبله؛ جاز له أن ينكح ابنتها ]مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ[ (سورة النساء: الآية 23).

وهذا الحكم خاص بالربيبة وحدها، أما العقد على البنت فإنه يحرّم الأم دخل بها أو لم يدخل، وقد وضع العلماء ضابطا يقول: العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم البنات. وقد ذكر ابن كثير أن بعض أهل العلم أرجع الضمير في قوله: من نسائكم اللاتي دخلتم بهن إلى الأمهات والربائب وذكر أن هذا القول مروي عن علي وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير ومجاهد وسعيد بن جبير وابن عباس.

والقول بتحريم أم الزوجة بعقد الزواج على بنتها وإن لم يدخل بها، وهو قول ابن مسعود وعمران بن حصين، ومسروق وطاوس، وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وابن سيرين وقتادة والزهري، وهو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، وجمهور الفقهاء قديماً وحديثاً .

2. المحرمات بسبب الرضاع

نص الله في كتابه على حرمة الأمهات والأخوات من الرضاع في قوله تعالى: ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ[ (سورة النساء: الآية 23).

وقد ذهب داود الظاهري إلى أن المحرم من الرضاع مقصور على الأمهات والأخوات؛ لأنه المنصوص عليه في الآية، وعلى هذا فيباح للرجل أن يتزوج من بنات الأم المرضعة وأخواتها وخالاتها…الخ

وذهب أهل العلم غير داود إلى أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، احتجاجاً بما روته عائشة رضي الله عنها، ]عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَ عَمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّهُ عَمُّكِ فَأْذَنِي لَهُ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ قَالَتْ عَائِشَةُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلاَدَةِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4838).

حَدَّثَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: ]قَالَ عَلِيٌّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَجْمَلِ فَتَاةٍ فِي قُرَيْشٍ قَالَ وَمَنْ هِيَ قُلْتُ ابْنَةُ حَمْزَةَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 1042)

وقد حكى ابن قدامة الإجماع على تحريم الأم من الرضاع[2]، وأمهاتها وبناتها وعماتها وخالاتها وفي ذلك يقول: الأمهات والأخوات- أي من الرضاع- منصوص عليهن،

والباقيات يدخلن في عموم لفظ سائر المحرمات، ولا نعلم في هذا خلافاً.

وجمهور أهل العلم على أن زوج تلك المرأة التي ثار حليبها بسببه يعد أباً لذلك الطفل الذي رضع منها.

والدليل حديث عائشة السابق .

فالحديث في غاية الصراحة في الدلالة على أن شقيق زوج المرأة التي أرضعت عائشة عده الرسول r عماَ، ومسألة التحريم بسبب زوج المرأة المرضعة يطلق عليها كثير من الفقهاء: التحريم بسبب لبن الفحل.

وعلى هذا يصير الطفل ولداً للرجل من الرضاعة، وأولاد الرجل إخوته من الرضاعة، سواء كانوا من تلك المرأة أو من غيرها، وأخوة الرجل وأخواته أعمام الرضيع وعماته، وآباؤه وأمهاته أجداده وجداته.

المقدار المحرم من الرضاع:

ذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا حد للمقدار المحرم من الرضاع؛ فلو رضع الطفل مرة واحدة حرمت عليه تلك المرأة، ودليلهم عموم الآية وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم . وعزا ابن كثير، في تفسيره، هذا القول إلى ابن عمر وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري.

]قَال rَ: لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَوْ الرَّضْعَتَانِ أَوْ الْمَصَّةُ أَوْ الْمَصَّتَان[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2631) وفي لفظ حَدَّثَنَا ]عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ r وَهُوَ فِي بَيْتِي فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْتُ عَلَيْهَا أُخْرَى فَزَعَمَتْ امْرَأَتِي الْأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتْ امْرَأَتِي الْحُدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ r لاَ تُحَرِّمُ الإِمْلاَجَةُ وَالإِمْلاجَتَان[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2629)، ودلالة هذه الأحاديث أنه إذا كانت الرضعة والرضعتان ليس فيها تحريم، فهذا يدل على أن الثلاث رضعات تحرم، وعزا ابن كثير هذا القول إلى علي وعائشة وسليمان بن يسار[3] وغيرهم.

وذهب الشافعي إلى أن العدد المحرم خمس رضعات لحديث عائشة ]عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ r وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ[ (صحيح مسلم: الحديث الرقم 2634).

والقول الثالث: هو المرجح، عند أكثر علماء المسلمين؛ فإلاطلاق في قوله تعالى: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم عندهم مقيد بحديث عائشة المصرح بأن المحرم خمس رضعات، ومفهوم المخالفة في الأحاديث التي أخبرت أنه لا يحرم المصة والمصتان والرضعة والرضعتان، لا يقوى على معارضة منطوق الحديث المصرح بأن المحرم خمس رضعات معلومات يحرمن، وهذا القول يتفق في النتيجة مع القول الثاني.

اتفق أهل العلم -كما يقول ابن رشد- على أن الرضاع يحرم في الحولين، واختلفوا في رضاع الكبير، فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وكافة الفقهاء لا يحرم رضاع الكبير، وذهب داود وأهل الظاهر إلى أنه يحرم، وهو مذهب عائشة، وقال بقول الجمهور ابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة وابن عباس وسائر أزواج النبي r.

ثانياً: المحرمات على سبيل التوقيت

1. النساء المتزوجات والمعتدات

ذكر الله هذا النوع من المحرمات في قوله: ]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[ (سورة النساء: الآية 24). قال ابن كثير: (وحرم عليكم الأجنبيات المحصنات، وهن المزوجات إلا ما ملكت أيمانكم، يعنى إلا ما ملكتموهن بالسبي، فإنه يحل لكم وطؤهن إذا ملكتموهن). وجاء تحريم العقد على المرأة المعتدة في قوله تعالى: ]وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ[ (سورة البقرة: الآية 235)، وبلوغ الكتاب أجله: انقضاء العدة، فلو طلقت المتزوجة وانتهت عدتها جاز التزوج بها.

2. الزوجة الخامسة

ويحرم على الرجل مؤقتاً التزوج إذا كان في عصمته أربع نساء، ولا يحل له تزوج أخرى ما لم يطلق واحدة من نسائه، وتخرج من عدتها، وقد اتفق المسلمون على جواز نكاح أربعة من النساء معا، لقوله تعالى: ]فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ[ (سورة النساء: الآية 3). ودلالة هذه الآية على عدم جواز الزيادة عن أربعة- كما يقول ابن كثير- أن المقام مقام امتنان وإباحة، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره. والزيادة على الأربع أباحه الله لرسوله r خاصاً به، وقد تزوج الرسول r إحدى عشرة امرأة، اجتمع عنده في وقت واحد منهن تسع نساء[4].

وفي الحديث عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي[5] أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، ]وحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ حِينَ أَسْلَمَ الثَّقَفِيُّ أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ[ (رواه مالك، الحديث الرقم 1071).

3. أرحام مطلقته المعتدة

لا يجوز للمطلق أن يخطب أخت مطلقته أو عمتها أو خالتها، حتى تخرج عن عدتها.

4. المطلقة ثلاثاً

حتى تنكح زوجاً آخر زواجاً صحيحاً، ثم يطلقها، لقوله تعالى: ]الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[ (سورة البقرة: الآية 229)، ثم قال في الآية التالية لهذه الآية: ]فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ[ (سورة البقرة: الآية 230).

فالمرأتان المذكورتان في الآية هما اللتان يجوز للمطلق أن يراجع فيها زوجته في عدتها من غير عقد ولا مهر، كما يجوز إعادتها بعد خروجها من العدة بعقد جديد، أما الطلقة المنصوص عليها في الآية الثانية فهي الطلقة الثالثة، وهي التي لا يجوز لزوجها إعادتها، لا في عدتها ولا بعد انقضائها، حتى تنكح زوجاً آخر نكاحاً صحيحاً ثم يطلقها بعد ذلك، فيجوز للأول إعادتها.

5. الجمع بين محرمين

من المحرمات مؤقتاً الجمع بين الأختين والجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وقد جاء تحريم الجمع بين الأختين في قوله تعالى: ]وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ[ (سورة النساء: الآية 23)، وقد كان أهل الجاهلية يجمعون بين الأختين، كما كان الرجل يتزوج امرأة أبيه بعد وفاته وكل ذلك جاء القرآن بتحريمه.

وقد وضع بعض الفقهاء لهذا النوع من المحرمات ضابطاً يقول: (يحرم الجمع بين امرأتين بينهما حرمة النسب أو الرضاع، بحيث لو أن واحدة منهما ذكراً لم يجز لها الزواج بالأخرى).

وهذا الضابط يمنع الجمع بين المرأة وعمات آبائها وخالاتهم، وعمات أمهاتها وخالاتهم، وان علت درجتهن من نسب أو رضاع وهذا مجمع عليه بين علماء المسلمين.

وقد حرم الله الجمع بين من حرم الجمع بينهن لأن ذلك يؤدي إلى قطعية الرحم القريبة، لما في الطباع من التنافس والغيرة بين الضرائر.

6. المشركة

إلا الكتابيات كما سبق.

7. الزانية

لا يجوز الزواج من الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها، وقد جاء النص على حرمة التزوج من الزانية في قوله تعالى: ]الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة النور: الآية 3).

وتحريم نكاح الزاني أو الزانية إنما هو في حال تعاطيهما الزنا، فإن تابا وأنابا فإن الحرمة تزول، ولذلك فنكاح الزانية والزاني إثم وفعل محرم على سبيل التأقيت.

8. المحرم بالحج أو العمرة

يحرم على المحرم بالحج والعمرة التزوج في إحرامه، كما يحرم عليه أن يعاشر زوجته، وقال بهذا القول جمهور أهل العلم، وهو قول عمر بن الخطاب وعلي وابن عمر وزيد بن ثابت.

وحجتهم ]أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يَحْضُرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ فَقَالَ أَبَانُ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2522).

ثالثاً: الإشهاد في الزواج

اتفق أهل العلم على بطلان النكاح الذي يتم بغير شهود ولا إعلان.

واتفق أهل العلم على صحة النكاح الذي شهد عليه رجلان فصاعداً، وأُعلن عنه.

واختلف أهل العلم في النكاح الذي شهد عليه الشهود، ولكنهم لم يعلنوه للناس، وتواصوا بكتمانه، كما اختلفوا في النكاح الذي أُعلن، ولم يحضر العقد أحد من الشهود.

ذهب العلماء في هذه المسألة إلى ما يلي:

1. ذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى: إلى أن الإشهاد ليس بشرط، والشرط هو الإعلان عن النكاح.

ويرى أن النكاح الذي يشهد عليه شهود، ويستكتم الشهود، بقصد الستر وعدم الإعلان هو نكاح سر، ويرى أنه يجب التفريق بين الزوجين بتطليقة، ولا يجوز مثل هذا النكاح، بينما يرى صحة النكاح من غير إشهاد على العقد، إذا كان من غير استسرار.

وذهب متأخرو المالكية إلى أن الإشهاد ركن في عقد النكاح، لا يصح النكاح دونه.

ووافقهم أهل المدينة، والليث ابن سعد. ونصر ابن تيمية هذا القول وعزاه إلى مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه.

وقال ابن قدامة: (عند أحمد أنه يصح النكاح بغير شهود وفعله ابن عمر، والحسن بن علي، وابن الزبير، وسالم وحمزة ابنا عبدالله بن عمر، وبه قال عبدالله بن إدريس، وعبدالرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، والعنبري، وأبو ثور وابن المنذر، وهو قول الزهري ومالك إذا أعلنوه).

2. ذهب أبو حنيفة والشافعي والإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه إلى أن الإشهاد شرط لصحة النكاح، وأن إشهاد شاهدين هو الحد الأدنى في الإعلان الواجب في النكاح، وبالإشهاد يظهر الفرق بين النكاح والسفاح[6].

تسجيل عقد الزواج

لم تشترط الشريعة الإسلامية أن يجري عقد الزواج على يد قاضٍ أو عالمٍ، ويستطيع العاقدان إجراء العقد بنفسيهما من غير احتياج إلى وسيط يقوم بإجرائه، ويكفي النطق بالإيجاب والقبول مشافهة بحضور الولي وشاهدين، ولم يكن يطالب المسلمون بتسجيل عقد الزواج، كل ما طلبته الشريعة الإشهاد عليه، واستحبت إعلانه وإشهاره.

ابتدأت كتابة العقود عندما بدأ المسلمون يؤخرون المهر أو شيئاً منه، وأصبحت هذه الوثائق التي يدون فيها مؤخر الصداق أحياناً وثيقة لإثبات الزواج، يقول ابن تيمية: (لم يكن الصحابة يكتبون الصداقات)؛ لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر، بل يعجلون المهر، وإن أخروه فهو معروف، فلما صار الناس يزوجون على المؤخر، والمدة تطول ويُنْسَى، صاروا يكتبون المؤخر، وصار ذلك حجة في إثبات الصداق وفي أنها زوجة له.

وقد نشأ عن عدم تسجيل عقود الزواج مشكلات كثيرة لا يخلو كتاب من كتب الفقه من الإشارة إليها والحديث عنها.

رابعاً: المهر

1. تعريف المهر

المهر اسم للمال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطء، وقد سماه الله في كتابه: صداقاً، وأجراً وفريضة.

2. حكم المهر

واجب بدلالة الأمر في قوله تعالى: ]فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً[ (سورة النساء: الآية 24). ]وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً[ (سورة النساء: الآية 4)، والنحلة ما يوهب بطيب نفس من الواهب. فقد أمر الله بإيتاء الزوجات أجورهن، والأجور المهور، والأمر للوجوب ما لم يصرفه عنه صارف، ويدل على الوجوب قوله في النص السابق: (فريضة) وما جعله كذلك إلا للزومه، وعدم جواز إبطاله وإهداره[7].

3. الشروط التي يجب توافرها في المهر

يشترط العلماء في ما قاله ابن قدامة: كل ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون صداقاً من قليل وكثير.

ولا يجوز أن يكون ثمناً في البيع ما لا يصح في المبيع كالمحرم والمعدوم والمجهول، ولا منفعة فيه، وما لا يقدر على تسليمه، كالطير في الهواء، والسمك في الماء، وما لا يتمول عادة، أي ما ليس له قيمة كحبة حنطة، وقشرة جوزة.

ويجوز أن يكون المهر جهداً، أو عملاً، أو إجارة.

فقد زوج شعيب u إحدى ابنتيه من نبي الله موسى u، وجعل مهرها أن يعمل عنده ثماني سنوات ]قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ[ (سورة القصص: الآية 27).

كما يجوز أن يكون المهر تعليم شيء من القرآن لما روي في الحديث المتفق عليه أن الرسول r زوج رجلا من الواهبة نفسها بما معه من القرآن.

4. أكثر المهر وأقله

دل قوله تعالى: ]وآتيتم إحداهن قنطارا[ (سورة النساء: الآية 20)، على أنه لا حد لأكثر المهر، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، لا خلاف بينهم فيه.

أما أقل المهر فإنه موضع خلاف بين الفقهاء، فمنهم من قال إنه غير مقدر بمقدار معلوم[8].

وقد استدلوا بالحديث المتفق عليه ]أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَأَجَازَه[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1031).

واستدلوا بدخول الكثير والقليل في المال المنصوص عليه في قوله تعالى: ]وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ[ (سورة النساء: الآية 24)، وذكر ابن قدامة آثاراً عن الصحابة فمن بعدهم أنهم كانوا يزوجون في القليل والكثير، فقد كانوا ينكحون على القبضة من الطعام، على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين.

ذهب جمع من أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والنخعي وابن شبرمة وسعيد بن جبير إلى وجوب تحديد حد لأقل المهر لا يجوز أن يقل عنه إلا أنهم اختلفوا في تحديد أقل المهر، فالحنفية قالوا: هو عشرة دراهم، أو ما قيمته عشر دراهم، وقال مالك: ربع دينار أو ثلاثة دراهم، وقال آخرون غير ذلك.

والمنهج الوسط الذي أرشد إليه الرسول r هو عدم التقليل من المهر، وترك المغالاة فيه، فلا إفراط ولا تفريط، ويخطىء بعض المسلمين إذ يظن أن من السنة ترك المهر أو تقليله بحيث يكون خاتما من حديد، ويخطىء الذين يغالون في المهور بحيث يرهق كاهل الزوج، ويحمله الأعباء، وقد قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ]لاَ تُغَالُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ كَانَ أَوْلاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ r مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلاَ أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ أَوْ عَرَقَ الْقِرْبَةِ وَكُنْتُ رَجُلًا عَرَبِيًّا مَوْلِدًا مَا أَدْرِي مَا عَلَقُ الْقِرْبَةِ أَوْ عَرَقُ الْقِرْبَةِ[ (سنن ابن ماجة، الحديث الرقم 1877).

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: ]سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ r كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَتْ كَانَ صَدَاقُهُ لأزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا قَالَتْ أَتَدْرِي مَا النَّشُّ قَالَ قُلْتُ لاَ قَالَتْ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَتِلْكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ r لأَزْوَاجِه[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 2555).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ]لما تزوج علي فاطمة رضي الله عنها، قال رسول الله r: أعطها شيئاً، قال: ما عندي شيء قال: فأين درعك الخطيمة[ (سنن أبي دواد، الحديث الرقم 1815) وعن سهل بن سعد الساعدي: ]أَتَتْ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏امْرَأَةٌ ‏ ‏فَقَالَتْ إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ زَوِّجْنِيهَا قَالَ أَعْطِهَا ثَوْبًا قَالَ لَا أَجِدُ قَالَ أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَاعْتَلَّ لَهُ فَقَالَ مَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4641).

وقال أبو حدرد: ]تزوجت امرأة من قومي فأصدقتها مائتي درهم قال: فأتيت رسول الله r استعينه على نكاحي فقال: كم أصدقت؟ قلت: مائتي درهم، فقال: سبحان الله! والله لو كنتم تأخذونها من واد ما زدتم! والله ما عندي ما أعينك به، فلبثت أياما .. وبلغ رسول الله r أن قوما في (الغابة) من جشم يعدون العدة لغزو المسلمين، فجهزني رسول الله r فتوجهت إلى الغابة وغنمنا خيراً كثيراً، ولما عدت أعطاني رسول الله ثلاثة عشر بعيراً، قال: فعدت إلى أهلي فجمعتهم إليّ[. والتغالي في المهور يعد مشكلة مادية تواجه كل من تحدثه نفسه بالإقدام على الزواج.

يحدثنا التاريخ أن المهر الذي جعل وسيلة لهدف سام شريف كان في أطواره يتسم بالبساطة واليسر ويكون من نوع الموجود في كل زمان وبيئة.

فالأعرابي يمهر زوجته جملاً أو بعض شويهات، والفلاح يمهرها نخلاً أو أرضاً، والتاجر يمهرها بعض النقود أو بعض الأطعمة والملابس، والصانع يمهرها شيئاً من إنتاجه، والعالم والمتعلم يمهرها من علمه إذا لم يجد غيره. وهكذا. لم يحتم الله علينا أمراً معيناً، ولم يعقد الحياة على خلقه، ولكنهم هم أنفسهم يسعون لتعقيد حياتهم وربطها بتقاليد تبعد كثيراً عن أهداف الزواج ومراميه السامية.

5. نتائج التغالي في المهور

إن كلامنا يعلم علم اليقين ما يترتب على التمادي في المغالاة في المهور، واستمرار زيادة النفقات، وتجدد الطلبات، وترك الحبل على الغارب للعابثين ومن لا يهمهم أمر المسلمين.

ولعل أهم نتائج التغالي في المهور ما يلي:

أ. بقاء الرجال أيامى، وبقاء البنات عوانس، وهذا معناه تعطيل الزواج، وإيقاف سنة الله في الحياة.

ب. حصول الفساد الأخلاقي في الجنسين عندما ييأسون من الزواج إذ يبحثون عن بديل لذلك.

ج. كثرة المشكلات الاجتماعية بسبب عدم جريان الأمور بطبيعتها، ووضع الشيء في غير موضعه.

د. حدوث الأمراض النفسية في صدور الشباب من الجنسين بسبب الكبت وارتطام أفكارهم بخيبة الأمل.

هـ. خروج الأولاد عن طاعة آبائهم وأمهاتهم، وتمردهم على العادات والتقاليد الكريمة الموروثة.

وبعد هذا، فإن التغالي في المهور ليس من صالح أحد مطلقاً ولقد ضاق الناس به ذرعاً وبرموا من هذه العادة السيئة، سواء منهم أولياء الذكور أو أولياء الإناث. بل إن البنات أنفسهن يكرهن التغالي في المهور لما يعلمنه من وقوفه حجر عثرة دون زواجهن، وتحقق أملهن، وهن اللاتي يصطلين بنار الوحدة والحرمان، ولكنهن لا يفصحن عما في أنفسهن بل يمنعهن الحياء.

ويقسم المهر إلى أنواع باعتبارات مختلفة، فيكون أحياناً محدداً في حال الاتفاق على مقداره، فيجب فيه ـ في هذه الحالة ـ المقدار المتفق عليه، وقد لا يكون محدداً فيجب فيه مهر المثل، ويقسم باعتبار آخر إلى معجل ومؤجل، ويقسم باعتبار ثالث إلى ما يجب أداؤه كله أو نصفه أو مقدار غير محدد يزيد وينقص بحسب حال الزوج، وهو الذي يسمى بالمتعة.

6. المهر المسمى ومهر المثل

يجب إمضاء المهر الذي اتفق العاقدان عند العقد على تسميته كثيراً كان أو قليلاً، والعلماء يستحبون تسميته، اقتداء برسول الله r، ودفعاً للخصومة[9].

7. تعجيل المهر وتأجيله

يجوز تعجيل المهر وتأجيله، كما يصح تعجيل بعضه وتأجيل بعضه، ويصح كذلك أن يكون منجماً على أقساط، كيف اتفق الزوجان فلا حرج عليهما، فإن حددا المهر، ولم يذكرا آجلاً فهو معجل. والسر في التعجيل والتأجيل أنه حق مالي كالدين.

وممن أجاز التأجيل ابن تيمية، ولكنه فضل التعجيل أتباعا لهدي السلف في ذلك.  فإن نص في المهر على التأجيل ولم يحدد له أجل، فذهب الإمام أحمد والشعبي والنخعي إلى أن الزوجة تستحقه بالفرقة أو الموت، وذهب الحسن وأبو حنيفة والثوري إلى أن الأجل يبطل، وذهب الشافعي إلى أن المهر يفسد في مثل هذه الحال؛ لأنه عوض مجهول المحل، ففسد كالثمن في البيع.

8. استحقاق الزوجة كامل المهر

تستحق الزوجة كامل المهر في حالتين:

الأولى: إذا طلقها زوجها بعد دخوله وخلوته بها، لقوله تعالى: ]وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً وإثماً مبيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا[ (سورة النساء: الآيتان 20، 21).

فقد نهت الآية الزوج عن أخذ شيء مما أعطاه لزوجته إذا طلقها مهما كان الذي أعطاها إياه عظيماً، وأخذ شيء منه يعتبر من البهتان، والبهتان أعظم الكذب والإثم المبين[10].

الثانية: إذا توفى أحد الزوجين قبل الدخول: ففي هذه الحالة تستحق الزوجة كامل المهر إذا كان المهر قد سمي، ولها مهر مثلها إن لم يكن قد سمي.

9. سقوط المهر كله

يسقط المهر كله إذا جاءت الفرقة من قبل الزوجة، يقول ابن قدامة: "كل فُرقة جاءت من قبلها، قبل الدخول، كإسلامها وردتها وإرضاعها ينفسخ به نكاحها، وفسخها لعيبه أو إعساره، أو فسخه لعيبها يسقط به مهرها ومتعتها".

الحالات التي يلزم فيها مهر المثل:

أ. حالة عدم تسمية المهر

تسمية المهر في العقد مجمع عليه بين أهل العلم، يقول ابن تيمية: (أجمع العلماء على جواز عقد النكاح دون مهر، وتستحق المثل إذا دخل بها بإجماعهم، وتستحقه كذلك إذا توفي عنها، وهذا ما ذهب إليه فقهاء الحديث وأهل الكوفة، وهو أحد قولي الشافعي)[11].

ب. إذا كان المهر المسمى فاسداً

ويجب مهر المثل في ما إذا كان المهر المسمى فاسداً، كأن يكون خمراً أو خنزيراً أو غير مملوك، كالسمك في الماء والطير في الهواء؛ لأن هذا المهر وجوده كعدمه شرعاً.

وهذا مذهب جمهور العلماء، ومنهم الحنفية والحنابلة والشافعية، وذهب مالك في رواية إلى فساد العقد ووجوب فسخه مطلقا، سواء أكان قبل الدخول أو بعده.

ج. إذا كان العقد فاسداً

إذا وقعت الفرقة قبل الدخول في العقد الفاسد فلا يلزم المهر أبداً. أما إذا وقعت بعد الدخول فله حالتان:

الأولى: أن يكون المهر قد سمي، فهنا يجب على الزوج الأقل من المهر المسمى ومهر المثل، وهذا ما ذهب إليه الحنفية، والذي نص عليه عبد الله بن مسعود أن الواجب في النكاح الفاسد مهر المثل فحسب.

الثانية: أن لا يكون المهر قد سمي، أو كان قد سمي، ولكن التسمية فاسدة فإن الواجب في هذه الحالة مهر المثل. وهو مذهب الشافعية والحنابلة وزفر من الحنفية.

10. اختلاف الزوجين في تسمية المهر ومقداره

إذا اختلف الزوجان في تسمية المهر؛ فإما أن يختلفا في أصل التسمية بأن يدعي أحدهما أن المهر قد سمي وينكر الأخر، واما أن يختلفا في مقدار التسمية. فإن اختلفا في أصل التسمية ووجدت بينة، فيجب العمل بمقتضاها.

أما إذا اختلفا في قدر الصداق، فقال أحدهما: ألف، وقال الآخر ألفان، فمذهب أبي حنيفة ومحمد أنه يحكم لها بمهر المثل، وهذا هو المذهب عند الشافعية، بعد أن يتحالفا، لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه. ويرى الحنابلة أن القول قول من يدعي مهر المثل، فإن ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر فالقول قوله، وإن ادعت الزوجة مهر المثل، أو أقل فالقول قولها. وذهب أبو يوسف وابن أبي ليلى أن القول قول الزوج بيمينه إلا أن يأتي بشيء مستنكر جداً، وهو قول لأحمد أخذ به كثير من الحنابلة.

11. حكم الحباء في الزواج

الحباء أن يشترط أحد أقارب الزوجة على الزوج مبلغاً من المال لنفسه، وهذا محل خلاف بين أهل العلم، فالمذهب عند الشافعية أن المهر يفسد، فتستحق مهر المثل، لا فرق في ذلك بين أن يكون اشتراط الحباء للأب أو غيره، ومن الشافعية من أجاز الحباء للأب دون غيره من الأقارب، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

12. الزيادة في المهر والحط منه

تجوز الزيادة في المهر إذا تراضيا به، والحط عنه إذا رضيت الزوجة به، لقوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ؛ لأن الرجل من حقه أن يهب غيره ما شاء من ماله، كما أن للمرأة أن تبرئ زوجها أو غيره مما لها عليه من دين، كل ما يشترطه أهل العلم أن يكون الواهب أو المبرئ بالغاً عاقلاً راشداً، أي له أهلية التصرف في لحوق الزيادة أو النقصان بأصل العقد.

13. الذي له الحق في قبض المهر

مذهب الحنفية أن الزوج تبرأ ذمته بتسليم المهر للمرأة، أو وليها إذا كان أباً أو جداً. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الزوج لا يجوز له دفع المهر لغير الزوجة أو وكيلها أو من أذنت له بدفعه إليهم، لا فرق في ذلك بين أبيها وغيره؛ لأنه خالص حقها، فإن دفعه إلى أحد أوليائها، فإن لها مطالبة الزوج بالمهر.

[1] ويُشترط في هذا الصنف الدخول بالزوجات.

[2] والأم من الرضاعة: المرأة التي أرضعتك وأمها وجداتها وان علت درجتها، والأخت من الرضاعة: كل امرأة أرضعتك أمها، أو أرضعتها أمك، أو أرضعتك إياها امرأة واحدة، أو أرضعتك وإياها من لبن رجل واحد.

[3] سُلَيْمان بن يَسَار (34 ـ 107هـ = 654 ـ 725م)، أبو أيوب: مولى ميمونة أم المؤمنين: أحد الفقهاء السبع بالمدينة (انظر ترجمة أبي بكر بن عبد الرحمن)، كان سعيد بن المسيب إذا أتاه مستفت يقول له: اذهب إلى سليمان فإنه أعلم من بقي اليوم. ولد في خلافة عثمان. وكان أبوه فارسياً. قال ابن سعد في ترجمته: ثقة عالم فقيه كثير الحديث.

[4] يقول ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أنه ليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات، ولا نعلم أحدا خالفه إلا شيئاً حكي عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعاً).

[5] غَيلان بن سَلَمة (000 ـ 23 هـ = 000 ـ 644 م)، حكيم شاعر جاهلي. أدرك الإسلام وأسلم يوم الطائف وعنده عشر نسوة، فأمره النبيّ r فاختار أربعاً، فصارت سنة. وكان أحد وجوه ثقيف. وهو ممن وفد على كسرى وأعجب كسرى بكلامه.

[6] قال الكاساني: (قال عامة العلماء إن الشهادة شرط جواز النكاح). وقال النووي حاكياً مذهب الشافعية: (لركن الثالث: الشهادة، فلا ينعقد النكاح إلا بحضرة رجلين). وقال ابن قدامة: (لا ينعقد النكاح إلا بشاهدين، هذا هو المشهور عن أحمد، وروي ذلك عن عمر وعلي، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وجابر بن زيد، والحسن والنخعي وقتادة والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي).

[7] وقد قرر الفقهاء في مدوناتهم وجوب المهر على اختلاف مذاهبهم؛ لأن النصوص الآمرة به قطعية الثبوت قطعية الدلالة. ونقل ابن عبد البر إجماع أهل العلم على وجوبه، وفي ذلك يقول: (أجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز له وطء في نكاح بغير صداق مسمى ديناً أو نقداً). وما يذكر من خلاف بين الحنفية الشافعية في من تزوج بغير مهر لا يخرم الإجماع، فالحنفية يوجبون مهر المثل بالعقد نفسه في حال عدم تسميته عند العقد، والشافعية يوجبونه بالدخول أو فرض الحاكم له، فالكل متفق على وجوبه وعدم سقوطه.

[8] وهذا مذهب الشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي والليث بن سعد.

[9] واذا تم العقد من غير تسمية المهر، وجب مهر المثل، والمراد بمهر المثل كما يقول النووي: (القدر الذي يرغب به في أمثالها)، والمرأة التي يعتبر فيها المماثلة ما كانت من جهة أبيها، كأخواتها وعماتها، ومعنى ذلك أنه لا ينظر إلى مثيلاتها من قبل أمها، فإن الأم قد تكون من أسرة أخرى لها أعراف تخالف أعراف أسرة أبيها. فإذا لم يوجد لها أمثال من قبل أبيها، فمن مثيلاتها وأقرانها من أهل بلدتها.

[10] اختلف أهل العلم في الخلوة التي يقع فيها وطء، فذهب جمع من أهل العلم منهم الحنفية والحنابلة إلى ثبوت كامل المهر بالخلوة، وقال مالك والشافعي، في الجديد، وداود لا يستقر المهر بالخلوة فحسب، بل لا بد من الوطء. واشترط الحنفية في الخلوة التي تستحق بها الزوجة جميع المهر أن تكون خلوة حقيقية أو صحيحة، لا يمنع فيها مانع من الوطء طبعا أو شرعاً.

[11] ووجب مهر المثل في حالة اشتراط سقوط المهر هو مذهب أبي حنيفة فعي ورواية عن أحمد، فهم يرون بطلان هذا الشرط ووجوب مهر المثل. وذهب الإمام مالك وأحمد في رواية أخرى إلى أن هذا الشرط يبطل العقد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:10 pm

المبحث السادس

الحقوق الزوجية

إذا وقع العقد صحيحاً نافذاً ترتبت عليه آثاره، ووجبت بمقتضاه الحقوق الزوجية. وهذه الحقوق ثلاثة أقسام، حقوق مشتركة بينهما، وحقوق واجبة للزوجة على زوجها، وحقوق واجبة للزوج على زوجته.

وقيام كل من الزوجين بواجبه، والاضطلاع بمسؤولياته يوفر أسباب الاطمئنان والهدوء النفسي، تتم السعادة الزوجية.

أولاً: الحقوق المشتركة بين الزوجين

1. حق العشرة الزوجية واستمتاع كل من الزوجين بالآخر

فيحل للزوج من زوجته ما يحل لها منه من الاستمتاع، ولا يحصل إلا بمشاركتهما معاً، لأنه لا يمكن أن ينفرد به أحدهما.

2. حرمة المصاهرة

تحرم الزوجة على آباء الزوج، وأجداده، وأبنائه، وفروع أبنائه وبناته. كما يحرم هو على أمهاتها، وبناتها، وفروع أبنائها وبناها.

3. ثبوت التوارث بينهما بمجرد إتمام العقد. فإذا مات أحدهما بعد إتمام العقد ورثه الآخر ولو لم يتم الدخول.

4. ثبوت نسب الولد من الزوج.

5. المعاشرة بالمعروف: قال الله تعالى: ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[ (سورة النساء: الآية 19).

ثانياً: الحقوق الواجبة للزوجة على زوجها

حقوق مالية، وحقوق غير مالية.

1. الحقوق المالية

أ. المهر

من حسن رعاية الإسلام للمرأة واحترامه لها، أن أعطاها حقها في التملك، وفرض لها المهر، وجعله حقاً على الرجل لها وليس لأبيها، ولا لأقرب الناس إليها أن يأخذ شيئاً منه، إلا في حال الرضا والاختيار، قال الله تعالى: ]وَءاتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا[ (سورة النساء: الآية 4).

والمعنى: وآتوا النساء مهورهن عطاءً لا يقابله عوض. فإن أعْطين شيئاً من المهر بعدما ملكنه من غير إكراه ولا حياء ولا خديعة - فخذوه سائغاً، لا إثم معه.

فإذا أعطت الزوجة شيئاً من مالها حياءً، أو خوفاً، أو خديعةً. فلا يحل أخذه[1].

ب. النفقة

المقصود بالنفقة هنا: توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام، ومسكن وخدمة، ودواء وإن كانت غنية. وهي واجبة بالكتاب، والسنة، والإجماع.

(1) أما وجوبها بالكتاب

فلقول الله تعالى: ]لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا[ (سورة الطلاق: الآية 7).وقوله تعالى: ]أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[ (سورة الطلاق: الآية 6).

(2) وأما وجوبها بالسنة

فقد روي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قال في حجة الوداع: ]فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2137).

وروي عَنْ عَائِشَةَ ]أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ فَقَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4945).

حَدَّثَنَا عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ]قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلاَ تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَ فِي الْبَيْتِ[ قَالَ أَبُو دَاوُد وَلاَ تُقَبِّحْ أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1830).

وأما الإجماع: قال ابن قدامة: اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الأزواج على زوجاتهم، إلا الناشز منهن. ذكره ابن المنذر وغيره: وعلة ذلك أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والإكتساب. فلا بد من أن ينفق عليها .

(1) سبب وجوب النفقة

أوجب الشارع النفقة على الزوج لزوجته، لأن الزوجة بمقتضى عقد الزواج الصحيح تصبح مقصورة على زوجها، ومحبوسه لحقه؛ لاستدامة الاستمتاع بها، ويجب عليها طاعته، والقرار في بيته، وتدبير منزله، وحضانة الأطفال وتربية الأولاد، وعليه نظير ذلك أن يقوم بكفايتها والإنفاق عليها، مادامت الزوجية بينهما قائمة، ولم يوجد نشوز، أو سبب يمنع من النفقة عملاً بالأصل العام: كل من احتبس لحق غيره ومنفعته، فنفقته على من احتبس لأجله.

(2) شروط استحقاق النفقة

ويشترط لاستحقاق النفقة الشروط الآتية:

(أ) أن يكون عقد الزواج صحيحاً.

(ب) أن تسلم نفسها إلى زوجها.

(ج) أن تمكنه من الاستمتاع بها.

(د) ألا تمتنع من الانتقال حيث يريد الزوج.

(هـ) أن يكون من أهل الاستمتاع. فإذا لم يتوفر شروط من هذه الشروط، فإن النفقة لا تجب.

لأن العقد إذا كان فاسداً، فإنه يجب على الزوجين المفارقة دفعاً للفساد.

قال ابن حزم: "وينفق الرجل على امرأته من حين يعقد نكاحها، ولو أنها في المهد، ناشزاً كانت أو غير ناشز. غنية كانت أو فقيرة. ذات أب كانت أو يتيمة. بكراً كانت أو ثيباً. حرة كانت أو أمة على قدر حاله".

ولا تجب النفقة إذا انتقلت الزوجة من منزل الزوجية إلى منزل آخر بغير إذن الزوج دون وجه شرعي، أو سافرت بغير إذنه، أو أحرمت بالحج بغير إذنه. فإن سافرت بإذنه، أو أحرمت بإذنه، أو خرج معها لم تسقط النفقة، لأنها لم تخرج عن طاعته وقبضته. وكذلك لا تجب لها النفقة إذا منعته من الدخول عليها في بيتها المقيم معها فيه.

ففي كل هذه الصور وأمثالها لا تستحق الزوجة النفقة، لأنها فوتت حق الزوج في الاستمتاع بها بغير وجه شرعي. فلو كان تفويتها حقه لوجه شرعي لم يسقط النفقة[2].

(3) تقدير النفقة وأساسه

إذا كانت الزوجة مقيمة مع زوجها، وكان هو قائماً بالنفقة عليها، ومتولياً إحضار ما فيه كفايتها، من طعام، وكسوة، وغيرها فليس للزوجة أن تطلب فرض نفقة، حيث أن الزوج قائم بالواجب عليه.

فإذا كان الزوج بخيلاً لا يقوم بكفاية زوجته، أو تركها بلا نفقة، بغير حق- فلها أن تطلب فرض  نفقة لها من الطعام، والكسوة، والمسكن، وللقاضي أن يقضي لها بالنفقة، ويلزم الزوج بها متى ثبت لديه صحة دعواها.

كما أن لها الحق أن تأخذ من ماله ما يكفيها بالمعروف، وإن لم يعلم الزوج، إذ أنه منع الواجب عليه وهي مستحقة له، وللمستحق أن يأخذ حقه بيده متى قدر عليه.

والدليل ما روي عن ]عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَقَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ[ (رواه البخاري، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه: الحديث الرقم 4945).

والكفاية بالنسبة للطعام مثلاً تعم جميع ما تحتاج إليه الزوجة، فيدخل فيه الفاكهة، وما هو معتاد من التوسعة في الأعياد، وسائر الأشياء التي كانت قد صارت بالاستمرار عليها مألوفة، بحيث يحصل التضرر بمفارقتها، أو التضجر، أو التكدر. ويدخل فيه الأدوية ونحوها[3]. ومما يجب لها من النفقة ما تحتاج إليه من المشط والصابون والدهن وسائر ما تنظف به.

(4) تقدير النفقة عيناً أو نقداً

يصح أن يكون ما يفرض من النفقة من الخبز، والإدام والكسوة، أصنافاً معينة، كما يصح أن تفرض قيمتها نقداً لتشتري به ما تحتاج إليه. ويصح أن تفرض النفقة سنوية، أو شهرية، أو أسبوعية، أو يومية، حسب ما هو ميسور للزوج[4].

(5) الخطأ في تقدير النفقة

إذا ظهر، بعد تقدير النفقة، أن التقدير كان خطأً لا يكفي الزوجة، حسب حالة الزوج من العسر أو اليسر، كان من حق الزوجة المطالبة بإعادة النظر في التقدير، وعلى القاضي أن يقدر لها ما يكفيها لطعامها، وكسوتها، مع ملاحظة حالة الزوج.

(6) الإبراء من دين النفقة والمقاصة به

وإذا كانت النفقة التي تستحقها الزوجة على زوجها تعد ديناً في ذمته، من الوقت الذي امتنع فيه عن أدائها، بغير حق شرعي؛ فإنه يصح للزوجة أن تبرئه من هذا الدين، كله أو بعضه.

2. حقوق غير مالية

أ. حسن معاشرتها

يجب على الزوج إكرام زوجته، وحسن معاشرتها، ومعاملتها بالمعروف، وتقديم ما يمكنه تقديمه إليها، مما يؤلف قلبها، فضلاً عن تحمل ما يصدر منها أو الصبر عليه. يقول الله سبحانه: ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[ (سورة النساء: الآية 19).

وإكرام المرأة دليل الشخصية الكريمة، وإهانتها علامة على الشخصية اللئيمة الخسيسة. ومن مظاهر اكتمال الخلق، ونمو الإيمان أن يكون المرء رقيقاً مع أهله، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1082).

ومن إكرامها التلطف معها ومداعبتها. واللين معها، والرفق بها، واحتمال الأذى منها،وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وهذا أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وقد كان الرسول r يتلطف مع نسائه، ومنهنَّ أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ ]قَالَتْ سَابَقَنِي النَّبِيُّ r فَسَبَقْتُهُ فَلَبِثْنَا حَتَّى إِذَا رَهِقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِهِ بِتِيكِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 22989). عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الأَزْرَقِ قَالَ: ]كَانَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ يَخْرُجُ فَيَرْمِي كُلَّ يَوْمٍ وَكَانَ يَسْتَتْبِعُهُ فَكَأَنَّهُ كَادَ أَنْ يَمَلَّ فَقَالَ أَلا أُخْبِرُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ بَلَى قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ صَاحِبَهُ الَّذِي يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالَّذِي يُجَهِّزُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِي يَرْمِي بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ ارْمُوا وَارْكَبُوا وَإِنْ تَرْمُوا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلا ثَلاثًا رَمْيَهُ عَنْ قَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلاعَبَتَهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَق[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 16699).

ومن إكرامها أن يتجنب أذاها، حتى ولو بالكلمة النابية. فعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ]قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلاَ تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَ فِي الْبَيْت[ِ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1830). والمرأة لا يتصور فيها الكمال، وعلى الإنسان أن يتقبلها على ما هي عليه. حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاء[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3084)[5].

ب. صيانتها

ويجب على الزوج أن يصون زوجته، ويحفظها من كل ما يخدش شرفها، ويثلم عرضها، ويمتهن كرامتها، ويعرض سمعتها لمقالة السوء، وهذا من الغيرة التي يحبها الله.

حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 4959).

وروي أيضاً أن سعد بن عبادة قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسـيف غير مصفح. حَدَّثَنَا عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: ]لَوْ رَأَيْتُ رَجُلا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ وَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6866).

وكما يجب على الرجل أن يغار على زوجته، فإنه يطلب منه أن يعتدل في هذه الغيرة، فلا يبالغ في إساءة الظن بها، ولا يسرف في تقصي كل حركاتها وسكناتها ولا يحصى جميع عيوبها، فإن ذلك يفسد العلاقة الزوجية، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل. عَنْ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ الْخُيَلاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ وَالاخْتِيَالُ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ وَالاخْتِيَالُ الَّذِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخُيَلاءُ فِي الْبَاطِل[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 2511).

ج. تعليمها ما تحتاجه من أمور الدين لأنه راعٍ ومسؤول عن رعيته، فيعلمها الواجب من الطهارة، والوضوء وأحكام الحيض والنفاس وأمور الصلاة، والصيام، وواجباتها نحو جيرانها وأقاربها. إلى آخر ما يلزمها شرعاً. فإن لم يستطع فعليه أن يسأل العلماء ويبلغها. فإن لم يفعل وجب عليه أن يأذن لها لتخرج وتتعلم.

د. إتيان الرجل زوجته

مثلما يجب على المرأة أن تمكن زوجها من نفسها فإنه يفرض على الرجل أن يجامع امرأته، التي هي زوجته، وأدنى ذلك -كما يقول ابن حزم- مرة في كل طهر، إن قدر على ذلك، وإلا فهو عاص لله تعالى. برهان ذلك قول الله عز وجل: ]فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ[ (سورة البقرة: الآية 222) وذهب جمهور العلماء إلى ما ذهب إليه ابن حزم من الوجوب على الرجل إذا لم يكن له عذر.

وإذا سافر عن امرأته، فإن لم يكن له عذر مانع من الرجوع، فإن أحمد ذهب إلى توقيته بستة أشهر. وسئل: أيغيب الرجل عن زوجته؟ قال: ستة أشهر يكتب إليه، فإن أبي أن يرجع فرق الحاكم بينهما. وحجته ما رواه أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم قال: بينما عمر بن الخطاب t يحرس المدينة، فمر بامرأة في بيتها وهي تقول:

تطاول هذا الليل وأسود جانبه                         وطال عليّ أن لا خليلٌ ألاعبه

والله لولا خشية الله وحــده                         لحرك من هذا السرير جوانبه

ولكن ربي والحيـاء يكفنـي                         وأُكـرم بعلي أن توطأ مراكبه

فسأل عنها عمر، فقيل له: هذه فلانة، وزوجها غائب في سبيل الله، فبعث إلى زوجها، فأقفله ثم دخل على حفصة، فقال: يا بنية. كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله. مثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك.

قالت: خمسة أشهر. ستة أشهر. فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر.. يسيرون شهراً ويقيمون أربعة أشهر ويسيرون راجعين شهراً.

وقال الغزالي من الشافعية: وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة، فهو أعدل، لأن عدد النساء أربعة، فجاز التأخير إلى هذا الحد.. نعم ينبغي أن يزيد، أو ينقص حسب حاجتها في التحصين، فإن تحصينها واجب عليه. وعن محمد بن معن الغفاري قال: "أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب t فقالت: يا أمير المؤمنين: إن زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله عز وجل فقال لها: نعم الزوج زوجك، فجعلت تكرر هذا القول ويكرر عليها الجواب.. فقال له كعب الأسدي: يا أمير المؤمنين هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه، فقال عمر: كما فهمت كلامها فاقض بينهما. فقال كعب: علي بزوجها فأتي به، فقال له: إن امرأتك هذه تشكوك. قال: أفي طعام، أو شراب؟ قال: لا، فقالت المرأة:

يا أيها القاضي الحكيم رشده                          ألهي خليلي عن فراشي مسجده

زهده في مضجعي تعبــده                          فاقض القضاء، كعب، ولا تـرده

نهاره وليله ما يـرقـــده                          فلست في أمر النساء أحمــده

فقال زوجها:

زهدنى في النساء وفي الحجــل                    أني امرؤ أذهلني ما نزل

في سورة النحل وفي السبع الطول                    وفي كتاب الله تخويف جلل

فقال كعب :

إن لها عليك حقاً يا رجل                             نصيبها في أربع لمن عقل

    فأعطها ذاك ودع عنك العلل

ثم قال: إن الله عز وجل قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع، فلك ثلاث أيام ولياليهن تعبد فيهن ربك، فقال عمر: والله ما ادري من أي أمريك أعجب. أمن فهمك أمرها، أم من حكمك بينهما؟ اذهب فقد وليتك قضاء البصرة.

وقد ثبت في السنة أن جماع الرجل وزوجته من الصدقات التي يثيب الله عليها. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ r وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ r: ]يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ قَالَ أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1674).

وتستحب المداعبة، والملاعبة، والملاطفة، والتقبيل قبل الجماع، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ]غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ فَتَلاحَقَ بِيَ النَّبِيُّ r وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلا يَكَادُ يَسِيرُ فَقَالَ لِي مَا لِبَعِيرِكَ قَالَ قُلْتُ عَيِيَ قَالَ فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ r فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيْ الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ فَقَالَ لِي كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ قَالَ قُلْتُ بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ قَالَ أَفَتَبِيعُنِيهِ قَالَ فَاسْتَحْيَيْتُ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَبِعْنِيهِ فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنْ الْبَعِيرِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ فَلامَنِي قَالَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا فَقُلْتُ تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا فَقَالَ هَلا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2745).

هـ. تزين الرجل لزوجته

من المستحب أن يتزين الرجل لزوجته، قال يحيى بن عبدالرحمن الحنظلي: أتيت محمد بن الحنفية فخرج إليّ في ملحفة حمراء، ولحيته تقطر من الطيب، فقلت: ما هذا؟ قال: إن هذه الملحفة ألقتها عليّ امرأتي ودهنتني بالطيب، وإنهن يشتهين منا مانشتهيه منهن وقال ابن عباس رضي الله عنهما إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها، فتستوجب حقها الذي لها علي لأن الله تعالى قال: ]وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ[ (سورة البقرة: الآية 228).

ومن ثم قال العلماء: يستحب للرجل أن يهتم بزينة نفسه مع زوجته كما عليها أن تكون كذلك معه، فينظف نفسه، ويزيل عرقه، ويغير الرائحة الكريهة من جسمه وفمه، وتحت إبطيه، ويتطيب، ويدهن شعره ويرجله حتى لا يكون على هيئة منفرة، وليكون في زينة تسر امرأته، ويعفها عن الرجال.

ثالثا: حق الزوج على زوجته

1. الطاعة

من حق الزوج على زوجته أن تطيعه في غير معصية، وأن تحفظه في نفسها وماله، وأن تمتنع عن مقارفة أي شيء يضيق به الرجل، فلا تعبس في وجهه، ولا تبدو في صورة يكرهها.. وهذا من أعظم الحقوق.

حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: ]لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأِحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1079).

وقد وصف الله سبحانه الزوجات الصالحات فقال: ]فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ[ (سورة النساء: الآية 34). والقانتات هن الطائعات. والحافظات للغيب: أي اللائي يحفظن غيبة أزواجهن، فلا يخنه في نفس أو مال. وهذا أسمى ما تكون عليه المرأة، وبه تسعد الحياة الزوجية.

وقد جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ الَّذِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلاَ تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 7114).

ومن عظم هذا الحق أن قرر الإسلام طاعة الزوج بإقامة الفرائض الدينية وطاعة الله، حَدَّثَنَا عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْت[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 1573).

حَدَّثَنَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ[ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1081).

وأكثر ما يدخل المرأة النار عصيانها لزوجها، وكفرانُها إحسانه إليها، حَدَّثَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ r: ]أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَط[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 28).

حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِح[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2998).

وحق الطاعة هذا مقيد بالمعروف. فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلو أمرها بمعصية وجب عليها أن تخالفه.

ومن طاعتها لزوجها ألا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، وألا تحج تطوعاً إلا بإذنه، وألا تخرج من بيته إلا بإذنه.

2. عدم الإذن لأحد يكره الزوج دخوله

حَدَّثَنَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ قَالَ: ]حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً فَقَالَ أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلاَ وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1083).

3. خدمة المرأة زوجها

أساس العلاقة بين الزوج وزوجته هو المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات. وأصل ذلك قول الله تعالى: ]وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ[ (سورة البقرة: الآية 228). فالآية تعطي المرأة من الحقوق مثل ما للرجل عليها، فكلما طولبت المرأة بشيء طولب الرجل بمثله.

الأساس الذي وضعه الإسلام للتعامل بين الزوجين وتنظيم الحياة بينهما- هو أساس فطري وطبيعي. فالرجل أقدر على العمل والكد والكسب خارج المنزل، والمرأة أقدر على تدبير المنزل، وتربية الأولاد، وتيسير أسباب الراحة البيتية، والطمأنينة المنزلية، فيكلف الرجل بما هو مناسب وتكلف المرأة بما هو من طبيعتها.

عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: ]تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنْ الأَنْصَارِ وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخ[ (صحيح البخاري، باب النكاح: الحديث الرقم 4823).

ففي هذا الحديث ما يفيد أن على المرأة أن تقوم بخدمة بيتها كما أن على الرجل أن يقوم بالإنفاق عليها.

عن عَلِيٌّ t ]أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلام شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا فَأَتَى النَّبِيَّ r سَبْيٌ فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ r أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ فَجَاءَ النَّبِيُّ r إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْتُ لأَقُومَ فَقَالَ عَلَى مَكَانِكُمَا فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ وَتُسَبِّحَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَتَحْمَدَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ[ (صحيح البخاري، كتاب المناقب: الحديث الرقم 3429).

وكذلك لما رأى خدمة أسماء لزوجها ولم يقل لا خدمة عليها. بل أقره على استخدامها. وأقر سائر الصحابة على خدمة أزواجهن. مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية.

قال ابن القيم: هذا أمر لا ريب فيه، ولا يصح التفريق بين شريفة ودميمة، وفقيرة وغنية.

وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى عدم وجوب خدمة المرأة لزوجها، وقالوا: إن عقد الزواج إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام وبذل المنافع.. والأحاديث السابقة المذكورة أجابوا عليها بأنها تدل على التطوع ومكارم الأخلاق، ولا تدل على الوجوب.

4. إمساك الزوجة بمنزل الزوجية

من حق الزوج أن يمسك زوجته بمنزل الزوجية، ويمنعها من الخروج منه إلا بإذنه، ويُشترط في المسكن أن يكون لائقاً بها، ومحققاً لاستقرار المعيشة الزوجية، وهذا المسكن يسمى بالمسكن الشرعي، فإذا لم يكن لائقاً بها ولا يمكنها من استيفاء الحقوق الزوجية المقصودة من الزوج- فأنه لا يلزمها القرار فيه. لأن المسكن غير شرعي.

5. الانتقال بالزوجة

من حق الزوج أن ينتقل وزوجته حيث يشاء لقول الله تعالى: ]أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ[ (سورة الطلاق: الآية 6).

والنهي عن المضارة يقتضي ألا يكون القصد من الانتقال بالزوجة المضارة بها، بل يجب أن يكون القصد هو المعايشة، وما يقصد بالزواج، فإن كان يقصد المضارة والتضييق عليها في طلبه نقلها كأن تهبه شيئاً من المهر أو تترك له شيئاً من النفقة الواجبة عليه لها، أو لا يكون مأمونا عليها، فلها الحق في الامتناع، وللقاضي أن يحكم لها بعدم استجابتها له[6].

6. اشتراط عدم خروج الزوجة من دارها

من تزوج امرأة، وشرط لها ألا يخرجها من دارها، أو لا يخرج بها إلى بلد غير بلدها، فعليه الوفاء بهذا الشرط، لقول الرسول r: ]‏أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2520)[7].

7. حكم منع الزوجة من العمل

فرق العلماء بين عمل الزوجة الذي يؤدي إلى تنقيص حق الزوج، أو ضرره، أو خروجها من بيته، وبين العمل الذي لا ضرر فيه- فمنعوا الأول، وأجازوا الثاني.  فيكون منعها من كل عمل يؤدي إلى تنقيص حقه، أو ضرره، أو يؤدي إلى حرام، أما العمل الذي لا ضرر فيه فلا وجه لمنعها منه.

8. تأديب الزوجة عند النشوز

من حق الزوج تأديب زوجته عند عصيانها كما قال الله تعالى: ]وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً[ (سورة النساء: الآية 34).

نشوز الزوجة: هو عصيان الزوج وعدم طاعته أو امتناعها عن فراشه، أو خروجها من بيته بغير إذنه.

وعظتها تذكيرها بالله، وتخويفها به، وتنبيهها للواجب عليها من الطاعة وما لزوجها عليها من حق، ولفت نظرها إلى ما يلحقها من الإثم بالمخالفة والعصيان، وما يفوت من حقوقها من النفقة والكسوة.

والهجر في المضجع: أي في الفراش. وأما الهجر في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، لما رواه عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّام[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5605)[8].

وأمّا الضرب، فيكون إذا لم تفلح الوسائل السابقة، وبشرط أن يكون غير مبرح، ولا يشين جارحة، ولا يكون على الوجه.

9. تزين المرأة لزوجها

من حق الزوج على زوجته أن تتزين له بالكحل والخضاب، والطيب، ونحو ذلك من أنواع الزينة.

وأخيراً:

فهذه الحقوق ليست في درجة واحدة من الأهمية، وأكثرها يدخل في الحق الأول (الطاعة) ولكن الفقهاء أخروا بعض أنواع هذه (الطاعة) عند أهميتها، وإلا فالطاعة اسم جامع لحقوق الزوج على زوجته. كما أن الرعاية اسم جامع لحقوق الزوجة على زوجها.

ويجمع حقوق الزوج على زوجته تلك الوصية التي أوصت بها أم ابنتها عند زفافها:

خطب عمرو بن حجْر ملك كندة، أم إياس بنت عوف بن محلِّم الشيباني، ولما حان زفافها إليه خلت بها أمها بنت الحارث، فأوصتها وصية، تبين فيها أسس الحياة الزوجية السعيدة، وما يجب عليها لزوجها فقالت:

أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل.

ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغني أبويها، وشدة حاجتهما إليها ـ كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال.

أي بنية: إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً.

واحفظي له خصالاً عشراً، يكن لك ذخراً.

أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.

أما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضيع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.

وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.

أما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله والإرعاء[9] على حشمه، وعياله وملاك[10]  الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.

وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سراً، فإنك إن خالفت أمره أغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره. ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتماً، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً.

[1] قال تعالى: ]وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً[ (سورة النساء: الآيتان 20، 21). وهذا المهر يطيب نفس المرأة ويرضيها بقوامة الرجل عليها. قال تعالى: ]الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ[ (سورة النساء: الآية 34). مع ما يضاف إلى ذلك من توثيق الصلات، وإيجاد أسباب المودة والرحمة.

[2] وإذا كان الزوجان كافرين، وأسلمت المرأة بعد الدخول ولم يسلم الزوج لم تسقط النفقة، لأنه تعذر الاستمتاع بها من جهته وهو قادر على إزالته بأن يسلم، فلم تسقط نفقتها، كالمسلم إذ غاب عن زوجته. وإذا ارتد الزوج بعد الدخول لم تسقط نفقتها، لأن امتناع الوطء بسبب من جهته وهو قادر على إزالته بالعودة إلى الإسلام بخلاف ما إذا ارتدت الزوجة، فإن نفقتها تسقط، لأنها منعت الاستمتاع بمعصية من قبلها: فتكون كالناشز.

[3] وإذا كان الرجل لا يسلم ما يجب عليه من النفقة جاز الإذن لمن له النفقة بأن يأخذ ما يكفيه، إذا كان من أهل الرشد، لا إذا كان من أهل السرف، والتبذير، فإنه لا يجوز تمكينه من مال من عليه النفقة؛ لأن الله تعالى يقول: ]وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ[ (سورة النساء: الآية 5).

[4] وإذا تغيرت الأسعار عن وقت الفرض، أو تغيرت حالة الزوج، فإما أن يكون هذا التغير في الأسعار إلى زيادة، أو إلى نقص، أو يكون تغير حالة الزوج المالية إلى ما هو أحسن أو أسوأ. ولابد من رعاية كل حالة من هذه الحالات: فإن تغيرت الأسعار عن وقت الفرض إلى زيادة، كان للزوجة أن تطالب بزيادة نفقتها. وإن تغيرت إلى نقص كان للزوج أن يطلب تخفيض النفقة. وإن تحسنت حالة الزوج المالية عما كان عليه حين تقدير النفقة، كان للزوجة أن تطلب زيادة نفقتها. وإن تغيرت حالة الزوج المالية إلى أسوأ، كان للزوج الحق في طلب تخفيض النفقة.

[5] وفي هذا إشارة إلى أن في خلق المرأة عوجاً طبيعياً، وأن محاولة إصلاحه غير ممكنة وأنه كالضلع المعوج المتقوس الذي لا يقبل التقويم. ومع ذلك فلا بد من مصاحبتها على ما هي عليه، ومعاملتها كأحسن ما تكون المعاملة، وذلك لا يمنع من تأديبها وإرشادها إلى الصواب إذا اعوجت في أي أمر من الأمور وقد يغضي الرجل عن مزايا الزوجة وفضائلها، ويتجسد في نظره بعض ما يكره من خصالها، فينصح الإسلام بوجوب الموازنة بين حسناتها وسيئاتها، وأنه إذا رأى منها ما يكره- فانه يرى منها ما يحب. يقول الرسول r: ]لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ[ (مسند أحمد: الحديث الرقم 8013). والله خلق المرأة من عضو معوج؛ فهي بطبيعتها وفطرتها مستعدة لأن تقع في الخطأ، أكثر من استعداد الزوج، فإذا أراد الرجل أن يحيا مع زوجته حياة طيبة سعيدة فليدرك أن خطأ زوجته أمر طبيعي، فلا يكثر من اللوم والتأنيب والمؤاخذة، بل عليه أن يتساهل ويتسامح حتى يعيش في متعة واستقرار، أمّا إذا أراد أن يحاسبها على كل صغيرة وكبيرة محاولاً أن يجهدها يوماً بلا أخطاء فإنه لن يجدها كذلك أبداً.  ومن حسن العشرة الصبر على جدالها معه ومراجعتها إياه، فقد روى أن عمر بن الخطاب t راجعته امرأته في الكلام، فقال لها: أتراجعيني؟ قالت: إن أزواج رسول الله r يراجعنه وهو خير منك. كما ورد أن إحداهن كانت تهجره r إلى الليل.

[6] وقيد الفقهاء استعماله هذا الحق كذلك بألا يكون في الانتقال بها خوف الضرر عليها. كأن يكون الطريق غير آمن، أو يشق عليها مشقة شديدة لا تحتمل في العادة، أو يخاف فيه من عدو، فإذا خافت الزوجة شيئاً من ذلك فلها أن تمتنع عن السفر.

[7] وهذا مذهب أحمد، وإسحاق بن راهوية، والأوزاعي. وذهب غيرهم إلى أنه لا يلزمه الوفاء بهذا الشرط. وله نقلها عن دارها. وقالوا في الحديث: إن الشرط الواجب الوفاء به هو ما كان خاصاً في المهر، والحقوق الزوجية التي هي من مقتضى العقد دون غيرهما مما لا يقتضيه.

[8] ولا تضرب الزوجة لأول نشوزها.. والآية فيها إضمار وتقدير أي: ]وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ[. فإن نشزن، فاهجروهن في المضاجع ، فإن أصررن فاضربوهن .. أي إذا لم ترتدع بالوعظ والهجر فله ضربها.. يقول الرسول r: ]إن عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه.. فان فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح[، أي غير شديد، متجنباً الوجه والمواضع الخطرة.

[9] الإرعاء: الرعاية.

[10] ملاك: عماد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:11 pm

المبحث السابع

تعدد الزوجات وحكمته

كل الأديان السماوية التي سبقت الإسلام أباحت تعدد الزوجات، وفعله بعض الأنبياء، كإبراهيم ويعقوب وداود وسليمان وغيرهم، عليهم السلام.

ومن القوانين القديمة التي تناولت ظاهرة تعدد الزوجات قانون (مانو) الهندي الذي أجاز الزواج من امرأة ثانية، ولكنه اشترط على الرجل أن يحصل على موافقة زوجته إذا كانت هذه الزوجة فاضلة حميدة السيرة منجبة للأولاد. أما إذا كانت سيئة الأخلاق، أو كانت عقيماً أو مريضة، فله أن يتزوج بغير موافقتها.

وإذا كانت الزوجة الثانية من طبقة أدنى من طبقة الزوجة الأولى فلا تستويان في المعاملة، وعلى الزوج أن يميز بينهما في الملبس والمأكل والمسكن والاحترام[1].

ومن تلك القوانين القديمة كذلك قانون (حمورابي البابلي)، الذي يجيز للرجل أن يتزوج من امرأة ثانية إذا كانت زوجته عاقراً أو مريضة، وتحتفظ الزوجة الأولى بمكانتها كسيدة، وتعد الزوجة الثانية خادمة لها.

وجدير بالإشارة أن التقاليد البابلية قد جرت على أن تزوج الزوجة العاقر زوجها من جاريتها طلباً للولد، فإن لم تلد الجارية حق لسيدتها أن تبيعها.

وقد أجازت الشريعة اليهودية تعدد الزوجات، وجمع ملوكُ بني إسرائيل ورؤساؤهم بين عدة زوجات[2] وظهرت بين اليهود عادة غريبة حيث تسمح المرأة لزوجها أن يعاشر جواريها، ثم تلحق بها الأبناء الذين يولدون وقد حدد التلمود بعد ذلك عدد النساء بأربع زوجات، وأقر الربانيون والقراءون هذا المبدأ.

وظل اليهود طيلة العصور الوسطى يجمعون بين عدة زوجات، حتى منع الأحبار الربانيون تعدد الزوجات لضيق أسباب المعيشة التي كان يعانيها اليهود في تلك العصور. ومن ثم أخذت قوانين الأحوال الشخصية لليهود بعد ذلك بمنع تعدد الزوجات، وألزمت الزوج أن يحلف يميناً حين إجراء العقد على ذلك. وإذا شاء الرجل أن يتزوج من امرأة أخرى فعليه أن يطلق زوجته ويدفع إليها جميع حقوقها، إلا إذا أجازته بالزواج، وكان في وسعه أن يعيل الزوجتين، وكان قادراً على العدل بينهما، أو كان هناك مسوغ قهري لهذا الزوج كأن تكون الزوجة عقيماً.

أما المسيحية لم تمنع تعدد الزوجات بصورة صريحة؛ ولذا فقد دعت فرقة مسيحية تدعى (المورمون) إلى التعدد، على أن تكون الزوجة الأولى هي المفضلة على الأُخريات، ولها وحدها الحق بحمل لقب زوجها. غير أن الكنيسة المسيحية قررت بعد ذلك بجميع مذاهبها منع التعدد وإبطال الزواج الثاني، ولم تعتد بعقم المرأة حيث لم تَرَهُ مبرراً للطلاق أو للزواج من امرأة ثانية.

وقد لعب العرب بالمرأة ـ في الجاهلية ـ وبالتالي تفشت ظاهرة تعدد الزوجات لديهم، وذلك لإشباع نهمهم الغريزي، والإكثار من الأولاد، لكونهم أهل غزو وحروب متصلة، ومن ثم عدت العرب كثرة الأولاد قوة داخل العشيرة وخارجها، إذ يهابها الأعداء ويتحامون غزوها، ويخشون بأسها. وكان أكثر ما يفخر به الرجل ويملؤه زهواً واعتداداً أن يسير وخلفه أبناؤه وأحفاده بأعداد كبيرة .

وإلى وقت قريب كان يوجد في قبيلة (تيوبي) في وسط البرازيل ربما تزوج الزعيم عدة زوجات، وقد يكنّ أخوات، وحتى أم وبنات لها من زواج سابق، ويربي الأطفال الذين يعيشون مع بعضهم البعض مع الزوجات اللواتي لا يبدو عليهن كبير اهتمام إن كان الأطفال أطفالهن أم أطفال غيرهنّ، كما أن الزعيم يعير عن طيب خاطر زوجاته لإخوته الصغار، أو لبعض ضباط حاشيته، أو يضعهن تحت تصرف زواره. وليس في هذه الحالة كما يقول (كلود لفي شتراوس) جمع لتعدد الزوجات والأزواج إنما هذا الاختلاط يزداد حتى أكثر من ذلك إذا ارتبطت الزوجات بروابط وثيقة قبل زواجهن من الرجل نفسه، وقد شاهد (كلود) امرأة وابنتها وهما متزوجان من رجل واحد وكانتا تعنيان بأطفاله من زوجته السابقة.

وكل الثقافات قبل الإسلام من جاهلية وغيرها كان التعدد فيها أمراً شائعاً. فلما جاء الإسلام قصر التعدد، بحيث لا يتجاوز الأربع زوجات.

أولاً: الأدلة الشرعية على إباحة التعدد

قال تعالى في كتابه العزيز: ]وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ[ (سورة النساء: الآية 3)، وهذا نص في إباحة التعدد فقد أفادت الآية الكريمة إباحته، فللرجل في شريعة الإسلام أن يتزوج واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، بأن يكون له في وقت واحد هذا العدد من الزوجات. وهذه الإباحة مقصورة على الجمع بين أربع زوجات كحد أقصى للجمع.

ولكن هل الاقتصار على زوجة واحدة أولى من التعدد قال الحنابلة: "ويستحب أن لا يزيد على واحدة، إن حصل بها الإعفاف، لما فيه من التعرض إلى المحرّم، قال تعالى: ]وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ[ (سورة النساء: الآية 129)، حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: ]مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِل[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1821).

ثانياً: متى يكون التعدد مستحباً؟!

التعدد مباح بشروطه، والاقتصار على واحدة قد يكون هو الأولى إذا حصل به الإعفاف، ولكن مع هذا قد يكون التعدد هو الأولى حتى لو حصل الإعفاف بالواحدة، وذلك بسبب ظروف وأسباب معينة، فمن ذلك إذا كان الشخص قادرا على التعدد، ولكن له قريبة منقطعة فاتها قطار الزواج فيريد إعفافها بضمها إليه كزوجة، أو كانت هناك يتيمة لا أهل لها ولا معيل، ويريد الإحسان إليها بأن يتزوجها ليضمها إلى بيته، باعتبارها زوجة، فيحقق لها الإعفاف والنفقة، أو أن يجد امرأة اعتنقت الإسلام، وقاطعها أهلها على ذلك، فيتزوجها المسلم في ديارها أو في دياره، ليحفظها من الضياع والافتتان في دينها الذي اعتنقته وهداها الله إليه، أو أن تقع الحرب فتحصد الرجال فيكثر عدد النساء فمن الأولى والمستحب أن يتزوج القادرون على الزواج بأكثر من واحدة لإعفاف أكبر عدد ممكن من النساء الذين فقدوا أزواجهم، أو لم يتزوجوا بعد.

ثالثاً: شروط إباحة تعدد الزوجات

مع إباحة الإسلام تعدد الزوجات إلا أنه وضع شروطاً على النحو التالي:

1. العدل

قال تعالى: ]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً[ (سورة النساء: الآية 3)، أفادت هذه الآية الكريمة أن (العدل) شرط لإباحة التعدد، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة، كان محظوراً عليه الزواج بأكثر من واحدة[3].

2. القدرة على الإنفاق

والشرط الثاني لإباحة التعدد القدرة على الإنفاق على الزوجات.

والواقع أن شرط الإنفاق على الزوجة هو شرط لزواج الرجل، سواء كان هذا الزواج بالزوجة الأولى أو بالثانية، ويبقى هذا الالتزام ثابتاً في ذمة الرجل نحو زوجته ما دامت زوجته، ولا يسقط عنه بزواجه بأخرى، بل يزيد التزامه التزاما آخر بالنفقة على زوجته الثانية، فإذا كان عاجزاً عن الإنفاق على زوجته الثانية مع الأولى، حرم عليه الزواج بالثانية.

وقد دل على هذا الشرط -شرط الإنفاق- قوله تعالى: ]وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ[ (سورة النور: الآية 33). فقد أمر الله تعالى بهذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح، ولا يجده بأي وجه أن يستعفف. ومن وجوه تعذر النكاح من لا يجد مهراً ينكح، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته.

وكذلك يستدل على شرط الإنفاق بقوله تعالى: ]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ[ (سورة النساء: الآية 3). كذلك قد يستدل على شرط القدرة على الإنفاق بالحديث الصحيح عن النبي r وهو قوله: ]‏يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ‏ ‏مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ ‏ الْبَاءَةَ ‏ ‏فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ ‏ ‏أَغَضُّ ‏ ‏لِلْبَصَرِ ‏ ‏وَأَحْصَنُ ‏ ‏لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ ‏ ‏وِجَاءٌ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 3903).

فإذا لم يستطع مؤونة الزواج لم يجز له الزواج وإن كان هو زواجه الأول، فمن باب أولى أن لا يباح له الزواج بالثانية. ثم إن الإقدام على الزيجة الثانية ـ مع علمه بعجزه عن الإنفاق عليها مع الأولى ـ عمل يتسم بعدم المبالاة بأداء حقوق الغير، هو من أنواع الظلم، والظلم لا يجوز في شريعة الإسلام.

رابعاً: حكمة تعدد الزوجات

1. قد تكون الزوجة عقيمة أو لا تصلح للحياة الزوجية لمرضها، والزوج يتطلع إلى الذرية، ويريد ممارسة الحياة الزوجية الجنسية الحلال، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالزواج بأخرى، فمن العدل والإنصاف والخير للزوجة نفسها أن ترضى بالبقاء زوجة، وأن يسمح للرجل بالزواج بأخرى.

2. وقد لا يكفي الرجل زوجة واحدة لنشاطه الجنسي، والمرأة عادة تكون معطلة وعاجزة عن مشاركته هذا النشاط، أيام الحيض والولادة والنفاس، وقد لا يصبر الرجل على ذلك طيلة هذه المدة، فمن العدل أن لا نضيق عليه الأمر، بل نيسره له بإباحة الزواج له بأخرى، وهذا ما أباحته شريعة الإسلام.

3. وقد تكون المرأة مات زوجها، وهي لا تزال شابة، أو بحاجة إلى زوج، فمن الخير والصيانة لها أن تكون زوجة ثانية لزوج يرغب في نكاحها، وترغب في نكاحه.

4. قد يكون عدد النساء أكثر من عدد الرجال في زمان معين أو مكان معين، لتعرض الرجال في العادة للموت أكثر من النساء، كما يحدث في أعقاب الحروب عادة، ولا سبيل إلى تصريف الزائد من عدد النساء إلا عن طريق تعدد الزوجات، إذا أُريد للمرأة الكرامة والصيانة والحفاظ على شرفها، ودون ذلك تبقى عانسا، أو عرضة لضياعها وسقوطها في الزنا وفقدان شرفها.

5. هناك مصالح مشروعة تدعو إلى الأخذ بالتعدد: كالحاجة إلى توثيق روابط بين عائلتين، أو توثيق الروابط بين رئيس وبعض أفراد رعيته أو جماعته، ويرى أن مما يحقق هذا الغرض المصاهرة ـ أي بالزواج ـ وإن ترتب عليه تعدد الزوجات.

6. وفي التعدد كثرة النسل، وكثرة الأيدي العاملة، وفي هذه الكثرة قوة للأمة، وزيادة في إنتاجها، ومصلحة مؤكدة لأفراد العائلة، وهذا واضح في القرى والبوادي حيث يحقق تعدد الزوجات مثل هذه المصالح من تعاون، وكثرة إنتاج العائلة في الزراعة، أو في تربية الحيوانات وغير ذلك.

خامساً: اعتراضات وجوابها

1. اعتراض (1)

قد يعترض البعض ويقول: إن في تعدد الزوجات وجود الضرائر في البيت الواحد، وما ينشأ عن ذلك أو يترتب عليه من منافسات وعداوات بين الضرائر تنعكس على من في البيت من زوج وأولاد وغيرهم. وهذا ضرر، والضرر يزال، ولا سبيل إلى منعه إلا بمنع تعدد الزوجات.

والجواب: إن النزاع في العائلة قد يقع بوجود زوجة واحدة، وقد لا يقع مع وجود أكثر من زوجة واحدة كما هو المشاهد. وحتى لو حصل النزاع والخصام على نحو أكثر مما قد يحصل مع الزوجة الواحدة، فهذا النزاع حتى لو عُد ضرراً وشراً إلا أنه ضرر مغمور في خير كثير، وليس في الحياة شر محض ولا خير محض، والمطلوب دائما تغليب ما كثر خيره وترجيحه على ما كثر شره، وهذا القانون هو المأخوذ والملاحظ في إباحة تعدد الزوجات.

2. اعتراض (2)

وقد يقال: إن الأخذ بإباحة التعدد يهدم قاعدة المساواة بين الرجل والمرأة؛ لأن المرأة ممنوعة من تعدد الأزواج، بينما يباح للرجل تعدد الزوجات، ولا سبيل إلى رفع هذا الحيف إلا بمنع التعدد.

والجواب: إن المساواة في الحقوق لا تعني المساواة بينهما في كل ما يعطاه الرجل وفي كل ما تعطاه المرأة، وإنما المساواة أن يعطى كل منهما ما يستحق. ثم إن المرأة لا يفيدها أن تعطى حق تعدد الأزواج، بل يحط من قدرها وكرامتها ويضيع عليها نسب ولدها! لأنها مستوى تكوين النسل، وتكوينه لا يجوز أن يكون من مياه عدد من الرجال وإلا ضاع نسب الولد، وضاعت مسؤولية تربيته، وتفككت الأسرة، وانحلت روابط الأبوة مع الأولاد، كما أنه ليس في مصلحة المرأة، ولا الولد، ولا المجتمع.

سادساً: منع التعدد اعتداء على حرية المرأة

لأن زواجها لا يكون قسراً وجبراً، فلا يتم إلا برضاها مع رضا وليها، فإذا رضيت هي بزواجها برجل متزوج وزوجته لا تزال حية، وهي أعرف بمصلحتها، فما شأن الآخرين بهذا الأمر وهل يجوز أن يرفعوا أصواتهم بمنع التعدد بحجة مصلحة المرأة. ألا يكون المناداة بمنع التعدد، مع مخالفته للشرع الإسلامي، تدخلا في شؤون المرأة، بل وفي أخص شؤونها الشخصية، وهي اختيار قرين حياتها عن طريق الزواج الشرعي، ولو كان هذا القرين ذا زوجة؟

سابعاً: للمرأة أن تشترط عدم الزواج عليها

وإذا كانت المرأة تخشى التعدد، فلها أن تحتاط لنفسها بأن تشترط، في عقد النكاح، أن لا يتزوج عليها زوجها، فإن فعل جاز لها أن تطلق نفسها.

[1] يلاحظ أن تفضيل الزوجة الأولى جار عند الجماعات البدائية، ومن مظاهر التفضيل أن يقام لها كوخ خاص بها لا يشاركها فيه أحد، ولها وحدها حق الجلوس إلى جانب زوجها وهي لا تعمل، وإنما تشرف على عمل الزوجات الأخريات، وليس للزوج أن يطقها إلا إذا ارتكبت فاحشة. وهي تتولى إدارة أموال زوجها بعد موته، وترث نصف ما يترك من إرث، في حين يرث الأولاد النصف الباقي على أن تكون حصة أولادها أكبر من حصة أبناء ضرائرها.

[2] جاء في التوراة أن سليمان بن داود كان متزوجاً من سبعمائة امرأة، وكان له من الجواري ثلاثمائة جارية، غير أن بعض المؤرخين يذكرون أنهم كانوا ستمائة زوجة، وعدد جواريه ثمانين.

[3] ولا يشترط اليقين من عدم العدل لحرمة الزواج بالثانية، بل يكفي غلبة الظن، فإذا كان غالب ظنه أنه إذا تزوج زوجة أخرى مع زوجته، لم يستطع العدل بينهما حرم عليه هذا الزواج. والمقصود بالعدل، هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت، ونحو ذلك من الأمور المادية، مما يكون في مقدوره واستطاعته. أما التسوية بين زوجاته، في المحبة وميل القلب، ونحو ذلك من الأحاسيس، فهذه الأمور ليس مخيراً ولا مكلفاً بها، ولا يطالب بالعدل فيها بين زوجاته لأنه لا يستطيعها، وهذا هو معنى قوله تعالى: ]وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ[ (سورة النساء: الآية 129)، ولهذا كان r يقول: ]اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1822). أي في المحبة لبعض أزواجه أكثر من البعض الآخر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:12 pm

المبحث الثامن

انتهاء الزواج بالطلاق

ينتهي الزواج إما بموت أحد الزوجين، أو بطلاق الزوج، أو بخلع الزوجة، أو بظهار الزوج، أو بفسخ العقد.

أولاً: تعريف الطلاق

الطلاق في اللغة يعني التحرر والترك والإرسال، وطُلِّقت المرأة من زوجها طلاقاً، أي تحللت من قيد الزواج وخرجت من عصمته.

والطلاق شرعاً: إنهاء عقد الزواج الصحيح في الحال أو في المآل بالصيغة الدالة على ذلك، أو حل رابطة الزواج، وإنهاء العلاقة الزوجية.

ثانياً: حكم الطلاق:

اختلف علماء المسلمين هل الأصل في الطلاق الإباحة؟ أم أن الأصل فيه التحريم؛ بحيث لا يجوز إلا في ظروف معينة، باعتبار الزواج نعمة من نعم الله، وكفران النعمة حرام.

قال فقهاء المذاهب الأربعة: "والطلاق على خمسة أضرب: واجب، ومكروه، ومباح، ومندوب إليه، ومحظور".(واجب) كطلاق المولي وطلاق الحكمين في الشقاق بين الزوجين إذا رأياه[1].

و(مندوب) كطلاق زوجة حالها غير مستقيم كسيئة الخلق أو تاركة صلاة، ولا يمكنه إجباره عليها، أو تكون غير عفيفة . و(مكروه) كطلاق زوجة مستقيمة الحال قائمة بحقوق الله وحقوق زوجها عليها. و(مباح) كطلاق من لا يحبها ولا تسمح نفسه بمئونتها من غير استمتاع بها. و(حرام) كالطلاق البدعي مثل الطلاق في الحيض.

أما القائلون بأن الأصل هو الإباحة فقد ذكروا أن القرآن الكريم ورد فيه جواز الطلاق وحله في آيات كثيرة، (منها) قوله تعالى: ]الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[ (سورة البقرة: الآية 229). و(منها) قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ[ (سورة الطلاق: الآية 1).

وفي السنة أخبار كثيرة بوقوع الطلاق مما يدل على مشروعيته، من ذلك: أن عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما، طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر t رسول الله r عن ذلك فقال: ]مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ ‏ ‏يَمَسَّ ‏ ‏فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 3337).

وأما الذين يرون أن الأصل في الطلاق التحريم ولا يباح إلا للحاجة المعتبرة شرعاً، فقد استدلوا بأدلة منها:

قوله تعالى: ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[ (سورة النساء: الآية 19) فالآية الكريمة تنفر المسلمين من الطلاق، وتخبرهم بأن إمساك زوجاتهم وعدم اللجوء إلى طلاقهن، مع كراهتهم لهن، يمكن أن يحصل فيه خير كثير[2].

وقال تعالى: ]وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا[ (سورة النساء: الآية 128). وتفسير هذه الآية يقول: إذا توقعت المرأة من زوجها تباعداً أو إعراضاً أي عدم تكليمها والاستمتاع بها، فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا يتفقان عليه لبقاء الرابطة الزوجية. والصلح خير، أي أن الصلح الحقيقي بين الزوجين الذي تسكن إليه النفوس ويزيل الخلاف خير من الفرقة[3].

ثالثاً: حكمة مشروعية الطلاق

يرى علماء المسلمين أن نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية يعد من محاسنها، ومن دلائل واقعيتها وعدم إغفالها مصالح الناس، في مختلف ظروفهم وأحوالهم. ودليل ذلك أن الشريعة الإسلامية مع حثها على الزواج وترغيبها فيه وحرصها على بقاء الرابطة الزوجية إلا أنها لم تغفل واقع النفوس وطبيعتها، وما قد يعتريها من تغير يؤدي إلى المنافرة والخلاف، ولا يسلم من ذلك الزوجان، وقد يستعصي حل الخلاف وإزالة النفرة فيما بينهما، فلا يكون الحل إلا بافتراقهما؛ لأن هذا الفراق أولى من بقاء الرابطة الزوجية مع الخلاف والنفرة ومن الناس من يصاب بزوج غير كفء، أو بغيض تعافه الطبيعة[4] ولهذا شرع الطلاق.

وقد أشار إلى هذا المعنى ابن قدامة الحنبلي رحمه الله تعالى بقوله: "ربما فسدت الحال بين الزوجين فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وضررا محضا بإلزام الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة، مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه".

رابعاً: لماذا كان الطلاق بيد الرجل؟

هناك عدة أسباب منها:

1. من لوازم قوامة الرجل على امرأته أن يكون الطلاق بيده.

2. إن الطلاق أمر خطير جداً؛ لأن فيه حل الرابطة الزوجية وإنهاء عقد الزواج الذي عقد في الأصل ليكون عقد العمر، فلا يجوز التعجل في إنهاء هذا العقد، والعجلة تأتى من طبيعة الإنسان وسرعة غضبه وتوقد عاطفته، عند الغضب والخصام.

وإذا كانت هذه الأوصاف مشتركة بين الرجل والمرأة، إلا أن من الملاحظ، الذي يؤيده الواقع، أن الرجل أكثر احتمالاً وصبراً على ضبط عواطفه وانفعالاته وكظم غضبه من المرأة، ومن ثم هو أولى منها بإعطائه حق الطلاق؛ لأنه لا يستعمله لأدنى انفعال أو غضب[5].

3. إن الطلاق يحمل الزوج تبعات مالية كالمهر المؤجل ونفقة العدة، وأجرة الرضاعة والحضانة إن كان له طفل أو أطفال من زوجته المطلقة، وهذا كله مما يحمل الزوج على التأني وعدم العجلة في تطليق زوجته. وربما تزول أسباب طلاقها في حالة تأنيه وعدم عجلته. فإذا طلق  فالمفروض أن يطلق طلاقاً رجعياً شرعياً يستطيع إرجاعها خلال العدة إذا تبين له خطأ ما أقدم عليه.

4. إعطاء حق الطلاق للرجل لا يعني انسداد سبل الخلاص منه، إن أراد الإضرار في إمساكها، إذ تستطيع أن تطلب التفريق عن طريق القضاء للضرر أو للشقاق.

5. ومع ما تقدم فإن المرأة تستطيع، عند عقد الزواج، أن تشترط لنفسها حق الطلاق، فإذا رضي الزوج بهذا الشرط، صار لها حق تطليق نفسها بإرادتها، من دون الحاجة إلى إذن القاضي، كما للزوج حق تطليقها بإرادته.

خامساً: شروط المطلِّق

لا يملك الزوج  إيقاع الطلاق إلا إذا توافرت فيه جملة شروط: وهي أن يكون بالغاً عاقلاً، مختاراً قاصداً إيقاع الطلاق.

1. شرط البلوغ

اشترط الجمهور، سوى الحنابلة، في الزوج المطلق أن يكون بالغاً، فلا يقع طلاق الصبي وإن كان عاقلاً لأن الطلاق لم يشرع إلا عند خروج النكاح من أن يكون مصلحة، وإنما يعرف ذلك بالتأمل، والصبي لاشتغاله باللهو واللعب لا يتأمل، فلا يعرف وجه المصلحة فلا يقع طلاقه.

وقال الحنابلة: يصح الطلاق من زوج عاقل مختار ولو مميزا يعقل الطلاق، ولو كان الصبي المميز دون عشر سنين لما ثبت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ]أَتَى النَّبِيَّ r رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا قَالَ فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ r الْمِنْبَرَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاق[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2072). وقوله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rَ: ]كُلُّ طَلاقٍ جَائِزٌ إِلا طَلاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1112). وعن علي بن أبي طالب t: اكتموا الصبيان النكاح فيفهم منه أن فائدته أن لا يطلقوا. ولأن طلاق الصبي المميز طلاق من عاقل صادف الطلاق فوقع كطلاق البالغ. ومعنى كون الصبي المميز يعقل الطلاق هو أن يعلم أن زوجته تبين منه، وتحرم عليه إذا طلقها[6].

2. شرط العقل

ويشترط في الزوج المطلق أن يكون عاقلاً، فلا يقع طلاق المجنون لقوله r: ]رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَعْقِلَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 23962) والعقل شرط أهلية التصرف؛ لأن به يعرف كون هذا التصرف مصلحة أم لا؟ قال ابن قدامة الحنبلي: "أجمع أهل العلم على أن زائل العقل بغير سكر، أو ما في معناه، لا يقع طلاقه.

أ. الملحقون بالمجنون

(1) النائم.

(2) المعتوه.

(3) المبرسم[7].

(4) المغمى عليه.

(5) المدهوش.

ب. هل يقع طلاق السكران؟

عامة الفقهاء أو جمهورهم يفرقون بين سكران بطريق محظور، وبين سكران بطريق غير محظور: فمن سكر بطريق غير محظور كالذي شرب شراباً فأسكره، أو تناول دواء فغيب عقله، أو تناول مسكراً ولم يعلم أنه مسكر فأسكره أو أُكره على الشراب إذا طلق، لم يقع طلاقه؛ لأنه زائل العقل حقيقة فيلحق بالمجنون لأن زوال عقله لم يكن بسبب منه ولا اختيار، وبهذا صرح الفقهاء ولا خلاف في ذلك كما قال ابن قدامه الحنبلي.

أما إذا سكر بطريق محظور بأن تناول المسكر، مع علمه بأنه مسكر، وطلق في حال سكره فهل يقع طلاقه أم لا؟ اختلاف بين الفقهاء، فمنهم من قال بإيقاعه وهم جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة والزيدية على سبيل التعزير، ومنهم من لم يقل بوقوعه . وهذا قول الظاهرية واختيار الكرخي والطحاوي من فقهاء الحنفية  وهو كذلك اختيار ابن تيمية، وحجتهم أن هذا غائب عنه عقله بالسكر ويعاقب بعقوبة واحدة هي الجلد.

إلزام السكران بجرائمه: أما إذا ارتكبها فيقتل إذا قتل ويقطع إذا سرق.. الخ، فهذا محل نزاع بين الفقهاء، فقد قال عثمان البتي لا يلزمه إلا حد الخمر فقط. والذين قالوا بعقوبته إذا ارتكب ما يوجبها، احتجوا بأن عدم معاقبته على أفعاله ذريعة إلى تعطيل القصاص، إذ يستطيع كل من أراد قتل شخص أو أراد أن يزني أو يسرق أن يسكر ويفعل ذلك، وهذا ذريعة للفساد فلا تجوز. ولكن إلغاء أقوال السكران لا يتضمن مفسدة لأن القول المجرد من غير العاقل لا مفسدة فيه بخلاف جرائمه، فإنه لا يمكن إلغاؤها بعد وقوعها.

والشرع جعل عقوبة السكران حد شرب الخمر، فلا يجوز معاقبته بشيء آخر زيادة على العقوبة المقررة له. كما أن في الزيادة على هذه العقوبة بإيقاع طلاقه، يعني إيقاع الأذى والضرر بزوجته المسكينة دون ذنب جنته، ودون قصد من زوجها بتطليقها. وهذا هدم للحياة الزوجية وضياع لأولادهما، وكل هذا مما لا ترغب الشريعة فيه.

3. المقصود بالاختيار

المقصود بكون المطلق مختارا كونه غير مكره على الطلاق من قبل الغير؛ لأن الإكراه يفسد الاختيار ويعدم الرضا، فلا يقع به الطلاق.

أ. لا يقع طلاق المكره عند الجمهور

ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلاق المكره، وهذا مذهب كثير من الصحابة وجماهير علماء الإسلام.

وذهب إلى وقوع طلاق المكره بعض فقهاء الحنفية، وبعض الفقهاء كالشعبي والزهري. والصحيح أن المكره لا إرادة له ولا اختيار، وهما أساس التكليف، والمعلوم أن من أكره على النطق بكلمة الكفر لا يكفر، فكذلك الطلاق.

ب. طلاق الهازل

الهازل هو من يتلفظ قاصداً، ولكن لا يريد موجبه وهو وقوع الطلاق. فمن الفقهاء من قال بوقوعه ومنهم من قال بعدم وقوعه.

وقول الجمهور أنه يقع طلاق الهازل كما هو صريح الحديث النبوي الشريف حفظاً لأحكام الشرع من العبث واللعب بها، ومسائل النكاح والطلاق فيها حل وحرمة وتتعلق بالفروج، وصيانتها واجب، ومن لوازم صيانتها منع جعلها موضوعاً للهزل واللعب.

والقائلون بوقوع طلاق الهازل هم عامة العلماء، قال ابن المنذر: "أجمع كل من حفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء، وروي هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود، ونحوه عن عطاء وبه قال الشافعي وأبو عييد، وهو قول سفيان الثوري وأهل العراق".

ج. طلاق الغضبان

عَنْ عَائِشَةَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: ]لاَ طَلاقَ وَلا عَتَاقَ فِي غِلاقٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1874)[8].

وظاهر الحديث الشريف يدل على عدم وقوع طلاق الغضبان، إذا اشتد به الغضب، فيغلق عليه، فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به كأنه انغلق عليه قصده وإرادته، فيدخل في ذلك كل من لا قصد له ولا معرفة له بما قال.وقال الإمام ابن القيم: "والغضب على ثلاثة أقسام:

(1) ما يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.

(2) ما يكون الغضب في مبادئه بحيث لا يمنع صاحبه من تصوره، يقول وقصده. فهذا يقع طلاقه بلا نزاع.

(3) أن يستحكم الغضب فيه ويشتد به، فلا يزيل عقله بالكلية ولكن يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال غضبه. فهذا محل نظر، وعدم الوقوع ( وقوع الطلاق ) في هذه الحالة قوي.

د. طلاق المخطىء

إذا أخطأ الرجل فيما يريد النطق به، كأن يريد أن ينادي زوجته باسمها فيسبق لسانه إلى النطق بكلمة (طالق) مخاطبا إياها بهذا اللفظ، أو أنه يتكلم بما يدل على الطلاق وهو لا يقصد النطق به ولكن لسانه سبق إلى ما نطق به.

والجمهور على عدم وقوع طلاق المخطئ، إذا ثبت لدى القاضي بأنه أخطأ في التلفظ بلفظ الطلاق بينما يرى الأحناف أنه يعامل به قضاء، وأما ديانة، فيما بينه وبين ربه، فلا يقع طلاقه.

ودليلهم في هذا  قوله تعالى: ]وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ[ (سورة الأحزاب: الآية 5).

وحديث رسول الله r: ]‏إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2033)، وفي رواية أخرى لهذا الحديث: ]‏إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2035).

هـ. التلفظ بالطلاق للتعليم

ومن يتلفظ بلفظ الطلاق على سبيل التعليم لغيره، أو الحكاية عن غيره، لا يقع طلاقه؛ لأنه لم يقصده وإنما قصد التعليم والحكاية، جاء في "غاية المنتهى" في فقه الحنابلة: "وتعتبر إرادة لفظ الطلاق لمعناه، فلا طلاق لفقيه يكرره وحاكٍ ولو عن نفسه".

و. تلفظ النائم بالطلاق

إذا تلفظ النائم بلفظ الطلاق موجها لفظه هذا إلى زوجته، فإن طلاقه غير واقع باتفاق العلماء؛ لأنه غير قاصد اللفظ ولا حكمه، فلا يعتد به. حَدَّثَنَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُر[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3822).

ز. الرسالة في الطلاق

إذا أرسل الزوج رسالة، شفوية أو مكتوبة، بشرط أن تكون الكتابة بينة واضحة فيها طلاق زوجته، وقع الطلاق[9].

سادساً: طلاق الحائض

قال الإمام النووي: "أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها"، وقد دل على تحريمه الكتاب والسنة والإجماع.

قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ[ (سورة الطلاق: الآية 1).

قال الزمخشري في "تفسيره": قوله تعالى: ]إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء[ أي إذا أردتم تطليقهن وهممتم به ]فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ[ أي فطلقوهن مستقبلات لعدتهن".

وقال ابن كثير في "تفسيره": وعن ابن عباس قال في قوله تعالى: ]فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ[ أي لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه"  فالآية الكريمة دلت على حظر الطلاق في الحيض، وقد تأكد هذا المراد من الآية الكريمة بما ثبت عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما]‏أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَسَأَلَ ‏ ‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ ‏ ‏يَمَسَّ ‏ ‏فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ [ (سنن النسائي، الحديث الرقم 3337).  قال ابن حجر العسقلاني: قوله r: فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء أي فتلك العدة التي أذن الله أن يطلق لها النساء. وهذا بيان لمراد الآية وهي قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ[ (سورة الطلاق: الآية 1)

1. حكمة تحريم الطلاق في الحيض

والحكمة في تحريم الطلاق في الحيض يرجع إلى أمرين:

أ. لئلا تطول عدة المرأة المطلقة، وفي إطالتها ضرر عليها.

ب. لغرض التأكد من أن الطلاق كان لحاجة الزوج إليه وليس مرده إلى نزوة طارئة وغضب سريع وقرار متعجل. وبيان ذلك أن الرجل عادة لا يميل إلى زوجته وهي حائض، الميل الطبيعي المعتاد نظراً لحرمة وطئها في الحيض، وربما يدعوه ذلك إلى العجلة في تطليقها. فكان في منع الشرع له من تطليق زوجته وهي حائض، وجعل الوقت المشروع لتطليقها هو وقت طهرها وقبل أن يجامعها، كان ذلك كله أدل على الوثوق من تحقق الحاجة إلى طلاقها. وهذا الطلاق، وإن كان محرماً، إلا أنه يقع.

فقد جاء في "المغني"، لابن قدامة الحنبلي: "فإن طلقها للبدعة، وهو أن يطلقها حائضا أو في طهر أصابها فيه، أثم ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم"  وقال الإمام النووي وهو شافعي المذهب: "أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض".

وقال الظاهرية والجعفرية والإمامية بعدم وقوع الطلاق في الحيض، وقال ابن تيمية: " والطلاق هو مما أباحه الله تارة وحرمه أخرى، فإذا فعل على الوجه الذي حرمه الله ورسوله r لم يكن لازماً نافذاً، كما يلزم ما أحله الله ورسوله r. وكذلك قال ابن القيم محمد بن إسماعيل الأمير صاحب "سبل السلام".

2. طلاق السنة أن يطلقها طاهراً من غير جماع

وعلى هذا، فالطلاق المشروع الموافق لما جاء في الكتاب والسنة أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه، أي يطلقها وهي طاهر من غير جماع، وهذا هو طلاق السنة. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ r وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r وَغَيْرِهِمْ أَنَّ ]طَلاقَ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ[ (رواه النسائي، الحديث الرقم 3342).

3. حكمة تحريم الطلاق في طهر مسها فيه

الحكمة في ذلك أنه إذا جامعها وهي طاهر، فلا يأمن الزوج من أنها قد حبلت بهذا الجماع، فإذا طلقها ثم استبان حملها فقد يندم على ذلك، لأنه ما كان يقدم على طلاقها لو علم أنها حامل رعاية لحملها منه. وكذلك فإن طلاقها بعد وطئها، مع احتمال حبلها بهذا الوطء، يجعل الزوج والزوجة في شك من عدتها: أتكون بوضع الحمل إذا تبين أنها حامل أم تكون عدتها بثلاثة قروء إذا لم تكن حاملاً.

وكذلك فإن الحاجة تظهر في الطلاق في طهر لم يجامعها فيه، لأن الطهر الذي لا يجامع فيه زمان كمال الرغبة في الجماع، والزوج لا يطلق امرأته في زمان كمال الرغبة في الجماع إلا لشدة الحاجة إلى طلاقها. ومن ثم لن يلحقه ندم في طلاقها، وحتى إذا لحقه ندم فيمكنه أن يتلافاه بإرجاعها إذا التزم بطلاق السنة.

سابعاً: صيغة الطلاق

صيغه قد تكون باللفظ الصريح الدال عليه، أو بما يقوم مقامه مثل أنت طالق، أو مطلقة، أو أنت الطلاق، بغير اللفظ الصريح وهي صيغة الكناية ولا بد فيها من توافر النية، مقل أن يقول لزوجته الحقي بأهلك، أو فارقيني، أو مثلها.

·   صيغة الطلاق: إما أن تكون منجزة، وأما أن تكون معلقة، وأما أن تكون مضافة إلى مستقبل. فالمنجزة هي الصيغة التي ليست معلقه على شرط، ولا مضافة إلى زمن مستقبل، بل قصد بها من أصدرها وقوع الطلاق في الحال، كأن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق. وحكم هذا الطلاق، أنه يقع في الحال متى صدر من أهله.

·   وأما المعلق: وهو ما جعل الزوج فيه حصول الطلاق معلقا على شرط، مثل أن يقول الزوج لزوجته: إن ذهبت إلى مكان كذا، فأنت طالق.

والواقع أن النهار قد طلع فعلاً كان ذلك تنجيزاً وإن جاء في صورة التعليق. فإن كان تعليقاً على أمر مستحيل كان لغواً، مثل إن دخل الجمل في سم الخياط فأنت طالق.

أن تكون المرأة حين صدور العقد محلاً للطلاق بأن تكون في عصمته. وأن تكون كذلك حين حصول المعلق عليه، والتعليق قسمان: تعليق قسمي وتعليق شرطي.

فالتعليق القسمي (مأخوذ من القسم): ويقصد به ما يقصد من القسم للحمل على الفعل أو الترك أو التأكيد، مثل أن يقول لزوجته: إن خرجت فأنت طالق، مريداً بذلك منعها من الخروج إذا خرجت، لا إيقاع الطلاق.

التعليق الشرطي (مأخوذ من الشرط): ويكون القصد منه إيقاع الطلاق عند حصول الشرط. مثل أن يقول لزوجته: "إن أبراتني من مؤخر صداقك فأنت طالق". وهذا التعليق بنوعيه واقع عند جمهور العلماء ويرى ابن حزم أنه غير واقع.

وأما الصيغة المضافة إلى مستقبل: فهي ما اقترنت بزمن، بقصد وقوع الطلاق فيه، متى جاء، مثل أن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق غداً، أو إلى رأس السـنة، فان الطلاق يقع في الغد أو عند رأس السنة إذا كانت المرأة في ملكه عند حلول الوقت الذي أضاف الطلاق إليه[10].

ثامناً: الطلاق السني

هو الواقع على الوجه الذي ندب إليه الشرع، وهو أن يطلق الزوج المدخول بها طلقة واحدة، في طهر لم يمسسها فيه، لقول الله تعالى: ]الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[ (سورة البقرة: الآية 229)

أي أن الطلاق المشروع يكون مرة يعقبها رجعة، ثم مرة ثانية يعقبها رجعة كذلك، ثم إن المطلق بعد ذلك له الخيار، بين أن يمسكها بمعروف، أو يفارقها بإحسان. يقول الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ[ (سورة الطلاق: الآية 1).

أي إذا أردتم تطليق النساء فطلقوهن مستقبلات العدة، وإنما تستقبل المطلقة العدة إذا طلقها بعد أن تطهر من حيض، أو نفاس، وقبل أن يمسها .

تاسعاً: الطلاق البدعي

الطلاق البدعي، هو الطلاق المخالف للمشروع: كأن يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة، أو يطلقها ثلاثاً متفرقات في مجلس واحد، كأن يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. أو يطلقها في حيض أو نفاس، أو في طهر جامعها فيه. وأجمع العلماء على أن الطلاق البدعي حرام، وأن فاعله آثم .

وذهب جمهور العلماء على أنه يقع، واستدلوا بالأدلة التالية:

1. أن الطلاق البدعي، مندرج تحت الآيات العامة.

2. تصريح ابن عمر رضي الله عنه، لما طلق امرأته وهي حائض، وأمره الرسول r بمراجعتها، بأنها حسبت تلك الطلقة.

من ذهب إلى أن طلاق البدعة لا يقع؟ وذهب إلى هذا:

1. عبدالله بن عمر (في رواية أخرى عنه).

2. سعيد بن المسيب.

3. طاووس: من أصحاب ابن عباس.

4. وبه قال خلاس بن عمرو، وأبو قلابة من التابعين، وهو اختيار الإمام ابن عقيل من أئمة الحنابلة وآل البيت. والظاهرية وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد، واختاره ابن تيمية .

عاشراً: الطلاق ثلاثاً

حصل خلاف كبير بين علماء المسلمين في طلاق الرجل زوجته ثلاثاً.

اتفق العلماء على أنه يحرم على الزوج أن يطلقها ثلاثاً بلفظ واحد. أو بألفاظ متتابعة في طهر واحد، مع اختلافهم في وقوعه ثلاثاً من عدمه. وعللوا ذلك بأنه إذا أوقع الطلقات الثلاث، فقد سد باب التلاقي والتدارك عند الندم، وعارض الشارع، الذي جعل الطلاق متعدداً لمعنى التدارك عند الندم، وفضلاً عن ذلك، فإن المطلق ثلاثاً قد أضر بالمرأة من حيث أبطل محليتها بطلاقه هذا. ولكن جمهور العلماء على وقوع الطلاق ثلاثاً.

وقد روي من حديث محمود بن لبيد قال: أخبرنا رسول الله r ]‏أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانًا ثُمَّ قَالَ ‏ ‏أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 3348).

قال ابن القيم: فجعله لاعباً بكتاب الله فإن إيقاع الثلاث دفعة واحدة مخالف لقول الله تعالى: ]الطلاق مرتان[ (سورة البقرة: الآية 229). والمرتان والمرات في لغة القرآن والسنة، بل ولغة العرب، بل ولغة سائر الأمم، ما كان مرة بعد مرة، فإذا جمع المرتين والمرات في مرة واحدة فقد تعدى حدود الله تعالى، وما دل عليه كتابه.

وفرق بعضهم فقال: إن كانت المطلقة مدخولاً بها تقع الثلاث، وإن لم تكن مدخولاً بها فواحدة! استدل القائلون بأنه يقع ثلاثاً بالأدلة الآتية:

1. قول الله تعالى: ]فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ[ (سورة البقرة: الآية 230).

2. قول الله تعالى: ]وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً[ (سورة البقرة: الآية 237).

3. وقول الله تعالى: ]لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء[ (سورة البقرة: الآية 236).

فظواهر هذه الآيات تبين صحة إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث. لأنها لم تفرق بين إيقاعه واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً.

وقول الله تعالى: الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . فظاهر هذه الآية جواز إطلاق الثلاث، أو الثنتين، دفعة أو مفرقة، ووقوعه.

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: ]لَمَّا لاَعَنَ عُوَيْمِرٌ أَخُو بَنِي الْعَجْلانِ امْرَأَتَهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ظَلَمْتُهَا إِنْ أَمْسَكْتُهَا هِيَ الطَّلاقُ وَهِيَ الطَّلاقُ وَهِيَ الطَّلاق[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 21765).

وفي حديث ركانة: أن النبي r استحلفه إن أراد إلا واحدة، وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقع. هذا مذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة، وأئمة المذاهب الأربعة.

أما الذين قالوا بأنه يقع واحدة. فقد استدلوا بالأدلة الآتية:

1. أن أبا الصهباء قال لابن عباس: "ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله r، وأبي بكر، وعهد من خلافة عمر؟ قال: بلى". وروي عنه قال: كان الطلاق على عهد رسول الله r، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب. إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة. فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم. أي أنهم كانوا يوقعون طلقة بدل إيقاع الناس الآن ثلاث تطليقات.

2. عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ]طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ أَخُو الْمُطَّلِبِ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ r كَيْفَ طَلَّقْتَهَا قَالَ طَلَّقْتُهَا ثَلاثًا قَالَ فَقَالَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّمَا تِلْكَ وَاحِدَةٌ فَارْجِعْهَا إِنْ شِئْتَ قَالَ فَرَجَعَهَا فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى أَنَّمَا الطَّلاقُ عِنْدَ كُلِّ طُهْر[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 2266).

حادي عشر: الطلاق الرجعي

هو الطلاق المسبوق بطلقة واحدة أو غير المسبوق أصلاً، وليس في مقابل مال أيضاً؛ لأن الطلاق مقابل مال يسمى خلعاً. ويحق للزوج مراجعة زوجته في عدتها فإذا لم يكن الزوج دخل بزوجته دخولاً حقيقياً، أو طلقها على مال، أو كان الطلاق مكملاً للثلاث، كان الطلاق بائناً، وتبقى في بيته وتصح المراجعة بالقول. مثل أن يقول: راجعتك وبالفعل، مثل الجماع، ودواعيه، مثل القبلة، والمباشرة بشهوة ونحو ذلك[11].

ثاني عشر: الطلاق البائن

الطلاق البائن هو الطلاق المكمل للثلاث، والطلاق قبل الدخول، والطلاق على مال، وهو ينقسم إلى بائن بينونة صغرى: وهو ما كان بما دون الثلاث، وبائن بينونة كبرى: وهو المكمل للثلاث.

1. حكم الطلاق البائن بينونة صغرى

الطلاق البائن بينونة صغرى يزيل قيد الزوجية بمجرد صدوره، وتصير المطلقة أجنبية عن زوجها. فلا يحل له الاستمتاع بها، ولا يرث أحدهما الآخر إذا مات قبل انتهاء العدة أو بعدها. وللزوج أن يعيد المطلقة طلاقاً بائناً بينونة صغرى إلى عصمته بعقد ومهر جديدين، دون أن تتزوج زوجاً آخر، وإذا أعادها عادت إليه بما بقي له من الطلقات، فإذا كان طلقها واحدة من قبل فإنه يملك عليها طلقتين بعد العودة إلى عصمته، وإذا كان طلقتين لا يملك عليها إلا طلقة واحدة.

2. حكم الطلاق البائن بينونة كبرى

الطلاق البائن بينونة كبرى يزيل قيد الزوجية مثل البائن بينونة صغرى، ويأخذ جميع أحكامه، إلا أنه لا يحل للرجل أن يعيد من أبانها بينونة كبرى إلى عصمته إلا بعد أن تنكح زوجاً آخر نكاحاً صحيحاً. ويدخل بها دون إرادة التحليل. يقول الله تعالى: ]فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ[ (سورة البقرة: الآية 230).

أي فإن طلقها الطلقة الثالثة، فلا تحل لزوجها الأول إلا بعد أن تتزوج آخر، ثم يطلقها من دون اتفاق على ذلك، ثم تنقضي عدتها.

ثالث عشر: طلاق المريض مرض الموت

لم يثبت في الكتاب ولا في السـنة حكم طلاق المريض مرض الموت. إلا أنه قد ثبت عن الصحابة أن عبدالرحمن بن عوف طلق امرأته "تماضر" طلاقاً مملاً للثلاث في مرضه الذي مات فيه، فحكم لها عثمان بميراثها منه، قال: "ما اتهمته، (أي بأنه لم يتهمه بالفرار من حقها في الميراث) ولكن أردت السنة". والذي ورد أن عبدالرحمن بن عوف نفسه قال: "ما طلقتها ضراراً ولا فراراً". يعني أنه لا ينكر ميراثها منه.

وكذلك حدث أن عثمان بن عفان t طلق امرأته "أم البنين" بنت عيينة بن حصن الفزاري وهو محاصر في داره، فلما قتل جاءت إلى علي t وأخبرته بذلك. فحكم لها بميراثها منه. وقال: "تركها حتى إذا أشرف على الموت فارقها!".

رابع عشر: التفويض والتوكيل في الطلاق

الطلاق حق من حقوق الزوج، فله أن يطلق زوجته بنفسه، وله أن يفوضها في تطليق نفسها، وله أن يوكل غيره في التطليق[12]. وصيغ التفويض هي:

1. اختاري نفسك

أما صيغة اختاري نفسك: فقد ذهب الفقهاء إلى وقوع الطلاق بهذه الصيغة، لأن الشرع جعلها من صيغ الطلاق، وفي ذلك يقول الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً (٢٨) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا[ (سورة الأحزاب: الآيتان 28، 29).

2. أمرك بيدك

وأما صيغة أمرك بيدك: فإذا قال الرجل لزوجته أمرك بيدك، فطلقت نفسها، فهي طلقة واحدة، عند عمر، وعبد الله ابن مسعود. وهو مذهب سفيان، والشافعي، وأحمد. روي أنه جاء ابن مسـعود رجل فقال: كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس. فقالت: لو أن الذي بيدك من أمري بيدي. لعلمت كيف أصنع قال: فإن الذي بيدي من أمرك بيدك قالت: فأنت طالق ثلاثاً.

قال: أراها واحدة وأنت أحق بها ما دامت في عدتها وسألقي أمير المؤمنين عمر، ثم لقيه فقص عليه القصة: فقال صنع الله بالرجال وفعل. يعمدون إلى ما جعل الله في أيدهم فيجعلونه بأيدي النساء بفيها التراب. ماذا قلت فيها؟ قال: قلت أراها واحدة. وهو أحق بها. قال: وأنا أرى ذلك، ولو رأيت غير ذلك علمت أنك لم تصب.

إن رجع الزوج فيما جعل إليها أو قال: فسخت ما جعلت إليك بطل التفويض. وبذلك قال: عطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والأوزاعي، وإسحاق. وقال الزهري، والثوري، ومالك، وأصحاب الرأي، ليس له الرجوع لأنه ملكها ذلك، فلم يملك الرجوع.

3. طلقي نفسك إن شئت.

طلقي نفسك إن شئت: قالت الأحناف: "من قال لامرأته طلقي نفسـك، ولا نية له، أو نوى طلقة واحدة فقالت: طلقت نفسي، فهي واحدة رجعية. وإن طلقت نفسها ثلاثاً، وقد أراد الزوج ذلك، وقعن عليها، وإن قال لها طلقي نفسك، فقالت أبنتُ نفسي طلقت، وإن قالت قد اخترت نفسي لم تطلق، وإن قال لها: طلقي نفسك متى شئت. فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده.

[1] وقال ابن تيمية: ويجب على الزوج أمر زوجته بالصلاة فإن لم تصل، وجب عليه فراقها على الصحيح.

[2] ومعنى ذلك أن الآية الكريمة ترغب في إبقاء الرابطة الزوجية وتنفر من قطعها، وأن مجرد كراهة الزوج لزوجته ليس مبرراً لطلاقها. ومن الواضح أن هذا التوجيه والإرشاد لا يتفق مع القول بأن الأصل في الطلاق هو الإباحة، وإنما يتفق مع القول إن الأصل فيه هو الحظر.

[3] وسواء كان هذا الصلح على المال، أو على الضم بين الزوجات في المبيت على نحو تتنازل فيه الزوجة التي تجري الصلح عن حقها في بعض أيام المبيت أو كلها، إذا كان لزوجها زوجة أو أكثر غيرها. وإرشاد الشرع للزوجة إلى هذا السبيل من الصلح وإن كان فيه تنازل عن بعض حقها إبقاء لرابطة الزوجية يتفق مع القول بأن الأصل في الطلاق هو الحظر.

[4] فالعقم مثلاً قد يكون بسبب من الزوج، والمرأة قد تتطلع إلى الذرية والنسل فتطلب من زوجها أن يطلقها على عوض (بالخلع) أو دون عوض؛ لتجرب حظها وتحقق أمنيتها مع زوج آخر، فيكون الطلاق في هذه الحالة هو الحل المقبول المحقق للمصلحة.

[5] وقد أشار الإمام الكاشاني إلى هذا المعنى إذ قال في تعليل اختصاص الزوج بحث الطلاق دون زوجته: لاختصاصه أي الزوج بكمال العقل والرأي. ومن المعلوم أن من كمال العقل ضبط النفس عند الغضب وعدم العجلة في اتخاذ القرارات الخطيرة كالطلاق، والرجل أقدر في هذا كله من المرأة. ولا يقدح هذا القول وجود نساء أقدر وأكمل من بعض الرجال في هذه المعاني؛ لأن الأحكام على الغالب لا على القليل والنادر، والغالب في الرجال هو ما تقدم عنهم، وعلى هذا الغالب تبنى الأحكام ومنها جعل الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة؛ لأنها تسئ استعماله لأتفه سبب لسرعة غضبها ورقة شعورها وعاطفتها.

[6] وجمهور العلماء على اعتبار شرط البلوغ في كون بعض الصبية على قدر من التمييز يماثل تمييز البالغين لا يكفي للقول بصحة طلاق الصبي المميز؛ لأن وجود مثل هؤلاء الصبية قليل، بل نادر، والأحكام تبنى على الغالب لا على النادر، والغالب في الصبية أن تمييزهم أقل من تمييز البالغين وبقدر لا يكفي لتصحيح طلاقهم.

[7] لفظ معرب من البِرسام (بكسر الباء)؛ المصاب بمرض البرسام، وهو التهاب يعرض للحجاب الذي بين الكبد والقلب، ويعرف أيضاً بالجرسام، وقد يصاب المبرسم بارتفاع الحرارة فيهذي.

[8] قال أبو داود في الإغلاق: أنه في الغضب وكذلك فسره الإمام أحمد بن حنبل.

[9] والمرأة يقع عليها الطلاق بعبارة زوجها لا بعبارة الرسول، بينما في الوكالة يقع الطلاق بعبارة الوكيل لا بعبارة الزوج الموكل.

[10] وإذا قال لزوجته أنت طالق إلى سنة. قال أبو حنيفة ومالك: تطلق في الحال. وقال الشافعي، وأحمد: لا يقع الطلاق حتى تنسـلخ السنة. وقال ابن حزم: من قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق. أو ذكر وقتاً ما فلا تكون طالقاً بذلك لا الآن. ولا إذا جاء رأس الشهر. لأن هذه الصورة ليست من أمر الإسلام، وقد قال رسول الله r: كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد وبرهان ذلك: أنه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك، وقد علمنا الله الطلاق على المدخول بها، وفي غير المدخول بها، وليس هذا فيما علمنا. ]وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ[ (سورة الطلاق: الآية 1). وأيضاً فإن كان كل طلاق لا يقع حين إيقاعه، فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه.

[11] ويرى الشافعي أن المراجعة لا تكون إلا بالقول الصريح القادر عليه، ولا تصح بالوطء ودواعيه من القبلة، والمباشرة بشهوة. وحجة الشافعي، إن الطلاق يزيل النكاح. وقال ابن حزم t: فإن وطئها لم يكن بذلك مراجعا لها حتى يلفظ بالرجعة ويشهد، ويعلمها بذلك، قبل تمام عدتها. فإن راجع ولم يشهد. فليس مراجعاً لقول الله تعالى: ]فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ[ (سورة الطلاق: الآية 2).

[12] وخالف في ذلك الظاهرية، فقالوا: إنه لا يجوز للزوج أن يفوض لزوجته تطليق نفسها، أو يوكل غيره في تطليقها. قال ابن حزم: ومن جعل إلى امرأته أن تطلق نفسها لم يلزمه ذلك كما لا تكون طالقاً، طلقت نفسها أو لم تطلق، لأن الله تعالى جعل الطلاق للرجال لا للنساء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:13 pm

المبحث التاسع

انتهاء الزواج بطرق أخرى

أولاً: الخلع

الحياة الزوجية لا تقوم إلا على السكن، والمودة، والرحمة، وحسن المعاشرة، وأداء كل من الزوجين ما عليه من حقوق. وقد يحدث أن يكره الرجل زوجته، أو تكره هي زوجها.

والإسلام في هذه الحال يوصي بالصبر والاحتمال، وينصح بعلاج ما عسى أن يكون من أسباب الكراهية، قال الله تعالى: ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[ (سورة النساء: الآية 19).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2672).

إلا أن البغض قد يتضاعف، ويشتد الشقاق، ويصعب العلاج، وينفد الصبر، ويذهب ما أسس عليه البيت من السكن والمودة، والرحمة، وأداء الحقوق، وتصبح الحياة الزوجية غير قابلة للإصلاح، وحينئذ يرخص الإسلام بالعلاج.

فإن كانت الكراهية من جهة الرجل، فبيده الطلاق، وهو حق من حقوقه، وله أن يستعمله في حدود ما شرع الله.

وإن كانت الكراهية من جهة المرأة، فقد أباح لها الإسلام أن تتخلص من الزوجية بطريق الخلع، بأن تعطي الزوج ما كانت أخذت منه باسم الزوجية ليُنهي علاقته بها. وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ]وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ[ (سورة البقرة: الآية 229).

وفي أخذ الزوج الفدية عدل وإنصاف، إذ أنه هو الذي أعطاها المهر وبذل تكاليف الزواج، والزفاف، وأنفق عليها، وهي التي قابلت هذا كله بالجحود، وطلبت الفراق، فكان من الإنصاف أن ترد عليه ما أخذت.

وإن كانت الكراهية منهما معًا: فإن طلب الزوج التفريق فبيده الطلاق وعليه تبعاته، وان طلبت الزوجة الفرقة، فبيدها الخلع وعليها تبعاته كذلك.

1. تعريف الخُلع

الخلع الذي أباحه الإسلام مأخوذ من خلع الثوب إذا أزاله، لان المرأة لباس الرجل، والرجل لباس لها، قال الله تعالى: ]هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ[ (سورة البقرة: الآية 187). ويسمى الفداء، لان المرأة تفتدي نفسها بما تبذله لزوجها. وقد عرفه الفقهاء بأنه "فراق الرجل زوجته ببدل يحصل عليه". أي بمال أو ما في حكم المال.

والأصل فيه ما روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: ]أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ r فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَهً[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4867).

2. ألفاظ الخلع

والفقهاء يرون أنه لابد في الخلع من أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ مشتق منه. أو لفظ يؤدي معناه. ولو كان طلاقاً من الزوج.

ومما يدل على هذا أن النبي r أمر ثابت بن قيس أن يطلق امرأته في الخلع تطليقه، ومع هذا أمرها أن تعتد بحيضه وهذا صريح في أنه فسخ، وإن وقع بلفظ الطلاق.

3. العوض في الخلع

الخلع ـ كما سبق ـ إزالة ملك النكاح في مقابل مال؛ فالعوض جزء أساسي من مفهوم الخلع.

فإذا لم يتحقق العوض لا يتحقق الخلع. فإذا قال الزوج لزوجته: خالعتك وسكت لم يكن ذلك خلعاً، ثم إنه إن نوى الطلاق، كان طلاقاً رجعياً. وإن لم ينو شيئاً لم يقع به شيء، لأنه من ألفاظ الكناية التي تفتقر إلى النية .

4. حرمة الإساءة إلى الزوجة لتختلع

يحرم على الرجل أن يؤذي زوجته بمنع بعض حقوقها. حتى تضجر وتختلع نفسها. فإن فعل ذلك فالخلع باطل، والبدل مردود، ولو حكم به قضاء.

وإنما حرم ذلك حتى لا يجتمع على المرأة فراق الزوج والغرامة المالية، وقال الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاَتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ[ (سورة النساء: الآية 19).

5. جواز الخلع في الطهر والحيض

يجوز الخلع في الطهر والحيض، ولا يتقيد وقوعه بوقت، لأن الله سبحانه أطلقه ولم يقيده بزمن دون زمن. قال الله تعالى: فلا جناح عليهما فيما افتدت به.

ولأن الرسول r أطلق الحكم في الخلع لامرأة ثابت بن قيس، من غير بحث، ولا إستفصال عن حال الزوجة، وليس الحيض بأمر نادر الوجود بالنسبة للنساء.

6. الخلع يجعل أمر المرأة بيدها

ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء المسلمين، إلى أن الرجل إذا خالع امرأته ملكت نفسها وكان أمرها إليها، ولا رجعة له عليها؛ لأنها بذلت المال لتتخلص من الزوجية، ولو كان يملك رجعتها لم يحصل للمرأة الافتداء من الزوج بما بذلته له. وحتى لو رد عليها ما أخذ منها، وقبلت ـ ليس له أن يرتجعها في العدة؛ لأنها قد بانت منه بالخلع نفسه.

7. جواز تزوجها برضاها في عدتها

ويجوز للزوج أن يتزوجها برضاها في عدتها، ويعقد عليها عقداً جديدا.

8. الشقاق بين الزوجين

إذا وقع الشقاق بين الزوجين واستحكم العداء وخيف من الفرقة وتعرضت الحياة الزوجية للإنهيار بعث الحاكم  حكمين لينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة من إبقاء الحياة الزوجية أو إنهائها. يقول الله سبحانه: ]وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا[ (سورة النساء: الآية 35)، ويشترط أن يكون الحكمان عاقلين بالغين عدلين مسلمين.

ولا يشترط أن يكونا من أهلهما، فإن كانا من غير أهلهما جاز، والأمر في الآية للندب، لأنها أرفق من جانب وأدري بما يحدث، وأعلم بالحال من جانب آخر.

وللحكمين أن يفعلا ما فيه المصلحة من الإبقاء أو الإنهاء دون الحاجة إلى رضا الزوجين أو توكيلهما[1].

ثانياً: الظهار

1. تعريفه

الظهار مشتق من الظهر، وهو قول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي.

قال في الفتح: (وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء، لأنه محل الركوب غالباً، ولذلك سمي المركوب ظهراً فشبهت المرأة بذلك. لأنها مركوب الرجل ".

والظهار كان طلاقاً في الجاهلية، فأبطل الإسلام هذا الحكم، وجعل الظهار محرماً للمرأة حتى يكفِّر زوجها.

فلو ظاهر الرجل يريد الطلاق، كان ظهاراً، ولو طلق يريد ظهاراً كان طلاقاً، فلو قال: "أنت علي كظهر أمي" وعنى به الطلاق لم يكن طلاقاً، وكان ظهاراً لا تطلق به المرأة.

2. حكم الظهار

اجمع العلماء على حرمته؛ فلا يجوز الإقدام عليه لقول الله تعالى: ]الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ[ (سورة المجادلة: الآية 2).

3. قصة تحريم الظهار

أصل ذلك ما ثبت في السنة ]أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة.. فذهبت تجادل فيه رسول الله r واشتكت إلى الله، وسمع الله شكواها. فقالت: "يا رسول الله؟ إن أوس بن الصامت تزوجني، وأنا شابة مرغوب فيَّ، فلما خلا سني ونثرت بطني، جعلني كأمه عنده، فقال لها رسول الله r: ما عندي في أمرك شيء" ! فقالت: "اللهم إني أشكو إليك"[ وروي أنها قالت: "إن لي صبية صغاراً، إن ضمهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا". فنزل القرآن. وثَعْلَبَةَ قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ r أَشْكُو إِلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ r يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا إِلَى الْفَرْضِ فَقَالَ يُعْتِقُ رَقَبَةً قَالَتْ لاَ يَجِدُ قَالَ فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَتْ مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَتْ فَأُتِيَ سَاعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ قَالَ قَدْ أَحْسَنْتِ اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّك[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1893)[2].

4 هل الظهار مختص بالأم

ذهب الجهور إلى أن الظهار يختص بالأم، كما ورد في القرآن، والسنة. فلو قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي كان مظاهراً، ولو قال لها: أنت علي كظهر أختي لم يكن ذلك ظهاراً.

وذهب البعض، منهم الأحناف والأوزعي والثوري والشافعي في أحد قوليه، وزيد بن علي، إلى أنه يقاس على الأم جميع المحارم.

فالظهار عندهم هو تشبيه الرجل زوجته في التحريم بإحدى المحرمات عليه على وجه التأبيد بالنسب أو المصاهرة أو الرضاع، إذ العلة هي التحريم المؤبد.

5. من يكون منه الظهار

والظهار لا يكون إلا من الزوج العاقل البالغ المسلم، لزوجة قد انعقد زواجها انعقاداً صحيحاً نافذاً.

6 الظهار المؤقت

الظهار المؤقت هو إذا ظاهر من امرأته إلى مدة. مثل أن يقول لها: "أنت علي كظهر أمي إلى الليل". قال الخطابي: واختلفوا فيه إذا بر فلم يحنث.

فقال مالك وابن أبي ليلى، إذ قال لامرأته: "أنت علي كظهر أمي إلى الليل" لزمته الكفارة وإن لم يقربها. وقال أكثر أهل العلم: لا شيء عليه إن لم يقربها.

7 أثر الظهار

إذا ظاهر الرجل من امرأته، وصح الظهار ترتب عليه أثران:

أ. الأثر الأول: حرمة إتيان الزوجة حتى يكفر كفارة الظهار، لقول الله سبحانه: ]مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا[ (سورة المجادلة: الآية 3)، كما يحرم المسيس، فإنه يحرم كذلك مقدماته، من التقبيل والمعانقة ونحو ذلك، وهذا عند جمهور العلماء. وذهب بعض أهل العلم إلى أن المحرم هو الوطء فقط، لأن المسيس كناية عن الجماع.

ب. الأثر الثاني: وجوب الكفارة بالعود. وهو إتيان ما ظاهر عليه.

8. المسيس قبل التكفير

إذا مس الرجل زوجته قبل التكفير فإن ذلك يحرم، كما تقدم بيانه، والكفارة لا تسقط ولا تتضاعف، بل تبقى كما هي كفارة واحدة.

قال الصلت بن دينار[3]: سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل أن يكفر؟ فقالوا: كفارة واحدة.

9. مقدار الكفارة (كفارة الظهار)

والكفارة هي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع، فإطعام ستين مسكيناً. لقول الله سبحانه: ]وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً[ (سورة المجادلة: الآيتان 3، 4).

وقد روعي في كفارة الظهار التشديد، محافظة على العلاقة الزوجية، ومنعا من ظلم المرأة؛ فإن الرجل إذا رأى أن الكفارة يثقل عليه الوفاء بها، احترم العلاقة الزوجية، وامتنع عن ظلم زوجته.

ثالثاً: الفسخ

1. تعريفه

فسخ العقد: نقضه، وحل الرابطة التي تربط بين الزوجين، وقد يكون الفسخ بسبب خلل وقع في العقد، أو بسبب طارئ عليه يمنع بقاءه.

2. مثال الفسخ بسبب الخلل الواقع في العقد:

إذا تم العقد وتبين أن الزوجة التي عقد عليها أخته من الرضاع، فسخ العقد.

3. مثال الفسخ الطارئ على العقد:

إذا أرتد أحد الزوجين عن الإسلام ولم يعد إليه، فُسخ العقد؛ بسبب الردة الطارئة.

والفسخ سواء أكان بسبب طارئ على العقد، أم بسبب خلل فيه، فإنه ينهي العلاقة الزوجية في الحال.

4. الفسخ بقضاء القاضي

من الحالات ما يكون سبب الفسخ فيها جلياً لا يحتاج إلى قضاء القاضي، كما إذ تبين للزوجين أنهما أخوان من الرضاع، وحينئذ يجب على الزوجين أن يفسخا العقد من تلقاء نفسيهما.

ومن الحالات ما يكون سبب الفسخ خفياً غير جلي؛ فيحتاج إلى قضاء القاضي، ويتوقف عليه، كالفسخ بإباء الزوجة المشركة الإسلام إذا أسلم زوجها، لأنها ربما لا تمتنع فلا يفسخ العقد.

رابعاً: اللعان

1. تعريفه

اللعان مأخوذ من اللعن، لأن الملاعن يقول في الخامسة: ]أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ[ (سورة النور: الآية 7). وقيل هو الإبعاد.

وسمي المتلاعنان بذلك، لما يعقب اللعان من الإثم والإبعاد، ولأن أحدها كاذب، فيكون ملعوناً. وقيل: لأن كل واحد منهما يبعد عن صاحبه بتأبيد التحريم .

2. حقيقة اللعان

أن يحلف الرجل، إذا رمى امرأته بالزنا، أربع مرات إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وأن تحلف المرأة عند تكذيبه أربع مرات، إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن عليها غضب الله إن كان من الصادقين.

3. مشروعيته

إذا رمى الرجل امرأته بالزنا، ولم تقر هي بذلك، ولم يرجع عن رميه. فقد شرع الله لهما اللعان.

روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ]أَنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ r بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ r الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ الْبَيِّنَةَ وَإِلا حَدٌّ فِي ظَهْرِك فقال: والذي بعثك بالحق نبياً إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (٨) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ r فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَجَاءَ هِلالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ r يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا وَقَالُوا إِنَّهَا مُوجِبَةٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ثُمَّ قَالَتْ لاَ أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ r أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ r لَوْلا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4378).

4. صورتا اللعان

ويكون اللعان في صورتين:

أ. الصورة الأولى: أن يرمى الرجل امرأته بالزنى، ولم يكن له أربعة شهود يشهدون عليها بما رماها به.

ب. الصورة الثانية: أن ينفي حملها منه.

وإنما يجوز في الصورة الأولى إذا تحقق من زناها، كأن رآها تزني، أو أقرت هي، ووقع في نفسه صدقها. والأولى في هذه الحال أن يطلقها ولا يلاعنها.

فإذا لم يتحقق من زناها، فإنه لا يجوز له أن يرميها به. ويكون نفي الحمل في حالة ما إذا أدعى أنه لم يطأها أصلاً من حين العقد عليها، أو ادعى أنها أتت به لأقل من ستة أشهر بعد الوطء، أو لأكثر من سنة من وقت الوطء.

5. شروطه

أ. حضور الحاكم، وينبغي له أن يذكر المتنازعين ويخوفهما بالله ويطلب منهما التوبة.

ب. العقل.

ج. البلوغ.

6. التفريق بين المتلاعنين

إذا تلاعن الزوجان وقعت الفرقة بينهما على سبيل التأكيد ولا يرتفع التحريم بينهما بحال: فعن ابن عباس ]أن النبي r قال: ]المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدا[ (سنن البيهقي الكبرى).

وعن علي وابن مسعود قالا: "مضت السنة ألاّ يجتمع المتلاعنان".

ولأنه قد وقع بينهما من التباغض والتقاطع ما أوجب القطيعة بينهما بصفة دائمة، لأن أساس الحياة الزوجية السكن والمودة، والرحمة، وهما قد فقدا هذا الأساس وكانت عقوبتهما الفرقة المؤبدة.

7. متى تقع الفرقة

تقع الفرقة إذا فرغ المتلاعنان من اللعان، وهذا عند مالك، وقال الشافعي: تقع الفرقة بعد أن يكمل الزوج لعانه. وقال أبو حنيفة، وأحمد والثوري: لا تقع إلا بحكم الحاكم.

8. هل الفرقة طلاق أم فسخ؟

يرى جمهور العلماء أن الفرقة الحاصلة باللعان فسخ. ويرى أبو حنيفة أنها طلاق بائن، لأن سببها من جانب الرجل، ولا يتصور أن تكون من جانب المرأة، وكل فرقة كانت كذلك تكون طلاقاً، لا فسخاً.

وأما الذين ذهبوا إلى الرأي الأول فدليلهم تأبيد التحريم. ويرون أن الفسخ باللعان يمنع المرأة من استحقاقها النفقة في مدة العدة، وكذلك السكني، لأن النفقة والسكني إنما يستحقان في عدة الطلاق لا في عدة الفسخ.

خامساً: العدة

ومما يلحق حالات انتهاء الزواج أن تلبث المرأة مدة من الزمن لا تتزوج فيها ولا تُخطب، وتسمى هذه المدة (عدة):

1. تعريفها

العدة: مأخوذة من العدد والإحصاء: أي ما تحصيه المرأة وتعده من الأيام والأقراء. وهي إسم للمدة التي تنتظر فيها المرأة وتمتنع عن الزواج بعد وفاة زوجها، أو فراقه لها.

وكانت العدة معروفة في الجاهلية. وكانوا لا يكادون يتركونها. فلما جاء الإسلام أقرها لما فيها من مصالح.

وأجمع العلماء على وجوبها، لقول الله تعالى: ]وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ[ (سورة البقرة: الآية 228) . حَدَّثَنَا عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: ]‏ أَنَّ ‏ ‏أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ ‏ ‏طَلَّقَهَا ‏ ‏الْبَتَّةَ ‏ ‏وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ ‏ ‏لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ‏ ‏أُمِّ شَرِيكٍ ‏ ‏ثُمَّ قَالَ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي فَاعْتَدِّي عِنْدَ ‏ ‏ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏ ‏فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ فَإِذَا ‏ ‏حَلَلْتِ ‏ ‏فَآذِنِينِي ‏ ‏قَالَتْ فَلَمَّا ‏ ‏حَلَلْتُ ‏ ‏ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ ‏ ‏مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ‏ ‏وَأَبَا جَهْمٍ ‏ ‏خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَمَّا ‏ ‏أَبُو جَهْمٍ ‏ ‏فَلا ‏ ‏يَضَعُ ‏ ‏عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا ‏ ‏مُعَاوِيَةُ ‏ ‏فَصُعْلُوكٌ ‏ ‏لا مَالَ لَهُ وَلَكِنْ انْكِحِي ‏ ‏أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ‏ ‏فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ انْكِحِي ‏ ‏أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ‏ ‏ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ خَيْرًا ‏ ‏ وَاغْتَبَطْتُ ‏ ‏بِهِ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 3193).

2. حكمة مشروعيتها

أ. للتأكد من براءة الرحم من الحمل حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض.

ب. تهيئة فرصة للزوجين لإعادة الحياة الزوجية إن رأيا أن الخير في ذلك.

ج. التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لم يكن أمراً ينتظم إلا بجمع الرجال، ولا ينفك إلا بانتظار طويل.

3. أنواع العدة

العدة أنواع:

أ. عدة المرأة التي تحيض، وهي ثلاث حيض، لقوله تعالى: ]وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ[ (سورة البقرة: الآية 228).

ب. عدة المرأة التي يئست من الحيض وهي ثلاثة أشهر، لقوله تعالى: ]وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ[ (سورة الطلاق: الآية 4)

ج. عدة المرأة التي مات زوجها، وهي أربعة أشهر وعشراً، ما لم تكن حاملاً.

د. عدة الحامل حتى تضع حملها.

هـ. غير المدخول بها، لا عدة لها، لقوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا[ (سورة الأحزاب: الآية 49).

4. حكم المرأة الحائض إذا لم تر الحيض

إذا طلقت المرأة وهي من ذوات الأقراء. ثم إنها لم تر الحيض في عادتها، ولم تدر ما سببه، فإنها تعتد سنة. أي تتربص مدة تسعة أشهر لتعلم براءة رحمها، لأن هذه المدة هي غالب مدة الحمل، فإذا لم يبين الحمل فيها، فتكون براءة الرحم ظاهرة، ثم تعتد بعد ذلك عدة الآيسات ثلاثة أشهر، وهذا ما قضي به عمر رضي الله عنه.

قال الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر علمناه.

5. سن اليأس

اختلف العلماء في سن اليأس. فقال بعضهم: إنها خمسون، وقال آخرون: إنها ستون، والحق أن ذلك يختلف باختلاف النساء.

قال ابن تيمية: "اليأس يختلف باختلاف النساء، وليس له حد يتفق عليه النساء، والمراد بالآية أن إياس كل امرأة من نفسها، لأن اليأس ضد الرجاء. فإذا كانت المرأة قد يئست من المحيض ولم ترجه، فهي آيسة وإن كان لها أربعون أو نحوها، وغيرها لا تيأس منه وإن كان لها خمسون.

6. عدة الحامل

وعدة الحامل تنتهي بوضع الحمل، سواء أكانت مطلقة أو متوفي عنها زوجها؛ لقول الله تعالى: ]وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[ (سورة الطلاق: الآية 4).

7. عدة المتوفي عنها زوجها

والمتوفي عنها زوجها عدتها أربعة أشهر وعشرا، ما لم تكن حاملاً، لقول الله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا[ (سورة البقرة: الآية 234)[4]. وهذه العدة تلزم كذلك من كانت غير مدخول بها.

8. عدة المستحاضة

المستحاضة تعتد بالحيض. ثم إن كانت لها عدة فعليها أن ترعي عادتها في الحيض والطهر، فإذا مضت ثلاث حيض انتهت العدة، وإن كانت آيسة انتهت عدتها بثلاثة أشهر.

9. لزوم المعتدة بيت الزوجية

يجب على المعتدة أن تلزم بيت الزوجية حتى تنقضي عدتها، ولا يحل لها أن تخرج منه، ولا يحل لزوجها أن يخرجها عنه. ولو وقع الطلاق أو حصلت الفرقة، وهي غير موجودة في بيت الزوجية، وجب عليها أن تعود إليه بمجرد علمها.

يقول الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ[ (سورة الطلاق: الآية 1).

وعن الفُريعة بنت مالك بن سنان. وهي أخت أبي سعيد الخدري: ] أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏‏r ‏تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي ‏ ‏بَنِي خُدْرَةَ ‏ ‏فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ ‏ ‏أَبَقُوا ‏ ‏حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ ‏ ‏الْقَدُومِ ‏ ‏لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏r‏ ‏أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فَإِنِّي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏r‏ ‏نَعَمْ قَالَتْ فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ ‏أَوْ فِي الْمَسْجِدِ‏ دَعَانِي ‏أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ ‏ ‏لَهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْتِ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي قَالَتْ فَقَالَ ‏ ‏امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. ‏قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ ‏عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ‏أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِه[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1957). وكان عمر يرد المتوفي عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج.

ويستثنى من ذلك المرأة البدوية إذا توفي عنها زوجها فإنها ترتحل مع أهلها إذا كان أهلها من أهل الارتحال. وخالف في ذلك عائشة وابن عباس وجابر بن زيد والحسن وعطاء، وروى عن علي وجابر.

فقد كانت عائشة تفتي المتوفي عنها زوجها بالخروج في عدتها وخرجت بأختها أم كلثوم، حين قتل عنها طلحة بن عبيد الله إلى مكة في عمرة.

10. اختلاف الفقهاء في خروج المرأة في العدة

فذهب الأحناف إلى أنه لا يجوز للمطلقة الرجعية ولا للبائن الخروج من بيتها ليلاً ولا نهاراً.

وأما المتوفي عنها زوجها فتخرج نهاراً وبعض الليل.. ولكن لا تبيت إلا في منزلها. قالوا: والفرق بينهما أن المطلقة نفقتها من مال زوجها، فلا يجوز لها الخروج  كالزوجة، بخلاف المتوفي عنها زوجها فإنها لا نفقة لها، فلا بد أن تخرج بالنهار لإصلاح حالها .

11. نفقة المعتدة

اتفق الفقهاء على أن المطلقة طلاقاً رجعياً تستحق النفقة والسكنى واختلفوا في المبتوتة (أي البائن): فقال أبو حنيفة: لها النفقة والسكنى مثل المطلقة الرجعية.

وقال أحمد: لا نفقة لها ولا سكنى.

وقال الشافعي ومالك: لها السكنى بكل حال ولا نفقة لها

[1] وهذا رأي علي، وابن عباس، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، والشعبي، والنخعي، وسعيد بن جبير ومالك، والأوزاعي، وإسحاق، وابن المنذر.

[2] وفي السنن أن سلمة بن صخر البياضي، ظاهر من امرأته مدة شهر رمضان، ثم واقعها ليلة قبل انسلاخه. فقال له النبي r أنت بذاك يا سلمه. قال: قلت: أنا بذلك يا رسول الله؟ مرتين ـ وأنا صابر لأمر الله، فأحكم فيَّ بما أراك الله. قال: حرر رقبة. قلت: والذي بعثك بالحق نبياً ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي، قال: فصم شهرين متتابعين. قال: فهل أصبت الذي أصبت إلا في الصيام؟ قال: فأطعم وسقاً من تمر ستين مسكيناً. قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين مالنا طعام. قال: فانطلق إلى صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، وكل أنت وعيالك بقيتها. قال: فرحت إلى قومي، فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله السعة وحسن الرأي، وقد أمر لي بصدقتكم.

[3] الصلت بن دينار الأزدي، البصري، أبو شعيب المجنون، مشهور بكنيته، متروك ناصبي، من السادسة.

[4] وإن طلق امرأته طلاقاً رجعياً، ثم مات عنها وهي في العدة اعتدت بعد الوفاة، لأنه توفي عنها وهي زوجته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:14 pm

الملاحق

    قالوا في الأمثال عن الزواج
    أرقام وأحداث قياسية
    أوس بن حارثة يستشير بناته

       

ملحق

قالوا في الأمثال عن الزواج

الأمثال الشعبية دائماً هي الموروث الثقافي لأي بلد والتي غالباً ما تعبر عن ثقافة وتقاليد وعادات هذا البلد. وقد عبرت الكثير من الأمثال عن الزواج، وبينت كيفية اختيار العروس؛ فعندما يختار الرجل زوجته يضع نصب عينه أن يختار الفتاة صاحبة الصفات الحميدة. وهذا له مواصفات عديدة ليست من وجهة نظره، بل من وجهة نظر الرأي السائد. كذلك فإن الجمال له تصوراته ومواصفاته الخاصة للمرأة، وهو تصور مثالي، إلا أن هناك درجة جمال للمرأة، وتأتي الزينة لتقرب بين درجة الجمال الواقعية والقيمة الجمالية المثالية، التي ترسمها في عقلية الجماعة، فالتزين ليس هو من مواد وأدوات الزينة فقط، ولكن هناك تزيناً خلقياً وسلوكياً، وهذا هو ما تتلقنه الفتاة ضمن موروثها وطبقاً للعادات والتقاليد التي تنشأ عليها.

وعن كيفية اختيار العروس تقول الأمثال "دور مع الأيام إذا دارت وخد بنت الأجاويد ولو بارت"، وكذلك "خد بنت الأصول، لا الزمان يطول"، "وخد الأصيلة ولو كانت على الحصيرة"، "الأصيلة تنام مع جوزها على الحصيرة"، "والأصيلة ما تتاقلش بمال"، "اسأل قبل ما تناسب يبان لك الرضا المناسب".

تقدم هذه الأمثال النصيحة لمن يريد الزواج أن يرتبط ويتزوج من بنت الأكابر، مهما كان سنها؛ فهي التي تحفظ شرفه وبيته، فقيمة أسرتها تنعكس على زوجها. فبنت الأصول يجدها الزوج إلى جانبه وقت الشدة، وأصالتها تجعلها تصبر على المتاعب وتعيش سنداً لزوجها. كما يُنصح بالزواج منها مهما غلى مهرها لأن قيمتها لا توزن بمال حيث يثمر هذا الزواج سعادة واستقراراً. وهذا يدعو كل من يقبل على الزواج، وينصحه بالسؤال عن الفتاة المرشحة له حتى لا يقع في مشاكل تكدر عيشته.

وعن أهمية الثوب وإبرازه لمفاتن العروس، وإخفائه لعيوبها، كان هناك العديد من الأمثال "لبس البوصة تبقى عروسة". "لبس الخنفسا تبقى ست النسا". "الخنفسة عند أمها عروسة". "تبقى عورة وبنت عبد ودخلتها يوم الحد".

فالثوب الجميل يداري العيب الجسدي ويجعل من الفتاة التي تفتقد أبرز صور الجمال وتعد ناحلة كأنها (البوصة) والجمال كأنها العروس. فالثوب يصبح صورة جميلة براقة تعويضاً عن الجمال المفقود.

"اللي ما تحني كعبها ما يفرح يوم قلبها"، ويشير هذا المثل إلى أهمية الزواج للفتاة، ويشير أيضاً إلى أن الحناء رمز للفرح ومن التقاليد أن تتجمع السيدات ليلة الحناء في بيت العروس ويشاركن في تزيينها والاحتفال بها.

"اللي ما ياخدني كحلة في عينه، ما أخذه جزمة في رجلي". يحدد هذا المثل اهتمام الفتيات بأن يحرصن على أن ينلن من أزواجهن التقدير والرعاية ويرفضن أي زواج لا يحقق لهن ما يحرصن عليه.

"إن كنت عاوز تمص قصب مص من الوسط، وإن كنت عاوز تخطب خد رفيعة الوسط". "خد الحلو واقعد قباله وإن حبيته زيادة شاهد جماله". "خد المليح واستريح". "اللي عرقوبها تدبح الطير، اهرب منها ما فيها خير".

هذه الأمثال تبرز سمات الجمال في المرأة؛ فهي ممشوقة القد فارغة القوام نحيلة الخصر. وهذه الصورة للجمال تعد من المورثات، فكثيراً ما وردت صورة جمال المرأة على لسان الشعراء القدامى (فارعة القد نحيلة الخصر). فالمجتمع له تصوراته للمواصفات الجمالية للمرأة، وهو تصور مثالي فالجمال، ضرورة للمرأة وتأتي الزينة لتقرب بين درجة الجمال الواقعية والقيمة الجمالية المثالية التي ترسمها فالرجل يسعد باختياره الزوجة الجميلة ذات الصفات المكتملة في الوجه والجسد، ويحذر من الزواج من المرأة التي يفوتها جمال الساق.

كما كان لتفهم الفتاة ومن تريده أثر في الأمثال "إن كان بدك تصون العرض وتلمه جوز بنتك اللي عينها منه" "أخطب لبنتك قبل ما تخطب لابنك" "أخطب لبنتك ولا تخطبش لابنك" وهذه الأمثال موجهة للأب بأن يزوج ابنته من الفتى، الذي ترغبه في حدود كرامة الأسرة، ويحذر من أن يستبد الأب برأيه في زواج ابنته، كما يحث على الاهتمام بتزويج الفتاة من فتى يحافظ على كرامتها وكرامة أسرتها ويحقق لها الاستقرار والسعادة، فإذا لم يكن الزوج متزناً عاقلاً تحملت الفتاة متاعب لا تطيقها.

وكذلك انتشار زواج الأقارب كان له أثر واضح في الأمثال فمثلاً "آخد ابن عمي وأتغطى بكمي". "آخد ابن عمي ولو يسفك دمي" "ما يحمل همك إلا اللي من دمك" "سكينة الأهل ما تدبحش" "نار القريب ولا جنة الغريب".





ملحق

أرقام وأحداث قياسية

·  في عام 1990 أعد أحد مصممي الأزياء، في اليابان، ثوب زفاف من البلاتين الرقيق المبطن بالورق النقدي الياباني، بلغت قيمة الثوب 300 ألف جنيه إسترليني.

·  أطول ثوب زفاف كان طوله 29 متراً و80 سنتيمتر.

·  يقال أن ملك سيام، الذي مات عام 1868م، كان له تسعة آلاف زوجة.

·  اعترفت تيريزا فوجان، أثناء محاكمتها، أنها جمعت بين زوجين في وقت واحد، إحدى وستين مرة خلال خمس سنوات وكان عمرها 24 عاماً.

·  في سوايزلاند ـ في الطرف الجنوبي لقارة أفريقية ـ يعد الملك رمز الصحة والإخصاب، ومن ثم تزوج الملك "سوبوزا الثاني"، الذي كان يسمى أسد سوازيلاند العظيم، من 112 امرأة، أنجبن له 600 من الأولاد.

·  آخر رقم قياسي في الزواج حطمه الماليزي تينج مينج سبونج، الذي تزوج عام 1990، الزواج رقم 561.

·  من بين كل عشرة، في بريطانيا، يتزوج سبعة أشخاص، في مراحل حياتهم. وأربعة من كل عشرة متزوجين يطلقون زوجاتهم.

·  في يونيه 1969 تزوج أوكتافيو جيلين من أدريانا مارتينيز، وكان سن كل منهما 92 عاماً. تم الزواج في مدينة مكسيكو، بعد فترة خطوبة دامت 76 عاماً، وهي أطول فترة خطوبة في العالم.

·  في عام 1986 حدث، في بنجلاديش، نزاع بين أفراد أسرتين على قطعة أرض مزروعة. وكان الحل أن زوَّجوا بنتاً عمرها ثلاثة أشهر إلى صبي عمره 11 شهراً. ودخل هذا الزواج سجل الأرقام القياسية العالمية لأصغر زوجين في العالم.

·  أشهر زواج في القرن العشرين هو زواج الأمير تشارلز، أمير ويلز بإنجلترا، والأميرة ديانا سبنسر، في 29 يوليه 1981، قدم تشارلز في حفل الخطوبة لعروسه سواراً من الزفير محاطاً بأربع عشرة ماسة كبيرة. حضر الحفل نحو نصف مليون شخص في حديقة هايد بارك، وشاهده على الهواء مباشرة نحو 500 مليون مشاهد.

·  تكلف خاتم خطوبة سارة فرجسون، الذي قدمه لها خطيبها الأمير أندرو، 25 ألف جنيه إسترليني، وكان عليه ياقوتة كبيرة محاطة بعشر ماسات.

·  في عام 1988 أقام أحد الأمريكيين حفل زفاف لابنته، في متحف المتروبوليتان في نيويورك، كلفه ثلاثة ملايين جنيه إسترليني.

·  تزوج محمد بن الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم من الأميرة سلامة، في دبي، في إبريل 1981. استمر الحفل سبع ليال، وتكلف 22 مليون جنيه إسترليني.

·  كان وزن جون برورفيوش 589 كيلوجرام، عندما تزوج من جانيت، التي تزن 49 كيلوجرام، في مارس 1978.

·  في أغسطس 1990 تزوج روث، وعمره 28 عاماً، من كيفن كيمبر، وعمرها 93 عاماً.

·  أطول زوجين هما " مارتن فان بيورن " و"آنا هانين سوان"، طول كل منهما 240 سم، تزوجا في 17 يونيه 1871.

 


       

ملحق

أوس بن حارثة يستشير بناته

كان سادات العرب يخبرون بناتهم ويستشيرونهن في أزواجهن وذلك بعد أن يتخيروا لهن الأكفاء، حسباً ونسباً ومكانة اجتماعية، ومن ذلك:

أن الحارث بن عوف المري قال يوماً لخارجة بن سنان المري: أتراني أخطب إلى أحد فيردني؟ فقال: نعم قال: ومن ذاك؟ قال: أوس بن حارثة الطائي، فقال الحارثة لغلامه، ارحل بنا. ففعل، وركبا حتى أتيا أوس بن حارثة في بلاده فوجداه في فناء منزله، فلما رأى الحارث بن عوف قال: مرحباً بك يا حارث، قال: وبك، قال: ما جاء بك؟ قال: جئت خاطباً، قال: لست هناك.

فانصرف ولم يكلمه، ودخل أوس على امرأته مغضباً ـ وكانت من عبس ـ فقالت: من رجل وقف عليك فلم يطل، ولم تكلمه؟ قال: ذاك سيد العرب الحارث بن عوف، قالت: فمالك لم تستنزله؟ قال: إنه استحمق، قالت: وكيف؟ قال: جائني خاطباً. قالت: أفتريد أن تزوج بناتك؟ قال: نعم. قالت: فإذا لم تزوج سيد العرب فمن؟ قال: قد كان ذلك. قالت: فتدارك ما كان منك. قال: بماذا؟ قالت: تلحقه فترده، قال: وكيف وقد فرط مني ما فرط إليه؟ قالت: تقول له لقيتني مغضباً بأمر لم تقدم فيه قولاً، فلم يكن عندي فيه من الجواب إلا ما سمعت، عد ولك عندي كل ما أحببت، فإنه سيفعل، فركب في أثرهما.

قال خارجة بن سنان: فوالله لأني أسير مع الحارث إذ حانت مني التفاتة فرأيت أوساً، فأقبلت على الحارث ـ وما يكلمني غماً ـ فقلت له: هذا أوس بن حارثة في أثرنا، قال: وما نصنع به؟ امض. فلما رآنا لا نقف عليه صاح: يا حارث ! اربع على ساعة، فوقفنا له، فكلمه بذلك الكلام، فرجع مسروراً.

ودخل أوس منزله، وقال لزوجته: ادع لي فلانة ـ لأكبر بناته ـ فأتته فقال: يا بنية هذا الحارث بن عوف سيد من سادات العرب، قد جائني طالباً خاطباً، وقد أردت أن أزوجك منه، فما تقولين؟ قالت: لا تفعل؟ قال: ولم؟ قالت: لأني امرأة في وجهي ردة، وفي خلقي بعض العهدة، ولست بابنة عمه فيرعى رحمي، وليس بجارك في البلد فيستحي منك، ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني، فيكون عليّ في ذلك ما فيه.

قال: قومي، بارك الله عليك، ادعي لي فلانة ـ لابنته الوسطى ـ فدعتها، ثم قال لها مثل قوله لأختها، فأجابته مثل جوابها، وقالت: إني خرقاء، وليست بيدي صناعة، ولا آمن أن يرى مني ما يكره، فيطلقني، فيكون عليّ في ذلك ما تعلم، وليس بابن عمي فيرعى حقي، ولا جارك في بلدك فيستحييك، قال: قومي بارك الله عليك، ادعي لي بهيسة ـ صغرى بناته ـ فأتى بها، فقال لها كما قال لهما، فقالت: أنت وذاك، فقال لها: قد عرضت ذلك على أختيك فأبتاه، فقالت: ـ ولم يذكر لها مقالتيهما: لكني والله الجميلة وجهاً، الصناع يدا، الرفيعة خلقا، الحسيبة أبا، فإن طلقني فلا أخلف الله عليه وبخير ! فقال: بارك الله عليك.

ثم خرج إلى الحارث فقال: زوجتك يا حارث بهيسة بنت أوس، قال: قبلت، فأمر أمها أن تهيأها، وتصلح من شأنها، ثم أمر ببيت فضرب له، وأنزله إياه، فلما هيئت بعث بها إليه.

قال خارجة بن سنان: فلما أدخلت إليه، لبثت هنيهة ثم خرج إليّ، فقلت: أفرغت من شأنك؟ قال: لا والله، قلت: وكيف ذلك؟ قال: لما دخلت إليها قالت: مه ! أعند أبي وأخوتي؟ هذا والله ما لا يكون. قال خارجة: ثم أمر بالرحلة، فارتحلنا ورحلنا بها معنا، فسرنا ما شاء الله، ثم قال لي: تقدم، فتقدمت، وعدل بها عن الطريق، فما لبث أن لحق بي، فقلت: أفرغت؟ قال: لا والله، قلت: ولم؟ قال: قالت لي: أكما يفعل بالأمة الجليبة أو السبية الأخيذة؟ لا والله، حتى تنحر الجزر، وتذبح الغنم، وتدعو العرب، وتعمل ما يعمل لمثلي! قلت: والله أني لأرى همة وعقلاً، وأرجو أن تكون المرأة منجبة إن شاء الله.

قال خارجة: فرحلنا حتى جئنا بلادنا، فأحضر الإبل والغنم، ثم دخل عليها وخرج إليّ، فقلت: أفرغت؟ قال: لا، قلت: ولم؟ قال: دخلت عليها وقلت لها: قد أحضرنا من المال ما قد ترين، فقالت: والله لقد ذكرت لي من الشرف ما لا أراه فيك، قلت: وكيف؟ قالت: أتفرغ للنساء والعرب تقتل بعضها بعضا! قلت: فيكون ماذا؟ قالت: اخرج إلى هؤلاء القوم فأصلح بينهم، ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتك ما تريد، فقلت  والله إني لأرى همة وعقلا، ولقد قالت قولا ..

قال خارجة: ثم قال الحارث: اخرج بنا، فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا فيما بينهم بالصلح، فاصطلحوا على أن يحتسبوا القتلى، فيؤخذ الفضل ممن هو عليه، فحملنا عنهم الديات، فكانت ثلاثة آلاف بعير في ثلاث سنين، فانصرفنا بأجمل الذكر! فمدح بذلك وقال فيه زهير قصيدته:

ـ أمن أم أوفى دمنة لم تكلم.

هند بنت عتبة تختار زوجها:

ومن ذلك أن هند أم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قد خطبها سيدان من قومها فجاء والدها يعرض ذلك لها ويسألها رأيها، فطلبت منه أن يصفهما لها فقال: (أما أحدهما ففي ثروة وسعة من العيش، ان تابعته تابعك، وان ملت عنه حط إليك، تحكمين عليه  في أهله وماله).

وأما الآخر (فموسع عليه، منظور إليه، في الحسب حسيب والرأي أريب، مدره أرومته، وعز عشيرته، شديد الغيرة لا ينام على ضعة ولا يرفع عصاه على أهله). فقالت: يا أبت الأول سيد مضياع للحرة، فما عست أن تلين بعد ابائها، وتضيع تحت جناحه، إذا تابعها بعلها فاشرت وخافها أهلها فأمنت؟ ساء عند ذلك خالها وقبح عند ذلك دلالها، فإن جاءت بولد أحمقت، وان أنجبت فمن خطأ ما أنجبت، فاطو ذكر هذا عني ولا تسمعه على بعد، وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة الحرة العقيلة، وإني لأخلاق مثل هذا الرجل لموافقة، فزوجنيه وكان أبا سفيان فزوجها إياه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى   الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:15 pm

المصادر والمراجع

أولاً: القرآن الكريم

ثانياً: كتب السُّنة

ثالثاً: الكتب:

1.   ابن كثير، "تفسير القرآن العظيم"، دار الفكر، بيروت، ط1، 1997.

2.   ابن منظور، "لسان العرب"، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1997.

3.   أحمد الشنتناوي، "عادات الزواج وشعائره"، سلسلة اقرأ، دار المعارف، القاهرة، العدد 169، يناير 1957.

4.   باسمة كيال، "تطور المرأة عبر التاريخ"، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت، 1981.

5.   حسن أيوب، "السلوك الاجتماعي في الإسلام"، دار الندوة الجديدة، بيروت، ط4، 1983.

6.   حسين بن الجبوري، "عوارض الأهلية عند الأصوليين"، نشر جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط1، 1408هـ ـ 1988م.

7.   خير الدين الزركلي، الإعلام. قاموس تراجم، دار العلم للملايين، بيروت.

8.   السيد سابق، فقه السنة، دار الفتح للإعلام العربي، القاهرة، ط 21، 1998.

9.   عبدالسلام الترمانيني، "الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام. دراسة مقارنة"، عالم المعرفة، مطابع الرسالة، الكويت، العدد 80، 1984.

10. عبدالعزيز المسند، "الزواج والمهور وأثرهما في الحياة الاجتماعية"، شركة مطابع الرياض، نجد التجارية، الرياض، دون تاريخ.

11. الفيروزآبادي، "القاموس المحيط"، دار الفكر، بيروت، ط3، 1992.

12. فيلري بورتر، "الزواج في العالم. تقاليد وأرقام قياسية"، دار الرشيد، دمشق وبيروت، ط1، 1993.

13. محمد رواس قلعه جي وزميله، "معجم لغة الفقهاء"، دار النفائس، بيروت، ط 2، 1408هـ، 1988م.

14. محمد كامل عبدالصمد، "موسوعة غرائب المعتقدات والعادات"، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة، ط1، 1995.

15. ول وايريل ديورانت، "قصة الحضارة ترجمة د. زكي نجيب محمود"، دار الجيل، بيروت، 1988.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الحياة الاسريه والامومة والطفولة :: الحياة الزوجية-
انتقل الى: