مع الصوفية في جهادهم.. من عجائب المتصوفة
التاريخ:17/8/2016 - الوقت: 3:54م
عماد الزرقان
يرى كثير من الناس أن التصوف مرتبط بالخمول واعتزال الناس وعدم العمل والاستسلام للظلم، بل إن كثيرا من الناس يربط بين الصوفية والطغاة وأن التصوف هو داعم للطغيان، وأن الفكر الصوفي هو فكر ينتشر عند وجود الطغاة، حتى إن بعض الباحثين الذين يرى أنه كلما زاد الطغيان ازداد انتشار التصوف، وأن الفكر الصوفي هو سبب من أسباب السكوت عن الظلم وأهله.
بل يرى بعض الطاعنين على الصوفية أن من مثالب الصوفية ومن سوئهم هم عدم جهادهم ضد الظلم وأنهم ليس لهم مشاركة في الجهاد ضد أعداء الأمة فهل هذه المقولة صحيحة، وهل التاريخ يصدق هذه الدعوى وهل الفكر الصوفي يدعوا إلى الخمول والسكوت عن الظلم والطغاة وعدم الجهاد.
وليس لنا تفسير لسوء الفهم هذا الذي نشأ عن الصوفية إلا بأحد أمرين؛ إما رجل حاقد مغرور يعادي أولياء الله ويريد الطعن عليهم، وإما بسبب بعض المفاهيم التي تكلم بها الصوفية ففهمت عنهم خطأ، ومنها وقولهم بأن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر وأن جهاد الأعداء هو الجهاد الأصغر، ولكن الصوفية نظروا إلى أن النفس والشيطان أعداء غير ظاهرين وجهادهم يصعب على الإنسان، وأن الأعداء المحاربين هم ظاهرون فجهادهم يسهل على الأمة فسمي أصغر.
ولهم في ذلك قدوة من كتاب الله تعالى؛ فالله تعالى جعل في كتابه خطر المنافقين على الأمة أشد من خطر الكفار المحاربين لأن أولئك أخفياء فضررهم أعظم وهؤلاء ظاهرون فضررهم أخف، وقد جعل الله المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
ولننظر أولا إلى الفكر الصوفي وحديثه حول الجهاد وقتال الظلمة والطغاة فهذا الإمام أبو الموهب عبد الوهاب الشعرانى القطب الرباني(ت973هـ) يقول :"من لبس جديدا أو أكل هنيئا أو ضحك في نفسه أو سعد في بيته و الأمة الإسلامية في كرب و شدة، فقد برىء منه الإسلام". ويقول أبو طالب محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي شيخ الصوفية (ت 386 هـ): ".... ولذلك صار الجهاد أفضل لأنه حقيقة الزهد في الدنيا".
في كتاب الإحياء للإمام الغزالي:"... إن المنافقين كرهوا القتال، خوفاً من الموت، أما الزاهدون المحبون لله تعالى، فقاتلوا في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص" وفي موطن آخر يقول حجة الإسلام :"ولقد عظم الخوف من أمر الخاتمة فأسلم الأحوال عن هذا الخطر خاتمة الشهادة".
وهذا السري السقطي (ت 253 هـ) الذي ينتمي إليه أكثر مشايخ الصوفية، ويتجلى رأيه في الجهاد حين فسر لأهل الثغر الآية الكريمة: "اصبروا وصابروا ورابطوا" فقال: صابروا عند القتال بالثبات والاستقامة. قال الحسن البزار: سألت أحمد بن حنبل عن السري بعد قدومه من الثغر فأثنى عليه.
وقال الإمام الشعراني القطب الرباني الشاذلي لخص مبادئ الصوفية في الجهاد في كتابه لواقح الأنوار القدسية قائلاً:"أُخِذَ علينا العهد من رسول الله ص إذا دخلنا ثغراً من ثغور المجاهدين أن ننوي المرابطة مدة إقامتنا ولو لم يكن هناك عدو لاحتمال أن يحدث عدو... وأُخذ علينا العهد من رسول الله ص أن نكرّم الغزاة والحارسين... وأُخِذ علينا العهد العام من رسول الله ص أن نسأل ربنا أن نموت شهداء في سبيل الله لا على فرشنا فإن لم يحصل لنا مباشرة ذلك حصل لنا النية الصالحة... وحصل الأجر كاملاً وأُخِذ علينا العهد العام من رسول الله ص إذا لم يُقسم لنا جهاد أن لا ننفر من الأمور التي تلحقنا بالشهداء في الثواب الأُخروي".
وفي العصر الحديث فهذا علامة حماة في الفقه والتصوف الشيخ محمد الحامد (ت1969م) الذي كان أول من دعا إلى تطهير البلاد من المستعمرين الفرنسيين وله مجموعة خطب مكتوبة تحث على الثورة.
في التاريخ ...
وأما في التاريخ فهذا أبو اسحاق الفزاري (ت 183هـ)، وقد أطلق عليه ابن كثير: "إمام أهل الشام في المغازي"، وترجم له صاحب الحلية ـــــ في تراجم الصوفية ـــــ : "تارك القصور والجواري، ونازل الثغور والبراري". ومنهم أبو العباس السمّاك وكان يرتاد الثغور مع أقرانه، وله مواقف في الدفاع عن أرض الإسلام، وفي وعظ الخليفة هارون الرشيد. ومن وعظه له: اتق الله، فإنك رجل مسؤول عن هذه الأمة، فاعدل في الرعية، وانفر في السرية. ويفرد لنا ابن الجوزي فصلاً خاصاً في كتابه (صفة الصفوة) للزهاد والصوفية الأوائل الذين رابطوا في العواصم والثغور في القرن الثاني، نذكر منهم الشهيد ابن أبي اسحق السبيعي، وحارس ثغر المصيصة محمد بن يوسف الأصبهاني، وحارس ثغر طرسوس أبو معاوية الأسود، والغازي أبو يوسف الغسولي، والفتى المرابط يوسف ابن اسباط .
وهذا أستاذ القوم أبو القاسم الجنيد البغدادي (ت 298هـ) وقد أجمع العلماء قاطبة على فضله وإمامته حتى عده ابن الأثير :"عالم الدنيا في زمانه" وقال ابن تيمية فيه: "الجنيد رضي الله عنه سيد الطائفة، إمام هدى"، إلى أن قال: " ومن خالفه فمن أهل الضلال. وعن جهاده في سبيل الله يقول الجنيد: "وخرجت يوماً في بعض الغزوات،وكان قد أرسل إلي أمير الجيش شيئاً من النفقة، فكرهت ذلك، ففرقته على محاويج الغزاة".
وفي مصر يسطر لنا الشيخ الولي القطب أبو الحسن الشاذلي (ت656هـ) مثالاً رائعاً عن مقاومة الصوفية للغزاة وتذكر كتب التاريخ مشاركته في معركة المنصورة سنة (647هـ) وقد التف حوله أتباعه، ومثل هذا يذكره ابن العماد في معرض كلامه على وفيات سنة (656هـ) "وفيها الشاذلي أبو الحسن المغربي الزاهد شيخ الطائفة الشاذلية كان ضريراً اشتغل بالعلوم الشرعية ثم سلك منهاج التصوف حتى ظهر صلاحه... قدم إلى الإسكندرية في المغرب وصار يلازم ثغرها من الفجر إلى المغرب".
ومن أبرز تلامذة الشاذلي الشيخ الولي القطب أبو العباس المرسي قال عنه ابن تغري بردي "الإمام العارف قطب زمانه... وكان من جملة الشهود بالثغر...".
الصوفية يؤسسون مراكز للجهاد
وهذا الولي أرسلان الدمشقي أبو النجم بن يعقوب بن عبد الرحمن المولود عام 470 ه أسس مقاومة شعبية حقيقية ضد الفرنجة، فمع أنه لم يدخل في خدمة السلطان نور الدين ولم ينتسب لجيش الدولة إلا أنه أسس في رباطه في مسجده عند سور دمشق الشرقي خلايا مقاومة على نهج السلف، فكانوا رهبان الليل وفرسان النهار، وكانوا يطوفون لحماية المدينة من هجمات الصليبيين، ثم يعودون إلى شيخهم في زاويته حيث كان يبث فيهم روح الفداء والشهادة، ويمنحهم مواجد العرفان والشوق للقاء الله والجنة. وكان الشيخ يعلمهم في الرباط المبارزة وفنون القتال حتى لقب الشيخ بإمام السالكين وشيخ المجاهدين وحتى الآن يردد أهل الشام في أرجوزاتهم "شيخ رسلان يا شيخ رسلان، يا حامي البر والشام"، وممن روى كراماته وعجائبه العماد الأصفهاني في كتابه شذرات الذهب.
اش الشيخ أرسلان نحو خمسة وتسعين عاماً لم يتغير فيها حماسه للجهاد ضد الفرنجة، وتأكيده على دور الشباب في المقاومة والجهاد، ولم يفارق زاويته التي نصبها عند خيمة خالد بن الوليد حتى لقي الله في عام 541 هجرية بعد تحرر دمشق من الصليبيين وظلت زاويته على أسوار مدينة دمشق رباطاً للشباب الذاكرين المجاهدين حتى تم تحرير القدس على يد صلاح الدين الأيوبي بعد وفاة الشيخ أرسلان باثنين وعشرين عاماً.
شبهات وردها حول الغزالي إمام الصوفية أبو حامد حجة الإسلام
نرى كثيرا من المغرضين يطعن على الإمام الغزالي حجة الإسلام أنه لم يقاوم الحملة الصليبية ضد بيت المقدس، وأنه لم يشارك في الجهاد، ويجدون ذلك مدخلا للطعن على الصوفية وعلى الأمام حجة الإسلام، وذكر بعض الباحثين طعونا كثيرة وهم يؤلفون الكلام حول الإمام رحمه الله، فنقول إن الإمام الغزالي خاض في الجهاد والسياسة وربما لم يشارك في المقاومة ضد الحملة الصليبية على بيت المقدس لإنه كان يريد أن تقام حركة جهادية قوية ضد الصليبيين وكان يرى ضعف القوة المقاومة ضد الحملة.
ولا ننسى أن الحملة الصليبية الاولى جاءت وبلاد المسلمين ممزقة يحكم جزء منها السلاجقة ويحكم الخليفة العباسي بغداد ويحكم الفاطميون جزءا كبيرا منها، والفاطميون وهم شيعة إسماعيلية هم من سلموا بيت المقدس للصليبيين، فكل هذه الأحوال جعلت الإمام الغزالي يرى أن الجهاد يجب أن يكون تحت راية إمام قوي يستطيع دحر الصليبيين لذلك حاول الإمام الغزالي السفر إلى المغرب العربي لينضم إلى القائد المجاهد يوسف بن تاشفين في جهاده وسياسة دولته بالعدل ولكن المنية كانت أسرع من الغزالي.
جهود الإمام الغزالي في السياسة والجهاد
كتب الإمام الغزالى إلى ابن تاشفين ملك المغرب فقال له :"إما أن تحمل سيفك في سبيل الله و نجدة إخوانك في الأندلس، و إما أن تعتزل إمارة المسلمين حتى ينهض بحقهم سواك".
وقد أعجب الإمام الغزالي بورع يوسف وصفاته حتى أنه فكر في الرحيل إلى المغرب لزيارته لكنه عدل عن ذلك حينما بلغه وفاته، وهناك نص كامل للخطاب الذي كتبه الإمام الغزالي وأرسله إلى يوسف ابن تاشفين يحضه فيه على العدل ونصرة الدين، كما عثر على فتوى موجهة لحجة الإسلام بشأن ما كان عليه ملوك الطوائف من التفرق والتخاذل عن الجهاد فأجاب ما ملخصه:"أن يوسف كان على حق في إظهار شعار الإمامة للخليفة المستظهر وأن هذا هو الواجب على كل ملك استولى على قطر من أقطار المسلمين وإذا نادى الملك المشمول بشعار الخلافة العباسية وجبت طاعته على كل الرعايا والرؤساء وكل من تمرد واستعصى فحكمه حكم الباغي ومن حق الأمير أن يرده بالسيف". ودعا للالتفاف حول يوسف وعدم مخالفته ناشراً محامده "استصرخ المسلمون الأمير ناصر الدين وجامع كلمة المسلمين... فلبى دعوتهم وأسرع لنصرتهم بنفسه ورجاله وماله وجاهد بالله حق جهاده ومنحه الله تعالى استيصال شأفة المشركين.
وقد أثبت الدكتور "ماجد عرسان الكيلاني" في كتابه "هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" أن سبب عودة القدس وانتصار صلاح الدين يعود إلى تربية جموع الشعوب المسلمة على يدي الغزالي بعد خروجه من خلوته، وعبد القادر الجيلاني، وأورد الباحث رسائل الغزالي إلى الملوك واستنهاضه للهم، وله في الجانب السياسي كتاب "التبر المسبوك في نصيحة الملوك".
ولا ننسى أن الإمام حجة الإسلام كان فقيها وقد نظر للجهاد في كتبه الفقهة وأنه واجب على الكفاية في حال الطلب، وأنه واجب عين في حال الدفع.
جهاد الصوفية في العصر الحديث
في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين قاد نضال الاحتلال في ليبيا الطريقة الصوفية السنوسية ومؤسسها محمد بن علي السنوسي (ت1859م) تلميذ أحمد بن إدريس الفاسي (ت1853م) رئيس الطريقة الخضيرية الشاذلية عمل السنوسي على بناء قوة عربية إسلامية في صحراء ليبيا تقوم دعاتها على أساس الزوايا والرباطات التي لم تكن للعبادة فقط وإنما كانت مراكز نشاط وحيوية وإصلاح، فكان شيخ الزاوية يربي أتباعه على ضرورة تعلم الرماية وفنون الحرب والاستعداد للجهاد في أي لحظة. وكانت منظمة تنظيماً دقيقاً ولم تجرؤ الحكومات الاستعمارية في شمال أفريقية على مسها.
وقد تحولت هذه الزوايا جميعها عند الغزو الإيطالي لليبيا في مطلع هذا القرن إلى معاقل حقيقية للدفاع عن السيادة والكرامة، تحمّل عبء النضال من خلالها السنوسيون بقيادة البطل المجاهد عمر المختار (1858-1931م) الذي جعل من زاويته الكبرى في واحة الجغبوب مقراً ومركزاً للعمليات العسكرية حتى استشهاده.
في الصومال
وفي الصومال قاد السيد: "محمد عبد الله حسن" (ت1920م) أبرز خلفاء شيخ الطريقة الصالحية (وهي فرع من الشاذلية) بلاده من نصر إلى نصر أكثر من عشرين عاماً حارب فيها قوات أكبر ثلاث دول في القرن التاسع عشر وهي بريطانيا وإيطاليا والحبشة.
في موريتانيا
وتزعم حركة المقاومة في موريتانية في وجه الفرنسيين وتصدى لمطامعهم الزعيم الروحي ماء العينين (ت 1910م) الذي اعتنق الطريقة الفاضلة التي أسسها والده (وهي فرع من القادرية). وفي أفريقية بوجه عام اعتنق زعماء الجهاد تعاليم الطرق الصوفية التي لا يستطيع أحد أن ينكر دورها في نشر الدين والثقافة الإسلامية وفي مقاومة كل مظاهر السيطرة والوجود الأجنبي. وهم جميعاً رفضوا الاستسلام رغم كل العروض المادية والمعنوية وبالرغم مما أصاب زعماء هذه الحركات من خسائر فقد فضلوا الاستشهاد في سبيل الله.
في الجزائر
وفي الجزائر لاحظ الخبراء الفرنسيون أن زعماء حركة الجهاد التي تؤلف محاربتهم انطلقت من الطرق الصوفية وخاصة المرتكزة منها حول الزوايا التي كانت منذ قرون تعتني بالجهاد عند الخطر وتعتني بالعلم والتصوف عند السلم، ومن أبرز تلك الطرق في القرن الماضي القادرية والرحمانية، وقد أنجبت الأولى الأمير عبد القادر الجزائري (1807-1885م) الذي يعتبر (بلا منازع) شيخ المجاهدين في العصر الحديث فضلاً عن كونه من كبار صوفية عصره.
في السودان
والذي دوخ الإستعمار الإنجليزي في السودان، محمد أحمد المهدي (1843-1885) . حفظ القرآن منذ صغره بهرته دون أترابه في الدرس أنوار التصوف فأقبل عليها، وانقطع في جزيرة "عبه" في النيل الأبيض خمسة عشر عاماً وهناك بدأ ممارسة رياضاته السلوكية ليقهر جماح النفس على الصعب ليبدأ مرحلة رفع عمد الإسلام والحرب في سبيل الله ولاسيما والسودان كله يتطلع إلى الخلاص من كابوس الاحتلال الإنكليزي.
في فلسطين
يعد رائد الكفاح في فلسطين في العصر الحديث الشهيد الشيخ عز الدين القسام (1882-1935م) وقد ترجم له صاحب الأعلام الشرقية بقوله: "شيخ الزاوية الشاذلية في جبلة الأدهمية" والده الشيخ عبد القادر القسام من المشتغلين بالتصوف أرسل ابنه لمتابعة تعليمه العالي في الأزهر ثم عاد الابن للتدريس والوعظ في زاوية والده وقد امتاز منذ صغره بالميل إلى الانفراد والعزلة الأمر الذي سيؤثر في مستقبله وسيجعله أكثر قدرة على فهم ما يدور حوله من أحداث. وخلال الحرب العالمية الأولى كان القسام وقد وثق صلاته بمشايخ الجبل وأبرزهم المجاهد إبراهيم العلي ولما احتل الفرنسيون ساحل سورية نادى في تلامذته ومريديه بأن الجهاد أصبح واجباً وفي عام (1920م) توجه الشيخ القسام نحو فلسطين وأخذ يحث على الجهاد في جوامعها وينبه للخطر الصهيوني وقد وجد مع الشيخ بعد استشهاده دعاء كان يضعه في عمامته. ترك القسام للأمة عشرات من الرجال المخلصين قاموا بالدور الرئيسي في الثورة الكبرى في فلسطين عام (1936م).
في الشيشان وداغستان وأفغانستان
وهذا الشيخ منصور أشرمة النقشبندي الشيشاني : أول قائد عسكري صوفي، بمنطقة الشيشان وداغستان وقاد هجمات ناجحة على قوات القيصرية الروسية، واستطاع أن يفني سَرية روسية كاملة على نهر سونجا عام 1785م، وقد أسره الروس في إحدى المعارك عام 1791م، وحكم عليه بالمؤبد، ومات في حصن شكوبليرغ ولم تتوقف مسيرة الجهاد.
وهذا الشيخ خاس محمد أفندي الباراغلاري النقشبندي قائد حركة الجهاد في الشيشان بعد استشهاد الشيخ منصور اشرمة.
وهذا القاضي ملا محمد الكمراوي النقشبندي يقود المجاهدين في انتصارات متوالية على القوات الروسية حتى أطلق عليه اسم الغازي محمد، حيث ظل يحقق انتصارات متوالية بين عامي 1832م إلى 1834م، ويستشهد الرجل في الميدان.
وهذا فضل عمر مجددي النقشبندي عميد الجهاد والمجاهدين في أفغانستان، قاد ثورة جهادية أذلت البريطانيين عام 1921 وهو العام نفسه الذي خرجوا فيه مغرورين بانتصارهم في الحرب العالمية الأولى، كما كان اتباع هذه الطريقة في طليعة المقاتلين ضد الاحتلال السوفيتي.
وهذا الإمام محمد غازي مولا، والقائد الأشهر الشيخ شامل بـ(أسد القوقاز و صقر الجبال) كان غازي مولا وشامل صديقان، وكان شامل يعتبر تلميذًا لغازي، الذي كان مريدًا في الطريقة النقشبنديَّة، وقد جاهدا الروس، وتربَّع الشيخ شامل كإمام عام 1834م وظلّ في مقاومته الروس حتَّى وقوعهِ في الأسر عام 1859، أي أنه حكم وجاهد لمدة 25 عامًا. عُرف عهد الإمام شامل بـ «عهد الشريعة» فقد أزال تمامًا آثار الوثنية في شمال القوقاز، وبدأَ في تأسيس بيت المال وجبي الزكاة وغيرها من الأمور الإسلامية التي أمَّنت له دولة مؤسسة بحقّ..
في مصر
وهذا الشيخ عبدالله الشرقاوي شيخ الأزهر من أصحاب الطريقة الخلوتية الصوفية المشهورة (ولد في حدود سنة 1150هـ، وتولَّى المشيخة خلفًا للشيخ العروسي، وتُوفي سنة 1227هـ)، قاد المصريِّين ضد الحملة الفَرنسية، وحشَد طاقات الأزهر في طليعة مقاومة الاحتلال، وقام محمد علي باشا بوضع الشيخ الشرقاوي تحت الإقامة الجبرية في محاولة منه للقضاء على نفوذ علماء الأزهر.
هذا هو تصوف أهل السنة وهذا هو التصوف الذي التزم بالكتاب والسنة وكان ينتسب إليه غالب علماء الأمة الإسلامية وكتب التراجم كفيلة في بيان ذلك، فمن العجب أن ترى هؤلاء المتصوفة الدراويش الذين يكثرون من الذكر والصلاة ويعتزلون الناس في مقاتلتهم وتنافسهم على الدنيا أبطالا في ساحات الجهاد.
ولكن سرعان ما يزول العجب إذا عرفت أن تصوف أهل السنة هو التطبيق العملي للكتاب والسنة في أجمل صورها، وهو اقتداء بالرسول القائد المجاهد صل الله عليه سـلم.
(البوصلة)