التعبئة النفسية في الأمثال الشعبية الأردنية
· نايف النوايسة
منذ يولد الإنسان وهو في عمق المواجهة مع مستجداتها، وتكون المواجهة في مستواها الخطِر حيثما تكون المسؤولية مكرسة للوطن وإنسانه ومكتسباته، وإن من أولويات تحمل هذه المسؤولية هي الاستعداد واخذ الأهبة والحذر، بمعنى آخر لا بد من تأكيد ثقافة الإحساس بالخطر أو التعبئة النفسية حتى تكون المواجهة لرجحان الكفة لا لتكريس الهزيمة.
لقد تنبه الإنسان الشعبي لهذه المسألة وحمّل مأثوراته وأدبه هذا الوعي، لان نزعة البقاء والبناء عنده اوجب من السعي إلى الدمار والفساد، وهو حريص على سلامته وأمنه بالعقل والمنطق قبل الميل للبطش واستخدام القوة، فالأصل عنده إدارة المعركة بأقل الخسائر لان المبدأ الذي تقوم عليه حياته هو إعمار الأرض بالتعاون وتبادل المنافع والتكافل والوقوف بوجه الظلم والانتصار للمظلوم، وتُعد الأمثال الشعبية من أكثر ألوان الأدب الشعبي حظوة بذلك، لان العبارة الوجيزة الموحية في مثل هذا الميدان أسرع تأثيرا من غيرها.
حين نقول: الطاقة اللي بجي منها الريح سدها واستريح، فإننا نقصد هنا بالشر الداهم، أي لابد من الإجراء الوقائي قبل الإقدام على أي تصرف غير مأمون العواقب.
وحتى يكون الإنسان مستعدا لمواجهة الخطر بالروية والعقل والحزم والاعتماد على الذات أدرج بعض الأمثال الدارجة في الأردن ذات علاقة بالتعبئة النفسية في مثل هذه الحالة:
· الحَقْ اِمْباري السيف: أي أن صاحب الحق يجب أن يتسلح بالقوة ايضاً.
· السيف الطايل بِحْمي الحق إن كان مايل: وهو يشبه
· اِقْلَع الشوك بِيدك: أي لا يد من الاعتماد على النفس في مواجهة المشكلة، فقبل اللجوء إلى أي جهة أخرى التماساً للحل، يلجأ العاقل إلى ما لديه من تدبير وحصافة وإمكانات.
· اللي قرْصَتُهْ الحيّة بِخاف من مَجَرْ الحبل: ويضرب المثل في الحث على الحذر بعد أن ذاق مر التجربة والتورط. ويرد المثل في صيغ عديدة: المقروص اِبْخاف من جَرة الحبل.. والقريص بِخاف من مجرة الحبل.
· ما يِنفع العَليق عند الغارة: وفي هذا المثل الدعوة الصريحة للاستعداد المبكر وأخذ الأهبة والحذر قبل أن تقع المواجهة، والمقصود بالعليق هو وضع العلف في عليق الخيل لإطعامها لحظة حصول الغارة القوم. ويقال المثل بصيغة أخرى(ما ينفع البر عند الغارة)، والبر هنا هو الشعير او القمح.
· إنْ غاب سِرْحان البلاد وذيبها قيّل فيها يا أبو الحصيني اُوْنَام: السرحان والذيب هما واحد والحصيني هو الثعلب، وقيّل من القيلولة، ولا تكون القيلولة إلا عند الأمان، ويضرب المثل حين يغيب الزعيم الرمز صاحب الأمر والعقل والقرار حينذاك يبرز اللئام ويتنمرون.
· بيت بلا كبير ما لُهْ تدبير: ويُضرب المثل للدلالة على أهمية الكبير والقائد في الوصول إلى المبتغى، ويعني ذلك توافق الجماعة أيٍّ كانت على كبير قادر على تحمل المسؤولية قبل البدء بأي عمل.
· عِدْ اِرْجالك وَرْد المَا: ويكشف هذا المثل على أهمية الماء في حياة الشعوب، وان السيطرة على مواردها تُعد من مظاهر القوة، وإعداد الرجال هنا تعني الاستعداد النفسي، وغالبا ما يُطلق على مجموعة الرجال بالقوة، ونردد دائما مثلاً معروفاً يُضرب بمثل هذه المواقف هو: نَفَس الرِجال بِحْيي الرجال.. أي أن من أسباب التعبئة لمواجهة موقف ما إن تقوم بالتحشيد النفسي وتهيئة الناس لاحتمالات كل ما يقع.
· قِيسْ قبل ما تِغيصْ، إنْ وقعتْ ما أصعب التخليص: ولعل في هذا المثل ضوءاً كاشفاً لكل أشكال التعبئة النفسية، وهو وليد تجربة ومعاناة، والإنسان الشعبي لا يطلق كلاماً من دون أن يُدرك أبعاده ومراميه، ويحث المثل على التشاور والتخطيط قبل الإقدام على اتخاذ قرار ما، حتى تُضمن النتائج المرجوة.
· الميِّة بِِتكذب الغطاس: ويضرب هذا المثل للدلالة على أهمية العقل والنظر وعدم التسرع والاندفاع، واختبار الأمر قبل اتخاذ القرار.
لا يُغفل المثل الشعبي دور الكلمة الحقة في المواقف الحرجة، لان التجربة في الحياة هي التي بسطت أمامه الطريق للنظر المتدبر الحكيم، لذلك لفت المثل الشعبي إلى الحذر في المجالس من الكلام الذي لا يفيد(كلمة بالمجلس تِسوى اْحْصان)، وعند التفكير لاتخاذ قرار ما فان الكلام الذي ينفع لا يكون إلا من رأس رجل حكيم يتدبر مخارج العقل ويسلكها ولا يذهب إلى الضجيج والكلام الكثير(كِلمة بت ولا عشرة لَتْ).
تتضمن الأمثال الشعبية الكثير من القيم الايجابية والسلبية، ونحن هنا في هذه العجالة سلطنا الضوء على بعض الأمثال ذات البعد الايجابي، فإذا كان البعض يرى في مثل(حُطْ راسك بين الروس وقُولْ يا قطّاع الروس) صورة من صور الجبن والتخاذل فإنني أقول: لقد صور المثل مرحلة من مراحل حياة الشعوب، ونحن نعرف أن المثل هو نتاج تجربة حية مُعاشة، وفي الحين ذاته نورد المثل التالي(الدنية ولا المنية) في معرض حديثنا عن الكرامة، والتضحية في سبيلها، بالمحصلة لقد تنبه المثل الشعبي للتعبئة النفسية وحشد لها الكثير من أشكال التعبير.