22.04.2017
الصحف العبرية
مقالات وتقارير
الرجل الحديدي
تمهيدا لزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى واشنطن في بداية الشهر القادم، وعلى خلفية نوايا الولايات المتحدة تحريك العملية السلمية، يزداد التوتر بين السلطة الفلسطينية وحماس واسرائيل، لأسباب مختلفة. الاضراب عن الطعام الذي اعلنه 1200 اسير فلسطيني في اسرائيل لم ينتقل بعد الى مستوى مرتفع، لكن في نفس الوقت هناك صراع على السيطرة بين السلطة وحماس في القطاع، الامر الذي يؤثر بشكل مباشر على معيشة السكان وتوفير الكهرباء يوميا. وما زال هناك حساب مفتوح بين حماس واسرائيل، حيث تتهم حماس اسرائيل بقتل أحد نشطائها في الذراع العسكري، مازن فقها، قبل شهر.
فقها الذي تم نفيه الى القطاع في اطار صفقة شليط كان من قادة طاقم الضفة الغربية، الذي يقوم بتمويل واصدار التوجيهات للعمليات في الضفة. لقد تم اطلاق النار عليه من قبل مجهول بمسدس على شاطئ غزة في 24 آذار. ورغم أن حماس قامت باعدام ثلاثة فلسطينيين اتهموا بالتعاون مع اسرائيل في بداية نيسان، إلا أنها لم تنشر بعد اعلانا مفصلا حول حل سر عملية الاغتيال. وحسب اقوال سكان من القطاع، لا يزال التوتر كبيرا في القطاع، واجهزة حماس الامنية تواصل التحقيق والتمشيط المكثف من اجل معرفة اذا كان هناك فلسطينيون قد ساعدوا في عملية الاغتيال.
على المدى القريب لا تقلق الاجهزة الامنية الاسرائيلية من احتمال حدوث عملية انتقامية على حدود القطاع. وهذا على خلفية التكهن بأن حماس من ان تتدهور عملية كهذه الى مواجهة عسكرية اخرى مع اسرائيل، يبدو انها لن تخدم اهدافها الآن. خليل الحية، أحد قادة حماس، قال هذا الاسبوع، إن حماس لا تبحث عن المواجهة مع اسرائيل طالما امتنعت اسرائيل عن ذلك. مع ذلك فان زملاء الفقها في القطاع قد يبادرون الى عملية مدوية في الضفة الغربية وفي داخل الخط الاخضر انطلاقا من فرضية ( يمكن ان تكون خاطئة) بأن اسرائيل ستفضل الآن تركيز ردها في الضفة، وهكذا تبقى المشكلة خاصة بالسلطة الفلسطينية وحدها.
في الشهر الماضي قال رئيس الشباك نداف ارغمان في اجتماع للجنة الخارجية والامن البرلمانية، إن “حماس تريد ضعضعة الوضع الامني في يهودا والسامرة بواسطة العمليات التفجيرية”. وامس الاول، أعلن الشباك بأنه اعتقل على معبر ايرز مواطنتين فلسطينيتين من القطاع، أحداهن مريضة بالسرطان وخرجت لتلقي العلاج في اسرائيل، وحاولتا تهريب مواد متفجرة داخل انابيب للدواء. باستثناء السخرية الكامنة في استغلال المريضات، (وهذا ليس حدثا فريدا من نوعه)، فان هذه الحادثة تشير الى حجم الجهود التي تبذلها حماس من اجل تنفيذ عمليات في الضفة.
الى جانب ذلك، هناك تخوف من وقوع حادث محلي، على خلفية دينية، تستغله حماس من اجل تأجيج الوضع في شرقي القدس والضفة الغربية ضد اسرائيل، والتآمر على السلطة في مدن الضفة. هذه هي خلفية التوصية القاطعة التي قدمتها الاجهزة، وعلى رأسها الشباك، لنتنياهو بمنع دخول الوزراء واعضاء الكنيست الى الحرم خلال عيد الفصح.
يتركز التوتر في القطاع على المواجهة بين حماس والسلطة الفلسطينية، حيث تتهم السلطة حماس باستغلال دعمها المالي للقطاع دون ان تمنحها موطئ قدم في ادارة القطاع. وقد قلصت السلطة مؤخرا حوالي نسبة 30 في المئة من رواتب 65 ألف موظف يتبعون لها في القطاع، والذين اصبح غالبيتهم عاطلين عن العمل رغم ارادتهم منذ سيطرة حماس على القطاع قبل عشر سنوات. لقد تم اظهار قرار السلطة وكأنه جاء بسبب مشاكل مالية نجمت عن تقليص تبرعات الدول المانحة، لكن عمليا يبدو أنه يدور صراع غريزي مقرون بالشعور بالإهانة في رام الله.
طنجرة الضغط في غزة تزداد غليانا، ايضا، بسبب اعلان السلطة بأنها ستتوقف عن دفع ضريبة الوقود الذي تزوده اسرائيل للقطاع، والذي تعتمد عليه محطة الطاقة وتزويد الكهرباء. وقد تراجع تزويد الكهرباء الى ما بين 6 و8 ساعات في اليوم. وحماس تفحص امكانية تقليص تزويد الكهرباء لأربع ساعات فقط. هذه الضائقة تضر بالمستشفيات والمدارس. وفي الجانب الآخر عادت مصر الى اغلاق معبر رفح لفترات طويلة، وتم الغاء جميع التسهيلات على المعبر. وحتى لو حدث هذا بسبب تصاعد صراع مصر ضد ذراع داعش الذي نفذ مؤخرا عدة عمليات قاسية، فان النتيجة تؤثر فورا على القطاع.
رغم الاهمية الرمزية الكبيرة التي يمنحها الفلسطينيون لمشكلة الاسرى، يبدو أن المشكلات اليومية في القطاع هي التي تحظى باهتمام الجمهور هناك. اذا نجح زعيم الاضراب مروان البرغوثي بتجنيد الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية في صراع مستمر، يمكن للإضراب أن يحظى باهتمام أكبر.
في احيان كثيرة يكون للإضراب تأثير كبير، يتعدى جدران السجون. التحقيق في اختطاف الفتيان الثلاثة في غوش عصيون في 2014 كشف بأن قرار تنفيذ العملية نضج في قلوب اعضاء خلية حماس بعد المشاركة في اعتصام تضامن مع السجناء المضربين عن الطعام. وبنظرة الى الوراء، يدور الحديث عن حلقة هامة في السلسلة التي أدت الى التدهور، الذي وصفه نتنياهو امام لجنة مراقبة الدولة في الكنيست.
موقف اسرائيل الرسمي يدعي أنها لن تفاوض الاسرى. وطلب ليبرمان على صفحته في الفيس بوك من الحكومة السير على طريق تاتشر. ففي 1981، في بداية ولايتها، قمعت المرأة الحديدية في بريطانيا اضراب السجناء من ايرلندا. وقد توفي في حينه عشرة من الاسر المضربين عن الطعام، وتحول أحدهم، بوبي سانديس، الى رمز قومي للكاثوليك في شمال ايرلندا. ليس من الواضح اذا كان ليبرمان يريد تكرار الدراما البريطانية مع الفلسطينيين، أو أنه يريد مجرد الحصول على علامات الاعجاب في الفيس بوك. في الاسبوع الماضي قال خلال مقابلة اجرتها معه “يديعوت احرونوت” بأنه نجح في معرفة طريقة نشر المدونات التي تثير الاهتمام الواسع.
وزير الامن يتمتع، على الاقل، بمعرفة تاريخية يعتمد عليها. شباب الاتحاد القومي، الشريك الثانوي والمتطرف في البيت اليهودي، أعلنوا أمس أنهم سيقومون بوضع المناقل لش اللحم أمام سجن عوفر “لكسر معنويات المضربين عن الطعام ومطالبة الحكومة بعدم الخضوع للمخربين”. هذا استفزاز صبياني آخر، لا يبرر حتى ذكره في الصحيفة، لكنه ربما يدل على طبيعة المرحلة.
داعش يركز على البطن الضعيفة لمصر: العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
يكتب تسفي برئيل، في "هآرتس" ان القديسة سانتا كاترينا، ابنة الاسكندرية قتلت في القرن الرابع على طريقة داعش. في البداية تم تعذيبها على عجلة التعذيب، وعندما فشلت آلة الموت بقتلها، تم قطع رأسها. هذا الأسبوع ذكرنا داعش بأن هذا المكان المقدس لليونانيين الارثوذكس في سيناء المسمى على اسم كاترينا، لا يحظى بحماية القديسة المعذبة، عندما قامت احدى خلاياه في سيناء بقتل شرطي مصري كان يحرس المكان.
بعد عشرة أيام من العملية المزدوجة في الكنيستين في مصر والتي اسفرت عن قتل اكثر من 40 شخصا، يواصل داعش تطبيق استراتيجيته الجديدة، التي لم تعد تكتفي بإصابة قوات الامن والمدنيين العابرين، وانما تهدف الى هز نسيج العلاقات الهش بين المسلمين والمسيحيين في مصر.
قبل شهرين اهتزت العريش لمقتل سبعة مواطنين مسيحيين، وهو الحادث الذي تسبب بهرب اكثر من 40 عائلة من المدينة الى الاسماعيلية، حيث تعيش هناك في ظروف اللجوء وتنتظر العودة الى بيوتها. الحكومة المصرية التي تشعر بالقلق الكبير من تطور هذه العمليات الى مواجهات بين المسلمين والمسيحيين، تحاول مساعدة العائلات. لقد وفرت الحماية لاماكن سكناهم، ووفرت اماكن عمل بديلة للمعلمين واستوعبت اولاد العائلات في مدارس المدينة. ويضطر قسم من الهاربين الذين لم يعثروا على عمل في الاسماعيلية، للسفر الى العريش من اجل اعالة عائلاتهم والعودة الى البيت في نهاية الأسبوع من خلال المخاطرة بحياتهم.
لكن المساعدات لا تنجح في تهدئة التوتر الكبير الذي تأجج في الأيام الأخيرة. نائب رئيس جمعية مصر ضد التمييز الطائفي، د. احمد منير مجاهد، يقول انه "لا يوجد فرق بين فترة مبارك وفترة السيسي. فاليوم ايضا لا يوجد محافظ مسيحي واحد، ولا يوجد قائد كبير مسيحي في قوات الأمن ولا حتى رئيس جامعة مسيحي". ومن خلال لقاء نشر معه هذا الاسبوع، طالب السلطة المصرية بعدم الاكتفاء بمحاربة الارهاب الاسلامي الراديكالي وانما العمل من اجل تغيير الاجواء ضد المسيحيين.
هذا الاسبوع نشرت هذه الجمعية التي تأسست عام 2006 وتضم عدة مئات من الاعضاء المسيحيين والمسلمين، بحثا واسعا بعنوان "وضع الأديان في مصر"، والذي يصف التيارات الدينية المتنوعة التي تنشط في الدولة، ومنظومة العلاقات التي جرت بين الأنظمة المختلفة في مصر وبين الحركات الدينية.
في لقاء اجراه موقع "المدون" المصري مع احد اعضاء طاقم البحث، سامح اسماعيل، اشار الى انه بشكل تقليدي، حاولت الكنيسة القبطية الحفاظ على علاقات جيدة مع النظام، وبشكل عام حرصت على الدعم العلني للرئيس المصري، لكنه اتضح ان هذه الاستراتيجية تلقت ضربة خلال انقلاب الربيع العربي، حين خرج الشبان الاقباط، خلافا لتوجيهات القيادة الدينية، للمشاركة في التظاهرات ضد نظام مبارك، الأمر الذي كلفهم الكثير من الضحايا، خاصة خلال المظاهرات التي جرت بالقرب من بناية التلفزيون المصري في تشرين اول 2011. لقد شكل هؤلاء الشبان تنظيما لهم يحمل اسم "اتحاذ شبان مسبيرو" على اسم بناية التلفزيون، وبدأوا المشاركة في الحوار العام على الشبكة الاجتماعية.
قانون غامض
لقد سبب الشرخ بين الجيل الشاب والقيادة القديمة معضلة قاسية للبابا القبطي ثيودوروس الثاني، الذي حاول، من جهة، اظهار دعمه للرئيس الجديد، السيسي، ومن جهة اخرى كان عليه تهدئة الشبان الذين هددوا صلاحياته السياسية. وقد فهم الرئيس السيسي خطر الانقسام داخل الجالية القبطية التي تضم بين 10-12 الف مواطن، وبادر الى سن قانون تاريخي هدفه احباط ادعاءات الجالية، وهو تخفيف اجراءات بناء الكنائس الجديدة.
لكن القانون الجديد الذي استقبل بالترحاب في البداية، اتضح أنه ليس كافيا. صحيح انه تم تقليص اجراءات التراخيص، لكن شروط الحصول عليها لا تزال ثقيلة وخاضعة لقرارات حكام المحافظات. فهؤلاء يمكنهم التحديد، مثلا، بأن حجم الجالية في المنطقة المطلوب بناء كنيسة فيها لا يبرر الطلب، او ان الكنيسة يمكن ان تهدد الامن العام بسبب قربها من مسجد. هذا القانون الغامض يعزز الادعاء بأن الرئيس لا ينوي اجراء تغيير جوهري في منظومة العلاقات بين الاقباط والادارة او شن هجوم مباشر على من يسببون التوتر بين المسلمين والمسيحيين.
حسب رأي مجاهد، "يجب اجراء تغيير اساسي لجهاز التعليم في مصر، خاصة المنهاج التعليمي، وتدريس التسامح الديني وانتزاع التعليم الديني المتزمت من المدارس". كما يقترح اجراء تغيير دراماتيكي في مكانة الأزهر، المؤسسة الاسلامية الاكثر اهمية في مصر، وربما في العالم الإسلامي كله. وحسب اقتراحه يجب تحويل الأزهر من جامعة مفتوحة للجميع، الى مؤسسة عليا لتدريس الدين، يتم فيها تدريس المواضيع الدينية فقط وليس المواضيع المدنية، وتستقبل فقط الجامعيين الذين انهوا دراستهم الاكاديمية. والهدف من ذلك هو ان يتعرف الطلاب على الافكار الليبرالية خلال دراستهم الاعتيادية، ولا يصلون الى الازهر مباشرة فور انتهاء دراستهم الثانوية التي تنطوي ايضا على التعليم الديني الالزامي.
اقتراحات مجاهد بعيدة المدى، بعيدة عن ان يتم تقبلها من قبل الادارة المصرية، وبشكل خاص من قبل الأزهر او علماء الشريعة الاخرين، خاصة وانها تأتي من قبل من يعتبر متآمرا على "النظام الصحيح" القائم في الدولة. لكن مجاهد ليس غريبا جاء من الهامش. لقد كان رئيسا لسلطة الطاقة النووية في مصر، وفي الوقت نفسه اسس الجمعية المكافحة للتمييز. وكان في الجهاز الامني من لم يعجبه ازدواجية المناصب، وفي عام 2015 تم الغاء التعاقد الذي واصل بموجبه العمل حتى بعد خروجه للتقاعد. التفسير الذي تلقاه لهذا القرار هو "اسباب امنية"، لكنه لم يتم تفصيلها حتى اليوم.
من جهته يحاول السيسي اجراء اصلاحات في الحوار الديني، ومع دخوله الى منصبه بادر الى لقاءات مع علماء الشريعة ورجال الأزهر، من اجل تطبيق مبادرته لتنمية الحوار الديني المعتدل، الليبرالي، الذي لا يعادي المسيحيين. في وسائل الاعلام الرسمية يكرسون مكانا واسعا لمقالات حول الحوار الديني المرغوب فيه، وتطرح على طاولة البرلمان قوانين تهدف الى منع نشر فتاوى يصدرها اشخاص لم يخولهم الازهر بذلك. هذا الأسبوع نشر المحلل المصري الهام، مصطفى الفقيه، مقالة ثاقبة، تحدث فيها عن دور المسيحيين المصريين في الحركة القومية، في حروب مصر وفي ثورة الربيع العربي. وتوج المحلل السعودي غسان الامام، مقالته التي نشرت في صحيفة "الشرق الاوسط" الدولية، بعنوان "من يدافع عن الاقباط"، واوضح فيها بأن المسيحيين لا يحتاجون الى رعاية المسلمين لكي يكونوا محميين، فهم جزء لا يتجزأ من الأمة المصرية. و"الدولة (وليس الدين) هي التي يجب ان تدافع عنهم".
صحيح ان الامام ينتقد الاقباط الذين يحملون الدولة المسؤولية الكاملة، لأنه "لا يمكن وضع حارس على كل مسيحي"، ويجب عيلهم تعيين حراس من بينهم للأماكن المقدسة، لكنه ينتقد ايضا وبشدة، الحركة الليبرالية والعلمانية وشبان الثورة الذين لم يخرجوا ضد الاخوان المسلمين وحولوا حركتهم الى شريكة. صحيح ان كلماته موجهة الى مواطني مصر، لكنه، بشكل غير مباشر، يطلق سهامه ايضا ضد النظام السعودي، حين يحدد بأنه يجب منع الفتاوى المحرضة.
صحيح ان هذا الحوار الاعلامي، كما هو الأمر بالنسبة لمبادرة السيسي، يواجه معارضة من قبل الحركات الدينية الراديكالية التي تتمسك بالمس المتوقع بحرية التعبير وحتى بتجاهل الفتاوى الشرعية. ولذلك يحاول السيسي العمل على الاقل على المستوى الشعبي – لقد ظهر لأول مرة في قداس ليلة الميلاد، ويجري محادثات علنية مع البابا القبطي ويرسل كبار المسؤولين في حكومته لالتقاء قادة الجالية.
لكن الجيل القبطي الشاب يطالب بخطوات ملموسة اكثر، تعزز من مشاعر الامن لديهم، خاصة بعد ان اوضحت العمليات في الكنائس، بأنه ساد الاهمال الامني. هذه هي البطن الضعيفة والحساسة التي يستهدفها داعش بواسطة العمليات من اجل تعميق الشرخ بين المسيحيين والنظام، وبين المسيحيين والمسلمين. هذا هو المجال الذي يمكن ان ينجح فيه داعش بشكل اكبر من عملياته التي تستهدف السياحة او قوات الامن.
أسير أم رئيس
يكتب نداف شرغاي، في "يسرائيل هيوم" انه من وجهة نظر الارهابي والأسير المحكوم بالسجن المؤبد، مروان البرغوثي، الذي بادر الى الاضراب المفتوح عن الطعام للأسرى الامنيين في السجون، هذا الأسبوع، فانه ليس إلا نلسون مانديلا الفلسطيني. منديلا، الحائز على جائزة نوبل للسلام، والذي جلس لمدة 27 سنة في سجن جنوب افريقيا، بعد اعتباره ارهابيا، تم انتخابه في نهاية الأمر، رئيسا لجنوب افريقيا. وتوفي قبل حوالي اربع سنوات.
النائب ايمن عودة، الذي زار البرغوثي في السجن قبل حوالي سنة ونصف، قدم له كتاب السيرة الذاتية لمنديلا، الذي يتألف من 1400 صفحة. وقد التهم البرغوثي السيرة بتعطش، وتبنى، ظاهرا، النموذج الجنوب افريقي، على طريق "الرئاسة"، ويركض الآن للحصول على "نوبل".
لقد وقع سبعة من الفائزين بجائزة نوبل للسلام، ومن بينهم الأب ديزموند توتو، من قادة نضال السود في جنوب افريقيا، والرئيس الامريكي السبق جيمي كارتر، على عريضة تطالب بإطلاق سراحه. كما وقع توتو والارجنتيني ادولفو بيريز اسكيفال (الحائز على نوبل) على رسالة توصية تقترح منح الجائزة الثمينة لمن ادين بالقتل وحكم عليه بالسجن المؤبد لخمس فترات، مع الإشارة في رسالتهما الى "التزامه بحقوق الانسان والديموقراطية والمساواة بين النساء والرجال". وحسب رأيهما فانه اذا كان عرفات قد فاز بجائزة نوبل (سوية مع يتسحاق رابين وشمعون بيرس) فلماذا لا تمنح لـ"ورع" مثل البرغوثي؟
عقيدته الحالية متماسكة، ظاهرا. فرغم ماضيه القاتل، يسعى الان للتركيز على "النضال الجماهيري غير العنيف". اضراب الاسرى الأمنيين عن الطعام، الذي بدأ هذا الأسبوع، والذي تم بسببه نقله الى العزل الانفرادي، هو، حسب الجهات الأمنية في اسرائيل، جزء من "النضال الجديد" كما يسعى البرغوثي لتصويره الان، وبشكل لا يقل عن ذلك: خطوة سياسية اولى في رحلة البرغوثي الطويلة نحو قيادة السلطة الفلسطينية، وهي خطوة من شأنها، سواء كان ذلك عمدا ام لا، ان تقود الى تصعيد واضح في المناطق.
ينتصر في الاستطلاعات
قبل عدة اشهر فقط، وصل البرغوثي الى المكان الأول في انتخابات مؤتمر فتح السابع الذي انعقد في رام الله. انه لم يخف أبدًا نيته المنافسة على القيادة في اليوم التالي لانتهاء ولاية ابو مازن، لكن ابو مازن، حاليًا على الأقل، يفضل تنمية آخرين الى جانبه ويتجاهل الأسير المشهور، الذي يحظى بتأييد كبير في الشارع الفلسطيني.
ابو مازن – سواء بضغط اسرائيلي، أو بسبب التخوف من تضعضع مكانته، وربما لهذين السببين معا، يتجاهل عمليا، نتائج انتخابات مؤتمر فتح. لقد عين جبريل الرجوب، الذي انتخب في المكان الثاني بعد البرغوثي في المؤتمر، أمينا عاما للجنة المركزية لحركة فتح، وعين نائبا له في رئاسة فتح، محمود العالول، من قدامى اعضاء الحركة، المولود في نابلس ورئيس التنظيم سابقًا.
البرغوثي يواصل عضويته، عمليا، في اللجنة المركزية للحركة التي تضم 18 عضوا، لكنه تم ابعاده عن موقع القيادة، رغم انه في كل استطلاعات الرأي يتفوق منذ سنوات على كل مرشح آخر.
البرغوثي غاضب على ابو مازن ليس فقط لأنه ابعده عن أي منصب او لقب، وانما ايضا، لأنه يجد صعوبة في التصديق بأن ابو مازن بذل جهدا جديا من اجل اطلاق سراحه من السجن، في اطار صفقة شليط ولفتات مختلفة من قبل اسرائيل، حقق خلالها إطلاق سراح اسرى امنيين. وللحقيقة، فان رجال البرغوثي على اقتناع بأن ابو مازن، ليس فقط لم يبذل جهدا لإطلاق سراحه، وانما يعتبر مواصلة جلوس البرغوثي في السجن مسألة مريحة له.
وفي الواقع – ورغم نفي ابو مازن ورجاله، فان ابو مازن، الذي يحكم السلطة عمليا بمساعدة "حراب" اسرائيل، ويتعلق تماما بدعمها الاقتصادي والعسكري، يملك الكثير من الاسباب التي تجعله يتجاهل البرغوثي. ابو مازن يتخوف من تأييد الشارع العلني للبرغوثي، انه يعرف ايضا، بأن بعض رجاله المخلصين اعلنوا بأنهم سيدعمون ترشيح البرغوثي للرئاسة بعد انتهاء ولايته.
كما يعرف ابو مازن جيدا، عن علاقات الصداقة والتعاون بين البرغوثي وخصمه المرير محمد دحلان، الذي ابعده ابو مازن عن كل موقع تأثير وقيادة. بل ان البرغوثي الذي نسق بعض الخطوات التي قام بها من داخل السجن خلال السنوات الاخيرة، مع حماس، يعتبر مقبولا على بعض قادة هذه الحركة.
في الشارع الفلسطيني يعتبر البرغوثي رئيس اركان الانتفاضة الثانية، والزعيم الشعبي الذي نشأ من القاعدة، والذي طرح، حين كان حرا، بديلا لـ"نبلاء تونس"، الذين جاؤوا من المهجر وسيطروا على الميدان. ولكن، فوق هذا كله، يستأنف البرغوثي على الملأ على قيادة وطريق ابو مازن.
"ثورة بطرق سلمية"
منذ عدة سنوات ينشغل البرغوثي من داخل سجن هداريم بما يسميه – الاستعداد ليوم التحرير. انه يدعم المصالحة مع حماس، يطالب ابو مازن بوقف التعاون الامني مع اسرائيل، يسعى لإلغاء اتفاقيات اوسلو، يؤيد حل الدولتين ويتمسك بحق العودة.
كما انه يبلور نظرية متماسكة للتمرد المدني غير العنيف ضد اسرائيل، يقوم خلالها مئات الآلاف بتنظيم مسيرات جماهيرية حاشدة نحو القدس ومراكز الاسكان الاخرى في اسرائيل. وبشكل خاص سيعملون ضد المستوطنات في يهودا والسامرة، وضد الاحياء اليهودية في القدس الشرقية – وسيسببون اضرار لشبكات الكهرباء والمياه والهاتف التي تصل اليها. ويطلق البرغوثي على خطته اسم "ثورة الشعب بالطرق السلمية". وقد نشرها محلل الشؤون العربية ابي يسسخاروف لأول مرة في موقع "واللا" قبل سنة، ومنذ ذلك الوقت لم تتغير مبادئها.
لقد تم صياغة الخطة خلال نقاشات سرية عقدها اربعة من كبار المسؤولين في فتح، كلهم كانوا قادة في التنظيم في سنوات التسعينيات، ويعتبرون من الأصدقاء الشخصيين للبرغوثي: احمد غنيم، قدورة فارس، سرحان دويكات ومحمد حوراني. وقد التقى هذا الرباعي مع شخصيات رئيسية في قيادة حماس، مثل خالد مشعل وصالح العاروري، الذي وقف وراء الكثير من محاولات تنفيذ عمليات ضد اهداف اسرائيلية، خاصة في مناطق الضفة.
ورغم "الغلاف" اللامع للخطة، الا ان جهات امنية اسرائيلية تتخوف من ان "ثورة الشعب بالطرق السلمية"، كما يسميها البرغوثي، تشكل عمليا غطاء لصراع يدمج بين الارهاب و"الكفاح الشعبي". الاضراب عن الطعام في السجون، والمقالة التي نشرها البرغوثي في "نيويورك تايمز" حول دوافع الإضراب، تعتبر، ظاهرا، الخطوات الاولى في خطته الكبيرة.
رسميا، يهدف الإضراب الى تحسين ظروف اعتقال الأسرى، واستقبال الزيارات وتسهيلات اخرى مثل وضع اجهزة هاتف عمومي في اقسام السجن، والغاء العزل ونقل الاسرى المرضى الى المستشفيات بدلا من معالجتهم في عيادة سلطة السجون. في الواقع، ينظر البرغوثي الى ما هو ابعد من ذلك، ويسعى الى استعادة المكانة التي يعتبر بأن ابو مازن سلبها منه.
انه يريد اعادة رفع موضوع قيادته بواسطة احدى القضايا التي تحظى بأكبر اجماع في الرأي العام الفلسطيني – مكانة الأسرى، حقوقهم، والمطالبة بإطلاق سراحهم. كما يسعى البرغوثي لترسيخ مكانته في نظر اسرائيل وادارة ترامب، كعامل مؤثر يجب اخذه في الاعتبار ومحاورته، بل واطلاق سراحه في نهاية الأمر، بواسطة تفعيل الميدان وتأجيجه.
وبالفعل، في احداث "يوم الأسير"، يوم الاحد الماضي، خرج الآلاف الى الشوارع. الاحداث لا تزال تخضع للسيطرة، ولكن في اسرائيل وفي السلطة الفلسطينية يعرفون انه كما في السابق، هكذا في هذه المرة ايضا، لن تكون هناك حاجة الى الكثير لكي تتأجج النيران: احتكاك متزايد او عدم صبر من جانب جنود او متظاهرين، ومن ثم، احتمال نقل احد الاسرى المضربين الى المشفى او موته، وطبعا ارهاب ساخن من جانب خلايا حماس، التي تحاول طوال الوقت تنفيذ عمليات لكنه يتم احباط غالبيتها.
"ليس اضرابا سياسيا"
لقد حقق البرغوثي اول انجاز: فقادة السلطة ومن بينهم ابو مازن – سواء كانوا يؤيدون البرغوثي او يعتبرونه منافسا – وقفوا وراء الإضراب الذي بادر اليه، بل حذروا من التصعيد المحتمل والتدهور. صحيح ان قدورة فارس، صديق البرغوثي المقرب، ومدير نادي الأسير الفلسطيني، يدعي بأن الاضراب ليس سياسيا، ولكنه يشرح بأن امكانية تطور الامور الى شيء اكبر، قائمة بشكل دائم – "انتفاضة شعبية من اجل الوحدة القومية الفلسطينية".
وقال فارس: "نحن ننقل رسالة واضحة، وهي ان الشعب الفلسطيني لم يتخلّ عن طريق المقاومة، ومن يضرب عن الطعام في السجن يجب ان يحظى بالتأثير المدوي خارج السجن". ومن جهته، حذر اشرف العجمي، وزير شؤون الاسرى في السلطة الفلسطينية، سابقا، من الاشتعال ووصف قائمة مطالب البرغوثي والاسرى بانها شرعية.
واعلن رئيس دائرة شؤون الاسرى، عيسى قراقع، عن "انتفاضة الأسرى" واعتبر المسألة "مقدسة". وحذر قراقع من ان "حكومة الاحتلال لن تستمتع بالهدوء والامن طالما كانت تخرق حقوق الفلسطينيين".
وبشكل غير مفاجئ، انضم قسم من القيادة السياسية للعرب في اسرائيل الى الخطوة. اعضاء الكنيست يوسف جبارين، اسامة السعدي وعايدة توما سليمان، اعربوا عن دعمهم لمطالب البرغوثي. بل قامت سليمان بتقديم طلب لزيارة البرغوثي والغاء الأمر الذي اصدره وزير الامن الداخلي غلعاد اردان، بمنع زيارة النواب للأسرى الأمنيين.
يجب الاشارة الى ان هذا الأمر قطع مسيرة النواب العرب والزوار الذين زاروا البرغوثي في السجن طوال سنوات، خلال الفترة التي اعتبرته فيها جهات يسارية وكذلك جهات في معسكر الوسط الاسرائيلي، مرشحا لـ"قيادة قوية" يمكن عقد صفقات معها بعد ابو مازن.
لكن هذه القناة لم يحبها الجميع. فوزير الامن السابق، موشيه يعلون، ورئيس الشاباك الأسبق ابي ديختر، رئيس لجنة الخارجية والامن حاليا، عارضا بشدة ولا يزالان يعارضان كل صفقة تفضي الى إطلاق سراح البرغوثي.
ضمن قائمة الشخصيات التي حافظت على اتصال معه او دعمت اطلاق سراحه، يمكن العثور على اسماء رئيس الشاباك سابقا كرمي غيلون وكذلك عامي ايلون، النائب السابق حاييم اورون، الوزير السابق حاييم رامون، الأديب عاموس عوز، النائبان عمير بيرتس وتسيبي لفني. قبل 13 سنة وافق رئيس الحكومة الأسبق، اريئيل شارون على إطلاق سراح البرغوثي في اطار صفقة محتملة مع الولايات المتحدة، مقابل إطلاق سراح جونثان بولارد، لكن الامريكيين رفضوا الفكرة.
لا توجد انتخابات في الأفق
لا يزال من المبكر لأوانه التكهن كيف سيتطور اضراب الأسرى عن الطعام، الذي يقف البرغوثي من خلفه. ولكن كل حكومة اسرائيلية ستقرر في المستقبل اطلاق سراح البرغوثي، سيكون عليها الشرح للجمهور كيف تطلق سراح اسير مؤبد قاد خلايا الارهاب في التنظيم وكتائب شهداء الاقصى، وساعد في تمويل وتسليح الخلايا الارهابية، وصادق على تنفيذ عمليات واتهم من قبل الدولة بالضلوع في ما لا يقل عن 37 عملية ارهابية، رغم ادانته في النهاية "فقط" في خمس عمليات قتل لإسرائيليين ومحاولة قتل اخرى.
لقد كان البرغوثي احد قادة الانتفاضة الاولى وطرد الى الأردن، وعاد في اطار اتفاقيات اوسلو. وفي 1996 انتخب لعضوية المجلس التشريعي الفلسطيني، وفي 2000 تم تعيينه امينا عاما لحركة فتح في الضفة. وقد فاجأته الانتفاضة الثانية، لكنه سرعان ما اندمج فيها واصبح احد قادتها البارزين.
لقد تحول التنظيم الذي قاده البرغوثي الى الجناح العسكري لحركة فتح، ونفذ الكثير من العمليات ضد اسرائيليين. وفي 2001 نجا البرغوثي من محاولة اغتيال مركز، وخلال عملية السور الواقي، بعد سنة من ذلك، تم اعتقاله في حي الطيرة في رام الله، والتحقيق معه واتهامه بأعمال القتل التي نفذها رجاله.
وحدد القضاة بأنه تم احضار ادلة قاطعة امامهم بشأن اربع عمليات تم تنفيذها بمصادقته وتشجيعه ومعرفته، وتم خلالها قتل خمسة اشخاص: العملية في محطة الوقود في غبعات زئيف، التي قتلت فيها يوئيلا حين، العملية في مطعم "سي فود ماركت" التي قتل خلالها ثلاثة اشخاص، محاولة تنفيذ العملية في كانيون المالحة في القدس، والتي انتهت بمقتل المخربين جراء انفجار السيارة التي اقلتهما في الطريق، وقتل راهب يوناني على شارع معالي ادوميم.
وحدد القضاة سارة سيروطه وعميرام بنياميني وابراهام طال، بأن البرغوثي كان قائد الخلايا الارهابية في التنظيم وكتائب شهداء الاقصى، وساعد قادة الخلايا ونشطاء الارهاب من خلال تزويدهم بالوسائل القتالية والتمويل المادي، وفي عدة حالات صادق مسبقا على تنفيذ عمليات ضد اسرائيل. كما حدد القضاة بأن المصطلح الذي استخدمه البرغوثي "نشاط عسكري" ليس الا لغة نقية للعمليات الارهابية التي نفذتها خلايا فتح، في اطار التنظيم وكتائب شهداء الاقصى.
رغم عدم تعاونه مع القضاة، الا ان البرغوثي قدم خلال مرحلة تلخيص محاكمته بيانا ادعى فيه انه يعارض قتل النساء والاولاد والابرياء. الا ان قضاته كتبوا بأنه لا مجال للشك بأن البرغوثي شارك وترأس النشاط القاتل الذي هدف الى اصابة الابرياء، بما في ذلك العمليات الانتحارية.
احتمال اجراء انتخابات للرئاسة الفلسطينية خلال الفترة القريبة ليس عاليا. اسرائيل وابو مازن الذين يتخوفون من فوز حماس لا ينوون السماح بمعركة انتخابات كهذه. حتى امكانية انتخاب الرئيس القادم من قبل سكان الضفة فقط، من دون مشاركة الغزيين والمقدسيين، ليست معقولة.
الأمر المعقول، بشكل اقل، هو ان تطلق اسرائيل سراح البرغوثي وتسمح له بالمنافسة كشخص حر على منصب الرئيس. فقط اذا جرت الانتخابات خلال السنوات القريبة وتم انتخاب البرغوثي، ستجد اسرائيل نفسها خاضعة لضغوط دولية صعبة من اجل إطلاق سراحه وفتح صفحة جديدة معه.
الاسم غير الصحيح
يكتب ناحوم برنياع، في "يديعوت احرونوت" ان لؤي بكيرات وناصر حامد، كلاهما في الرابعة والثلاثين من العمر، الاول معلم، والثاني موظف بنك، هما مبادران شابان من المترفين الفلسطينيين. حلمهما كان متواضعا، دون ادنى فرصة للانطلاق، لكنه كان منطقيا من ناحية تجارية: لقد طلبا انشاء مدرسة.
لكنهما ارتكبا خطأ قاسيا. خطأ مصيريا: لقد أطلقا على المدرسة الاسم غير الصحيح.
صور باهر، حي في جنوب القدس، يتربع على قمة الجبل، بين كيبوتس رمات راحيل وصحراء يهودا. يعيش فيه 20 الف مواطن، غالبيتهم يؤيدون حماس. في هذا الحي تعمل 14 مدرسة – اربعة تابعة لبلدية القدس، خمسة للوقف، وبشكل غير مباشر للسلطة الفلسطينية، والبقية تابعة لشبكات تعليم خاص. السكان لا يشعرون بالرضى عن المستوى التعليمي. ومن يستطيع السماح لنفسه، من ناحية مادية، يرسل اولاده الى المدارس الخاصة في الجانب الثاني من المدينة. التكلفة عالية، تصل الى الف شيكل شهريا للسفريات، وحوالي 8000 شيكل سنويا للمدرسة. وعلى الرغم من ذلك الا ان 500 طالب من اولاد الحي يتعلمون في أطر كهذه.
الاستعداد لدفع هذه التكلفة الغالية تدل على الدور الرئيسي للتعليم في المجتمع الفلسطيني. التعليم هو المفتاح للمهنة الحرة، طبيب مثلا، وللاندماج المحترم في الاقتصاد الاسرائيلي. كما انه الحاجز امام التدهور نحو العمل الجنائي والارهاب.
لقد قرر لؤي وناصر افتتاح مدرسة خاصة ونوعية في بلدتهما، صور باهر، من رياض الاطفال وحتى الصف السادس. تكلفة التعليم في رياض الاطفال تكون 2000 شيكل سنويا، ورسوم التعليم في المدرسة 4000 شيكل. ويتم استكمال الدخل من الدعم الذي تقدمه وزارة التعليم للمدارس الخاصة. وقررا ان يتعلم الطلاب في مدرستهما اللغة العبرية من الصف الثاني وليس من الصف الرابع، كما في المدارس البلدية، فيما يبدأ تعليم اللغة الانجليزية من الصف الاول.
وقد اطلقا على مدرستهما اسم "النخبة"، وهو ما سيتبين بعد قليل بأنه خطأ كبير. لقد استأجرا بناية مهجورة في مركز الحي واعادا بناءها من جديد، ووصل الاستثمار الى اكثر من مليون شيكل. وتصل التزاماتهما المالية الى مليون ونصف مليون شيكل. وتم افتتاح المدرسة في 2016. ومع شعورهما بالرضا عما حققاه، قاما بتقديم طلب الى وزارة التعليم للاعتراف بمدرستهما كمؤسسة تعليمية. وكان هذا هو خطأهما الثاني. لقد وصل مفتش من الوزارة، عربي اسرائيلي، لزيارة المدرسة، وخرج بانطباع جيد. وبعد عدة اسابيع تلقيا رسالة موقعة من قبل المديرة العامة لوزارة التعليم ميخال كوهين.
في رسالتها كتبت كوهين: "قررت رفض طلبكما الحصول على ترخيص بناء على قانون مراقبة المدارس لعام 1969. حسب معلومات وصلت الى وزارة التعليم من السلطات المختصة، تنوي المدرسة تدريس مواد تتآمر على سيادة دولة اسرائيل. اهداف المدرسة تتفق مع ايديولوجية حماس".
مصطلح "السلطات المختصة" هو الاسم السري للشاباك.
يوم الاحد من هذا الأسبوع، قمت بزيارة المدرسة. شاهدت صفوف صغيرة، مزودة جيدا، تلمع بنظافتها، وتتسع لعشرين طالبا. لكل طالب طاولته الخاصة، وهذا تجديد في جهاز التعليم العربي. على لوحة كبيرة عرضت الأحرف العبرية، وعلى لوحة اخرى الاحرف الانجليزية. واللافتات التي تم تعليقها على مطلع الدرج تثني على التعليم. واقتبست احدى اللافتات آية من القرآن الكريم، "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا". لم اعثر على رموز قومية – لا صور للحرم القدسي التي تغطي كل مؤسسة فلسطينية، ولا خارطة فلسطين الكاملة، ولا صورة ابو مازن، ولا ياسر عرفات ولا الشيخ احمد ياسين. في رياض الأطفال وجدت "زاوية الطبيب": كانت فيها ستائر قماش ابيض علق على كل منها شعار نجمة داود الحمراء.
اذا كانت هكذا تبدو مدرسة تابعة لحماس، فمن المناسب ان تكون كل مدارس القدس تابعة لحماس.
كيف وقعتم، سألت حامد، مدير المالية.
"لا اعرف. لم يتم اعتقالي أبدا، لم يتم أبدا التحقيق معي. انا مؤيد متحمس لفريق كرة السلة في تل ابيب، مشجع لفريق مكابي حيفا لكرة القدم. لم انشط أبدا في السياسة".
في 23 شباط استدعي بكيرات الى قسم الأقليات في الشرطة، في المسكوبية. "من أين المال"، سأله المحقق.
"قلت له ممن حصلنا على قروض. لم يتم استدعاء أي من المقرضين للتحقيق. سلمنا أسماء المعلمين لوزارة التعليم، ولم تأمرنا بفصل أي معلم".
حسب تقديرهما فان احدى المدارس المنافسة توجهت للشاباك. هناك الكثير من الاعداء للطريق التي اختاراها. او بدلا من ذلك، كان اسم المدرسة هو الذي اوقعهما. وقال بكيرات: "خلال اول محادثة هاتفية اجريتها مع وزارة التعليم، قفزت الموظفة عندما نطقت باسم المدرسة، وسألت: ما هذا، مدرسة النكبة"؟
"قلت لها النُخبة، وترجمته الى العبرية، وليس النكبة". لكن التفسير فاقم الوضع: فالنخبة هو اسم وحدة الكوماندوس التابعة لحماس في غزة. ولدى الشاباك يثير هذا الاسم العواصف.
ويضيف بكيرات: "قلنا لهم ان كان الاسم يزعج فنحن على استعداد لتغييره. اذا كان المنهاج التعليمي الفلسطيني يزعجكم، فسنفتح مسارا للمنهاج الاسرائيلي. فقط امنحونا التصريح".
في نهاية شباط تم اغلاق المدرسة، وتفرق الاولاد. غالبيتهم يتعلمون في مدرسة محلية تابعة للأونروا، ذات المستوى التعليمي غير العالي، ناهيك عن مستوى التحريض. الأهالي سيطالبون الان باستعادة اموالهم، وكذلك المعلمين ومزودي الخدمات. "انا لا أنام في الليل"، يقول بكيرات.
مدير قسم التعليم في بلدية القدس تعرف على المدرسة ودعمها. وفي البلدية لم يفهموا لماذا تسارع الوزارة الى تنفيذ وجهة نظر الشاباك، من دون اجراء أي نقاش، او فحص او حتى استجواب.
لبالغ المفارقة، تتفق مفاهيم المدرسة مع رؤية وزير التعليم نفتالي بينت ورئيس البلدية نير بركات. انهما يسعيان لاحتلال القدس الشرقية مجددا، لتعزيز التعليم هناك وتقريبه من القيم في اسرائيل. عمليا، هذا هو ما تفعله هذه المدرسة. لقد تم اغلاقها في الوقت الذي تعمل فيه على مقربة منها وبدون أي عائق مدرسة يعتبر الإسلام المتزمت مسيحها والتحريض خبزها القانوني. فؤاد ابو حامد، رجل اعمال من سكان الحي، يسأل: "ما هي الرسالة التي نحولها لـ250 طالبا تم القاؤهم في الشارع في منتصف السنة الدراسية. انتم تدفعونا الى احضان حماس وداعش".
بعد توجهي الى الوزارة، امر المدير العام الجديد، شموئيل ابواب، بإجراء فحص مجدد لأمر الاغلاق. ورحب الوزير بينت بقرار الفحص.