منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالسبت 13 مايو 2017, 10:10 pm

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Almotamar_last_news_bultأنتم الأحرار ونحن السجناء
الخميس, 11-مايو-2017
د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   17-05-11-172591377 بقلم / د.بثينة شعبان -
اليوم نعيش تجربة جديدة تتطلّب من العرب عزيمة وإيماناً لا سابق لهما، حيث يواجه الفلسطينيون منذ 70 عاماً المحتلّ الإسرائيلي بأجسادهم النحيلة، التي لا يملكون سواها للمقاومة، وقد انتُزعت منهم كلّ أدوات المقاومة إلا عزيمتهم الصلبة.

حدّثتني المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد في لقائي معها عام 2008؛ إذ قالت لي: حين حكم عليّ الاستعمار الفرنسي بالإعدام، وكنت في الثامنة عشرة من عمري، أتت والدتي لتزورني، وكان من المفترض أن تكون تلك الزيارة الأخيرة، وأن يكون ذلك لقاءها الأخير مع ابنتها التي سوف ينفّذ فيها حكم الإعدام قريباً.

قالت لي والدتي لا تخافي يا بنتي ولا تحزني، ستكون مكانتك كبيرةً في الجزائر، والجزائر تستحقّ أرواحنا جميعاً، ولم تضعف والدتي، ولم تبكِ، بل حيّتني تحية المجاهدة الواثقة من النصر وانصرفت.

بعد أن انصرفت، وجدتُ السّجانة الفرنسية، التي كانت تراقب لقاءنا وتسمع كلّ كلمة، وجدتها تبكي، واعتقدتُ أنها ربما تبكي عليّ لأنني سوف أُعدم، فقلت لها لماذا تبكين؛ إذا كانت والدتي لم تبكِ، وأنا لم أبكِ، فلماذا أنتِ تبكين؟ قالت: أبكي على فرنسا؛ لأننا حتماً سنغادر الجزائر إذا كان الجزائريون والجزائريات بهذه العزيمة وهذا الإيمان!

والعزيمة والإيمان هما أساس انتصارات كلّ شعوب العالم على المستعمرين والطغاة والمرتزقة، وهما أساس حركات التحرر الوطنية التي انتشرت في بلدان آسيا وإفريقيا للتخلّص من الاستعمار الغربي الدموي، الذي كان ولا يزال يطمع بثروات الشعوب لبناء مجده وتحقيق ازدهاره.

اليوم نعيش تجربة جديدة تتطلّب من العرب عزيمة وإيماناً لا سابق لهما، حيث يواجه الفلسطينيون منذ 70 عاماً المحتلّ الإسرائيلي بأجسادهم النحيلة، التي لا يملكون سواها للمقاومة، وقد انتُزعت منهم كلّ أدوات المقاومة إلا عزيمتهم الصلبة، وإيمانهم العميق بفلسطين، وأنّ فلسطين تستحقّ منهم التضحية، وأنّ فلسطين باقية، ولا تزيدها معاناة المقاومين ودماء الشهداء إلا ألقاً وكبرياء ورسوخاً في ضمائر البشر، ولكنّ السؤال هو: لماذا افترض العرب والمسلمون أن فلسطين هي مسؤولية هؤلاء الأسرى فقط، على حين ينشغل المعنيون بالشأن الفلسطيني والعربي والإسلامي بتسويات وتنازلات لن تسمن ولن تغني من جوع، معتقدين أن قراراتهم وكلماتهم سوف تغيّر من مجرى المخططات الصهيونية التي لن تتوقف عند قضية فلسطين وحدها، بل هي تطمع بثروات عرب العراق وسورية والخليج، وهم في أضعف حالة من التمزق يساعدها الإرهاب الوهابي العميل؟ أما الاعترافات والتنازلات فهي بوالين فارغة وكلمات مسطحة لا يقيم لها المحتلّ وزناً، فهو ليس خائفاً، وليس قلقاً من صفوف متشرذمة وإرادات مبعثرة ورؤى لا يجمع بينها جامع، ولكنه قلق فقط من أمثال هؤلاء الأسرى المؤمنين بقضيتهم والمستعدّين لبذل آخر يوم من حياتهم في سبيل أن تحيا فلسطين، وأن تستمرّ الشعلة مضيئة في أيدي الأبناء والأحفاد، وكي لا تعتقد الأجيال القادمة أن أحداً لم يقاوم ولم يستبسل في سبيل القضية المقدسة.

لا شكّ أن السجانين الإسرائيليين، وهم يراقبون هؤلاء الأسرى، يشعرون بإحباط وقلق شديدين لأن قضية تمتلك روحاً وإرادةً مثل أرواح وإرادة هؤلاء المدافعين المؤمنين بها لا يمكن أن تموت أو أن تسقط في التقادم.

السؤال الآخر هو أن مليار مسلم ونيّفاً يعيشون اليوم في رحاب شهر شعبان، يستعدّون لاستقبال شهر رمضان المبارك، ومع ذلك لم يحوّلوا صيام الأسرى المقدس إلى صيام تسمع به البشرية في أصقاع الأرض الأربعة، ولم يحوّلوا هذا الاستبسال إلى حركة عالمية من أجل فلسطين ونصرة أسراها، والخاسر هنا ليس الأسرى مطلقاً، ولكنّ الخاسر الأكبر هم هؤلاء المتخاذلون أنفسهم من عرب ومسلمين؛ إذ إنهم يقوّضون مكانتهم في أعين العالم ويتسببون في إلغاء أيّ قيمة لهم في أنظار الآخرين، فأيّ مكانة ستكون للعرب والمسلمين الذين لم ينتصروا لإخوانهم ولقضيتهم، ومنذا الذي سوف يحسب حساباً لهم في أي مسألة أخرى؟

إنّ تجاهل معظم العرب والمسلمين لأهمية هذه المعركة الدائرة التي يخوضها هؤلاء الأبطال العزّل، يشير فقط إلى انفصال هؤلاء العرب والمسلمين عن دورة الحياة الحقيقية، وعن موازين القوى، وعن جوهر التفكير الإستراتيجي الذي يبقي الأمم ذات مكانة ورفعة في أعين الآخرين.

إن إخفاق هؤلاء أن يتجاوبوا بشكل لائق مع التضحيات العظيمة التي يقدّمها هؤلاء الأسرى لفلسطين والعرب جميعاً ولأمة المسلمين، هو أحد أبرز الأوجه للانقراض؛ إذ إن الأمم تنحدر وتنقرض حين تفقد البوصلة الجامعة بين أبنائها، وحين تتفكك الروابط بين أبنائها، ويصبح من شبه المستحيل أن تجتمع على كلمة سواء.

أي إن القصور الذي شهدناه من معظم العرب والمسلمين في التضامن مع الأسرى وحمل قضيتهم إلى رحاب المنطقة والعالم ليس قصوراً فلسطينياً يرتبط بالقرار الفلسطيني المستقلّ الذي أوصل دعاته الفلسطينيين إلى العزلة الحالية، وهو أيضاً قصور ذو دلالات خطيرة على المقصرين أنفسهم، وعلى احتمالات توجّهاتهم وحركاتهم المستقبلية، والمستوى الذي يمكن توقعه لهم: «لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين».

لا شكّ أن المعركة التي يخوضها هؤلاء الأسرى بأجسادهم السجينة وأرواحهم الأبيّة الشامخة هي معركة مشرّفة ومعركة رابحة بكلّ المقاييس، تنتصر بها الروح على الجسد، والعزيمة والإيمان على السلاسل وجدران السجون وقسوة السّجان، ولكنها معركة تدعو للتوقف والتفكير بمستقبل ومصير أمة في غياب أحزابها القومية، وفي ظلّ أحزاب إسلامية طائفية مزّقت الأمة وسلّمتها لقمةً سائغةً للعدوّ الغربي المتربّص بها لنهب واغتصاب الأرض والحقوق العربية.

إنها معركة تدعو للتأمل والتساؤل من السجناء؟ هل هؤلاء الذين يتحدّون أقسى الإجراءات بأجسادهم وإرادتهم؟ أم إنهم أولئك الذين يعيشون في أوهام التسويات والأكاذيب والانتصارات الشخصية الوهمية التي لا تتجاوز حدود تفكيرهم المحدود أصلاً؟ إنها معركة تظهر للعيان أن هؤلاء الأسرى هم الأحرار الحقيقيون، وأنّ من لا يمتلك إرادة وأدوات الانتصار هو السجين جسداً وروحاً وعقلاً وإرادةً وعزيمة.

المصدر: الميادين نت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالأربعاء 19 يوليو 2017, 3:46 am

لكلّ سؤال جواب

لكلّ سؤال جواب- بقلم د. بثينة شعبان (بنت الأرض)

كان يوم 9-7-2015 تاريخيّاً للعالم بأسره، مع أن قراءته تختلف إلى حدّ التناقض بين بلد وآخر وبين قطب وآخر. فقد كان هذا اليوم مبعثاً للأمل لدى ثلاثة أرباع سكان هذه الأرض في حين كان مثيراً للرعب والخوف الصامتين والمكبوتين لدى الربع الآخر. لن يعبّر المسرورون عن سرورهم بهذه السرعة كما لن يباشر القلِقون بالتعبير عن قلقهم لأن كلّ خطوة يجب أن تكون محسوبة ومدروسة، خاصة أنّ هذا اليوم ما زال يشكّل الخطوة الأولى على طريق طويل قد يستغرق سنوات حتى تظهر نتائجه واضحةً للعيان. كانت لغة الجسد بالنسبة للفريق المسرور ظاهرة لا تحتاج إلى تفسير وكانت الابتسامات وحركات الجسد والسلام الحار لثوان والنظرات الودية المتوائمة تقول: «نحن هنا، ونحن هنا لنبقى نستمر ونتطوّر». أما الفريق القلِق وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية فلم يتمالك نفسه إلا بالتعبير «أنّ روسيا تشكّل أخطر تهديد للأمن القومي الأميركي». مع أن هذا اليوم لم يشهد الإعلان عن سلاح روسي جديد أو نقلة نوعيّة في الفضاء، ولكنه شهِد تحركاً أو صعود قمة سياسيّة اعتبرته الولايات المتحدة «أخطر تهديد لأمنها القومي».

إن ما شهده 9-7-2015 هو تكتّل حقيقي لاقتصادات صاعدة في العالم وإدراك عميق بضرورة التعاون والتنسيق بين دول هذا التكتّل. وقد اعتلى الرئيس فلاديمير بوتين موقع القمّة في هذا التكتّل فاحتلّ مكان القلب فيه وعلى يمينه الصين والبرازيل وعلى يساره الهند وجنوب إفريقية فيما بدأ يُعرف اليوم بتكتّل البريكس. وقد قرّرت هذه الدول التي تمتلك ثلثي الاقتصاد العالمي أن تنسّق سياساتها الخارجية والاقتصادية وأن تنشئ «بنك التنمية» برصيد لا يقلّ عن مئتي مليار دولار وأن يبدأ هذا البنك عمله في العام القادم. أي إن أي تبادل تجاري بين هذه الدول تحت سقف مئتي مليار دولار لن يمرّ في نيويورك ولن يستخدم الدولار عملة ولن يكون للولايات المتحدة أي دور فيه. وهذه هي بداية النهاية لاحتكار البنك الدولي والآي إم إف المتحكم باقتصادات الدول.

وقد فهمت الولايات المتحدة أبعاد هذه الخطوة ونتائجها المستقبلية التي سوف تنتهي بتحرير العالم من قبضة الهيمنة الغربية فاعتبرت روسيا أكبر خطر على الأمن القومي الأميركي لأن هذا الأمن قام على استغلال مقدرات الدول والتحكم باقتصاداتها واليوم يبدأ الرئيس بوتين وحلفاؤه خطواتٍ مدروسة لتحرير العالم من ربقة هذا التحكم وهذا ما يعتبره الأميركان إلحاق الضرر بأمنهم القومي. وفي اليوم الثاني، أي في  10-7-2015 عُقدت قمة شنغهاي أيضاً في مدينة أوفا الروسيّة وأعلن الرئيس بوتين انضمام الهند والباكستان ونوّه إلى عزمه حلّ النزاع بين هاتين الدولتين في إطار منظمة شنغهاي، أي بمعزل عمّا تريده الولايات المتحدة من استمرار النزاعات والحروب بين الدول. ولا ننسى الصورة اللافتة لاجتماع الرئيس بوتين مع الرئيس روحاني والتنسيق الوثيق بين الدولتين ودعم روسيا المطلق لرفع العقوبات عن إيران.

وقبل هذا وذاك أعلن الشعب اليوناني تمرده على سياسات البنك الدولي وسياسات الدائنين وأيّد حكومته برفض هذه السياسات، وكذلك تخطو إيطاليا والبرتغال وإسبانيا خطا مماثلة لتلك التي اتخذها الشعب اليوناني. وغنيّ عن القول أن هذا التحرّك الأوروبي يتناغم مع توجهات البريكس وشنغهاي ومع طموحات معظم أبناء البشرية الذين سئموا نزعة الهيمنة الغربية وتحكم الغرب بمقدراتهم وثرواتهم ومستقبل شعوبهم.

حين فرضت الولايات المتحدة العقوبات على روسيا وكأنها دولة نامية أرادت أن تستخدم أسلوبها الترهيبي مع روسيا وفرض قناعتها أنها تملك العالم وليس لدى الآخرين سوى الطاعة فأتى جواب بوتين هادئاً مدروساً ذكيّاً وحاسماً. لقد بدأ هذا الجواب باتخاذ روسيا والصين أول فيتو مزدوج بشأن الأزمة السورية في 4 تشرين الأول 2011، الذي تبعه استخدام روسيا والصين هذا الحقّ ثلاث مرات في عامي 2012 و2014 لصالح الشعب السوري، وتبلور على المستوى الدولي في 9 و 10-7-2015 ليقول إن العالم لم يعد أحادي القطب وإنّ قطباً هاماً قوياً شرقيّاً بمعايير أخلاقيّة واقتصاديّة وسياسيّة مختلفة جداً يولد اليوم بحكمة ودراية وخطا واثقة لصناعة مستقبل عالم متعدد الأقطاب يقف ضدّ الظلم والهيمنة والاحتلال والإرهاب وضدّ المبدأ الطفولي بمعاقبة كلّ من يعصي للغرب الاستعماري أمراً. وهكذا أثبت بوتين أنه لكلّ سؤالٍ جواب. ولا شكّ أن الغرب لن يطرح عليه أسئلة بعد اليوم لأنه لا يتحمّل مثل هذه الأجوبة ولا طاقة له برفضها أو إلغائها.

صحيفة الوطن السورية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالجمعة 18 أغسطس 2017, 9:29 pm

مستشارة الأسد: الحرب السورية وصلت المرحلة قبل النهائية

دمشق:  قالت بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد إن الحرب المستمرة منذ ست سنوات تقترب من نهايتها مع توقف دول أجنبية عن دعم مقاتلي المعارضة، وتعهدت بأن تواجه الحكومة "أي وجود غير شرعي على أرضنا" سواء كان أمريكيا أو تركيا.
وأضافت أن تنظيم سوريا لمعرض دمشق الدولي لأول مرة منذ اندلاع الحرب له دلالة واضحة. وقالت "عودة معرض دمشق الدولي في هذا التوقيت والإقبال الجماهيري والدولي له رمزية كبيرة ويوجه رسالة بأن الحرب انتهت والإرهاب اندحر وأننا في بداية الطريق نحو إعادة الإعمار".
وقالت مستشارة الرئيس في تعليقات لقناة الميادين التلفزيونية اللبنانية نقلتها الوكالة العربية السورية للأنباء يوم الخميس إن الحرب، التي أودت بحياة مئات الآلاف، وصلت "المرحلة قبل النهائية" مع تغيير القوى الخارجية التي دعمت مقاتلي المعارضة لسياساتها.
وقالت بثينة شعبان "كما دحرنا الإرهاب سنحارب أي وجود غير شرعي على أرضنا سواء كانت الولايات المتحدة أو تركيا، وهذا من ضمن التحديات التي سنواجهها في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة".
وقالت مستشارة الرئيس السوري "معرض دمشق الدولي ومعرض الكتاب يؤكدان أن الانعطافة قد تحققت" في الصراع. وأضافت أن "التحول حاصل فعلا وقد فرضه الجيش العربي السوري وحلفاؤه منذ تحرير حلب من الإرهاب".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالإثنين 20 نوفمبر 2017, 9:22 am

ضرورة إعادة كتابة التاريخ بقلم د.بثينة شعبان 

بعد أن حدّثني صديق مؤرّخ عن المفارقات التي اكتشفها بين التاريخ الرسمي وبين ما توصّل إليه نتيجة البحث والتدقيق، 
سألته لماذا لا تكتب كلّ هذه الاستنتاجات الموثّقة لأجيالنا القادمة؟
 أجابني لأنّ ما أكتبه سوف يثبت أنّ معظم التاريخ الذي ندرسه ونعلّمه للأجيال هو تاريخ غير دقيق،

 لأنه كُتب بشكل منحاز لسلطان أو ملك أو مذهب. وأيضاً حين طلبت من قامات هامة سياسية وعسكرية أن أوثّق سيرهم الذاتية كانوا على الغالب يجيبونني من سيُصدّقُ روايتنا المختلفة جذرياً عن التاريخ المكتوب في معظم الكتب المدرسية. أمّا اليوم، وبعد انكشاف لقاء رئيس أركان الكيان الصهيوني مع مجلة «إيلاف» السعودية، وتصريحاته بأنّ السعودية لم تكن يوماً عدوّة لإسرائيل، 

(وكلامه هذا حقيقة معروفة ولكن المؤرخين العرب يغضّون النظر عنها تحت تأثير الاستبداد السياسي والمالي السعودي) فهي لم تحارب إسرائيل يوماً ما ضمن الواجب الوطني وإعادة قراءة تاريخنا العربي القديم والمعاصر، وربما إعادة كتابته استناداً إلى الحقائق مهما كانت الصدمة التي تسبّبها هذه الحقائق لكلّ من قرأ ويقرأ التاريخ الرسميّ. 
إذ أنّ إحدى الإشكالات التي نورّثها للأجيال العربية هي إشكالية هذا التاريخ والمغالطة والمبالغة في رواية الأحداث، الأمر الذي يسبّب تراكمات أكبر وأدهى جيلاً بعد جيل.
 إنّ لقاءات إيزنكوت، رئيس الأركان الإسرائيلي، مع منشورة «إيلاف» السعودية يجب ألّا يكون مفاجئاً لأحد بعد الخطوات التطبيعية التي تمّ الإعلان عنها في مراحل مختلفة بين السعودية والكيان الصهيوني. ولكنّ الأهمّ هو أنّ اللقاء السعودي الصهيوني بدأ حتى قبل قيام دولة الكيان، عام 1948، حين التقى ابن سعود مع الرئيس الأمريكي روزفلت على متن حاملة طائرات أمريكية في البحر الأحمر عام 1945، واتفقا على صفقة النفط مقابل الحماية، وعقد فيها ابن سعود حلفاً استراتيجياً مع الولايات المتحدة.
 ولا شكّ أنّ هذا التحالف يتضمّن أول ما يتضمّن الموقف من الكيان الصهيوني، والذي وإن كان مستتراً لبعض من الزمن، فإنه كان حقيقياً في خدمة هذا الكيان، وضدّ المصلحة الفلسطينية والعربية. وإذا ما تمّت مراجعة لقاءات القمم العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو لجنة القدس بشيء من الحيادية والتقييم الموضوعي، نستكشف أنّ القوى العربية الرجعية قد بذلت أقصى جهدها في معظم القرارات العربية والإسلامية كي لا يكون القرار حاسماً لصالح القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. 
أمّا الآن، 
وقد انكشف المستور فعلاً، 
وتبيّن للجميع أنّ كلّ الاتهامات التي كان يكيلها الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس حافظ الأسد، 

ومؤخراً الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصر الله، لأعراب الخليج لم تكن مجرّد اتهامات،

 بل كانت حقائق صلبة يتمّ إخفاؤها بطريقة أو بأخرى أو الالتفاف عليها 
من خلال أساليب تغطي على جوهرها الذي يصبّ في مصلحة الأعداء على حساب الأخوة والأشقاء.

وقياساً على ما سبق، وكي لا نبقى منغمسين في الأوهام، ولكي لا نضيّع حقباً أخرى من تاريخنا، نخجل من مواجهة الحقائق بكلّ جرأة وشفافية، 
علينا أن نطرح الأسئلة المتعلّقة بالسياسات المستجدة اليوم.

 فما الذي يدفع السعودية أن تناصب الجمهورية الإسلامية الإيرانية العداء، وأن تهدّد بشنّ حرب عليها حتى قبل انتهاء حربها على اليمن، سوى تقديم الخدمة لمصالح الكيان الصهيوني،
 علماً أنّ الكيان الصهيوني هو الوحيد الذي يناصب إيران كلّ هذا العداء،
 والسبب في ذلك هو أنّ إيران أغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران بعد الثورة الإسلامية،
 وفتحت سفارة لفلسطين، ودعمت المقاومة، ومازالت،
 وجعلت من تحرير القدس قضيتها المقدّسة.
 بينما قبل الثورة في إيران كان زعماء الخليج يقبّلون يد الشاه،
 وكان شاه إيران المعتمد إسرائيلياً وغربياً، وكانت إيران الشاه الصديقة الأولى لإسرائيل والغرب. 

التغيير إذاً هو بسبب الموقف من القضية الفلسطينية، ولا شيء سواه.
 ولو كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم لا تقيم وزناً للقضية الفلسطينية، 
وتقف تماماً على الحياد من هذا الصراع العربي – الصهيوني لما وجد الغرب وربيبته، إسرائيل، حرجاً في نسج أقوى العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها. 
إذاً المشكلة ليست في الدين، وليست بين السنّة والشيعة، كما يشيعون،
 ولكنّ جوهر المسألة يكمن في الموقف من القضية الفلسطينية، 
ومن الصراع العربي – الصهيوني. 
وقياساً على هذا أيضاً لمصلحة من يتمّ تدمير اليمن العزيز، ذلك البلد الذي يكتنز على ترابه 
أعرق ما يمثّل حضارتنا العربية، والذي خرجت منه الهجرات إلى معظم الدول العربية،
 وهو بذلك يمثّل جذر العرب وحضارتهم.
 ما هو المنطق الذي يدفع آل سعود لتدمير حضارة اليمن وأهله وشعبه إن لم تكنْ خدمة مجانية للكيان الصهيوني الذي يعمل على إبادة الحضارة العربية كي يكون بعد مئتي عام القوّة الوحيدة المسيطرة على هذه الجغرافيا؟
 والتحليل ذاته ينطبق على دور السعودية في السماح للطائرات الأمريكية بقصف العراق واحتلاله والدور القطري والسعودي في استقدام الإرهاب إلى سورية 
وتمويل وتغذية أبشع حرب تمّ شنّها على الشعب العربي السوري في كلّ أنحاء البلاد.

 القراءة الصريحة والدقيقة للتاريخ منذ منتصف القرن الماضي،
 وحتى اليوم تبرهن دون أدنى شكّ أنّ آل سعود لعبوا دوراً أساسياً في خدمة الكيان الصهيوني،
 وضدّ المصلحة الجوهرية والاستراتيجية للعرب وقضاياهم المركزية. 
الاستنتاج إذاً هو ألّا جديد في الأمر، سوى أنّ التاريخ الحقيقي بدأ ينكشف اليوم،
 وعلينا أن نعيد قراءة تاريخنا وأن نعيد كتابته بما يتلاءم مع الحقائق،
 وبعيداً عن المراعاة والمجاملات،
 مهما كان هذا صادماً للأجيال التي يجب أن تبني مواقفها على الحقائق،
 وليس على المجاملات والمراعاة.

 لقد آن الأوان لفرز الغثّ من السمين في تاريخنا، 
وتسمية الأشياء بأسمائها،
 والبناء على أرض صلبة وليس على رمال متحرّكة لا قرار لها ولا استقرار معها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالأحد 03 ديسمبر 2017, 8:59 am

الصينيون والعرب 


في مقارنة بين الصينيين والعرب الذين يفاخر كل منهما بحضارة عريقة تعود إلى آلاف السنين، وتراث شرقي متميّز له خصائصه وسحره، يصل المرء إلى فوارق عجيبة اليوم بين أبناء وأحفاد الحضارتين يتفكّر في أسبابها ومنتهاها. مثل العرب، تعرّض الصينيون لظلم واحتلال وتآمر استعماري ونهب للثروات ومذابح ما زالوا يدرّسونها للأجيال كي يحصّنوهم ضدّ إمكانية عودتها. ونهب الاستعمار البريطاني ثرواتهم على مدى عقود، وأدخل إلى عقولهم وقلوبهم حبّ الأفيون، والذي حوّلهم إلى أمّة غير قادرة على الإنتاج، وأمّة فقيرة مستهلكة لا يحسب أحد لها حساباً. ولكن، ومنذ خمسين سنة فقط، وضعت الصين استراتيجية وطنية للنهوض، ودرست مناطق ضعفها ونقاط قوّة الآخرين، وقرّرت أن تتعلم وتستفيد من آخر ما توصّل إليه الآخرون، وأن توطّن فعلاً العلوم والتكنولوجيا، وأن تتعامل بصدق مع كلّ التحديات التي تواجهها ففشلت مرّة على الطريق وتعثّرت مراراً، ولكنها كانت دائماً، وفي جميع الحالات مصمّمة على الاستمرار، إذ لا خيار لديها سوى الاستمرار إذا كانت فعلاً راغبة أن تصل إلى الأهداف الوطنية المرسومة لها. وكان أسلوبها في التعلّم هو أن تشتري أي منتج وتفكّكه كي تتوصّل إلى مكوّناته الأساسية، وتحاول إعادة تصنيعه، وفي الحالات التي لم تنجح بها اضطرت إلى شراء المعرفة بأغلى الأثمان، ولكنها لم تأخذ هذه المعرفة وتجترّها إلى أن تستهلكها، ولكنها أضافت عليها وطوّرتها بطريقة تفوّقت بها على المصدر الذي باعها لها أصلاً. وعلى سبيل المثال لا الحصر تمتلك الصين اليوم أرقى وأسرع شبكة قطارات في العالم، أرقى وأسرع من قطارات اليابان وفرنسا، الأمر الذي يبدو خيالاً لا يُصدّق منذ عشرين سنة، كما طوّرت حتى على الطائرات التي كانت تعمل على تجميعها فقط، وأضافت إليها عناصر جعلتها شريكة في الاختراع والإنتاج. ولكن الانتاج ليس هدف الصين الأول اليوم، إنما هدفها الأوّل هو امتلاك المعرفة في كافة المجالات، فمن يمتلك المعرفة يمكن له أن ينتج في أيّ زمان ومكان، ولكن من لا يمتلك المعرفة لا يمكن له أن ينتج إلا تقليداً ونسخاً لما ينتجه الآخرون، ولذلك فإنّ أهمّ ما تركّز عليه الصين اليوم هو العلوم والتقنيات، مؤمنةً أنّ الابداع وليس المال هو الطريق إلى العالمية، والإمساك بناصية القوّة، ومن أجل ذلك تحوّل الشعب الصيني برمّته إلى جيش عقائدي من العاملين والعاملات المؤمنين بقضية وطنية هامّة، والمستفيدين جميعاً من هذا التطوّر الهائل الذي حقّقوه في وقت قياسيّ، بحيث إنّ مؤتمر الحزب الشيوعي الأخير ركّز على إزالة الفروق التنموية بين الريف والمدينة، والقضاء على الفساد، وبناء حزام واحد، بحيث يصبح العالم شريكاً في هذه النهضة الاقتصادية والثقافية والمعرفية التي تشهدها الصين، وقد فعلوا كلّ ذلك ليس من خلال تقليد الغرب أو الانصياع لأحكامه، إنما من خلال الحفاظ على تراثهم وتطويره، والاستفادة من آخر ما توصّل إليه العالم وتطويره في نسخة صينية فاقت النسخ التي تعلّموا منها. فالطبّ الصيني اليوم، على سبيل المثال لا الحصر، هو الذي يحظى بثقة المواطن الصيني، وإذا أتيحت له خيارات فهو يختار طبّ بلاده بديلاً عن الطبّ الكيميائي (الغربي)، وكلّه ثقة أن طبّ بلاده يتفوّق على طبّ الآخرين. وبمقارنة سريعة بين طريقة تعامل العرب مع ما ورثوه عن الآباء والأجداد في علوم الطبّ والفلك والموسيقا والرياضيات والآثار، نجد أنّ العرب تناسوا كلّ منجزات الأجداد، وأصبحوا زبائن شراء لكلّ ما ينتجه الغرب، دون أن يعملوا أبداً على تطوير ما يمتلكوه، أو توطين العلوم والمعرفة التي توصّل إليها الغرب، بل أصبحوا مستهلكين فقط يفاخرون بما توصّل إليه الغرب من إنتاج. ما يعاني منه العرب على وجه العموم هو حالة استلابية تجاه الغرب الذي استعمرهم، وضعف إيمان بما ورثوه من حضارة أجدادهم وأسلافهم، بحيث لم يعكفوا أبداً على تطويرها ومواكبتها لمتطلّبات العصر، وانعدام اليقين بامتلاك المعرفة لاعتقادهم أنّه بإمكانهم استيراد المعرفة، بينما هم لا يستوردون سوى المنتج وليس المعرفة للتوصل إلى هذا المنتج، والأهمّ من هذا وذاك هو انعدام شعورهم كأمة واحدة قادرة على وضع رؤاها وأهدافها واستراتيجياتها والعمل الدؤوب من أجل تحقيق هذه الأهداف لما فيه خيرهم وخير أجيالهم المستقبلية. هل يجب أن يدفعنا هذا إلى اليأس؟ أبداً، بل يجب أن يدفعنا إلى مراجعة أساليب وآليات عملنا، والاستفادة من أساليب البلدان التي تشبهنا أصلاً ولكنها حقّقت نهضة فريدة في زمن قياسي. هل يمكن أن نتدارس اليوم المبادرة الصينية الهامّة؛ الحزام الواحد، ونعمل ككتلة جغرافية إقليمية واحدة كي نكون جزءاً فاعلاً من هذا الحزام، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على بلداننا وشعوبنا، وعلى التعلّم والانخراط بهذه التجربة الصينية التي تستحقّ التقدير والاحترام، والتي يمكن لنا أن نواكبها ونتعلّم منها ونستفيد في طرائق وأساليب الوصول إلى مشروعنا النهضوي العربي الذي بات اليوم ضرورة وجودية للعرب جميعاً، فإما أن نكون أو لا نكون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالإثنين 15 يناير 2018, 10:23 am

ملامح عالم جديد.. 
بقلم الدكتورة بثينة شعبان



إلى كلّ القلقين من التطورات الأخيرة في المنطقة والعالم أقول: إننا لابدّ أنّ نقرأ الأحداث من منظور واقعي بعيد عن الأوهام التي تروّجها وسائل إعلام دول الهيمنة الغربية وعملائها وخاصة الناطقة بالعربية، وهذا المنظور ينبئ بأن الأسس التي بنيت عليها القوى العالمية بعد الحرب العالمية الثانية بدأت بالانهيار، وهي على وشك الانهيار تماماً وخاصة بعد هزيمتهم في الحرب الإرهابية التي يشنونها على الشعوب العربية في سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر وفلسطين.

فمنذ الحرب العالمية الثانية وبعد أن تقاسم الغرب مفاتيح التحكم في العالم وبعد أن قدّم نفسه للجميع على أنه المثال الأنموذجي في الحكم والديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين البشر، بحيث وصل هذا الموقف حداً أن الغرب قد سعى إلى عولمة وإعادة ترتيب العالم، ليكون على شاكلته ولتنتهي بعد ذلك كلّ أزمات الحكم والدول والشعوب في قبضته، يقرر لها ما يناسب مصالحه، تمّ تكريس هذا المفهوم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، وتمّ حل حلف وارسو مع بقاء الناتو قوة عدوانية ضاربة وحيدة، وبقاء الولايات المتحدة القوة الامبريالية العظمى الوحيدة في العالم تجرّ بأذيالها الدول الاستعمارية القديمة الأوروبية التي بقيت تابعة لها في كلّ القرارات الدولية حتى وقت قريب، ولكنّ الانتخابات الأميركية الأخيرة، والأحداث المتسارعة التي تلتها بدأت تكشف عمق عيوب هذا النظام الأميركي والغربي، وهشاشته من الداخل.

في الحقيقة فإن وصول دونالد ترامب ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون كمرشحين عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، هو بحدّ ذاته تعبير عن أزمة النظام في الولايات المتحدة، لأن معظم الذين صوتوا لترامب قد فعلوا ذلك لسبب جوهري أنهم لا يريدون وصول داعية الحرب، والعدوان هيلاري كلينتون، وكأني بالشعب الأميركي يقول: «هما أمران أحلاهما مرّ»، ولذلك كانت نسبة الأميركيين الذين مارسوا حق الاقتراع نسبة منخفضة بشكل غير مسبوق، وتشير الدراسات أنها لم تتجاوز الـ15بالمئة من الشعب الأميركي، وهذا أمر يدل على إخفاق النظام السياسي الأميركي، وعدم تمثيله للشعب الأميركي.

لذلك وبدلاً من الاستغراب المستمر مما يقوم به الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يكون من الأجدى أن نتذكّر أن هذا الرئيس هو نتاج ذلك النظام الذي أرادوا أن يعممّوه على العالم برمته، وأصبح أي حكم لا يشبه الحكم الليبرالي الغربي، إما متهماً بالاستبداد، وإما عليه أن يكون خاضعاً لذلك الأنموذج الغربي الذي يزعمون أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.

لقد أخذت العولمة تفرض حتى المشرب والمأكل، وأساليب العمل، والتصرّف كي يتم هذا تحت لافتة كاذبة تزعم أنها تنشر الديمقراطية، وحقوق الإنسان، مع أن مراجعة سريعة لتاريخ ما قامت به الولايات المتحدة تكشف عن جرائم بشعة ارتُكبت بحقّ الشعوب، وذهب ضحيتها ملايين البشر وتسببت باندثار حضارات، وثقافات كاملة عن وجه البسيطة، من هيروشيما وناغازاكي إلى حروب فيتنام، وكوريا وكمبوديا، وأميركا اللاتينية، وأفغانستان، ويوغسلافيا، والعراق، وليبيا، وسورية، واليمن، هذا إذا لم نذكر دور الولايات المتحدة في إبادة الحضارات الأصلية على أرضها، ودروها الجوهري في مأساة شعب فلسطين وتشريده واغتصاب أرضه وحقوقه.

إن ما نشهده اليوم من انكشاف لحقيقة الدور العدواني الأميركي في العالم، وبداية انهيار ركائزه، يجب أن يشكّل مصدر سعادة لنا وللبشرية جمعاء، لأن هذا الدور العدواني الدموي الذي أتى بالكوارث على البشرية ينكشف اليوم على حقيقته أمام أعين الجميع بحيث يصبح العمل الدولي المنطقي ممكناً، ولو بعد حين.

في الآونة الأخيرة وبعد الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومجموعة الخمسة زائد واحد، وبعد اعتراض ترامب على هذا الاتفاق، أخذت بوادر الفرقة تظهر لأول مرّة بين الدول الأوروبية من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، فقد اتهمت الولايات المتحدة إيران بأن الصاروخ البالستي الذي أطلق من اليمن على السعودية هو صاروخ إيراني، ولكنّ الأمم المتحدة سارعت إلى نفي ذلك، وحين اتخذ ترامب قراره باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وقفت دول مجلس الأمن برمتها بما فيها بريطانيا وفرنسا، ضد هذا القرار، وبدت الولايات المتحدة معزولة على الساحة الدولية، وتأكد هذا ثانيةً من خلال التصويت على القرار نفسه في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

مؤخراً وبعد التظاهرات في إيران، أرادت الولايات المتحدة أن تنقل شأناً داخلياً إيرانياً إلى مجلس الأمن، الأمر الذي قوبل بالصمت أو الاستهجان حتى من الدول الحليفة للولايات المتحدة تاريخياً لأنه يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة، ويقوّض الأسس التي قام عليها مجلس الأمن.

ما يمكن قوله هنا هو أن أزمة الحكم الداخلية الأميركية قد انتقلت إلى مستوى دولي آخر، وأنّ انحدار الولايات المتحدة كقوة عدوانية عظمى، قد أصبح أمراً واقعاً لا جدال فيه، أي إننا نشهد انهيار النظم السياسية التي تمّ تأسيسها من «المنتصرين» بعد الحرب العالمية الثانية، على حين تعمل الصين وروسيا ودول أخرى، لإرساء أسس تحتفظ من خلالها البلدان بهويتها وثقافتها، وتتعاون على العمل بشكل متكافئ، وبنديّة واحترام بين الدول على أساس القوانين الدولية.

إن ما نشهده اليوم هو حالة صحيّة قد لا تتيح للولايات المتحدة مرة أخرى اتهام بلد بحيازة أسلحة الدمار الشامل، وشنّ حرب عليه من دون أدنى دليل، كما فعلت بالشعب العراقي، وقد لا تتيح لها في المستقبل اتخاذ إجراءات قسرية أحادية الجانب كما فعلت بحق الشعب السوري، وقد نكون اليوم في مسار مراجعة كلّ الوبال والخراب، الذي سببته الولايات المتحدة وقوتها العسكرية على العالم ونخطّ تاريخاً جديداً للإنسانية يصبح فيه الاختلاف بين الحضارات والثقافات نعمة، وتصبح العولمة والعنف والإرهاب والليبرالية المرافقة لهما، شيئاً من الماضي لا يرتضيها أحد لبلده أو لنفسه.

ما يحدث اليوم يدعو للتفاؤل والعمل الجاد، كما تعمل الصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا، ودول أخرى، علينا جميعاً أن نعمل ونشارك في إعادة صياغة هذا العالم الجديد بعد أن أصبحت الهيمنة الغربية في حالة انحدار أكيد، وربما سقوط قريب.




ضمن عواصف التصريحات المنافقة التي تصدرها الأطراف، والدول التي استهدفت سورية، وأمنها واستقرارها منذ اليوم الأول من هذه الحرب الإرهابية عليها، يصعب جداً على المتابع أنّ يفرز الغث من السمين وأن يصل إلى حقيقة ما يجري اليوم على أرض سورية، وفي الإقليم والعالم. ولكن وإذا احتفظ بالقناعة أنّ النفاق هو سيّد الموقف يمكن له أن يبدأ بتلمس بعض سبل الحقائق على الأرض. ولتكن البداية من تصريحات دافيد ساترفيلد، القائم بأعمال نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى خلال استجوابه من قبل النواب بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ حول سورية، حيث أكد أنه لن يكون هناك أي انتصار عسكري في سورية دون تحقيق الانتقال السياسي بالبلاد." وحين سأله أحد النواب حول كيفية تقليل تأثير روسيا على نتائج المحادثات السورية ردّ ساترفيلد، قائلاً: "الولايات المتحدة لديها عدة وسائل وأدوات في هذا الشأن مؤكداً عدم اعتراف الولايات المتحدة بأي انتصار سواء لموسكو أو النظام". إذاً المشكلة التي تعاني منها الولايات المتحدة في سورية هي انتصار سورية وحلفائها في هذه الحرب التي فرضت عليها، وكل ما تقوم به الولايات المتحدة اليوم داخل سورية، أو في الإقليم يهدف إلى تقويض هذا الانتصار واستمرار استنزاف الجيش السوري وحلفائه بذرائع واهية لا تمتّ للمنطق بصلة، ويبقى هدفهم النهائي تغير النظام واستبداله بنظام يكون فيه لعملائهم دور يخدمون من خلاله المصالح الإسرائيلية كما حدث في ليبيا، وكما يسعون في اليمن والعراق، والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا هو من هو صاحب العداء المستميت لانتصار سورية وحلف المقاومة في هذه الحرب، أو ليس هو الكيان الصهيوني الذي أصبح اليوم ممثلاً تمثيلاً أكيداً بنشاطات البيت الأبيض، وقرارات ترامب والتي تساهم في عزلة أمريكا عن العالم، وتطابق الرؤى بينها، وبين الكيان الصهيوني في الأهداف وحتى في أسلوب مقاربة هذه الأهداف. وها هو ساترفيلد مرة أخرى يصّرح في هذا الإطار: "أينما كانت الأنشطة الإيرانية السيئة سنتولى أمرها ليس في سورية فحسب بل في العراق، واليمن، والخليج، وفي غيرها من الأماكن كما في ذلك من تأثير على مصالح حلفائنا ومصالحنا القومية". من هو الحليف اليوم للولايات المتحد؟ في ضوء موقف الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وفي ضوء الفرقة الواضحة بين هذا الموقف، وموقف الأوربيين، الحلفاء التقليديين، للولايات المتحدة، لم يبقى لدى الولايات المتحدة من حليف أكيد سوى الكيان الصهيوني، ولا يمكن لدول مثل السعودية، وقطر، وبقية الجوقة السائرة بخنوع في الركب الإسرائيلي أن تعتبر حليفة بل تابعة، وتقوم بدورها المرسوم وحسب. ومن هنا يجب إعادة النظر في الحرب الإرهابية التي تمّ شنها على سورية من قبل أدوات الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة من عصابات إرهابية متعددة الأسماء والأشكال ووصول هذه الحرب الإجرامية إلى طريق مسدود مما استدعى أن تنفض الولايات المتحدة الغبار عن عملاء لها اسمتهم "معارضة" وما هم إلا خونة بكل المعايير بما فيها القانون الأمريكي، وأخذت تعيد استقبالهم اليوم في واشنطن يخدموا وفق المطلوب منهم ضد مسارات جنيف، وأستنة، وسوتشي، وضد السير بأي حلّ سياسي، من أجل تقويض جهود روسيا، وإيران السلمية من جهة واستمرار حرب الاستنزاف ضد الشعب السوري من جهة أخرى. ولم يقصّر هؤلاء العملاء بالتصريح بأن "إسرائيل هي الصديق الحقيقي للشعب السوري وأنه "يبارك الضربات الإسرائيلية على وطننا سورية" ويطلب منها المزيد."

ما تحاول فعله الولايات المتحدة اليوم في الشمال الشرقي السوري ليس مسألة كردية، وإنما تستخدم وبعض المرتزقة أكراداً، وعرب من أجل استمرار الحرب الإرهابية التي بدأتها بأدوات مختلفة ويتمّ اليوم تغيير الأدوات من أجل منع الانتصار النهائي للجيش العربي السوري، وحلفائه، وما يحاول نظام أردوغان فعله أيضاً مرتبط بدور أردوغان في بداية هذه الحرب من تمرير لآلاف الإرهابيين المسلحين، استبدلهم اليوم، بعد هزيمتهم بجيشه النظامي، لتحقيق ذات الأهداف التي كان يسعى إليها. وفي غمرة هذا وذاك يتمّ اختلاق المشاكل داخل إيران، الحليف الأكيد لسورية والمقاومة، ويتمّ أيضاً إعلان ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتغذيه استمرار الفرقة في الصف الفلسطيني بما يخدم مخططات الكيان وحليفته الأكيدة الولايات المتحدة. إذاً لا أهمية اليوم لأسماء تنظيمات الإرهابيين من هزم منهم، ومن بقي، لأن السيناريو الجديد للولايات المتحدة هو محاولة منع روسيا من استكمال جهودها الحميدة في التوصل إلى حلّ سياسي، وإغداق المعونة على عملاء الولايات المتحدة، والكيان من الخونة والمرتزقة، وضمان استمرار أوار الحرب في عدة مناطق في سورية لإشغال الجيش السوري، وحلفائه، ومحاولة ترتيب الإقليم بما يخدم المصلحة الإسرائيلية البحتة اليوم وغداً. ملامح العصر الجديد اليوم تبدأ بالتطابق الكامل بين جهود الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، ومحاولة تقويض الجهد الروسي في أي مكان، ومنع التوصل إلى حلّ سياسي في سورية كي يستكمل مشعلو هذه الحرب محاولاتهم في تحقيق الأهداف التي بدأوا الحرب من أجلها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالإثنين 29 يناير 2018, 10:44 am

زيــــــــــــــــــــــارة بقلم: د.بثينة شعبان


حين دخلت المشفى الفرنسي في دمشق لزيارة الجرحى الذين أصيبوا بقذائف الإرهاب والإجرام، طالعني أول ما طالعني وجه والدة فادي الذي مازال في حالة حرجة في العناية المشدّدة؛ قالت لي: ألم تسمعي بحفيدي إلياس، ذي السنوات الأربع، أصابته قذيفة واستشهد، ولم نجرؤ بعد على إخبار والده لأنه مازال بين الموت والحياة، ماذا فعل هذا الطفل الجميل البريء كي يستحقّ منهم هذه الجريمة المنكرة؟! أسئلة لا جواب عليها أبداً. حاولتُ أن أهدّأ من حزنها قدر المستطاع إنسانياً، وانتقلت إلى غرفة والدة إلياس، والتي خرجت للتوّ من العناية المشدّدة إلى غرفة عادية، وعلمتُ للتوّ أن ابنها الجميل البريء الذي كان ينتظر بابا نويل من فترة قصيرة ليفرح ويلعب هو الآن في البراد. كانت أمه تناديه: «الياس» تعال إليّ، لماذا أنت في البراد؟ وأنا أمسك يديها بلطف وحنان، أفكّر بكلّ هؤلاء الذين يتاجرون بالدم السوري، والذين ينافقون عن حرصهم على حياة الشعب السوري، وحرية الشعب السوري، وهم يموّلون ويسلّحون ويحرّضون الإرهاب ليفتك بحياة الناس الأبرياء. فها هو إجرام أردوغان الذي ما فتئ يرسل الإرهابيين إلى أرضنا البريئة منذ اليوم الأول من هذه الحرب، وها هو يعتمد على فلول الإرهابيين في غزوه العسكري لتراب سورية المقدّس بذرائع وحجج واهية، وها هي واشنطن تلملم ما تبقّى من إرهابيين في الشمال الشرقي من سورية، وتقدّم لهم الرواتب والوظائف كي يشكّلوا جيش الحدود الذي أعلنت عنه منذ فترة، وهؤلاء في ذات الوقت يرسلون مندوبيهم إلى منصّات الأمم المتحدة ليتحدثوا عن الحرية وحقوق الإنسان، بينما هم ينزلون أشدّ أنواع الويلات بعائلات برئية تعيش على أرض الآباء والأجداد، ولا تبغي من الحياة شيئاً سوى الاستمرار بعيش وسلام بين أهليها وعلى الأرض التي تعشق على مدى الدهر. ماذا يقول الإنسان لأمّ فقدت طفلها الوحيد نتيجة إجرام عبثي مجنون مدعوم من قوى منافقة تدّعي الحرص على البشر وحريّتهم وحقوقهم؟ وكيف أعبّر عمّا يجول في خاطري لأهل احتاروا بين الحزن والفجيعة من جهة، وبين الرغبة في مساندة ابنتهم في محنتها الكارثية من جهة أخرى؟

وانتقلت من غرفة منال بين باقات وصحون الزهور التي تملأ الممرّ إلى غرفة الفتاة كريستين، التي تحيط بها صديقاتها الشابات وأهلها المفجوعون بكارثة بتر رجلها نتيجة القذائف التي سقطت على منطقة باب توما، وسألتها بأيّ صفّ أنت أيتها الجميلة؟ فقالت في الصفّ العاشر، قلت كيف حالك، قالت الحمد لله، بابتسامة لطيفة راقية، وجديلتان سوداوان تحيطان وجهاً جميلاً، وعينان بريئتان تتّقدان ذكاءً وطموحاً. كانت عينايَ مسمّرتين على وجهها الجميل، وعقلي يخاطب حكّام ما أسموه «العالم الحرّ»، ويقول لهم: كلّ ادعاءاتكم وتصريحاتكم وكذبكم ونفاقكم سقط تحت رجل كريستين المبتورة، هذه هي نتائج دعمكم للإرهاب الذي يضرب بلدنا منذ سنوات وأنتم تعلمون علم اليقين أنّ هذه هي نتائجه، ولكنّ أجندتكم السياسية ورغبتكم بالاستيلاء على ثروات البلدان ونهبها لا تقيم للحياة الإنسانية، ولا لآهات الجدّة، أو حرقة الأمّ، أو معاناة الأب والأهل وزناً أبداً.

في كلّ فاجعة اطّلعت عليها لمستُ انكسار عشرات القلوب من الوالدين إلى الأقارب والأصدقاء والجيران والمحبّين، فماذا زرعتم في سورية سوى الألم والحرقة والدموع؟ وإذا كانت كريستين غائبة عن أنظاركم، ألا ترون الطفلة عهد التميمي التي خطفها الإرهاب الصهيوني من سريرها وزجّ بها في غياهب السجون فقط لأنها تقاوم احتلالاً بغيضاً وترفع صوتها لتقول كلمة حقّ في وجه مستعمر إرهابيّ حاقد وعنصري. إنّ عهد التميمي وكريستين أختان في الصمود ضدّ أذرعة إرهابية وحشية لا تقيمُ لحياة الإنسان وزناً، وقد برهنت كريستين وعهد أنّ هذا الإرهاب الذي يضرب فلسطين وسورية والعراق وليبيا واليمن ليس منفلتاً من عقاله، كما يدّعون، وليس ظاهرة عشوائية عجز العالم عن تفسيرها أو لجم جموحها، بل هو إرهاب منظم ومموّل من قبل أنظمة سياسية معروفة وقادة دول يستخدمونه كأداة لتحقيق أهدافهم السياسية، وحين يفشل، كما هي الحال في سورية، في تحقيق هذه الأهداف، يلملمون بقاياه ويساندونهم بقوى وأسلحة نظامية من بلدانهم وبتمويل رسمي من الكونغرس ويعطونه أيّ مسمّى وبأيّ حجّة، كما فعلت الولايات المتحدة في الشمال السوري، أو يُدخلون جيشهم ويضعون العصابات الإرهابية في مقدمة هذا الجيش لشنّ عدوان سافر على أرضنا وشعبنا، كما فعلت قوات أردوغان في عفرين. الاستنتاج الأكيد الذي توصّلنا إليه بعد سبع سنوات من إجرامهم بحقّ الشعب السوري هو أنّ كلّ العصابات الإرهابية التي ضربت أرضنا وشعبنا هي عصابات منظّمة وتابعة لقوى ودول تنافق في المحافل الدولية، وتدّعي العمل من أجل السلام والإنسان.

جرحى قذائف الإجرام الذي ضرب باب توما شهود على أنّ الدول التي تدّعي الحضارة والحرّية والحرص على الإنسان غارقة في سفك الدم السوري واستهداف أطفالنا وأهلينا لتحقيق مآربهم السياسية العنصرية الحاقدة القديمة الحديثة ضدّ بلادنا، ولكنّهم غافلون عن أنّ أهل هذه الأرض المقدّسة لا ينكسرون، وقد دحروا غزاة استهدفوا بلادهم عشرات المرات عبر التاريخ وهم يفعلون الشيء ذاته اليوم بصمودهم وإصرارهم على دحر الإرهاب المجرم ومن يقف وراءه عن ديارهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2018, 11:24 am

بثينة شعبان

قــــالت محدّثتي

قرأتُ وراقبتُ وسألت وحاورتُ زميلاتي وزملائي، وفهمتُ أنّ مجرّد وجودنا على هذه الأرض يعتبره البعض تهديداً لهم، حتى وإن لم نقم بأيّ حركة، وأنّه لا يطمئنهم شيء في الوجود سوى أن يرونا جثثاً هامدة لا حراك فيها، ولا قدرة لها على اجتراح أيّ فعل من أجل حياة حرّة كريمة. حين وصلتُ إلى قناعتي هذه بعد سنوات من طفولة حائرة تحاول أن ترسي على برّ في هذا الوجود العاصف بنا جميعاً والمربك للكبار والصغار على حدّ سواء، حينها قرّرتُ ألّا أخاف..

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   E18d01e4-35dd-49a8-91be-e3900f5c24ba
أطلّت محدّثتي منذ أيام بابتسامتها الرصينة، يحيط بها جيش من الغزاة الخائفين المرتبكين

قالت محدثتي منذ نعومةِ أظفاري وأنا أراهم يوجهون التهم والإهانات لكلّ الذين أحبّهم من أهل وإخوة وأصدقاء وصديقات. منذ نعومة أظفاري وأنا أخشى من كون الأبواب التي في بيتنا غير قادرة على تحقيق الستر والأمان لنا لأنّ جنوداً مدجّجين بالسلاح يمكن أن يصفعوا الباب، أيّ باب، فيردونه قتيلاً ونجد أنفسنا نحن في العراء وجهاً لوجه مع غرباء حاقدين لا يقيمون للخصوصية وزناً ولا يعرفون للحرمة معنى، سواء كنت في الحمام، أو في غرفة النوم أخلع ملابسي المدرسيّة.

أنا أخشى دائماً أن أجد نفسي، وحتى في غرفة نومي وجهاً لوجه مع وجوه تنضح حقداً وكراهية. لقد واجهتُ هذه الوجوه في بيتي وبيوت أعمامي وعمّاتي وأخوالي وخالاتي كما واجهتها وأنا في طريقي إلى المدرسة، أو في طريق العودة منها، وحاولت جاهدة أن أفهم لماذا كلّ هذا الحقد، ولماذا كلّ هذه الكراهية، وهل يمكن لي إذا قمتُ بشيء ما أن أخفف من غلواء كرهها أو من عمق شعوري بالخوف من اقتحامها حياتي في أيّ لحظة وفي أيّ مكان.

قرأتُ وراقبتُ وسألت وحاورتُ زميلاتي وزملائي، وفهمتُ أنّ مجرّد وجودنا على هذه الأرض يعتبره البعض تهديداً لهم، حتى وإن لم نقم بأيّ حركة، وأنّه لا يطمئنهم شيء في الوجود سوى أن يرونا جثثاً هامدة لا حراك فيها، ولا قدرة لها على اجتراح أيّ فعل من أجل حياة حرّة كريمة. حين وصلتُ إلى قناعتي هذه بعد سنوات من طفولة حائرة تحاول أن ترسي على برّ في هذا الوجود العاصف بنا جميعاً والمربك للكبار والصغار على حدّ سواء، حينها قرّرتُ ألّا أخاف، وقرّرتُ أنّ الجدران والأبواب المغلقة لا تحميني من حقد هؤلاء، بل الذي يحميني حقيقةً هو ذلك الإيمان المتجذّر في أعماقي وقررت أنني لن أكون صامتةً بعد اليوم، ولن أسمح لهم أن يفرحوا بجثّتي، ويحتفلوا بإعدام صوت آخر يفضح عنصريتهم وحقدهم وظلمهم أمام الناس، حينذاك قرّرت أنّ كرامتي تكمن فقط في صلابة إيماني بهذه الأرض وهذا الوجود، وأنه لا أحد مهما كان مدجّجاً بالسلاح والحقد، قادراً على اختراق خصوصيتي لأنّني جبلتها مع تراب أرضي، ومع سويعات تاريخي، ومع أحلام زملائي وزميلاتي أننا لن نرضى بأقلّ ممّا يصون الكرامة مرّةً وإلى الأبد. ولكنّ أساطير حقدهم اخترقت قلبي الصغير، وعلمت ما فيه من تصميم وتحدّ، فاجتمع جنود مدجّجون بالسلاح وحاولوا شتمي، وكنت أنا هذه المرّة التي صفعتهم فيها لأنني أنا التي أملك هذه الأرض، وأنا التي أحيا عليها حرّة، حتى وإن توهّموا أنهم يسجنونني فأنا السّجانة وهم السجناء. هم الذين يخافون من صوتي اليوم، ومن شجاعتي ومن كلماتي أن يصل صداها إلى أرجاء المعمورة. منعوني من الحديث مع والدي ووالدتي اللذين يناديان اسمي وأنا أرسل بابتسامتي الهادئة صفحاتٍ وصفحات من الحبّ والثبات على الموقف. لقد اكتشفتُ اليوم أنّ كلّ أسلحتهم واهية، وأنّ سلاحنا نحن البسيط هو الإيمان والصمود، وهو أن نوصل صوتنا إلى العالم، ليصل إلى كلّ بيت، وكلّ امرأة وكلّ طفل، لنقول لهم من هؤلاء فعلاً ومن نحن حقاً. نحن الحقيقة، حقيقة الأرض والتاريخ والجغرافيا، نحن أصحاب الحقّ، ونحن الذين نمتلك المستقبل، ونحن الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

أطلّت محدّثتي، ذات الستة عشر ربيعاً، منذ أيام بشعرها الذهبي الجميل، ووجهها الهادئ وابتسامتها الرصينة، يحيط بها جيش من الغزاة الخائفين المرتبكين، بعدما منعوها من أن تقول شيئاً أو أن تلتقي بأحد حتى مع والديها، رغم أنهم سجنوا جسدها الغضّ. لكنهم يعلمون أنهم غير قادرين على سجن روحها وصوتها وضميرها وإيمانها. هذه الطفلة التي لا تحمل سلاحاً، ولا تهدّد أحداً، هدّدت وجودهم كلّه وهزّت كيانهم. وسؤالي يا حبيبتي  الجميلة: ألم يخجل حكّام عرب منك وهم يتزلفون للطغاة بدفع المليارات من الجزية، ولم يفكروا على مدى قرن ولم يبادروا لرفع هذا الظلم عنك وعن أهليك جميعاً؟ ألم يخجل من يتبوأون كراسي الحكم ويسيرون على السجاد الأحمر حيثما توجّهوا ويحيطون أنفسهم بالعباد الذين يجب أن يُقدّموا لهم الحماية، نظرياً لانهم  مؤتمنون على حياة وحرية ومصلحة شعوبهم، ألم يخجلوا منك يا عهد التميمي وأنت تقفين وحيدة في مواجهة أعتى آلة عنصرية استعمارية حاقدة؟ ألم يطفئوا الشاشات خجلاً منك، وينسحبوا إلى الظلمات ليستروا قصورهم وجهلهم وتواطؤهم مع الأعداء ضدّك أيتها الطفلة الملكة، أيتها المقاومة الصلبة، أيتها الأيقونة التي تليق بكلّ الأحرار والشرفاء في كلّ أنحاء العالم، والتي تشكّل مخرزاً ليس فقط في أعين الأعداء وإنما أيضاً في أعين الحكام العار المتواطئين على قضاياهم، والمنافقين والكاذبين على شعوبهم، والمتستّرين وراء أوجه العظمة والقوّة، فقط ليخفوا جبنهم وضعفهم المشين والمخزي؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالثلاثاء 03 أبريل 2018, 6:29 pm

يــــوم الأرض 
د.بثينة شعبان

لقد أصبح واضحاً اليوم، وبعد سبعين عاماً من احتلال استيطاني استعماري غاصب لأرض فلسطين، أنّ الأرض هي المبتدأ والمنتهى، وأنّ الأرض هي القصة الحقيقية، وهي الهدف الذي يبغون حيازته، ويرتكبون في سبيل ذلك أبشع المجازر عبر التاريخ. لقد انتفض الشعب الفلسطيني من أجل حماية أرضه في مرّات عديدة حتى وقعت نكبة عام 1948، وقدّم التضحيات والشهداء منذ ثورته عام 1969، وانتفض في 30 من آذار عام 1976 وقدّم الشهداء، وهاهو ينتفض اليوم في 30 آذار عام 2018 ويقّدم الشهداء ليقول إنّ هذه الأرض لنا، وأننا نحن أصحابها الحقيقيون الشرعيون. ومن الواضح خلال هذا التاريخ أنّ الكيان الصهيوني يريد أرضاً بلا شعب، تماماً كما فعل الاستعمار الاستيطاني في الولايات المتحدة الأمريكية وفي نيوزيلندا وأستراليا وكندا، وكما أراد المستوطنون الفرنسيون في الجزائر، والبريطانيون في جنوب إفريقيا، فأبادوا السكان الأصليين تماماً في أمريكا الشمالية وأستراليا، وشوّهوا صورتهم في كتب التاريخ، ودفنوا حضارتهم وثقافتهم ومعتقداتهم، واستوطنوا تلك الأرض، وأتوا بالمهاجرين البيض ليحتلوها ويمتلكوا كلّ ثرواتها الخيّرة. وإلى يومنا هذا لم يُنصف أحد حضارات الشعوب الأصلية، والتي كانت غنيَة بثقافتها وفنونها ومعتقداتها، لأنّ المستوطنين هم الذين كتبوا التاريخ، وهم الذين سوّقوا هذا التاريخ في كلّ أنحاء العالم، بحيث أصبحت الصورة الوحيدة المتاحة عن حضارات شعوب المايا والأنكا والأبورجينز، وغيرهم من حضارات كثر عديدة، هي الصورة التي قدّمها المستعمرون والمستوطنون الذين قاموا بإبادتهم والاستيطان على أنقاض حضارتهم. وهنا لا بدّ من التأكيد أنّ المهمّ ليس الانتصار فقط وإنما كتابة تاريخ هذا الانتصار.

واليوم نشهد مسرحاً مماثلاً جداً في فلسطين، حيث تقضم سلطات الكيان الأرض الفلسطينية شيئاً فشيئاً، وتُصدّر على مدى عشرات السسنين كلّ القوانين التي تمكّنهم من سرقة هذه الأرض من أصحابها الشرعيين، وتهجير الشباب والأبناء، وعدم السماح لهم بالعودة، وبالمقابل استقدام المستوطنين من كلّ حدب وصوب ليحلّوا محلّهم. نحن نشهد اليوم استيطاناً شبيهاً جداً بالاستيطان الذي حلّ في أمريكا الشمالية وكندا وأستراليا منذ مئتي عام ونيّف، والغريب في الأمر أنّ بعض أصحاب الحقوق في شرقنا الأوسطي ينتظرون من المستوطنين الغربيين أن يساندوهم في نيل حقوقهم. إن كان هناك من أمر فإنّ المستوطنين الغربيين يساندون المستوطنين الإسرائيليين لأنهم يرونهم شبيهين بهم، ويسيرون على خطاهم، فكيف يمكن لهم أن يتفهموا صاحب الحقّ، وصاحب الأرض، وهم الذين حاربوه وقتلوه وأبادوه في ديارهم لتكون بلدانهم كما هي عليه اليوم، بل على العكس هم يتفهّمون العقلية الاستيطانية الإسرائيلية وحلمها أن تكون فلسطين أرضاً لها دون أيّ أثر للشعب الفلسطيني، أو للتراث الفلسطيني، أو للثقافة والتاريخ والجذور التي يعملون على اقتلاعها في كلّ قانون أو تشريع يصدر بهذا الصّدد. ومازال الفلسطينيون، للأسف، يواجهون كلّ هذا المخطط بعفوية، وبصدور الشباب العارية، وبمسيرات الناس العزّل الذين يقعون ضحايا للبطش الاستيطاني، ليضاف إلى قائمة الشهداء شهداءٌ آخرون يروون تراب فلسطين بدمائهم. ومع كلّ اعتزازنا وفخرنا بروح الانتماء التي تدفع الشباب للدفاع عن الأرض حتى الشهادة، ولكن هل هذا هو الأسلوب الناجع لاستعادة الأرض؟ وهل تمكّن الشهداء بدمائهم الذكية من تغيير المعادلة في هذا الصراع، أم أنّ قضم الأراضي مستمرّ بحيث لم يعد يملك الفلسطينيون أكثر من 15% من أرض فلسطين التاريخية؟ السؤال المؤلم اليوم: أوَ لا يتوجّب على الفلسطينيين والعرب إعادة النظر باستراتيجياتهم وآلياتهم من أجل صون الحقوق وتحرير الأرض؟

إنّ إلقاء الضوء على تجربة الشعب اللبناني في جنوب لبنان بعد احتلال أرضه، وتشبّثه في البقاء في دياره إلى أن تمكّن من تحرير هذه الأرض في عام 2000، تثبت أنّ عدم النزوح من الأرض، حتى وإن مكث على صدرها معتدٍ محتلّ، هو الأسلوب الأنجع لاستعادة هذه الأرض، وأنّ النزوح عنها هو بالضبط ما يريده الطامعون في هذه الأرض، والمخطّطون للاستيلاء عليها، وهذا ما استنتجه الكثير من الفلسطينيين ولكن بعد النزوح الكبير في عام 1948، والنزوح في عام 1967. ومن الواضح من القصص التي سمعناها عن هذا النزوح أنّ المستوطن الإسرائيلي كان يهدف إلى ترويع السكان حتى قبل أن يصل إليهم، ويهدّدهم من خلال مكبّرات الصوت ويدعوهم إلى مغادرة قراهم وبساتينهم ومدنهم فوراً. وكثيرون منهم غادروا وهم يظنّون أنهم عائدون بعد بضعة أيام. إذاً لم تكن هناك درجة من الوعي ولا قيادات حقيقية لتقوم بخطوات مضادّة لخطوات المستوطنين، وتعمل على تثبيت السكان في مواقعهم، بينما توفّر هذا في عام 1982 في لبنان، وربما مستفيدين من الدرس الفلسطيني، خاصّةً وأنّ أهل الجنوب كانوا هم من استقبل النازحين الفلسطينيين في 1948، وشهدوا على معاناتهم. الوعي والقيادة أمران أساسيان في خوض المعارك، عسكرية كانت أم سياسية، بوقت أقصر وأثمان أقلّ. واليوم يعمل الكيان الصهيوني جاهداً على إلغاء حقّ العودة للفلسطينيين وعلى تغييب الشاهد الأخير على هذا الحقّ، ألا وهي منظمة الأونروا، ولذلك لا بدّ من وضع الخطط، وتكثيف الجهود، وجمع الأموال والتبرعات كي تبقى هذه المنظمة قادرة على العمل، وشاهداً حياً على اللجوء وحقّ العودة للفلسطينيين. في يوم الأرض نُحَيّيْ كلّ شهداء فلسطين وسورية ولبنان والعراق واليمن، وعلى امتداد جغرافيا هذا الوطن العربي، ونقول من أجل هذه الأرض لا بدّ من تطوير آليات العمل، ووضع الاستراتيجيات التي تحافظ عليها وتضمن ازدهارها على يد أبنائها الأصليين المخلصين، وتصدّ عتها كلّ عادٍ وطامع ومستعمر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالإثنين 07 مايو 2018, 12:21 pm

الحقيقة والمفهوم: حرب إعلامية بقلم:د.بثينة شعبان


في عام 2005 اجتمعتُ في مقرّ وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن مع السيد وليم بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأمريكي في حينه، وكان معه إليوت أبراهام، الذي كان المتحدث الأساسي في بداية اللقاء وحيث أخذ يكيل التهم لسورية ودورها في التدخل بالشأن العراقي ضدّ القوات الأمريكية هناك، وبعد أن سرد بعضاً مما في ذهنه،ـ استوقفته وقلت له قبل أن تكمل هذا السرد أودّ أن أقول لك أنّ ما تقوله لا علاقة له بحقيقة الأمور أبداً، وأنّ الواقع ينفي كلّ ما ورد على لسانك. فتوقّف عن الكلام ونظر إليّ نظرة متأملة ثم قال وبكلّ ثقة: وما هي أهمية الحقيقة؟ ومن يُعير وزناً للحقيقة؟ المهمّ هو ما يعتقده الناس ويصدقونه!!! كانت هذه هي المرة الأولى التي أواجه فيها شخصاً في موقع المسؤولية يصرّح أنّه لا يعير للحقيقة أهمية، ولا يقيم لها وزناً. ولكن وبعد ذلك، أخذت أتابع في الإعلام الغربي صياغات المفاهيم التي يتبنونها ويعتمدون على ترويجها، وأعلم علم اليقين أنهم لا يقيمون للحقائق التي نسرد أو نسطّر وزناً؛ فأجهزة الإعلام الغربية تروّج لقصص ملفّقة وأكاذيب عن سابق علم بهدف يخدم مصالح الفئات الحاكمة وخاصة الحكومة الأمنية العميقة. ولكنّ هذا لا يعني أبداً أننا لا يمكن أن نبدأ على الأقلّ بمواجهة حربهم الإعلامية، بعد أن نضع رؤية متكاملة حول هذه المواجهة. وقد بدأت روسيا والصين منذ سنوات بفعل ذلك، حيث أصبحت الآرتي «روسيا اليوم» قناة مهمّة يُناقش منعها في برلمانات الدول الأوروبية، وتُتخذ إجراءاتٌ بحقّها نتيجة التأثير المتصاعد لها على شعوب الدول الأوروبية، كما أنّ القناة الصينية باللغة الإنكليزية (CGTN شبكة التلفزيون الصيني العالمي)، والتي لديها جمهور عالمي اليوم يعادل جمهور البي بي سي، والسي إن إن مجتمعين، ولكنّ هذا لا يعني أنّ المعركة قصيرة الأمد، أو أنها ستحسم اليوم أو غداً؛ فقد بدأ الغرب، والأهم بينهم الصهاينة، بمناقشة السيطرة الإعلامية والمالية على العالم منذ مؤتمر بازل عام 1893، أيّ قبل أكثر من قرن وربع القرن من الزمن، وخصّص الصهاينة الأموال الطائلة لأذرعهم الإعلامية، ولذلك فإنه من الطبيعي أن نشعر اليوم أننا مهما فعلنا فلن يكون التأثير لافتاً، أو قد لا يكون ملحوظاً. إلّا أنّ الأمر الذي يجب الانتباه إليه هو أنّ النشاط الإعلامي المستقلّ، الذي يعمل على فضح مفاهيمهم وأكاذيبهم، مؤثّرٌ ومزعجٌ لهم بأكثر ممّا نتصوّر. وبما أنّ العمل تراكمي، ويحتاج إلى خبرات ووقت وعمل مستدام، فإنّ الحلّ الوحيد الذي نمتلكه هو الاستمرار بالمحاولة مهما بدت النتائج متواضعة. إنّ قرار سورية وروسيا بأخذ شهود الكيماوي إلى لاهاي، وفضح فبركات وأكاذيب الدول الغربية بهذا الموضوع هو أمر صادم للغرب، ومؤثر لدى الشعوب الغربية، ويعتبر خطوة جريئة ومتقدّمة في خوض غمار هذه الحرب. ولا شكّ أنه ليس من المنتظر من وزراء خارجية الدول الغربية وإعلامهم المنضبط وفق تعليمات مفبركة وتلفيق أن يعترفوا بحقائق الأمور بعد أن أغرقوا الساحات الإعلامية بفبركاتهم، ولكن، ودون شكّ، لن يتجرؤوا على طرح مثل هذه المسرحية مرة أخرى على الساحة الدولية لأنهم سوف يخشون فضح أكاذيبهم من خلال روايات شخصية لا يمكن لهم إنكارها أو تحويرها.

ومن هذا المنطلق يمكن لنا أن نعمل على إحداث شروخ في رواياتهم وإظهار التلفيق بها، وذلك لتقويض مصداقية ما يعملون على ترويجه من أكاذيب، وهذه مرحلة هامة لا يُستهان بها وبتحقيقها إن أمكن. فحين يتحدّث العثماني الجديد، والمسؤول عن تمرير الإرهاب إلى سورية، بأنّ الولايات المتحدة قد أرسلت خمسة آلاف شاحنة أسلحة، وألفي شحنة جوية تحمل أسلحة إلى شمالي سورية بذريعة مكافحة تنظيم «داعش» الإرهابي، لا بدّ لنا من أن نردّ بضاعتهم إليهم، وفي إعلامهم أو في أيّ قنوات متاحة، ونشغل ما نستطيع من المساحة الإعلامية بهذه الأخبار التي تقود بالنتيجة إلى فضح أكاذيبهم. وحين يتحدث رئيس وزراء الظلّ في البرلمان البريطاني بلغة تعبّر عمّا نبتغيه، ويُحرج رئيسة وزرائه، لا بدّ لنا من أن نعتبر هذا خبراً جيداً، لا نسمح له أن يموت بسرعة. وفي غالب الأحيان لا تقف تصريحاتهم أمام المنطق أبداً، ومن السهل جداً تعريتها؛ فحين يقول وزير الدفاع البريطاني، توبياس إيلوود، على قناة البي بي سي: «هل يمكن شنّ غارة محدودة تؤدي إلى تقليص معاناة الناس؟ هذا هو بالضبط ما فعلناه عندما ضربنا مواقع إنتاج الأسلحة الكيميائية دون استهداف القصور أو المباني البرلمانية على سبيل المثال.» هل هناك عاقل يتحدث عن عدوان جوي يؤدي إلى تقليص معاناة الناس؟! وهل هناك من يظنّ، ولو للحظة، أنهم ضربوا مواقع إنتاج الأسلحة الكيميائية؟ ولو كان الأمر كذلك لكانت النتائج الكارثية واضحة للعالم أجمع. هذا يعني أنّ فبركاتهم لا تصمد أمام أدنى درجات المنطق والتحليل العلمي. والوجه الآخر للتصدّي لإعلامهم السائد هو أن نقرأ بين السطور، ونبرز ما يعملون على إخفائه؛ ففي حمأة كلّ ما يجري في المنطقة يجتمع قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال جوزيف فوتيل، مع مسؤولين عسكريين إسرائيليين حيث وصل فوتيل الاثنين إلى إسرائيل في زيارة لم تُعلن مسبقاً. ولا تجد خبراً أو تفصيلاً أبداً عن هذه الزيارة لأنّ مجريات الأعمال العسكرية العدوانية في المنطقة يتمّ التخطيط لها في إسرائيل، وهم لا يريدون إلقاء الضوء على مثل هذا التنسيق الخطير. وخبر آخر يمكن لنا تسليط الضوء عليه، حيث لم يرغب الأعداء بلفت الانتباه إليه، حين صرّح وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أن نسبة التفاهمات مع حكام السعودية والخليج بلغت 75%، وأضاف «الحديث مع الحكام الخليجيين سهل لكن الأمور معقّدة مع الشعوب». هذا هو الموضوع الذي يتوجّب علينا التركيز عليه، الشعب العربي في كافة أقطاره يرفض التطبيع مع العدوّ المحتلّ، ولذا يجب إثارة وعيه وتوحيد طاقاته في وجه أكبر تآمر على حقوقه. إذاً في هذه الحرب الإعلامية من الحكمة وضع مرجعية واضحة وخطة طويلة الأمد ومراكمة النجاحات مهما بدت جزئية، مع اليقين أنّ التراكم الكمّي لا بُدَّ وأن يحدث تحولاً نوعياً في لحظة ما.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالإثنين 07 مايو 2018, 12:22 pm

الحكمة الكورية والحماقة الخليجية
 د.بثينة شعبان

بعد تهديدات الرئيس الأميركي ترامب لكوريا الشمالية على مدى الأشهر الفائتة، وبعد أن استشعر الكوريون الخطر بهم قرّر زعيما الكوريتين التنازل لبعضهما، وليس لمن يتربص بهما أو بأي منهما، وبسهولة مدهشة اجتمع الزعيمان في مبنى "قصر السلام" الواقع في منطقة بانمنغوم الحدودية بين الكوريتين ليبدأا مسيرة عمل تهدف إلى إرثاء التقارب بين النظاميين المتناقضين عقائدياً، وسياسياً، وبين الشعبين الشقيقين الذلين كانا شعباً واحداً قبل الاحتلال الأمريكي في الحرب العالمية الثانية.، هذا التقارب قد يقود بعد حين إلى إعادة توحيد كوريا وإنهاء ما فرضه الإستعمار الأمريكي على هذا الشعب من فرقة، وانقسام لا تصبّ في خدمة مصالحه. وفي إشارة رمزية ولكنها هامة اقترح الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في هذا الاجتماع أن يقدّم توقيت الساعة بواقع نصف ساعة للتوافق مع التوقيت في كوريا الجنوبية في إطار حملة دبلوماسية مكثفة من أجل إحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية حيث قال أون في المحادثات:" أشعر بأسى عميق لرؤية ساعتين معلقتين بتوقيتين مختلفين في بيت السلام واحدة لسيؤول، والأخرى لبيونغ يانغ"، وعاد توقيت كوريا الشمالية ليتطابق مع توقيت كوريا الجنوبية بدءاً من 5 أيار الجاري. لا أحد طبعاً على إطلاع على كل ما جرى من محادثات بين الزعيمين لكن لغة الجسد للزعيمين مع زوجاتهما تنبئ بتوافق، وتصميم على استكمال هذا الدرب السلمي وتفويت الفرصة على الأعداء، والتنازل للأخوة، والأشقاء لتجنيب البلاد ما يتمّ التخطيط لها من قبل الطامعين المستهدفين لنهب الثروة الكورية. وفي لحظة هدوء وتفكير سليم يكتشف المرء بسهولة أنّ هذا هو المسار الطبيعي والمنطقيّ بين الأشقاء وأن هذا هو الردّ الحاسم والمناسب لكلّ استعرضات حرامي واشنطن "ترامب"، وتهديداته، ووعيده بالويل والثبور لمن لا يدفع له الجزية ويشتري أسلحته المتهالكة. إذ وبحركة ذكية رابحة على كلّ الصعد أفقدته الكوريتان كلّ ما كان يبني عليه ويتبجح به، ويرسم خططه من أجل استهداف شعب مسالم يريد العيش بأمان وبغض النظر عن الأطراف التي ساعدت الكوريتين للتوصل إلى هنا، وبغض النظر عن القول أن هذا التحرك جاء نتيجة النصائح الصينية وأن نزع فتيل الخلاف يصبّ بصالح الصين والقطب الدولي الجديد فمن الحكمة أن تصغي الحكومات للأصدقاء الذين يريدون بها خيراً، وأن تجنّب شعوبها كلّ ما يخططه لهم الأعداء وتجنّب الخراب وتبديد الثروات على شراء أسلحة الدمار. ولا شك أن المتابع للأحداث كان يجد في تهديد ترامب للرئيس الكوري الشمالي تهديداً مشابهاً لتهديده العرب، وتضخيمه للبعبع الشمالي يشبه إلى حدّ بعيد ابتزازه دول الخليج بالبعبع الإيراني وخطره المزعزم كما أن ابتزازه لكوريا الجنوبية لشراء الأسلحة بمليارات الدولارات مشابه لابتزازه لحكام الخليج مع الفارق بين العقل الكوري وبين التهور الخليجي الذي اوقعهم في فخ غربي محكم لاخلاص لهم إلاّ باستنزافهم تماماً. وربما وبعد أن جنى "ترامب" المليارات بسهولة مدهشة من حكام الخليج ونجح في ابتزازه لهم قرّر أن يعيد التجربة مع الكوريتين إلا أن زعيمي الكوريتين برهنا أنهما مختلفان جذرياً عن حكام الخليج الذين دفعوا ويدفعون مئات المليارات للولايات المتحدة كي ينالو الرضا، ويستمروا في الحكم مصدقين أن حماية أمريكا لهم هي الضمانة متخليّن عن التضامن العربي الذي حمى العرب بعد استقلال بلدانهم لولا الشقاق الخليجي واصطفافهم مع الأعداء ضد أشقائهم العرب. والسؤال الذي نطرحه هنا هو ما الذي يمنع حكام الخليج من أن يفكروا بطريقة تشبه ما لجأ إليه حكام الكوريتين، أي أن يلجأا إلى الأخ والصديق لتحقيق القوة، والمنعة بدلاً من الخضوع لابتزاز وتهديد الأعداء، والخصوم؟!!

لا شك أن مئات المليارات التي دفعها حكام الخليج للولايات المتحدة والترليونات التي سيدفعونها قريباً كانت كفيلة بأن تحقق لهم زعامة في العالم العربي، إن استخدموها لتنمية البلدان العربية، وتعزيز مصادر قوتها، وتمنحهم من أسباب القوة ما لا تستطيع الولايات المتحدة على تحقيقه لهم. لو أنهم أنفقوا جزءاً من هذا المال على التنمية، والتعليم في العالم العربي لوجدوا كلّ أسباب الدعم، والقوة التي تؤهلهم لنيل احترام خصومهم لهم بدلاً من تلقي الإهانات العلنية، والابتزاز مرة تلو أخرى. مع أن التاريخ العربي حافل بالأمثلة التي تبرهن على أن الانصياع للعدو مرة يجرّ بعد ذلك إلى المزيد من الانصياع والخنوع، وأن كلّ الاتفاقات التي أبرمت مع العدو بقيت حبراً على ورق لأنّ مبرميها من العرب لم يتملكوا أسباب القوة التي تضمن تنفيذها. ومع أن العرب لديهم ما يسمى بالجامعة العربية، فهي لم تتمكن، بسبب الشقاق الخليجي المتواصل، من جمع قوة العرب وتحقيق موقف موحد لهم يضمن لهم اتفاقاً مشرّفاً، ويحقق لهم موقع قوّة في أعين الخصوم والأعداء. ورغم كلّ الاجتماعات واللجان العربية على مستويات ثنائية، أو متعددة فإن العمل العربي المشترك يبقى في أوهن صيغة بسبب ارتهان حكام الخليج لاعداء العرب.

لا بل لقد انتقل الخليجيون في السنوات الأخيرة إلى تمويل وتسليح إرهابيين ليفتكوا بالبلدان العربية الواحدة بعد الآخرى لصالح مخطط إسرائيلي يهدف إلى هيمنة إسرائيل على نفط ومقدارات العرب غير مدركين أنهم يحفرون قبورهم بإيديهم، وأن طمع الأميركيين، والإسرائيليين بهم وابتزازهم لهم قد تضاعف عشرات المرات بعد أن أضعفوا دول القوة العربية العراق، وسورية، ومصر، وليبيا، والسودان، واليمن. سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوا فإن حروبهم الإرهابية على أشقائهم العرب قد زلزلزت مكانتهم في أعين الطامعين وجعلت ثرواتهم لقمة سائغة للأعداء، والمحتلين، والمستعمرين لأنّ أعداء سورية هم أعداء كل العرب. ولا شك أن استباحة العدو الصهيوني للدم الفلسطيني كل جمعة، وكل يوم هو استباحة لدم كل العرب وهو نتيجة هذا الانهيار في المنظومة العربية الناجمة عن فشل دول الخليج في العمل العربي المشترك في إدراة أمورهم بحكمة، ودراية، وعمق. وها هو وزير أمن الكيان الصهيوني أفيفدور ليبرمان يردّ على إدانة محمود عباس للمحرقة بالقول إنّ "اعتذارته ليست مقبولة." لو فكّر الخليجيون بالطريقة التي فكّر بها زعيما الكوريتين لأضطر ليبرمان أن يقدّم اعتذاره عن استهداف العرب كل جمعة، وكل يوم منذ قدومهم من أرجاء الأرض ليحتلوا فلسطين. متى سينفق الخليجيون وقتاً ومالاً على وضع الخطط الذكية، واستخدام الفكر العميق الذي يحبط أعداءهم ويزيد من عناصر قوتهم؟ ومتى سيواكبون المتغيرات العالمية والتي تقدّم النماذج الذكية في الحكم والعلاقات، ومواجهة الأعداء. أما محاربة الأشقاء والخضوع لابتزاز الأعداء فهي الحماقة عينها ولن تزيدهم إلا هواناً وضعفاً وذلاّ. بالفعل صدق من قال ما أكثر العبر وما أقلّ الاعتبار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالسبت 23 يونيو 2018, 9:59 am

ماذا قال العيد للسوريين؟ 
بقلم :د.بثينة شعبان

 

ماذا قال هذا العيد للسوريين؟ بعد سبع سنواتٍ عجافٍ أعتبر هذه الزيارة هي الزيارة الأولى لكم، وأعتبر هذا العام العام الأول الذي يفرح بعضكم فيه، ويعود إلى طريقة الأعياد التي كانت شائعة بينكم قبل هذه السنوات الصعبة. لقد أثلج صدري أنكم استقبلتموني كسوريين، كما كنتم دائماً، مسلمين ومسيحيين، شعباً واحداً تجمع بينكم أواصر القربى والتاريخ والجغرافيا، وأنكم اليوم أشدّ تمسّكاً بهويّتكم مما كنتم عليه في أيّ وقت مضى، وأنّ كلّ المحاولات التي استهدفت التفريق بينكم على أسس طائفية أو مذهبية أو عرقية قد باءت بفشل أكيد. أنتم متيقّنون اليوم، وبعد كلّ ما عانيتموه، أنّ الهدف من كلّ هذه الحرب على سورية هو تدمير بلدكم ومنشآتكم ومؤسساتكم ونظم تعليمكم وصحتكم واقتصادكم ونهب آثاركم والاستيلاء على ثرواتكم، وعلّ الأهمّ من كلّ هذا تدمير الهوية الحضارية لبلدكم التي توارثتموها عبر آلاف السنين، فأصبح التاريخ والثقافة المتوارثة جزءاً لا يتجزأ من هويتكم الغنيّة، فلم تعودوا أرقاماً بل بشراً محمّلين بخلاصة ما توصّل إليه الآباء والأجداد، والذي شكّل منظومة قيمية لكم هي اليوم أنتم، ولا يمكن لكم أن تكونوا أنفسكم بدونها، وبدون الحفاظ عليها وإغنائها جيلاً بعد جيل.

أعلم أنكم عانيتم أقسى ما يمكن أن يتعرّض له شعب في التاريخ من خطف وقتل وإرهاب وحصار وعقوبات وخيانة وعقوق الأشقاء العرب، وحرب عسكرية وسياسية وإعلامية واقتصادية، ومن اليتم والثّكل والترمّل وكلّ أنواع الفقد، ومن هجرة ونزوح ولجوء الأبناء والأحبة، وغضاضة في الكرامة وحرقة من الاستهانة بأعزاء قوم سلبتهم الحرب مكانتهم وقدرتهم فعصفت بهم رياح النزوح والهجرة واللجوء والعوَز، ومع كلّ قساوة هذه التجربة المريرة يجب ألّا تنسوا أبداً استخلاص الدروس والعبر؛ فالحرب الإرهابية مستمرّة بشكل من الأشكال في أكثر من بقعة جغرافية من بلدكم العزيز، وما زال الاحتلال التركي والأمريكي والفرنسي والبريطاني، وأطماع هذه الدول المعادية دوماً للعرب يشكّل مظلّة لتواجد الإرهابيين وما يزال قائماً، ومازلتم بحاجة إلى التعاضد والعمل لتحرير كلّ شبر من أرضكم العزيزة. ولكن إذا اعتبرنا زيارتي هذا العام لكم بداية الشعور بالفرح لتحرير القسم الأكبر من بلادكم؛ فإنّي أجد أنّ الوقت مناسب لمراجعة ما جرى، والتوقّف عند كلّ مفصل وفهم الأسباب والنتائج كأفضل ما يكون الفهم، وبعيداً عن المحاباة أو الابتزاز، وتحضيراً لخوض المعركة الأصعب؛ ألا وهي إعادة بناء النفوس والقدرات أولاً، وترميم الحيف الذي لحق بكم وبطرائق حياتكم، والاستعداد ليس فقط للنهوض والبناء، وإنما لوضع رؤية عميقة وشاملة تحمي بلادكم وأولادكم وأحفادكم من مثل هذا الإعصار لعقود قادمة. لقد كانت بلدكم، ومنذ قرون، في عين العاصفة، لأنها قي قلب الجغرافيا الكونية، ولأنها أيقونة الحضارة الإنسانية، ولأنّ أرضها الطيبة هزمت كلّ الطغاة والغزاة، واستمرّت في تقديم أصول المعارف للإنسانية جمعاء. فلماذا حلّ بكم ما حلّ؟ ولماذا لم يكن ممكناً تفادي ما حصل إلّا بعد خسارة ومعاناة وتضحيات جسام؟!! ذلك لأنّ البعض منكم لم يدركوا منذ البداية حجم الاستهداف الصهيوني والتواطؤ الخليجي الغادر للوطن، وتاهت بعض الآراء في خضمّ حملاتٍ إعلامية مغرضة ومضلّلة وأموال حرام سال لها لعاب الخونة وضعاف النفوس، مع أنّ الشواهد والبراهين كانت ماثلة أمام أعين الجميع، ومنذ اليوم الأول. إذ ما علاقة شبكة الكهرباء والمصانع وأنابيب النفط وأشجار الزيتون ومنظومات الدفاع الجوي بنداءات الحرية؟ وكيف يعمد من ينادي بحرّية الإنسان إلى تدمير القيم السورية في التعايش، فيثير التطرّف وينشر الذبح والوحشية، ويدمّر الآثار وينهبها، ويخرّب الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية، ومؤسسات البنية التحتية من ماء وكهرباء ودواء؟ ردود أفعال البعض منكم لم تضع رؤية الوطن أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً، فتخلّوا عن الحكمة والعقل، فوقعوا في شرك التفتيت، وتحويلكم إلى أفراد مختلفي الهوية والانتماء والطموح. وإذا كان هناك من درس جوهريّ وحقيقيّ أفضت به هذه السنوات العجاف؛ فهو أنّ البقاء للاوطان، وأنّ الحروب استهدفت هذه الأوطان بغضّ النظر عن مصير أفرادها ومجموعاتها البشرية. إذاً صانعوا الحروب الصهاينة وداعميهم ومرتزقتهم لا يرونكم كشعب، أو كتاريخ، أو كحضارة واحدة لها قيمها وأخلاقها، ولكن لا بدّ لكم من أن تروا أنفسكم على حقيقتكم هذه كحضارة بشرية غارقة في القدم، وتمتلك من الثروة الأخلاقية والمكانة الجغرافية والعمق التاريخيّ ما يثير حسد الأعداء والطامعين. لقد درجتم على مقاومة الاستهداف تلو الآخر، ولكنّ هذه الحرب أظهرت أنّه لا بدّ لكم من مراجعة عميقة لكلّ ما جرى، ووضع أسس فكرية ومعرفية وسياسية واقتصادية ومجتمعية كي لا تسمحوا بعد اليوم للأعداء والطامعين أن ينفدوا إلى أرضكم ومجتمعكم من أيّ ثغرة محتملة، وكي لا يتمكنوا كلّ بضعة عقود من السنين هدم ما بنيتموه وإعادتكم إلى الوراء كي لا تكونوا مشاركين فاعلين في المعادلات الإقليمية والدولية. قد يكون الوقوف عند الحقيقة جارحاً في الكثير من الأحيان، ولكنّ ثمنه أقلّ بكثير من تجاهل هذه الحقيقة، والسير بعيداً عن مقتضياتها وموجباتها.

لقد غدر بكم الشقيق الغادر، ووقف معكم الصديق الصدوق، وتكاتفت قوى استعمارية عالمية وإقليمية لتكسر إرادتكم، ولكنّها لم تتمكن من فعل ذلك، ولم تتخلّ قوى الحرية والتضامن الدولية عنكم، وكان المهمّ هو تجذّركم في هذه الأرض وحرصكم عليها أحد أهمّ أسباب قوّتكم، فالتقطوا اللحظة اليوم لتعيدوا ترتيب كلّ ما هو بحاجة إلى ترتيب، ولإجراء مكاشفة صريحة وواضحة لا تهدف فقط إلى إعادة بناء ما تمّ تخريبه، وحسب، ولكنها تهدف إلى وضع رؤى واستراتيجيات تليق بمرحلة جديدة طموحة تصيغ واقعاً جديداً ومستقبلاً وطنياً رائداً يعتمد صورة الوطن وسلامة البلاد معياراً أساسياً لا حياد عنه، ويأخذ بالحسبان التاريخ والجغرافيا ومستقبل الأجيال في كلّ خطوة وكلّ رأي وشأن. لقد كانت حرباً قاسية خلال سنوات عجاف، ولكنكم مأهّلون أن تسدّوا كلّ الثغرات التي مكّنت الأعداء والخصوم من النفاذ إليكم، وأن تشرعوا ببناء الوطن على أسس تستفيد من كلّ هذه التجربة القاسية، ولا تدع للدماء أو الآلام طريقاً إلى دياركم بعد اليوم. في زيارتي هذا العام وجدت أنكم مؤهلون وقادرون على متابعة مسيرتكم الحضارية، ولكن مكاشفة جريئة وواضحة، وإرادة وعزيمة واثقة ستجعل الدرب أيسر وأسهل وتحقيق الهدف أقرب وأضمن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالثلاثاء 03 يوليو 2018, 4:33 am

هل تتذكرون؟


في الأيام والأشهر الأولى من الحرب على سورية كان الإعلام الذي يستهدفنا جمعياً، ويذكي أوار هذه الحرب يركز على الإصلاحات الداخلية الضرورية جداً، والتي سينجم عنها قدرٌ أكبر من الحرية وحقوق الإنسان، وكانت المادة الثامنة من الدستور حسب رأيهم تشكّل عقبة أساسية في درب ذلك الطريق الوردي الذي يُراد للسوريين أن يسلكوه، كما كان قانون الطوارئ أحد هذه العقبات أيضاً. ولكن وبعودة سريعة إلى مسرح الأحداث في ذلك الوقت فقد كان إنجاز كل بند من هذه البنود يترافق، ويتزامن مع اشتداد الحملة الإعلامية ضد سورية، وتصعيد الموجات الإرهابية على الأرض والإمعان في تقطيع أوصال البلاد وتدمير بنيتها التحتية، والأكثر من ذلك هو أن الأحزاب الوليدة نتيجة تعديل الدستور وإلغاء المادة الثامنة وتحقيق التعددية السياسية لم تصبح أبداً على القوائم الحميدة لمن أسموا أنفسهم أصدقاء سورية مع أنهم هم بالذات الذي سعوا في خرابها. واستمرّ هذا الأنموذج الكلاسيكي من التصّرف ذي الغايات والأبعاد المشبوهة. إذ بعد أن وافقت سورية على التخلّص من السلاح الكيميائي، وبعد أن أقرّت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن سورية خالية من هذا السلاح وبعد أن دمّروا هم وعلى متن سفنهم هذا السلاح الذي كانت تمتلكه سورية ما زال الضجيج حول استخدام السلاح الكيميائي في سورية يصمّ الآذان على المستوى الدولي ويسير بخطوات تغيّر للمرة الأولى صلاحيات مجلس الأمن التي أوكلت إليه منذ نشأته. وإذا ما أجرينا مقارنة بسيطة بين الأمس واليوم فإننا نرى أنه وبعد أن بدأت سورية بتحرير مدنها وقراها من آثام الإرهاب بدءاً بالتحرير المفصلي لمدينة حلب وإلى تحرير الغوطة، وريف دمشق كاملاً، وريف حمص، واليوم ريف درعا، والجنوب فإن الحملة السياسية الدولية على سورية أصبحت حامية الوطيس وبكافة الإتجاهات وفي اختصاصات تشكّل بالنتيجة أكبر أذى للحرية، وحقوق المواطنيين السوريين حيثما تواجدو. ولذلك فإن السؤال الوجيه الذي يطرح نفسه اليوم، والذي قد لا يكتمل الجواب عليه إلا في السنوات القادمة، هو ما الهدف الحقيقي من كلّ هذه الحرب المدمرّة على سورية، وما هو الهدف الخفيّ النهائي الذي انطلقت منه مخططاتهم في هذه الحرب المدمرّة والتي كلفت المليارات وكلفت الشعب السوري أغلى التضحيات كي يمنعوا هذا الهدف من التحقق. اليوم وبعد أن تحررّت معظم أراضي سورية من الإرهاب، ما عدا تلك التي يجثم عليها الأتراك والأمريكيون وحلفاؤهم، رعاة هذا الإرهاب، نلحظ ونلمس حملات دولية غير مسبوقة ضد سورية والسوريين فها هي الدول التي شكلت رأس حربة في استهداف سورية منذ اليوم الأول تمارس الضغوط الهائلة لمنح منظمة حظر الأسلحة الكيميائية صلاحيات كانت حتى اليوم من اختصاص مجلس الأمن وذلك لأن الاتحاد الروسي وقف في مجلس الأمن ضد كلّ محاولات الإستهداف الكاذبة، والظالمة على هذا الصعيد فتوجهت جهودهم كي ينتزعوا هذه الصلاحيات من مجلس الأمن ويمنحوها إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بهدف فبركة الإدعاءات حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، ومحاولة معاقبة سورية على ذنب لم تقترفه. أي أنهم لجأوا في خطوة غير مسبوقة إلى تغيير الأسس التي أنشئت عليها هذه المنظمة من أجل تمكينهم من استهداف سورية. وفي الوقت الذي يتم تحرير سورية من الإرهاب وعودة الحياة إلى طبيعتها يصدر الرئيس الأميركي ترامب قراراً تنفيذياً ضد كلّ السوريين، وخاصة الطلاب منهم، إذ يمنع عليهم الدراسة في جامعات الولايات المتحدة، ويمنع على السوريين زيارة الولايات المتحدة. والسؤال الوجيه هو لماذا تتم ممارسة هذه الضغوط على سورية اليوم، وما علاقة هذه الضغوط بكلّ ما لحق بسورية من آلام وخراب ودمار خلال سبع سنوات ونيّف؟ السؤال مهم لأن الصفقة التي تمّ اختراع الربيع العربي من أجلها مازالت قيد الإنضاج وإلى أن تنضج ويتمّ الإعلان عنها يُراد للجميع أن يوافقوا عليها ويلتزموا بمقتضياتها، وصفقة القرن تهدف طبعاً وقبل الإعلان الكامل عن بنودها إلى تصفية الحق الفلسطينيى في فلسطين وتصفية الحق العربي في الأراضي العربية المحتلّة وإعلان الكيان الصهيوني وتوابعه من دول الخليج سيداً في منطقة عربية عملوا على تدمير هويتها العمرانية، والثقافية، والفكرية، والمجتمعية كي لا يكون هناك من يهددّ هذا الكيان الغاصب والذي يخطّط ويحلم بنشر أذرعه على كافة الأقطار العربية. ومن هنا تأتي كلّ هذه الإجراءات اللامنطقية في جوهرها وتوقيتها من أجل ممارسة الضغوط على حكومة الجمهورية العربية السورية لإخراج إيران وحزب الله من سورية لأن وجودهما يشدّ من أزر محور المقاومة ويعتبر تهديداً لمخططات ومشاريع الصهيانية في فلسطين وخارج فلسطين. بعد كل تضحيات وانتصارات سورية الميدانية ما زالت المعارك السياسية على أشدّها في محاولة مستمرة لوضع حدّ لقوة سورية، ودعمها للقضية الفلسطينية وربما إذا تمكنوا، ولن يتمكنوا، في محاولة لوضع دستور يحرم سورية من عوامل قوتها الذاتية ومن كونها الضمانة الأساسية للعرب والعروبة في أي مستقبل مأمول. إذاً السيناريو هو ذاته، القديم الحديث، بأدوات متجددة عسكرية، وسياسية لإجهاض قوة الدول العروبية التقدمّية وضمان أمن وتفوق الكيان الصهيوني. صدق الرئيس المؤسس حافظ الأسد حين قال: "لاتوجد سياسة أمريكية في الشرق الأوسط، بل سياسة إسرائيلية تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية". ومن هنا فإن كلّ تضحيات السوريين خلال سبع سنوات ونيّف كانت للحيلولة دون تنفيذ المخططات الإسرائيلية في سورية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالإثنين 03 سبتمبر 2018, 9:26 am

الفعل لهم والتحديات لنا 

د.بثينة شعبان


[rtl]من اللافت أن يصدر عن ستاندرد أند بورز في الولايات المتحدة تصريح يقول بأنّ "التطوّر السياسي والاقتصادي للعراق يعرقله فساد واسع الانتشار"، وأن يستكمل هذا التصريح بالقول: "محاربة الفساد والتهديدات الأمنيّة الخارجيّة تمثل تحديات رئيسية للعراق في الأجل القصير". والسؤال الذي يطرح نفسه هو أوليست الولايات المتحدة هي المسؤولة الأولى عن انتشار الفساد في العراق وعن إرساء أسس طائفيّة للنظام السياسي في الدستور؟، حيث تشكّل الممارسة اليوم أكبر عائق في وجه أيّ تغيير للأحوال في العراق والنهوض به ومسح غبار الاحتلال الأمريكي الغاشم والدمار الذي سبّبته حروب الإرهاب التي أشعلها الاحتلال في العراق؟، رغم كلّ التحفظات على الفترة التي سبقت الاحتلال الأمريكي للعراق فإنّ الغزو الأمريكي غير الشرعي للعراق هو الذي أشعل نيران الدمار والإرهاب والفساد في هذا البلد الذي كان يشكّل رافعة للأمّة العربيّة جمعاء بموارده وكوادره وإمكاناته المحتملة والمستقبليّة .[/rtl]
[rtl]في الحديث عن التحدّيات لا تأتي أيّ جهة أمريكية أو غربية على ذكر من هو المسؤول عن خلق هذه التحدّيات، بل تعتبرها تحدّيات للعراقيين وكأنّها نتجت عن المجهول ولا علم لأحد بأسبابها المباشرة وغير المباشرة. أين هي وعود الولايات المتحدة قبل غزو العراق بأن تجعل هذا البلد واحة للديمقراطية والازدهار الاقتصادي يُشار إليه بالبنان في المنطقة والعالم؟ وأين هي حقوق الإنسان والنساء التي طالما تغنّوا بالقدوم لحمايتها وتعزيزها؟، أحد أوجه المشكلة التي نواجهها جميعاً اليوم هو أنّنا نتداول أخبارنا بلغتهم وبمفهومهم حتّى عن أدقّ تفاصيل قضايانا. فمن العراق إلى سورية إلى ليبيا واليمن تحتلّ الوكالات الغربيّة مركز الصدارة في صياغة الخبر وتصديره لنا وكلّ ما يقوم به الإعلام المحليّ في الدول المعنية هو إعادة صياغة بسيطة لا تلامس جوهر المشكلة ومقتضاها. وكلّ ما يصدر عن معارضة ومقاومة للهيمنة الغربية على جوهر الأخبار لا يلامس إلّا السطح لأنّ المطلوب هو أن نعبّر نحن ومن خلال وكالات أنباء وطنيّة عن حقيقة الأمور وأن تصل أخبارنا و بصياغاتنا إلى كلّ المتابعين والمهتمين. وما يتمّ تداوله عن العراق بشكل مباشر اليوم مطروح من خلال وكلاء للمحتل الأمريكي في منطقة الجزيرة السورية، حيث تقوم قوات تطلق على نفسها "قوات ديمقراطية" بتنفيذ الأوامر الأمريكية وبتمويل سعودي مكشوف ومعلن لإرغام سكان البلاد الأصليين على الهجرة من ديارهم من خلال التنكيل بهم وإغلاق مدارسهم ودفعهم للهجرة عن أرض الآباء والأجداد ضمن حملة للتطهير العرقي والطائفي، كي تحقّق الولايات المتحدة أحد أهداف إسرائيل بتقسيم البلاد عرقياً وطائفياً، ولكي يتحكّم وكلاء الولايات المتحدة بمصادر الثروة، وكي يتمكّنوا من إخلاء هذه الأرض من التنوع الديني والعرقي والمذهبي والذي عاش عليها متآلفاً متحاباً على مدى آلاف السنين، وذلك من أجل تنفيذ المخطط الصهيوني الأساسي للحرب على سورية بمحاولة تقسيمها وخلق كيانات عرقية وطائفية غريبة عن تاريخ وواقع هذا البلد. إنّ ما يجري في الجزيرة السورية اليوم من خلال وكلاء الولايات المتحدة وما يجري على الحدود العراقية يهدف أوّلاً وأخيراً إلى الاستمرار بمحاولة بث روح العرقية والطائفية وتحويلها إلى واقع يصعب التغلب عليه وتغييره تماماً كما فعلوا في العراق على مدى السنوات الماضية.[/rtl]
[rtl]إنّ إغلاق خمس وعشرين مدرسة سوريّة تدّرس المناهج التربوية السوريّة قبل أيام من افتتاح المدارس في منطقة الجزيرة، يهدف إلى دفع السريان والأرمن إلى مغادرة أرضهم وديارهم من أجل تعليم أولادهم، وبذلك قد تثمر الجهود التي طالما سعت إليها الولايات المتحدة في العراق وسورية أملاً بتقسيم هذين البلدين اللذين يشكلان عمقاً حقيقياً للقوميّة العربيّة وطرفاً أساسياً تاريخياً في الدفاع عن حقّ الفلسطينيين في أرضهم وديارهم.[/rtl]
[rtl]وقد تكون هذه هي الخطة "ب" التي تحدّث عنها الأمريكيون مراراً في سورية بعد أن فشلت خطتهم الأولى لتغيير نظام الحكم في الجمهورية العربيّة السوريّة عبر شنّ حرب إرهابيّة شرسة عليها. واليوم وبعد أنّ حرّر الجيش العربيّ السوريّ معظم المناطق من التنظيمات الإرهابيّة التي من المعروف الآن أنّ إسرائيل وداعميها قد أسسوها ومولوها وسلحوها ليغزو بها سورية. ومع بدء عودة الحياة في معظم أرجاء البلاد، حرّك الأمريكيون أدواتهم العرقية لدفع المواطنين السوريين إلى الهجرة من مناطقهم كي تتمّ بعد ذلك "إجراءات ديمقراطية" بل تطهير عرقي بشع تحقّق لهم ما عجز الإرهاب عن تحقيقه. ولذلك فإنّ التصدي لهذه المخططات اليوم بكلّ الوسائل المتاحة هي بأهمية التصدي للإرهابيين الذين حاولوا تحقيق أهدافهم من خلال القتل والذبح والتدمير، ولاشكّ أنّ إصرار العدوان الأمريكي اللاشرعي على التواجد في العراق وسورية هو من أجل إنعاش أيّ مخططات بديلة تصبّ في خدمة الهدف الأساسي الذي أتى من أجله ألا وهو تدمير هذين البلدين وتقسيمهما إن أمكن ومصادرة القرار المستقلّ بهما والبحث عن أدوات عمليّة تابعة له وتقويض التوجهات الوطنيّة المستقلّة قولاً وفعلاً. ولذلك حين تعلن القوات الأمريكية على لسان الكولونيل تسون رايان أنّها باقيّة في العراق "طالما اقتضت الحاجة للمساعدة في تحقّيق الاستقرار في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلاميّة"، وأنّها باقيّة في شرق الفرات في سورية وفي معبر التنف، فهذا يعني أنّ الحرب الأمريكية بأهدافها الإسرائيلية في هذين البلدين مستمرة وأنّ التحدّيات التي يضعها الأمريكي لشعبي هذين البلدين هي تحدّيات من تصميمه وصناعته ولأهداف تخدم مخططاته الاستعمارية الصهيونيّة لتصفيّة القضية الفلسطينية وسلب حقوق العرب في أرضهم مستمرة وممنهجة، بهدف نهب ثروات العرب وفرض هيمنة إسرائيل على الأمّة العربيّة. وهكذا يستمرّ الاستهداف ولكن بأوجه وطرائق مختلفة، أمّا مقاومة هذا الاستهداف والانتصار عليه، فهما الخيار الوحيد الذي تمتلكه شعوبنا من أجل بناء مستقبل حرّ عزيز كريم لنا ولأجيال القادمة.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالجمعة 28 سبتمبر 2018, 7:56 am

بروباغندا الحروب د.بثينة شعبان

في ندوة عقدت في مكتبة الأسد الوطنية عن "بروباغندا الحروب"، شارك فيها الأستاذ الجامعي تيم أندرسون، الذي تابع الحرب على سورية وكتب كتابين يشرح بهما حقيقة ما يجري للإعلام الغربي، والصحفية البريطانية المرموقة فانيسا بيلي، التي لم تنقطع أيضاً عن زيارات سورية طيلة هذه الحرب.

استمع الجمهور إلى حقائق ومؤشرات جديرة جداً بالتأمل والتفكير. وقد كنت أرى الدهشة على وجوه الحاضرين وهم يستمعون إلى ما يدلي به هذان الباحثان من معلومات موثقة عن تعامل بلديهما "استراليا وبريطانيا" مع سورية قبل الحرب الإرهابية المتواصلة وخلالها.

فقد قالت السيدة بيلي أنّها قرأت على صفحة البي بي سي الوثيقة الصلة بالمخابرات البريطانية في عام 2004 أنّ لديهم من تسميهم "إصلاحيين" في سورية، وأنّهم "يعملون على زيادة عدد هؤلاء "الإصلاحيين" بحيث يمكنهم الاعتماد عليهم في حكم "تدمير" البلاد". وسرد تيم أندرسون معلومات هامة جداً وموثقة عن علاقة المنظمات التي تدعي أنّها إنسانيّة بالمخابرات الأجنبية ودورها في تنفيذ خطط هذه المخابرات في البلدان التي تستهدفها.

كما قدمت فانيسا أنباءً موثقة عن أن منظمة "الخوذ البيضاء" هي استمرار لمثيلتها التي أنشئت في كوسوفو ولعبت دوراً في تأجيج الحرب الأهلية، وأنّها ممولة من الخزينة الرسمية البريطانية، وأنّ هذه المنظمة قد استغلت الأطفال وعذبتهم وقتلتهم وتاجرت بأعضائهم، وفنّد المحاضران بالصورة والوثيقة الاستهداف الممنهج لسورية والشعب العربيّ السوريّ وتكاتف أجهزة الاستخبارات والحكومات الغربيّة والإسرائيلية والخليجية التابعة لها، وما يسمى "بالمنظمات الإنسانيّة" لتحقيق هذا الاستهداف. وبهذا فإنّ "بروباغندا الحروب" وهي الحملات الدعائية المرافقة للحروب الاستعمارية الجديدة على الشعوب، أصبحت عنصراً فاعلاً وأساسياً في شنّ هذه الحروب على الشعوب والبلدان والتغطية على جرائمها وفي تأجيج الجماهير ضد دولها وضد بعضها البعض، وطالبت فانيسا بأن يصدر قرار أممي يعتبر "بروباغندا الحروب" جريمة ضد الإنسانيّة وذكرت أنّ هذا ما طالب به الاتحاد السوفياتي وقدّمه كمشروع قرار إلى مجلس الأمن في الخمسينيات من القرن العشرين، إلا أنّ الدول الغربية أحبطت إصدار هذا القرار.

والسؤال هو هل نبقى نتحدث عمّا يخطط له ويقوم به الآخرون أم نفهمه ونقيّمه كي نتخذ خطوات فاعلة ومجدية في مواجهة هذه التحديات؟!!، وفي هذا الصدد قال تيم أندرسون إنّ "بروباغندا الحروب" قائمة على سرد الأكاذيب والطريقة المثلى لمواجهة هذه الأكاذيب هو أن ترتفع الأصوات ممن يتعرضون لهذه الأكاذيب وألا نصمت إلى أن نصل إلى آذان المستهدفين من قبل مفبركي هذه الأكاذيب والجمهور الغربي الذي تمّ تضليله ونشر هذه الأكاذيب في أجوائه وإقناعه بها. وهنا شدّد أندرسون وبيلي على ضرورة ارتفاع أصوات سورية وخاصة الأصوات الشابة ودحض ما يتعرض له بلدهم من أكاذيب مغرضة يدفع ثمنها السوريون من دمائهم وأمنهم واستقرارهم ومستقبل أطفالهم. ولدى سؤالهما كيف يمكن أن ننفذ من خلال كلّ هذا التضليل ونوصل الحقيقة إلى جماهير مضلّلة، أجابا إنّ سرعة التواصل اليوم ووجود وسائل تقنية عابرة لكلّ الحواجز يجعل من السهل فعل ذلك، ولكن الأهم والبداية لابدّ أن تكون من خلال شباب محصّن فعلاً مؤمن بأن ما يتعرض له بلده هو مجموعة أكاذيب ملفقة ذات أهداف عدوانية خطيرة، وهذا يتطلب التخلص من حالة الاستلاب التي تتحدث عن إعلام حرّ وحضاري في الغرب عادل وموضوعي والبحث عن كلّ المفاصل التي خططت وروجت وعملت على إشعال هذه الحروب ضد شعبنا وهويته وحضارته واستقراره.

أي وبكلمات أخرى نحتاج إلى تأسيس تربوي وعقائدي وطني متين، وإلى متابعة ونشر ثقافة تفهّم الآخر المعادي لأمّتنا، وكلّ ما يقدّمه دون أن نقع ضحية لأساليبه التي يغلّف من خلالها خططه وبرامجه وأعماله العدوانية بأطر تبدو إنسانية ومحايدة، وفي هذا الأمر تواجهنا معركة تربوية وثقافية كبرى لأنّ الذي يجب أن يخطط ويعمل ليدافع عن قضاياه لابدّ وأن يكون متجذراً في عشقها وعصيّاً على كلّ الدعايات التي تحاول أن تغيّر له قناعاته أو تسيّره في طرق لا تحمد عقباها.

وفي نظرة سريعة إلى تاريخنا الماضي والحاضر نجد أنّ معظم الكوارث التي حلّت بهذه الأمّة كانت على أيدي أشخاص غير متجذرين بقناعات بلدانهم وغير محصّنين ضد دعايات وأساليب الآخر فوقعوا ضحية "لبروباغندا" الأعداء وانساقوا وراء ما يتم ترويجه لهم وإقناعهم بأنّه لصالح بلدانهم بينما هو عنصر أساسي في استكمال مخططات الأعداء ضدّ بلدانهم وشعوبهم. لقد عملت الدعاية الغربيّة ومنذ عقود على تشويه مفاهيم أساسية ضرورية لمنعة بلداننا، فقد عكفت الدعاية الغربية ومنذ منتصف القرن الماضي على تشويه مفهوم الالتزام: كالأدب الملتزم والفن الملتزم واتهمت كلّ من ينتج أدباً أو فناً ملتزماً أنّ انتاجه سطحي ولا يرقى إلى المستوى العالمي، ذلك لأنّ الالتزام هو الموقف الأكيد الذي يهزم مخططاتهم عن أرضنا. كما ألحقوا صفة التشويه بكلّ أمر "عقائدي" وأنّ العقائديين هم حفنة من التابعين الذين لا يمتلكون الفكر أو الثقافة أو القدرة على إثبات الذات بعيداً عن الإيديولوجيا. ولكنّ ممارساتهم هم في "بروباغندا الحروب" تري أنّهم ملتزمون أشدّ الالتزام بمخططات أجهزتهم الاستخبارية وبإنجاح هذه المخططات في شنّ العدوان والحروب، وأنّهم عقائديون جداً في دعم وتبنيّ كلّ ما يصدر عن مؤسساتهم حتى وإن كان حفنة من الأكاذيب هدفها طمس الحقائق وإشعال نار الحروب وتدمير البلدان وقتل الملايين من الناس الأبرياء.

إذاً ما نحتاجه قبل كلّ شيء هو الثقة بالذات وبالأرض والتاريخ والأوطان وقراءة الآخر بأعين العارف والمتجذر في هويته وتاريخه، ومن ثمّ اختيار أدوات الردّ عليه بكفاءة واقتدار. هنا يصبح الصوت الصادر عن الحقّ مدوياً ويحوّل أكاذيبهم إلى سحابة صيف لا تترك أثراً على الإطلاق على مجريات الأمور. أيّ أنّ ما نحتاجه قبل كلّ شيء اليوم هو وقفة صادقة مع الذات قادرة على مقاومة الآخر بأدواته ذاتها وكسب المعركة لصالح القضايا الوطنية والمصيرية من خلال مناهج تربوية وتحصين ثقافي هادف ومستمر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالإثنين 24 ديسمبر 2018, 5:26 pm

الهروب 
د.بثينة شعبان

حين بذل الأمريكان ساعات وساعات تفاوضية لإقناع الرئيس حافظ الأسد بالتدخل لإجراء مفاوضات بين الإسرائيليين وحزب الله كان جوابه الدائم لهم: كما أنهم احتلوا الأرض دون مفاوضات فعليهم مغادرتها دون مفاوضات. لم أكن أدرك في ذلك الوقت العمق التاريخي والحضاري والسياسي الذي يستند إليه الرئيس حافظ الأسد، ولكنني كنت أشعر دائماً أنه ليس على عجلة من أمره وأنه يؤمن أن التمسك بالحقوق والعمل من أجل استعادتها سوف يدير عجلة الزمن لصالح صاحب الحق دون أدنى شك. وكيف لا وهو الرابض على أرض اقتحمها عشرات الغزاة على مدى قرون واندحروا جميعاً وبقيت هذه الأرض لسكانها الأصليين. ومنذ أيام وحين أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز سحب القوات الأمريكية من سورية لم تغادرني صورة الجنود الإسرائيليين وهم يهربون من الجنوب اللبناني ويتركون عملاءهم وراءهم. والمهم في المشهد بالنسبة لي أيضاً هو صورة العملاء الذين يغادرهم أسيادهم ويُتركون قرناً بعد قرن وعقداً بعد عقد ولم يتعلمو إلى حدّ اليوم أن الولاء والانتماء يجب أن يكون أولاً وأخيراً للأرض والتاريخ وليس للسيد الذي يأتي بأسلحته أو بأمواله أو بنظرته العنصرية أو بكلّ هؤلاء جميعاً ليقنع بعض ضعاف النفوس من أصحاب الأرض أنه حامي الحمى وأنه هو الذي يضمن لهم حقوقهم وحريتهم وكرامتهم. وسواء انسحب الأمريكيون اليوم أو غداً، وبغض النظر عن تاريخ وطريقة وضمانات انسحابهم، فهم دون شك سيهربون من سورية وستعود هذه الأرض لأصحابها وأهليها .

ولكن وكما حدث عام 2000 بدأت التكهنات تصدر حول هذا الانسحاب والأسئلة تتوالى حول الصفقة التي يمكن أن تكون قد عقدت قبل انسحابهم أو حول موجبات الانسحاب أو حول العوامل التي قادت إليه والتعقيدات التي يمكن أن تعقبه. وكل هذه تصب في إطار القناعة بقوة العدو وأنه يعلم تماماً ماذا يفعل وأن كل خطواته محسوبة ومدروسة وأن كلّ خطوة يخطوها تضيف إلى نجاحاته التي سطرها التاريخ بينما الأحداث التاريخية تُري أن تحركات أعدائنا وخصومنا العسكرية على مدى العقود الماضية كانت كارثية في مناطق مختلفة من العالم وأنهم انساقوا مُضلّلين لخوض معارك واقتحام بلدان دفعوا ثمنها وانتهت بانكسارات متزايدة لهم بينما حصل المحور المقاوم على زيادة في القوة والمناعة وأفق أرحب للعب دور أكبر في تشكيل خارطة المستقبل. كم عمل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وقطر على حبك الأحداث المؤامراتية للتخلص من قوات اليونيفيل على الجولان السوري المحتل ظناً منهم أن الإرهاب الذي دفعوا به إلى هذه المنطقة سوف يُنصّب الكيان الصهيوني سيداً وحيداً هناك بعدما خلقوا ظروفاً صعبة لسورية في تلك المنطقة وعلى معظم ترابها الوطني أما اليوم فالكيان الصهيوني نفسه والولايات المتحدة يعملون على عودة قوات اليونيفيل بعد أن يأسوا من إمكانية تواجد أدواتهم سواء في الجنوب أو في أماكن أخرى من البلاد وهم يعدون السيناريوهات والاستراتيجيات في محاولة لمنع نتائج حربهم على سورية أن ترتدّ عليهم بأسوأ مما كانوا يتخيلون. إذ رغم الآلام والجراح والفقد والخسارة والدمار المتعمّد الذي تسبّبوا به فقد تمكنت دولة صغيرة بعزيمتها وإرادتها وتضحياتها ودعم الحلفاء والأصدقاء أن تحبط مخططات دول وأن تكسر شوكة مئات الآلاف من الإرهابيين، والأهم من هذا وذاك أن تثبت للعالم كله ان أصحاب الحق قادرون على الصمود والانتصار مهما واجهوا من ظلم ورياح عاتية. وهذ المثل بحدّ ذاته هو مثل يحبط الظالمين ويشدّ من أزر المظلومين ويلهمهم في تجاربهم القادمة. وإذا اتفقنا أننا في نقطة تاريخية يعيد العالم فيها تشكيل ذاته على أسس ونماذج وقواعد جديدة فلا شك أن الأنموذج السوري سيكون له مكان الصدارة في تجارب الشعوب الرافضة للذل والاستسلام وأن هذا النموذج سيُلهم شعوباً شتى في أنحاء متفرقة على وجه الأرض، الأمر الذي ستكون له ارتداداته وعلى مدى عقود على خطط وأعمال المحتلّين والمستعمرين والطامعين. فهل كان أصحاب الستر الصفراء في باريس سيرشقون الحجارة على الشرطة لولا تجربة الفلسطينيين مع الاحتلال الإسرائيلي العنصري؟ وهل كان الباريسيون سيلبسون الستر الصفراء لولا الثورة الأورانجية والثورات الملونة التي اخترعتها الإمبريالية ضد روسيا وضد الشعوب الطامحة لإعادة تكوين ذاتها على أسس الكرامة والقرار المستقل والإيمان بالأوطان وليس بالقوى الخارجية القادمة والمدعية الدفاع عن شرائح في هذه الأوطان فقط كي تستخدمها وقوداً لخططها الشريرة واستكمال استعباد الشعوب من خلال أدوات رخيصة ومرتهنة لإرادتها؟

لن أدخل في جدل خلفيات القرار الأميريكي، والذي من الواضح أنه قرار ترامب منذ أشهر خلت، ولا في جدل توقيته وكم سيستغرق تنفيذه من الأيام وما الذي سوف يليه لأنّ لكل هذه الأسئلة أجوبة تعتمد على واقع سياسي وعسكري واقتصادي معقد لأطراف عديدة، كما وتعتمد على استراتيجيات لها علاقة باحتضار عالم قديم وولادة عالم جديد، ولكن ما يهمني هو الروح المستلَبَة التي يقرأ من خلالها البعض مثل هذه القرارات فيحاولون إبقاء الهيبة والقوة على من فشل ويهرب من فعلته المشينة واللاشرعية ولا يتجرأون حتى لتسطير عوامل القوة لدى الطرف الذي بذل وضحى وكان السبب الأساسي لهذا الفشل والهروب. والإرتهان لما يقوله الغرب عن ذاته وعن الآخرين ارتهان مخزِ بالفعل، ومدهش أننا ورغم صلابة أمهات الشهداء والجرحى والتضحيات الجسام ما زال البعض لا يجرؤ أن يقلب المعادلة أو أن يقول بالقلم العريض: هربوا لأننا صمدنا، وانهزموا لأننا ضحينا، وحتى لو لم يكن هذا الهروب يلبّي الشروط التي نريد فسوف نستمر بالعمل والتضحيات إلى أن ننجز ما نريد وإلى أن يطمئن العالم بأن أصحاب الأرض والحقوق لا يُهزمون. كلّ التفاسير الأخرى التي تحاول أن تمنح الهارب عناصر القوة التي دفعته لاتخاذ هذا الموقف معتقدين أنه نابع من قوة وليس من ضعف هي تفاسير مُستلَبة وغير قادرة أن تقنع ذاتَها بأن أصحاب الحقوق قد غيّروا التاريخ وأجبروا المعتدين على الهروب. بالإضافة إلى ربح المعارك العسكرية لا بدّ لنا من أن نركّز على معاركنا الفكرية ونثق بأنفسنا وننطلق من عوامل قوتنا. فالاستعمار الفكري والإعلامي لا يقل خطورة عن الاستعمار العسكري والسياسي. والعالم يشهد تحولات جسام في شكله ومضمونه وآفاقه المستقبلية ومن الواجب علينا أن نكون أوفياء لتضحيات شهدائنا وجرحانا ولآمال شعوبنا وأن نكون أحد المكونات الأساسية في هذا العالم الجديد فكراً وقولاً وعملاً وبكلّ ثقة واقتدار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالسبت 19 يناير 2019, 10:00 am

لماذا التعليم ثمّ التعليم؟ د.بثينة شعبان



[rtl]رغم أنّ مراكز الأبحاث الأميركية قد نشرت منذ عام 1996 استراتيجية "الاختراق النظيف"، فإنّ الدول المستهدفة بهذه الاستراتيجية إمّا لم تلحظها وإمّا لم تأخذها على محمل الجدّ ولم تغيّر من أساليب عملها ومواجهتها. مع أنّنا بعد عقدين ونيّف من صدور هذه الاستراتيجية نلحظ تطبيقها في بلدان عديدة وفي قارات مختلفة ونلحظ النتائج التي بشّرت بها هذه الاستراتيجية منذ أن تبلورت وتحولت إلى خطة عمل وانتقلت من كونها نتاج بحث مفكرين أشرار إلى مكاتب أصحاب القرار في وزارات الخارجية والدفاع لدول تقوم سياساتها الاستعمارية على البغي والعدوان ونهب ثروات الشعوب وتهديد أمنها وسيادتها واستقرارها. وتنصّ هذه الاستراتيجية في جوهرها على أنّ الدول الاستعمارية وهي الدول الغربية وكيان الاحتلال الإسرائيلي عليهم أن يغيّروا جذرياً أسلوب مقاربتهم للأحداث ومواجهتهم لها. إذ ليس على هذه الدول بعد اليوم استخدام الجيوش لشنّ الحرب بهدف تحقيق أهدافهم. بل عليهم أن يبحثوا داخل المجتمعات المستهدَفة عن عناصر تؤمن بالغرب أصلاً وتؤيد أهدافه لأسبابها العديدة وأن يعملوا على تغذية هذه العناصر بما تحتاجه كي تخوض المعارك التي يرغبون خوضها نيابة عنهم ومن داخل المجتمعات المستهدفة ودون أن يضطروا إلى استخدام جندي واحد أو إراقة دماء من لدنهم. أي أنّ الدولة العميقة في الدول الاستعمارية وهي مجموعة أجهزة المخابرات تسعى لتجنيد عناصر لها في أيّ بلد تريد إخضاعه لصالحها فتضع الأساليب والمال وتصنّع الإعلام الذي يمكّنها من تحقيق أهدافها وبهذا تنتقل الحدود التقليدية إلى داخل البلدان والمجتمعات المستهدَفة وتختلف أساليب السيطرة عليها بحيث تصبح الكلفة أقلّ بكثير من الأساليب التقليدية التي كانت معتمدة وتكون النتائج أفضل. وقد بدأ التطبيق الفعلي لهذه الاستراتيجية مع ظهور الثورات الملونة وعلّ ما أسموه بالربيع العربيّ يعتبر أنموذجاً واضحاً لتطبيق هذه الاستراتيجية على البلدان العربيّة. واليوم نتابع تطبيق هذه الاستراتيجية في فرنسا كما تابعناه في البرازيل ونتابعه في فنزويلا وفي بلدان أخرى من العالم أهمها أوكرانيا. وقد يكون العمل جار على بلدان أخرى كثيرة وفي مختلف القارات قبل أن تطفو إلى السطح الحركات التي يحضّرون لها وفق منهجية العمل هذه. ورغم التحقّق من أسلوب العمل الجديد هذا، ألا وهو الاختراق من الداخل وتسخير البعض من أبناء البلاد لتنفيذ الأهداف التي كان المستعمر في السابق يحشد لها الجيوش والإمكانات، فإنّ إجراءات مواجهة هذا النوع من الاختراق لم ترتقِ في معظم البلدان المستهدفة إلى مستوى المواجهة المطلوب. إذ مازالت النظرة إلى أي زعزعة داخلية لا تحشد الإمكانات اللازمة لها ولا تضع الاستراتيجيات القادرة على مواجهة هذه الاختراقات على المديين المتوسط والبعيد. وعلّ الإعلام يمهد ويخوض معارك مختلفة قبل المباشرة بتطبيق الأجندة السياسية أو العسكرية للدول الاستعمارية، وإذا توقفنا مع مثال البرازيل نلاحظ أن الحرب الإعلاميّة التي شنّها الغرب وعلى مدى سنوت على الرئيس سيلفادي لولا وعلى اليسار البرازيلي بشكل عام كانت مقدّمة ناجحة لتحويل توجهات الحكم في البرازيل إلى حكم يميني يمكن الانطلاق منه لتقويض أشكال الحكم اليساري في فنزويلا وبوليفيا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية بما يخدم مشروع الولايات المتحدة وعودة هذه البلدان إلى بيت الطاعة الأميركي. وإذا ما درسنا أي حالة من حالات ما أسموه "بالثورات" في العالم العربيّ نلاحظ أنّ القائمين على كلّ هذه التحركات تربطهم علاقات وثيقة بالغرب وبالأعداء الإقليميين والتاريخيين لهذه الأمّة، وقد تمّ تمويلهم وتسليحهم للقيام بالمهمة التي توكل في السابق إلى الجيوش الجرّارة التي تكلّف دولها أضعاف ما يكلفها حفنة من الخائنين لترابهم وبلدانهم وقضاياهم. ولكنّ توصيف الحال اليوم لم يعد كافياً ولابدّ من وضع استراتيجية مقابلة تواجه استراتيجية الاختراق النظيف وتحبطها وتعمل على إفشالها في أي ساحة أو بلد أو إقليم. والمواجهة أمر ليس بالسهل ولا السريع لأنّها تحتاج أيضاً إلى عصارة فكر نخبة من المفكرين والسياسيين المنتمين والمتجذرين والقادرين على فهم عميق لما يقوم به الأعداء ووضع الأساليب القادرة على إفشاله وإنقاذ البلاد من براثنه.[/rtl]
[rtl]علّ الخطوة الأولى في استراتيجية المواجهة هذه يجب أن تبدأ من تحصين الداخل وما الذي يمكن أن يحصّن الداخل سوى التعليم والإعلام. لاشكّ أنّ الاهتمام الكبير يجب أن يتم توجيهه إلى تربية الناشئة وإلى المناهج التي تتضمن آخر ما توصل إليه الخصوم والأعداء من نظريات وأساليب عمل ووضع المقابل لها في مناهج التربية كي ينشأ أبناء البلاد على أفكار واضحة ومبادئ لا تشوبها شائبة وكي يصبح من المستحيل، أو الصعب جداً، اختراقهم. وعملية التحصين هذه يجب أن تكون دائمة ومستمرة تجذّر الانتماء والهوية وتعزّز من عوامل القوة الداخلية وتصهر الأفكار والآراء في منظور وطني واحد لا تنتقص منه الاختلافات ولا تؤثر سلباً على مساره وترجمته إلى برامج عمل وطنيّة واضحة في مختلف المجالات. التعليم والإعلام سلاحان في غاية الأهمية في مواجهة الاختراق النظيف والذي يفتّت عضدَ البلدان من خلال هذه المفاصل الرخوة إذ أنّ المعارك الحقيقية اليوم وفي المستقبل انتقلت إلى هذين المجالين الحيويين، ولذلك فإنّ الغرب يخشى الصين وروسيا ويركّز على مواجهة إيران لأنّ الإنتاج العلمي والتقني ونظم التعليم والإعلام في هذه البلدان تتسمّ بأساليب مواجهة مدروسة ومعمقة وهادفة ضد هذا الاختراق. أمّا في إقليمنا العربيّ فلم يتمّ بعد وضع استراتيجيات واضحة لإجهاض تلك التي تستهدفنا وتستهدف وحدتنا الوطنية وهويتنا وانتماءنا وعناصر قوتنا. وإذا كان لابدّ من البدء فلاشكّ أنّ التعليم هو صانع الأجيال وهو الذي يعتمد عليه في صياغة عقول الناشئة وتربيتها تربيّة وطنيّة صلبة يصعب على الخصوم اختراقها. لقد أمضت الصين أربعين عاماً تفكّر وتخطّط وتعمل كي تتحول إلى أمّة هامة يخشاها الأعداء ويسعى لكسب ودّها الأصدقاء، وقد بدأت من البداية في التعليم والتحصين الداخلي لأبنائها كما عمل الرئيس بوتين على إعادة هيبة روسيا وأشرف شخصياً على تغيير المناهج التربوية بما يتلاءم والأهداف الوطنيّة التي يسعى إلى تحقيقها في البلاد، فهل يتعلم العرب من أساليب ونجاحات هذه الدول دون الحاجة إلى إعادة اختراع الدولاب؟[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالثلاثاء 19 فبراير 2019, 4:21 pm

الهروب د.بثينة شعبان


حين بذل الأمريكان ساعات وساعات تفاوضية لإقناع الرئيس حافظ الأسد بالتدخل لإجراء مفاوضات بين الإسرائيليين وحزب الله كان جوابه الدائم لهم: كما أنهم احتلوا الأرض دون مفاوضات فعليهم مغادرتها دون مفاوضات. لم أكن أدرك في ذلك الوقت العمق التاريخي والحضاري والسياسي الذي يستند إليه الرئيس حافظ الأسد، ولكنني كنت أشعر دائماً أنه ليس على عجلة من أمره وأنه يؤمن أن التمسك بالحقوق والعمل من أجل استعادتها سوف يدير عجلة الزمن لصالح صاحب الحق دون أدنى شك. وكيف لا وهو الرابض على أرض اقتحمها عشرات الغزاة على مدى قرون واندحروا جميعاً وبقيت هذه الأرض لسكانها الأصليين. ومنذ أيام وحين أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز سحب القوات الأمريكية من سورية لم تغادرني صورة الجنود الإسرائيليين وهم يهربون من الجنوب اللبناني ويتركون عملاءهم وراءهم. والمهم في المشهد بالنسبة لي أيضاً هو صورة العملاء الذين يغادرهم أسيادهم ويُتركون قرناً بعد قرن وعقداً بعد عقد ولم يتعلمو إلى حدّ اليوم أن الولاء والانتماء يجب أن يكون أولاً وأخيراً للأرض والتاريخ وليس للسيد الذي يأتي بأسلحته أو بأمواله أو بنظرته العنصرية أو بكلّ هؤلاء جميعاً ليقنع بعض ضعاف النفوس من أصحاب الأرض أنه حامي الحمى وأنه هو الذي يضمن لهم حقوقهم وحريتهم وكرامتهم. وسواء انسحب الأمريكيون اليوم أو غداً، وبغض النظر عن تاريخ وطريقة وضمانات انسحابهم، فهم دون شك سيهربون من سورية وستعود هذه الأرض لأصحابها وأهليها .

ولكن وكما حدث عام 2000 بدأت التكهنات تصدر حول هذا الانسحاب والأسئلة تتوالى حول الصفقة التي يمكن أن تكون قد عقدت قبل انسحابهم أو حول موجبات الانسحاب أو حول العوامل التي قادت إليه والتعقيدات التي يمكن أن تعقبه. وكل هذه تصب في إطار القناعة بقوة العدو وأنه يعلم تماماً ماذا يفعل وأن كل خطواته محسوبة ومدروسة وأن كلّ خطوة يخطوها تضيف إلى نجاحاته التي سطرها التاريخ بينما الأحداث التاريخية تُري أن تحركات أعدائنا وخصومنا العسكرية على مدى العقود الماضية كانت كارثية في مناطق مختلفة من العالم وأنهم انساقوا مُضلّلين لخوض معارك واقتحام بلدان دفعوا ثمنها وانتهت بانكسارات متزايدة لهم بينما حصل المحور المقاوم على زيادة في القوة والمناعة وأفق أرحب للعب دور أكبر في تشكيل خارطة المستقبل. كم عمل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وقطر على حبك الأحداث المؤامراتية للتخلص من قوات اليونيفيل على الجولان السوري المحتل ظناً منهم أن الإرهاب الذي دفعوا به إلى هذه المنطقة سوف يُنصّب الكيان الصهيوني سيداً وحيداً هناك بعدما خلقوا ظروفاً صعبة لسورية في تلك المنطقة وعلى معظم ترابها الوطني أما اليوم فالكيان الصهيوني نفسه والولايات المتحدة يعملون على عودة قوات اليونيفيل بعد أن يأسوا من إمكانية تواجد أدواتهم سواء في الجنوب أو في أماكن أخرى من البلاد وهم يعدون السيناريوهات والاستراتيجيات في محاولة لمنع نتائج حربهم على سورية أن ترتدّ عليهم بأسوأ مما كانوا يتخيلون. إذ رغم الآلام والجراح والفقد والخسارة والدمار المتعمّد الذي تسبّبوا به فقد تمكنت دولة صغيرة بعزيمتها وإرادتها وتضحياتها ودعم الحلفاء والأصدقاء أن تحبط مخططات دول وأن تكسر شوكة مئات الآلاف من الإرهابيين، والأهم من هذا وذاك أن تثبت للعالم كله ان أصحاب الحق قادرون على الصمود والانتصار مهما واجهوا من ظلم ورياح عاتية. وهذ المثل بحدّ ذاته هو مثل يحبط الظالمين ويشدّ من أزر المظلومين ويلهمهم في تجاربهم القادمة. وإذا اتفقنا أننا في نقطة تاريخية يعيد العالم فيها تشكيل ذاته على أسس ونماذج وقواعد جديدة فلا شك أن الأنموذج السوري سيكون له مكان الصدارة في تجارب الشعوب الرافضة للذل والاستسلام وأن هذا النموذج سيُلهم شعوباً شتى في أنحاء متفرقة على وجه الأرض، الأمر الذي ستكون له ارتداداته وعلى مدى عقود على خطط وأعمال المحتلّين والمستعمرين والطامعين. فهل كان أصحاب الستر الصفراء في باريس سيرشقون الحجارة على الشرطة لولا تجربة الفلسطينيين مع الاحتلال الإسرائيلي العنصري؟ وهل كان الباريسيون سيلبسون الستر الصفراء لولا الثورة الأورانجية والثورات الملونة التي اخترعتها الإمبريالية ضد روسيا وضد الشعوب الطامحة لإعادة تكوين ذاتها على أسس الكرامة والقرار المستقل والإيمان بالأوطان وليس بالقوى الخارجية القادمة والمدعية الدفاع عن شرائح في هذه الأوطان فقط كي تستخدمها وقوداً لخططها الشريرة واستكمال استعباد الشعوب من خلال أدوات رخيصة ومرتهنة لإرادتها؟

لن أدخل في جدل خلفيات القرار الأميريكي، والذي من الواضح أنه قرار ترامب منذ أشهر خلت، ولا في جدل توقيته وكم سيستغرق تنفيذه من الأيام وما الذي سوف يليه لأنّ لكل هذه الأسئلة أجوبة تعتمد على واقع سياسي وعسكري واقتصادي معقد لأطراف عديدة، كما وتعتمد على استراتيجيات لها علاقة باحتضار عالم قديم وولادة عالم جديد، ولكن ما يهمني هو الروح المستلَبَة التي يقرأ من خلالها البعض مثل هذه القرارات فيحاولون إبقاء الهيبة والقوة على من فشل ويهرب من فعلته المشينة واللاشرعية ولا يتجرأون حتى لتسطير عوامل القوة لدى الطرف الذي بذل وضحى وكان السبب الأساسي لهذا الفشل والهروب. والإرتهان لما يقوله الغرب عن ذاته وعن الآخرين ارتهان مخزِ بالفعل، ومدهش أننا ورغم صلابة أمهات الشهداء والجرحى والتضحيات الجسام ما زال البعض لا يجرؤ أن يقلب المعادلة أو أن يقول بالقلم العريض: هربوا لأننا صمدنا، وانهزموا لأننا ضحينا، وحتى لو لم يكن هذا الهروب يلبّي الشروط التي نريد فسوف نستمر بالعمل والتضحيات إلى أن ننجز ما نريد وإلى أن يطمئن العالم بأن أصحاب الأرض والحقوق لا يُهزمون. كلّ التفاسير الأخرى التي تحاول أن تمنح الهارب عناصر القوة التي دفعته لاتخاذ هذا الموقف معتقدين أنه نابع من قوة وليس من ضعف هي تفاسير مُستلَبة وغير قادرة أن تقنع ذاتَها بأن أصحاب الحقوق قد غيّروا التاريخ وأجبروا المعتدين على الهروب. بالإضافة إلى ربح المعارك العسكرية لا بدّ لنا من أن نركّز على معاركنا الفكرية ونثق بأنفسنا وننطلق من عوامل قوتنا. فالاستعمار الفكري والإعلامي لا يقل خطورة عن الاستعمار العسكري والسياسي. والعالم يشهد تحولات جسام في شكله ومضمونه وآفاقه المستقبلية ومن الواجب علينا أن نكون أوفياء لتضحيات شهدائنا وجرحانا ولآمال شعوبنا وأن نكون أحد المكونات الأساسية في هذا العالم الجديد فكراً وقولاً وعملاً وبكلّ ثقة واقتدار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالجمعة 14 يونيو 2019, 6:09 am

قال "إنّ الله يأتي بالشمس من المشرق"
 د.بثينة شعبان

ما يحدث في عالم اليوم جدير بوقفة جديّة لمقارنة ما يحدث في المشرق وما يحدث في المغرب وما بينهما. كما أنّه جدير بالتمييز بين دراسة الأعراض وتمظهرات الأحداث الارتدادية والانعكاسية مقارنة مع الأحداث الفعلية التي تصيغ أسس عالم جديد واستراتيجيات وشراكات جوهرية سيكون لها دورها الفعّال في تشكيل عالم المستقبل الذي سيعيشه الأولاد والأحفاد.

ما يجري في الغرب اليوم من حوارات ومناكفات سواء ضمن النظام السياسي الواحد كما يجري في الولايات المتحدة مثلاً أو عبر المحيط (العلاقة بينها وبين أوروبا) أو علاقتها بالعالم من الصين إلى فنزويلا وإيران والخليج والكيان الصهيوني كلّها أعراض لتدهور امبراطورية كانت تعتبر أنموذجاً للعالم ولكنّها اليوم آخذة في التفكك السياسي والأخلاقي كما نرى مؤشرات ضعفها الاقتصادي القادم والناجم من التوسع العسكري الاستعماري، ومن التفوق الحتمي الذي تؤسس له الصين وبلدان أخرى بهدوء وذكاء شديدين. ويبقى عامل القوة الوحيد لهذه الإمبراطورية هو تفوّقها العسكري الذي يثقل كاهلها بإنفاق موارد هائلة دون مردود يذكر إلّا اللهم ابتزاز السعودية ودول الخليج واستجرار أموالها، وهذا التفوق لن تتمكن من استثماره لتغيير موازين القوى بعد اليوم خاصة وأنّ معظم شعوب الأرض قد أتقنت أدوات تحصين الذات ورفع مناعة بلدانها في وجه أسلوب الاختراقات المخابراتية الذي اتبعته هذه الإمبراطورية منهجاً وسبيلاً لتحقيق أهدافها بأقلّ الخسائر الممكنة. أمّا الاتحاد الأوروبي والذي كان ينظر إليه على أنّه ثاني قوّة سياسية واقتصادية بعد الولايات المتحدة والذي شكّلت شراكته مع الولايات المتحدة فرصة لهما لنهب ثروات شعوب الدول النامية تحت مسميّات الحرية والديمقراطية ونشر أساليب الحكم الليبرالية في افريقيا وآسيا، فهو آخذ في التآكل من الداخل. علّه دقيق القول اليوم أنّ هذا العالم الغربي بجناحيه عبر المحيط دخل في مرحلة أفول تدريجية حقيقية وأنّ كلّ محاولات ابتزازه لأموال الآخرين وثرواتهم تأتي في محاولة يائسة لإنقاذ هذا النظام وحقنه بأكسير حياة جديد. ومن هنا أيضاً تأتي الحرب الخاسرة التي يشنّها ترامب مع الصين في المجالات التقنية والاقتصادية والتي يمكن إدراجها في باب المكابرة والمحاولات اليائسة بدلاً من اعتبارها جديّة أو قد تودي إلى نتائج غير متوقعة. في مقابل هذه المظاهر الحقيقية لأفول الإمبراطورية الغربية يتمّ تأسيس استراتيجيات وآليات عمل وشراكات مرشحة دون شكّ ليس فقط لبزوغ حقبة جديدة بين روسيا والصين، وإنّما لولادة عالم جديد مختلف نوعياً عن العالم الذي عاصرناه منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن الواحد والعشرين. ولم تكن القمة الروسية التي عقدت مؤخراً في روسيا وتبعها أيضاً انعقاد "منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي لعام 2019، والذي حضره الزعيم الصيني أيضاً ذات أهمية فقط للبلدين المعنيين، وإنّما لمستقبل البشرية. إنّ لغة الجسد بين الرئيسين بوتين وشي جينبنع تقول إنّ واثق الخطوة يمشي ملكاً والتعبير غير المسبوق عن الصداقة بين الرئيسين والمستوى الهام والمتميّز الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين تجاوزت مؤشراته روسيا والصين لنقرأ بين السطور ومن خلال ما تمّ إنجازه فعلاً أنّ المرحلة الجديدة التي يتحدث عنها الرئيسان لا تعني روسيا والصين وإنّما هي مرحلة جديدة للعالم بأسره والحكماء في العالم هم هؤلاء الذين يلتقطون هذا المؤشر ويستغلون هذه اللحظة لينضموا إلى شراكة استراتيجية سوف تغيّر وجه وطبيعة العالم في العقدين القادمين. فقد وقّعت شركة "هواوي" الصينية التي تخوض الولايات المتحدة ضدها حرباً شرسة، اتفاقية مع شركة "MTS" الروسية لتطوير وإطلاق شبكات الجيل الخامس من الانترنت "5G" في روسيا وقد جرى توقيع الاتفاقية في حفل حضره الرئيسان. كما وافق صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي وشركة الاستثمار الصينية على استثمار مليار دولار في إنشاء صندوق ابتكاري علمي وتقني روسي- صيني والذي سيساعد على توسيع نطاق التعاون بين البلدين كما ستسهم أنشطته بشكل كبير في تطوير وتنفيذ أحدث التقنيات والحلول لتطوير اقتصادات بلداننا وتعزيز الشراكة بين البلدين، وقد تمّ منذ عام 2012 حين أنشأ هذا الصندوق استثمار أكثر من 7 مليارات دولار في أكثر من 30 مشروعاً. كما أكّد سفير روسيا الاتحادية لدى بكين اندريه دينسوف أنّ الحرب التجارية الأمريكية ضد الصين تجعل مسألة الانتقال إلى التعامل بالعملات الوطنية بين روسيا والصين أكثر إلحاحاً. حين تأزف تلك الساعة وتبدأ الصين وروسيا بالتعامل بالعملات المحلية بدلاً من الدولار سيكون لهذا عواقب وخيمة على الدولار. في هذه الأثناء وفي غمرة كلّ هذه الخطوات الأساسية والهامة جداً أرسلت الصين قمرين صناعيين للتجارب التكنولوجية وخمسة أقمار صناعية تجارية إلى الفضاء. ويعدّ الصاروخ الحامل لونغ مارش 11 الذي طوّرته الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا إطلاق المركبات الصاروخ الوحيد الذي يستخدم الوقود الدفعي الصلب ويمكنه أخذ أقمار صناعية متعددة إلى المدار في الوقت نفسه. إذاً ما تقوم به الصين سواء لوحدها أو بالشراكة مع روسيا هو أن تعمل على ردم هوة الاختراع والابتكار التي تفصلها عن الولايات المتحدة وتؤسس لآليات عمل واختراعات تقنية وتكنولوجية تجعل من الإبداع هدفاً أساسياً إذ لا تقدّم دون اختراع وابتكار، كما قال الرئيس الصيني في قمة "حزام واحد طريق واحد" التي عقدت في بكين في نيسان الماضي.

إذاً نحن اليوم أمام شمس جديدة تشرق من المشرق، شمس تؤسس لعالم مستقبلي لا مكان فيه للابتزاز أو الهيمنة بل كلّ المكان للشراكات والصداقة والتعاون واحترام استقلال وسيادة الدول واعتبار البشرية فعلاً أسرة واحدة يزيدها التفاعل البنّاء بين أبنائها ألقاً وازدهاراً وتطوراً. السائرون اليوم في ركب الامبراطوريات الآفلة وممثلها الأساسي في المنطقة الكيان الصهيوني سوف يواجهون حائطاً مسدوداً وسوف يعلمون عاجلاً أو آجلاً أنّهم سائرون وراء سراب. أمّا المؤمنون بأوطانهم وشعوبهم والدفاع عنها مهما بلغ الثمن وتحصينها والصبر والصمود في وجه آخر رياح الهيمنة والاستعمار والاستيطان فيرثون الأرض وما عليها ويبنون مستقبلاً يفخر به الأولاد والأحفاد ويعملون على الاستمرار في بنائه وتعزيزه. لاشكّ اليوم أنّنا نعيش في مرحلة مذهلة من التغيرات ورغم صعوبتها إلا أنّها تشكّل فرصة نادرة لكلّ المخلصين والصادقين كي ينفضوا عن كاهلهم غبار الخوف والضعف وينطلقوا بكلّ ما آتاهم الله من قوّة ليكونوا عنصراً فاعلاً في هذا العالم الجديد الذي نشهد ولادته، وإشراقته من الشرق لنحقق كلّ ما ناضل من أجله الشرفاء من شهداء وجرحى وأسرى ومقاومون آمنوا بالدفاع عن الحق وبذل أنفسهم في سبيله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالأربعاء 26 يونيو 2019, 3:02 am

نهجان ونتيجتان 
د.بثينة شعبان

نعيش اليوم في مرحلة يتشكّل فيها العالم من جديد والدول المدركة لأهمية هذه اللحظة التاريخية تحاول أن تغيّر من قواعد اللعبة لصالحها وتحجز لنفسها مكاناً أفضل من المكان الذي كانت تحتلّه حتى اللحظة وتتلافى الثغرات والهنات التي سجلتها في الماضي في تعاملها مع الدول. أيّ أنّ الدول اليوم تعيد حساباتها في علاقاتها الدولية وتتخذ الخطوات المناسبة لمستقبل أبنائها وترسي أسس عالم أفضل لهم لعقود قادمة. وفي غمرة مراقبة ما يحدث في عالمنا اليوم من هذا المنظور نلاحظ دون أدنى شك أنّ روسيا والصين ودول البريكس ودول منظمة شنغهاي تخطّ أسس عالم جديد وتعيد التذكير مرة تلو أخرى بالأسباب التي قوّضت أسس السلام والعيش المشترك في العالم الذي نودعه وبالخطوات الأمريكية والتي هي سبب التوتر والحروب على هذا الكوكب. ولكنّ روسيا والصين ليستا الوحيدتين العاملتين على مكانة جديدة متينة في هذا العالم، فالهند والباكستان وجنوب افريقيا وإيران والبرازيل ودول في افريقيا وأمريكا الجنوبية تعمل بشكل حثيث لتحسين مستوى حضورها في عالم المستقبل ولضمان مكانة أفضل من التي تحتلها في عالم اليوم. في هذا الإطار الذهني حاولت أن أراقب وعن كثب ماذا تفعل أمتان لصيقتان بنا وأن أتابع أسلوب عملهما بالمجمل على مدى بضعة أسابيع ماضية، واليوم أحبّ أن أشاطركم استنتاجاتي في هذه الفسحة هنا. لقد تابعت عن كثب وعلى مدى الأشهر الماضية المواقف الأمريكية والأوربية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخاصة بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي ومواقف الولايات المتحدة والدول الأوربية أيضاً من الأمّة العربيّة خاصة بعد قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتبار الجولان أرضاً إسرائيلية والتحضير الحثيث لصفقة القرن. ومن الواضح للمتابعين أنّ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي تزامن تقريباً مع الإساءات التاريخية التي وجهها للقضية الفلسطينية والحقوق العربيّة (القدس والجولان والضفة الغربية وحقّ الفلسطينيين المقدس في أرضهم وديارهم)، فكيف كانت ردود فعل الإيرانيين على مواقف الطرفين وردود الفعل عليها من قبل الجاني (الولايات المتحدة والكيان الصهيوني) إلى حدّ يومنا هذا.

بعد أن أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني قادت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبنجاح حملة تستهدف إبراز الوجه اللاقانوني واللامسبوق لتصرف رئيس الولايات المتحدة ومن ناحية أخرى استمرت في تشجيع الأوربيين ليثبتوا تعاملهم المختلف مع هذا الاتفاق وليعبّروا عملياً عن استمرارهم في تنفيذه. كما قامت الدبلوماسية الإيرانية بحملة نشطة وناجحة إلى روسيا والصين والدول الصديقة لشرح تفاصيل وحيثيات الموضوع وضمان موقف صلب من قبل هذه الدول لصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية. والنتيجة كانت أنّ ترامب تذاكى واعتبر نفسه يقدّم خرقاً في السياسة حين خاطب الإيرانيين بلغة مهينة طالباً منهم الاتصال به كي ينقذ اقتصادهم ويمدّ يد العون لهم. ولكنّ الإيرانيين علّموه درساً غير مسبوق بتجاهلهم لطلب كهذا وثباتهم على مواقفهم من الاتفاق مع كلّ الإعلام الذي قام به المسؤولون الإيرانيون لصالح قضيتهم. وخلق هذا الموضوع إرباكاً داخل الإدارة الأمريكية حيث اتهمّ البعض رئيسهم بالتسبّب بإهانة الولايات المتحدة التي تنتظر هاتفاً من دولة لا تقبل الاتصال بها. ولم يجدوا حلاً سوى أن يمعنوا في التنازل فيرسلوا رئيس وزراء اليابان برسالة إلى سماحة المرشد خامنئي والذي رفض بكبرياء أن يستلم الرسالة أو يردّ عليها طبعاً، وبدلاً من ذلك فإنّ الرئيس الأمريكي ترامب هو الذي اتصل برئيس وزراء اليابان ليسأله عن تفاصيل زيارته. في الوقت ذاته كان الرئيس حسن روحاني يلتقي في قمة شنغهاي مع الرئيس الصيني شي جينبنغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلاً على حدة، حيث أكّد له كلّ منهما استمرار الصين وروسيا في علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأنّ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق هو الذي يزعزع أسس الاستقرار في المنطقة والعالم.

وطبعاً موقف إيران مفهوم ومبرّر لكلّ العاملين في السياسة والعلاقات الدولية، فإذا كان هذا الرئيس الأمريكي ينسحب من اتفاق استغرق سنين من الوقت والجهد للتوصل إليه، فما الذي يضمن عدم انسحاب رئيس قادم من أيّ اتفاق يمكن التفاوض بشأنه والتوصل إليه اليوم؟ أيّ كيف يمكن الوثوق بدولة تنسحب من توقيع رئيس لها وهكذا ساعد الصبر والمعالجة الإيرانية الدقيقة على إقناع العالم أنّ المشكلة تكمن في عدم احترام الولايات المتحدة لتوقيعها وللاتفاقات التي تمّ التوصل إليها.

   في المقابل فقد انسحبت الولايات المتحدة من تصويت لها في نفس مجلس الأمن على قرارات تتعلق بالقدس والجولان والصراع العربيّ الإسرائيلي، فماذا فعل بعض العرب؟. استمروا في دفع مئات المليارات إلى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني آملين بأن تنظر إليهم الولايات المتحدة وشركاؤها بعين العطف وأن تعتبرهم أصدقاء موثوقين وأن تبقيهم في خانة الأصدقاء الذين تتبادل معهم الزيارات لنهب ثرواتهم. وليس سراً أنّ بعض دول الخليج تدفع الأموال لبعض الفلسطينيين بناء على طلب سلطات الاحتلال الإسرائيلي. أيّ أنّ الكيان الصهيوني والولايات المتحدة يديرون الملف برّمته وأنّ بعض العرب الذين يدعون القرب من الولايات المتحدة والصداقة معها ينفّذون الأوامر المعطاة لهم سواء في اليمن أو في سورية أو في العراق أو في ليبيا أو في فلسطين أو تجاه أيّ بلد آخر مثل إيران ولا كلمة لهم في شؤونهم أو في أيّ شأن يتعلق بمستقبل بلدانهم ومنطقتهم. وما زيارة الوفد الإسرائيلي مؤخراً إلى تونس و ردود الأفعال الباهتة التي صدرت بشأن هذه الاستهانة بدماء الشهداء الفلسطينيين سواء على الأرض التونسية أو على أرض فلسطين إلا متوقعة نتيجة انكسار العمل العربيّ وغياب التعامل مع الخصوم والأعداء على أساس المساواة في الكرامة الإنسانية والانتقام لكلّ استباحة أو استهانة تصدر بحقّ أي عربيّ من أيّ بلد كان وعلى أيّ أرض نشأ. النهج الإيراني الذي تحدثنا عنه نهج يؤمن ألا مساومة على الكرامة وأنّه من لا يحترم بلده وحقوق بلده ويدافع عنها بكلّ ما أوتي من قوة لن يحترمه أحد. أمّا نهج بعض العرب المطبّعين والمهرولين وراء القوة الصهيونية فهو نهج استرضاء الأعداء ومعاداة الأشقاء وتقديم التنازل إثر التنازل للأعداء علّهم يتفضلون عليهم ببعض الاحترام والصداقة. ونهج الاسترضاء هذا قد أثبت أنّه يقود صاحبه من تنازل إلى آخر إلى أن يصل إلى قاع سحيق لا مخرج منه ولم يثبت يوماً أنّه مؤهل لاستعادة حقوق أو الحفاظ على كرامة. ونتيجة مراجعة هذين النهجين نرى دون شكّ أنّ المتمسك بحقوقه كاملة ينال احترام العالم بما فيها أعداؤه الذين يسعون للتقرّب منه والعمل معه رغم كلّ الصعوبات. أمّا المتخلّي عن حقوقه وكرامته فيفتح الأبواب لدفع المزيد من ثرواته جزية للأعداء أو يرى قطعان المستوطنين يمجدّون جرائم جيش احتلال استيطاني بغيض على أرض تونس الأبيّة ويزورون بيت الشهيد أبو جهاد إمعاناً منهم في التأكيد على جرائمهم وأنّ القاتل لا يختلف عن القادمين للتمجيد بجريمته. نتائج النهجين واضحة للعيان وقد أثبت التاريخ مرة تلو أخرى أنّ الحقوق لا تستعاد باسترضاء الأعداء ولا تسقط بالتقادم وأنّه "من يهن يسهل الهوان عليه"، فهل من يعتبر؟ ويتوقف هنا قبل أن يتشكّل العالم الجديد على أنقاض من لم يستفد من التاريخ ودروسه؟.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالأربعاء 26 يونيو 2019, 3:03 am

النتيجة- الحدث 
د.بثينة شعبان


في الأسبوع الماضي كتبت زاويتي بعنوان "نهجان ونتيجتان"، وقارنت بين النهج الذي اتّبعته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مقاومتها للحصار والابتزاز، وبين النهج الذي اتبعه بعض العرب، وأشرت إلى بعض نتائج كلّ من النهجين. ولكن لم يكن ليخطر لي ببال أنّ نتائج النهجين سترتسم أحداثاً تشغل العالم برمّته خلال الأسبوع ذاته. النتيجة الأولى كانت التقرير الأممي الذي صدر بحقّ محمد بن سلمان بأنّه وحكومته مسؤولان شخصيّاً عن قتل خاشقجي وما سوف يتبع ذلك من تبعات ابتزاز ودفع أموال سنرى تفاعلاتها على الساحة الدولية خلال الأسابيع والأشهر القادمة. أمّا النتيجة المقابلة –الحدث- فكانت إسقاط الجمهورية الإسلامية الإيرانية لطائرة استطلاع أمريكية فوق المياه الإقليمية الإيرانية. تقول المصادر الإيرانية أنّهم وجهوا أربع إنذارات للطائرة بالعودة ولكنّها لم تعد، كما أنّهم امتنعوا عن إسقاط طائرة أخرى كانت تقلّ خمسة وثلاثين شخصاً على متنها. بعد هذا الحدث أطلق الرئيس ترامب إعلاناً أنّه يريد ضرب إيران ولكن وبعد عدة ساعات تراجع عن نيته، هذا لأن المواقع التي كان ينوي ضربها تحتوي على مئة وخمسين شخصاً وأنه لا يريد هدر الأرواح. الحدث هام لعدة أسباب: أولاً لأنّ الولايات المتحدة كانت تعتقد أنّ هذه الطائرة بدون طيّار لا يكشفها الرادار ولكن الرادار الإيراني كشفها وأسقطها صاروخ إيراني بعد ذلك، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على المرحلة العلمية المتقدمة التي توصلت إليها إيران في الأبحاث والعلوم وهذا بالذات ما لا يريده الغرب لإيران أو لأي بلد آخر سواء أكان الصين أم الهند لأنّ معركة المعرفة والتقدم العلمي اليوم هي المعركة الحقيقية التي يخوضها أبناء البسيطة من أجل مستقبل أبنائهم وأحفادهم. والسبب الثاني هو أنّ إيران اختارت ألا تسقط طائرة على متنها خمسة وثلاثون خبيراً لأنّها لا تريد تصعيداً مفتوحاً مع الولايات المتحدة ولكنّها أرادت أن ترسل إشارة فقط عن حجم معرفتها وقدراتها كي لا تخطئ الولايات المتحدة في الحسابات والتقديرات وكي تترك الباب مفتوحاً لتجنب حرب مفتوحة بين الطرفين. والسبب الثالث هو أنّ دراسة ردود الأفعال الإقليمية والدولية على هذا الحدث يكشف لنا جميعاً أين هي مكامن الأخطار ومن ذا الذي يلعب بالنار لوضع العالم على شفا حرب عالمية ثالثة قد تكون الأخطر في تاريخ الحروب العالمية.

قد تكون أهم نتائج هذا الحدث تنضوي في الردود التي صدرت بعد حدوثه. لنبدأ أولاً بردود الفعل في الولايات المتحدة حين أعلن الرئيس ترامب أنّه سوف يوجه ضربة إلى إيران وتراجع عن هذه الفكرة بعد عدة ساعات. نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب علّقت على تغريدة ترامب بالقول لم نناقش فكرة ضرب إيران في الكونغرس أيّ أنّ قرار ترامب لو اتخذه فعلاً لكان غير مؤسساتي أو غير دستوري، كما صدرت أصوات في الولايات المتحدة تحذّر من الحرب وأصوات أخرى تحرّض عليها وهذا متوقع نتيجة الانقسامات التي نشهدها على الساحة الأميركية منذ بداية عهد ترامب في الحكم. وزارة الخارجية الروسية سارعت إلى الإعلان أنّها مستعدة لدعم إيران ولاشكّ أنّ موقف الصين قريب جداً من موقف روسيا كما عبّر الرئيسان الروسي والصيني في لقائهما بالرئيس روحاني منذ أيام عدة فقط. الدول الخمسة في الاتحاد الأوربي والتي مازالت مرتبطة مع إيران بالاتفاق النووي الإيراني دعت إلى ضبط النفس وعدم إشعال أوتون الحرب وهي تستعد لاجتماعها مع إيران في 28 من الشهر الحالي لبحث حيثيات ومستقبل الاتفاق النووي بينها وبين إيران. ولكن وفي هذه الزوبعة ظهر صوت بتجليات مختلفة يدقّ طبول الحرب ويحاول أن يظهر أنّه لا يفعل ذلك ألا وهو الطرف الإسرائيلي وكلّ من يؤيده سواء في الداخل الأمريكي أو في الكيان الصهيوني بحيث اضطر نتنياهو أن يطلب من وزرائه عدم الإدلاء بأيّ تصريح حول هذه الحادثة. لقد صرّح ليندسي غراهام وآخرون في الكونغرس عن ضرورة ضرب إيران ولكنّ هؤلاء جميعاً ممن يستمدون معلوماتهم من الطرف الإسرائيلي فقط دون امتلاك المعرفة بالمنطقة أو تاريخها أو الاحتمالات المستقبليّة لما يدعون من أجله. وهنا بالذات نتذكر 2003 والحرب التي شنّتها الولايات المتحدة على العراق على أساس بعض الأكاذيب التي تمّ تلفيقها من قبل الكيان الصهيوني وتبنتها الإدارة الأمريكية في حينها على لسان كولن باول وكانت الكارثة التي مازال الشعب العراقي يدفع ثمنها إلى حدّ اليوم والتي أساءت إلى حدّ كبير إلى تاريخ وسمعة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الثمن الإنساني والمادي الذي دفعته الولايات المتحدة. وهنا يجب الانتباه إلى أنّ معظم الكوارث التي تحلّ في منطقة الشرق الأوسط هي نتاج تفكير قديم حديث في واشنطن يعتقد أنّ الكيان الصهيوني خبير في المنطقة وأنّه يعلم ماذا يقول وأنّ الأعمال التي يدعو إليها تصبّ في خدمته وخدمة الولايات المتحدة على حدّ سواء. وهنا أريد أن أجادل ضد هذا المفهوم التاريخي لأقول إنّ المعلومات التي يسوّقها الكيان الصهيوني لأصحاب القرار في واشنطن تصبّ في مصلحة احتلاله واستيطانه وخطط هيمنته على المنطقة غير آبهٍ بتبعات الأحداث على الولايات المتحدة وسمعتها والكلفة التي سوف تدفعها نتيجة هذه القرارات.

والمشكلة الأساس هي أنّ الولايات المتحدة ومنذ ظهور النفط وبتشجيع من الكيان الصهيوني اعتبرت كيانات الخليج هي الممثلة الحقيقية للأمّة العربيّة متجاهلة الحضارة والتاريخ لبلاد الشام وشمال افريقيا فأحدثت هذا الشرخ الذي يصعب رأبه. واليوم يستقي البعض في الإدارة الأمريكية معلوماتهم عن إيران من الكيان الصهيوني نفسه الذي يهدف إلى إزاحة أيّ قوّة إقليمية في المنطقة كي يبقى هو القوّة الوحيدة المسيّطرة في الشرق الأوسط، وبغض النظر عمّا يمكن أن يكلّف هذا الأمر الولايات المتحدة من حروب وأموال وسمعة وضرر قد يلحق بمكانتها على المستوى الدولي. أو لم يحن الوقت للمختصين في الولايات المتحدة أن يتعلموا من تجربتهم في الحرب على العراق وأن يعيدوا النظر ويتذكروا من دقّ طبول الحرب ومن كان الطرف الذي لا هدف له سوى القضاء على العراق كقوّة إقليمية بغض النظر عمّا يكلّف ذلك الولايات المتحدة من أبنائها وأموالها وسمعتها ومكانتها على المستويين الإقليمي والدولي؟ هل يمكن لحادث إسقاط طائرة بدون طيّار في المياه الإقليمية الإيرانية أن يخدم الولايات المتحدة كجرس إنذار أنّ المصدر الذي يدقّ طبول الحرب في منطقتنا له أهداف أخرى ومخططات تكلّف الولايات المتحدة والأطراف الإقليمية ثمناً باهظاً دون أن تعود عليها بأيّ فائدة على الإطلاق. هل يمكن لحدث مثل هذا أن يدفع بعض الحريصين فعلاً على مصلحة الولايات المتحدة والقادرين على التمييز بين ما يمثله بلدهم وبين ما يمثله الكيان الصهيوني أن يقفوا في وجه الترويج الإسرائيلي للحروب في منطقة الشرق الأوسط والتي تنذر بالخراب والدمار لكلّ المتورطين المحتملين فيها؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالإثنين 22 يوليو 2019, 12:00 pm

عناوينهم وتفاصيلنا د.بثينة شعبان

منذ سنوات وأنا أتابع اللغة التي يستخدمها الغرب للتعبير عن سياساته وإجراءاته حيال بلداننا وتأثير هذه اللغة على 

المفاهيم التي تنتشر في أذهان الناس، بل وحتى على مفهوم أصحاب الحقوق عن حقوقهم. فمنذ عقدين ونيّف كتبتُ عن 

تأثير المصطلح في الحق العربي والفلسطيني وأثبت للقرّاء كيف أنّ هذا الحقّ يتزحزح من مكانه ليس فقط بسبب الحروب 

وخسارة الأرض بل بسبب تطوّر استخدام المحتل للغة تقضم الحقوق واحداً بعد الآخر وتصبح هي المعبرة الوحيدة عن 

المرتسمات على أرض الواقع.

 

فمثلاً ومنذ أن بدأت أتابع بدقة اللغة التي يستخدمها خصومنا لتوصيف الحال بيننا وجدت أنّ الكيان الصهيوني اعتمد 

صيغة المبني للمجهول دائماً وأبداً لتوصيف الأحداث التي تحدث للفلسطينيين الواقعين تحت احتلاله البغيض، ولم يستخدم 

أبداً صيغة المبني للمعلوم وكأنّ الفاعل دائماً وأبداً مجهول الهوية. فنقرأ "قُتِل فلسطينيان وهما يحاولان عبور خط ما"، أو 

"قُتِلت فلسطينية بعد محاولتها طعن جندي إسرائيلي"، أو "ألقي القبض على مخربين فلسطينيين"، ولا يوجد أيّ استثناء 

لهذه القاعدة في كلّ ما راجعته من نصوص تتحدث عن الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني. وإذا ما انتقلنا إلى 

المستوطنات مثلاً فقد كان الحديث منذ عقود يدور حول "تفكيك المستوطنات"، ثمّ انتقل إلى "تجميد المستوطنات"، ثمّ إلى 

"إيقاف النشاط الاستيطاني لمدة أشهر"، واليوم إلى "الإبقاء على المستوطنات"، ودفع دراهم للمناطق الفلسطينية أو ما 

تبقى منها بعد قضم معظمها لتزدهر اقتصادياً تحت الاحتلال ويبقى الاحتلال يحتفظ بالاستيطان والأرض والمياه ويهضم 

حقّ الفلسطينيين في أرضهم وديارهم وقدسهم ومستقبل أجيالهم.

والمشكلة الأساسية هي أنّه لا يوجد على الطرف المقابل رواية عربيّة تصل أرجاء الأرض لتنفي هذه اللغة وتثبت لغة 

حقّ الأهل الأصليين للبلاد، وهكذا ينتقل الصراع العربيّ الإسرائيلي من مرحلة إلى أخرى ويهضم الكيان المحتل الحقوق 

ويثبت هضمه لها لغوياً وإعلامياً قبل أن يتمكن من تثبيت ذلك على أرض الواقع.

    في هذا العقد الأخير راقبت الشيء ذاته يحدث لبلدي سورية، حيث اتخذت لغة الخصوم والأعداء والمستهدفين لهذه 

الأرض والمتواطئين من أبنائها مع الأعداء مساراً مختلفاً تماماً عن مجريات الأمور على أرض الواقع، فكان المسار 

اللغوي للخصوم هو الأكثر حضوراً في الإعلام الغربي، وهو الذي ينشر المفاهيم عمّا يجري على هذه الأرض.

وكانت البداية التشويهية مع تسمية كلّ من يستهدفون سورية أنفسهم "بأصدقاء سورية"، وتسمية أسوأ أنواع الخراب الذي 

حلّ ببلد آمن مسالم مستقر بــ "الربيع العربيّ" وتسمية من باع وطنه بثمن بخس بــ "المعارضة" وإعطائهم مشروعية 

تمثيل سورية، وتسمية المساعدات للإرهابيين وسفاكي الدماء بــ "المساعدات الإنسانية"، وإعطاء جائزة أوسكار لمنظمة 

إرهابية أثبتت كلّ الأبحاث الدقيقة أنّها متورطة بسفك دماء الأطفال السوريين والمدنيين، ومع ذلك يُعرض على الشاشات 

الأوربية والغربية فيلم مختلَق يتحدث عن إنسانية هذه المنظمة ومساعدتها للسوريين. والأمر ذاته ينطبق على فبركات 

الكيماوي وغيره التي أصبحت مثبتة لكلّ من يؤمن بالتدقيق بالحدث واستقراء تفاصيله الحقيقية.

ومع ذلك تستمر اللغة الغربية في مسارها متجاهلةً تماماً المسار على أرض الواقع. وفي التفاصيل، ونحن نوثق اليوم 

لنتائج هذه الحرب، وهذا الاستهداف والحصار على المواطنين السوريين في مدنهم وقراهم ومدارسهم ومعاملهم، نجد أنّ 

الآثار الإنسانية لعناوينهم وإجراءاتهم المضلّلة كارثية على حياة البشر، من فقدِ البيت إلى الخروج من التعليم إلى فقد 

الأهل والأحبة إلى تشتّت الأسرة إلى الانكسار المادي لمن كان يعيش عزيزاً على أرضه فدمرت الحرب معمله أو مصدر 

رزقه أو حرقت محصوله وأرضه أو اغتالت طفله الوحيد فاغتالت بذلك حياته وأحلامه المستقبلية. وكلّ هذه التفاصيل من 

حياة النّاس لا تعنيهم أبداً رغم أنّهم يتحدثون عن حقوق الإنسان وعن الحرية وعن الإعلام الحرّ، هذه الأحاديث التي 

فقدت معناها لأنّها أثبتت أنّها تنحصر في دائرة النفاق فقط ولكنّه نفاق عالمي يدفع ثمنه ملايين البشر الأبرياء في مناطق 

مختلفة من العالم.

   كلّ هذه السيناريوهات عادت إلى ذهني بقوّة وأنا أتابع الجدل الشديد بين الغرب والجمهورية الإسلامية والذي اتخذ 

منحىً حاداً بعد أن قرصنت حكومة جبل طارق ناقلة نفط إيرانية بحجة أنّها متجهة إلى سورية، وبغضّ النظر عن وجهتها 

الحقيقية فكيف يحقّ للولايات المتحدة والحكومة البريطانية أن تحرم الشعب السوري من الوقود؟ وفي الواقع الفعلي يعني 

ذلك حرمان ملايين السوريين من حقوق الإنسان بالحياة الكريمة، وكان مبررهم الوحيد هو الاشتباه (وليس التأكّد) أنّ 

الناقلة متجّهة إلى سورية، علماً أنّ الإجراءات كلّها التي اتخذوها ضد سورية غير قانونية ولم تحظَ بموافقة مجلس الأمن 

أو الأمم المتحدة، بل هي إجراءات قسرية أحادية الجانب اتخذتها الولايات المتحدة ضد كلّ القوانين والشرعية الدولية 

واستندوا عليها كأساس لقرصنة النفط الإيراني ومحاولة فرض هيمنتهم على المضائق البحرية.

وتبدو المفارقة واضحة جداً حين نقارن بين ردود الفعل الغربيّة حين قرصنت حكومة جبل طارق ناقلة النفط الإيرانية 

وحين احتجزت إيران ناقلتين بريطانيتين، فقد عبّرت الخارجية الفرنسية عن قلقها لاحتجاز ناقلة نفط بريطانية في إيران، 

وعبّرت عن تضامنها الكامل مع بريطانيا واعتبرت أنّ هذه الخطوة تضرّ بوقف جهود التصعيد في المنطقة. كما اعتبرت 

الخارجية الألمانية أنّ الاحتجاز غير المبرر لناقلتين في مضيق هرمز خطوة تفاقم بشدة الوضع المتوتر في المنطقة. بينما 

لم نقرأ مثل هذه اللغة وردود الأفعال أبداً حين قرصنت بريطانيا ناقلة النفط الإيرانية.

ومتابعة اللغة المستخدمة بخصوص هذا الموضوع تدعو للتفكير أنّ أولى الأولويات يجب أن تكون توثيق هذا التاريخ 

بلغتنا ونشره للبشرية ليكون التاريخ الحقيقي الذي يطلع عليه البشر وهذا بحدّ ذاته سيغيّر معادلة الهيمنة والتي اتخذت 

من اللغة والإعلام أداة أساسية للوصول إلى عقول وقلوب البشر.

فقد أعلنت بريطانيا منذ أيام أنّها أرسلت بارجة إلى الخليج لضمان أمن الخليج، وأنّها والولايات المتحدة وحلفاؤهم 

يتخذون إجراءات ويناقشون كيفية ضمان أمن الخليج، مع أنّهم جاؤوا من مسافة آلاف الكيلومترات لتهديد أمن بلدان 

الخليج. أيّ أنّهم يناقشون كيفية الهيمنة على مياه الخليج ومضائقه وكيفية ممارسة الضغوط الاقتصادية على إيران بهدف 

إحداث نقمة في الداخل الإيراني وزعزعة استقرار هذا البلد، إلى أن يتمكنوا من تغيير سياساته المقاومة وإجباره على 

الدوران في الفلك الغربي.

فقد أعلن متحدثون في الولايات المتحدة وعلى رأسهم الرئيس ترامب أنّه لا يريد مهاجمة إيران ولا شنّ حرب على إيران 

ولكنّه يريد تغيير "سلوك النظام الإيراني" تماماً كما أعلن المبعوث الأمريكي إلى سورية أنّ الولايات المتحدة لم تعد 

ترغب بتغيير النظام في سورية ولكنّها ترغب بتغيير "سلوك هذا النظام". أيّ أنّه من الممنوع على هذه البلدان الاستقلال 

الحقيقي والسيادة الحقيقية، والمطلوب هو تنصيب دمى تدور في الفلك الغربي وتنفّذ أوامره تماماً كما تفعل كثير من بلدان 

المنطقة اليوم. وإذا كان الثمن هو معاناة أو حتى موت ملايين البشر من سكان هذه البلدان فهذا لا يدخل في حساباتهم أبداً 

ولا يعنيهم مصير شعوبنا وحياة هذه الشعوب أو مماتها. هذه هي الحقيقة فعلاً فكيف نستكين لمن شوّه تاريخنا وهويتنا 

على مدى عقود ومازال يقلب الحقائق رأساً على عقب ونحن شهود على ما يجري دون أن نجترح كلّ الأدوات لكتابة 

تفاصيل تاريخ بلداننا وشعوبنا ونقله إلى العالمية لندحض، ولو بعد حين، كلّ ما ادّعوه، ولنكشف الأسباب الكامنة وراء 

مجريات الأحداث التي يختلقونها لبلداننا وشعوبنا ومنطقتنا، ويكلفون أبناءنا ثمناً باهظاً من حياتهم ودمائهم. أَوَ ليس أضعف 

الإيمان هو أن نسجّل وعينا بكلّ ما يجري تاريخاً يكون الوحيد الصادق الذي يعتمده المؤرخون والباحثون في أرجاء 

المعمورة؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالخميس 05 سبتمبر 2019, 3:31 pm

مخاض مصيري د.بثينة شعبان

بعد الاعتداءات المتكررة التي يشنّها الكيان الغاصب على الجمهورية العربية السورية وجمهورية العراق ولبنان وبعد أن أثبت الحشد الشعبي العراقي أن الطائرات المسيرة الإسرائيلية هي التي شنت عدواناً عليه، ينبري وزير خارجية الولايات المتحدة بومبيو ليهدّد هذه الدول الثلاث أن تستعد لتحمل المسؤولية في حال استخدمت أراضيها كمنصات لضرب "إسرائيل"، والسؤال الموجّه لبومبيو هو ما هو رأيه في كيان لا هوية له سوى شنّ العدوان على الدول الأخرى وممارسة قضم الأراضي الفلسطينية وتهجير السكان والاستيلاء على مقدساتهم وأرضهم ومياههم وتاريخهم وتقطيع أوصال أرضهم ومدنهم وقراهم من خلال بناء جدران عنصرية تعتبر أكبر عدوان على حقّ الإنسان في العيش الحرّ الكريم على أرضه. ومع أننا نعلم الجواب على هذا السؤال لأن الكيان الإسرائيلي الغاصب ما كان له أن يتمرّس في العدوان لولا الدعم المطلق للولايات المتحدة له وإلى حدّ ما لولا الدعم الغربي اللامحدود له نتيجة نفوذ الحكومات العميقة على سياسات هذه البلدان. ومن ثمّ يصدر بيان للبيت الأبيض ليقول: الولايات المتحدة تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس في الهجوم الإسرائيلي على العراق وسورية ولبنان ومن ثمّ يحاولون ابتزاز المقاومة من خلال إغرائها أن تسكت عن العدوان مقابل بعض الرضا لبعض الوقت وعدم اتخاذ إجراءات عقابية ظالمة بحقّها. وحق الدفاع عن النفس اليوم أصبح عبارة يُساءُ استخدامها بحيث تخجل الكلمات والأحرف من مستخدميها. كيان يعتدي على دول ذات سيادة وقوة عظمى في العالم تسيطر الدوائر الصهيونية على إرادتها تعتبر هذا من حق "الدفاع عن النفس" وتهّدد الدول المعتدى عليها أن تتحمل تبعات أعمالها إن هي ردّت على العدوان. والأنموذج الثاني لهذي الحال هو ما تصرّح به تركيا أنه من حقنا "الدفاع عن النفس" على الأرض السورية ومن حقها أن "تدافع عن نفسها" ضدّ الجيش السوري الذي يعمل لتحرير أرضه ودياره.

 

والمتابع اليوم للتصريحات الإعلامية لكبار المسؤولين في الولايات المتحدة وفي تركيا على حدّ سواء يجد أن التناقض هو سيّد الموقف. تناقض هذه التصريحات مع بعضها أولاً ومع المنطق ثانياً ومع أي قانون يحكم الشرعة الدولية ثالثاً ومع سيادة واستقلال الدول وحقها في الدفاع عن أرضها ومقدساتها ضد أي عدوان تتعرض له. "الدفاع عن النفس على أرض الآخرين" هو بالذات تعميم لشريعة الغاب وإقرار أن بعض الدول أو الكيانات يحقّ لها ما لا يحق لغيرها وأن الأسلم للمعتدى عليه هو أن يبتلع الإهانة والضرر كي لا تلحق به هذه القوى مزيداً من العقوبات. والعقوبات اليوم أسهل على هذه القوى من إلقاء التحية، فمع كلّ مطلع شمس توقع الإدارة الأمريكية عقوبات على كلّ من لا يمتثل لإرادتها وإرادة ربيبتها "إسرائيل" والذريعة والتهمة جاهزة وهي أن من تقع عليه العقوبات ضالع في الإرهاب أو في تهديد الأمن والسلم الإقليمي والدولي. وقد جعلوا من ممارسة الضغوط الاقتصادية على الشعوب أسلوباً رسمياً للحرب على هذه الشعوب التي تقاتل الإرهاب وتنتصر عليه في الميدان  وعلى كلّ قوى الشر فيلجؤون اليوم إلى محاولة تشديد الخناق الاقتصادي أملاً في إثارة الشعوب على حكامها وخلق البلبلة وتفتيت المجتمعات من الداخل، وبهذا فإن الحروب التواقة إلى الحرية والمضحّية في سبيلها تخوض حرب تحرير عسكرية واقتصادية ومجتمعية وهذه هي الحروب التي فرضت على أبناء هذا الجيل لكي يستمرّ الاستعمار في ممارسة طغيانه وقهره للشعوب الحرّة الأبية. معارك مماثلة تخوضها الصين وروسيا وكوريا الشمالية وحتى تيارات سياسية في أوروبا من أجل ترسيخ مبدأ السيادة واستقلالية القرار، فقد سئمت هذه الشعوب جميعها كلّ ممارسات الهيمنة والعدوان والظلم وقرّرت أنها لن تقف بعد اليوم ضحية للخوف مما سيحدث بل ستبادر لرفض هذا الواقع وخلق واقع جديد على أسس السيادة الندّية والكرامة الوطنية للجميع. ولكن وحتى وإن كانت محاولات هذه القوى الصاعدة لم تحسم الموقف إلى حدّ الآن إلا أنها لا شك تراكم خبرة وتجربة وقوة وثقة بأن طريق المقاومة مهما كلّف فهو أقل ثمناً من طريق الاستسلام. أولاً كسرت هذه القوى جميعها في الشرق والغرب حاجز الخوف مستندة إلى قناعة ترسخت أن قوى الهيمنة الاستعمارية ماضية في غيّها ولن تقتنع بأقلّ من سحق الآخرين وتحويلهم إلى أدوات خانعة وتابعة لها. فها نحن نشهد كلّ الإجراءات التي تتخذها الصين وروسيا ضد أساليب الهيمنة الغربية على العالم وعلّ الفيتو المزدوج الذي اتخذته هاتان القوتان في مجلس الأمن في 4 تشرين الأول 2011 لصالح سورية كان الشرارة الأولى المعبّرة عن الشعور أنه قد طفح الكيل وأنه لا يمكن السكوت عن محاولات فرض الهيمنة بالقوة على بلد عضو في الأمم المتحدة مستقلّ وذي سيادة. كما أن صعود اليمين في الانتخابات الأخيرة للاتحاد الأوروبي إنما هو التعبير الأوضح إلى حّد اليوم بأن الشعوب الأوروبية في بلدان عديدة يتوقون أيضاً إلى استقلالية القرار الذي يعبّر عنهم بعيداً عن التبعية العمياء للولايات المتحدة والتي درج عليها ومارسها حكام أوروبيون طيلة العقود الماضية. المخاض اليوم في العالم إذاً هو مخاض من أجل استقلالية القرار وسيادة حقيقية للدول على أرضها، وللشعوب على مقدراتها ومجتمعاتها وثرواتها وتوجهاتها الآنية والمستقبلية. هذا المخاض يحتاج إلى طريقة مختلفة من التفكير الاستراتيجي كي يصبح واقعاً تعيشه أجيال المستقبل وتحصد ثماره. لا يمكن خوض هذا المخاض بالأدوات التقليدية التي لم تثبت جدواها ولابدّ من اجتراح أدوات جديدة تتناسب وحجم وأبعاد المعركة التي نخوضها جميعاً على اختلاف أوجهها وتوجهاتها. إذا كانت إحدى أدوات السيطرة والهيمنة للاستعمار وقوى الاحتلال ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى حدّ اليوم قد ارتكزت بشكل أساسي على شقّ القوى المناهضة لها والتفريق بين مقدراتها والاستفراد بكل واحدة منها كي يسهل كسرها وهزيمتها فإن منطق الأمور يقتضي أن يكون التنسيق بين الدول المتضرّرة من هذه الهيمنة هو الأسلوب الأجدى والأنفع والذي يمكن أن يفرز عناصر القوة ويراكمها. وفي هذا الإطار قد يكون العالم اليوم يمرّ في مرحلة ما بعد القوميات وصولاً إلى التنسيق الدولي بين القوى ذات المصالح المشتركة. فإذا كانت الركيزة الأساسية للكيان الإسرائيلي الغاصب منذ نشأته هي عدم السماح بتلاقي دولتين عربيتين لقاءً حقيقياً فإن الردّ البديهي يكون من خلال تلاقي قوى عربية صادقة وتنسيق جهودها لخوض غمار معركة مصيرية وحاسمة، وإذا كان أسلوب الكيان يعتمد على تشويه الوقائع في فلسطين المحتلة في أنظار العالم فإن الردّ الأنسب يكون في نقل القضية الفلسطينية إلى ضمائر البشر في أرجاء المعمورة لأنها قضية الإنسان في كل مكان، وإذا كانت روسيا والصين بحكم طبيعتهما تتصديان لآخر مظاهر الاستعمار في مجلس الأمن والأمم المتحدة فإن من واجب الدول الأخرى المتضرّرة أيضاً من إرث استعماري بغيض، من واجبها الالتفاف حول روسيا والصين وشدّ عرى التآزر معهما في تشكيل عالم ينعم الجميع فيه بحقوق متساوية وبكرامة وسيادة وطنية. المخاض العالمي الجديد يحتاج إلى استراتيجيات وطنية نافذة وإقليمية مدروسة ودولية صادقة ومخلصة تضع مصلحة الإنسان في كلّ مكان في أعلى سلم أولوياتها. بهذا الأسلوب يمكن لنا أن نأمل أننا سوف نورّث أبناءنا وأحفادنا عالماً أفضل بكثير من الذي ورثناه عن آبائنا. بهذا فقط نستطيع أن نكون نحن من يحدّد نتائج هذا المخاض العالمي المصيري العسير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالأربعاء 09 أكتوبر 2019, 10:48 am

منظمة الأمم المتفرقة 
د. بثينة شعبان


كنا في الماضي ننتظر انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة لنستمع إلى خطب رجالات تقود العالم، ولنستشرف البوصلة التي سيتحرك وفقها القارب الدولي في السنوات القادمة. وأتذكر أنني كنت أحتفظ ببرنامج الخطب وبدفتر وقلم لأسجّل ما أراه هاماً من أجل فهم أعمق للعلاقات الدولية. وحين كنت أحضر مع وفد بلادي في تسعينيات القرن الماضي أتذكّر شعوري أنني أسير في أروقة الأمم المتحدة وألحظ أهمّ الرجالات تجتمع وتتحدث وكأنّ العالم يتشكّل هنا وكأن علاقاته المستقبلية تنطلق من هنا.

أما اليوم فقد مرّ اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة مرور الكرام ولم أقابل أحداً انتظر خطاباً أو ألغى موعداً لأنه يتعارض مع كلمة زعيم ما أمام الجمعية العامة، وحين بذلت جهداً إضافياً واطلعت على عدد لا بأس به من الكلمات التي ألقيت في هذه الدورة للجمعية العامة للأمم المتحدة أيقنت أن الشعور العام لا يخطئ. فهو يدرك وبشكل فطري أين هو المفصل الهام كما يدرك أين تكون القيمة المضافة وأين لا تكون. أول انطباع خرجت به نتيجة متابعتي هذه هو أن الجمعية العامة أصبحت اليوم للأمم المتفرّقة وليست للأمم المتحدة؛ حيث لا يوجد اتحاد ولا وفاق على شيء. فرئيس من كانت أقوى دولة في العالم تجاوز بخياله جدران التفرقة العنصرية والاستيطان والاحتلال وجنح إلى حفر خندق مع المكسيك يملؤه بالتماسيح والثعابين لمنع الهجرة إلى بلاده. والسلطان العثماني الجديد اختار مجموعة من الأوهام التي يرددها دائماً في الشرق الأوسط لينقلها إلى منبر دولي ربما لقناعته أن الفائدة يجب أن تعمّ وأنه ربما هناك من لم يسمع بهذه الأوهام البعيدة عن الواقع وهو حريص جداً على إسماعه. واللافت في الأمر أن الثقة مفقودة تماماً بين المتحدثين والمستمعين؛ ففي الوقت الذي يلقي ترامب كلمته تختار ممثلة فنزويلا، عن عمد طبعاً، أن تتابع قراءة كتابها أمام الكاميرات، وفي معظم الأوقات فإن حضور الكلمات في الجمعية يكاد يقتصر على ممثلي البلد ذاته وبعض الأصدقاء والضيوف. إن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على فقدان الثقة بهذا المنبر وما تفيض به قرائح من عليه. ولكنّ هذا الأمر ليس مسألة بسيطة أو عابرة أو منفصلة عمّا يجري في العالم في الأوقات الأخرى من العام أو الأعوام، بل إن هذا الأمر معبّر عن ظاهرتين أساسيتين في عالم السياسة اليوم: الأولى هي افتقار العالم إلى شخصيات قيادية تدرك بالفعل حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، ليس فقط بالنسبة لمواطنيها وإنما أيضاً تجاه هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البشرية. والظاهرة الثانية هي المخاض الذي تخوضه الدول والمنظمات الدولية لبلورة نظام عالمي جديد بعد أن وصل النظام الذي خلفته الحرب العالمية الثانية إلى نهاياته واستنفد فرصه في توفير أي إمكانية لنظام دولي حقيقي يساهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين.

أضف إلى ذلك أننا نتابع ونراقب يومياً كيف أن الولايات المتحدة مستمرة في فرض عقوبات على الصين وروسيا وطبعاً على دول أخرى كثيرة من بينها سورية وإيران وكوريا الشمالية؛ أي أن أسلوب التعامل مع الدول هو أسلوب العقوبات ومحاولة فرض هيمنتها من خلال هذا الأسلوب الذي يزيد الفرقة الدولية تفاقماً والبحث عن شكل آخر للعلاقات الدولية إلحاحاً. وقد سعت دول كثيرة ومنذ سنين إلى ديمقرطة مجلس الأمن أو العلاقات الدولية إلا أن جهودها لم تكلّل بالنجاح إلى حدّ الآن. والسؤال الملح اليوم وبعد هذه المرحلة التي توصلنا إليها: هل سيستمر الانهيار في العلاقات الدولية والتفكك لأعوام قادمة قبل أن تتمكن الدول الصاعدة والداعية إلى قواعد الندية والاحترام في العلاقات الدولية مثل روسيا والصين والهند من فرض إرادتها بشكل نهائي وتغيير النظام العالمي وقواعد الأمم المتحدة إلى شكل يحقق فعلاً خير البشرية ويصبح ممثلاً حقيقياً لإرادات الشعوب وطموحاتها في عالم المستقبل؟ أعتقد أن العالم القادم سيشهد هذا المخاض وسيختتمه بإحلال مجموعة قواعد دولية تبحث عن المشترك بين الدول بعيداً عن قواعد الهيمنة والعقوبات والاستعلاء التي فُرضت على الأسرة الدولية منذ عقود. ولا شك أن هذا يحتاج إلى عمل حثيث وإدراك عميق لخطورة المرحلة التي تمرّ بها الإنسانية اليوم وضرورة وضع البوصلة الصحيحة لإنقاذها. ولا شك أن ما تقوم به الصين وروسيا وإيران على الساحة الدولية يعتبر جهداً أساسياً في هذا الاتجاه، وأنّ ما قامت به سورية من إصرار على الثوابت ومحاربة الإرهاب ساهم، ولا شك مع جهد الحلفاء والأصدقاء، في دفع هذا التوجه قدماً إلى الأمام.

ومن خلال متابعتي لهذ الدورة للجمعية العامة لم ألمح أثراً  "للإرادة الجماعية العربية" التي يتحدث عنها أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط في تناوله للشأن السوري في إحدى مقابلاته . فقد كانت الدول العربية في الماضي تعقد اجتماعات قبل أو خلال انعقاد الجمعية وتتفق على القضايا الجوهرية التي تعتزم طرحها، كما تتبادل الآراء والاستنتاجات بعد لقاءاتها مع دول مختلفة. أما اليوم فلا يجد أمين عام جامعة الدول العربية إرادة جماعية عربية إلا في الموقف من سورية، وهو موقف سلبي طبعاً، ويصبّ في خانة كلّ من يستهدف سورية ويعمل على إضعافها. بل ويذهب أكثر من ذلك بأن سورية الجديدة التي يتوخاها أبو الغيط لن تكون على علاقة طيبة مع إيران، معتبراً هذا شرطاً عربياً رئيسياً لكي يسمح لسورية بالعودة إلى الجامعة العربية. وكأنّ أبو الغيط لم يسمع بتضحيات الشعب السوري والتي بُذلت بسخاء للحفاظ على كرامة سورية وقرارها المستقل، وكأنه لم يشهد ثماني سنوات من محاولات مستميتة لإخضاع سورية كي تدور في الفلك "الصهيوأميريكي"، ولكنّ كل هذه المحاولات باءت بالفشل وانتصر الشعب السوري بإرادته المستقلة وحرصه على تاريخه وحضارته وكرامته.

مثل هذه التصريحات وغيرها كثير تُري أن الدروس المستفادة من التجارب المُعاشة لم تختمر بعد في الأذهان ولم تُؤت أكلها ولم تتحول إلى رؤى جديدة للواقع والمستقبل. وهذا ينطبق على كلّ الاعتراضات التي عبرت عنها وفود دول كثر حول أسلوب العقوبات الأميركي والتعامل الغربي مع بقية دول العالم والذي فقد تأثيره اليوم، والبحث جار عن أساليب حقيقية تستجيب لمتطلبات الشعوب في الحفاظ على كرامتها وسيادة دولها وخصوصية هويتها الحضارية والثقافية. سوف يستمر هذا البحث للسنوات القادمة، ولكن كلما سارعت الدول للانضمام إلى مسار الصين وروسيا في خلق أسلوب جديد للعلاقات السياسية والاقتصادية والفكرية والإنسانية كلما وصل العالم إلى المحطة المنشودة بسرعة أكبر وتكاليف أقلّ. تبقى هذه المرحلة مرحلة صعبة في تاريخ البشرية سواء على الصعيد الدولي أو على صعيد كل دولة على حده، لأنها مرحلة انتقالية وتحتاج إلى قيادات حكيمة وصادقة وشجاعة، وللأسف فإن هذه المعايير نادرة اليوم ولذلك علينا أن نقف مع أي قيادة في العالم تتمتع بمثل هذه المعايير وتعمل على إرسائها. في هذا المخاض لابدّ وأن تلعب النخب الفكرية دور المرشد والموجّه والدارس والناصح أيضاً، وأن يكون الصبر والأمل والعمل الأدوات الأساسية لهذه النخب في كلّ مكان. اليوم مستقبل البشرية برمته على المحك ولابدّ لكل إنسان في أيّ مكان أن يشعر أنه معني وأن يساهم بقدر ما يستطيع بصياغة هذا المستقبل بما يضمن أمن وسلامة وازدهار العالم. وعلّ قول الكاتب المسرحي السوري، سعد الله ونوس، منذ عقود صالح جداً لهذه المرحلة وهذا التوقيت إذ قال: "إننا محكومون بالأمل ولا يمكن لما يجري أن يكون نهاية التاريخ"، عجلة التاريخ مستمرة في الدوران وعلينا أن نحكم قيادتها بمعرفة واتزان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 11:33 am

النفاق العالمي الجديد د. بثينة شعبان


يتساءل الإنسان هذه الأيام لماذا يشاهد الأخبار ولماذا يستمع إلى تصريحات مسؤولين مغلفة بالكذب والنفاق على شعوبهم وشعوب العالم قاطبة حيث لا خجل ولا حياء من إطلاق التصريحات التي تتناقض كلياً مع ما تشهده الأرض من أحداث وتطورات. إذ أصبح على المهتم بالشأن العام أن يقرأ ويحلّل ويعيد القراءة والتحليل حتى يتمكن من استنباط جزء من الحقيقة هنا وآخر هناك، لأن هدف بعض هذه التصريحات هو التغطية على ما يجري وتضليل القارئ والمهتم بدلاً من تنويره وإعلامه. في هذا الزمن الذي تراجع به المستوى الأخلاقي للقيادات السياسية إلى درجة متدنية غير مسبوقة كانت المصداقية أولى الضحايا ولذلك نرى أن ردود الأفعال تائهة في اتجاهات مختلفة.


 


فقد طغى خبر العدوان التركي على الأراضي السورية في الأيام القليلة الماضية وتكررت الأخبار عن الجيش التركي " والقوات التابعة له"، ولكنّ الحقيقة هي أن القوات التابعة له هي من العصابات الإرهابية بمن فيهم داعش والنصرة والجيش الحرّ وغيرهم من المرتزقة، والذين أُدخلوا من الحدود التركية منذ سنوات بقيادات وسيطة من واجهات المعارضات الساكنة في الفنادق النائية. واليوم بعد أن فشلوا في تحقيق الأهداف المرسومة لهم ظهرت القيادة الحقيقية لهذه الحرب الإرهابية على سورية ألا وهي قيادة أردوغان العثماني الذي يتخذ من الإخوان المسلمين أداةً لاختراق مجتمعات الشرق العربي بهدف إعادتها للعبودية التركية تحت يافطات "طائفية". يتذرع أردوغان بذرائع واهية لمحاولة تحقيق حلمه العثماني بابتلاع المزيد من الأراضي السورية والعراقية أيضاً. ويظهر التواطؤ الأميركي والأنظمة العربية التابعة للولايات المتحدة مع هذا المخطط أيضاً والذي احتضن وموّل وسلح ودرّب، ومنذ البداية، العصابات الإرهابية في مناطق مختلفة من سورية والعراق وليبيا واليمن ، لنسمع تصريحات تهدد بالعقوبات على تركيا وأخرى تهدد بالتسبب في انهيار الاقتصاد التركي وإصدار قرارات ضد ما أسموه "التوغل" والذي هو عدوان مجرم وموصوف، إلى أن تقرأ تصريحاً خجولاً عابراً يقول إن معلوماتنا تفيد بأن العملية التركية في شمال سورية هي عملية محدودة ، ونلاحظ في الميدان تواطؤ قوات قسد العميلة مع هذه العملية مما يفيد أيضاً بأن التنسيق جارٍ مع مرتزقة قسد أيضاً للسماح لهذا العدوان التركي على الأراضي السورية وعدم مقاومته لأن هناك اتفاقاً ما بين كلّ هذه الأطراف للسماح لهذا العدوان بتحقيق الأهداف المتفق عليها بين هذه الأطراف المعتدية على السيادة والأراضي السورية بوسائل مختلفة منذ ثماني سنوات ونيف . وها هي العصابات الإرهابية بقيادة تركية تكمل أعمال الإرهابيين باستهداف المشافي والمخابز والمدارس وقتل المدنيين والتسبب في هجرتهم من أرضهم وديارهم كي يتمكن العثماني أردوغان من المتاجرة بهم مرة أخرى أمام الأوروبيين وكي يهددهم بفتح معبر لمن تسبب هو وأدواته من الإرهابيين بتدمير قراهم ومدنهم وسبل عيشهم وارتكاب جرائم بشعة بحقهم وتحويلهم إلى لاجئين ومن ثمّ المتاجرة بهم مرة ثانية وثالثة ورابعة.


كما نكتشف ايضاً تصريحاً آخر ذا دلالة على لسان منوشين يقول: " ترامب يعتزم توقيع أمر رئاسي لردع تركيا عن أي عمل عسكري هجومي إضافي في شمال شرق سورية". وكلمة "إضافي" هي التي تثير الاهتمام هنا؛ أي أن هناك اتفاقاً على عدوان عسكري تركي في شمال شرق سورية وأنه من غير المسموح اتخاذ خطوات إضافية على الخطوات المتفق عليها؛ أي أن الطلب هو الالتزام بالخطة المقرّة والمتفق عليها وليس هناك اعتراض على العدوان والاحتلال والقتل والتهجير واستخدام الإرهابيين تحت راية الجيش التركي لارتكاب كل هذه الجرائم بحق شعب ودولة عضو مؤسس في الأمم المتحدة. وتتضح الصورة أكثر حين يلجأ مسؤولون يعتبرون أنفسهم أعضاء في حركة تقاوم الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية لدعم هذا العدوان ولإعطاء العثمانية الإخوانية الجديدة مكاناً لا تحظى به في العالم الإسلامي. كيف يتّسق النضال ضد احتلال عنصري استيطاني مع دعم احتلال تركي مجرم موصوف ضد شعب شقيق وبلد آمن وأرض وتاريخ وجغرافية عربية؟ وكيف يتّسق النطق بالضاد مع دعم عدوان تركي على بلد عربي تربطه أوثق الوشائج مع البلدان العربية؟ أم أنه لم يعد الوقت مناسباً اليوم لطرح مثل هذه الأسئلة المنطقية بما أننا نعيش في عالم لا يمت إلى المنطق بصلة ولا إلى الصدق أو المصداقية أو احترام الذات أو الخجل من الظهور بمظهر الكاذب والمنافق؟


إذا كانت ردود الأفعال هذه تسمح لدولة تدّعي محاربة الإرهاب في بلد آخر فأي قاعدة تنطبق اليوم على العلاقات بين الدول إذا ما قررت دول أخرى أن تقوم بالشيء ذاته وأن تحارب خطراً محتملاً أو وهمياً ضمن حدود دولة أخرى؟ أي نظام عالمي يسود العلاقات الدولية وأي علاقات هذه التي تنافق لدى وقوع مثل هذه الجرائم التي تستحق أقصى درجات العقاب القانوني الدولي؟ إن العدوان التركي المجرم على الدولة السورية يقتضي من الحكمة والعقل اعتبار هذا العدوان على الأمة العربية قاطبة، لأنه لولا ضعف وتشرذم وتشتت هذه الأمة في اتجاهات مختلفة ومتناقضة لما تمكن العثمانيون الجدد من التجرّؤ على مثل هذا العمل المشين، ومن يظن نفسه من العرب في منأى عن هذا التجرّؤ فهو واهم  سواء أكان المصدر عثمانياً أم أمريكياً أم إسرائيلياً فإن النتيجة واحدة ألا وهي الاستهانة بالعرب جميعاً من الخليج إلى المحيط وإخراجهم من المعادلات الإقليمية والدولية والتي تتجه اليوم وبشكل خبيث وإن كان غير واضح للعيان لإخراج العرب جميعاً من معادلة القوى الإقليمية والدولية بذرائع واهية ومختلفة واعتماد أسلوب الشقاق والتفريق بينهم واستغلال ضعف القيادات وضعف العقول وانعدام النخب المفكرة وضعف المؤسسات في كل الأقطار العربية لتمرير مشروع خطير يستهدفهم جميعاً كأعرق وأقدم شعوب هذه المنطقة، تماماً كما تم استهداف الأبورجينز والسكان الأصليين في الأمريكيتين منذ قرون. الغريب والمستغرب جداً في الأمر هو أن أحداً لا يعيد حساباً للعقود القليلة الماضية ليكتشف أين كان العرب وأين أصبحوا وماهي احتمالات خواتم هذا المسار الذي وضعوا أنفسهم فيه نتيجة الصِغَر وعدم إجراء حسابات استراتيجية ودقيقة بشأن المصير النهائي لهم جميعاً. لاشك أن الأرض السورية هي التي تتعرض لعدوان تركي مجرم بأدوات إرهابية ولأهداف عثمانية شريرة لا علاقة لها أبداً بالأكاذيب التي يطلقها أردوغان ومرتزقته من الإخوان ولإرهابيين، ولكن الحقيقة الأخرى والأهم والتي لا يذكرها أحد اليوم  هي أنّ هذا العدوان الموصوف هو دلالة الاستهانة بالعرب والعروبة وبحاضر العرب ومستقبلهم وأدوات عملهم وطرائق التعامل بين بعضهم البعض والتي لا ترتقي أبدأ لمستوى العلاقات حتى بين جيران يتقاسمون منطقة جغرافية واحدة ويشتركون باللغة والتاريخ والماضي وتحديات المستقبل سواء أأدركوا ذلك أم لم يدركوه. النفاق اليوم نفاق إقليمي وعالمي ولكن الذين يدفعون ثمنه على أرض الواقع بالفعل هم العرب جميعاً من المحيط إلى الخليج، والشعب العربي في كافة أقطاره ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.  
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالإثنين 11 نوفمبر 2019, 12:43 pm

اختراق غير نظيف!!
 د.بثينة شعبان


لن أتعب من التذكير بالورقة الاستراتيجية التي وضعتها مجموعة من مراكز الأبحاث الأمريكية في عام 1996 

بعنوان: " الاختراق النظيف. استراتيجية جديدة للسيطرة على المنطقة “. في هذه الورقة اتفقت مراكز الأبحاث 

على أن الاستراتيجيات القديمة للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط لم تعد مجدية ولم يعد ضرورياً أن نرسل 

جيوشاً وندفع تكاليفها الباهظة، ولكن البديل سيكون العمل على اكتشاف العناصر التي تؤيدنا في هذه المجتمعات 

والمخلصة لنا وتمويلها والاعتماد عليها لإحداث التغييرات التي نريد والتي تخدم مصالحنا أولاً وأخيراً.

ومع أني ترجمت هذه الورقة ووزعتها على أكبر نطاق ممكن فإني أرى الأسئلة التي تطرح اليوم في منطقتنا بعيدة 

كلّ البعد عن مفاهيم واستراتيجيات مكتوبة ومنشورة وواضحة وضوح الشمس، ومازال تحليل ما يجري على أرض 

الواقع يتعرض لأسئلة سطحية وتفسيرات ساذجة لا تتناسب أبداً مع حجم المعلن من الاستراتيجيات والأبحاث التي 

ترسم الخطط للسيطرة على فضاء الشرق الأوسط برمته وتحويله إلى فضاء تابع كلياً للإرادة الغربية ولكن من 

خلال أدوات محليّة. وعلّ العامل المستجدّ في الموضوع على هذه الاستراتيجية اليوم وبعد عقدين من الزمن هو 

مواجهة الصين وتقويض كلّ الخطوات التي يمكن أن تجعل من الصين أو روسيا بديلاً للحضور الغربي في منطقة 

الشرق الأوسط. وعلّ الحرب على سورية فاقمت من أهمية تجديد وتطوير استراتيجية الاختراق النظيف لأنّ أكثر 

ما أقلق العدوّ الصهيوني وربيبته الولايات المتحدة الأمريكية من نتائج الحرب على سورية هو ذلك التحالف 

السياسي بين سورية وروسيا وإيران وذلك الامتداد الجغرافي المقاوم بين إيران والعراق وسورية ولبنان. وقد 

نشرت مراكز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أكثر من دراسة في هذا الصدد حذّرت بها من أن يرسي هذا 

المحور قواعده الجغرافية العسكرية والسياسية والاقتصادية وأن هذا الأمر سيشكل مشكلة كبرى بالنسبة للكيان 

الغاصب لأنه قد لا يتمكن بعد اليوم من شن حرب على أي من هذه القوى والبلدان دون توقع انخراط المحور بكلّ 

مكوناته في هذه الحرب. وقد أعلنوا في هذه الدراسات أن العنصرين الأساسيين اللذين فاجآهم في هذه الحرب 

على سورية ولم يحسبوا لهما حساباً أبداً هما: انخراط الطيران الروسي مع الجيش العربي السوري في هذه 

الحرب، ودخول حزب الله بمقاتليه ميدان المعركة. كانت هذه سابقة للعدوّ صدمته وأرعبته ودفعته للتفكير بآليات 

جديدة يحاول أن يضمن من خلالها عدم قدرة أعضاء هذا المحور على التعاضد والعمل سوياً في المستقبل. وكان 

الإجراء الذي اتخذه الأميركي منذ ما يقارب السنتين فاضحاً حين أشرف الجيش السوري وحلفاؤه على تحرير 

منطقة التنف من الإرهاب فقام الطيران الأميركي بقصف جيشنا وحلفائنا ليسمح للإرهابيين استمرار التواجد ويُبقي 

على نقطة التواصل الأهم بين العراق وسورية تحت سيطرته، وحين اتفقت الحكومة السورية والعراقية على فتح 

معبر البوكمال منذ أكثر من سنة، بدأت ضغوط الولايات المتحدة لتمنع هذا التواصل بأي ثمن كان. ولهذا تبقي 

الولايات المتحدة بعض قواتها في منطقة التنف وحول منابع النفط السورية لسببين أساسيين ألا وهما: منع التواصل 

الجغرافي بين سورية والعراق والذي يشكّل انفراجاً اقتصادياً وسياسياَ ومجتمعياً لكلا البلدين والإبقاء على 

حرمانهما من عوامل الانتعاش الاقتصادي، وأيضاً سلب سورية ثروتها الطبيعية من آبار النفط في قرصنة دولية 

تؤكد أن البلد الذي يُفترض أنه يقود العالم يمارس شريعة الغاب دون خجل أو استحياء معتمدأ على البلطجة من 

خلال قوته العسكرية القادرة على التصدي لمن يعترض لصوصيته وسرقاته ويعترض على جرائمه بحق شعب دفع 

ثمناً باهظاً للقضاء على الإرهاب وتحرير موارده الاقتصادية فقط كي يكتشف أن الجيش الأميركي قرّر أن يكمل 

مهمة الإرهابيين من خلال سلب سورية مواردها الطبيعية وحرمان الشعب السوري من ثروته الطبيعية. والأمر 

الذي ساهم أيضاً في ضرورة تطوير هذه الاستراتيجية من وجهة نظر الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة 

هو ما قامت به الحكومة العراقية منذ وقت قريب بتوقيع اتفاق مع الصين بقيمة خمسمئة مليار دولار وأن الدفع 

سيكون بالنفط العراقي وليس بالدولار، وهنا دق ناقوس الخطر الأميركي خوفاً من أن يتجه العراق إلى الصين 

بقوتها الاقتصادية وأن يتمّ إخراج الدولار من المعادلة في العلاقة الاقتصادية الصينية العربية. كما أن الرئيس 

عادل عبد المهدي قد رفض صفقة القرن وانتقد الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين وأيّد حق العودة 

للفلسطينيين. ولا شك أن الأمريكي يعلم أن هذه الحكومة العراقية هي الحكومة الأولى المؤمنة بالتنسيق والتضامن 

العربي وفتح قنوات التواصل مع الأشقاء والأصدقاء؛ الأمر الذي يقضّ مضاجع المحتل الصهيوني ويدقّ ناقوس 

الخطر لديه.

إذاً ودون أن نتمكن من الاطلاع على الاستراتيجيات الجديدة التي وضعوها خلال وبعد الحرب على سورية يمكن 

لنا أن نتوقع أن هذه الاستراتيجيات تعتمد على خلق فتنة بين مكونات الطائفة الواحدة في العراق، وفتنة في لبنان 

وأخرى في الجزائر، ولا نعلم أين تظهر الفتنة غداً. ولكنّ المفهوم أن الأساس لكلّ هذه التحركات والفتن هو 

استخدام غضب الناس واستثمار نقمتهم على الفساد والتقصير والإهمال ونقص الخدمات لتحقيق أهداف سياسية تعيد 

هذه البلدان مئة سنة إلى الوراء، ومن خلال إشغالها بأزمات لا تهدف أبداً إلى محاربة الفساد أو معالجة التقصير 

أو تحسين الخدمات والوضع المعيشي للشعوب المعنية بل تهدف بدلاً من ذلك إلى ضرب أي عامل قوة تمكّنت هذه 

البلدان من استجماعه رغم الحروب والفتن التي فرضت عليها وإعادتها إلى المربع الأول بحيث لا تجد سبلاً إلى 

إرساء أسس حكم مؤسساتي يطوّر في آليات عمله ويركّز على دخول السباق في ميدان العلم والمعرفة والنموّ 

والازدهار.

العامل الأساسي الذي ساعد هؤلاء إلى النفاذ إلى الساحات وجمع الشباب والشابات الذين يقولون كلمة حق يريد 

أعداؤهم بها باطلاً، هو غياب النخب وانحدار المستوى التعليمي والوضع الاقتصادي المتردي والذي كان نتيجةً، 

ولو في جزء منه، لاستمرار المحاربة والضغوط. هؤلاء الشباب والشابات الهائمون على وجوههم في ساحات مدن 

أكثر من بلد عربي لا يعرفون الخطة الموضوعة لحراكهم ولا الأهداف المرسومة لخروجهم إلى الساحات وتدمير 

بعض الذي تمكنت الحكومات من تحقيقه، وهذا ليس دفاعاً عن الحكومات ولكنه دفاع عن الأوطان ومستقبل هذه 

الأوطان. هل ما نشهده اليوم هو أيضاً نتيجة تردّي المستوى التعليمي في كلّ الأقطار العربية بحيث نشأ جيل غير 

محصّن وغير قادر على فهم الدروس واستخلاص العبر؟ أم أن " الاختراق النظيف" قد شكّل قيادات سرية في كلّ 

مكان قادرة على الإقناع وتمويل الحراك وسوقه إلى المكان الذي يضمن استمرار الهيمنة الاستعمارية على هذه 

المنطقة وتقطيع أوصالها جغرافياً واقتصادياً ودفعها إلى مزيد من التهميش؟ ولا شك أن ما صرّح به العدو 

الإسرائيلي عن الحراك في لبنان بأن ما يجري هناك "رائع" ينطبق جداً على تقييمه للحراك في العراق والجزائر 

وربما في بلدان أخرى. وهنا نعود إلى ما قاله السيد الرئيس بشار الأسد في مقابلته الأخيرة عن الخونة والذي 

ينطبق على حالات كثيرة خارج سورية أيضاً حيث قال: "عندما يكون السوري وطنياً ولا تكون الخيانة مجرد وجهة 

نظر كخلاف على أي موضوع سياسي سيخرج الأميركي لوحده". الخيانة ليست مجرد وجهة نظر والتاريخ العربي 

مليء بالكوارث التي سببتها الخيانة، فمتى نركز على تحصين البلدان لوضع حدّ للاختراق غير النظيف؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالأحد 01 ديسمبر 2019, 7:39 am

جيفري فيلتمان ولبنان 
د. بثينة شعبان

رغم برنامجي الضاغط وضيق الوقت لدي فقد وجدت نفسي مضطرة لإعادة قراءة مداخلة جيفري فيلتمان أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والإرهاب الدولي المنبثقة عن لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس كي أتأكد من أن الإشارات والانطباعات التي تولدت لدي في القراءة الأولى صحيحة لأنها تكاد لا تصدّق بالفعل. فقد تحدث جيفري فيلتمان عن لبنان وكأنه المندوب الأمريكي للبنان والمسؤول عن توجهاته المستقبلية وإنقاذه من سورية وإيران وروسيا لصالح حلفائه في المنطقة، ومن هم سوى الكيان الصهيوني.

واللافت أنه افتتح مداخلته بالحديث عن أهمية لبنان على البحر المتوسط وأهمية النفط والغاز وخطورة أن تنفذ روسيا التي تمترست في سورية إلى لبنان أيضاً، باعتبار أن هذا سيشكل ضربة قاصمة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة كما أنه لم ينسَ أن الصين قد تشكل خطراً على الولايات المتحدة في لبنان وخاصة إذا ما وجد اللبنانيون تقنية الجي 5 الصينية جذابة لهم في ضوء الوضع المتردي لشبكة الاتصالات في لبنان وباختصار وجد فيلتمان أن لبنان يشكل مكاناً لتنافس قوى دولية وأن الولايات المتحدة يجب ألا تسمح لسورية وإيران وروسيا أن يأخذوا مكانها في لبنان. يمكن القول أن هذا هو أساس اعتبارات فيلتمان دون أي اعتبار لمصلحة لبنان والشعب اللبناني وأنه يعوّل على الميل التاريخي للبنانيين تجاه الغرب، كما أنه اعتبر أنه من حسن الحظ أن الحراك في لبنان وردود فعل القادة اللبنانيين عليه قد تتوافق مع مصلحة الولايات المتحدة ومع تسويفه طبعاً لكل الحقائق حول حزب الله والتيار الوطني الحرّ واختلاق مشاعر وأكاذيب يودّ فيلتمان لو تكون صحيحة على أرض الواقع مدّعياً أن حزب الله يخلق إمكانية الحرب مع إسرائيل بدلاً من حماية اللبنانيين من إسرائيل، وكأن الفلسطينيين هم الذين خلقوا خطر الاستيطان وابتلاع الأرض وتهويد كل ما له علاقة بفلسطين ولولا المقاومة لما كان الفلسطينيون واللبنانيون عرضة للخطر الإسرائيلي. والسؤال هو أيهما وُجد أولاً الاحتلال أم المقاومة؟ ومتى كانت المقاومة هي الخطر، وليس الاحتلال والاستيطان؟ كما تناول التعاون القائم بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ بأنه سبب تصاعد المشاعر والنزول إلى الساحات، واعتبر فيلتمان أن عدم الوفاء بتقديم المعونة للجيش اللبناني يظهر الولايات المتحدة وكأنها شريك غير موثوق به. وفي هذه العبارة مدعاة للتساؤل إذا ما كان فيلتمان يعتقد أن الولايات المتحدة مازالت على المستوى الدولي شريكاً موثوقاً به وهي التي تتنصل من توقيعها ومن اتفاقاتها الدولية، وفي كلّ الاتجاهات. وقدّم فيلتمان للشعب اللبناني خياراً بين المقاومة وسورية وإيران وروسيا من جهة وبين الازدهار والانتعاش الاقتصادي من جهة أخرى، والذي يقترحه فيلتمان ليس من جيب وميزانية الولايات المتحدة وإنما من ميزانية مجلس التعاون الخليجي وكأنها بتصرفه وتحت أمرته. وهذا الكلام يعيد إلى الذاكرة كل الدعايات الامريكية في عام 2002  والتي وعدت العراقيين أن العراق بثرواته وشعبه سيصبح أنموذجاً للدول العربية وستسعى الدول العربية كافة للسير على الطريق الذي أوصل العراق إلى هذا الأنموذج. وها نحن اليوم وبعد ستة عشر عاماً بعد الاحتلال الأمريكي للعراق لم نشهد سوى نهب النفط العراقي والثروات العراقية، وكتابة دستور على يد "بريمر" أبقى العراق مكبلاً إلى عقود قادمة في دستور لا يملك أحد الخروج منه، كما تمّ قتل أو خطف العلماء العراقيين والخبرات والأدمغة التي كانت مؤهلة للارتقاء بالعراق وتضميد جروحه ووضعه على الطريق السليم وأنتجوا في السجون العراقية إرهاباً مازال يزعزع استقرار سورية ولبنان والمنطقة برمتها بتخطيط وتنفيذ أمريكيين. ولذلك فإن الذي يشعل الحروب الأهلية، وينتعش بها هي الولايات المتحدة وليست إيران، أو سورية، أو لبنان، أو روسيا. وبعد اعترافه بالمعضلة الاقتصادية في لبنان حمّل فيلتمان حزب الله هذه المعضلة بحجة أن المستثمرين لن يخاطروا بالاستثمار في بلدٍ يتمكن فيه حزب الله من جرّ لبنان إلى حرب في أي لحظة، متجاهلاً أن الاحتلال والاستيطان الإسرائيليين هما جذر وسبب الحروب، وسبب الفقر الذي ابتليت به هذه البلدان. وقال إن على اللبنانيين أن يختاروا بين "الفقر الأبدي أو الانتعاش والازدهار المحتملين"؛ يا سيد فيلتمان أعطني بلداً واحداً دخلته الولايات المتحدة بأي صيغة من الصيغ وتَحقّق فيه الازدهار أو الاستقرار أو الحريات أو الديمقراطية؟ من أفغانستان إلى العراق إلى ليبيا وأوكرانيا. أين هو البلد الذي دخلته الولايات المتحدة ولم يغرق في الفقر والتخلف، والاستبداد؟ وبين كلّ جملة وأخرى تحريض من نوع مختلف على وجود حزب الله وسلاح حزب الله والأزمة التي يشكلها حزب الله بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وعلى رأسهم الكيان الصهيوني الغاصب. ويبدو فيلتمان متفائلاً مع أن هذا الحراك لا يمكن أن ينزع سلاح حزب الله، ولكنه يمكن أن يزرع الوعي في أذهان اللبنانيين كي يجردوا حزب الله من ممثليه في البرلمان، والذين يؤكدون إرادة حزب الله السياسية. وقد سقط سهواً من فيلتمان اعترافه أن عدم وجود قيادات للحراك كان أمراً مخططاً ومتفقاً عليه ولهذا رفض المتظاهرون تعيين قيادات لهم تفاوض باسمهم. ومع أن هذا الحراك قد لا يحقق كلّ الأهداف المرسومة له فهو على الأقل في رأي فيلتمان يكسر هيبة المقدسات ويتناول مواضيع وشخصيات كانت تُعتبر من المحرمات، ويعترف فيلتمان بالقول: "حتى وإن لم تتحقق كل المكاسب المحتملة فوراً فإن 2019 تعتبر نقطة تحوّل للبنان". والسؤال هو: ماهي المكاسب المحتملة التي يتحدث عنها السيد فيلتمان؟ في الواقع قد أجاب عليها في مداخلته وهي نزع سلاح حزب الله أو تجريده من ثقة الجماهير وتغيير المزاج والحكم في لبنان كي يبقى على الشاطئ المؤيد للولايات المتحدة في صراعها على مناطق النفوذ مع الصين وروسيا وإيران. واعترف فيلتمان أنه ليس من الحكمة التدخل المباشر في الأحداث في لبنان ولكن ربما أن "مصلحتنا ومصلحة حلفائنا" تتأثر حكماً بمجريات الأحداث في لبنان؛ فمن واجبنا أن نوضح وجهات نظرنا بالفعل قبل الكلمات. وتضمنت مقترحاته للكونغرس الإفراج السريع عن المساعدة العسكرية للجيش اللبناني والذي يُفضّل أن يبقى بعيداً عن السياسة، وأن يعامل المتظاهرين باحترام في جميع أنحاء لبنان في النبطية وبيروت، وينبّه لبنان أنه إذا أراد دعماً دولياً فعليه أن يلبي طموحات المتظاهرين الإصلاحية فوراً. وعاد في ختام مداخلته إلى خلق الوهم بأن لبنان والذي هو بمساحة نيويورك وبه سبعة ملايين إنسان فقط فليس من الصعب أن يتم تحويله إلى منطقة مزدهرة. تماماً كما تحدثوا عن غنى العراق ونفطه وموارده البشرية وكيف أن قدوم الولايات المتحدة إلى العراق سوف ينجم عنه الاستثمار الأمثل لهذه الموارد. يبدو أن السيد فيلتمان مازال يعيش في الماضي ولا يدرك أن الولايات المتحدة قد خسرت سمعتها، ومصداقيتها وأنها لم تعد تمثّل الأسرة الدولية أبداً كما كانت تدعي في نهاية القرن الماضي، وأن العالم اليوم يتطلع إلى قوى ذات مصداقية تبني علاقاتها وشراكاتها على الاحترام والندية والمصلحة المتبادلة وأنّ قلة قليلة جداً تضيع وقتها في قراءة مداخلته المليئة بالمغالطات والتناقضات، وتجانب الحقيقة في كلّ نقطة تتناولها وتريد أن تبرهن عليها. ولولا حرصي على أن أوفّر الوقت على القراء الكرام وأقدم لهم خلاصة قراءتي وتحليلي لما أضعت وقتي أيضاً. فقد تجاوز الزمن منطق فيلتمان، كما أن وعي الشعوب تجاوز كل الأكاذيب التي أعادوها على مسامع هذه الشعوب مرة تلو الأخرى فقط ليكشفوا أنّ هدف سياسات الولايات المتحدة الأول والأخير هو السيطرة على المواقع الاستراتيجية للدول ونهب ثرواتها وإبقاء شعوبها فريسة للفقر والجهل والديكتاتورية المستبدة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالثلاثاء 17 ديسمبر 2019, 4:48 pm

كيف سيسجل التاريخ عام 2019؟
 بقلم: د.بثينة شعبان

عقد في الصين في 12-13 من الشهر الجاري مؤتمر هام بعنوان "حوار جنوب - جنوب، وتطور حقوق الإنسان" وقد حضر هذا المؤتمر أكثر من 300 شخصية سياسية ودبلوماسية من أكثر من ثمانين دولة معظمها من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكان هدف هذا المؤتمر هو محاولة وضع حلول للمشاكل التي تواجه هذا الملف المهمّ. وقد عبّرت معظم الكلمات

والمداخلات التي ألقيت في هذا المؤتمر عن استياء معظم دول العالم من وضع حقوق الإنسان في العالم، وخاصة من وضع الانتهاكات التي تعاني منها حقوق الإنسان، واستغلال هذه الانتهاكات من قبل الدول الغربية لتحقيق مآربها والتدخل في شؤون الدول الداخلية. وقد خلُص المؤتمر إلى استنتاجات مهمة جداً قد تشكّل مؤشراً للتعامل مع هذا الملف الهامّ في المستقبل؛ فبعد المداولات والحوارات والكلمات في هذا المؤتمر توصّل المجتمعون إلى أنّ حقيقة الأمر هو أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي وضع في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، قد وُضع في لحظة تاريخية كانت معظم دول الجنوب إما مازالت ترزح تحت الاحتلال الاستعماري الذي أنهك الشعوب نهباً وقمعاً وحشياً وإما أنها خرجت للتوّ من تحت نير الاحتلال الغربي العنصري، وذلك يعني أنها لم تكن قادرة على أن تساهم في أن يكون لها دور رئيسي في وضع هذه الشرعة، حتى وإن كانت موجودة بشكل إسمي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي الذي وضع هذه الشرعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 هم بشكل أساسي الدول الغربية. ليس هذا فقط، ولكنّ الدول الغربية، منذ ذلك التاريخ وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، قد نصّبت نفسها مسؤولة ليس فقط عن مفهوم حقوق الإنسان، وإنما عن آلية وكيفية تنفيذ هذا المفهوم في معظم دول العالم. وإلى حدّ الآن فإن الدول الغربية هي التي تقرّر أين يُساء إلى حقوق الإنسان، ومن هي الدول التي تلتزم بحقوق الإنسان، حتى وإن كان هذا القرار يجافي الواقع إلى حدّ بعيد. وإذا ما قررت هذه الدول الغربية أن تتجاهل انتهاكاتٍ و إساءاتٍ الدول "الصديقة" أي التابعة لها إلى حقوق الإنسان، فإنه لا يجرؤ أحد من السياسيين والإعلاميين على انتقاد أو ذكر هذه الإساءات والانتهاكات، وإذا تجرّأ أحد على فعل ذلك فسوف ينال نصيبه من العقاب من هذه الدول الغربية، وأكبر مثال على ذلك هو الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة لحقوق الإنسان الفلسطيني في فلسطين المحتلة ولحقوق الإنسان في الجولان العربي السوري المحتلّ؛ إذ إن هذه الانتهاكات تحاول أن تطمس هوية المكان والشعب، وأن تستبدل هذه الهوية بالهوية التي ينسجها الكيان الصهيوني على هواه ليثبت زوراً وبهتاناً يهودية هذه المنطقة، وليحرم السكان الأصليين من حقهم التاريخي في هذه الأرض، ويرافق هذا العمل الذي يقوم به الكيان الصهيوني اقتلاع الأشجار، وتدمير البيوت، وتهجير السكان، وتدمير المساجد والكنائس، وطرد السكان الأصليين، وحرمانهم من حقوقهم المدنية ومن التعليم ومن لعب دور في السياسة، ومن العودة إلى القدس وإلى أماكنهم التاريخية، كما يشمل هذا في الجولان العربي السوري المحتل محاولة تغيير طبيعة الجولان العربي السوري المحتلّ، وتجريف آثاره، وبناء المستوطنات في فلسطين والجولان، واستقدام المستوطنين والمهاجرين ليحلّوا مكان السكان الأصليين. ورغم أن هذه الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان مستمرة منذ عقود، فإنّ أحداً في الغرب لا يدين هذه الانتهاكات، ومن يجرؤ على إدانة هذه الانتهاكات وتأييد حقّ الشعب الفلسطيني في أرضه والسوري في جولانه، فإنهم يتعرضون إلى عقوبات صارمة من مجموعة الدول الغربية. والمثال الأخطر الذي قامت به الدول الغربية بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي هو تقسيم يوغسلافيا بعد إشعال نار الفتنة بين سكانها والتهيئة لارتكاب مجازر، الأمر الذي وفّر للولايات المتحدة صيغة جاهزة للتدخل لاحقاً في شؤون العراق وأكرانيا وليبيا وسورية خارج نطاف الأمم المتحدة والشرعية الدولية.

اليوم الولايات المتحدة وبحجة دعم حقوق الإنسان تثير الفتنة في في العراق وليبيا وفنزويلا وبوليفيا ولبنان وسورية أو حتى في الصين مؤخراً حيث أصدرت قرارين لدعم المتمردين في هونغ كونغ، وما يسمونه دعم المسلمين في مقاطعة شينجيانغ، الأمر الذي يقصد منه التدخل في شؤون الصين الداخلية ومحاولة تفتيتها كي لا تصبح القوة الأولى في العالم. وكذلك تدخل الولايات المتحدة بحجة دعم الأكراد في شمال العراق وشمال شرق سورية؛ إذ وضعت أيديها على النفط السوري وتدخلت في شؤون البلد في محاولة منها لتقسيم البلاد، كما قام الناتو بقصف ليبيا خارج إطار الشرعية الدولية، والأمم المتحدة.

إذاً، بهذا المعنى، فإنّ الغرب ما زال يستخدم مفهوم "حقوق الإنسان" كأداة من أدوات التدخل في شؤون الدول المناهضة لسياسات النهب الاستعماري بهدف إضعافها والسيطرة على مواردها، أو احتلال موقع جغرافي، أو لنهب النفط، أو لحرمان السكان الأصليين من حقهم في إدارة البلاد كما حدث مؤخراً في بوليفيا وفنزويلا.

إذاً المرحلة التي يواجهها العالم اليوم هي مرحلة خطيرة ناجمة عن استفراد القطب الواحد بتعريف وتطبيق الشرعية الدولية، وتعريف وتطبيق حقوق الإنسان في جميع بلاد العالم. ولا شكّ أن روسيا والصين تحاولان جاهدتين إعادة تشكيل قطبين أساسيين يحدّان من هيمنة القطب الواحد. وكلّما قامت روسيا والصين بخطوة حقيقية في هذا الاتجاه، كلما كالت إليهما الولايات المتحدة العقوبات في محاولة منع تقدمهما في هذا المسار، ذلك لأن تقدّم روسيا والصين سواء في التعامل بالعملة المحلية في التجارة وعدم استخدام الدولار، أو في دعم الدول الأخرى، فهذا من ِشأنه تهديد هيمنة القطب الواحد والمحاولة الجادّة للانتقال إلى عالم متعدّد الأقطاب.

الانطباع الذي خلصتُ إليه من خلال جلسات المؤتمر والاستماع إلى النقاشات والحوارات، هو أنني وجدت أنّ الضمير الوطني في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا قد ضاق ذرعاً بالفعل بهيمنة الولايات المتحدة وعبثها ببلدان العالم، وعدم احترامها للدول المستقلة، ولسيادة هذه الدول، ولحضارة وحرية هذه الحكومات في إدارة شؤون بلدانها، وكأنّ الغرب يضع نفسه حكماً على البشرية جمعاء بأسلوب لا يخلو من النظرة العنصرية إلى الآخرين، وأنّ شعوب العالم تتطلّع إلى قيادة مختلفة للعالم تلبّي طموحاتهم، وتحترم سيادتهم واستقلالهم وتعترف بمشاركتهم وندّيتهم ومشاركتهم في بناء هذا الكوكب.

وقد كانت الصين في هذا المؤتمر متفهّمة لكلّ هذه الطموحات، وكانت هي ذاتها تسعى لخلق صيغة مشتركة تحترم فعلاً حقوق الإنسان، وتمثّل ضمير الإنسانية بما يرضي شعوب الأرض وبما يحافظ على إنسانية متساوية للجميع، وعلى سيادة واستقلال جميع الدول، غنيها وفقيرها، صغيرها وكبيرها. هذا يعني وضع حدّ للهيمنة الغربية على هذه الدول، ووضع حدّ لاستباحة هذه الدول والتدخّل في شؤونها الداخلية بذرائع وحجج مختلفة. وفي كلّ هذا كان الإعلام الغربي عاملاً مساعداً لسياسة هذه الحكومات ومروّجاً لهذه السياسات بحيثُ يذرّ الرماد في العيون لكي يشعر العالم أن ما يقوم به ينطلق من احترامه للدول ولحقوق الإنسان وهذا بعيد عن الواقع كلّ البعد والانتهاكات الأمريكية في أبو غريب وبقية المعتقلات التابعة لمخابراتها شاهد على ذلك. في الواقع لقد سقطت وإلى الأبد نظرية الإعلام الحرّ في الغرب؛ إذا لا يوجد إعلام حرّ في الغرب بل إنّ الإعلام الغربي قبيل وخلال وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي قد لعب دوراً هاماً في دعم الدور الذي تقوم به حكومة الولايات المتحدة في التدخل بشؤون الدول.

لذلك فإنّ المؤتمر الذي عُقد في الصين بزعامة صينية هو مؤتمر هام للغاية إذ يشكّل هذا المؤتمر بداية تشكّل جذوة حقيقية لضمير عالمي يرفض الأحادية القطبية والهيمنة الغربية، ويسعى لخلق شكل من التشاركية والندية والاحترام بين الدول. وقد خلُص المؤتمر إلى أن هذا الحوار الهام بين دول الجنوب حول تطور حقوق الإنسان مرشّح أن يعقد في دورته القادمة بحضور دول من الشمال لمناقشة شرعة حقوق الإنسان والانتهاكات التي تُرتكب باسم هذه الشرعة، ولإيجاد البدائل العالمية الحقيقية للحفاظ على حقوق الإنسان وللوقوف صفاً واحداً ضدّ انتهاكات حقوق الإنسان. فإذا كانت غلوبال ريسيرتش في مقالها الهام والأخير وهي محقة في ذلك، قد قالت أن عام 1991 هو علامة فاصلة للغرب، وكان منبّئاً بكلّ ما جرى من بعده؛ ذلك لأنّ أحداث يوغسلافيا في عام 1991 وتصرّف الغرب في هذه الأحداث قد شكل سابقة استخدمها الغرب فيما بعد في العراق وليبيا وسورية، وهذا أمر سليم تماماً وصحيح ومطابق للواقع. أعتقد اليوم أن الاجتماع في بكين في 11-12 كانون الأول 2019 هو الخطوة الأولى باتجاه نقاش دولي هام وجدّي حول حقوق الإنسان، وانتهاكات حقوق الإنسان، وسوف يشكّل الخطوة الأولى في السعي من أجل إيجاد صيغة أخرى لحقوق الإنسان تحترم فعلاً هذه الحقوق في كلّ دول العالم، ولا تسمح بانتهاكات لها من قبل حليف أو صديق، كما يفعل الغرب، ولا تستخدم حقوق الإنسان ذريعة للتدخل في شؤون الدول، أو لنهب مواردها الطبيعية، أو للسيطرة على منطقة جغرافية، أو لارتكاب أسوأ المجازر بحقّ هذه الشعوب. فكما كان عام 1991 مؤذناً بقطب واحد يهيمن على دول العالم ويتصرّف كما يشاء بسكان هذا الكوكب، فإن صعود الصين اليوم واهتمامها بالملفات الدولية بالإضافة إلى تقدمها الاقتصادي والتقني في العالم سوف يشكّل عتبة أساسية للتشاركية في العالم ولتعدد القطبية في العالم. رغم أن الولايات المتحدة تصدر عقوبات إثر عقوبات لكلّ الدول التي لا تؤيد مسارها، فإنّ هذه العقوبات بذاتها تمثّل انتهاكاً صارخاً لحقوق الملايين من الشعوب في الحياة الحرّة الكريمة. لقد كان جميع المشاركين متفقون على أنّ هذا الأسلوب لا مستقبل له، بل هو مرفوض من الضمير العالمي ومن قبل معظم دول العالم، وما يتحدث به ضمير الناس اليوم بصدق وشفافية لا بدّ وأن يشكّل واقعاً في عالم الغد، ولهذا أتوقع أن تتوالى الجهود واللقاءات والمناقشات مترافقة مع الخطوات الاقتصادية والسياسية الجبارة التي تقوم بها الصين وروسيا والهند وإيران وفنزويلا وبوليفيا وبالطبع سورية في مواجهة هيمنة القطب الواحد.

ونحن نودّع عام 2019 نرى بشائر تجمع عالمي لكسر هيمنة القطب الواحد ولولادة عالم متعدد الأقطاب يسود فيه الاحترام المتبادل والندّية للدول والشعوب، وتنتفي به محاولات الهيمنة على موارد الشعوب وعلى بلدانها والتدخل في شؤونها. قد لا يحدث هذا الأمر غداً ولكنّ طريق الألف ميل تبدأ بخطوة، ولا شكّ أنّ هذه الخطوة قد بدأت في بكين في 11 -12 كانون الأول 2019
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالثلاثاء 31 ديسمبر 2019, 6:50 pm

درهم مال يحتاج قنطار عقل
 د. بثينة شعبان

هذا ما كانت والدتي المرحومة تردّده حين ترى أناساً في قريتنا الصغيرة يسرفون أموالهم في غير موضعها أو لا يحسنون استخدام ما وهبهم الله من أرزاق أو من مال. ولم أكن أعلم وأنا طفلة صغيرة ماذا تعني هذه العبارة، ولكني وبعد أن كبرت وخبرت الحياة جيداً وجدت نفسي أتفق تماماً مع عمق وصحة هذا المثل. ولا أعلم لماذا احتلّ هذا المثل جزءاً من تفكيري ورفض أن يغادرني وأنا أراقب هتلر القرن الواحد والعشرين أردوغان يستخدم كلّ ما أوتي من قوة الأكاذيب والتمثيل والنفاق لينقضّ على ليبيا ومواردها النفطية بعد أن تقاسم الفرنسيون والإيطاليون أيضاً الجزء الأكبر من هذه الثروة التي يسلبونها من الشعب الليبي بعد أن سلبوه أمنه وحريته واستقلاله وحقه في حياة عزيزة كريمة.

ليبيا التي تمتلك أجمل الشواطئ على البحر المتوسط وأجمل الآثار التاريخية وثروة نفطية هامة جداً، تتسابق الدول لنهبها وتسخيرها لبناء بلدانهم وإيداع الشعب الليبي في غياهب الجهل والفقر، ليبيا تذكرنا بنهب ثروات الخليج بكلّ دوله حيث يحصد ترامب آلاف مليارات الدولارات من نفط وثروات دول الخليج كما أنه يكمل المهمة التي بدأها أسلافه بنهب نفط العراق والذي يعتبر أكبر احتياطي للنفط والأكثر استدامة أيضاً للسنوات المقبلة. ولا يستطيع المرء إلا أن يجري مقارنة بين الثروات التي منحها الله لهذ البلدان العربية وبين الحال الذي نجد هذه البلدان عليه؛ ففي الوقت الذي تستخدم هذه الثروات لبناء وازدهار بلدان استعمارية غنية تبقى الأرض وشعوبها التي تحتوي على هذه الثروات فقيرة ويبقى شعبها مفتقداً للأمن والأمان والازدهار ومواكبة التقدم العلمي والتقني الذي يشهده العالم. فما هو السبب في هذه المعضلة التي تشكّل أمراً محيّراً ليس في تاريخ هذه البلدان التي أسميناها وإنما في معظم بلدان أفريقيا وعدد من دول آسيا وأميركا اللاتينية؟ بحيث يصبح السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل المهم امتلاك الثروة أم الأهم هو القدرة على التحكم بهذه الثروة والتصرف بها؟ وماهي الشروط والقواعد التي تضمن استخدام هذه الثروات لمصلحة البلاد والعباد؟ وإذا عدنا إلى المثل البسيط الذي بدأنا منه بأن درهم مال يحتاج إلى قنطار عقل نستنبط من هذا المثل بأن مثل هذه الثروات الهائلة التي تمتلكها دول الخليج والعراق وليبيا من النفط والغاز تحتاج إلى عمل فكري مضنٍ كي يتم ضمان حسن استخدامها وفي الوقت والطريقة المناسبين لما فيه مصلحة الأوطان ومصلحة الشعوب. إنه لأمرٌ مفجع بالفعل أن نرى هذه الدول العربية والتي تمتلك كل هذه الثروات لا تحتل وزناً أبداً على الساحتين الإقليمية والعالمية، بل على العكس من ذلك فإن العثماني الجديد الذي أرسل آلاف الإرهابيين والتكفيريين من أرضه لتدمير سورية وتسبّب في نزوح ملايين اللاجئين الذين يتاجر اليوم بهم مع أوروبا ويبتزها باسمهم نراه اليوم يسنّ أسنانه للانقضاض على ليبيا لإدخالها في حرب أهلية وفوضى سرمدية تسمح له وللطامعين أمثاله بنهب ثروات ليبيا الكبيرة والكثيرة واستخدامها لحلّ مشاكلهم الاقتصادية ولخلق الازدهار في بلدانهم، بينما يضمنون استمرار استعار الحرب في هذا البلد كي لا يتمكن أبداً من خلق نظام حكم قادر على الإمساك بزمام الأمور وإحلال السلام والأمان والالتفات إلى خلق تنمية حقيقية للشعب وضمان أن يكون هذا الشعب هو سيد الموقف وهو المؤتمن الوحيد على التصرف بهذه الثروات لما فيه مصلحته هو، ومصلحة أبنائه وأحفاده.

المعادلة اليوم في العالم العربي تُري الاستهانة بالعرب جميعاً وخلق الفتن والحروب لهم والتنكيل بهم بكل الطرائق الممكنة كي لا تقوم لهم قائمة وكي لا يتمكنوا أبداً من التوصل إلى مرحلة الإمساك بمقدراتهم واستخدامها لما فيه خيرهم وخير شعوبهم. والأكثر من هذا أننا نشهد اليوم تحالفات وتجاذبات تزيد من قواعد الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة بعد أن بدأوها بالتعاون مع المعتدي للانقضاض على العراق ومن ثم التعاون مع الإرهاب والذي هو أداة العثمانيين الجديدة للانقضاض على سورية وتدمير مؤسساتها وبناها التحتية، واليوم يحاول العثماني الجديد الانقضاض على ليبيا ويحاول أن يستجمع معه بعضاً من العرب الآخرين كي تصبح تونس ومصر والجزائر مكشوفة له بعد أن احتلّ أجزاء من سورية والعراق ويحاول بالفعل أن يستبيح بلداننا العربية لإعادة تشكيل سلطنة عثمانية جديدة تنهب ثرواتنا وتقتل أبناءنا تماماً كما فعلوا في تاريخ غير بعيد، وللأسف وفي كلّ هذه المحاولات هناك طابور خامس في بلداننا وعلى مستويات مختلفة يتعاون مع الخصوم والأعداء الذين يستهدفون بلداننا وشعوبنا.

      ويأتي كلّ هذا في مرحلة يمر بها العالم برمته بمخاض جديد وبحسابات جديدة وآفاق جديدة وآمال جديدة تنهي النظام الذي أنتجته الحرب العالمية الثانية وترسي أسساً لنظام عالمي جديد لا نعلم بعد ما إذا كان سيكون أكثر عدلاً أم أكثر إجحافاً. هذه هي النقطة المهمة هنا: أين سيتموضع العرب في هذا النظام العالمي الجديد؟ وهل يدركون فعلاً مجتمعين أو متفرقين حجم التحديات التي تواجههم في هذه المرحلة والتي تؤسس لمستقبل بلدانهم وعلاقاتهم وأجيالهم؟ إن التحديات التي يواجهها العرب جميعاً كبيرة جداً وحقيقية، تبدأ من الانقسامات التي خُلقت لهم، والحروب التي يخوضونها ضد بعضهم والتي ساهمت في إضعافهم وأثارت طمع الأعداء والمتربصين بهم. وفي هذا الصدد يجب ألا نفصل أبداً بين صفقة القرن وموقف الولايات المتحدة الظالم من القدس والجولان واعترافها بالكيان الظالم الصهيوني والذي يناقض حق الشعب الفلسطيني في أرضه. يجب ألا نفصل بين كلّ هذا وبين تجرّؤ ترامب على ثروات دول الخليج وحتى على النفط السوري، وبين انفلات أردوغان من عقاله وترتيبه صفقات سرية مع الناتو ومع أعداء العرب لاستكمال العبث بموارد هذه الأمة ومستقبل أوطانها. لا يصدّق عاقل أبداً أن أردوغان قادر على أن يرسل مئات الآلاف من الإرهابيين إلى سورية دون موافقة أسياده وأعوانه وأنه قادر أن يحتل جزءاً من هذه البلاد دون التعاون الحقيقي والوثيق مع الإرهابيين ومشغليهم. والأمر ذاته ينطبق على موقفه من ليبيا اليوم وعلى محاولاته عقد صفقات كي يصبح دخوله إلى ليبيا عاملاً أساسياً في صياغة سياسة ومستقبل الإقليم ولهذا فهو يحاول التوجه إلى تونس والجزائر لزيادة الفرقة طبعاً بين هذه الدول من جهة وبين مصر والسعودية والإمارات من جهة أخرى؛ الأمر الذي سيترك آثاره العميقة على مستقبل العلاقات العربية العربية وعلى قدرة أي دولة عربية التعاضد والتعاون مع الدول العربية الأخرى لما فيه خيرها جميعاً. أوليس هذا هو بالذات ما عملت الصهيونية على إرسائه في بلداننا العربية ألا وهو منع أي تقارب أو تعاون بين أي بلدين عربيين مهما كلف ذلك من ثمن؟ لأنّ أي تعاضد أو تضامن بين أي بلدين عربيين قد يوضح للآخرين الآثار العظيمة لهذا التعاضد وقد يسبب عدوى بتضامن عربي أكبر وأشمل، وهذا ما تعتبره الصهيونية قاتلاً لها ولأحلامها في التوسع في هذه المنطقة على حساب العرب جميعاً. السؤال هو: ماهي التفاهمات العميقة بين العثماني الجديد وبين هؤلاء الذين عملوا على مدى عقود لدبّ الفرقة والانقسام بين العرب واليوم يعملون على تفتيت البلدان العربية من الداخل؟ وهل يحاول أردوغان الانتقام للتحالف الذي أجراه العرب مع القوى الغربية في الحرب العالمية الأولى للتخلص من السلطنة العثمانية ويودّ أن يقلب الطاولة بعد قرن من الزمن تماماً، ليتماهى مع الغرب ومصالحه في المنطقة ويشنّ حرباً ناعمة وخشنة على أي بلد عربي يتمكن من شن حرب عليه ونهب ثرواته واستخدامه كسوق لبضائعه؟ وهل سيترتب على ما يقوم به أردوغان اليوم قرناً آخر من المعاناة العربية ضد القوى التي تستهدفهم والتي تتشكّل اليوم من عثمانية جديدة وغربية وصهيونية طامعة في ثروات العرب ومصممة على الردّ على ما قام به العرب منذ قرن ضد السلطنة العثمانية والذين غدرت بهم القوى الغربية ليواجهوا اليوم تحديات أخطر مما واجهوه في كل تاريخهم تبدأ بنهب ثرواتهم لتسرع الخطى بنهب هذه الثروات ذاتها للسيطرة عليهم وحرمانهم من أي أمن أو أمان أو نفوذ إقليمي أو دولي؟ فهل يستيقظ العرب لهذا التحدي الخطير قبل فوات الأوان وهل يُعملون العقول والحكمة بدلاً من الانسياق وراء من يستهدفهم في العمق ولعقود وربما لقرون قادمة؟ وهل سيكونون قادرين على استبدال العثمانية القديمة الجديدة والهيمنة الامبريالية الغربية والصهيونية بالتوجه شرقاً وخلق شراكات على أسس الندية والاحترام المتبادلين مع الصين وروسيا وإيران الذين يشكلون قطباً بديلاً للأقطاب التي عاثت بالعرب وثرواتهم فساداً وظلماً واستيطاناً ونهباً؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالأربعاء 05 فبراير 2020, 6:36 pm

بعيداً عن السياسة 
د. بثينة شعبان

جلست أمام التلفاز مستجمعةً كلّ قواي وذاكرتي عن الماضي والحاضر ومحاولة أن أستوعب بعمق ما أراه وما أسمعه أيضاً رغم كلّ ما يعترضني في الوقت ذاته من مشاعر الحزن والقلق على شعب حمل مفاتيح دياره في صدره لعقود ماضية رافضاً أن يتخلّى عن أرضه وتاريخه وحقوقه في العودة وبناء دولته.

جلست أمام التلفاز وكأنّي أراقب مسرحية استعدّ أشخاصها لسهرة مسلّية حيث يشعر الجميع بالنشوة والانتصار مع حرصهم على إيصال هذه المشاعر إلى الآخرين وإثارة جوّ من الفرح والإنجاز التاريخي وكأنّ الجميع مستعدّون جمهوراً وممثلين حيث كان التصفيق وقوفاً مستمرّاً طيلة فترة العرض، وكان الشريك الأساسي مبتسماً ومصفّقاً ويكاد يكون غير مصدّق للحدث الذي هو جزء منه. كان استعراضاً للقوة على حساب ضعف وتشتت واستهانة بكلّ التاريخ والقرارات والشرعة الدولية والحقوق والمنطق. لقد كان ترامب يعبّر عن اننا نحن في هذه القاعة أناس أقوياء وأخذ يذكر بعض الأسماء التي عملت على هذه الصفقة والتي بذلت جهوداً حثيثة لإيصالها إلى هذه النقطة الهامة والتاريخ الهام من وجهة نظره، ولم يغفل أبداً أن يذكِّر شريكه نتنياهو بالقرارات الجريئة التي اتخذها لصالحه وصالح كيانه، وأهمها انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، واغتياله للقائد قاسم سليماني، وفي كلتا الحالتين أمسك بيدي شريكه نتنياهو، ووقف الحضور مصفّقين لحجم الإنجازين. للزيادة في تسلية الحضور طمأنهم ترامب أنّ التردّد الذي كان يعاني منه الرؤساء الآخرون لا مبرّر له على الإطلاق،  وقد اكتشف ذلك بغاية البساطة؛ إذ أنه اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولم يحدث شيء، واعترف بضمّ إسرائيل للجولان، وبشرعية المستوطنات الإسرائيلية ولم يحدث شيء، واكتشف أنّ كلّ ما كان يسمّى بالضغوط التي تمارس على رؤساء الولايات المتحدة لا قيمة لها، وأنه ببساطة اتخذ قراره وأخبر كلّ من حاول الاتصال به أنّ الوقت قد فات، وأن لا شيء يمكن تغييره اليوم. ولم يفته أن يذكر ان لديه فريقاً من الخبراء الذين سيضعون خريطة طريق لتنفيذ كلّ ما تمّ التوصل إليه من قرارات، وأنّ هؤلاء سيضعون المهل الزمنية مع برامج استثمارية مطمئناً صديقه نتنياهو أنّ "جيرانه" سيبدؤون الاستثمار بمشاريعه القادمة بمليارات الدولارات، خاصة وأنّه أكّد وأعاد التأكيد أنّ إسرائيل ستكون واحة للديمقراطية والازدهار.

كان هناك سيناريو آخر يمرّ شريطه في ذاكرتي وأنا أشاهد لغة الجسد السعيدة لكلّ الحاضرين، والتي لا تقيم وزناً لكلّ من عداهم خارج قاعة الاحتفال هذه، كان شريط الرفض اللفظي لكلّ ما يعتري هذه الأمة والشعب، والذي استمرّ على مدى عقود دون أن يتحوّلَ إلى خطة أو رؤية أو آلية عمل حقيقية توضع متطلباتها وترسم مراحلها ويبدأ المسؤولون عنها بالتنفيذ. كان شريط الانقسام والتبعثر والتشتّت بحيث نشهد فصائل ومنظمات وإدارات مختلفة ومتناقضة أحياناً مع أنّ الهدف الأساس والمعلن هو تحرير الأرض، واستعادة المقدّسات والحفاظ على القدس وضمان حقّ العودة. في هذا الشريط الثاني الذي كان يسري بالتوازي مع ما أراه وأسمعه وما يثير بي من حزن على هذه الأمة، والاستخفاف الشديد بحقوقها ومواقفها وطموحات شعبها، كنت أرى وأسمع خطباً طنّانة موجّهة للإعلام وللناس كي تشكّل مخدّراً ما أو تساهم في خلق وهم ما أنّ الأمور بخير فقط لنستيقظ في اليوم التالي ونعلم أنّ "كلام الليل يمحوه النهار" وأنّ كلّ ما قيل وكلّ ما تمّ الادعاء به يفتقر إلى الصّدق في القول والعمل، ويفتقر إلى وحدة الكلمة ووحدة الموقف، ووحدة الصّف والقناعة والإيمان، والتي هي شروط أساسية ولا بدّ منها لإنجاح أيّ جهد هادف بهذا الحجم وبهذه المهمّة الصّعبة. لقد أمضى الكثيرون عقوداً وهم يلعنون الظلام، وفي الوقت ذاته يشهدون على ضياع الفرص يوماً بعد يوم، وقضم الأراضي، وتهجير المسلمين والمسيحيين من ديارهم المقدّسة، بينما يعاني الأسرى أشدّ المعاناة في سجون الاحتلال، ويدفع الكثير من المؤمنين بقضيتهم ثمناً باهظاً قد يكون حياتهم، ولكنهم يدفعونه فرادى وليس كمجموعات عمل تخطّط وترى وتتابع، ويبقى العمل والنهج مستمراً مهما ارتقى من القادة كشهداء وجرحى وسجناء. أي أنّ العمل بقي إفرادياً أحياناً، ومزاجياً أحياناً أخرى، ولم يصل إلى مرحلة توحيد الجهود؛ كلّ الجهود الداخلية والعربية والإقليمية والدولية، لمعالجة وضع محقّ لا يمكن أن يتنكّر له صاحب منطق في العالم لو أنه تمّ استخدام الأدوات الكفيلة باحترام واستعادة هذا الحقّ.

عالمان يسيران أمامي وأنا جالسة دون حراك غير قادرة على الخروج من هذا المسار، ومن كلّ التناقضات التي اعترته، وكلّ الأخطاء التي أوصلته إلى هذه المرحلة دون أن يمتلك أحد الشجاعة ليقول دعونا نتوقّف قليلاً، ونسأل السؤال أين أخطأنا وأين أصبنا، وما هي العوامل التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة الصعبة والمعقّدة، بل إنّ الإصرار على قول الكلام الذي لا يوصل إلى أيّ محطّة، وعقد الاجتماعات التي تراكم بياناً تلوَ الآخر منذ عشرات السنين ولا أحد مهتمّ حتى بقراءة البيان أو أرشفته أو العودة إليه، كلّ هذا مستمرّ رغم علمهم علم اليقين أنّه لن يؤدي إلى شيء ولن يغيّر في المعادلة أو على الأرض شيئاً. أنظر في السيناريو الأول وأقول هل ألوم من استثمر في تاريخ من الضعف وعدم الصدق والمراءاة لكي يخدم أهدافه هو ويحقّق له ولمن يقود كلّ الفوائد والقطاف التاريخي معتمدين على أخطاء الآخرين وإصرارهم على عدم المكاشفة وعدم الصدق، أم ألوم من عقد الاتفاقات ومثّل في أحداث أوهم شعبه أنها هامّة لإنصافه وهو يعلم علم اليقين أنها لن تعود إليه بفائدة تذكر؟ هل تلوم الضحية من يستهدفها وهي مدركة أنه يتحيّن كلّ فرصة للانقضاض عليها بشتّى السبل، أم أنه كان عليها أن تعدّ العدّة السليمة والصحيحة والناجعة للدفاع عن نفسها، وحرمان الأعداء من النيل منها. تاريخ من المكابرة والقفز فوق الوقائع وعدم وضع الأولويات في ترتيبها الصحيح، والاعتماد على لغة التخدير وعدم الصدق مع الذات والآخرين يجب أن يتوقف، فقد بلغ السيل الزبا، وأصبح الخطر داهماً وحقيقياً ولا مجال لدفعه إلّا بتبنّي أسلوب مغاير تماماً واجتراح أدوات ترقى إلى حجم المعركة المصيرية، والتي هي واقع اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، والتي على نتائجها يعتمد مستقبل الأرض والأوطان والأجيال إمّا لهم وإمّا عليهم، والقول الفصل هو للعمل الجادّ الصادق والمخلص والهادف فهو دون شكّ الطريق الوحيد إلى النجاة ولا طريق سواه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالأربعاء 26 فبراير 2020, 11:30 pm


فهو الخصم لا الحَكَمُ
د. بثينة شعبان

قد يكون عصرنا الراهن الذي نمرّ فيه اليوم هو الأكثر سطحية وسرعة وفوضى في تداول المعلومة وعدم التدقيق بمنشئها وموجباتها ومنتهاها وقد ساهمت التقنيات الجديدة بهذه السرعة والسطحية إذ كان من المفترض أن وسائل التقانة الحديثة توفر وقتاً في البحث والسعي بحيث نشعر بارتقاء الجودة وغزارة الإنتاج ولكن الذي حدث هو العكس تماماً؛ فكلما ازدادت وسائل توفير الوقت كما يدّعون كلما رأينا الوقت يتبخر بسرعة قياسية وكلما شهدنا تردياً في نوعية المنتج وخاصة في المجالين الفكري والسياسي والأخلاقي. لا شك أنني لا أتحدث هنا عن الصناعة أو الزراعة أو الاقتصاد ولكنني أتحدث عن المشهد السياسي والإعلامي والفكري الذي نعيشه بخصوص مختلف المسائل الإقليمية والدولية؛ إذ ما أن يطلق تصريح ما في مكان ما ولغاية ما إلا وانتشر كالنار في الهشيم بغض النظر عن صدقيته ومصداقيته وعلاقته بالواقع المعاش. وتشكّل الحرب الإرهابية التي تمّ شنها على سورية حالة جديرة بالدراسة واستخلاص العبر للأجيال القادمة في هذا المجال بالذات؛ إذ بدأت كمرحلة من "الربيع العربي" والذي يشكّل أيضاً حالة تاريخية جديرة جداً بالمراجعة وفهم الأسباب والدوافع والطرق التي أنتجت هذه الحالة والتي أوصلت الشعوب إلى عكس المقاصد المعلنة منها. فالحرب على سورية أخذت في البداية أشكال تظاهرات ومطالب بتغيير قوانين ومواد في الدستور وخرجت المظاهرات واستحدثت الفوضى في الشارع ولعب الإعلام الغربي والخليجي تحديداً دوراً أساسياً في إثارة الشغب وتشويه الحقائق واختلاق الصور من مناسبات أخرى وإلصاقها بما أسموه "حراكاً" وتمّ تحريك الجامعة العربية ومجلس الأمن كي تواكب قراراتها الخطوات المرسومة والمنفذة على الأرض وفي مناطق مختلفة من البلاد. وركّز هؤلاء منذ البداية على تشجيع الهجرة عبر تركيا لخلق حالة إنسانية اسمها "اللاجئين"، كما ركز الإرهابيون من إخوان الشياطين المدربين والمسلحين من قبل المخابرات التركية على احتلال المعابر مع تركيا وبذلك فتحوا مئات الكيلومترات من الحدود مع تركيا لتهريب الأسلحة إلى الإرهابيين بحيث أصبحت تركيا المصدر الأساسي لاستقدام السلاح والإرهابيين من كل أنحاء العالم وإيصالهم إلى مختلف المناطق في سورية وتزويدهم بالمال والسلاح والإعلام والدعم السياسي. وقد أكد خبراء أتراك في حينه أن الإرهابيين من منظمات مختلفة لهم مكاتب شبه علنية في إسطنبول وغازي عنتاب وأن الطائرات تقلّهم من كلّ جهات الأرض إلى تركيا ومنها يعبرون إلى كل أنحاء سورية. وطبعاً على المستوى الإعلامي والسياسي كانت تركيا الملاذ الآمن لكلّ من أراد التواطؤ ضد سورية وتغذية عمليات النهب والتخريب والدمار التي نفذها الإرهابيون من الخونة والمرتزقة المتأسلمين ضد السوريين ومعاملهم ومؤسساتهم ومصادر رزقهم وفي كلّ انحاء البلاد. وخلال هذا الزمن ومنذ اللحظة الأولى كان أردوغان هو العقل الإجرامي المدبّر لتفكيك المعامل في حلب ونقلها إلى تركيا ونهب الثروات من الآثار السورية وتجريفها وبيعها للعالم وسرقة النفط السوري واستهداف حلب العاصمة الصناعية لسورية ونهب منشآتها وأيضاً إجبار السوريين على الهجرة قسراً إلى تركيا وخاصة الحرفيين والمهنيين والمهندسين والأطباء لنقل المهن التاريخية التي يتقنها أبناء سورية إلى الأراضي التركية. ولعب أردوغان خلال السنوات الأولى من الحرب دور الذي زار المنزل واطلع على محتوياته وامتلأت نفسه حسداً وغيظاً تحضيراً لسرقته بأي طريقة من الطرق. ومنذ ذلك التاريخ وهدف كل خطواته ومراوغاته وأكاذيبه وتصريحاته هو الطمع المستميت في الأرض السورية والعراقية على وجه الخصوص ودغدغة الحلم العثماني له والذي لم يفارقه أبداً متخذاً من ثنائية العثمنة وتبعية الإخوان المسلمين المذلّة لأطماعه العنصرية حلماً يراوده على مستوى المنطقة والعالم ، ومن هذا المنظور يمكن لنا أن نعيد قراءة كلّ لقاءاته في أستانة وسوتشي وكلّ اتفاقاته التي وقع عليها هو أو ممثلوه على أنها محاولات لإيهام العالم بأنه يؤمن بسيادة الجمهورية العربية السورية على أراضيها وينقضّ ليقضم ما يستطيع قضمه من هذه الأرض بذريعة أو بأخرى ولكن الحقيقة الساكنة في عقله الملوث بالعنصرية التركية هي احتلال الأراضي العربية واستعادة الاحتلال التركي لها. ومنذ اليوم الأول في هذه اللقاءات لم تقبل وفود الجمهورية العربية التعاطي أبداً مع العثمانيين الجدد باعتبارهم قوة احتلال أجنبية على أرضنا، وحاولت روسيا جاهدة دفعه لتطبيق اتفاق سوتشي والذي بموجبه يجب أن يفرّق أردوغان بين الإرهابيين وما أسماه المعارضة المعتدلة ، ويجب فتح الطريقين M4 و M5 وتنفيذ بنود أخرى لتحرير الأراضي السورية من الإرهابيين إلا انه كان يراوغ ويخادع لأن حقيقة الأمر أن هؤلاء الإرهابيين هم أدواته منذ اليوم الأول، وحين تعرضوا للهزيمة النكراء على يد الجيش العربي السوري زجّ أردوغان بقواته ومعداته في المعركة التي هي معركته منذ اليوم الأول ولكن بأدوات وغطاء من الخونة والمرتزقة والأجانب .



الجوهري في الموضوع هو أن مخطط أردوغان لا يتوقف هنا أبداً فهو يتحدث عن إدلب وكأنها ملك له ولإمبراطورتيه ويهدد من يقوم بتحرير إدلب من الإرهاب، ويتناغم معه بومبيو وبعض أعضاء الناتو ولو على مستوى التصريحات. الخطير في الموضوع هو أن أردوغان يخطط لتتريك الوطن العربي برمته وأخونة أوروبا وآسيا ليصبح السلطان على امبراطورية تركية مترامية الأطراف كما كان يطمح هتلر وغيره من الطغاة. ومن هنا يأتي قرار الرئيس الفرنسي ماكرون ألا يسمح أن تكون فرنسا مجالاً لتطبيق القوانين التركية أو الإمامة في الجوامع لمن لا يتقن الفرنسية قراءة صحيحة لخطط أردوغان والذي خصص ميزانيات هائلة لنشر فكر الإخوان المسلمين المعادي للقيم الوطنية والقومية في أوروبا وآسيا، وقد يكون كلام ماكرون هو الصحوة الأوروبية الأولى لخبث مخططات أردوغان وخطرها على المنطقة وأوروبا والعالم. وقد كان تصريح الجولاني النقطة الأخيرة التي أثبتت ودون أدنى شك أن أردوغان والإرهاب طرف واحد وأن الإرهاب هو أداته الأساسية لتحقيق أهدافه التي كانت مستترة والتي أصبحت اليوم واضحة للعيان.

لقد كشفت معارك الجيش العربي السوري وتحرير حلب حقيقة أردوغان للعالم. فمع أن الناتو وبعض دوله يقدمون له بعض الوعود للمساعدة إلا أنه لم يعد قادراً أبداً على لعب أوراق الكذب التي لعبها على مدى سنوات ليحاول كسب روسيا وأميركا وأوروبا وإيهام الجميع بقوته وقدرته على تحريك المشهد. إن أول انتصار لإدلب اليوم وحتى قبل تحريرها من دنس أردوغان وإرهابه هو أنها ساهمت في تعرية حقيقته للعالم وبما أن الكذب كان أحد أدواته الأساسية؛ فإن انكشاف اكاذيبه لكلّ اللاعبين سيساهم بشكل كبير في إضعافه وإسقاطه من المعادلة في المستقبل القريب. لقد عمل على إيهام العالم بأنه السد الذي يمنع تدفق اللاجئين إلى أوروبا واليوم تكتشف أوروبا أنه هو السبب الأساس وراء موجات اللاجئين وأنه يستخدمهم للابتزاز السياسي، وحاول إيهام الولايات المتحدة ودول الناتو بعلاقته الراسخة مع روسيا واليوم يكتشف الناتو أن روسيا كشفت كذبه وادعاءاته ونكوصه عل الاتفاقات الموقعة من قبله، وحاول إيهام روسيا أنه عضو أساسي في الناتو وبأنه مكسب كبير لها وعليها الحفاظ عليه واليوم تكتشف روسيا أن أحداً في الناتو لن يقدم على تقديم الدعم الميداني له بل هم يطلقون التصريحات فقط والتي لا تكلفهم شيئاً سوى الحبر الذي كتبت به، وتصريح المتحدث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان لا يحتاج إلى تعليق حيث قال: “نحن نشهد كيف تقترب روسيا وتركيا من نزاع أكبر حجماً في المنطقة. نأمل في أن يجد البلدان سبيلاً لتفادي ذلك".

لقد حاول أردوغان طيلة هذه السنوات أن يلعب لعبة الحكم والخصم في آن، واليوم يتبين للجميع أنه خصم لدود للجميع وانه ليس حكماً لأحد وهذا يشكل النذر الأكيد بقرب نهاية دور أردوغان وإراحة المنطقة والعالم من مخططاته الشيطانية التي يرسمها له غروره ووهمه بأنه أذكى من الجميع، فقط ليكتشف قريباً أنه سيكون ضحية هذا الغرور بينما يسجل التاريخ حالة أخرى عابرة دفع صاحبها الثمن كلّه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالسبت 07 مارس 2020, 12:49 pm

الصين: أنموذجاً د.بثينة شعبان

تخوض اليوم الصين معركتين كبريين: واحدة في مكافحة فيروس كورونا، والأخرى في مواجهة التشويه الإعلامي المتعمّد والذي يحاول النيل من حضارة الصين وتاريخها وموقفها من المسلمين ومستقبل قوتها واقتصادها. وفي كلتا المعركتين اتبعت الصين نهجاً مبدئياً نبيلاً هدفه مواجهة الحقائق والاعتراف بها من أجل حماية الشعب الصيني ومنع انتشار هذا الفايروس في الدول الأخرى. ولهذا السبب كانت التصريحات الصادرة عن الصين ومنذ البداية شفافة وهادئة وصادقة حتى وإن تم استخدام هذه الشفافية من قبل المغرضين والذين يصطادون في الماء العكر لإلحاق الأذى بالصين واقتصادها ومستقبل أدائها العالمي؛ إذ قد برهنت كلّ خطوة اتخذتها الصين في مكافحة فيروس كورونا أن الهدف الأول والأخير من هذه الإجراءات هو إنقاذ كلّ روح من الممكن إنقاذها وعدم التضحية ولو بنفس واحدة إذا كان العمل الجاد والمتواصل والدقيق قادراً على إنقاذها.


وهكذا فقد حشدت الصين ومنذ اليوم الأول كل مقدراتها من أطباء وطواقم طبية وغذائية وهندسية ووضعت خططاً وإجراءات تستحق التقدير والاحترام والشكر لأنها من خلال هذه الإجراءات حاصرت انتشار هذا الفايروس ليس في الصين فقط وإنما في العالم ايضاً؛ فقد عزلت الصين ومنذ البداية مدينة "ووهان" والتي تأوي أربعة عشر مليون إنسان وأخذت توصل الطعام والخدمات لكل هؤلاء مجاناً مع المراقبة الوقائية الشديدة كما قدّمت الخدمات ذاتها لكل المناطق والناس الذين قررت حجرهم، وفي الوقت ذاته حشدت آلاف الخبرات من المهندسين والتقنيين واختصاصات البناء المختلفة؛ فأنشأت مشفى من 22000 سرير خلال أسبوعين كي لا يقف المرضى أمام حائط مسدود في حال لم تتوفر لهم أماكن الاستشفاء والمراكز الطبية المناسبة، وتبرّع الصينيون من كلّ أنحاء البلاد للقيام بهذا العمل رغم المخاطرة المحتملة بصحتهم وربما بحياتهم. والسؤال الفعلي هو: هل يمكن لنا أن نتخيل أي دولة في العالم قادرة على حشد هذه الطاقات والإمكانات وبهذا الزمن القياسي لمواجهة وباء خطر يهدد صحة جميع الناس وحياتهم وربما بقاءهم؟ وهل يمكن لنا أن نتخيل ولو للحظة اكتشاف هذا الوباء في بلد آخر لا يملك النظام المركزي القادر على التفاعل مع كلّ الناس وفي جميع أنحاء البلاد ومع مليار وأربعمائة مليون شخص؟  وما الذي كان سوف يحدث للبلد ذاته وللبلدان التي كانت على احتكاك معه في فترة حضانة المرض وقبل اكتشافه؟ ومع ذلك فإن وسائل الإعلام المغرضة والأدوات المأجورة بدأت تتحدث عن موقف الصين من المسلمين وأن هذا الوباء عقوبة إلهية؛ وفي هذا المنطق كفر بالقيم الأخلاقية السامية للإسلام كما نص عليها القرآن المجيد، كما أن البعض الآخر بدأ يتحدث عن الأثر الحتمي لهذا الابتلاء على الاقتصاد الصيني وصعوبة أن تعود الصين إلى ما كانت عليه من نسبة النموّ والقدرة على المنافسة من أجل المرتبة الأولى في الاقتصاد العالمي. ولكن الأجدر في الملاحظة والتقدير هي هذه القدرة وهذه الدينامية التي برهن عنها النظام الاجتماعي والسياسي في الصين في أخطر أزمة تتعرض لها البلاد، ومن المفيد هنا استحضار المقولات الغربية والإعلام الغربي منذ عدة سنوات حين كان الشغل الشاغل للإعلام الغربي هو نشر الديمقراطية الغربية والجدل على أن حكم الحزب الواحد لا يمكن أن يكون ديموقراطياً، وأنّ تعدّد الأحزاب والصيغة الغربية للحكم هي الصيغة الوحيدة التي يمكن لها أن تنتج مساراً ديمقراطياً حقيقياً، وكان هذا المنطق من وجهة نظرهم مبرراً لاختلاقهم حروب "الربيع العربي" وتدمير نظم الحكم والحياة في أكثر من بلد عربي ليأتوا بنظم هزيلة فاسدة تتسم بالتعددية والانتخابات وبحكومات طيعة للأجنبي، كما كان المبرر لمحاصرة إيران رغم انها تتمتع بنظام برلماني وانتخابات دستورية وتوجيه النقد المستمر للصين ونظامها، ولكنّ الصين سارت بقناعاتها وأثبتت للعالم أنها قادرة على اجتراح المعجزات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية وأنها في الربع الأخير من الطريق لتتربع على المركز "رقم واحد" في الاقتصاد العالمي. أوليس هذا جديراً بأن يدفع الناس في كلّ أنحاء المعمورة لإعادة النظر جدياً بالمقولات الغربية ونظرياتهم في الحكم الرشيد والحوكمة وما إلى هنالك من مصطلحات اخترعوها لتناسب مصالحهم وليفرضوها على أمم وشعوب وبغض النظر عن مواءمة هذه النظريات مع تاريخ وثقافة وعادات ومعتقدات هذه الشعوب؟ لقد برهنت الصين في خوضها معركة مواجهة هذا الفايروس أن اهتمامها بحياة البشر سواء أكانوا صينيين أم غير صينيين يفوق كل الاعتبارات العرقية والطائفية والسياسية والاقتصادية؛ فوضعت ومنذ اللحظة الأولى الأمور في نصابها الصحيح وصرّحت بما يجب التصريح به لحماية الصين والأجانب وكلّ من له علاقة مباشرة واحتكاك مع الصين، ونبّهت وعملت وطوّرت من برامج المواجهة بشفافية وإمكانات تثير الإعجاب بالفعل ، وانطلقت في كلّ ما قامت به من إيمانها أن الأسرة الإنسانية أسرة واحدة وأن ما يجري في الصين سيؤثر حكماً على الناس في كل مكان والعكس صحيح؛ وهذا هو المفهوم الصحيح والسليم للعولمة ألا وهو أن نرى العالم أسرة إنسانية واحدة في مسيرها ومصيرها لا أن نفرض قيم البعض على البعض الآخر بهدف الهيمنة والاستغلال ونهب الثروات وإخضاع جزء من البشر لإرادة الجزء الآخر بسبب الإيمان بنظريات التفوق العرقي والعنصرية والاستعمار. إن المعركة الصحية والإعلامية التي خاضتها وتخوضها الصين برهنت دون أدنى شك أن النظام السياسي الذي اجترحته الصين هو نظام إنساني بامتياز ونظام شديد الفعالية على المستوى الداخلي والدولي ونظام يؤمن بالتعددية الثقافية والسياسية والحضارية ضمن الوحدة الإنسانية؛ إذ أن العولمة لا تعني أبداً أن تكون البلدان والبشر نسخة مطابقة الواحدة للأخرى بل تعني اننا نؤمن أننا نعيش في عالم متكامل ينتشر فيه الخير والشرّ بسرعة فائقة ليشمل جميع أجزائه ولذلك لابدّ وأن يكون كل فرد وكل بلد في هذا النظام سبّاقاً للعمل من أجل خير البشرية برمتها. وبهذا المعنى فإن المعركة في مكافحة فايروس كورونا تشبه إلى حدّ ما المعركة التي سبقتها في مكافحة الإرهاب؛ ففي الوقت الذي عمل الغرب بالتعاون مع دكتاتور تركيا لاستقدام كل شذاذ الآفاق من الإرهابيين المتأسلمين إلى سورية ليعيثوا بها قتلاً ودماراً من أجل أن يقيم دولة الخلافة العثمانية على أنقاض القومية العربية وقفت روسيا والصين وإيران مع شعب  سورية في معركتهم ضد الإرهاب نتيجة إيمانهم الأكيد ان الإرهاب آفة عالمية خلقتها دوائر استعمارية معادية للبشرية وأنه إن ضرب في سورية اليوم فسوف يضرب غداً في أي بلد في العالم بالضبط كفيروس كورونا مالم يتم التعاون والتكاتف للقضاء عليه وإراحة البشرية من سمومه وآثاره. واليوم يواجه العالم برمته خطر فايروس كورونا ولا شك أن الطريقة المثلى لمكافحة هذا الوباء هي بالتعاضد والتعاون والاستفادة من خبرات من سبق في هذا المجال وتسخيرها في أي مكان لتحقيق الهدف ذاته ألا وهو تخليص البشرية من خطر هذين الوباءين الإرهاب التركي وكورونا.

صحيح أن المعركة التي خاضتها الصين معركة صحية وإعلامية أساساً ولكنّ نتائجها السياسية يجب ألّا يستهان بها أبدأ لأن ما قامت به الصين من عمل جبّار يدل على أنها تتمتع بنظام فعّال لإدارة الأزمات والذي يجب أن يكون حافزاً للآخرين كي يفكروا بعوامل القوة والحصانة التي يمتلكها أي بلد وماهي المقومات التي تمكنه من الصمود في وجه أزمة خطيرة كأزمة كورونا أو الإرهاب المدعوم سياسياً وتمويلياً وتسليحاً من قوى الظلام والطغاة في العالم. ما يحاول الغرب فعله هو التهويل من النتائج الاقتصادية التي سوف تعاني منها الصين نتيجة توقف الحركة بها خلال هذه الفترة ولكن الشعب الذي تمكن من بناء دولة ونظم سياسية وإدارية واقتصادية عملاقة خلال خمسين عاماً قادر حكماً على الاستئناف والتعويض عن فترة الطوارئ هذه. ونحن هنا لم نرغب بالخوض بأسباب هذا الوباء وما إذا كان طبيعياً أم مخبرياً رغم أن العلماء في الصين قد تأكدوا من أن الطعام ليس السبب في ظهور هذا الوباء، لأنّ هذه مسالة أخلاقية وإنسانية كبرى ولابدّ للخوض فيها من التأكد بعد حين من المسببات والاهداف والأطراف التي عملت وهذا يحتاج إلى وقت وعمل للتحقق منه، ولكنّ الثابت في الموضوع هو أننا نحتاج إلى إيمان أكيد بتعددية حضارية وثقافية وسياسية تلغي الاستئثار بالصيغة الوحيدة في الحكم وتعتبر التعدد الثقافي والحضاري عناصر مغنية لوحدة الإنسانية وتطورها وألقها وازدهارها. وللذين يستخدمون اسم الإسلام لتشويه مقاصده النبيلة نذكرهم بقول الله عزّ وجل في كتابه الكريم: " ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم"، وأيضاً: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" وإنما "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم".  إن قيم الصدق والعدالة واحترام الإنسان التي عبّرت عنها الصين في هذه الأزمة تتلاقى في الروح والهدف مع قيم كل الديانات السماوية التي دعت إلى المحبة والتعاون والاحترام، وهذه هي الأسس السليمة لنظام دولي قائم على العدالة والمساواة وسيادة القانون. تجربة الصين في مواجهة ومعالجة كورونا تستحق الدراسة ليس فقط صحياً وإعلامياً وإنما سياسياً واجتماعياً لاستخلاص الدروس السليمة والاستفادة منها في بناء الدول وفي تصويب بنية الأسرة الدولية ومسارها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالأربعاء 15 يوليو 2020, 6:19 am

القضية الفلسطينية إلى العالمية 
د.بثينة شعبان


لا تعلم أتفرح أم تحزن وأنت تشاهد القائد السياسي والإنساني التاريخي الكبير مهاتير محمد يتحدث على قناة الميادين عن القضية الفلسطينية من ضمن القضايا الهامة جداً التي طُرحت عليه. تفكّر في جوابه قبل أن تسمعه منه حين سُئل عن الدول العربية المهرولة للتطبيع مع العدوّ الصهيوني، وتستخدم وقت الترجمة لتقرّر لو كنت في مكانه بماذا كنت سأجيب: أوّل جملة أجاب بها أنّ «ماليزيا لن تفعل هذا أبداً»، قالها وملامح وجهه لا تُخفي الشعور بالخيبة والحزن، وأضاف: «ولكن سياساتهم هي سياساتهم، ونحن لا نستطيع تغييرها ولكن يمكن لنا التحكم بسياساتنا نحن؛ فنحن في ماليزيا لم نُقِم علاقات مع إسرائيل، ولم نقبل التعامل مع أيّ شركة إسرائيلية مع أننا نتعامل مع الشرق والغرب ومع الولايات المتحدة والصين». ثمّ أدلى بآراء جديرة بأن تكون منهاج عمل، ليس للفلسطينيين فقط وإنما للعرب المؤمنين بمقاومة العدوّ الصهيوني وعدم السماح له بالسير قدماً في مخططاته والتي أصبح من الواضح أنها تستهدف منطقتنا العربية برمّتها؛ إذ قال مهاتير محمد: «ما هي المشكلة بين فتح وحماس؛ أوَليستا حركتي تحرّر تهدفان إلى تحرير الفلسطينيين من ربق الاحتلال؟

 

 وجاءت الخطوات المشتركة بين فتح وحماس لتحقق استقراءه وأمنيته أيضاً، وكان من الواضح أنّ أيّ رؤية مشتركة بين الفلسطينيين والعرب تقضّ مضاجع العدوّ الصهيوني أكثر من تطوير أسلحة فتّاكة». والسؤال هو: لماذا تأخذ مثل هذه الخطوة البديهية عقوداً كي تتحقّق، وهل حقاً يحتاج الفلسطينيون إلى عقود كي يتأكدوا من أنّ خطر الاحتلال والاستيطان هو خطر وجودي عليهم جميعاً، بل وعلى أمتهم العربية بكاملها؟ هل يُعقل أن يُغفل العرب أولوياتهم كلّ هذه العقود ويسمحوا للعدوّ أن يبني على فشل آلياتهم وانعدام رؤيتهم المشتركة؟ لقد برهنت أحداث هذا الصراع، وخاصة بعد أوسلو أنّ العدوّ يحصد ثمار افتقار العرب إلى رؤية موّحّدة، وأنّه تمرّس على بثّ الدعاية في صفوفهم، وشقّ هذه الصفوف، وإقناع العالم أنّ السلام مع العرب أصبح حقيقة بينما هو يستمرّ في قتل الفلسطينيين وأسرهم وهدم منازلهم فوق رؤوسهم دون أن يتمكنوا من إيصال معاناتهم صوتاً وصورة إلى ضمائر العالم، التي ولا شكّ سوف تتحرّك لو وصلتها الحقيقة صارخة وقاسية ومجرمة كما يمارسها أعداؤنا ضدّنا وعلى أرضنا. أمّا مقولة أنّ العالم لم يعدّ مهتماً، فهي الدعاية التي يبثّها العدوّ ليل نهار كي يُقنع المؤمنين بقضاياهم ألّا جدوى من هذا الإيمان، ولا فائدة من تضحياتهم التي سوف تذهب سدى دون أن توصلهم إلى أهدافهم المرجوّة. ولكن متى كان المقاومون والمؤمنون بحقوقهم يسترشدون بآراء أعدائهم المغرضة والمحبطة والهادفة دوماً إلى تثبيط عزائمهم؟! ألم تستعد الجزائر منذ أيام رفات مقاتلين أشدّاء نذروا دماءهم كي تحيا الجزائر حرّة مستقلة؟ وها هي الأجيال تكرّم رفاتهم بعد عقود على تحرير الجزائر، بينما يعيش أحفاد الخونة والمتعاملين مع الأعداء الذلّ والعار جيلاً بعد جيل. والسؤال هنا لماذا نضخّم نحن العرب من أهمية حملات التطبيع التي تقوم بها الإمارات والسعودية وأيّ دولة خليجية أخرى؟ ولماذا لا نركّز على استجماع القوى، عربية وغير عربية، لدعم الحقّ الفلسطيني والعربيّ في الأراضي العربية المحتلة، ونشحذ الأدوات المتاحة، كما قال مهاتير محمد، أوّلها التفاهم  والتعاون وفرز الأولويات ووضع الرؤية الاستراتيجية المشتركة التي تتشاطرها دول محور المقاومة، وأيّ دولة عربية أو غير عربية أخرى كي نعلن أنّ القضية الفلسطينية هي قضية ضمير إنساني، وقضية أرض مسروقة وحقوق شعب، وأنّ الجولان العربي السوري جزء لا يتجزّأ من أراضي الجمهورية العربية السورية كما أقرّت ذلك كلّ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وصوّتت عليها الأسرة الدولية برمّتها بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية؟  لماذا لا نلتقط الأدوات المتاحة، ونثمّن أهميتها، ونضع الخطط الواقعية لاستخدامها، ونتحلّى بالصبر، وندرك منذ البداية أنّ صراعنا طويل ومركّب؟ ولكنّه صراع الحقّ مع الباطل، ولذلك لا بدّ أن ننتصر في النهاية. لقد تحدّث مهاتير عن حرب دبلوماسية ممكنة يقوم بها الفلسطينيون والعرب على الساحة الدولية تماماً كما قامت جنوب أفريقيا بحملات عالمية ضدّ حكم التمييز العنصري انتهت بانتهاء هذا الحكم، رغم أنّ الداعمين له في حينه كانت القوى العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية، وكثير من القوى التابعة لهما، ومع ذلك لم يحبط هذا المؤمنين بحقوقهم من المتابعة والعمل على مقاطعة هذا الحكم في المجالات الثقافية والرياضية والعلمية والاقتصادية إلى أن تمّت محاصرته، وانهار في وجه التضامن العالمي مع حركة التحرّر الجنوب أفريقيّة.

واليوم ليس صحيحاً أبداً أنّ الغرب كلّ الغرب يقف ضدّ الحقّ الفلسطيني، فقد نجحت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS)) الفلسطينية في إقناع جامعات غربية بمقاطعة الجامعات الصهيونية، كما أنّ هناك في أوروبا حركة مقاطعة لمنتجات الأراضي المحتلّة التي يصدرها الكيان الغاصب، والانتشار الفلسطيني والعربي اليوم في الولايات المتحدة وأوروبا قادر على مضاعفة هذا التأييد للحقوق العربية في ديارهم، ناهيك عن أمريكا الجنوبية وشرق آسيا حيث مجالات العمل والدعم رحبة والأبواب مفتوحة لذلك. ولكن ما علينا أن نتذكّره هو حجم الإعلام الذي تبثّه الدوائر الصهيونية والتي تملك شركات إعلامية كبرى لإحباط الهمم ولإقناع المقاومين والعاملين في هذا السياق ألّا جدوى من نضالهم، وأنّ الكيان الغاصب قد كسب عقول وقلوب العالم برمّته، الأمر الذي هو من صنع خيالهم ورغباتهم، حتى وإن طبّعت معهم كلّ دول الخليج، فماذا يمثّل الخليج عدداً من هذه الأمة؟ وخاصة حين تفتح القضية الفلسطينية على العالمية، ولا تعتمد فقط على العرب؛ فالقدس هي قبلة المسلمين والمسيحيين من كلّ أنحاء العالم، وفلسطين هي قضية ضمير إنساني تماماً كما كانت فيتنام وجنوب أفريقيا والجزائر، وكما تشكّل حركة المناهضة للعنصرية اليوم في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم بأسره.

وكما أنّ أوّل الغيث قطرة، وأوّل الطريق خطوة، فإنّ الخطوة الأولى والأساس في هذه المعركة الطويلة هي توحيد الرؤى والأهداف أولاً بين أصحاب الشأن، ووضع الأولويات الحاسمة لهذه المعركة، وعدم الاهتمام بتفاصيل اختلافات لا وزن لها في هذه المعركة، بل التركيز على الهدف الأسمى والأهمّ، وعلى المساحة المشتركة والمصيرية، ودراسة الأدوات ونقاط القوة بعناية وعدم التوقّف عند نقاط الضعف، بل تأجيلها إلى ما بعد مراكمة نقاط القوة والبناء عليها إقليمياً وعالمياً ودفن كلّ ما يروّج له الطابور الخامس وأدوات الأعداء وعملائهم، وعدم السماح لهم بتشويش الرؤى أو باختراق الصفوف، وجدولة المعركة موضوعياً وزمنياً، فليس علينا أن نربح المعركة غداً ولكن علينا أن نبقى في سياق النضال والمقاومة والدفاع عن الحقوق وتسليم الراية إذا اضطررنا للأجيال القادمة، دون التخلّي عن ذرّة تراب من أرضنا أو عن أيّ حقّ من حقوقنا التاريخية غير القابلة للتصرّف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالخميس 06 أغسطس 2020, 7:43 pm

الــطـــــرف الــثــالــــــث 
بقلم الدكتورة بثينة شعبان

 ‎كان محقاً قيس الخزعلي حين قال: "لا مشكلة مع المتظاهرين ومع مطالبهم المحقّة ولكنّ المشكلة مع طرف ثالث خفي يستغلُّ معاناة المواطنين ومطالبهم المشروعة ليخلق وضعاً من التشكيك وانعدام الثقة بين الدولة والشعب، وليوجّه عواطف ومشاعر الناس في اتجاهات لا تخدم التخفيف من معاناتهم وتزيد الإرباك وتفاقم الثغرات التي كانت السبب في الصعوبات التي يعانون منها في المقام الأول". والواقع الواضح في معظم بلدان وطننا العربي يؤكّد اليوم أنّ هذا الطرف الثالث موجود بأشكال ودرجات مختلفة، وفي مواقع متباينة في الحكم، أو في مفاصل تستهدف هذا الحكم، ويلبس هذا الطرف لبوساً مختلفاً من مكان إلى آخر، ولديه رواية مختلفة تعتمد على موقعه والأطراف الداخلية أو الخارجية التي يتعاون معها، والأهداف الوطنية التي يدّعي العمل على تحقيقها حتى وإن كانت هذه الأهداف لا تمتّ إلى مصلحة الوطن أو المواطن بصلة. وجود هذا الطرف الثالث اليوم في معظم الأقطار العربية هو العقبة الأكبر التي تقف عائقاً في سبيل وحدة البلد واستقلال قراره، كما يشكّل هذا الطرف النافذة التي تطلّ منها القوى المعادية للبلاد وتعمل على تنفيذ مخططاتها ضدّ مصالح البلاد ولكن تحت شعارات برّاقة ومغرية لا يكشف المواطنون مفاعيلها الحقيقية السامة إلا بعد فوات الأوان.

 

في القراءة الدقيقة لتاريخنا، ومنذ الحرب العالمية الأولى، حين تحالف العرب مع القوى الغربية أملاً منهم في نيل استقلالهم وحصاد ثمار تضحياتهم، نتيقّن أنّ القيادات العربية تعاملت مع من يستهدفها ببساطة أميل إلى السذاجة وقلة الحنكة والإدراك لأبعاد ما يطرح عليهم في اللحظة الراهنة وتفاعلاته المستقبلية. أضف إلى ذلك وجود بعض العناصر الذين يفضّلون الذهب والفضة على مصلحة البلاد، وأطراف أخرى ترى وتدرك ولكنها تسكت عن الحقّ مدفوعة إما باليأس أو عدم المبالاة. ومن هنا فإنّ ما حلّ بأمتنا من احتلال أرض وإرادة ومخططات تمنع تقدّمها وارتقائها بين الأمم لم يكن دائماً نتاج مواهب الأعداء الفذّة أو تمويلهم السخيّ أو أسلحتهم المتطوّرة، ولكن كان في الغالب نتيجة تضافر عوامل داخلية وخارجية لم نعكف حتى اليوم على دراستها دراسة معمّقة واستخلاص العبر والدروس منها، وتقويم أساليب العمل الحالية بما يضمن الاستفادة المثلى من هذه العبر والدروس؛ فكم من حاكم عربي وعلى مدى قرن من الزمن قد اكتشف في آخر سنوات عمره، وبعد فوات الأوان، حجم الخديعة التي تعرّض لها والتسويف الذي صدّقة وآمن به فقط ليصاب بالخذلان في الوقت الذي لم يعد لديه الوقت حتى للتعبير عمّا  أصابه بدقة كي ينير به دروب الأجيال المقبلة. وكم من صاحب قرار آمن إيماناً مطلقاً بما يسوّفه له الأعداء ليكتشف بعد ذلك ألّا صداقة ولا محبة لديهم إلا لإنجاح مخططاتهم التي تهدف إلى خدمة بلدانهم على حساب شعوبنا وبلداننا. والسبب في تفاقم ظاهرة الطرف الثالث اليوم هو الإعلام المتفلّت من عقاله؛ فكلّ صاحب رأي يستطيع أن يطلّ على الآخرين من منصة إعلامية توحي بالأهمية، وتحقق نسبة عالية من التداول، مما يوهم الآخرين بأنها تعبّر عن تيار أو قوى يعتدّ بها، وفي هذا الأمر تشكيك بالمرجعية الوطنية التي لا بدّ وأن تشكّل البوصلة الوحيدة فيما يخصّ مصلحة الأوطان وسلامتها واستقلالية قرارها. أما أن تصبح العمالة والخيانة وجهة نظر، فهذه هي الكارثة التي لا يتمّ التصدي لها بالشكل المطلوب وبالقوة والجرأة والصراحة التي لا تجامل ولا تهاون أبداً لأنّ الإبقاء على قدسية وهيبة القضايا الوطنية ضرورة من ضرورات سلامة البلدان وسلامة التحرّك السياسي والمجتمعي وصيانته من الاختراقات الخطيرة.

في كلّ مجتمع وعبر التاريخ هناك نفوس ضعيفة ترتهن للمعتدي لسبب أو لآخر سواء لإعجابها بهذا المعتدي أو لطمعها أنه في التعاون معه يكمن الخلاص، أو للفائدة المادية والمكتسبات التي يمكن أن تجنيها منه، ولكن هذه الفئة القليلة لم تكن يوماً قادرة على تغيير مجرى التاريخ لولا الأغلبية الصامتة، والتي لا تجهر برأي ولا تدافع عنه، ولا تقف بالمرصاد لتلك الفئة القليلة المعتدية، لا بل كثيرون من الأغلبية يداهنون تلك الفئة لسبب أو لآخر وبهذا يصبحون شركاء في التعطيل والتخريب، ولذلك قال الإمام علي رضي الله عنه: "الساكت عن الحقّ شيطان أخرس"، ولذلك فإنّ الموقف الجريء والكلمة الصادقة هما جهاد في سبيل الحقّ، وثوابهما كثواب المجاهد بماله أو نفسه في سبيل إعلاء كلمة الحقّ.

السؤال هو من أين تكون البداية؟ أهي من المناهج التربوية والعودة إلى التربية العقائدية التي لا تهادن ولا تساوم، أم هي في التركيز على إعادة النبض للأحزاب والمنظمات الشعبية والتخلّص من كلّ الاختراقات المعادية، والتي بثّت الشكوك بالقيم والمبادئ والآليات التي ولا شكّ تمثّل خلاصنا، وتشكّل ركيزة لبناء مستقبل واثق ومزدهر لأجيالنا؟ لا شكّ أنّ جزءاً من الإشكالية يكمن في النظام التربوي في الدول العربية؛ هذا النظام الذي تراجع في العقود الأخيرة ولا تخفى أصابع الطرف الثالث والذي أصبح لا يلبي خططاً طموحة من مراجعات جادّة واستنتاجات لا بدّ منها إذا ما توفرت الإرادة للاستفادة الحقيقية من التاريخ والعمل على تغيير مجراه، وتحويل انكسارات الماضي إلى انتصارات مستقبلية. الصدق والجرأة صفتان أساسيتان لا بدّ من توفرهما في مراجعة الأحداث الخطيرة التي أودت بالجميع إلى هنا، والخجل من الأشخاص يجب أن يتمّ استبداله بالخجل من أجيال الحاضر والمستقبل إذا ما استمرّت المسيرة على هذا النحو. قراءة تاريخنا قراءة موضوعية ومعمّقة تُري أننا لم نواجه ما مرّ بهذه الأمة من أحداث مأساوية بصراحة وصدق، بل حاول الكثيرون تبرير الانتكاسات والانكسارات وأوصلناها للأجيال دروساً غائمة وغامضة لا تساعد أبداً في خلق الشخصية الوطنية الواضحة والعازمة على شقّ الطريق الذي لا يهادن ولا يساوم. لقد برهنت انتصارات المقاومة في حرب 2006 أنّ أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر قد تمّ اختلاقها ونشرها لتثبيط الهمم، وإقناع العرب ألّا حلّ لديهم سوى الاستسلام. وقد برهنت المقاومة أنّ الإيمان بالأرض والحقوق والتضحية هو الذي لا يقهر، وخلقت معادلات جديدة ما زال العدوّ محتاراً في التعامل معها، فكيف لو أنّ بعض الدول العربية وليس كلّها تمتّعوا بمثل هذه الإرادة ومثل هذا الإيمان. أحد الأهداف الأساسية للطرف الثالث هو دبّ الوهن في العزيمة، وإدخال اليأس والإحباط إلى أصحاب الحقوق، والجواب سهل وواضح وهو أن تكون الرؤية واضحة لا مكان فيها لطرف ثالث أو لاختراق أو لمهادنة على سيادة الأوطان وعزّتها، والكلّ مسؤول عن ترسيخ وتعزيز هذه المعادلة كلّ من موقعه وحسب إمكاناته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالخميس 22 أكتوبر 2020, 6:56 pm

تفسير التاريخ د. بثينة شعبان

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام: " إن المحاولات المسيّسة للتفسير التعسفي لتاريخ الحرب العالمية الثانية هي ضربة لأسس النظام العالمي بعد الحرب". وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الرئيس بوتين للخلاف بين روسيا وبين باقي الدول الأوروبية على تفسير مجريات الحرب العالمية الثانية ومن هو الذي لعب دوراً جوهرياً في تحقيق الانتصار على النازية. أي بعد ستين عاماً ونيف على انتهاء الحرب العالمية الثانية لم تتفق القوى التي خاضت هذه الحرب على تفسير مجرياتها؛ فكلٌّ له روايته وكلٌّ له تفسيره، وهذا مثال واحد من التاريخ. والأمثلة لا تحصى من التاريخ وعلى امتداد الجغرافية العالمية؛ فكلنا يقرأ عن صحة أو خطأ روايات رافقتنا منذ الطفولة حول أحداث تاريخية معينة، فقط لنكتشف بعد حين أنها من نسج خيال رواتها وأن لا علاقة لها بالواقع الذي كان معاشاً في حينه. وبعض الشعوب أدركت أهمية هذه المسألة أكثر من غيرها فركزت ليس فقط على خوض الحرب والانتصار فيها وإنما أيضاً على ضمان سرد رواية الحرب بما يضمن دورها وتضحياتها ولا يسمح لروايات الآخرين أن تشكّل أساس الحكاية للأجيال القادمة ؛ فقد تنبهت الولايات المتحدة لأهمية الحكاية منذ قرون فدفنت مع السكان الأصليين قصص بطولاتهم وثوراتهم وتضحياتهم وتنوع ثقافتهم وفنونهم حيث لا يعلم العالم اليوم عنهم إلا النزر اليسير، كما طبقت تجربتها هذه في احتلال العراق فمنعت أي إعلام  غير مرافق للقوات، وحتى المرافق للقوات أُخضعت روايته إلى رقابة عسكرية مشددة بحيث لا يظهر للملأ إلا السرد الذي ترتئيه وتوافق عليه هذه القوات لأن الذين يخوضون الحروب يدركون أنه بغض النظر عمّا يجري على الساحة العسكرية فإن البقاء هو للقصة التي يتمّ تسجيلها عن الحدث، وستصبح القصة بعد حين بديلاً وحيداً عن هذا الحدث ؛ إذ لن يطّلع أحد على حقيقة ما جرى إلا من خلال هذه القصة.

 

قصدتُ من هذه المقدمة الموجزة أن أقدّم تفسيراً موجزاً لما يجري اليوم من سرعة في محاولات التطبيع لبعض دول الخليج وسبقتها دول عربية وستلحقها حكومات دول عربية أخرى ؛ فالضغوط الأمريكية متواصلة على حكومات أصبحت ضعيفة بعد تدمير منظومة التضامن العربي، ويسارع الكيان الغاصب إلى التطبيع الأمني والتطبيع الثقافي والدرامي والسينمائي بين الكيان الإسرائيلي الغاصب وبين الإمارات العربية المتحدة ؛ إذ أن الاتفاقات على الإنتاج السينمائي والتحكيم والتدريب ودمج الكوادر في المؤسسة الصهيونية المختصة قد يبدو للبعض حدثاً عابراً ولكنه يحمل دلالات في غاية الأهمية عن المرحلة القادمة والخطط والتوجهات التي يعدّ أعداؤنا العدّة من خلالها لهذه المرحلة ؛ إذ أن الإنتاج الفني والدرامي والثقافي الذي تنوي المؤسسة الصهيونية التركيز عليه لا يقصد نشر رايات السلام ولا يقصد زرع بذور المحبة بين الصهاينة والإماراتيين فهذا آخر أولوياتهم ، ولكنه يقصد إعادة كتابة تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والاحتلال الأمني والثقافي لبقية بلدان التطبيع، وسرد الحكاية من وجهة النظر الإسرائيلية وبموافقة يعتبرونها "عربية" مع أنها لا تمتّ إلى العروبة بصلة؛ فقد صرّح دوري غولد منذ يومين أن أهمية الاتفاقات مع الدول العربية هي أنها تجعل تحركات وأعمال إسرائيل أسهل في الأمم المتحدة وعلى الساحة الدولية. هذا في الشقّ السياسي أما في الشقّ التاريخي فقد بدأ الكيان اليوم وربما بدأ منذ فترة بإعادة كتابة تاريخ المنطقة بما ينسجم وروايته وقناعته والصورة التي طالما عمل على ترويجها للعالم عن ديمقراطيّته وتخلف وهمجية وإرهاب العرب. اوَليسوا هم الذين بثّوا ما يحلو لهم من الأفكار على الساحة العالمية من خلال هوليود والتي أصبحت مؤسسة ثقافية ضاربة في أنحاء الدنيا تشارك في صياغة العقول والأفكار والثقافات ؟ وقد يقول قائل إنهم ليسوا بحاجة للإماراتيين لفعل ذلك لأن مؤسساتهم الفنية والدرامية والسينمائية في إسرائيل متطورة، نعم هم ليسوا بحاجة إلى هذه المشاركة الفنية ولا يعنيهم أكانت هذه المشاركة صغيرة أم كبيرة، ولكن ما يعنيهم في الأمر شيئان: أولاً مصادقة عربية على أنّ هذه هي الرواية الحقيقية للصراع العربي الإسرائيلي ولتاريخ فلسطين ولما جرى في فلسطين منذ القرن الماضي والذي ولاشك سيُظهر أحقية الصهاينة في الأرض وإنسانيتهم والجور الذي تعرضوا له ويتجاهل الحق الفلسطيني في أرضه ومعاناته من الجرائم والاحتلال الإسرائيلي على مدى عقود، كما أنهم بحاجة إلى المال الخليجي لإنتاج ما يرتؤونه من أعمال ثقافية تخدم الدور المستقبلي الذي يخططون له في هذه المنطقة. وبهذا المعنى فإن الخليج سيشارك عملياً ويدفع ثمن إلغاء الرواية العربية في الصراع العربي الإسرائيلي وتثبيت الرواية الصهيونية في هذا الصراع للأجيال القادمة؛ أي أن المسألة لم تعد أبداً مسألة تطبيع أو مشاركة أو سلام أو بناء علاقات بين شعوب أو دول ولكنّ المسالة اليوم هي تفسير كلّ مجريات القرن الماضي وحتى اليوم من صراع على هذه الأرض ومن تضحيات قدمها الشهداء والأسرى والجرحى العرب، ولأنّ هذا التفسير سيشكّل الحكاية الأساسية التي سترسخ في عقول وضمائر الأجيال القادمة. ويعلم الصهاينة علم اليقين أن الدراما والفيلم اليوم هما أقوى من أي صيغة حاملة للتاريخ لأنهما يدخلان في وجدان المتلقي بسلاسة ويسر ويمكثان هناك رغم إرادته، وإذا ما تنبّه يوماً وأراد التغيير فسيكون الأمر صعباً أو مستحيلاً. وفي هذه الحال فإن اللغة العربية ستُستخدم لترويح الرواية التي يريدها الأعداء وهي رواية إلغائية للعرب، جميع العرب، ولحقوقهم ولمعنى تضحياتهم ولعلاقتهم بأرضهم ولكلّ ما تمّ تقديمه من دماء وتضحيات. ولذلك فإن التطبيع الثقافي مع العدو قد بدأ كما نرى ونسمع العديد من السياسيين والإعلاميين وحتى شيوخ الدين وقد انحازوا تماماً للرواية المعادية وأصبحوا يفترون على تاريخ أمتهم منذ الآن. إن هذا النوع من التطبيع وبأي شكل كان وبأي صيغة كانت هو خيار يتخذه البعض لاغتيال تاريخهم وإلغاء حاضرهم ومستقبلهم سواء أأدركوا ذلك أم لم يكونوا مدركين. ولاشك لديّ على الإطلاق أن الذين يخططون لهذه الأعمال من المؤسسات الصهيونية لا يفرّقون أبداً بين إماراتي وفلسطيني وتونسي وعراقي، وأن مشاركة البعض من دول الخليج أو غيرها تهدف فقط إلى إعطاء المشروعية لأعمالهم بأنها أعمال موثقة ومتوازنة وتقدّم الرواية الموضوعية لمجريات التاريخ والموافق عليها من قبل الطرف الآخر والذي قام أيضاً بتمويلها والمشاركة في صياغتها والترويج لها، ولن تكون مشاركة دول الخليج في صياغة الأعمال الثقافية إلا كمشاركة مسؤوليهم في التوقيع على الاتفاقات؛ فقد كان واضحاً من كتب النصّ ومن قدّمه لهم للتوقيع دون أن تتم قراءته مسبقاً، ولكن وجودهم على المنصة هام فقط من أجل إظهار مشروعية الحدث وليس من أجل إعطاء رأي أو المساهمة في وضع مضمون؛ أي أن السرد سيكون سردهم هم الأعداء الألدّاء للوجود العربي، والرواية ستكون روايتهم. فمن سيقبل هذا التحدي من المؤسسات الثقافية العربية ومن سيموّل هذه المؤسسات لتقوم بكتابة وتفسير التاريخ كما عشناه ونعرفه وكما ضحّى من أجله الآلاف من شبابنا وبذلوا دماءهم كي لا يتم اغتصاب الحقوق في الأرض ومصادرة مستقبل الأوطان؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالثلاثاء 19 يناير 2021, 6:04 am

ثقافة الالتزام د. بثينة شعبان

حين كنا طلاب جامعة في سبعينات القرن الماضي كان المثل الذي ينطبق علينا هو: " قل لي ماذا تقرأ أقول لك من أنت " وكان أول سؤال يسأله الطالب لزميله هو ماهي الكتب التي تقرؤها وكان الجواب كافٍ ليصدر الحكم الفوري ما إذا كان هذا الطالب شيوعياً أم بعثياً أم رجعياً،

وكان الانقسام حاداً بين من يؤمن أن الأدب والفن والمسرح فنون ملتزمة تعبّر عن وجدان وقضايا منتجيها وبين من يؤمن أن الالتزام بالقضايا المحلية والوطنية يحدّ من قيمة العمل الأدبي والفنيّ ويقف حائلاً بينه وبين وصوله إلى العالمية. ولا شك أن الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت والأحزاب الوطنية الناشئة بعد فترات الاستقلال كانت تؤيد الالتزام بالقضايا الوطنية في الأدب والفن ولم ترَ أن هذا الالتزام يضعف من ألق وتميّز العمل الأدبي المقدّم. وبعد أن درسنا في الغرب واطّلعنا على ما تيسر لنا من أدبه وتاريخه وفنونه كما اطلعنا على ما أتيح لنا الاطلاع عليه من ثقافات وكتابات أدباء القارات الأخرى كأميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وجدنا أن المحلية والالتزام قد شكّلا رافعة لمعظم الأدباء والكتاب الذين وصلوا بكتاباتهم إلى العالمية الحقيقية وليس العالمية التي تشير إلى الدول الغربية فقط، واكتشفنا أن التهم التي كانت تُوجَّه لكثير من الكتاب وخاصة النساء منهم بأنهم يرتكزون إلى قصصهم الشخصية أو إلى معارفهم المحلية، أن هذه التهمة تنطبق على كبار الكتاب العالميين من تولستوي إلى تشيخوف وماركيز وبيرسي بيش شيلي وجون ستيوارت ميل وماري ولستون كرافت وغيرهم الكثير. أي أن المحلية والالتزام لم يكونا عائقاً أبداً في الوصول إلى العالمية بل كانا العاملين الأكثر أهمية في اعتلاء سلّم العالمية. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسيطرة القطب الواحد على مقدرات وإعلام وناصية الفنون الأدبية والسينمائية والمسرحية في الغرب اختفى هذا الجدل ليحلّ محله جدل أكثر خطورة وهو أن التميّز والإبداع حكر على المؤسسات الغربية؛ فهي التي تمنح جائزة نوبل وجوائز الأوسكار، وهي الوحيدة التي لها القول الفصل في تحديد من يحتلّ الصدارة في أعلى قائمة المبدعين من كل أنحاء العالم. وكون الغرب بأجهزته السياسية والمخابراتية هو الذي ينفق على هذه المؤسسات والجوائز وهو الذي يشكّل لجان التحكيم فقد أصبح له القول الفصل بغض النظر عن أي قول آخر في تحديد مستوى الإبداع وأسماء المبدعين، ووصل هذا الأمر إلى مرحلة خطيرة لأن عدداً من الكتاب والفنانين والمبدعين من أبناء الدول التي استعمرها هذا الغرب لعقود طويلة أخذوا يتنافسون بالكتابة وفق معايير وقيم الغرب ناهيك عن الكتابة بلغته والتي هي أمر مفهوم لإيصال الرسالة، ولكنّ فحوى الرسالة هو المهم، وفحوى هذه الرسالة وصلتها بالقيم الوطنية والحضارية للكاتب نفسه أم تقمّصها لقيم وأخلاق المستعمر أملاً في إرضائه والفوز بقبوله وتقييمه الإيجابي. ومن هذا المنطلق أخذ بعض الكتاب من المغرب العربي والمشرق يتنافسون على خطب ودّ الغرب وقبوله والكتابة وفق ما يرضيه من خلال تكريس كل الهنات والعيوب المجتمعية التي يتهمنا الغرب بها وتضخيمها والتركيز عليها، وكأن الغرب لا علّة فيه، بل والادعاء بأنها هي علة العلل في مجتمعاتنا كي تلقى أعمالهم الرواج المطلوب في الغرب وكي يتم تبنيهم في المؤسسات الغربية واعتماد إنتاجهم الفكري. ويحضرني في هذا المضمار رواية الطاهر بن جلول على سبيل المثال لا الحصر "ابنة الرمال" والتي كرّس فيها مفهوم توق العربي لأن يرزق بالصبي بدلاً من البنت والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه كي يحقق في عائلته الذكورة التي هي حلم ورغبة كلّ رجل عربي كما صوّرها. وطبعاً صدرت الرواية بالفرنسية ولاقت ترويجاً هائلاً ونال الطاهر بن جلول كلّ الأهمية التي يسعى إليها في أعين الفرنسيين، ومثله كثر طبعاً. ومن هنا أصبح الطريق إلى العالمية مشروطاً بتبني وجهة نظر الغرب عن أنفسنا والتركيز على عيوبنا كما يراها الغرب والتشهير بمجتمعاتنا وتراثنا بما ينسجم مع آراء المستشرقين والذين شكلوا الفكرة السلبية الأساسية للغرب عن العرب ومثالب تاريخهم وعيوب حضارتهم ومشاكل مجتمعاتهم. ومن هنا أيضاً بدأ الغرب يحارب حكومات الدول المتحررة حديثاً فيطلب أعمالاً أدبية تعكس الأوضاع السياسية وتضخم فيه عيوب وأخطاء مجتمعه كما عملت الصومالية المسلمة (أليفة علي) حيث قدمت صورة مشوهة عن بلادها وشعبها ودينها كي يتم قبولها في المراكز البحثية الغربية وفي المقابل فقد امتنع الغرب عن نشر المنتجات الفكرية التي تتحدث بواقعية وصدق عن العرب، وإذا تم نشر بعضها في ساعة غفلة منه فقد تأكدوا من عدم الترويج لها أو وصولها إلى مراكز الشهرة التي تروّج للواقع الحقيقي لأخلاقيات هذه المجتمعات العربية والتي هي بعيدة كلّ البعد عن التشويه المتعمد الذي ألحقه الغرب بهذه المجتمعات بعد أن نهب ثرواتها واستعبد أهلها لعقود من الزمن. وهكذا أصبح الغرب يبحث عن مثقفين يعادون حكوماتهم التي تقف في وجه الأطماع الغربية، ويروّجون لأعمالهم، ويطلبون منهم الانشقاق واللجوء إلى الغرب لتصحيح مكانتهم ودورهم.

اليوم نعلم علم اليقين أن الصراع على أرضنا وثرواتنا ومجتمعاتنا مازال قائماً وأن تغيير شكل الحروب العسكرية إلى حروب إرهابية وأدوات من المرتزقة لم يغيّر من واقع الأمر شيئاً؛ فمازال الغرب يعمل جاهداً لإبقاء احتلاله لأرضنا وفكرنا وعقلنا ووجداننا والدعوات اللاوطنية التي تدعو إلى التحرر من قضايانا الوطنية بحجج المعارضة السياسية وعدم الالتزام بقضايا الوطن والمجتمع، كلها تصبّ في خانة خدمة من يريد إبقاءنا مادة طيّعة لمؤسساته وقيمه وأحكامه. في حمأة هذا الصراع غير المسبوق وبأدوات جديدة كلياً على أرضنا ومستقبلنا تعود قضية الالتزام بقضايا الشعب والوطن لتحتل المرتبة الأولى وخاصة بعد أن أكد كبار المبدعين في العالم أن المحليّة هي الشرط الأول للانطلاق إلى العالمية. لقد اعتمدت القوى الاستعمارية والصهيونية أسلوباً جديداً اليوم وهو أن الإبداع يجب أن يكون حرّاً ومنفلتاً من أي قيم سياسية أو مجتمعية أو أخلاقية أو وطنية، وهذا محض هراء، بل هذا أمر خطير يقصد به تجريد القضايا الوطنية من أهم الأقلام المدافعة عنها بحجة أن الإبداع يجب أن يكون حراً وأن المبدع لا تنطبق عليه المعايير التي تنطبق على أبناء جلدته. والسؤال هو: هل يطبق الغرب هذا المعيار على مبدعيه وفنانيه؟ أم أنّ كلّ ما ينشره وكلّ ما ينتجه من أدب وأفلام ومسرح وما يقدمه من جوائز يهدف إلى تكريس قيمه الاستعمارية والترويج لكلّ ما يؤمن به وتبرير ما ترتكبه حكوماته ضد الشعوب ليس في أنظار شعبه فقط وإنما في أنظار العالم. ما نحتاجه اليوم نحن في سورية والعالم العربي ومعظم البلدان المتحررة هو أن نؤمن بقضايانا وقيمنا وأن نعلن التزامنا بمسار ومصير شعوبنا دون خجل أو وجل، وألا ننتظر شهادة حسن سلوك من أعدائنا؛ فنحن نخوض معركة تحرير الإرادة اليوم كما خاض أجدادنا وأبطالنا البارحة معركة تحرير الأرض ومازالوا. تحرير الإرادة والانعتاق من التبعية لليبرالية المزيفة والالتزام الجريء بالقضايا الوطنية الصافية والإنسانية الحقّة هو المعيار المطلوب والضروري في هذه المرحلة من تاريخنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالخميس 25 مارس 2021, 8:13 am

كيف نقاوم نظام التفاهة؟
 أ.د. بثينة شعبان

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   P_1910krit11

في كتابه "نظام التفاهة" اخترق ألان دينو كلّ طبقات الاستعمار للأرض والإنسان والعقل البشري ودخل إلى تلافيف صناعة المال في النظام الرأسمالي وانعكاس تطوير هذه الصناعة على الحياة البشرية في كلّ ركن من أركان المعمورة، وكيف أنّ هذه الصناعة قد شوّهت النظم الأساسية والمنطقية للحياة السليمة والنظم القيمية والأخلاقية لدى أناس لم يدركوا أحياناً مقدار التشوّهات التي لحقت بهم. وفي الفصول المختلفة والشيّقة للكتاب حلّل بعمق وإقناع واقتدار كيف تسلّلت هذه الصناعات والنظم الرأسمالية إلى حياة البشر  فغيّرت من معانيها ومفاهيمها ومقاصدها، وأدخلت العنصر البشري في سباق لم يكن هو بحاجة له في المكان الأول فبدّدت طاقته ووقته وعلاقاته الاجتماعية والوطنية ليحصل على شيء ليس له قيمة بحدّ ذاتها، بل هو بالأساس وسيلة للعيش، ألا وهو المال. فقد نفذ إلى عمق المعادلة الخطيرة التي يعاني منها معظم الناس دون أن يدركوا سبب معاناتهم، ألا وهي لهاثهم لتكديس أموال كان دورها في البداية مجرّد وسيط للحصول على السلع ولتسهيل قضاء حوائج الناس، ولا قيمة لها بحدّ ذاتها إذا تراكمت، أو لا دور لها في الأصل إلّا كوسيلة،

ولكن حين بدأ السباق المحموم، والذي حوّلها إلى غاية بحدّ ذاتها دون التوقّف للتفكير ما هو المراد بهذه الغاية حينذاك، بدأ الشقاء يحلّ بساكني المعمورة. وطبعاً ترافق مع اختراع هذه المعادلة اختراع سبل ووسائل لإعطاء الوجاهة لمن يحظى بكمية أكبر، فتمّ إيجاد التمايزات في الإنفاق، وسبل العيش لتشكيل منظومة تجعل من السعي إلى الحصول على المزيد من الثروات أمراً ضرورياً للبقاء في هذا الفلك المتميّز. وبما أنّ الثروات أتت تاريخياً من نهب ثروات شعوب المستعمرات والبلدان النامية، فقد تطلّب هذا الأمر أيضاً منظومة سياسية واجتماعية وفكرية تفكك البلدان الغنية بالثروات الطبيعية وتضمن تهلهل الحكم فيها وتقويض أسس الدولة القوية المتماسكة عبر الشراكة مع بعض المسؤولين الفاسدين واختراع أنظمة المنظمات غير الحكومية وتسليط الأضواء الساطعة على الفُتات الذي يقدمونه بديلاً لقوة ومكانة مؤسسات الدولة والأمان الذي تقدّمه هذه المؤسسات مقارنة مع الانبهار الإعلامي بمشاريع لا تقدّم ولا تؤخّر في حياة المجتمعات تقوم بها المنظمات غير الحكومية لتبرير وجود الشركات المتعدّدة الجنسيات والتي تتبرّع لهذه المنظمات بالفتات كي تنهب كلّ مقدّرات البلدان وتترك شعبها في النهاية فريسة للفقر والأمّيّة والجهل والعوز والتبعيّة.

كتاب "نظام التفاهة" وبفضل مترجمته القديرة الدكتورة مشاعل عبد العزيز المهاجري، الأستاذة في جامعة الكويت، التي أضاءت من خلال مقدّمتها وشروحاتها للوقائع والأسماء والأحداث بعداً عميقاً أكاديمياً للنسخة العربية من الكتاب، ضاعفت الاستفادة منه للقرّاء العرب، هذا الكتاب يشرح بشكل غير مباشر الأزمة التي يجد فيها كلّ إنسان وكلّ بلد نفسه فيها في هذه الحقبة من التاريخ، ويصل القارئ إلى الاستنتاج الأكيد أنّه كما حصلت الثورات ضدّ الفاشية والنازية والاستعمار، ولم تكن في حينها ترفاً على الإطلاق، فإنّ المقاومة لهذا النوع من النظم الذي يستهلك ثروات البلدان وحياة البشر، ويدخل منظومة قيمهم الحضارية المتوازنة في آلة التآكل ليس ترفاً أيضاً على الإطلاق، بل هو ضرورة وجودية لتحرير الإنسان قبل الأرض من ربقة منظومة خانقة لم يكن له يد في صنعها، وبطريقة ما وبسبب مجموعة صغيرة من المستفيدين تمكّنت هذه المنظومة من الإطباق على ضميره وروحه ووقته ووجدانه، وحوّلته إلى آلة يمكن إدارتها عن بعد دون أن يعرف بدقّة ماذا حلّ به، ناهيك عن القدرة على التأمّل والتفكير في الإفلات من هذا القدر الذي دخل على حين غفلة إلى كلّ مناحي حياته فغيّرها واهماً إياه أنّه التغيير نحو الأفضل، وواعداً إياه بالمستقبل المشرق والإنجازات الخلّابة، والتي تبقى سراباً يراه عن بعد، ولكن ما إن يصل إليه إلى أن يكتشف أنّه مجرّد سراب.

ولا يتوقّف الكتاب عند المناحي المادّية والاقتصادية فقط، ولكنه يتناول الحضارة والثقافة والتعليم، ويفنّد الأمثلة المرعبة والتي تُري أنه حتى الجامعات والبحث العلمي والتعليم أصبحوا رهينة لأصحاب المال والمتبرّعين والذين يديرون عملية الأبحاث في الاتجاه الذي يريدون والذي يخدم التراكم الأكبر لثرواتهم ولنفوذهم وقوّتهم وسيطرتهم على مفاتيح الحياة والتطوّر بما يخدم هذه الفئة القليلة ويضمن عبودية واستغلال جهود وعقول بقية البشر لصالح هذه الفئة القليلة والتي تعمل دائماً وفي كلّ مجال على ضمان استمراريتها وتراكم ثرواتها.

تصبح قراءة هذا الكتاب ذات مغزى أعمق وفائدة أكبر حين نقرأ صفحاته ونفكّر في الوقت ذاته بما يجري سياسياً في عالم اليوم وبالتحديد بعد استلام إدارة بايدن في الولايات المتحدة، إذ إنّ جهد الإدارة الجديدة الأكبر ينصبّ على تمتين أواصر الناتو وتوسيع الناتو إن أمكن ليصبح حلفاً عالمياً ولينقذ هذا النظام الرأسمالي من خطر صعود الصين وروسيا والهند ودول البريكس وأيّ منظومة تتحدّى هذا النظام الرأسمالي القائم على نهب ثروات شعوب الأرض لصالح فئة قليلة من البشر. من هنا نفهم التهديد الكبير الذي يستشعره حكّام الولايات المتحدة، ومعهم زملاؤهم في الناتو من صعود الصين، ومن تحالف الصين مع روسيا وإيران، وخوفهم من طريق الحرير وما سيؤدي إليه تنفيذ هذا الطريق، لأنّ هذا التحالف لا يحقّق ازدهاراً اقتصادياً فقط لهذه البلدان والبلدان المتعاونة معها، وإنما يقدّم منظومة تفكير جديدة بنيت على أخلاقيات مختلفة، ونظرة تركّز أولاً وأخيراً على محاربة الفقر وتوفير راحة ورفاهية الإنسان. فها هي الصين قد قضت على الفقر نهائياً في بلادها، وتعمل من أجل تحقيق الرفاهية لشعبها ولكلّ شعوب الأرض إن أمكن، وتطرح صيغاً للتعاون في طريق حزام واحد هدفه الأساسي هو الإنسان وارتقاء الإنسان وتخليصه من اللهاث وضمان العيش الكريم والكرامة له، كما يستشعر القائمون على هذا النظام التهديد من أيّ مفكر أو سياسيّ أو مجاهد يمتلك رؤية مناقضة لرؤيتهم فيعملون على محاربته أو تصفيته مثل تشي غيفارا إلى غسان كنفاني إلى ناجي العلي إلى الشهيد عماد مغنية وقاسم سليماني وآلاف الشهداء الذين اغتالتهم يد الغدر من فلسطين إلى أمريكا اللاتينية لأنهم يمثّلون تحدّياً لجوهر فكرة القيمة المادية للنظام الرأسمالي، ويدعون إلى الإيمان بالمبادئ والالتزام بمصلحة وكرامة الإنسان قبل كلّ شيء.

هل أصبح الفرق واضحاً الآن بين نظام جوهره الأساسي هو تحويل المال من وسيلة إلى غاية وإثراء عدد محدود من البشر فوق كلّ حدود منطقية يمكن أن يطمح إليها الإنسان في حياة قصيرة ومحدودة، وبين نظم حضارية قديمة حديثة تعتبر الإنسان هو جوهر الحياة ومبتغاها، وتعتبر أنّ كلّ الأنشطة المخطّط لها يجب أن تصبّ في صالح الإنسان وعزّته وكرامته وعيشه الآمن المستقرّ؟ هل أصبح واضحاً الآن لماذا نعاني نحن  الشعوب المستضعفة من ويلات الحروب ونهب الثروات التي قسمها الله لنا وعلى أرضنا؟ لأنّ وحشاً قابعاً هناك عبر الأطلسيّ والمتوسط في كلّ التفاصيل لا يرانا كبشر، بل يرى النفط والذهب والقمح والمعادن وكلّ ما يمكن أن يشكّل مصدراً لثرواته            حتى وإن كلّف ذلك خراب البيئة والطبيعة وقتل الملايين من أطفالنا ونسائنا وتدمير بلداننا وحضاراتنا.

"نظام التفاهة" هو الذي أوصل البشرية إلى هذا المستوى من الحروب والإرهاب والحصار والعقوبات والفقر والجوع، والحاجة اليوم ماسّة جداً إلى نظام بديل وإنسانيّ. قد يكون تحرّك الصين وروسيا وإيران وسورية ودول أخرى في الأمم المتحدة لإصلاح أنظمتها خطوة أولى على طريق الألف ميل. لكنّ الأكيد هو أنّ مقاومة المال الجذر الأساسي لنظام التفاهة، ومقاومة هذا النظام برمّته هي ضرورة حيوية لحياة وكرامة وسعادة البشرية جمعاء. إنها حرب ضروس بين إيديولوجية المادة والمال من جهة وبين إنسانية الإنسان وحريته وكرامته من جهة أخرى، ولا شكّ أنّ الخيار واضح، ولكن فهم جوهر هذه الحرب وعمقها واتساعها يستدعي التصدّي من خلال التحالف والتعاون ووضع الآليات والخطط التي ترتقي إلى صياغة عالم جديد جوهره كرامة الإنسان في كلّ مكان.



https://www.noor-book.com/book/internal_download/9134f2cdc532
7eff95f9db0aa0a4f968/1/1e8e13e20d09f11e29fc512b91a243b5
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالثلاثاء 18 مايو 2021, 3:47 pm

دروس فلسطين
بثينة شعبانبثينة شعبان 
ثورة الشعب الفلسطيني لن تحرّر فلسطين فقط، بل أيضاً الإرادات المهزومة والمنكسرة التي وقعت ضحيةً لأكاذيب العدوّ وتضليله.

قال الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}. منذ العام 1986، دعا الرئيس السوري المؤسّس حافظ الأسد من اليونان، خلال زيارتها، إلى "انعقاد مؤتمر دولي مهمته وضع تعريف للإرهاب، ووضع معايير للتمييز بينه وبين المقاومة"، ولكن لم يستجب أحد مما يسمى "المجتمع الدولي" لهذه الدعوة، لسبب بسيط، وهو أنّ التعريف الدقيق للإرهاب سيتوصّل حكماً إلى استنتاج مفاده أنّ الاحتلال هو أبشع أنواع الإرهاب، وأنّ احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية هو إرهاب "دولة" بامتياز. 

وفي العام 2002، اطّلعتُ على الخطّة الإعلاميّة للكيان الصّهيونيّ خلال زيارتي إلى أحد البلدان، وكانت تتضمّن دعوتين مهمتين؛ الأولى تتمثل في ترديد كلمتين على مسامع العالم هما "صدّام حسين"، والأخرى ربط أيّ اسم فلسطيني أو أيّ عمل يقوم به أيّ فلسطيني بالإرهاب. 

ترافق هذا التضليل الخبيث على مدى عقود مع حملات تضخيم لقدرات الكيان الصهيوني و"جيشه الذي لا يُقهر" وقبّته الحديدية، التي ألغت، بحسب زعمهم، مفاعيل أيّ صواريخ، مهما كانت متطوّرة، إضافة إلى المقولة التي روّجوا لها بين ضعاف العقول والنفوس، وهي أنّ الطريق إلى واشنطن يمرّ حكماً عبر تلّ أبيب. 

وقد نجحت أساليبهم في استدراج الكثيرين إلى اتفاقيات تطبيع مهينة تتنازل فيها دول التطبيع عن الكثير من سيادتها وإرادتها السياسية وطموحات شعوبها العربية، وعن الحقوق العربية، بما في ذلك حقّ عودة العرب إلى فلسطين، وعن حقوق العرب المسلمين في القدس.

وأصدر الصهاينة ضمن إعلامهم المضلل للسذّج عشرات الدراسات التي تروّج إلى أنّ الكبار من عرب فلسطين سيموتون، وأن الصغار سينسون بلادهم فلسطين، وبنوا على كلّ مقولاتهم هذه آمالهم وأحلامهم، واستطاعوا إقناع البعض، من الخانعين، بالسير في ركابهم، ولكن، وباعتراف مراكز دراساتهم للأمن القومي، أصاب صمود سوريا، جيشاً وشعباً وحلفاء وأصدقاء، مراهناتهم في الصّميم، لأنّ هذا الصمود أفشل مخططات "الربيع العربي" الذي كان هدفه تدمير تضامن دول الأمة العربية، وتدمير بلدان أساسية في جبهة المواجهة مع العدو.

وقد أبقى الصمود الأسطوري السوري جذوة المقاومة العربية للأطماع الاستعمارية الصهيونية حاضرة في قلب العروبة النابض، ما يؤهلها لإعادة استقطاب المتجذّرين بقضاياهم، وإن تساهلوا في جدوى الاستمرار لبعض الوقت أو شكّكوا فيه، إلى أن قرّر شعبنا الفلسطيني البطل أن يسطّر مرة أخرى انتفاضة جديدة دفاعاً عن المقدسات، مسجّلاً بتاريخه البطولي أسمى آيات الصمود والشهادة والاستبسال، لإعادة بوصلة المواجهة مع العدوّ الوجودي إلى حيث يجب أن تكون، ولإزالة العمى عمّن على أعينهم غشاوة وفي آذانهم وقر، ليقولوا كلمة الشعب العربي بأنّ الأرض لنا، وأننا جاهزون لنرويها بدمائنا ودماء أطفالنا، كي نضع حدّاً للذلّ والهوان الذي يفرضه صلف المستعمر الصهيوني وعنصريّته التي أوجد لها الغطاء السياسي واللغة الإعلامية التي تقدمها للعالم وكأنها ديمقراطية فريدة في الشرق الأوسط، بينما هي مجرد نظام فصل عنصري آخر مصيره كمصير أبارتايد البيض في جنوب أفريقيا. 

قرّر الشعب الفلسطيني أن يمزّق اتفاق العار "أوسلو" بدماء أطفاله، وأن يكتب قضيته في غزّة والضفة والداخل بأيدي المجاهدين الصادقين المؤمنين بحقّهم في هذه الأرض، مهما بلغت الأثمان. 

إنّ الدرس الأول المستفاد من هذه الملحمة التي سطّرها العرب الفلسطينيون في كلّ أنحاء فلسطين هو أنّ العدوّ لا يفهم إلّا هذه اللغة؛ لغة القوّة والمقاومة والانتصار للشعب والأرض، وأن لا مفاوضات ولا اتفاقيات ولا تطبيع يمكن أن يعيد حقوقاً أو كرامة شعب مهدور، ما لم يعِدها هذا الشعب بتضحياته وبسالته وتصميمه على دحر العدوان.

 كما أنّ الدرس الثاني المستفاد هو أنّ القوّة في الوحدة، وأنّ وحدة الفلسطينيين في التصدّي سوياً، ومن كلّ بقعة من أرض فلسطين العربية الطاهرة، للاحتلال الصهيوني العنصري، هي التي ترعب العدوّ وتدفع به إلى إعادة حساباته. 

وبقدر زهونا بهذا الموقف الفلسطيني الباسل، يأتي حزننا على ما فوّته بعض حكام العرب من فرص ألحقت الخسارة بهم جميعاً، لأنهم لم يقاتلوا صفّاً كالبنيان المرصوص، ولم يعبّروا عن وحدة الموقف ووحدة المصير، بل أنهكوا القضية العربية بتنازلاتهم المهينة لعدوّ غاشم، رغم أنّ العدوّ نفسه على قناعة تامة بأنّ هذه الوحدة العربية حقيقية وثابتة وتاريخية بينهم، لا تغيّرها تصرّفات أفراد من حكام الخنوع في أزمنة مختلفة ولأسباب متباينة. 

وما انتصار الشعب العربي في كل أقطاره اليوم لملحمة فلسطين سوى دليل قاطع على أنّ قضايانا واحدة، وأنّ مصيرنا واحد، شاء البعض ممن تخاذلوا أم أبوا، وإلّا كيف يغادر مكتب الاتصال الإسرائيلي الرباط من دون تحديد موعد لعودته، خوفاً من هبّة الشعب المغربي نصرةً للقدس وفلسطين؟ وإلّا أيضاً لمَ أرسلت قوات الكيان تعزيزات قبالة بلدة مارون الراس، وهي ترى مئات اللبنانيين يتوافدون إلى معابر فلسطين المحتلّة ويقدّمون الشهداء في سبيل ذلك؟

 ورغم ارتكاب العدوّ مجزرة أخرى جديدة في سلسلة مجازره، منذ دير ياسين وقبية وصبرا وشاتيلا في مخيّم الشاطئ، ومجازر أخرى في أرض فلسطين الطاهرة، ورغم ارتقاء أكثر من 200 شهيد إلى جنان الخلد حتى اليوم، فإنّ البيت الأبيض الواقع تحت سيطرة اللوبي الصهيوني لم يُدنْ، كما هو متوقع، أيّ إجرام إسرائيلي، رغم تشدقه بحقوق الإنسان، بل صرّح أنّ لـ"إسرائيل" الحقّ في الدفاع عن نفسها، وكأن العرب لا حقوق لهم في الدفاع عن أنفسهم، وأنّ أميركا تسعى لحلّ الأزمة بين "إسرائيل" و"حماس"، متجاهلةً بذلك الأسباب الحقيقية لانتفاضة الشعب الفلسطيني وقراره الشجاع بتقديم التضحيات لكسر شوكة الاحتلال والاستيطان العنصري البغيض وتحرير الأرض من دنس المستعمرين الغرباء من الصهاينة العنصريين المجرمين. 

ورغم أنّ المجازر المتتالية ترتكب بحقّ العرب الفلسطينيين منذ عقود، فإنّ مجلس الأمن هذه المرة ليس على عجلة من أمره، كما كان عندما صوَّت لتدمير العراق وليبيا، ولن ينعقد إلّا بعد أيام من سفك الصهاينة للدمّ الفلسطيني، رغم عدم التعويل على انعقاده وعلى قراراته، فالدول الغربية يتحكَّم الصهاينة ولوبيات المال والمخابرات بحكوماتها، بل إنَّ التعويل يكون على إرادة الفلسطينيين في تلقين العدوّ درساً لا ينساه في المقاومة.

 لقد أثبت الفلسطينيون بدمائهم أنّ المقاومة ليست إرهاباً، بل هي حق شرعي بكل قوانين الأرض والسماء، وسيكون على العالم أن يخضع لإرادتهم، وأن على العالم أن يعرف المقاومة الساعية إلى تحقيق الخلاص من الأبارتايد للصهيوني واسترجاع حقوقهم واستقلالهم، ويميّز بينها وبين الإرهاب، طال الزمن أم قصر.

ولكنّ الدرس المستفاد الأهمّ اليوم من أحداث هذا الأسبوع المشرّفة هو ألّا يقع الإنسان ضحية لمفاهيم الأعداء وأكاذيبهم، وأن يبقى محصّناً ومؤمناً بأنّ كلّ قوى الشرّ، لو اجتمعت في العالم كله، لا يمكن أن تقلب الحقّ إلى باطل والباطل إلى حقّ، ولو اجتمع دهاة العالم على ترويج الأكاذيب والمفاهيم وإنفاق المليارات لتسويقها بين شعوب الأرض، فإنّ حكاية المقاومين النّابعة من الأرض، واستبسالهم في الدفاع عنها، وسقايتها بدمائهم هي الَّتي سوف تكتب قصّة الانتصار وقصّة الشعب الذي ضحّى وقاوم وأنشأ أبناءه على أنهم أبناء القدس حيفا وعكّا ويافا والخليل وعسقلان، حتى وإن ولدوا في بلدان المهجر، فهم ينتمون إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم الفلسطينية التي سيعودون إليها، ولو بعد حين. 

إنّ قصّة ثورة الشعب الفلسطيني على الخنوع والذلّ والاستسلام والتطبيع لن تحرّر فلسطين فقط، ولكنها سوف تحرّر أيضاً الإرادات العربية المهزومة والمنكسرة التي وقعت ضحيةً لأكاذيب العدوّ وتضليله، وهو الذي عمل دائماً على كسب الحرب قبل أن تبدأ، من خلال الحروب النفسية والإعلامية والمفاهيمية التي أتقن إنضاجها وبثّها والترويج لها.

أتت ثورة شعب فلسطين لتتعلّم منه الشعوب الأخرى، وليضيف ملحمة إلى ملحمة الجزائر وجنوب أفريقيا وسوريا وفيتنام وكوبا، وكلّ ملاحم الشعوب الحرة التي آمنت بقضاياها ورفضت الانجرار وراء بائعي الأوهام والانكسارات والخوف والذلّ والخنوع. 

إنّ فجراً جديداً يطلّ من القدس وغزة ومدن فلسطين كلها، والأمل ليس تحرير فلسطين فقط، وإنما تحرير الإرادة العربية من الوهن الذي أصابها أيضاً، والعودة إلى عوامل القوة الكثيرة الحقيقية، لنصنع منها المستقبل الذي نريد ونستحقّ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالجمعة 04 يونيو 2021, 3:18 am

وتعطّلت لغة الكلام
 أ.د. بثينة شعبان

على مدى أشهر شغلت الدوائر السياسية والإعلامية ومراكز الأبحاث الغربية نفسها بالحديث عن الانتخابات الرئاسية القادمة في سورية وأنها غير شرعية وأنها لن تعترف بها، وأنها يجب أن تجري فقط بعد أن تتوصّل اللجنة الدستورية التي تنعقد في جنيف إلى دستور جديد، مستندين في كلّ طروحاتهم إلى هدفهم الأساسي وهو إضعاف سورية ودبّ الفوضى بين صفوف أبنائها، وإلحاقها إن أمكن بالدول الفاشلة خدمةً لمصلحة الكيان الغاصب، واستكمالاً لما حاول الإرهابيون وشذاذ الآفاق الذين سلحهم ودربهم الغرب أن يفرضوه على الشعب السوري من قتل وإرهاب ودمار. ولكنّ الشعب السوري  الذي خَبِرَ خُطط وآثام الأعداء على مرّ العصور، وقيادته التي وقفت من اليوم الأول في وجه كلّ هذه المخطّطات، ودماء الشهداء التي سالت سخيّةً دفاعاً عن هذه الأرض الطاهرة، وآلام الجرحى وعوائل المفقودين، وإيمان السوريين بأرضهم وهويتهم كلّها حالت دون تحقيق مخطّطات الأعداء رغم الميزات السخيّة التي رصدوها لهذا الهدف، والسيناريوهات العديدة التي ابتكروها من أكاذيب حول استخدام الأسلحة الكيميائية إلى اختراع مصطلح «حرب أهلية» لوصف جرائم أعوانهم ووكلائهم، إلى كلّ أنواع حملات التضليل لدبّ اليأس في قلب الشعب السوري وثنيه عن متابعة الدفاع عن أرضه وهويته.

 

نقطة الضعف لدى هؤلاء الأعداء ووكلائهم في المنطقة والعالم هي أنهم لا يتمتّعون بالعمق الحضاري والتاريخي الذي يتمتّع به السوريون وهذا لا يمكن أن يُشترى أو يُستحضر بأيّ ثمن، وهم مازالوا، وعلى مدى القرون الماضية والحالية يبيعون الأوهام عن قدرتهم على كسر إرادة الشعب السوري، وأن يجعلوا من سورية دولة تابعة لإرادتهم مثلها مثل العديد من دول المنطقة؛ فمنذ بداية الحرب على سورية كان الصراع صراع إرادات بالدرجة الأولى: الإرادة الوطنية للشعب السوري التي تريد أن تحيا بعزّة وكرامة على أرضها التاريخية، والإرادة البائسة المهزومة للخونة المتساقطين التي ترى في الغرب خلاصاً وتريد أن تعيش على فُتات موائده. وهكذا بدؤوا بتسخير كلّ الموارد في الإعلام والسلاح وشراء الذّمم واهمين ألّا أحد إلّا له ثمن، غير مدركين أنّ بلداً عمره عشرة آلاف عام قد صنع تاريخاً بسواعد الشرفاء الذين لا ثمن لهم والذين يبذلون الدماء رخيصةً في سبيل عزّة هذه الأرض وجمال سمائها ونقاء هوائها. وقبل الانتخابات الرئاسية بسنة على الأقلّ بدأت الدوائر المعادية بمتابعة السفن القادمة في البحر من النفط والغاز ومصادرتها، وبدأت قوى الاحتلال الأمريكي بحرق محاصيل القمح السورية وسرقة النفط السوري في وضح النهار إمعاناً بزيادة معاناة السوريين وتأليبهم على قيادتهم السياسية، وتحميلها المسؤولية عن معاناتهم بحيث ينقلبوا على رئيسهم في الانتخابات المقبلة، ويحقّق الأعداء من خلال الضغط الاقتصادي ما فشلوا بتحقيقه من خلال حروبهم بالوكالة والتي سبّبت الألم والدمار والإجرام بحقّ كلّ القطاعات بما فيها الصحّية والتعليمية والزراعية والصناعية.

وحين أتى اليوم الموعود زحف الشعب السوري بكلّ أطيافه وفي كلّ المناطق بما فيها تلك التي تقع تحت سلطة قوات إرهابية أو انفصالية، زحف إلى صناديق الاقتراع ليقول نعم لسورية، ونعم لاستقلال القرار السوريّ، ونعم للعزّة والكرامة السورية، وألف لا للمحتلّين والغاصبين ولكلّ أدوات وأذرع التضليل التي اعتمدوها وشغلوا العالم بأكاذيبها عن سورية وعن الشعب السوري. المفاجأة كانت أنّ جيل الشباب الذي زادت نسبته 20% عمّا كانت عليه عام 2014، وهي نسبة ليست بقليلة من إجمالي عدد السكان، كانت له المشاركة الكبيرة والتي فاقت كلّ التوقّعات الحسابية التقليدية، سواء أكان هذا الجيل قد نشأ في المدن التي كانت تحت سلطة الدولة أو في المدن المحرّرة، وهذا يدلّ على وعي هذا الجيل وخياره، وأنّ خياره هو الوطن واستقرار هذا  الوطن وعزّة هذا الوطن وكرامته، بعيداً عن الوصاية والاحتلال والاستعمار ومصادرة القرار الوطني المستقلّ.

المفاجأة الأهمّ من الانتخابات كانت في تدفّق أبناء سورية إلى كلّ الساحات في كلّ المحافظات والبلدات والقرى عشية إعلان نتائج الانتخابات. هؤلاء خرجوا بشكل عفوي وغير مخطّط له وغير مدروس وبدون دعوات من أحد ليقولوا نحن نريد أن نعيش أحراراً على هذه الأرض، ونحن نريد أن نبنيَ بلدنا بأيدينا، ولا نريد منّة ولا منحة  من أحد. هؤلاء خرجوا ليقولوا إننا نفهم كلّ مرامي محاولات التضليل، وإننا نعلم أنّهم يبيّتون لنا الشرور كي نصبح أداة طيّعة بأيديهم كما فعلوا ببلدان أخرى، ولكننا لن نسمح لهم بفعل ذلك. هؤلاء خرجوا ليقولوا إننا نفهم أنّ كلّ ما عانينا منه من اختناقات اقتصادية إنما كانت تهدف إلى أن ننحرف عن خطّنا الوطنيّ، وأن نُسلّم أمرنا لمن يستهدفنا ويدّعيَ الحرص علينا ولكننا نقول لهم لقد فشلتم فنحن نشدّ الحزام على البطون، ونزرع ونصنع ونعيد البناء ونحن مرفوعو الرأس كما كنا دائماً. فهذه سورية أمّ الحضارات ودرّة الشرق وقلب العروبة النابض. لقد خرج كلّ هؤلاء في كلّ ساحات القطر بمشهد لا سابقة ولا مثيل له دون وجود أيّ دعوة أو لافتة باسم حزب أو نقابة أو اتحاد أو مؤسسة أو تنظيم ليقولوا للأعداء إنّ الشعب السوري واحد في انتمائه وعمله وعيشه الواحد الذي قلّ نظيره في العالم، وأنّ ما ادّعيتموه من حرب أهلية في سورية هو من صنع خيالكم وأحلامكم؛ فهذا الشعب الذي انفطر على الإيمان بالله الواحد والوطن الواحد لن تتمكّنوا مهما فعلتم من خلخلة قناعاته أو تغيير ثوابته ومبادئه التاريخية والحضارية. خرج الشعب السوري ليدحض كلّ الأكاذيب والتهم والادعاءات التي صنعها الإعلام المغرض والمضلّل عن سورية وعن قائد سورية، وليردّ أبلغ ردّ على هؤلاء بلغة جسد ولغة أرقام لا تعرف الكذب ولا تحتمل التأويل: نساء ورجال وأطفال يخطّون بأجسادهم استكمال مسيرة الشهداء العظام الذين رَوَوا تراب هذه الأرض بدمائهم، والجرحى الذين حضروا محمولين على الأكتاف ليؤكّدوا إصرارهم على المسار الذي اختاروه، وليُجدّدوا الوعد للشهداء والجرحى أنّ دماءكم الطاهرة لن تذهب سدىَ، وأنّ آلامكم في آذاننا توقظنا كلّ صباح لننهض ونضاعف العمل والبناء لنكون جديرين بتضحياتكم وثقتكم. خرج الشعب السوري ليبلّغ العالم رسالة أبلغ من الكلام وأبلغ من كلّ لغات الأرض بأنّه شعب يستحقّ الحياة بعزّة وكرامة وأنّ الأعداء مهما بلغوا من شراسة وهمجية لن يتمكّنوا من كسر أرادته الفولاذية، وأنّ سورية واحدة في كلّ شبر من أرضها الطاهرة، وما هؤلاء المحتلّون المتغطرسون وأتباعهم من قطيع الخنوع والتبعية سوى فاصلة لا قيمة لها في تاريخها يمحوها أبناء الشعب الواحد بانتمائهم العزيز والمخلص لهذه الأرض في كلّ شبر من جغرافيتها. خرج الشعب السوري ليقول انتهينا من سيناريوهات تضليلكم، واليوم نصمّ الآذان عمّا تقولون ونشحذ الهمم ونشدّ السواعد لمرحلة بناء وطنيّ ستذهلكم مرة أخرى وتفاجئكم بحجم طاقاتنا وقدراتنا الذاتية على الإعمار وتحقيق الازدهار مهما بذلتم من جهود شريرة لإعاقة نهضتنا الاقتصادية من جديد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالأربعاء 03 نوفمبر 2021, 8:43 am

الحرب الخفيّة أ.د. بثينة شعبان

    حين احتل الأمريكيون العراق 2003 رفعوا شعاراً فورياً باجتثاث البعث وحلّ الجيش وتدمير كل المؤسسات والنقابات والمنظمات التي شكلت تأطيراً مهنياً     أو سياسياً أو مجتمعياً للمجتمع العراقي. وكانت المرحلة التمهيدية لهذا الإجراءات هي التركيز على سقطات أو هفوات أو حتى مراكز الخلل في كلّ هذه الأحزاب والمؤسسات المستهدفة والأخطاء التي اقترفتها بحق الشعب العراقي دون أن يتأكد أحد من صحة أو عدم صحة ما يتم الترويج له.


 

    إن هدف الإجراءات الأمريكية لم يكن تصحيح الأخطاء ولا تقديم صيغ أفضل للعيش أو العمل لصالح الشعب العراقي بل على العكس من ذلك كان الهدف تفكيك المجتمع العراقي وحرمانه منأي نوع من النظام والإجراء الذي يعطي حياة العراقيين تسلسلاً منطقياً منتجاً، والإلقاء بهم جميعاً في أتون الفوضى والتقسيم والتجزئة والحرب الأهلية التي مازالت تعصف بحياتهم بعد قرابة عشرين عاماً من ذلك الاحتلال، ذلك لأن تأطير المجتمعات بأحزاب سياسية فاعلة ونقابات ومنظمات شعبية أثبت أنه ضرورة لتنظيم فاعليات المجتمع وتراكم خبراتها وشحذ مهاراتها والارتقاء بأدائها، وأن التحلّل من أي تنظيم أو أسلوب منظِّم للعيش المهني أو السياسي أو المجتمعي يعني فقدان الأسس الناجعة التي يمكن أن تبنى عليها الدول القوية التي تحافظ على سلامة وسيادة البلدان بشكل تحرز تقدم شعوبها وتطورها وازدهارها وتحقق أمنها. وقد خبر الغرب في وقت سابق أن تفكيك الاتحاد السوفياتي والأطر التي أرساها على مدى سبعين عاماً كان الوصفة السحرية للتخلص من قوته ومنافسته للغرب على مستويات مختلفة.

    وشنّوا بعد ذلك حملة منظمة على الصين والحزب الشيوعي الصيني وخاصة أنه الحزب الوحيد في البلاد، الأمر الذي اعتبره الغرب مناقضاً لأسسه الديمقراطية القائمة على تعدد الأحزاب.

ولكنّ الصين ورغم كلّ الهزات الإقليمية والدولية مضت قدماً في المسار الذي رسمته لنفسها وطورت من أساليب أدائها وديمقراطية العمل داخل الحزب والدولة والمجتمع، والنقاش المستمر بين أعضاء الحزب للوصول إلى الصيغة الأفضل والقرارات الكفوءة لقيادة الدولة والمجتمع.

  وهاهي جمهورية الصين تحتفل اليوم بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني والذي أنجز إنجازات أبهرت العالم خلال مئة عام فقط من تأسيسه وخاصة خلال الخمسين عاماً الماضية. وأتذكر أثناء زيارتي للصين عام 2017 وبعد أن ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطبة عبّر فيها عن رؤية ثاقبة لتوجه الصين حتى عام 2050 أنني هنأت وزير الخارجية بهذا الإنجاز والتوصل إلى هذه الخطط الهامة لمستقبل الصين، وقال لي إنها نتيجة حوارات دامت لسنتين بين مليوني عضو في الحزب الشيوعي الصيني. ويبلغ تعداد الحزب الشيوعي الصيني مئة مليون عضو يعملون وفق مبادئ أربعة:

–       التمسك بخط الحزب الشيوعي.

–       التمسك بتحرير الأفكار وطلب الحقيقة من الواقع.

–       التمسك بخدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص.

–       التمسك بنظام المركزية الديمقراطية.

–       التمسك بفكرة مجتمع المصير المشترك للبشرية جمعاء.

    إن الأسس الأربعة الأولى تؤكد أن الديمقراطية التي تبنيها الصين ليست مستنسخة من الديمقراطية الليبرالية الغربية القائمة على حكم النخبة الرأسمالية الأغنى في المجتمع وعلى استعباد الشعوب واستعمارها ونهب ثرواتها، بل هي ديمقراطية نشأت في الصين وعلى أيدي صينيين حريصين على سلامة بلدهم وازدهار شعبهم، ومن أجل تقدم الصين ورقيّ الصينيين، وهذا بالذات ما لا ترضاه الليبرالية الغربية المبنية على الفكرة الاستعمارية الاستعلائية لأنها تعتبر ذلك خروجاً من بيت الطاعة الاستعماري الغربي لأن النموذج الغربي التابع للمركز الاستعماري هو النموذج الوحيد المقبول بالنسبة للنظم الغربية ومن غير المسموح به لهذه النظم نشوء نموذج آخر لا يتوافق بمبادئه وغاياته مع النموذج الغربي. علّ هذا الأمر هو أساس القلق الأميركي خصوصاً والغربي عموماً من ارتقاء الصين في المجالات كافة ومن منافستها القوية للولايات المتحدة ومن بروز النموذج الصيني عالمياً والترحيب به من قبل الدول المستضعفة والتي كانت نتائج السياسات الغربية مدمرّة لشعوبها.

   إن فكرة المصير المشترك للبشرية جمعاء والتي تشكل أساساً لتفكير الحزب الشيوعي الصيني ومبدأً أساسياً لعمل القيادات الصينية هي فكرة تناقض الأسس التي بني عليها النظام الاستعماري الغربي القائم على الهيمنة على مقدرات الشعوب ونهب ثرواتها وتنظيم الانقلابات والاختراقات المخابراتية للأنظمة الوطنية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وهي أسس قامت ايضاً على هيمنة الغرب على قرارات مجلس الأمن والقرارات الدولية والتحكم بمصائر الشعوب ونهب ثرواتها لتمويل الصناعة العسكرية والجيوش الغربية التي تعود لتحتل وتقهر بلدان العالم.

   وكما أن معيار القرب من الله عزّ وجلّ هو العمل الصالح “أقربكم إلى الله أنفعكم لعياله” فإن معيار صحة توجّه أي حزب في أي بلد هو مدى خدمة هذا الحزب لواقع هذا البلد وشعبه؛ فإن كان بنّاء ومطوّراً ومحققاً للرفاه والحياة الحرة الكريمة فهذا يعني أنه جدير بمكانته وخاصة إذا كان أيضاً يعمل على توافق عالمي للبناء والتطوير بنظرة المساواة في الكرامة بين بني البشر دون تمييز على أساس لون أو عرق أو طائفة أو جنس أو طبقة أو دين. ولا شك أن الاستراتيجية التي وضعها الحزب الشيوعي الصيني والمعتمدة على الحقيقة من الواقع وأنه “لا يهم لون القطة” كما قال الزعيم شياو بينغ ولكن المهم “أنها تستطيع صيد الفئران”؛ أي المهم هو العمل والإنتاج وليس المهم هو الكلام والتنظير فقط، وبهذه الروح خطت الصين خطوات جبارة في نصف القرن الأخير واستفادت من كل التجارب العالمية ومن تجربة انهيار الاتحاد السوفياتي فدرست التجربة وقررت الانفتاح على العالم برمته والبناء الداخلي ومحاربة الفقر، والتطور العلمي ومدّ يد العون للشعوب المستضعفة ونشر ثقافة “عالم واحد” ومبدأ “رابح رابح” بدلاً من المبدأ الاستعماري للدول الغربية “فرّق تسد”.

   إن تجربة الصين السياسية والاقتصادية والاجتماعية جديرة بالدراسة والاستفادة منها إلى أقصى الدرجات خاصة وأن نهوض الصين الفعلي تحقق خلال خمسين عاماً وهو تقريباً عمر تحرر معظم شعوبنا من الاستعمار الغربي ولكن التحرر لا يتحقق فقط برحيل القوات العسكرية الغربية بل يتحقق حين تتحرر العقول من التبعية الاستعمارية ويترسخ الإيمان بالحضارة والقدرة الذاتية على البناء والعطاء وتُتخذ كل الإجراءات التي تكفل مساحة الإبداع والعطاء المتميّز وتحارب كل التشوهات والتصدعات التي يتسبب بها العاجزون والطفيليون والانتهازيون.

    في الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني نحيّي ما قام به هذا الحزب من معجزات في نهضة الصين متمسكاً باستقلاليته وشخصيته الصينية ومطلّاً على العالمية من مخزون عريق يساهم في نهضة البشرية جمعاء ويتعلم منها أيضاً في تطوير قدراته ومنهجه.

 الدرس المستفاد هنا هو الثقة بالنفس وصمّ الآذان عن الدعايات الغربية المغرضة ونذكر ما قاله المفكر العربي إدوارد سعيد عن الغربيين والمستغربين أيضاً حيث قال في الصفحة الأولى من كتابه “الاستشراق” للغربيين والمستغربين: ” إن منطقتنا هي منطقة عبور لهم لصناعة مستقبلهم، ليس لديهم أي عاطفة لمنطقتنا أبداً “. هذه حقيقة؛ فلا عاطفة ولا احترام لشعوبنا أو لمنطقتنا ولذلك علينا بالنهج الصيني الناجح والفعال أن نعزّز من قوة أحزابنا ومؤسساتنا ومنظماتنا ونقاباتنا وأن نستفيد من تجارب الأصدقاء ونبدأ من حيث انتهوا، وأن نحيي الصين وشعبها والحزب الشيوعي الصيني ونبني أفضل العلاقات معهم ونستفيد من تجاربهم ونتعاون على خلق المصير الأفضل المشترك للبشرية جمعاء بعيداً عن سياسات العدوان والاحتلال والطغيان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالأحد 19 ديسمبر 2021, 12:15 pm



من لوكربي إلى دونباس 
أ.د. بثينة شعبان


ونحن نقترب من الذكرى الواحدة والثلاثين لفاجعة لوكربي، حين استيقظ العالم في 22 كانون الأول على انفجار طائرة بوينغ 747 رحلة رقم 103 في سماء المدينة الاسكوتلندية حيث قضى مئتان وسبعون شخصاً نتيجةً للحادث، ونحن نقترب من هذه الذكرى الأليمة تلحّ على ذاكرتي تبادل الروايات المتناقضة حول أوكرانيا وإقليم دونباس، والتشويش الإعلامي اللامسؤول الذي يزيد من وتيرة تسخين جبهة الحرب بين الشرق والغرب في هذا الإقليم الجميل. والسبب أنّ ذكرى لوكربي حاضرة في ذهني كلّما قرأت خبراً عن أوكرانيا هو تعدّد التفسيرات والتكهّنات التي سادت الساحة الإعلامية العالمية بعد الحادث، وما ترتّب على هذه التكهّنات من عقوبات وإجراءات على بلدان دون التأكّد من صحة المعلومة أو وثوقيتها.

أتذكّر أنّه وبعد عشر سنوات من حادث لوكربي طلب السفير البريطاني موعداً عاجلاً من وزير الخارجية آنذاك، الأستاذ فاروق الشرع، وقدِم لرؤيته مساءً وكنت أنا كاتبة المحضر للجلسة التي لم يحضرها سوى الوزير والسفير وأنا. وبدأ السفير بالقول بأنّ المخابرات البريطانية توصّلت إلى معلومات لا يرقى إليها الشكّ أبدأ بأنّ أشخاصاً سوريين كانوا ضالعين في إحضار القنبلة والتواطؤ مع جهات أخرى لإيصالها إلى الطائرة المنكوبة، وحين حاول الوزير أن يحصل منه على أسماء أو معلومات موثّقة، أجاب بأنّ المعلومات مازالت سرّية ولا يمكن الكشف عنها في هذه المرحلة المبكّرة، ولكنّ سلطات بلاده أرادت أن تأخذ السلطات السورية علماً بذلك. وبعد عقد من الزمن من ذلك الاجتماع الذي لم يلِه أيّ معلومات أو أسماء أو شروحات لما تمّ وصفه في تلك الأمسية بالخطير والهامّ، بعد عشر سنوات تابعنا جميعاً الاتهامات التي تمّ توجيهها إلى ليبيا في حادث لوكربي، والمبالغ الطائلة التي دفعتها ليبيا كتعويضات، والتي في النهاية لم تشفع لها، قصف الناتو لها في عام 2011 لاستحداث الديمقراطية التي يريدون ويرتأون، وما هي إلا المرادف الأكيد لتدمير البلدان وتفتيتها ونهب ثرواتها.

السّجال الآخر المشابه لحادثة لوكربي هو سجال الهجوم الإرهابي على برجي التجارة العالميين في نيويورك عام 2001 وإلى حدّ اليوم وبعد عشرين عاماً لم تفصح أيّ جهة عن نتائج التحقيقات، بل وُضعت النتائج تحت الشمع الأحمر في الأمم المتحدة، ولا يسمح لأحد بالكشف عنها إلّا بعد ستين عاماً. ما يجمع بين هذين الحدثين وما نعيشه اليوم من سجالات حول أوكرانيا ودونباس هو تحويل الظنّ إلى يقين، والبناء عليه في الإعلام وكأنه أصبح حقيقة واقعة، واتخاذ إجراءات عقابية وعسكرية بناءً على هذه الظنون دون أن يدقّق أحد بصحة المعلومة ومصدرها ومدى وثوقيتها تماماً كماحدث أيضاً قبل الحرب على العراق، حيث أثار الغرب زوبعة إعلامية وسياسية من الشكوك حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، ويوماً بعد يوم حوّل هذه الشكوك في أذهان المتابعين والقرّاء إلى واقع صلب واتخذ إجراءات عسكرية، واحتلّ بلداً وسبّب دماره دون أن يرفع أحد الصوت في وجه ما يجري.

إذا انتقلنا إلى أوكرانيا وحلّلنا أيّاً من المقالات الغربية التي تصدر عن الصحف أو محطات التلفزة الغربية عمّا يجري على الحدود بين روسيا وأوكرانيا، وعمّا يجري داخل أوكرانيا، نجد أنّ أيّ مدقّق لغويّ يكتشف أنّ كلّ الزوبعة مبنية على تكهّنات وتوقّعات ومخاوف لا يوجد ما يثبتها أو يثبت جزءاً من صحتها على أرض الواقع. ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر مقالاً نشرته رويترز وأخذته البي بي سي بعنوان “روسيا أوكرانيا: بوتين يقارن مكان الحرب في دونباس للتطهير العرقي” حيث يقول كاتب المقال: “هناك مخاوف بأنّ روسيا تنوي غزو أوكرانيا بينما تنفي روسيا ذلك”. لاحظوا “مخاوف” من نيّة، ومن ثمّ، وبناء على مخاوف من نوايا، فإنّ واشنطن وحلفاءها حذّروا الكرملين من عقوبات قاسية إذا ما هاجمت روسيا جارتها مرة ثانية. أي تثبيت أنّ روسيا هاجمت من قبل وأنّ العقوبات الشديدة قادمة بناءً على “مخاوف” من “نوايا”. بينما قالت السلطات الأوكرانية إنّ موسكو يمكن أن تكون بصدد خطط لهجوم عسكري في نهاية كانون الثاني مع أنّ السلطات الأمريكية تقول ليس واضحاً بعد ما إذا كان الرئيس بوتين قد اتخذ قراراً !!!

ومن العناوين الرئيسية في المقال: “ما هو الخطر إذا ما غزت روسيا أوكرانيا؟ هل تحضّر روسيا لغزو أوكرانيا”. العنوان في بي بي سي: “إذا غزت روسيا أوكرانيا يجب ألّا تعتمد على أنّ الولايات المتحدة ستجيب بالطريقة ذاتها. وبعدها بايدن يحذّر بوتين من غزو أوكرانيا، ويتحدّث على الهاتف لمدة ساعة ونصف مع رئيس أوكرانيا، ويتحدث مع قادة دول الناتو المجاورين لأوكرانيا. كما قال البيت الأبيض أنّه سيستمرّ في الدعم العسكري لأوكرانيا وتصعيد الدبلوماسية مع الكرملين. مع كلّ هذا التصعيد والوعيد من قبل الغرب، فإنّ روسيا تطالب ومنذ سنوات بتنفيذ اتفاق دونباس الموقّع منذ عام 2014، والذي يرفض الغرب تنفيذه كما تريد روسيا، وكما دعت إلى ذلك مرات عديدة على لسان مسؤوليها. كما أن بوتين دعا إلى توقيع اتفاق يضمن أمن الحدود مؤكداً أنه لا يريد أن تصبح أوكرانيا دولة ناتو على حدوده. أي أن الموقف الروسي واضح ومحق بينما تعتري الموقف الغربي الشكوك والتأويلات والتفسيرات الذاتية.

تقول روسيا إنّ أوكرانيا هي الخليفة الاستراتيجية والروحية لها، وتريد تطمينات من الغرب أنّ أوكرانيا لن تنضمّ إلى الناتو أبداً، أو أن تسمح بنصب صواريخ قصيرة المدى على أراضيها، وهذا طلب معقول لدولة جارة كانت أوكرانيا جزءاً منها حتى وقت قريب، وتريد ضمان سلامة أراضيها، وألا تصبح أوكرانيا مصدراً للعدوان على روسيا. وهذا الطلب يمكن تلبيته من خلال اتفاقات بين الولايات المتحدة وروسيا لو صدقت النوايا، ولكن الغرب يريد في العمق أنتزاع أوكرانيا، وضمّها إلى أجندته بحيث تصبح مصدراً لتهديد روسيا.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف نلاحظ التلاعب اللغوي بالحديث عن النوايا والظنون والشبهات والاعتقادات التي تعتبر مستفزّة وتروّج للتوتّر وتخلق غمامة من الضباب حول الأخبار، بحيث لا يميّز المرء بين الأكاذيب والواقع، ولا يعلمون مالذي يجب أن يصدّقوه أو يكذّبوه. تماماً كما حدث أيضاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول بحيث أصبحت الشبهة التي يخترعها أيّ شخص لمسلم أو مسافر يتكلّم العربية جريمة بحدّ ذاتها، وأصبحت عبارات مثل “يشتبه به، او يُظنّ أو يُعتقد” وكأنها برهان ملموس تخوّل السلطات المعنية لاعتقال الشخص مصدر الشبهة.

في كلّ حرب نلحظ الدور الكبير للإعلام، وخاصة في صياغة الأخبار بطريقة تخدم أصحاب النوايا المبيّتة وراء هذا الخبر، وبما أنّ معظم وكالات الأنباء الغربية ملك لمن يسمّون أنفسهم بالديمقراطيات الغربية، فإنّ دور العالم هو تلقّي الأخبار المصاغة من وجهة نظر الغرب والتفكير والتحليل على أساسها، دون وجود مرجعية أخرى بذات الانتشار والقدرة تقارع الظنون والشبهات بأخبار موثوقة من الواقع وتحليلات ذات مصداقية ورؤى هدفها إطلاع العالم على ما يجري وليس تضليله من أجل إحراز نقاط لفريق معين ضدّ الفريق الآخر، بغضّ النظر عن الواقع وحقيقة المشهد على الأرض.

ما أحوج عالم اليوم وبعد كل هذه الكوارث إلى مرجعية إعلامية واقعية وذات مصداقية تنتزع من الإعلام الغربي رواياته وسردياته في الترويج للحروب والتي أثبتت مرة تلو الأخرى انها لا تمتّ إلى الواقع بصله ولكنها استخدمت كذرائع لتنفيذ اجندات تستهدف بلداناً بعينها لصالح هيمنة ومراكمة ثروات الغرب على حساب الشعوب والبلدان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالسبت 01 يناير 2022, 7:24 am

أنا عراقي..أنا أقرأ 
أ.د. بثينة شعبان
فيسبوك تويتر مشاركة عبر البريد طباعة
نحن من جيل نشأنا على مقولة أنّ القاهرة تكتب وبيروت تنشر والعراق تقرأ، نشأنا على واقع كانت أعداد عديدة من كافة أنحاء الوطن العربي تجتمع في القاهرة لتشكّل نخبة ثقافية عربية، وكثير من دور النشر تتخذ من بيروت مقرّاً لها للتوزيع على كافة أنحاء الوطن العربي، والتمويل الكبير لبيع الكتاب على العراق الذي كان يشتري عشرات الآلاف من النسخ لأن العراقيين معروفون بأنهم قراء وأصحاب مكتبات وحوارات وأمسيات شعر وإنتاج أدبي رفيع. ولكن وبعد حصار العراق ومن ثمّ احتلاله من قبل القوات الأمريكية تراجع النشر في بيروت وفي كلّ العواصم العربية وأصبح الناشر بالكاد يطبع بضعة آلاف نسخة لأمة يقارب عدد سكانها أربعمئة مليون نسمة.

والمفجع في الأمر هذا هو أن بعض العرب وحتى بعض المشرفين على الشؤون التربوية في المدارس أخذوا يروّجون لفكرة عدم جدوى القراءة باعتبار أن المعلومات غدت متاحة على النت وأنه لا داعي لأن نعذّب الأطفال بقراءة كتب سوف ينسون محتوياتها بعد تقديم امتحاناتهم. أضف إلى ذلك أن معظم الأهل استسلموا لإدمان أطفالهم ويافعيهم على برامج الشبكة العنكبوتية بحيث يقتلون وقتهم ولكنهم يريحون الأهل من عناء تعليمهم أو الحديث إليهم أو مناقشتهم أو مصاحبتهم إلى المكتبات والمسارح والموسيقا. وظنّ هؤلاء العرب أنهم جزء من ظاهرة عالمية جارفة لا يحاول أحد أن يتصدى لها غير مدركين أن الشعوب في الغرب والشرق مازالت تقرأ وتعلّم أولادها القراءة وارتياد المكتبات وعقد حلقات نقاش حول الكتب في المدارس وإيلاء أهمية كبرى للمطالعة من خارج المنهاج الدرسيّ.

وبدأت المكتبات في كثير من العواصم العربية بالإغلاق كما أعلنت كثير من دور النشر إفلاسها وعدم قدرتها على المتابعة في ظاهرة تشكّل انتكاسة للثقافة العربية والفكر العربي. وفي هذا المفصل بالذات بدأت بعض المجتمعات تسارع الخطى فيما بعد الحروب العسكرية والاقتصادية لتعلن ريادتها في الحرب المعرفية والثقافية فأخذت تسجل الإرث المادي واللامادي باسمها وتخصص الميزانيات السخيّة للتعريف بثقافتها رغم فقرها في هذا المجال وذلك بسبب تجذر الإدراك أن الثقافة هي الهوية وأن الحروب بكافة أشكالها تبدأ وتنتهي ولكنّ سرّ استمرار الحضارات والشعوب هو استمرار إرثها الثقافي والحفاظ عليه وتطويره وتألقه وازدهاره.

من هنا سعدت أيما سعادة أن أطلع على معرض الكتاب في العراق والذي يعقد للمرة الثانية هذا العام تحت عنوان “النخلة والشعب” عنوان رواية محمد غريب فرمان ، وأسعدت أكثر حين تابعت الإقبال الشبابي على المعرض وشراء الكتب الورقية وتبرع وزارة الثقافة العراقية بعشرات الآلاف من الكتب لإهدائها للقراء وفضول اليافعين للاطلاع على أسس نظم الشعر العربي التقليدي ومراجعة ما كتبه الآباء والأجداد لتشكيل مخزون ثقافي معرفي لدى هذا الجيل لن تتمكن الشبكة العنكبوتية ولا وسائل التواصل الاجتماعي من التعويض عنه خاصة وأن الكثيرين من المطلعين يدركون أولاً أن المساهمة العربية في المنشور على النت هي مساهمة متواضعة ناهيك عن أن هذا المنشور مليء بالأخطاء ولا يمكن الرّكون إليه كمصدر حقيقي للمعرفة.

تزامنت متابعتي لمعرض الكتاب هذا في بغداد وقرب افتتاح شارع المتنبي، المشهور عالمياً أنه “شارع الكتاب”، مع تسجيل القدود الحلبية السورية في منظمة اليونيسكو بجهود ومتابعة حثيثة من السيدة أسماء الأسد بعد أن سجلت الملكية الفكرية لخيال الظل أيضاً منذ عامين، كما تزامنت مع تسجيل الفلسطينيين الثوب الفلسطيني والتطريز الفلسطيني ملكية فكرية للفلسطينيين طورتها جداتهم على مدى آلاف السنين.

إن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على تنامي الوعي لطبيعة المعركة القادمة أو التي بدأت بالفعل وهي معركة المعرفة والثقافة والملكية الفكرية. والسؤال هو: هل يبشر كل هذا ببدء معركة الوعي للاهتمام بثقافتنا وتاريخنا وهويتنا والحفاظ عليها وتطويرها بما يمكننا من كسب أصعب المعارك ألا وهي معركة الصمود والارتقاء؟

بوابة الثقافة واللغة العربية الواحدة أداة الإنتاج الفكري والمعرفي في كافة أقطار وطننا العربي تتجاوز الحدود القطرية وتلِج الأمصار العربية من أوسع أبوابها؛ حيث تنكفئ سايكس بيكو وتتلاشى مفاعيلها بين أبناء الضاد الذين يقرضون الشعر نفسه ويكتبون الرواية والقصة نفسها ويتقنون لغة منّ الله عليهم بها وهي من أجمل وأغنى لغات الأرض.

من بوابة الثقافة تُختزل المسافات وتختفي الحدود المصطنعة وتتلاقح الأفكار والآراء وتولّد المشتركات بين أبناء الأمة ليس في الثقافة والمعرفة فقط وإنما في فهم الماضي واستدراك الحاضر والتطلع إلى مستقبل أفضل.  والأرض خصبة هنا والمشاعر مفعمة والإيمان متجذر على مستوى الشعوب وبغض النظر عن وضع الحكم والحكومات؛ وإلا كيف نفهم أن يتحول كأس العرب إلى كأس فلسطين وأن يعمد الفريق الجزائري والتونسي والحاضرون والضيوف من العرب إلى رفع علم فلسطين قبل رفع علم بلدانهم. أوليس هذا مؤشراً إلى مرحلة جديدة من الوعي بالهوية وطبيعة الصراع؟

معركة الوعي هي معركتنا الحقيقية الحالية والمستقبلية: الوعي بهويتنا وبحضارتنا وبقيمنا وبتاريخنا وبضرورات وأساسيات تطورنا وارتقائنا. يشوب معركتنا هذه ضخّ إعلامي يومي مكثف من قبل الخصوم والأعداء والمطبعين والمهرولين هدفه دبّ اليأس في النفوس والإصرار على أن العدو جبروت لا يُقهر وأنه من العبث التصدّي له ومقارعته. هدف هذا الإعلام هو عدم السماح لمعركتنا بالانطلاق وتقويض عوامل نجاحها قبل أن تبدأ ولذلك فإن المرحلة الأولى في معركة الوعي هذه هي استعادة الثقة بالنفس والإيمان بأننا قادرون على أن نعيد الأمور إلى نصابها الصحيح وأن نعيد موازين القوى إلى ماهي عليه بالفعل بعيداً عن الترويج الكاذب والتهويل الذي اعتمده عدونا حتى في حروبه ضدنا ليرتكب مجزرة هنا وهناك يروّع من خلالها الأهالي ويرغمهم على النزوح فقط ليحتلّ أرضهم ويسرق تاريخهم وموروثاتهم ويدّعي الغلبة والتفوق عليهم.

والمرحلة الثانية هي أن نغرس أقدامنا أعمق وأعمق في أرضنا الطيبة وألا نسمح للرياح مهما عتت أن تزحزحنا من مكاننا ومكان آبائنا وأجدادنا وأن نروي قصصنا وتاريخنا بأنفسنا وأن نسجل ما نملكه من حضارة وإرث وتاريخ باسمنا وأن نقرأ ونكتب وننتج المعرفة ولا نسمح لأحد أن يتحدث باسمنا أو يروي روايات قضايانا، بل أن نكون حاضرين في كل درب وعلى كل مفرق وفي كل لغة ومنصّة؛ فالمعقل الأخير لوجودنا جميعاً هو هويتنا وألوان هذه الهوية ومكوناتها وتاريخها وقدرتها على الاستمرار والتألق والعطاء، وماعدا كل ذلك فهو عابر ولن يتذكره أحد.

لنقلْ جميعاً: “أنا عربي أنا أقرأ، وأنا عربي أنا موجود هوية ولغة وحضارة وقضية”، لا يستطيع أحد أن يغتصبها بتغيير الأفعال والأسماء؛ فهي موجودة وشامخة رغم كل التهويل والكذب والإسفاف الذي سوف يذهب جفاءً، بينما يبقى ما نفعله نحن وما نخطّه ماكثاً في الأرض.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالإثنين 10 يناير 2022, 9:00 am

لماذا نعيد اختراع البارود؟….
بقلم: أ. د. بثينة شعبان

عشية الذكرى الـ 57 لانطلاق الثورة الفلسطينية في الأول من كانون الثاني عام 1965، أقرأ مقالاً مهماً في جريدة «الغارديان» البريطانية نشرته في 30 كانون الأول الماضي بعنوان: «حين أخذ القس ديزموند توتو موقفاً من أجل حقوق الفلسطينيين لم يكن من الممكن تجاهله».

يعترف كاتب مقال الرأي في «الغارديان» أن القس ديزموند توتو، المقاوم ضدّ الأبارثايد في جنوب إفريقيا، قد تلقّى مديحاً من كلّ أنحاء العالم بعد وفاته لموقفه المناصر للقضية الفلسطينية، ولكشفه وإصراره أنّ ممارسات حكم إسرائيل للفلسطينيين تذكّره بكلّ تفاصيل الفصل العنصري في جنوب إفريقيا من هدم للمنازل إلى نظام الحواجز وتقييد حركة الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم لبناء مستوطنات عليها، وسجن الفلسطينيين في بقع صغيرة من الأرض، كلّ تلك الممارسات العنصرية ذكرته بنظام البوندستان في جنوب إفريقيا، والذي أسسه الأوروبيون البيض لاستعمار الأرض واستعباد أهل الأرض من الأفارقة.

ومع أنّ بعض المتعصّبين للكيان الصهيوني اتهمه بمعاداة السامية، إلّا أنّ دعوته لمقاطعة إسرائيل حملت وزناً أخلاقياً لا يفوقه إلّا وزن كلام الصوت الأقوى ضدّ الفصل العنصري في العالم؛ صوت نيلسن مانديلا، ويستخلص توتو من تجربة شعبه في جنوب إفريقيا أنّ ما أجبر الآخرين على الجلوس حول الطاولة والاعتراف بحقوق شعب جنوب إفريقيا هو محاصرة جنوب إفريقيا اقتصادياً وأكاديمياً وثقافياً ونفسياً على نطاق العالم.

وكلّنا نتذكّر أنّ رئيسة وزراء بريطانيا الأسبق من حزب المحافظين، مارغريت تاتشر، والمعروفة بسياساتها اليمينية المتطرّفة، كانت ضدّ مقاومة جنوب إفريقيا العنصرية، وأنّ الولايات المتحدة صنّفت حزب المؤتمر في جنوب إفريقيا الذي كان يرأسه نيلسن مانديلا بأنه حزب إرهابي، تماماً كما تصف اليوم المناضلين ضدّ الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والجولان وجنوب لبنان واليمن والعراق بالإرهابيين.

كذلك أجرى الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر مقارنات مشابهة بين الكيان الصهيوني ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في كتابه: «سلام وليس فصلاً عنصرياً عام 2006»، ولكنّ المسألة هي أنّه كان من الأصعب مهاجمة القس ديزموند توتو، وهو الحاصل على جائزة نوبل للسلام لموقفه الشجاع ضدّ نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وهو الذي أكّد أنه يعرف الفصل العنصري فوراً حين يلحظه.

في عام 2021 نشرت «هيومان رايتس ووتش» بالتعاون مع «مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة – بتسليم» تقريراً جريئاً يصف سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين بالفصل العنصري، وقد كان لتشبيه توتو لسيطرة إسرائيل على الشعب الفلسطيني بالفصل العنصري في جنوب إفريقيا أبلغ الأثر في إسرائيل والعالم؛ فقد دبّ الذعر في قلوب الحكومة الإسرائيلية خاصّة وأنّ هناك حركة متنامية ترى الصراع من خلال تكريس الظلم وانعدام العدالة، الأمر الذي يجد صدى في الولايات المتحدة، وقد اكتسب أهمية كبرى في العام الماضي من خلال حركة: «حياة السود مهمّة».

في ضوء الانقسامات التي تعاني منها منظمات فلسطينية تعمل من أجل إعادة الحقّ الفلسطيني، ومن خلال الافتقار لقيادة موحّدة ومنهج واحد يعيد الزخم للقضية الفلسطينية، لماذا «نعيد اختراع البارود» ولا نسير في الدرب ذاته الذي أوصل من عانَوا من ظروف مماثلة إلى تحقيق هدفهم في التحرير والانتصار؟ لماذا لا نعيد الخطط والخطوات ذاتها التي سلكتها جنوب إفريقيا محلياً وإفريقياً ودولياً خاصّة وأنّ هذا المسار قد أثبت جدواه وفاعليته؟ وأنّ أشخاصاً أمثال نيلسن مانديلا وديزموند توتو مازالوا يقضّون مضاجع العاكفين على الظلم والاحتلال والاستيطان حتى بعد مغادرتهم هذه الحياة؟

إنّ ما قام ويقوم به الرياضيون العرب من رفض مشاركة لاعبين إسرائيليين الحلبة في أيّ مجال، ومن رفع علم فلسطين مع علم بلادهم في أيّ مباراة يخوضونها، هو أمر يقضّ مضاجع الأعداء لأنهم يعلمون أنّ التفهم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وحقّ السوريين في الجولان هو أمر قانوني وشرعي، وقضية حقوق الإنسان لا يمكن لأحد أن يقف ضدّها ويربح الموقف.

التحدّي اليوم هو في إدراك حجم الإعلام المضلّل الذي تبثّه القنوات المرتهنة للأعداء، وفي الارتكاز على الحقّ التاريخيّ للشعوب، الذي لا يمكن لأيّ قوّة طاغية أن تغيّره، وفي حساب الخطوات التي يجب اتخاذها في ظلّ المتغيّرات الإقليمية والدولية، وفي التخطيط وفق منهجيّة جديدة تأخذ بعين الاعتبار التحوّلات الهائلة التي طرأت على عالم اليوم بعد سبعة وخمسين عاماً من إطلاق الرصاصة الأولى لبرنامج تحرير فلسطين؛ إذ قد يكون البرنامج اليوم مختلفاً في طبيعته وضرورات نجاحه وأساليب عمله ومتطلّبات وصوله إلى ضمائر وقلوب العالم كي يفهموا أولاً حقيقة ما يجري بعيداً عن الأكاذيب وحملات التضليل، ولا شكّ أنّ الغالبية العظمى في العالم ستقف مع إحقاق الحقوق.

في إعلامهم المعادي للعرب يركّزون على الفرقة والانقسام بين أبناء الشعب الفلسطيني، وحتى في مقاربتهم للعلاقات مع دول أخرى، ويركّزون على ما يسمى بديمقراطيتهم وعدم وجود ديمقراطية في البلدان العربية، إلى ما هنالك من الأوهام التي نجحوا في زراعتها في أذهان البعض. اليوم يجب التركيز على صيغ الاحتلال والاستيطان والأسر وزجّ الشباب والشابات في السجون وإجبار الناس على هدم منازلهم بأيديهم ومصادرة أرضهم ومصادرة رزقهم، ويجب التركيز على المقاطعة الأكاديمية والرياضية والثقافية والاقتصادية لأنّ هذا هو الأسلوب الذي أثبت نجاعته وأدّى في النتيجة إلى تحرير جنوب إفريقيا.

التشبيك مع كلّ منظمات حقوق الإنسان في العالم، وخاصّة مع حركة «حياة السود مهمّة» هو أمر في غاية الأهمية، علّ الفصائل الفلسطينية كلّها تكون قادرة على اتخاذ موقف موحّد في هذا الصّدد؛ موقف يعلن بداية جديدة لشكل آخر من أشكال النضال ضدّ الاحتلال والاستيطان ونظام الفصل العنصري، شكل يعكف أولاً على دراسة متأنّية ومعمّقة لتجربة جنوب إفريقيا، ومن ثمّ وضع الخطط المناسبة ليس فقط للمقاومة الفلسطينية، وإنما لمحور المقاومة للتحرّك على المستوى الفكري والثقافي والدبلوماسي والرياضي والفنيّ، وفي كلّ مجال ومكان ومناسبة لإلقاء الضوء على حقيقة ما يتعرّض له شعب أعزل في فلسطين والجولان بدلاً من نقل أخبار الأسرى والشهداء يومياً دون حمل قضيتهم بالطريقة الواعدة التي تُري الجميع الضوء في نهاية النفق، وتشغل جميع الضمائر الحيّة في العالم بحيث لا يقف أحد على الحياد بعد اليوم؛ لأنّ الوقوف على الحياد كما قال توتو هو بحدّ ذاته مساهمة في دعم الاحتلال والاستيطان والطغيان.

عالم جديد يتطلّب أدوات جديدة وتغيير أساليب وخطط المقاومة بما يتلاءم مع طبيعة هذا العصر واستعداد البشر لتفهّم قضاياه المحقّة ودعمها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Empty
مُساهمةموضوع: رد: د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء    د.بثينة شعبان -   أنتم الأحرار ونحن السجناء   Emptyالثلاثاء 25 يناير 2022, 12:11 pm

التضامن فعل 
أ.د. بثينة شعبان


“التضامن فعل” هو الشعار الذي رفعته الممثلة البريطانية الشابة “إما واتسون” دعماً للقضية الفلسطينية. 

والممثلة إما واتسون حصدت عدة جوائز من هوليود على دورها في أفلام هاري بوتر وتمت تسميتها في عام 

2014 سفيرة للنوايا الحسنة للنساء في الأمم المتحدة حيث زارت عدة بلدان أفريقية وأبدت حماساً صادقاً في 

مساعدة الشابات للحصول على فرص متساوية في الحياة. وفي ردة فعلها على تعيينها سفيرة النوايا الحسنة للنساء 

في الأمم المتحدة قالت: “إنه لشرف يخجل تواضعي ولا شك أنني في مسار التعلم ولكن هذا لن يمنعني من أن 

أشارك الآخرين خبرتي وأبذل جهدي من أجلهم”. وأضافت: “لايحظى كل شخص بالفرصة لإحداث فرق أو تغيير 

ولاشك أنني لن أستهين بهذه الفرصة التي مُنحت لي”.

وقد نالت واتسون جوائز عدة في هوليود كممثلة شابة واعدة قبل أن تبلغ الثلاثين من عمرها، وحين طُلب منها أن 

تصف نفسها قالت أعتبر نفسي “روحانية عالمية”، ويكشف مسارها عن فكر وقّاد وعزيمة صلبة ورؤية واضحة 

لمسارٍ ومهمات نبيلة في الحياة.

ولكنها وما إن عبّرت عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني البطل منذ أسابيع قليلة حتى انهالت عليها التهم بمعاداة 

السامية، وانبرى الصهاينة لمحاولة تشويه عملها ورؤيتها للقضية الفلسطينية ودفاعها المخلص والصادق عن 

المظلومين. وتحملت كل الحملات بصبر وأناة إلى أن انضمّ إليها اليوم أكثر من أربعين نجماً من نجوم هوليود في 

تضامنها مع الشعب الفلسطيني ودفاعها عنه ضد الجرائم البشعة التي يرتكبها الصهاينة بحقه كل يوم. أكثر من 

أربعين نجماً ونجمة عالميين وقّعوا رسالة يدعمون بها إما واتسون ضدّ التهم التي وُجهت لها بمعاداة السامية من 

قبل سفير إسرائيلي سابق. ومن ضمن النجوم مارك روفالو وسوزان ساراندون،غاييل غارسيابيرنال،و 

فيغومورتينسين؛ مما يعد انتصاراً أكيداً لواتسون ضد محاولات تشويه موقفها الإنساني دعماً للفلسطينيين.

وجاء في الرسالة التي وقعها أكثر من أربعين نجماً ونجمة عالميين من هوليود: ” نضم صوتنا إلى إيما واتسون 

بدعم العبارة الفلسطينية بأـن “التضامن فعل” بما فيها التضامن ذي المغزى معالفلسطينيين الذين يناضلون من أجل 

حقوقهم الإنسانية في ظل القانون الدولي”.

أهمية هذا الحدث تنبع من جرأة رفع الصوت من قبل أناس مشهورين في وجه ابتزاز تهمة “معاداة السامية” التي 

اعتاد الصهاينة على رفعها واستخدامها ضد كل من يدعم أسيراً أو مجاهداً أو فتاة فلسطينية تتعرض لأسوأ أنواع 

الإجرام من قبل قوات احتلال واستيطان لا تفتأ تنكّل بهذا الشعب الأعزل ليل نهار وتحت مرأى ومسمعالعالم، وكلما 

تجرأ أحد على رفع الصوت من أجل مناصرة المظلومين كانت تهمة معاداة السامية له بالمرصاد.

لقد قرّر العدو الإسرائيلي منذ بضع سنوات أن يبذل جهوداً مكثفة لمساواة معاداة جرائم الكيان الصهيوني بمعاداة 

السامية وأخذ يعمل على هذا الأساس ويتهم كل من يتجرأ أن يساند الشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال بأنه 

يمارس معاداة السامية.

وهذه هي المرة الأولى التي تتجرأ فيها أصوات هامة في العالم على أن تضمّ صوتها إلى صوت الممثلة الشابة إما 

واتسون في التفريق بين التضامن مع الشعب الفلسطيني والذي هو عمل يهدف إلى رفع الظلم عن المظلومين وبين 

معاداة السامية، وهذا هو بالذات مانحتاجه اليوم: الصبر من جهة، ومن جهة ثانية التعاون والتكاتف والتعبير 

الجريء عن الرأي السديد بغض النظر عن كل الأصوات والأقلام التي تحاول أن تخلق من الكذب مساراً وسرداً 

ورواية تقنع بها بعض الجهلة أو الجبناء وضعاف العقول: إن كل ما يحتاجه الأمر اليوم هو حفنة من الجرأة 

والاستعداد للتضحية في سبيل رأي سديد وإيمان صادق وعقيدة مخلصة. ومسار الشأن الفلسطيني اليوم في هذا 

الإطار يجسد إلى حدّبعيد المسار الذي يمرّ به عالم اليوم على امتداد هذا الكوكب.

فكما أن القضية الفلسطينية هي قضية حق لشعب يتم تهجيره عن أرضه وأرض أجداده والتنكيل به ليل نهار بينما 

يفاخر المعتدون والمحتلون بأنهم بناة ديمقراطية وحقوق إنسان، كذلك عالم اليوم يعاني من أكاذيب وتسويف وهراء 

تتناقض كلياً مع الواقع المعاش. والمسبّب باستمرار هذا الواقع، بالإضافة طبعاً إلى العدد القليل الذي يخطط ويعمل 

لذرّ الرماد في العيون وقلب الحقائق، هو وجود أعداد لاتحصى من الجبناء الذين لايجرؤون على رفع الصوت خوفاً 

من خسارة موقع أو مال أو جاه فيصبحوا بذلك شركاء لمن يخلق هذا الواقع المريض ويعمل على استمراره.

ولكن ومع نجاح تجربة جريئة تتحدى الزيف والتهويل والتسويف تتراكم الجرأة لدى الحياديين أو الخائفين أو الذين 

لايريدون أن يدفعوا أية أثمان لمواقفهم، وشيئاً فشيئاً تتخلص الأغلبية من الخوف والجبن وتنضمّ إلى من حملوا 

شعار الفعل وقرّروا أن التضامن ليس فقط مشاهدة معاناة الآخرين والتعبير عن الحزن أو الأسى ولكن التضامن “

فعل”؛ سواء أكان هذا الفعل كلمة حق وإعلاء صوت في سبيلها أو عمل منجز أو دعم لفئات مهمشة وغير قادرة؛ 

فالمهم هو أن يكون هناك فعل لامجرد كلمات.

كتابة رسالة دعم لموقف إما واتسون ضد التهم الموجهة لها بمعاداة السامية هو فعل، وعمل واتسون في دعم 

الفلسطينيين هو فعل جريء ونبيل ويحسب لها اليوم وغداً وعلى مرّ الزمن؛ إذ بعد أن وصل العالم إلى هذه الدرجة 

من الإعلام المفتوح وبعد أن أصبح الآخرون يرون بأم أعينهم كيف تسحل قوات الاحتلال شابة في النقب فقط لأنها 

تريد الاستمرار بالعيش في قريتها وعلى أرضها، ويرون الشاحنات الأمريكيةكيف تسرق النفط والقمح السوريين في 

وضح النهار وتحرم السوريين من خيرات أرضهم، لم يعد هناك للحيادية أو للصمت مطرح وأصبح الموقف ضرورة 

إنسانية يمليها الضميرالحي واحترام المرء لذاته.

اليوم وفي ظل الجدل الدائر بين المعسكرين الشرقي والغربي تتلاشى تدريجياً أهمية ضخ الأكاذيب في الإعلام، 

وتتجذر يوماً بعد يوم أهمية الكلمة الصادقة والمحقّة وخاصة مع بدء التعاون والتحالف والتفاهم بين الدول 

المتضررة من هذا التسويف الإعلامي الذي أصبح صناعة بحدّ ذاته وكلّف العالم ملايين الأنفس في بقع مختلفة منه. 

اليوم ورغم الضخ الإعلامي الغربي والذي يحاول تشويه الوقائع في أوكرانيا وناغورنيكراباخ وكازاخستان نجد أن 

الاتحاد الروسي لم يقم وزناّ لكلّ حملاتهم هذه واتخذ خطواته وفق الاتفاقات مع دول الاتحاد السوفييتي السابقة 

وصحح المسار ومازال يعمل على ذلك في كل اتجاه بكل تصميم وجرأة؛ أي لم  يعد مسار الأحداث رهناً للادعاءات 

التي يلفقونها في الإعلام بعد أن فقد هذا الإعلام مصداقيته في الوقت الذي تنطلق فيه لغة هادئة مدروسة وموزونة 

من الصين وروسيا وإيران حيث تعمل هذه الدول على تمتين أواصر التعاون بينها وعلى التوافق على منهج في 

السياسة والدبلوماسية والاقتصاد ونصرة الشعوب المظلومة على كل أشكال الاحتلال والطغيان.

ومع تصاعد وتعزيز الصوت القادم من الشرق ومع تمكين آليات العمل بين هذه الدول ستصاب المنهجية الغربية 

بالخذلان وستكتشف قريباً جداً أنها غير قادرة على الاستمرار بالمسار المضلّل والذي كمّ الأفواه لفترة ليست قصيرة. 

وكلما انتشر صوت الشرق في العالم ووصل إلى أسماع الطامحين في الحرية الحقيقية والمساواة بين البشر حتى في 

الغرب كلما تجرأ الناس على مساندة الحقائق ورفض محاولات الابتزاز والتهويل، وهذا هو المسار الذي يشبه كرة 

الثلج؛ إذ أنه يأخذ وقتاً في البداية ولكن ما إن تبدأ الكرة بالتدحرج حتى تكبر وتكبر بشكل شبه آلي وبجهود قليلة إذ 

لايمكن لأحد أن يفكر بإيقاف مسارها المتسارع.

خلْع رداء الجبن اليوم والتحلّي بالجرأة والعمل على التحالف والتضامن والتآزر بين الأصوات والقوى المؤمنة فعلاً 

بالحقوق المتساوية بين البشر هو العمل المطلوب والمناسب في هذه المرحلة من تاريخ العالم وتاريخ 

الصراعات.وكم من شعلة أوقدت ناراً طهّرت البشرية من آثام متراكمة زرعها بعض الأشرار وساهم في استمرارها 

جماهير من الساكتين عن الحق.

تحية للمثلة الشابة إما واتسون ولكلّ من أيدها في تضامنها الفعال مع الشعب الفلسطيني، وتحية لكل من يعمل على 

أن يكون التضامن فعلاً وليس مجرد شعور خافت أو كلمات مكبوتة لا تجد طريقها إلى آذان وضمائر الآخرين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
د.بثينة شعبان - أنتم الأحرار ونحن السجناء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  بثينة حمدان بلد عايشة ع نكشة: ...؟
» أصدقائي .. أين أنتم
» هذه هي الديمقراطية فهل أنتم منتهون...؟
» مسلسل قبضة الأحرار
» وفاة آخر "الضباط الأحرار" في مصر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: مواضيع ثقافية عامة :: مقالات-
انتقل الى: