عز الدين القسام .. شيخ المجاهدين (إطار)
- اقتباس :
- ولد في سوريا ودرس في مصر وجاهد واستشهد في فلسطين
جنين (فلسطين) - خدمة قدس برس |
الاثنين 20 نوفمبر 2017 - 13:07 مشيخ سوري عاش لفلسطين وقاوم لأجلها، حتى سالت دماؤه على أرضها في صفحة من صفحات التحام الدم العربي الفلسطيني، رفضًا للظلم الذي ساند العالم به دولة الاحتلال طوال عشرات السنين.
محمد عز الدين بن عبد القادر مصطفى القسام، ولد في بلدة "جبلة" على الساحل السوري عام (1882- 1935م) من أسرة كريمة، وكان أبوه شيخا صوفيا، وله زاوية يعلم فيها الأولاد. أرسله إلى مصر، ليتعلم في الجامع الأزهر عام 1896، ومكث فيها نحو عشر سنوات، كان فيها يتلقى تعاليم الإسلام، وتأثر بأفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي، كما تأثر بمدرسة الجهاد التي أنشأها محمد رشيد رضا.
عندما عاد إلى بلدته "جبلة" اشتغل بالتعليم والوعظ، فكان معلمًا عاملًا على القضاء على الأمية لدى الكبار والصغار، كما كان خطيبًا لجامع المنصوري، حيث استطاع بخطاباته الواعية المدروسة ذات الموضوعات التي تلامس قلوب المصلين وعقولهم التأثير بالناس، وأن يجمعهم حوله، وفي المرحلة التي احتلّ الإيطاليون طرابلس الغرب عام 1911 قاد مظاهرة ضدّ إيطاليا في "جبلة" ودعا الناس إلى التطوع من أجل الدفاع عن طرابلس.
وعندما احتلّ الفرنسيون الساحل السوري عام 1918 نادى بالثورة عليهم، وباع بيته الذي لا يملك سواه، واشترى بثمنه 24 بندقية، وخرج بأسرته إلى قرية (الحفّة) في جبل صهيون وانضمّ بمن معه من المجاهدين إلى الثورة التي قادها المجاهد عمر البيطار في جبال اللاذقية، وصار يشجّع الناس على الالتحاق بالثورة، وعلى قتال الجيش الفرنسي الغازي.
طاردت قوات الاحتلال الفرنسية، الشيخ القسام وحكمت عليه وعلى عدد من المقاتلين بالإعدام غيابيًا، ثم حاولت إغراءه بالمال والمنصب، ولكنها فشلت. وعندما اشتدت ملاحقة الجيش الفرنسي لرجال الثورة، وفرّ عدد كبير منهم إلى تركيا والمدن والقرى السورية البعيدة، غادر الشيخ عز الدين مع بعض إخوانه المجاهدين إلى بيروت، ثم إلى حيفا في فلسطين، أواخر عام 1920.
أصبح القسام إمامًا لجامع الاستقلال وخطيبه المفوّه، كما انتخب رئيسًا لجمعية الشبان المسلمين في حيفا، ونشط في افتتاح عدد من الفروع لها في العديد من القرى التابعة لها، وكان يزورها، من أجل تنظيمها وترتيب أمورها، وتنشيط أعضائها، ويلقي دروسه ومحاضراته فيها.
استمر جهاد الشيخ القسام 15 عامًا، يخطب ويحاضر ويعظ ويحضّ على الجهاد، ويحثّ على التضحية والبذل والجود بالمال والروح، وكان يشتري السلاح سرًّا، ويدرّب عليه من وقع اختياره عليه من الأتباع، ثم يأمر أعوانه بتدريب من يرونه أهلًا لحفظ السر والكتمان، على السلاح وعلى القتال، ويأمر من يلقاه من أصحاب الحميّة والدين باقتناء السلاح، تمهيدًا للقيام بثورة.
حدّد الشيخ أهدافه الثلاثة للثورة مسبقًا وهي، تحرير فلسطين من الاستعمار الإنجليزي الذي يُعدّ العدو الأول للفلسطينيين ولسائر المسلمين، لأنه وعد اليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وسمح بهجرة عشرات الآلاف منهم إليها، وكذلك الحيلولة دون تحقيق آمال اليهود في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، وإنشاء دولة يهودية على أرضها، بالإضافة إلى إقامة دولة عربية إسلامية في فلسطين، تكون نواة لدولة الوحدة التي تجمع العرب والمسلمين.
كان القسام يعمل في سرّية وتكتُّم، ولا يطلع على خطته إلا خاصة أعوانه ومساعديه الذين كانوا يخططون معه للعمليات التي ينفذونها ضد ثكنات الإنجليز، ومستوطنات اليهود القادمين من الخارج، وكانت عيون الإنجليز واليهود مفتوحة على الشعب، ثم تركزت على الشيخ عز الدين، وقد استدعته سلطة الاحتلال الإنجليزي وحققت معه أكثر من مرة، ولما عرف الشيخ أن وضعه قد انكشف، وعرف أعداؤه بعض ما قام به، وما يخطط للقيام به، خرج بأعوانه إلى جبل جنين، لتثوير الفلاحين وتدريبهم على حمل السلاح، ومناجزة الإنجليز واليهود.
قبل أن يتحرك الشيخ وأعوانه لتنفيذ ما قرروا القيام به، كشفت سلطات الاحتلال مكانه، فحشدت أكثر من 150 شرطيًا بريطانيًا وعربيًا، وحاصرته في حرش (يعبد) صباح 20 تشرين ثاني/ نوفمبر 1935، من ثلاث جهات، وكان بإمكان الشيخ وإخوانه أن يهربوا، ولكنه أبى الفرار من المعركة التي فُرضت عليه، وقرر خوضها مع علمه بأنها معركة غير متكافئة، من حيث العدد والتدريب والمكان، فقد كان الشيخ وإخوانه في الوادي، وكان المهاجمون المحاصرون في الجبل.
كان القائد الإنجليزي وضع الشرطة العرب في ثلاثة صفوف أمامية، فكانوا يتقدمون الحملة، وكان قد أوهمهم أنهم يهاجمون عصابة من اللصوص وقطّاع الطرق، فأمر الشيخ إخوانه بأن لا يقتلوا أحدًا من الشرطة العرب الذين كانوا يتقدمون نحو المجاهدين، وهم لا يعرفون أنهم يقاتلونه، إلى أن أحيط بالشيخ وإخوانه، فطلب قائد الحملة من الشيخ أن يستسلم وإخوانه، لينجوا من الموت المؤكد، إلا انه رفض الاستسلام، قبل أن يرتقي الشيخ وأربعة من إخوانه شهداء، وجُرح اثنان، وأُسر أربعة، بعد ست ساعات من القتال الضاري، أظهر فيه الشيخ وإخوانه بطولة نادرة، وكانوا أمثلة حيّة تحتذى في التضحية.
كان لاستشهاد الشيخ ورفاقه دويٌّ هائل في فلسطين خاصة وبلاد الشام عامة. ودُفن الشيخ عز الدين في قرية (الشيخ) قرب حيفا، ورثاه كبار الأدباء والشعراء والعلماء السياسيين، ولم يخف بعض القادة الإنجليز إعجابهم بالشيخ وبطولته وجهاده.
ولم يتوقف الثناء على جهاد الشيخ عز الدين القسام بالأدب والشعر، بل حفظ الشعب الفلسطيني للشيخ جهاده، لتطلق حركة المقاومة الإسلامية "حماس" اسم الشيخ "عز الدين القسام" على جناحها العسكري، الذي أصبح الرقم الأول في المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال.